جزاك الله خيرا اخى أسامة و استسمحك بهذه المداخلة البسيطة
قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي فى معارج القبول في شرح سلم الوصول
الكفر والظلم والفسوق والنفاق في النصوص على قسمين :
أكبر يخرج من الملة ، لمنافاته أصل الدين بالكلية .
وأصغر ينقص الإيمان وينافي الملة ، ولا يخرج صاحبه منه . فكفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسوق دون فسوق ، ونفاق دون نفاق .
قال الله تعالى في بيان الكفر : { إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين } ، وقال : { إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا } .
وفي الكفر الأصغر قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )) .
وقال الله تعالى في الظلم الأكبر : { إن الشرك لظلم عظيم } .
وقال في الظلم الأصغر : { واتقوا الله ربكم ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ولا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } ، وقال تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } .
وقال في الفسوق الأكبر : { إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه } ، وقال تعالى : { والكافرون هم الفاسقون } .
وقال تعالى في النفاق الأكبر : { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين } ، وقال : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في النفاق الأصغر : (( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر )) [البخاري1/89-ومسلم ح58] .
فهذه الخصال كلها نفاق عملي لا يخرج من الدين إلا إذا صحبه النفاق الاعتقادي المتقدم . انتهى كلامه رحمه الله
وقال الشيخ عمر بن محمود أبو عمرو
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون تتكلّم عن حكم من ترك الكتاب والسنّة، ولا تتكلّم عن حكم من حكم بغير الكتاب والسنّة، والتّفريق بينهما جدّ مهم، فلو أنّ القاضي عرضت له مسألة ليقضي فيها، فترك الحكم فيها مع علمه بحكم الله تعالى في النّازلة، فهو المعنيّ بهذه الآية، ولكنّ هذا القاضي لو حكم فيها بغير ما أنزل الله تعالى لكان جامعاً لأمرين: أولاهما: ترك الحكم بما أنزل الله، وثانيهما: الحكم بغير ما أنزل الله تعالى. وهما مناطان مختلفان، إذ أنّ الثّاني متضمّن للأوّل، بخلاف الأوّل فهو ليس متضمّن للثّاني.
2 - دلّت السنّة النّبويّة على وجود الكفر الأصغر، ولم يرد الكفر الأصغر في الكتاب العزيز، بل قال الإمام الشّاطبيّ: أنّ أحكام القرآن كلّها غائيّة، وأمّا السنّة ففيها الغائيّ والوسطيّ، فعلى هذا: لا يوجد في القرآن لفظ الكفر الذي يُحمل على الكفر الأصغر، نعم: ورد الكفر في القرآن على عدّة معان، ذكر بعض أهل العلم أنّها خمسة. انظرها في "نزهة الأعين النّواظر في علم الوجوه والنّظائر" لابن الجوزيّ (2/119،120) ولكن لا يوجد فيها ما يدلّ أنّ في القرآن لفظ الكفر المحمول على الكفر الأصغر.
3 - للتّفريق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر الوارد في السنّة النّبويّة له عدّة طرق، من أهمّها ما ذكره ابن تيميّة في كتاب "الإيمان الكبير": أنّه لو ورد الكفر معرّفاً فإنّه لا يحمل إلاّ على الكفر الأكبر، وأمّا إذا جاء الكفر منكراً، فحينئذٍ برجع إلى بقيّة الطّرق لمعرفة المراد منه، هل هو كفر أكبر أم أصغر؟. ا. هـ. الحكم بغير ما أنزل الله، فيه صور داخلة فيه دخولاً كلّيّاً، وصور داخلة فيه دخولاً جزئيّاً، فمن الصّور التي تدخل فيه دخولاً كلّيّاً بإجماع الأمّة هي:
أ - التّشريع: قال الشّاطبيّ في الاعتصام (2/61): كلّ بدعة - وإن قلّت - تشريع زائد أو ناقص، أو تغيير للأصل الصّحيح، وكلّ ذلك يكون ملحقاً بما هو مشروع، فيكون قادحاً في المشروع، ولو فعل أحد مثل هذا في نفيس الشّريعة عامداً لكفر، إذ الزّيادة والنّقصان فيها أو التّغيير. قلّ أو كثر كفر، فلا فرق بين ما قلّ منه أو كثر. ا. هـ، فالشّاطبيّ يقرّر أنّ مطلق التّشريع كفر، ولا فرق بين القليل والكثير، لأنّ معنى التّشريع هو ردّ لأمر الله تعالى وحكمه، وهذا كفر بإجماع الملّة. قال ابن تيمية: والإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه، أو حرّم الحلال المجمع عليه، أو بدّل الشّرع المجمع عليه كان مرتدّاً بالاتّفاق. ا. هـ. مجموع الفتاوى (3/267). ويقول الشّنقيطيّ: وأمّا النّظام الشّرعيّ المخالف لتشريع خالق السّماوات والأرض، فتحكيمه كفر بخالق السّماوات والأرض. ا. هـ. أضواء البيان (4/84).
ب - ردّ حكم الله تعالى إباءً أو امتناعاً من غير جحود ولا تكذيب: قال الجصّاص: إنّ من ردّ شيئاً من أوامر الله تعالى، أو أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو خارج من الإسلام، سواء ردّه من جهة الشّكّ فيه أو من جهة القبول والامتناع عن التّسليم. ا. هـ. أحكام القرآن (2/214).
ج - من التزم غير حكم الله تعالى: قال ابن تيمية: ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر، وقال: فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنّه لا يؤمن. ا. هـ. منهاج السنّة (5/131). وقال محمّد بن إبراهيم آل الشّيخ في رسالة تحكيم القوانين في أقسام الكفر الأكبر الدّاخل في هذه الآية: وهو أعظمها، أو أشملها، وأظهرها معاندة الشّرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقّة لله ورسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشّرعيّة، إعداداً وإمداداً، وإرصاداً، وتأصيلاً، وتفريعاً، وتشكيلاً وتنويعاً، وحكماً وإلزاماً ومراجع ومستندات، فكما أنّ للمحاكم الشّرعيّة مراجع مستمدات، مرجعها كلّها إلى كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفّق من شرائع شتّى، وقوانين كثيرة كالقانون الفرنسيّ، والقانون الأمريكيّ، والقانون البريطانيّ، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشّريعة، وغير ذلك، فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيّأة مكمّلة، مفتوحة الأبواب، والنّاس إليها أسراب، يحكم حكّامها بينهم بما يخالف حكم الكتاب والسّنة، من أحكام ذلك القانون، وتلزم به، وتقرّهم عليه، وتحتّمه عليهم، فأيّ كفر فوق هذا الكفر، وأيّ مناقضة لشّهادة أنّ محمّداً رسول الله بعد هذه المناقضة. ا. هـ.
أمّا الحالات التي تدخل في الآية دخولاً جزئيّاً فمنها:
1 - اقتراف المعاصي والذّنوب غير المكفّرة، من غير ردّ لحكم الله تعالى، أو استحلال للمعصية، فهذا داخل في مسمّى الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، ولكن دخوله في حكمها كدخوله في مسمّاها، ونعني أنّ دخوله في الآية من باب احتجاج الأعلى على الأدنى، إذ أن الصّحابة رضي الله عنهم كانوا يحتجّون بالآيات النّازلة في الكفّار على المسلمين لا تكفيراً لهم - والعياذ بالله - ولكن من باب دخول هذا الفعل المحذور في هذه الآية دخولا جزئيّاً، كما قال القرطبيّ: لا يستبعد أن ينتزع ممّا أنزل الله في المشركين أحكام تليق بالمسلمين كما فعل عمر رضي الله عنه في احتجاجه على كثرة النّعم بين أيدي الصّحابة في عصره بآية {أذهبتم طيّباتكم في الحياة الدّنيا} فهذه الآية نصّ في الكفّار، ومع ذلك فهم عمر الزّجر عمّا يناسب أحوالهم بعض المناسبة ولم ينكر عليه أحد من الصّحابة. وكذلك قال الشّاطبيّ في "الموافقات" فانظره وكذا في "الاعتصام" وهذه المعاصي تسمّى كفراً أصغراً أو تسمّى بريد الكفر وهي التي إذا كثرت ربّما تنتج الغائيّ عند الموت وهو كفر المآل (انظر الإيمان الأوسط لابن تيمية، فإنّه مهم).
2 - جور الحاكم وطغيانه وظلمه، وهو كظلم الحكّام المسلمين لرعيّته بأخذ أموالهم المعصومة على جهة السّياسة من غير حجّة شرعيّة، أو كظلمهم بجلد ظهورهم وتحميلهم ما لا يقدرون عليه، فإنّ هذا الصّنف كسابقه، هو كفر أصغر، ومعصية من المعاصي، ويجوز الاحتجاج بالآية المتقدّمة على هذه الأفعال لا تكفيراً لأصحابها، ولكن من باب دخول أصحابها دخولاً جزئيّا في مسمّى هذه الآية، أي أنّه كفر أصغر ومعصية من المعاصي المذمومة.
فهذه الآية كما ترى هي على ظاهرها، فمن دخل فيها دخولا كليا كان كافرا بالله تعالى، ومن دخل فيها دخولا جزئيا فيصيبه بمقدار ما اقترف.
والناس في هذه الآية طرفان ووسط:
أ ـ الطرف المغالي : وهم الخوارج. وهم الذين يرون أن المعاصي والذنوب على مرتبة واحدة، فكل من عصى الله تعالى فهو داخل في هذه الآية دخولا كليا فهو كافر ومشرك، وبذلك كفّروا أصحاب الجمل و صفّين، ومعسكر عليّ ومعسكر معاوية رضي الله عنهما، فهؤلاء كفّروا القسم الثاني (الداخلين فيها دخولا جزئيا لا كليا)،وهذا القسم الثاني هو الذي قال في حقه ابن عبّاس رضي الله عنهما: كفر دون كفر، وليس من قبيل حمل الآية على معنى واحد وهو الكفر الأصغر إذ أنّ ظاهر الآية كما تقدّم لا يمكن حمله إلاّ على الكفر الأكبر.
ب - طرف التّفريط: وهم المرجئة. وهؤلاء لا يرون الحكم بغير ما أنزل الله على جميع وجوهه وحالاته إلاّ كفراً أصغراً، ولا يكفّرون القسم الأوّل إلاّ بشروطهم الباطلة، كشرط الاستحلال والجحود والتّكذيب، ويحتجّون بجهلٍ فاضح بقول حبر الأمّة - ابن عباس رضي الله عنهما -: كفر دون كفر.
وهؤلاء كغيرهم من أصحاب القول الأوّل أهل بدعة وضلال.
قول وسط: وهو قول أهل السّنّة والجماعة، وهو أنّ الآية على ظاهرها، وبمقدار دخول الرّجل في مسمّاها فهو داخل في حكمها.