شرح متن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد > أرشيف قسم العقيدة و التوحيد

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

شرح متن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2008-11-02, 08:28   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَوْلُهُ : (وَهُوَالْعَلِيمُ الْحَكِيمُ )
(وَهُوَالْحَكِيمُ الْخَبِيرُ* يَعْلَمُ مَايَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَايَخْرُجُ مِنْهَاوَمَايَنزِلُ مِنَ السَّمَاءوَمَايَعْرُجُ فِيهَا )


(وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَيَعْلَمُهَاإِلاَّهُوَوَيَعْلَمُ مَافِي الْبَرِّوَالْبَحْرِوَمَاتَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍإِلاَّيَعْلَمُهَاوَلاَحَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَرَطْبٍ وَلاَيَابِسٍ إِلاَّفِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)وَقَوْلُهُ: (وَمَاتَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاتَضَعُ إِلاَّ
بِعِلْمِه )،وَقَوْلُهُ: (لِتَعْلَمُواأَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍقَدِيرٌوَأَنَّ اللَّهَ قَدْأَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍعِلْمًا
)/ش/والعلم صفة لله عز وجل، بها يدرك جميع المعلومات على ما هي به، فلا يخفى عليه منها شيء؛ كما قدمنا.
وفيها إثبات اسمه الحكيم، وهـو مأخوذٌ من الحكمة، ومعناه: الذي لا يقول ولا يفعل إلا الصواب، فلا يقع منه عبثٌ ولا باطلٌ، بل كل ما يخلقه أو يأمر به فهو تابعٌ لحكمته.
وقيل: هو من فعيل بمعنى مُفْعِل، ومعناه: المُحْكِم للأشياء، من الإحكام: وهو الإتقان، فلا يقع في خلقه تفاوتٌ ولا فطورٌ، ولا يقع في تدبيره خللٌ أو اضطرابٌ.
وفيها كذلك إثبات اسمه الخبير، وهو من الخبرة؛ بمعنى كمال العلم، ووثوقه، والإحاطة بالأشياء على وجه التفصيل، ووصول علمه إلى ما خفي ودقَّ من الحسيات والمعنويات.
وقد ذكر سبحانه في هذه الآيات بعض ما يتعلَّق به علمُه؛ للدلالة على شمولـه وإحاطته بما لا تبلغه علوم خلقه:
فذكر أنه: ( يَعْلَمُ مَايَلِجُ )؛ أي: يدخل (فِي الأَرْض ) من حبٍّ وبذرٍ ومياه وحشرات ومعادن، (وَمَايَخْرُجُ مِنْهَا )من زرعٍ وأشجارٍ وعيونٍ جاريةٍ

ومعادن نافعة كذلك، (وَمَايَنزِلُ مِنَ السَّمَاء(من ثلجٍ وأمطار وصواعقَ وملائكةٍ، (وَمَايَعْرُجُ )؛ أي: يصعد (فِيهَا )كذلك من ملائكة وأعمال وطير صوافَّ… إلى غير ذلك مما يعلمه جل شأنه.
وذكر فيها أيضًا أن (عِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَيَعْلَمُهَاإِلاَّهُوَ )، ومفاتح الغيب؛ قيل: خزائنه. وقيل: طرقه وأسبابه التي يتوصل بها إليه، جمع مِفتح؛ بكسر الميم، أو مفتاح؛ بحذف ياء مفاعيل.
وقد فسرها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقولـه:
((مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله))، ثم تلا قوله تعالى : (إِنَّاللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِوَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَافِي الأَرْحَامِ وَمَاتَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَاتَكْسِبُ غَدًا وَمَاتَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّاللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ).
وقد دلّّت الآيتان الأخيرتان على أنه سبحانه عالم بعلم هو صفة لـه، قائم بذاته؛ خلافًا للمعتزلة( الذين نفوا صفاته، فمنهم من قال: إنه عالم بذاته، وقادر بذاته.. إلخ، ومنهم مَن فسر أسماءه بمعانٍ سلبية، فقال: عليم؛ معناه: لا يجهل. وقادرٌ؛ معناه: لا يعجز.. إلخ.
وهذه الآيات حجة عليهم، فقد أخبر فيها سبحانه عن إحاطة علمه بحمل كل أنثى ووضعها من حيث المعنى والكيف؛ كما أخبر عن عموم قدرته، وتعلقها بكل ممكن، وعن إحاطة علمه بجميع الأشياء.
وما أحسن ما قالـه الإمام عبد العزيز المكي(في كتابه ((الحيدة)) لبشر المَرِيسِيِّالمعتزلي وهو يناظره في مسألة العلم:
((إن الله عز وجل لم يمدح في كتابه [مَلَكًا مقرَّبًا ولا نبيًا مرسلاً]ولا مؤمنًا تقيًّا بنفي الجهل عنه؛ ليدل على إثبات العلم لـه، وإنما مدحهم بإثبات العلم لهم، فنفى بذلك الجهل عنهم... فمَن أثبت العلم نفي الجهل، ومَن نفى الجهل لم يثبت العلم))
والدليل العقلي على علمه تعالى أنه يستحيل إيجاده الأشياء مع الجهل؛ لأن إيجاده الأشياء بإرادته، والإرادة تستلزم العلم بالمُراد، ولهذا قال سبحانه:
(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَاللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )ولأن المخلوقات فيها من الإحكام والإتقان وعجيب الصنعة ودقيق الخلقة ما يشهد بعلم الفاعل لها؛ لامتناع صدور ذلك عن غير علم.
ولأن من المخلوقات من هو عالِمٌ، والعلم صفة كمال، فلو لم يكن الله عالمًا؛ لكان في المخلوقات مَن هو أكمل منه.
وكل علم في المخلوق إنما استفاده من خالقه، وواهب الكمال أحق به، وفاقد الشيء لا يعطيه.
وأنكرت الفلاسفة(علمه تعالى بالجزئيات، وقالوا: إنه يعلم الأشياء على وجه كليٍّ ثابتٍ، وحقيقة قولهم أنه لا يعلم شيئًا؛ فإن كل ما في الخارج هو جزئي.
كما أنكر الغُلاة من القدَرِيَّة(علمه تعالى بأفعال العباد حتى يعملوها؛ توهُّمًا منهم أن علمه بها يفضي إلى الجبر، وقولهم معلوم البطلان بالضرورة في جميع الأديان.
يتبع


















 


قديم 2008-11-03, 09:16   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَوْلـه: (إِنَّ اللَّهَ هُوَالرَّزَّاقُ ذُوالْقُوَّةِالْمَتِينُ)


/ش/ قوله: ( إن الله.. )إلخ؛ تضمَّنَتْ إثبات اسمه الرَّزَّاق، وهو مبالغة من الرزق، ومعناه: الذي يرزق عباده رزقًا بعد رزق في إكثار وسعة.

وكل ما وصل منه سبحانه من نفعٍ إلى عباده فهو رزقٌ؛ مباحًا كان أو غير مباح، على معنى أنه قد جعلـه لهم قوتًا ومعاشًا؛ قال تعالى:
( وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَاطَلْعٌ نَّضِيدٌ* رِزْقًالِّلْعِبَاد )
وقال: (وَفِي السَّمَاءرِزْقُكُمْ وَمَاتُوعَدُون )إلا أن الشيء إذا كان مأذونًا في تناوله؛ فهو حلالٌ حكمًا، وإلا كان حرامًا، وجميع ذلك رزقٌ.
وتعريف الجملة الاسمية والإتيان فيها بضمير الفصل؛ لإفادة اختصاصه سبحانه بإيصال الرزق إلى عباده.
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
((أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنِّي أنا الرزاق ذو القوة المتين))

وأما قوله: (ذُوالْقُوَّة )؛ أي صاحب القوة؛ فهو بمعنى اسمه القوي؛ إلا أنه أبلغ في المعنى، فهو يدلُّ على أن قوته سبحانه (لا تتناقص فيَهِنُ أو يَفتُرُ ).
وأما (الْمَتِينُ )؛ فهو اسم له من المتانة، وقد فسره ابن عباس بـ(الشديد))().


(وَقَوْله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَالسَّمِيعُ البَصِيرُ )

وَقَوْله: (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّايَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا )


/ش/ قولـه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .. )إلخ؛ دلَّ إثباتُ صفتي السمع والبصر لـه سبحانه بعد نفي المثل عنه، على أنه ليس المراد من نفي المثل نفي الصفات؛ كما يدَّعي ذلك المعطِّلة، ويحتجون به باطلاً، بل المراد إثبات الصفات مع نفي مماثلتها لصفات المخلوقين

قال العلاَّمة ابن القيم رحمه اللـه:
((قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.. )إنما قصد به نفي أن يكون معه شريكٌ أو معبودٌ يستحقُّ العبادة والتعظيم؛ كما يفعله المشبهون والمشركون، ولم يقصد به نفي صفات: كماله، وعلوِّه على خلقه، وتكلمه بكتبه، وتكلمه لرسله، ورؤية المؤمنين له جهرة بأبصارهم كما ترى الشمس والقمر في الصحو…)) اهـ.
ومعنى (السَّمِيعُ ) المدرك لجميع الأصوات مهما خفتت، فهو يسمع السر والنجوى بسمع هو صفة لا يماثل أسماع خلقه.
ومعنى (البَصِيرُ )المدرك لجميع المرئيات من الأشخاص والألوان مهما لطفت أو بعدت، فلا تؤثر على رؤيته الحواجز والأستار، وهو من فعيل بمعنى مُفْعِل، وهو دالٌّ على ثبوت صفة البصر لـه سبحانه على الوجه الذي يليق به.
روى أبو داود في ((سننه)) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: (إِنَّاللَّهَ كَانَسَمِيعًا بَصِيرًا ))، فوضع إبهامه على أذنه، والتي تليها على عينيه ).

ومعنى الحديث أنه سبحانه يسمع بسمع، ويرى بعين، فهو حجة على بعض الأشاعرةالذين يجعلون سمعه علمه بالمسموعات، وبصره علمه بالمبصرات، وهو تفسير خاطئ؛ فإن الأعمى يعلم بوجود السماء ولا يراها، والأصم يعلم بوجود الأصوات ولا يسمعها.


) يتبع










قديم 2008-11-04, 13:58   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَوْلـه : ( وَلَوْلاإِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَاشَاءاللَّهُ لاقُوَّةَإِلاَّبِاللَّهِ )

، وَقَوْلـه: (وَلَوْشَاءَاللَّهُ مَااقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَايُرِيدُ )



)، وَقَوْلـه: ( أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّمَايُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَمُحِلِّي الصَّيْدِوَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَايُرِيدُ )، وَقَوْلـه: (فَمَن يُرِدِاللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَنيُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًاحَرَجًاكَأَنَّمَايَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء )/ش/ قولـه (وَلَوْلاإِذْ دَخَلْتَ...(إلخ. هذه الآيات دلَّت على إثبات صفتي الإرادة والمشيئة، والنصوص في ذلك لا تحصى كثرة.


و الأشاعرة يثبتون إرادة واحدة قديمة تعلَّقت في الأزل بكل المرادات، فيلزمهم تخلُّف المراد عن الإرادة.
وأما المعتزلة؛ فعلى مذهبهم في نفي الصفات لا يثبتون صفة الإرادة، ويقولون: إنه يريد بإرادة حادثة لا في محل، فيلزمهم قيام الصفة بنفسها، وهو من أبطل الباطل.
وأما أهل الحق؛ فيقولون: إن الإرادة على نوعين:
1- إرادة كونية ترادفها المشيئة، وهما تتعلَّقان بكل ما يشاء الله فعله وإحداثه، فهو سبحانه إذا أراد شيئًا وشاءه؛ كان عقب إرادته لـه؛
كما قال تعـالى : (إِنَّمَاأَمْرُهُ إِذَاأَرَادَشَيْئًاأَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
وفي الحديث الصحيح:
((ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن

2- وإرادة شرعية تتعلق بما يأمر الله به عباده مما يحبه ويرضاه، وهي المذكورة في مثل قولـه تعالى: (يُرِيدُاللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَوَلاَيُرِيدُبِكُمُ الْعُسْرَ )ولا تلازم بين الإرادتين؛ بل قد تتعلَّق كل منهما بما لا تتعلق به الأخرى، فبينهما عمومٌ وخصوصٌ من وجه.
فالإرادة الكونية أعمُّ من جهة تعلُّقها بما لا يحبُّه الله ويرضاه من الكفر والمعاصي، وأخصُّ من جهة أنها لا تتعلق بمثل إيمان الكافر وطاعة الفاسق.
والإرادة الشرعية أعمُّ من جهة تعلُّقها بكل مأمور به واقعًا كان أو غير واقع، وأخصُّ من جهة أن الواقع بالإرادة الكونية قد يكون غير مأمور به.
والحاصل أن الإرادتين قد تجتمعان معًا في مثل إيمان المؤمن، وطاعة المطيع.
وتنفرد الكونية في مثل كفر الكافر، ومعصية العاصي.
وتنفرد الشرعية في مثل إيمان الكافر، وطاعة العاصي.
وقوله تعالى: (وَلَوْلاإِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ... )الآية؛ هذا من قول الله حكاية عن الرجل المؤمن لزميله الكافر صاحب الجنَّتين؛ يعظه به أن يشكر نعمة الله عليه، ويردَّها إلى مشيئة الله، ويبرأ من حوله وقوته؛ فإنه لا قوة إلا بالله.

)وقوله: (وَلَوْشَاءَاللَّهُ مَااقْتَتَلُواْ... )الآية؛ إخبارٌ عمّا وقع بين أتباع الرسل من بعدهم: من التنازع، والتعادي بغيًا بينهم وحسدًا، وأنَّ ذلك إنما كان بمشيئة الله عز وجل، ولو شاء عدم حصولـه ما حصل، ولكنه شاءه فوقع.
وقوله: (فَمَن يُرِدِاللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ... )إلخ؛ الآية تدل على أن كلاًّ من الهداية والضلال بخلق الله عز وجل،فمن يرد هدايته أي:إلهامه وتوفيقه يشرح صدره للإسلام، بأن يقذف في قلبه نورًا، فيتسع له، وينبسط؛ كما ورد في الحديث، ومن يرد إضلاله وخذلانه يجعل صدره في غاية الضيق والحرج، فلا ينفذ إليه نور الإيمان، وشبَّه ذلك بمن يصعد في السماء
يتبع














قديم 2008-11-13, 14:03   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

(وَقَوْلُـهُ: (وَأَحْسِنُوَاْإِنَّاللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (وَأَقْسِطُواإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )

(فَمَا اسْتَقَامُواْلَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )، (إِنَّاللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ )، وَقَوْلُهُ: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ
اللَّهَ فَاتَّبِعُونِييُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )وَقَوْلُهُ: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )وَقَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُون فِي سَبِيلِهِ صَفًّاكَأَنَّهُم بُنيَان مَّرْصُوصٌ )
)ش/ تضمَّنت هذه الآيات إثبات أفعالٍ لـه تعالى ناشئة عن صفة المحبة، ومحبة الله عز وجل لبعض الأشخاص والأعمال والأخلاق صفة له قائمة به، وهي من صفات الفعل الاختيارية التي تتعلق بمشيئته، فهو يحبُّ بعض الأشياء دون بعض على ما تقتضيه الحكمة البالغة.
وينفي الأشاعرة والمعتزلة صفة المحبة؛ بدعوى أنها توهم نقصًا؛ إذ المحبة في المخلوق معناها ميله إلى ما يناسبه أو يستلذُّه.
فأما الأشاعرة؛ فيُرجعونها إلى صفة الإرادة، فيقولون: إن محبة الله لعبده لا معنى لها إلا إرادته لإكرامه ومثوبته.
وكذلك يقولون في صفات الرضا والغضب والكراهية والسخط؛ كلها عندهم بمعنى إرادة الثواب والعقاب.
وأما المعتزلة؛ فلأنهم لا يثبتون إرادة قائمة به، فيفسرون المحبة بأنها نفس الثواب الواجب عندهم على الله لهؤلاء؛ بناء على مذهبهم في وجوب إثابة المطيع وعقاب العاصي.
وأما أهل الحق؛ فيثبتون المحبة صفة حقيقية لله عز وجل على ما يليق به، فلا تقتضي عندهم نقصًا ولا تشبيهًا.
كما يثبتون لازم تلك المحبة، وهي إرادته سبحانه إكرام من يحبه وإثابته(وليت شعري بماذا يجيب النافون للمحبَّة عن مثل قوله عليه السلام في حديث أبي هريرة: ((إن الله إذا أحبَّ عبدًا؛ قال لجبريل عليه السلام: إني أحب فلانًا فأحبَّه. قال: فيقول جبريل عليه السلام لأهل السماء: إن ربكم عز وجل يحب فلانًا فأحبوه. قال: فيحبه أهل السماء، ويوضع لـه القبول في الأرض، وإذا أبغضه فمثيل ذلك))، رواه الشيخان؟!


وقولـه تعالى في الآية الأولى: (وَأَحْسِنُواْ )أمرٌ بالإحسان العام في كل شيء؛ لا سيما في النفقة المأمور بها قبل ذلك، والإحسان فيها يكون بالبذل وعدم الإمساك، أو بالتوسط بين التقتير والتبذير، وهو القوام الذي أمر الله به في سورة الفرقان(روى مسلم في ((صحيحه)) عن شداد بن أوس أن رسول الله e قال:
((إن الله كتب الإحسان على كل شيء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته))وأما قولـه: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )فهو تعليل للأمر بالإحسان، فإنهم إذا علموا أن الإحسان موجبٌ لمحبَّته؛ سارعوا إلى امتثال الأمر به.


وأما قوله في الآية الثانية: (وَأَقْسِطُوا )؛فهو أمرٌ بالإقساط، وهو العدل في الحكم بين الطائفتين المتنازعتين من المؤمنين، وهو من قَسَطَ؛ إذا جار، فالهمزة فيه للسلب، ومن أسمائه تعالى: المُقْسِط.
وفي الآية الحث على العدل وفضله، وأنه سبب لمحبة الله عز وجل.
وأما قوله تعالى: (فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ )؛ فمعناه: إذا كان بينكم وبين أحدٍ عهدٌ كهؤلاء الذين عاهدتموهم عند المسجد الحرام؛ فاستقيموا لهم على عهدهم مدة استقامتهم لكم، فـ(ما) هنا مصدرية ظرفية.
ثم علَّل ذلك الأمر بقولـه: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) ؛ أي: يحبُّ الذين يتَّقون الله في كل شيء، ومنه عدم نقض العهود.
وأما قوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ... ) إلخ؛ فهو إخبار من الله سبحانه وتعالى عن محبته لهذين الصنفين من عباده.
أما الأول: فهم التَّوَّابون؛ أي: الذين يكثرون التوبة والرجوع إلى الله عز وجل بالاستغفار مما أَلَمُّوا به على ما تقتضيه صيغة المبالغة، فهم بكثرة التوبة قد تطهَّروا من الأقذار والنجاسات المعنوية التي هي الذنوب والمعاصي.
وأما الثاني: فهم المتطهرون؛ الذين يبالغون في التطهر، وهو التنظيف بالوضوء أو بالغسل من الأحداث والنجاسات الحسية. وقيل: المراد بالمتطهرين هنا الذين يتنزهون من إتيان النساء في زمن الحيض أو في أدبارهن، والحمل على العموم أولى.
وأما قوله: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )؛ فقد رُوِيَ عن الحسن في سبب نزولها أن قومًا ادَّعوا أنهم يحبِّون الله، فأنزل الله هذه الآية محنة لهموفي هذه الآية قد شرط الله لمحبَّته اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلا ينال تلك المحبة؛ إلا من أحسن الاتباع والاستمساك بهديه عليه السلام.

يتبع













قديم 2008-11-14, 15:11   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
zakaria el-assimi
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية zakaria el-assimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم

قم بإرسال تقرير سيئ وإنتهى ياشافعي ...

بارك الله فيك على الموضوع










قديم 2008-11-19, 09:58   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَوْلهُ : (وَهُوَالْغَفُورُالْوَدُودُ )، وَقَوْلهُ : (بسم الله الرحمن الرحيم )، (رَبَّنَاوَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍرَّحْمَةًوَعِلْمًا )

، (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا )، (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ )
(كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ )، (وَهُوَالْغَفُورُالرَّحِيمُ ) (فَاللَّهُ خَيْرٌحَافِظًاوَهُوَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ )
/ش/قوله (وَهُوَالْغَفُورُ )إلخ؛ تضمنت الآية إثبات اسمين من الأسماء الحسنى، وهما: الغفور، والودود.
أما الأول: فهو مبالغة في الغفر، ومعناه الذي يكثر منه الستر على المذنبين من عباده، والتجاوز عن مؤاخذتهم.
وأصل الغفر: الستر، ومنه يقال: الصبغ أغفر للوسخ. ومنه: المغفر لسترة الرأس.


وأما الثاني: فهو من الودِّ الذي هو خالص الحب وألطفه، وهو إما من فعول بمعنى فاعل، فيكون معناه: الكثير الود لأهل طاعته، والمتقرب إليهم بنصره لهم ومعونته. وإما من فعول بمعنى مفعول، فيكون معناه: المودود لكثرة إحسانه، المستَحِقُّ لأن يَوَدَّه خلقه فيعبدوه ويحمدوه.
وأما قولـه: (بسم الله الرحمن الرحيم ) وما بعدها من الآيات؛ فقد تضمنت إثبات اسميه الرحمن والرحيم، وإثبات صفتي الرحمة والعلم.
وقد تقدم في تفسير (بسم الله الرحمن الرحيم ) الكلام على هذين الاسمين، وبيان الفرق بينهما، وأن أولهما دالٌّ على صفة الذات والثاني دالٌّ على صفة الفعل.
وقد أنكرت الأشاعرة والمعتزلة صفة الرحمة بدعوى أنها في المخلوق ضعفٌ وخَوَرٌ وتألُّم للمرحوم، وهذا من أقبح الجهل، فإن الرحمة إنما تكون من الأقوياء للضعفاء، فلا تستلزم ضعفًا ولا خورًا؛ بل قد تكون مع غاية العزة والقدرة، فالإنسان القوي يرحم ولده الصغير وأبويه الكبيرين ومَن هو أضعف منه، وأين الضعف والخور ـ وهما من أذم الصفات ـ من الرحمة التي وصف الله نفسه بها، وأثنى على أوليائه المتصفين بها، وأمرهم أن يتواصَوْا بها؟!
وقولـه: (رَبَّنَاوَسِعْتَ ) إلخ؛ من كلام الله عز وجل حكاية عن حملة العرش والذين حوله، يتوسَّلون إلى الله عز وجل بربوبيّته وسعة علمه ورحمته في دعائهم للمؤمنين، وهو من أحسن التوسُّلات التي يُرْجَى معها الإجابة.
ونصب قولـه: (رَّحْمَةًوَعِلْمًا )على التمييز المحوَّل عن الفاعل، والتقدير: وسعت رحمتُك وعلمُك كل شيء. فرحمته سبحانه وسعت في الدنيا المؤمن والكافر والبر والفاجر، ولكنها يوم القيامة تكون خاصة بالمتَّقين؛ كما قال تعالى:
(فَسَأَكْتُبُهَالِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ... )وقولـه تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ )؛ أي: أوجبها على نفسه تفضُّلاً وإحسانًا، ولم يوجبها عليه أحدٌ.
وفي حديث أبي هريرة في ((الصحيحين)):
((إن الله لمّا خلق الخلق كتب كتابًا، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت ـ أو تسبق ـ غضبي))

وأما قوله: (فَاللَّهُ خَيْرٌحَافِظًا )؛ فالحافظ والحفيظ مأخوذ من الحفظ، وهو الصيانة، ومعناه: الذي يحفظ عباده بالحفظ العام، فييسر لهم أقواتهم، ويقيهم أسباب الهلاك والعطب، وكذلك يحفظ عليهم أعمالهم، ويحصي أقوالهم، ويحفظ أولياءه بالحفظ الخاص، فيعصمهم عن مواقعة الذنوب، ويحرسهم من مكايد الشيطان، وعن كل ما يضرُّهم في دينهم ودنياهم.
وانتصب (حَافِظًا ) تمييزًا لـ (خَيْر ) الذي هو أفعل تفضيل.










قديم 2008-11-30, 09:15   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قـولـه : (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْعَنْهُ )(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًامُّتَعَمِّدًافَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًافِيهَاوَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ )

وَقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوامَاأَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوارِضْوَانَه )، (فَلَمَّاآسَفُونَاانتَقَمْنَامِنْهُم)ْ،وَقوله: (وَلَـكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ ) وَقـولـه: (كَبُرَمَقْتًاعِندَاللَّهِ أَن تَقُولُوامَالاتَفْعَلُونَ )
/ش/قوله: (رَّضِي َاللَّه ُعَنْهُمْ.. )إلخ؛ تضمَّنت هذه الآيات إثبات بعض صفات الفعل من الرِّضى لله، والغَضَب، واللَّعنُ، وَالكُرهِ، والسَّخْط، والمَقْت، والأَسَف.
وهي عند أهل الحق صفات حقيقية لله عز وجل، على ما يليق به، ولا تشبه ما يتصف به المخلوق من ذلك، ولا يلزم منها ما يلزم في المخلوق.
فلا حجة للأشاعرة والمعتزلة على نفيها، ولكنهم ظنُّوا أن اتصاف الله عز وجل بها يلزمه أن تكون هذه الصفات فيه على نحو ما هي في المخلوق، وهذا الظنُّ الذي ظنوه في ربهم أرداهم فأوقعهم في حمأة النفي والتعطيل.
والأشاعرة يُرْجعون هذه الصفات كلها إلى الإرادة؛ كما علمت سابقًا، فالرضا عندهم إرادة الثواب، والغضب والسخط.. إلخ إرادة العقاب.
وأما المعتزلة؛ فيرجعونها إلى نفس الثواب والعقاب.
وقوله سبحانه: (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْعَنْهُ ) إخبارٌ عمَّا يكون بينه وبين أوليائه من تبادل الرضا والمحبة.
أما رضاه عنهم؛ فهو أعظم وأجلُّ من كل ما أُعطوا من النعيم؛ كما قال سبحانه:
(وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ )وأما رضاهم عنه؛ فهو رضا كل منهم بمنزلته مهما كان، وسروره بها؛ حتى يظن أنه لم يؤت أحدٌ خيرًا ممَّا أُوتي، وذلك في الجنة.
وأما قوله: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًامُّتَعَمِّدًا )الآية؛ فقد احترز بقوله: (مُؤْمِنًا ) عن قتل الكافر، وبقوله: (مُّتَعَمِّدًا )- أي: قاصدًا لذلك، بأن يقصد مَن يعلمه آدميًّا معصومًا، فيقتلـه بما يغلب على الظن موته به - عن القتل الخطإ.
وقوله: (خَالِدًافِيهَا )؛ أي: مقيمًا على جهة التأبيد، وقيل الخلود: المكث الطويل.
واللعن: هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، واللعين والملعون: من حَقَّت عليه اللعنة، أو دُعِي عليه بها.
وقد استشكل العلماء هذه الآيات من حيث إنها تدلُّ على أن القاتل عمدًا لا توبة له، وأنه مخلَّد في النار، وهذا معارضٌ لقولـه تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَيَغْفِرُأَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُمَادُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء )وقد أجابوا عن ذلك بعدة أجوبة؛ منها:
أن هذا الجزاء لمن كان مستحلاًّ قتل المؤمن عمدًا.
أن هذا هو الجزاء الذي يستحقُّه لو جوزي ، مع إمكان أن لا يجازى، بأن يتوب أو يعمل صالحًا يرجح بعمله السيئ.
أن الآية واردة مورد التغليظ والزجر.
أن المراد بالخلود المكث الطويل كما قدمنا.



وقد ذهب ابن عباس وجماعة إلى أن القاتل عمدًا لا توبة له، حتى قال ابن عباس:
((إن هذه الآية من آخر ما نزل، ولم ينسخها شيءٌ))
والصحيح أن على القاتل حقوقًا ثلاثة: حقًّا لله، وحقًّا للورثة، وحقًّا للقتيل..
فحق الله يسقط بالتوبة.
وحق الورثة يسقط بالاستيفاء في الدُّنيا أو العفو.
وأما حق القتيل؛ فلا يسقط حتى يجتمع بقاتله يوم القيامة، ويأتي رأسه في يده، ويقول: يا رب! سل هذا فيمَ قتلني؟
وأما قوله: (فَلَمَّاآسَفُونَا... )إلخ؛ فالأسف يستعمل بمعنى شدة الحزن، وبمعنى شدة الغضب والسخط، وهو المراد في الآية.
والانتقام: المجازاة بالعقوبة، مأخوذ من النقمة، وهي شدة الكراهة والسخط.
















قديم 2008-11-30, 09:34   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

(وَقولـه: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّأَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُوَقُضِيَ الأَمْرُ )

، (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّأَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُأَوْيَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْيَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ (كَلاَّإِذَادُكَّتِالأَرْضُ دَكًّادَكًّا *وَجَاءرَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّاصَفًّا) (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءبِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً )
/ش/ قولـه: (هَل ْيَنظُرُونَ.. )في هذه الآيات إثبات صفتين من صفات الفعل لـه سبحانه، وهما صفتا الإتيان والمجيء، والذي عليه أهل السنة والجماعة الإيمان بذلك على حقيقته، والابتعاد عن التأويل الذي هو في الحقيقة إلحادٌ وتعطيل.
ولعلَّ من المناسب أن ننقل إلى القارئ هنا ما كتبه حامل لواء التجهُّم والتعطيل في هذا العصر، وهو المدعو بزاهد الكوثري؛ قال في حاشيته على كتاب ((الأسماء والصفات)) للبيهقي ما نصه:


((قال الزمخشري ما معناه: إن الله يأتي بعذابٍ في الغمام الذي يُنْتَظَرُ منه الرحمة، فيكون مجيء العذاب من حيث تُنتظر الرحمة أفظع وأهول.
وقال إمام الحرمين في معنى الباء كما سبق.
وقال الفخر الرازي: أن يأتيهم أمر الله)). اهـ
فأنت ترى من نقل هذا الرجل عن أسلافه في التعطيل مدى اضطرابهم في التخريج والتأويل.
على أن الآيات صريحة في بابها، لا تقبل شيئًا من تلك التأويلات..
فالآية الأولى تتوعَّد هؤلاء المصِرِّين على كفرهم وعنادهم واتباعهم للشيطان بأنهم ما ينتظرون إلا أن يأتيهم الله عزَّ وجلَّ في ظلَلٍ من الغمام لفصل القضاء بينهم، وذلك يوم القيامة، ولهذا قال بعد ذلك: (وَقُضِيَ الأَمْرُ )والآية الثانية أشد صراحة؛ إذ لا يمكن تأويل الإتيان فيها بأنه إتيان الأمر أو العذاب؛ لأنه ردَّد فيها بين إتيان الملائكة وإتيان الرب، وإتيان بعض آيات الرب سبحانه.
وقولـه في الآية التي بعدها : (وَجَاءرَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّاصَفًّا )لا يمكن حملها على مجيء العذاب؛ لأن المراد مجيئه سبحانه يوم القيامة لفصل

القضاء، والملائكة صفوف؛ إجلالاً وتعظيمًا له، وعند مجيئه تنشق السماء بالغمام؛ كما أفادته الآية الأخيرة.
وهو سبحانه يجيء ويأتي وينزل ويدنو وهو فوق عرشه بائن من خلقه.
فهذه كلها أفعال له سبحانه على الحقيقة، ودعوى المجاز تعطيلٌ له عن فعله، واعتقادُ أن ذلك المجيء والإتيان من جنس مجيء المخلوقين وإتيانهم نزوعٌ إلى التشبيه يفضي إلى الإنكار والتعطيل.










قديم 2008-12-01, 07:23   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقولـه: ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ )، (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ).
/ش/ قولـه: ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ) إلخ، تضمَّنت هاتان الآيتان إثبات صفة الوجه لله عز وجل.

والنصوص في إثبات الوجه من الكتاب والسنة لا تُحصى كثرةً، وكلها تنفي تأويل المعطِّلة الذين يفسرون الوجه بالجهة أو الثواب أو الذات، والذي عليه أهل الحق أن الوجه صفةٌ غيرُ الذات، ولا يقتضي إثباته كونه تعالى مركبًا من أعضاء، كما يقوله المجسِّمة، بل هو صفة لله على ما يليق به، فلا يشبه وجهًا ولا يشبهه وجه.

واستدلَّت المعطِّلة بهاتين الآيتين على أن المراد بالوجه الــذات ؛ إذ لا خصوص للوجه في البقاء وعدم الهلاك.

ونحن نعارض هذا الاستدلال بأنه لو لم يكن لله عز وجل وجهٌ على الحقيقة لما جاء استعمال هذا اللفظ في معنى الذات؛ فإن اللفظ الموضوع لمعنى لا يمكن أن يستعمل في معنى آخر إلا إذا كان المعنى الأصلي ثابتًا للموصوف، حتى يمكن للذهن أن ينتقل من الملزوم إلى لازمه.

على أنه يمكن دفع مجازهم بطريق آخر؛ فيقال: إنه أسند البقاء إلى الوجه، ويلزم منه بقاء الذات؛ بدلاً من أن يقال: أطلق الوجه وأراد الذات.

وقد ذكر البيهقي نقلاً عن الخطابي أنه تعالى لما أضاف الوجه إلى الذات، وأضاف النعت إلى الوجه، فقال: ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَام )؛ دلَّ على أن ذكر الوجه [ليس بصلة] ، وأن قولـه: ( ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَام ) صفةٌ للوجه، والوجه صفةٌ للذَّات.

وكيف يمكن تأويل الوجه بالذات أو بغيرها في مثل قولـه عليه السلام في حديث الطائف: (أعوذُ بنورِ وجهِكَ الذي أشرقتْ لـه الظُّلُمات ) إلخ ، وقولـه فيما رواه أبو موسى الأشعري: (حجابه النور أو النار، لو كشفه لأحرقت سُبُحَات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) ؟!



وَقوله( مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) ،( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء)
/ش/ قوله: (مَا مَنَعَكَ ) إلخ؛ تضمَّنَتْ هاتان الآيتان إثبات اليدين صفة حقيقية له سبحانه على ما يليق به، فهو في الآية الأولى يوبخ إبليس على امتناعه عن السجود لآدم الذي خلقه بيديه.

ولا يمكن حمل اليدين هنا على القدرة؛ فإن الأشياء جميعًا ـ حتى إبليس ـ خلقها الله بقدرته، فلا يبقى لآدم خصوصية يتميز بها.

وفي حديث عبد الله بن عمرو:

(إن الله عز وجل خلق ثلاثة أشياء بيده: خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس جنة عدن بيده)

فتخصيص هذه الثلاثة بالذكر مع مشاركتها لبقية المخلوقات في وقوعها بالقدرة دالٌّ على اختصاصها بأمر زائد.

وأيضًا؛ فلفظ اليدين بالتثنية لم يُعرف استعمالـه إلا في اليد الحقيقية، ولم يرد قط بمعنى القدرة أو النعمة؛ فإنه لا يسوغ أن يقال: خلقه الله بقدرتين أو بنعمتين. على أنه لا يجوز إطلاق اليدين بمعنى النعمة أو القدرة أو غيرهما إلا في حق من اتصف باليدين على الحقيقة، ولذلك لا يقال: للريح يد، ولا للماء يد.

وأما احتجاج المعطِّلة بأن اليد قد أفردت في بعض الآيات، وجاءت بلفظ الجمع في بعضها؛ فلا دليل فيه؛ فإن ما يصنع بالاثنين قد يُنسب إلى الواحد؛ تقول: رأيت بعيني، وسمعت بأذني، والمراد: عيناي، وأذناي. وكذلك الجمع يأتي بمعنى المثنى أحيانًا؛ كقوله تعالى: ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا )، والمراد: قلباكما.

وكيف يتأتَّى حملُ اليد على القدرة أو النعمة؛ مع ما ورد من إثبات الكفّ والأصابع واليمين والشمال والقبض والبسط وغير ذلك مما لا يكون إلا لليد الحقيقيَّة؟!

وفي الآية الثانية يحكي الله سبحانه مقالة اليهود قبَّحهم الله في ربهم، ووصفهم إياه ـ حاشاه ـ بأن يده مغلولة؛ أي: ممسكة عن الإنفاق.

ثم أثبت لنفسه سبحانه عكس ما قالوا، وهو أن يديه مبسوطتان بالعطاء؛ ينفق كيف يشاء؛ كما جاء في الحديث:

(إن يمين الله ملأى سحَّاء الليلَ والنهارَ؛ لا تَغيضُها نَفَقةٌ) .

ترى لو لم يكن لله يدان على الحقيقة؛ هل كان يحسن هذا التعبير ببسط اليدين؟!

ألا شاهَتْ وُجوهُ المتأوِّلين!!










قديم 2008-12-01, 07:41   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَولـه: ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا )، ( وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ )،(وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي )
/ش/ قوله: ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ) إلخ؛ في هذه الآيات الثلاث يثبت الله سبحانه لنفسه عينًا يرى بها جميع المرئيات، وهي صفة حقيقية لله عز وجل على ما يليق به، فلا يقتضي إثباتها كونها جارحة مركَّبة من شحم وعصب وغيرهما.

وتفسير المعطِّلة لها بالرؤية أو بالحفظ والرعاية نفيٌ وتعطيلٌ.

وأما إفرادها في بعض النصوص وجمعها في البعض الآخر؛ فلا حجة لهم فيه على نفيها؛ فإن لغة العرب تتسع لذلك، فقد يعبَّر فيها عن الاثنين بلفظ الجمع، ويقوم فيها الواحد مقام الاثنين كما قدَّمنا في اليدين.

على أنه لا يمكن استعمال لفظ العين في شيء من هذه المعاني التي ذكروها إلا بالنسبة لمن له عين حقيقية.

فهل يريد هؤلاء المعطَّلة أن يقولوا: إن الله يتمدَّح بما ليس فيه، فيثبت لنفسه عينًا وهو عاطلٌ عنها؟! وهل يريدون أن يقولوا: إن رؤيته للأشياء لا تقع بصفة خاصة بها؛ بل هو يراها بذاته كلها ـ كما تقول المعتزلة: إنه قادر بذاته، مريد بذاته… إلخ؟!

وفي الآية الأولى يأمر الله نبيَّه ( بالصبر لحكمه، والاحتمال لما يلقاه من أذى قومه، ويعلِّل ذلك الأمر بأنه بمرأى منه، وفي كلاءته وحفظه.

وفي الآية الثانية يخبر الله عز وجل عن نبيِّه نوحٍ عليه السلام أنه لما كذَّبه قومه، وحقَّت عليهم كلمة العذاب، وأخذهم الله بالطوفان؛ حملـه هو ومَن معه من المؤمنين على سفينة ذات ألواحٍ عظيمة من الخشب ودُسُرٍ؛ أي: مسامير، جمع دِسَار، تُشَدُّ بها الألواح، وأنها كانت تجري بعين الله وحراسته.

وفي الآية الثالثة خطابٌ من الله لنبيِّه موسى عليه السلام بأنه ألقى عليه محبَّةً منه؛ يعني: أحبه هو سبحانه وحبَّبه إلى خلقه، وأنه صنعه على عينه، وربَّاه تربية استعد بها للقيام بما حمله من رسالة إلى فرعون وقومه.










قديم 2008-12-02, 08:39   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَوْلُهُ: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ )
، وَقَوْلُهُ: ( لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء) ، وَقَوْلُهُ: ( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) ،( إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) ،( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ) ،( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ،(وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ )

/ش/ قوله: ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ... ) إلخ؛ هذه الآيات ساقها المؤلف لإثبات صفات السمع والبصر والرؤية.

أما السمع؛ فقد عبَّرت عنه الآيات بكل صيغ الاشتقاق، وهي: سَمِعَ، ويَسْمَعُ، وسميعٌ، ونَسْمَعُ، وَأسمَعُ، فهو صفة حقيقية لله، يدرك بها الأصوات؛ كما قدمنا.

وأما البصر؛ فهو الصفة التي يدرك بها الأشخاص والألوان، والرؤية لازمة له، وقد جاء في حديث أبي موسى:

( يا أيها الناس ! اربعوا على أنفسكم ؛ إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، ولكن تدعون سميعًا بصيرًا، إنَّ الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته )
وكلٌّ من السمع والبصر صفة كمال، وقد عاب الله على المشركين عبادتهم ما لا يسمع ولا يبصر.

وقد نزلت الأولى في شأن خولة بنت ثعلبة حين ظاهر منها زوجها، فجاءت تشكو إلى رسول الله ( وتحاوِرُهُ، وهو يقول لها: (ما أراك إلا قد حرمت عليه)

أخرج البخاري في ((صحيحه)) عن عروة عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: (الحمد لله الذي وسعَ سمعُهُ الأصواتَ؛ لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله ( وأنا في ناحيةٍ من البيتِ ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا...( الآيات)

وأما الآية الثانية؛ فقد نزلت في فنحاص اليهودي الخبيث، حين قال لأبي بكر رضي الله عنه لما دعاه إلى الإسلام: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة من فقر، وإنه إلينا لفقير، ولو كان غنيًّا ما استَقْرَضَنا !

وأما الآية الثالثة؛ فـ(أم) بمعنى (بل)، والهمزة للاستفهام، فهي (أم) المنقطعة، والاستفهام انكاريٌّ يتضمَّن معنى التوبيخ، والمعنى: بل أيظنُّ هؤلاء في تخفِّيهِم واستتارهم أنا لا نسمع سرهم ونجواهم؛ بلى نسمع ذلك، وحفظتنا لديهم يكتبون ما يقولون وما يفعلون.

وأما الآية الرابعة؛ فهي خطابٌ من الله عز وجل لموسى وهارون عليهما الصلاة والسلام حين شكوا إلى الله خوفهما من بطش فرعون بهما، فقال لهما: ( لا تخافا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى )
وأما الآية الخامسة؛ فقد نزلت في شأن أبي جهل لعنه الله حين نهى النبي ( عن الصلاة عند البيت، فنزل قولـه تعالى: ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى(إلخ السورة )










قديم 2008-12-03, 10:27   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَوْلُهُ( وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) ( وَقَوْلُهُ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )
، وَقَوْلُهُ: ( وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) وَقَوْلُهُ: ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا )

/ش/ وقوله: ( وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَال...) إلخ؛ تضمَّنت هذه الآيات إثبات صفتي المكر والكيد، وهما من صفات الفعل الاختيارية.

ولكن لا ينبغي أن يشتقَّ له من هاتين الصفتين اسم، فيقال: ماكر، وكائد؛ بل يوقف عند ما ورد به النص من أنه خير الماكرين، وأنه يكيد لأعدائه الكافرين.

أما قوله سبحانه: (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَال )ِ؛فمعناه: شديد الأخذ بالعقوبة؛ كما في قوله تعالى: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ )،( إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)

وقال ابن عباس:

((معناه: شديد الحَوْل)).

وقال مجاهد:

((شديد القوَّة)).

والأقوال متقاربة.

وأما قوله: ( وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) فمعناه: أنفذهم وأسرعهم مكرًا.

وقد فسَّر بعض السلف مكر الله بعباده بأنه استدراجهم بالنِّعم من حيث لا يعلمون، فكلما أحدثوا ذنبًا أحدث لهم نعمة؛ وفي الحديث:

((إذا رأيتَ الله يُعطي العبد من الدنيا ما يحبُّ وهو مقيمٌ على معصيته؛ فاعلم أنما ذلك منه استدراج))

وقد نزلت هذه الآية في شأن عيسى عليه السلام حين أراد اليهود قتلـه، فدخل بيتًا فيه كوَّةٌ، وقد أيَّده الله بجبريل عليه السلام، فرفعه إلى السماء من الكوّة، فدخل عليه يهوذا؛ ليدلَّهم عليه فيقتلوه، فألقى الله شبهَ عيسى على ذلك الخائن، فلما دخل البيت فلم يجد فيه عيسى؛ خرج إليهم وهو يقول: ما في البيت أحدٌ. فقتلوه وهم يرون أنه عيسى، فذلك قوله تعالى: ( وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ)

وأما قوله تعالى: (وَمَكَرُوا مَكْرًا... ) إلخ؛ فهي في شأن الرهط التسعة من قوم صالح عليه السلام حين (تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ( أي: لَيَقْتُلُنَّه بياتًا هو وأهلـه، (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ )فكانَ عاقبةُ هذا المكر منهم أن مكر الله بهم فدمَّرهم وقومهم أجمعين


وَقَوْلُهُ: ( إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا )،( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
/ش/ قولـه: ( إِن تُبْدُواْ خَيْرًا...) إلخ؛ هذه الآيات تضمَّنت إثبات صفات العفو والقدرة والمغفرة والرحمة والعزة والتبارك والجلال والإكرام.

فالعَفُوُّ الذي هو اسمه تعالى؛ معناه: المتجاوز عن عقوبة عباده إذا هم تابوا إليه وأنابوا؛ كما قال تعالى:

(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَات )

ولما كان أكمل العفو هو ما كان عن قدرة تامَّة على الانتقام والمؤاخذة؛ جاء هذان الاسمان الكريمان: العَفُوُّ والقدير مقترنين في هذه الآية وفي غيرها.

وأما القدرة؛ فهي الصفة التي تتعلَّق بالممكنات إيجادًا وإعدامًا، فكلُّ ما كان ووقع من الكائنات واقع بمشيئته وقدرته؛ كما في الحديث:

(ما شاء الله كانَ وما لم يشأ لم يكن ).

وأما قوله تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا...) الآية؛ فقد نزلت في شأن أبي بكر رضي الله عنه حين حلف لا ينفق على مسطح بن أثاثة، وكان ممَّن خاضوا في الإفك، وكانت أم مسطح بنت خالة أبي بكر، فلما نزلت هذه الآية قال أبو بكر: ((والله إني لأحب أن يغفر الله لي))، ووصل مسطحًا










قديم 2008-12-04, 07:44   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَوْلُهُ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ، وَقَوْلُهُ عَنْ إِبْلِيسَ: (فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ )
/ش/ وأما قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) ؛ فقد [نزلت في شأن عبد الله بن أُبيِّ ابن سلول رئيس المنافقين، وكان في بعض الغزوات قد أقسم ليخرجنَّ رسول الله ( هو وأصحابه من المدينة، فنزل قول تعالى: (يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ) ؛ يقصد بالأعز ـ قبَّحه الله ـ نفسه وأصحابه ، ويقصد بالأذل رسول الله ومن معه من المؤمنين، فردّ الله عزّ وجلّ عليه بقوله: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ).

والعزَّة صفةٌ أثبتها لله عز وجل لنفسه؛ قال تعالى:

(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )

وقال: (وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا )

وأقسم بها سبحانه؛ كما في حديث الشفاعة:

(وعزَّتي وكِبْريائي وعظمتي؛ لأخرجنَّ منها مَن قال: لا إله إلا الله)

وأخبر عن إبليس أنه قال: (فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)

وفي ((صحيح البخاري)) وغيره عن أبي هريرة:

((بينما أيُّوب عليه السلام يغتسل عريانًا خرَّ عليه جراد من ذهب، فجعل يحثي في ثوبه، فناداه ربُّه: يا أيُّوب! ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى؛ وعزَّتك، ولكن لا غنى لي عن بركتك) .

وقد جاء في حديث الدعاء الذي علَّمه النبيُّ ( لمن كان به وجع: ((أعوذ بعزَّة الله وقدرته من شرِّ ما أجد وأُحاذر))

والعزة تأتي بمعنى الغلبة والقهر؛ من عزَّ يعُزُّ ـ بضم العين في المضارع ـ يقال: عزَّه؛ إذا غلبه.

وتأتي بمعنى القوة والصلابة؛ من عزَّ يعَزُّ ـ بفتحها ـ، ومنه أرض عزاز؛ للصلبة الشديدة.

وتأتي بمعنى علوِّ القدر والامتناع عن الأعداء ؛من:عزَّ يَعِزُّ - بكسرها - .

وهذه المعاني كلها ثابتة لله عز وجل.



وَقَوْلُهُ( تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ )
/ش/ وأما قولـه تعالىتَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ.. ( فإنه من البركة بمعنى دوام الخير وكثرته.

وقوله( ذِي الْجَلالِ )؛ أي: صاحب الجلال والعظمة سبحانه، الذي لا شيء أجلَّ ولا أعظم منه.

و (وَالإِكْرَامِ ): الذي يكرم عما لا يليق به، وقيل: الذي يكرم عباده الصالحين بأنواع الكرامة في الدنيا والآخرة. والله أعلم.










آخر تعديل ليتيم الشافعي 2008-12-17 في 10:39.
قديم 2008-12-17, 10:32   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَقَوْلُهُ: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) ،(وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) ، وَقَوْلُهُ: (فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ، (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ )، وَقَوْلُهُ: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ) ، (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )، وَقَوْلُهُ: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا )، وَقَوْلُهُ: ( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ *عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ، ( فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) ، ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )

/ش/ قوله: ( فَاعْبُدْهُ..) إلخ؛ تضمَّنت هذه الآيات الكريمة جملة من صفات السلوب، وهي نفي السمي والكفء والنِّد والولد والشريك والولي من ذلٍّ وحاجة؛ كما تضمَّنت بعض صفات الإثبات؛ من: الملك، والحمد، والقدرة والكبرياء، والتبارك.

أما قولـه: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا )؛ فقد قال شيخ الإسلام رحمه الله: قال أهل اللغة: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا )؛ أي: نظيرًا استحقَّ مثل اسمه، ويقال: مساميًا يساميه. وهذا معنى ما يروى عن ابن عباس: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا( مثلاً أو شبيهًا) .

والاستفهام في الآية إنكاري، معناه النفي؛ أي: لا تعلم لـه سميًّا.

وأما قولـه: (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) ؛ فالمراد بالكفء: المكافئ المساوي.

فهذه الآية تنفي عنه سبحانه النظير والشبيه من كل وجه؛ لأن (أحد ) وقع نكرة في سياق النفي، فيعم، وقد تقدم الكلام على تفسير سورة الإخلاص كلها، فليرجع إليها.

وأما قولـه: (فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً.. ) إلخ. فالأنداد جمع نِدٍّ، ومعناه ـ كما قيل ـ: النظير المناوئ. ويقال: ليس لله ندٌّ ولا ضدٌّ، والمراد نفي ما يكافئه ويناوئه، ونفي ما يضاده وينافيه.

وجملة (وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) وقعت حالاً من الواو في( تَجْعَلُواْ ) ، والمعنى: إذا كنتم تعلمون أن الله هو وحده الذي خلقكم ورزقكم، وأن هذه الآلهة التي جعلتموها لـه نظراء وأمثالاً وساويتموها به في استحقاق العبادة لا تخلق شيئًا، بل هي مخلوقة، ولا تملك لكم ضرًّا ولا نفعًا؛ فاتركوا عبادتها، وأفرِدوه سبحانه بالعبادة والتعظيم.

وأما قولـه: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ.. ) إلخ؛ فهو إخبارٌ من الله عن المشركين بأنهم يحبُّون آلهتهم كحبهم لله عز وجل؛ يعني: يجعلونها مساوية لـه في الحب. (وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ ) من حب المشركين لآلهتهم؛ لأنهم أخلصوا لـه الحب، وأفردوه به، أما حب المشركين لآلهتهم؛ فهو موزَّعٌ بينها، ولا شك أن الحبَّ إذا كان لجهة واحدة كان أمكن وأقوى.

وقيل: المعنى: أنهم يحبُّون آلهتهم كحب المؤمنين لله، والذين آمنوا أشدُّ حبًّا لله من الكفار لأندادهم.

وأما قوله تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا.. )الآية؛ فقد تقدم الكلام في معنى الحمد ، وأنه الثناء باللسان على النعمة وغيرها، وقلنا: إن إثبات الحمد له سبحانه متضمِّنٌ لإثبات جميع الكمالات التي لا يستحقُّ الحمد المطلق إلا من بلغ غايتها.

ثم نفى سبحانه عن نفسه ما ينافي كمال الحمد من الولد والشريك والولي من الذلِّ ـ أي: من فقر وحاجة ـ، فهو سبحانه لا يوالي أحدًا من خلقه من أجل ذلة وحاجة إليه.

ثم أمر عبده ورسوله أن يكبره تكبيرًا؛ أي: يعظمه تعظيمًا ويُنَزِّهَهُ عن كل صفة نقص وصفه بها أعداؤه من المشركين.

وأما قوله (يُسَبِّحُ لِلَّه... ) إلخ؛ فالتسبيح هو التنزيه والإبعاد عن السوء؛ كما تقدم.

ولا شكّ أن جميع الأشياء في السموات وفي الأرض تسبِّح بحمد ربها، وتشهد له بكمال العلم والقدرة والعزَّة والحكمة والتدبير والرحمة؛ قال تعالى:

(وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم )

وقد اختُلف في تسبيح الجمادات التي لا تنطق؛ هل هو بلسان الحال أو بلسان المقال؟ وعندي أن الثاني أرجح؛ بدليل قوله تعالى: (وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم ) ؛ إذ لو كان المراد تسبيحها بلسان الحال؛ لكان ذلك معلومًا، فلا يصحُّ الاستدراك.

وقد قالَ تعالى خبرًا عن داودَ عليه السلامُ:

(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ )

وأما قولـه تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي.. ) إلخ؛ فقد قلنا: إن معنى (تَبَارَكَ) من البركة؛ وهي دوام الخير وكثرته، ولكن لا يلزم من تلك الزيادة سبق النقص، فإن المراد تجدُّد الكمالات الاختيارية التابعة لمشيئته وقدرته، فإنها تتجدَّد في ذاته على وفق حكمته، فالخلوُّ عنها قبل اقتضاء الحكمة لها لا يعتبرُ نقصًا .

وقد فسّر بعضهم التبارك بالثبات وعدم التغيُّر، ومنه سمِّيت البِرْكَة؛ لثبوت مائها. وهو بعيد.

والمراد بـ (الْفُرْقَانَ ) القرآن، سمي بذلك لقوَّة تفرقته بين الحق والباطل والهدى والضلال.

والتعبير بـ (نَزَّلَ ) بالتشديد؛ لإفادة التدرُّج في النزول، وأنه لم ينزل جملة واحدة.

والمراد بـ (عَبْدِه )ِ محمد ، والتعبير عنه بلقب العبودية للتشريف ـ كما سبق ـ.

و(اِلْعَالَمِينَ )؛ جمع عالَم، وهو جمع لما يعقل، واختُلِف في المراد به، فقيل: الإنس. وقيل: الإنس والجن. وهو الصحيح؛ فقد ثبت أن النبي ( مرسلٌ إلى الجن أيضًا، وأنه يجتمع بهم، ويقرأ عليهم القرآن، وأن منهم نفرًا أسلم حين سمع القرآن وذهب ينذر قومه به؛ كما قال تعالى:

(وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ) .

والنّذير والمنذر هو من يُعْلِم بالشيء مع التخويف، وضده البشير أو المبشِّر، وهوَ من يخبرك بما يسرُّك.

وقولـه: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَد.. ) إلخ؛ تضمَّنت هذه الآية الكريمة أيضًا جملة من صفات التنزيه التي يُراد بها نفي ما لا يليق بالله عز وجل عنه، فقد نزَّه سبحانه نفسه فيها عن اتِّخاذ الولد وعن وجود إله خالقٍ معه، وعمَّا وصفه به المفترون الكذَّابون؛ كما نهى عن ضرب الأمثال له، والإشراك به بلا حجة ولا برهان، والقول عليه سبحانه بلا علم ولا دليل.

فهذه الآية تضمَّنت إثبات توحيد الإلهية، وإثبات توحيد الرُّبوبية، فإن الله بعدما أخبر عن نفسه بعدم وجود إلـه معه أوضح ذلك بالبرهان القاطع والحجة الباهرة، فقال: (إِذًا ) ؛ أي: إذ لو كان معه آلهةٌ كما يقول هؤلاء المشركون؛(لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض )

وتوضيح هذا الدليل أن يقال: إذا تعدَّدت الآلهة؛ فلا بدَّ أن يكون لكل منهم خلق وفعل، ولا سبيل إلى التعاون فيما بينهم؛ فإن الاختلاف بينهم ضروريٌّ، كما أن التعاون بينهم في الخلق يقتضي عجز كل منهم عند الانفراد، والعاجز لا يصلح إلهًا، فلا بد أن يستقلَّ كلٌّ منهم بخلقه وفعله، وحينئذٍ؛ فإما أن يكونوا متكافئين في القدرة، لا يستطيع كل منهم أن يقهر الآخرين ويغلبهم، فيذهب كل منهم بما خلق، ويختص بملكه؛ كما يفعل ملوك الدنيا من انفراد كل بمملكته إذا لم يجد سبيلاً لقهر الآخرين، وإما أن يكون أحدهم أقوى من الآخرين، فيغلبهم، ويقهرهم، وينفرد دونهم بالخلق والتدبير، فلا بد إذًا مع تعدُّد الآلهة من أحد هذين الأمرين: إما ذهاب كل بما خلق، أو علو بعضهم على بعض.

وذهاب كلٍّ بما خلق غير واقع؛ لأنه يقتضي التنافر والانفصال بين أجزاء العالم، مع أن المشاهدة تثبت أن العالم كله كجسم واحد مترابط الأجزاء، متَّسق الأنحاء، فلا يمكن أن يكون إلا أثرًا لإله واحد.

وعلو بعضهم على بعض يقتضي أن يكون الإله هو العالي وحده.

وأما قوله تعالى: (فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ )؛ فهو نهيٌ لهم أن يشبِّهوه بشيء من خلقه؛ فإنه سبحانه له المثل الأعلى الذي لا يشركه فيه مخلوق.

وقد قدَّمنا أنه لا يجوز أن يستعمل في حقه من الأقيسة ما يقتضي المماثلة أو المساواة بينه وبين غيره؛ كقياس التمثيل وقياس الشمول.

وإنما يستعمل في ذلك قياس الأولى الذي مضمونه أن كل كمالٍ وجوديٍّ غيرِ مستلزمٍ للعدم ولا للنقص بوجهٍ من الوجوه اتَّصف به المخلوق فالخالق أولى أن يتَّصف به؛ لأنه هو الذي وهب المخلوق ذلك الكمال، ولأنه لو لم يتَّصف بذلك الكمال ـ مع إمكان أن يُتَّصف به ـ لكان في الممكنات من هو أكمل منه، وهو محالٌ، وكذلك كل نقصٍ يتنزَّه عنه المخلوق، فالخالق أولى بالتنزُّه عنه.

وأما قولـه: (قلْ إِنَّمَا حَرَّمَ.. ) إلخ؛ فـ (إِنَّمَا ) أداة حصرٍ تفيد اختصاص الأشياء المذكورة بالحرمة، فيفهم أن مَن عداها من الطَّيِّبات فهو مباحٌ لا حرج فيه؛ كما أفادته الآية التي قبلها.

و (الْفَوَاحِشَ ) جمع فاحشة؛ وهي الفعلة المتناهية في القبح، وخصَّها بعضهم بما تضمَّن شهوة ولذة من المعاصي؛ كالزنا، واللواط، ونحوهما من الفواحش الظاهرة، وكالكبر والعجب وحب الرياسة من الفواحش الباطنة.

وأما (وَالإِثْمَ )؛ فمنهم مَن فسره بمطلق المعصية، فيكون المراد منه ما دون الفاحشة، ومنهم مَن خصَّه بالخمر؛ فإنها جِماع الإثم.

وأما (وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ )؛ فهو التسلُّط والاعتداء على الناس من غير أن يكون ذلك على جهة القصاص والمماثلة.

وقولـه: (وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا )، وحرَّم أن تعبدوا مع الله غيره، وتتقرَّبوا إليه بأي نوع من أنواع العبادات والقربات؛ كالدعاء، والنذر،والذبح، والخوف، والرجاء، ونحو ذلك مما يجب أن يُخْلِص فيه العبدُ قلبَه ويُسْلِمَ وجهَه للـه، وحرَّم أن تتَّخذوا من دونه سبحانه أولياء يشرِّعون لهم من الدين ما لم يأذن به الله في عباداتهم ومعاملاتهم؛ كما فعل أهل الكتاب مع الأحبار والرهبان؛ حيث اتَّخذوهم أربابًا من دون الله في التشريع، فأحلُّوا ما حرَّم الله، وحرَّمُوا ما أحلَّ الله، فاتَّبعوهم في ذلك.

وقولـه: (مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ) قيدٌ لبيان الواقع؛ فإن كل ما عُبِدَ أو اتّبع أو أُطيع من دون الله قد فعل به ذلك من غير سلطان.

وأما القول على الله بلا علم؛ فهو بابٌ واسعٌ جدًّا يدخل فيه كل خبر عن الله بلا دليل ولا حجة؛ كنفي ما أثبته، أو إثبات ما نفاه، أو الإلحاد في آياته بالتحريف والتأويل.

قال العلاّمة ابن القيم في كتابه ((إعلام الموقعين)) : ((وقد حرَّم الله القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء وجعله من أعظم المحرَّمات؛ بل جعله في المرتبة العليا منها؛ قال تعالى: (قلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ... ) الآية، فرتَّب المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها، وهو الفواحش، وثنّى بما هو أشد تحريمًا منه، وهو الإثم والظلم، ثم ثلَّث بما هو أعظم تحريمًا منهما، وهو الشرك به سبحانه، ثم ربَّع بما هو أعظم تحريمًا من ذلك كله، وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعمُّ القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه)).










آخر تعديل ليتيم الشافعي 2008-12-17 في 10:38.
قديم 2008-12-17, 12:15   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
اميرة اليالي البيضاء
عضو محترف
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا


رائع جدا



الموضوع حقا يستحق التثبيت




شكرا









 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 21:10

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc