بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .
السلام عليكم يا من تحبون الله ورسوله وأولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
من كتاب شواهد الحق للامام النبهاني رحمه الله .
الفصل الثالث في بعض ما قاله أئمة العلماء
وأثبتوا به مشروعية الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم
قال الإمام ابن حجر في الجوهر المنظم : من خرافات ابن تيمية التي لم يقلها عالم قبله وصار بها بين أهل الإسلام مثلة أنه أنكر الاستغاثة والتوسل به صلى الله عليه وسلم ، وليس ذلك كما أفتى به ، بل التوسل به حسن في كل حال قبل خلقه وبعد خلقه في الدنيا والآخرة ، فمما يدل لطلب التوسل به صلى الله عليه وسلم قبل خلقه وأن ذلك هو سير السلف الصالح الأنبياء والأولياء وغيرهم ، فقول ابن تيمية " ليس له أصل " من افترائه : ما أخرجه الحاكم وصححه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " ولما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد صلى الله عليه وسلم إلا ما غفرت لي. قال الله يا آدم كيف عرفت محمدا ولم أخلقه ؟ قال يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخ،ق إليك ، فقال له صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك " والمراد بحقه صلى الله عليه وسلم رتبته ومنزلته لديه تعالى ، أو الحق الذي جعله الله سبحانه وتعالى له على الخلق ، أو الحق الذي جعله الله تعالى بفضله له عليه كما في الحديث الصحيح " قال فما حق العباد على الله " لا الواجب ، إذ لا يجب على الله تعالى شيء ، ثم السؤال به صلى الله عليه وسلم ليس سؤالا له حتى يوجب اشتراكا ، وإنما هو سؤال الله تعالى بمن له عنده قدر علي ومرتبة رفيعة وجاه عظيم.
فمن كرامته صلى الله عليه وسلم على ربه أن لا يخيب السائل والمتوسل إليه بجاهه ، ويكفي في هوان منكر ذلك حرمانه إياه.
وفي حياته صلى الله عليه وسلم ما أخرجه النسائي والترمذي وصححه " أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله أن يعافيني ، فقال إن شئت دعوت وإن شئت صبرت وهو خير لك قال فادعه " وفي رواية " ليس لي قائد وقد شق علي فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في قضاء حاجتي لتقضى لي اللهم شفعه في " وصححه أيضا البيهقي وزاد ، " فقام وقد أبصر " وفي رواية " اللهم شفعه في وشفعني في نفسي " وإنما علمه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم يدع له لأنه أراد أن يحصل منه التوجه وبذل الافتقار والانكسار والاضطرار مستغيثا به صلى الله عليه وسلم ليحصل له كمال مقصوده ، وهذا المعنى حاصل في حياته وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، ومن ثم استعمل السلف هذا الدعاء في حاجاتهم بعد موته صلى الله عليه وسلم ، وقد علمه عثمان بن حنيف الصحابي راويه لمن كان له حاجة عند عثمان بن عفان زمن إمارته بعده صلى الله عليه وسلم وعسر عليه قضاؤها منه وفعله فقضاها ، رواه الطبراني والبيهقي وروى الطبراني بسند جيد " أنه صلى الله عليه وسلم ذكر في دعائه بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي " ولا فرق بين ذكر التوسل والاستغاثة والتشفع والتوجه به صلى الله عليه وسلم أو بغيره من الأنبياء وكذا الأولياء ، وذلك لأنه ورد جواز التوسل بالأعمال كما في حديث الغار الصحيح مع كونها أعراضا فالذوات الفاضلة أولى ، ولأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه توسل بالعباس رضي الله عنه في الاستسقاء ولم ينكر عليه ، وكأن حكمة توسله به دون النبي صلى الله عليه وسلم وقبره إظهار غاية التواضع لنفسه ، والرفعة لقرابته صلى الله عليه وسلم ، ففي توسله بالعباس توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وزيادة.
لا يقال لفظ التوجه والاستغاثة يوهم أن المتوجه والمستغاث به أعلى من المتوجه والمستغاث إليه لأن التوجه من الجاه وهو علو المنزلة ، وقد يتوسل بذي الجاه إلى من هو أعلى جاها منه ، والاستغاثة طلب الغوث والمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره وإن كان ذلك الغير أعلى منه. فالتوجه والاستغاثة به صلى الله عليه وسلم وبغيره ليس لهما معنى في قلوب المسلمين غير ذلك ولا يقصد بهما أحد منهم سواه فمن لم ينشرح صدره لذلك فليبك على نفسه ، نسأل الله العافية ، والمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى والنبي صلى الله عليه وسلم واسطة بينه وبين المستغيث فهو سبحانه مستغاث به والغوث منه خلقا وإيجادا ، والنبي مستغاث والغوث منه سببا وكسبا ومستغاث به مجازا ، وبالجملة فإطلاق لفظة الاستغاثة لمن يحصل منه غوث ولو سببا وكسبا أمر معلوم لا شك فيه لغة ولا شرعا فلا فرق بينه وبين السؤال لا سيما ما نقل أن في حديث البخاري رحمه الله تعالى في الشفاعة يوم القيامة " فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم " وقد يكون معنى التوسل به صلى الله عليه وسلم طلب الدعاء منه إذ هو حي يعلم سؤال من يسأله وقد صح في حديث طويل : إن الناس أصابهم قحط في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وأخبره أنهم يسقون فكان كذلك ، وفيه ائت عمر فاقرئه السلام وأخبره أنهم يسقون وقل له : عليك الكيس الكيس : أي الرفق لأنه رضي الله عنه كان شديدا في دين الله فأتاه خبره فبكى ، ثم قال يا رب لا آلوا إلا ما عجزت عنه. وفي رواية أن رائي المنام بلال بن الحارث المزني الصحابي رضي الله عنه.
فعلم أنه صلى الله عليه وسلم يطلب منه الدعاء بحصول الحاجات كما في حياته صلى الله عليه وسلم لعلمه بسؤال من سأله كما ورد مع قدرته على التسبب في حصول ما سئل فيه بسؤاله وشفاعته صلى الله عليه وسلم إلى ربه عز وجل ، وأنه صلى الله عليه وسلم يتوسل به في كل خير قبل بروزه لهذا العالم وبعده في حياته وبعد وفاته ، وكذا في عرصات القيامة فيشفع إلى ربه ، وهذا مما قام الإجماع عليه وتواترت به الأخبار ، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال " أوحى الله إلى عيسى صلوات الله على نبينا وعليه وسلامه : يا عيسى آمن بمحمد ومر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به ، فلولا محمد ما خلقت آدم ، ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار ، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب ، فكتبت عليه : لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن " فكيف لا يتشفع ويتوسل بمن له هذا الجاه الوسيع والقدر المنيع عند سيده ومولاه المنعم عليه بما حباه وأولاه انتهى كلام ابن حجر.
يتبع ان شاء الله والعاقل يميز