المراجع :
1 ـ طه باقر ، مقدمة في أدب العراق القديم ، بغداد 1976 ص33
2ـ صمويل كريمر / من ألواح سومر ، ترجمة طه باقر /مكتبة المثنى /بلا تاريخ .. أندري يارو ، سومر ، فنونها وحضاراتها ، ترجمة وتعليق د سلمان عيسى سلمان وسليم طه التكريتي ، بغداد 1978
3ـ طه باقر ، ملحمة جلجامش ، بغداد 1980ص 9
4ـ د أحمد كمال زكي ، الأساطير ، دراسة حضارية مقارنة بيروت 1979 ص 9
5 ـ كريمر ، المصدر السابق ص 151
حضارة بلاد الرافدين
خارطة أرض الرافدين
"ارض ما بين النهرين" هي التسمية التي اطلقها اليونانيون القدماء على البلاد التي يحدها نهرا دجلة والفرات - عراق اليوم.
وقد ازدهرت على هذه الارض حضارات عظيمة منها الحضارات السومرية والاكدية والبابلية والآشورية وغيرها، وكلها حضارات انتشر نفوذها الى البلاد المجاورة ابتداء من الألف الخامس قبل الميلاد.
الا ان هذه الحضارات العظيمة بادت بعد سقوط الامبراطورية الآشورية سنة 612 قبل الميلاد.
تمثالان من أور
ظهرت التماثيل الصغيرة ومعظمها تماثيل نسائية في منطقة الشرق الأدنى منذ حوالي العام 7500 قبل الميلاد ، وتساعد ملامحها المميزة علماء الآثار على معرفة الثقافات والشعوب المتعددة في المنطقة.
ويعود التمثالان المصوران أعلاه إلى منطقة أور في جنوب العراق، ويرجع تاريخهما إلى العام 4500 قبل الميلاد، وهما نموذجان على الثقافة العبيدية التي تعود إلى ما قبل التاريخ.
ويظهر التمثال الأول في صورة إمرأة تضع يدها على بطنها ، بينما التمثال الثاني والذي ضاع منه رأسه يصور امرأة تمسك مولودا ذا رأس مستطيل.
ويعد هذان التمثالان إضافة إلى عدد آخر من التماثيل التي عثر عليها في المناطق المجاورة ما يسمى التماثيل "السحلية" وذلك نظرا لمظهرها المشابه للزواحف.والذي يعود أساسا إلى شكل عيونها المشابه لحبوب القهوة وشكل رؤوسها المستطيلة، الذي من المحتمل أن يكون راجعا إلى القماط في فترة الرضاعة.كما تم استعمال القار لإظهار الشعر ، و قد تشير الكريات الطينية أو العلامات المصبوغة على الكتف إلى الوشم أو إلى القرابين.
وطول التمثال الظاهر على اليمين يقارب 13.6 سنتيمترا
الالواح المسمارية
تم اختراع الكتابة التصويرية في بلاد ما بين النهرين قبل العام 3000 قبل الميلاد.
وهذا اللوح الطيني الذي يعود تاريخه إلى العام 3100 قبل الميلاد كتبت عليه قائمة فيها حصص الطعام المخصصة للجنود.
ويدل هذا اللوح على تطور الكتابة من استعمال الصور إلى استعمال الأنماط المنحوتة بالمسامير والتي تعرف بالكتابة المسمارية.
وأول كتابة تم التعرف عليها هي الكتابة السومرية والتي لا تمت بصلة إلى أي لغة معاصرة.
بحلول عام 2400 قبل الميلاد تم اعتماد الخط المسماري لكتابة اللغة الأكدية، كما استعمل نفس الخط في كتابة اللغة الآشورية واللغة البابلية، وهي كلها لغات سامية مثل اللغتين المعاصرتين العربية والعبرية.
وتواصل استعمال الخط المسماري للكتابة في لغات البلاد المجاورة لبلاد ما بين النهرين مثل لغة الحطيين واللغة الفارسية القديمة، واستعملت إلى نهاية القرن الأول الميلادي.
وتم فك رموز الخط المسماري في العصر الحديث أي القرن التاسع عشر وبذلك تسنى لعلماء العصر قراءة النصوص الإدارية والرياضية والتاريخية والفلكية والمدرسية والطلاسم والملاحم والرسائل والقواميس.
ويوجد حوالي 130000 لوح طيني من بلاد الرافدين في المتحف البريطاني.
الحرب والسلام في أور
قام السير ليونارد وولي في العشرينيات من القرن الماضي بحفريات في منطقة أور بجنوب العراق، واكتشف مقبرة لم يتم تخريب قبورها ويرجع تاريخها إلى عام 2600 قبل الميلاد: وقد عثر على هذا الشئ الغامض في أحد القبور.
وتتكون جوانبه من جدولين مستطيلين طولهما 20.3 مترا، مزينين بلقطات مصورة من الفسيفساء المصنوع من الصدف البيضاء، والحجارة الحمراء والحجارة الزرقاء من نوع لابس لازولي (مستوردة من أفغانستان) موضوعة على القار.
ويظهر على جهة "الحرب" من الأعلى إلى الأسفل ، عربات تضرب أعداءا يتساقطون ، ورماة الرماح وهم لابسون خوذات وأردية يأسرون عددا من الأعداء ، وبعض الأسرى وهم يعرضون على قائد الجيش( الظاهر في أعلى الوسط).
عجلات العربات قوية ، تجرها حمير تقاد بحبال، تمر وسط قرط توضع في أنوف الحمير (واخترعت المكابح فيما بعد).
ويظهر على جهة "السلم" إحتفال بوليمة، ويبدو أيضا موسيقي وهو يعزف على قيثارة، ويجلب المدعوون الغنائم والحمير والثيران والإبل والماعز والسمك.
الأختام
تم استعمال الأختام المنقوشة بتصميم بسيط منذ العام 5000 قبل الميلاد، وكانت تطبع كدليل حيازة تجاري على أختام طينية على الأبواب المخصصة لحفظ السلع.
كما تم العثور عليها على الأكياس والسلال التي كانت تستعمل للنقل التجاري على نهري الدجلة والفرات.
وحوالي العام 3500 قبل الميلاد تم اختراع الختم الأسطواني وكانت توفر المجال للتصاميم المنقوشة المعقدة ومن الممكن لفها على الطين.
حمورابي وبابل
بدأ العموريون إبتداءا من حوالي العام 2100 قبل الميلاد بالزحف نحو العراق من الغرب ، وطفقوا يقيمون مستوطنات حول المدن.
وساهموا في عام 2000 قبل الميلاد في إسقاط السلالة الثالثة الحاكمة في أور ، وأقاموا سلسلة من الممالك الصغيرة في كافة أرجاء ما بين النهرين.
وتحكمت سلالة البابليين الأولى تحت حكم حمورابي (1792-1750) قبل الميلاد في معظم مقاطعات ما بين النهرين، وأصبحت بابل العاصمة.
ويعد الوصول الى بابل التي كان يحكمها حمورابي أمرا مستحيلا ، لأنها تقع تحت أطلال مدن أقيمت بعدها ومنها بابل نبوخذ نصر الثاني (562-504) قبل الميلاد.
ولكن السير ليونارد وولي وجد في مدينة أور هذا التمثال الطيني الملون الرائع والذي يعود إلى فترة حمورابي.
وتشير الخوذة ذات القرون إلى أنه يمثل إلاها جالسا على عرش عال أسود.
وعثر على البقايا العلوية فقط ،وطولها 18 سنتيمترا، ولكن آثار سلاح موجود في اليد اليسرى للتمثال قد تشير إلى أنه إله محارب.
المسلات
يعتقد أن المسلة السوداء المصنوعة من الحجر الجيري الظاهرة في الصورة، والتي يبلغ طولها 61 سنتيمترا، بنيت في احد المعابد كدليل على منحة ملكية لأرض.
ويظهر عليها صورة الملك البابلي مردوخ ناديناهي (1099-1082) وهو يحمل قوسا وسهمين كرمز على النصر،وكتب عليها بالخط المسماري "المنتقم لشعبه".
ويظهر أيضا وهو متعمم بتاج مزين بورود يعلوه ريش ،وتظهر أيضا ثيران مجنحة وشجرة .
أما ثوبه فهو مطوي من جهة الظهر وعليه شرائط من جهة الصدر،ويعد هذا النوع من اللباس كتصميم ملكي دام لعدة قرون.
ويتماشى مع هذا اللباس أشكال هندسية سداسية عليها حواش ثخينة تظهر عليها أشجار مصممة بطريقة رائعة، أما ما يلبسه الملك في القدم فهو خف مصنوع من اللحاف.
وتظهر رموز إلهية فوق الملك، ويفصل جزء من ثعبان الصورة الأمامية عن الكتابة المسمارية من الخلف.
الدولة الآشورية
كانت آشور- المدينة الواقعة على ضفاف نهر الدجلة - عاصمة للمملكة الآشورية في شمال وادي الرافدين، منذ حوالي العام 2500 قبل الميلاد.
وقام الملك آشور ناصربال الثاني (883-859 قبل الميلاد)، بنقل عاصمته شمالا إلى مدينة كله (المدعوة نمرود حاليا).
وتعاقب عدة ملوك على بناء هذه المدينة وقصورها ومعابدها، وقد قام البريطانيون بعمليات حفر في المنطقة في الأربعينيات والخمسينيات من القرن التاسع عشر،إضافة إلى الخمسينيات من القرن العشرين.
واكتشف علماء الآثار العراقيون في التسعينيات من القرن الماضي ثلاثة قبور غنية جدا تحت أرضية الغرف في حرم آشورناصربال ، يرجع تاريخها إلى أعوام 750-700 قبل الميلاد.
وعثر في أحد القبور على هذا التاج الذهبي الرائع الذي تعلوه ورقة ثلاثية لفاكهة العنب ، تتأرجح منها عناقيد من الفاكهة نفسها، وتعتمد الورقة والعناقيد على غطاء تمثله مخلوقات ذات أجنحة رباعية ، تقف على صف من الرمان والورود.
حينما سقطت الإمبراطورية الآشورية عام 612 قبل الميلاد ، دمرت مدنها الكبيرة كليا.
ويعد هذا التاج دليلا على البراعة الصناعية وعلى الكنوز الضائعة لهذه الإمبراطورية.
الثور المجنح
كان هذا التمثال الضخم الذي يبلغ طوله 4.42 أمتار والذي يزن 30 طنا، فردا من زوج يحرس بابا في دور شروكين التي شيدها الملك الآشوري سرجون الثاني (721-705 قبل الميلاد) ،وهي المدينة التي هجرها سنحاريب إبن سرجون ،ونقل العاصمة إلى منطقة قريبة من نينوى.
وقد إستعملت تماثيل مشابهة ولكنها أصغر في القصور الآشورية لمدة دامت قرنين.
وتجمع هذه التماثيل ما بين السلطة الإلهية (الخوذة ذات القرون) وبين الذكاء البشري ،وجناح نسر وقوة إما أسد – كما في الصورة- أو ثور ذي أربعة أفخذة (يظهر منها إثنان إذا شاهدته من الأمام، وأربعة إذا شاهدته من جنب ،مع كتابة مسمارية خطت بينها) ترمز إلى قوة الإمبراطورية الآشورية التي كانت تسيطر على منطقة الشرق الأدنى لمدة ثلاثة قرون.
وقد حفر بعض الحراس الآشوريين - الذين من المحتمل أن يكونوا قد تملكهم الضجر أثناء تأدية واجبهم - رقعة للعبة تشبه النرد على قاعدة التمثال الذي تظهر صورته على اليمين.
وكانت هذه اللعبة تلعب في أور بجنوب العراق في العام 2600 قبل الميلاد، ولايزال سكان جنوبي العراق يلعبونها حتى يوما الحالي.
آشور بانيبال
كانت جدران قصور الآشوريين مخططة بجداول حجرية منقوشة بوضوح خفيف تمثل لقطات من الحروب، والصيد و طقوس العبادة.
وربما يعد أحسنها تصميما القصر الشمالي للملك آشور بانيبال (668-631 قبل الميلاد) في نينوى.
وتظهر تفاصيل صيد الأسد –النقش المشهور- الملك آشور بانيبال وهو يستل قوسه.
ويوصف التصميم الفاخر لخوذته وكسوته بدقة عظيمة، كما أنه يرتدي قرطا رائعة الجمال تشبه تماما قرطا ذهبية أخرى وجدت في قبور الملكات الآشوريات في مدينة نمرود.
كما نشاهد خلف رأس الملك عقبي رمحين كان يحملهما خادمان بغية إبقاء الأسد في عرينه.
وفي نقوش أخرى نشاهد الملك وهو يطعن أسدا، ثم يناول قوسه خادما، ويأخذ رمحا ليضرب به أسدا آخر.
كان صيد الأسود رياضة ومهمة ملكية ،كما أنه كان علامة على التفوق والقوة
مكتبة آشور بانيبال
لم يكن آشور بانيبال صيادا فحسب بل كان أيضا محاربا غزا العديد من البلدان بما فيها مصر.
رغم كل هذا كان يفتخر كثيرا بقدرته على الكتابة والقراءة في عصر كان تعلم الكتابة المسمارية فيه حكرا على النساخ.
وكان يملك مكتبة كبيرة جدا من الألواح ، كان يجمعها له خدمه من جميع أنحاء البلاد، خاصة في بابل.
هذا اللوح (الى اليمين) هو النسخة البابلية لقصة الطوفان، الذي يقارب قصة طوفان نوح، كما تحكى في سفر التكوين في العهد القديم.
حينما احترق قصر آشور بانيبال في عصر سقوط الإمبراطورية عام 612 قبل الميلاد، انهارت المكتبة فوق الغرفة السفلية، وأدى هذا السقوط إلى تحطم هذا اللوح واحتراقه.
ولكن كمية هائلة من الالواح نجت من الحريق، وهي معروضة الآن في المتحف البريطاني
إيوان كسرى
ما لبث الطابوق المصنوع من الطين يستخدم في البناء في ارض الرافدين حتى وقت قريب جدا عندما دخل الاسمنت حيز الاستعمال.
ولم يستخدم الطابوق المفخور تاريخيا إلا في المشاريع الكبرى، كإيوان كسرى الواقع في سلمان باك جنوبي بغداد.
وإيوان كسرى (او طاق كسرى كما اعتاد العراقيون تسميته) هو الجزء المتبقي من القصر الذي ابتناه الاباطرة الفرس الساسانيون في القرن الثالث للميلاد.
فالساسانيين، رغم كونهم من الفرس، كانوا يستخدمون اساليب البناء التي كانت شائعة في بلاد الرافدين، حيث لم يتطلب تشييد الطاق (الذي يبلغ ارتفاعه 30 مترا وطوله 43 مترا) اية سقالات بل استخدم اسلوب محلي يتم فيه ترتيب طبقات الطابوق بنسق خاص يمنح الهيكل قوة كبيرة.
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%...AF%D9%8A%D9%86
تاليف عزيز احي
تقديم نبيل ماروكي
كتاب الدليل الموسع لأعلام ما بين النهرين هو ثمرة جهود عشرة أعوام قضاها المؤلف في البحث والتحضير والتقصي لتقديم نموذج موسع من لدن كاتب اشوري عن اعلام حضارة ما بين النهرين . يتناول هذا العمل شرح وتفسير بعض اسماء الملوك والمدن والمعالم التاريخية .
كما يتضمن هذا الكتاب مقدمة يشرح فيها الكاتب اسباب الانشقاقات الدينية والطائفية والسياسية والاضهادات التي تعرض لها الاشوريين واشكالات التسمية في صفوف ابناء شعبنا منذ شقوط نينوى 612 ق.م وحتى اواخر القرن العشرين
يعتبر البحث في دراسة تاريخ بلاد الرافدين من الدراسات المعقدة وبالاخص عندما يغوص الباحث في التاريخ القديم جيدا عدا هذا بالرغم من الاكتشافات الاثرية الضخمة التي تمت في السنوات الاخيرة من هذا القرن ، فاننا نرى هناك تداخل وتنافر كبير احيانا بين اراء الكتاب والباحثين في منشأ واصل حضارة وسكان بلاد الرافدين ، وقد يعود السبب ان معظم الباحثين هم من المستشرقين ، فهم يتعاملون مع مدونات الالواح ومزجها مع بعضها لاستنساخ صفحات من تاريخ وحضارة الرافدين دون ان يستطيعوا ان يدركوا مدى علاقة اثار هذه الحضارة وهذا التاريخ واستمراريتها في الوقت الحاضر على ابناء الرافدين من عادات وتقاليد واعراف ولغة وسمة عامة مميزة ، فالكاتب والمؤرخ الذي يدون تاريخ بلاده يضيف اليه كثير من روحه ومشاعره وثقافته العامة التي تعتبر جزء واستمرار لما يكتب فتأتي الكتابة نابضة بالحياة معبرة عن المعنى المطلوب يتحسسها القارئ ويشعر بمتعة وبوضوح في استجلاء غوامض التاريخ وهكذا فعندما يشعر الكاتب بالانتماء التاريخي والحضاري والثقافي لما يكتب بصدق واخلاص ، والكتابة في تاريخ بلاد الرافدين تحتاج الى مثل هذه الروح ، فتاريخ بلاد الرافدين مملوء بالاساطير والقصص الخيالية الممزوجة بالواقع الحي او الاصح الواقع الحي تحول مع مرور الزمن الى اساطير وقصص تناقلتها الاجيال فاختلطت فيها الحقيقة بالخيال ، فمثلا لبداية التاريخ الاشوري البابلي قصة يذكرها الملوك السومريين والاكاديين حيث يقولون انه منذ بداية هذا التاريخ استلم اول انسان السلطة الزمنية من الآلهة التي كانت تحكم البشر بشكل مباشر قبل ذاك ، وسلسلوا الرواية بطريقتين في النتيجة تعطيان رقما واحدا تقريبا حتى التاريخ الميلادي وهو 4750 عام اي ان اول ملك حكم في بلاد الرافدين كان قبل الميلاد ب 4750 سنة ، بالرغم من الارقام الخيالية لفترات حكم ما قبل الطوفان .
التقدير الاول استخدم من قبل السومريين حيث قدروا سنوات حكم ثمانية ملوك لما قبل الطوفان وحتى سلالة اور الثالثة 263800 عام وقد تم حذف الصفرين الاخيرين فقدرت فترة الحكم 2638 عام وتبدأ سلالة اور الثالثة بعام 2112
ق.م ويضاف اليهم ايضا 1996 عام ميلادية فيكون المجموع 6746 عام ، بينما التقدير الاخر هو التقدير الاكادي ، لان الكهنة في معابد اكاد هم الذين ارخوه فقد قدروا فترة حكم ملوك ما قبل الطوفان وحتى السلالة الاكدية 241000 سنة ويحذف الصفرين الاخيرين فيكون المجموع 2410 عام وتبدأ السلالة الاكادية بعام 2340 عام ويضاف اليها 1996 ميلادية فيكون المجموع 6746 سنة وكلا التقويمين معتمد في اثبات الملوك الذي تعتبر اول وثيقة تاريخية في العالم
وبالرغم من ذلك فاننا نرى تسلسلا زمنيا واضحا في تاريخ وحضارة بلاد الرافدين منذ اقدم العصور وانسجاما متكاملا في التراث الثقافي الذي اكتمل عبر التطورات المتتالية التي مرت ببلاد الرافدين فبدءا من عصر ما قبل الطوفان الذي يسلسل الملوكية في خمس مدن رئيسية بشكل متتال وصولا الى بداية العصر السومري فالاكدي ثم البابلي القديم فالاشوري والبابلي الحديث ، ثم استمرار هذا التراث حتى بعد سقوط السلطة السياسية من ابناء بلاد الرافدين واستمرارهم تحت السيطرة الاجنبية بدء من كورش حيث بدأت تنحصر هذه الثقافة وهذا التراث لصالح السلطات المسيطرة ، وبالرغم من ان العالم الف سماع اسماء مختلفة لحضارة بلاد الرافدين ، حضارة بابلية وحضارة كلدانية وسومرية واكادية واشورية وارامية ….. ونحن في هذه المقدمة سنحاول اعطاء بعض التفصيلات عن حقيقة هذه الحضارة ونود ان ننوه هنا لناحية مهمة في فهم وتفسير استمرارية الحضارات فتوقف استمرار حضارة ما لا يعني انقراض الشعب مؤسس هذه الحضارة والقيم الحضارية لهذا الشعب ،بل ان الشعب كبشر وكمواهب يبقى موجودا ، الا ان استمرارية كسمة مميزة بذاتها هي التي تتوقف .
فقد يستعمر الشعب من قيبل غيره من الشعوب ويذوب في بوتقة شعوب مغيرة ، او يفقد سلطته السياسية غير انه كبشر وكمواهب يظل باقيا وممارسا لمواهبه الحضارية وان لم يكن بشكل كامل ، وقد ينطوي تحت اسم السلطة المسيطرة عليه في فترة زمنية ما
في الواقع ان تاريخ ما بين النهرين يحتاج الى تأريخه فلا يزال الى الان اكثر من ثمانين بالمائة من تراث وبقايا هذه الحضارة تحت الانقاض ، وفي كل يوم تكتشف البعثات العلمية معلومات جديدة عن هذه الحضارة، ونعتقد انه لو تم اكتشاف جميع الاثار الموجودة في بلاد ما بين النهرين لقلبت وجهة التاريخ رأسا على عقب .
قد يكون هناك كثيرون لا يهتمون بتراث واثار هده الحضارة لكونها بالسبة لهم اصبحت اشياء بائدة ومجرد ذكرايات عن الماضي لا اكثر وقد تناسى هؤلاء ان التاريخ سلسلة متصلة الحلقات كالعقد اذا انفرطت منه حبة فقد العقد خاصته ، فدراسة تاريخ الحضارات القديمة يجعلنا نستوعب بشكل اوسع حضارة هذا القرن والعلاقات الاجتماعية بين الماضي والحاضر ، فكلنا يقف اليوم مبهوتا امام التقدم الحضاري الذي وصلت اليه الهندسة المعمارية في ناطحات السحاب ويعجب بحضارة القرن العشرين ، ولكن ليسوا كثيرين اولئك الذين التفتوا الى التاريخ وشاهدوا القمة والروعة الهندسية والمعمارية التي احتوتها اهرامات الجيزة والامتداد الكبير الذي انبسط عليه سور الصين العظيم ، فقد نشأت في منطقة الشرق الاوسط عموما حضارات بلغت شأنا عاليا من الرقي والتقدم كالاشورية والبابلية والفرعونية والفارسية والصينية والهندية ومن المؤرخين والبحاثة من يجعل الاسبقية لهذه او لتك ، ولكن مهما يكن من امر هذه الحضارات فهي التي اعطت قوة الدفع الاكبر للأنسانية وهي بحق الاساس الذي قامت عليه حضارة العالم في القرن العشرين ، وبما اننا الان بصدد دراسة اعلام حضارة بلاد الرافدين ، فاننا نؤكد وبكل صدق ان اكثر من ثمانين بالمائة من معالم هذه الحضارة لا يزال تحت الانقاض ومنه ما ضاع بسبب الكوارث التي المت بالمنطقة وحتى ان ما طهر منها ايضا تناولته الايدي حسب الاهواء والغايات الخاصة
فمنها ما برز بوجهه الصحيح ومنها ما بقي بين نين ، فان دراسة دراسة التاريخ يجب ان تكون غاية بحد ذاتها ، وان تخدم الحقيقة مهما كانت نوعيتها ، ونحن في هذا الدليل هن كنا مقصرين في بعض النواحي سواء كان هذا التقصير من ناحية دقة المعلومات او لقلة المصادر ، فذلك عائد لصعوبة الحصول على المراجع المختصة وقلة المعلومات المتوفرة في هذه المراجع ، اذ ان معظم المراجع المتوفرة تحتوي نفس المعلومات تقريبا، لذا فقلما يوجد مرجع يحوي معلومات جديدة عن حضارة بلاد ما بين النهرين ،واذا كنا قد قدمنا هذه الجهود البسيطة سائرين على الطريق لكشف معالم جديدة عن حضارة بلادنا ونتمى ان يسعفنا الحظ لنتمكن وبمشاركة جهود المخلصين ان نعطي صورة مقبولة تليق حضارة بلاد الرافدين التي غذت العالم على مدى الاف السنين ثم شاء القدر ان تبقى تحت التلال تنتظر ايادي البعثات العلمية كي تفصح عن نفسها ن ، ونود هنا ان نعطي صورة مبسطة لتاريخ بلاد ما بين النهرين القديم منذ نشوء الحضارة المدونة فيه وحتى سقوط بابل على يد كورش الفارسي
قبل كل شئ علينا ان نبحث في البدايات الاولى لتاريخ المنطقة وهطه البدايات تأتي مع الرواد الاوائل الذين عاشوا في هذه البلاد. هناك معالم واثار حضارية تثبت وجود شعب بلاد الرافدين في هذه المناطق ، قبل التاريخ المدون ، وهناك افتراضات مختلفة ومتضاربة عن اصل ومكان قدوم هذا الشعب الى هذه المناطق ، ولكن مهما يكن فان هذا الشعب تواجد في هذه الارض قبل التاريخ المدون وهذا ما ايدته معظم الفرضيات التي تبحث في اصل سكان بلاد الرافدين واستطاع التفاعل والانسجام مع الارض وانشأ الحضارة التي نستطيع ان نفخر بها امام العالم .
وقد ورد في اثبات الملوك السومرية والاكدية المدون عام 2340 ق.م تقريبا ان السلطة نزلت من السماء لاول مرة على الارض في بلاد الرافدين فاستقرت الملوكية في خمسة مدن في بلاد الرافدين بالتعاقب وذلك ما قبل الطوفان وقد اعطوا لذلك ارقاما خيالية تجاوزت احيانا 241000 سنة تقريبا مما يؤكد حقيقة اصالة شعب بلاد الرافدين وعمقه التاريخي في هذه المنطقة بالاضافة الى المكتشفات الاثرية قبل هذه الفترة باىف السنيين . وقد سكنوا مناطق متعددة حسب متطلبات الحاجة المعيشية فمنهم من سكن في السهول واتخذ الزراعة مهنة له وعاش على اطراف الانهار وبنى المدن الاولى ، ومنهم من صعد الى الجبال طالبا الحماية في المناطق الوعرة وتخلصا من الغارات الغازية بين فترة واخرى فسكنوا في سومر وبابل واشور
ففي البداية تمكن سكان سومر قبل غيرهم من فرض سيطرتهم على بلاد ما بين النهرين فسميت الاماكن التي تمكنوا من فرض سيطرتهم عليها ببلاد سومر وسميت الفترة التي حكموا خلالها بالعهد السومري والحضارة التي خلفتها الشعوب الخاضعة لها في هذه الفترة بالحضارة والتراث السومري ، ثم افل نجم سومر السياسي وبرز نجم اكاد وتمكن ملوك اكد من السيطرة على بلاد سومر ومناطق ما بين النهرين بالكامل وذلك بسبب ضعف الملوك السومريين ونشوب الخلافات بينهم على السلطة فسميت البلاد عندئذ بالاكدية العهد الاكدي ثم تلى ذلك فترة تناوبت فيها السلطة بين سومر واكد وعرفت بالفترة السواكدية حتى جاء الامير المثقف حمورابي والعهد البابلي الذي دام فترة زمنية طويلة من عام 1792 1260 ق.م وذلك عندما انتقلت السلطة الى الاشوريين . بالطبع هناك تداخل في فترات الحكم لملوك ما بين النهرين اي انه خلال فترة الحكم السومري لبلاد الرافدين كان هناك ممالك اكدية وبابلية وارامية واشورية مستقلة نوعا ما لها كيانها الخاص وسلطتها المميزة اي اشبه ما تكون بالحكم الذاتي المحلي الا انه لم يكن لها دورا هام في توجيه مقدرات بلاد الرافدين اذ ان السلطة كانت بيد الدولة المركزية وهكذا خلال فترة الحكم الاكدي والبابلي والاشوري فبين فترة واخرى كانت تقوم هناك ممالك شبه مستقلة في بلاد الرافدين يقودها ملوك محليون مع وجود سلطة مركزية عامة .
مثلا شمشي اداد الاول الاشوري الذي حكم من اشور حتى الفرات تقريبا وحمورابي البابلي حكما خلال فترة متزامنة وهذا ما يؤدي الى تشويش المؤرخين احيانا في تقدير الفترات الزمنية والتاريخية لبلاد الرافدين ، لان كل ملك كان يؤرخ تواريخه حسب سنوات حكمه فاذا لم تفهم هذه الناحية سيحدث هناك فترات زمنية ضائعةوغير مفهومة مثلا حكم حمورابي اثنين واربعين سنة وحكم شمش 32 سنة فاذا فهم ان احدهم عقب الاخر تكون الفترة الزمنية ليكليهما 74 سنة بينما فترة حكم كيليهما كانت 64 سنة ، اي ان هناك زمنا مشتركا ومتداخلا بينهما في الحكم ، وقد كانت هذه الفترة فترة حضارية متقدمة ومن اشهر ما خلفته لنا هذه الفترة هي شريعة حمورابي المشهورة والتي تعد معجزة التاريخ مع انه قد سبقت شريعة حمورابي شرائع اخرى في بلاد الرافدين منها قوانين شولجي و شوشين واورنامو وغيره
وقد استنبط حمورابي شريعته من التراث الحضاري والثقافي الذي خلفه شعب بلاد الرافدين ، الا ان حمورابي هذب شريعته بحيث جائت الصورة كاملة تقريبا مبوبة ومنظمة بطريقة لم تعهدها الشرائع السابقة ولا حتى اللاحقة الا في العصر الحديث، ثم تلى ذلك العهد الاشوري والذي استمر اكبر حقبة تاريخية في بلاد الرافدين على مر الزمن ودامت حتى عام 612 ق. م ، وكما تمكن سكان الجبال الاراميين حيث اشتقت تسميتهم من الاستيلاء على بابل واسسوا فيها مملكة وسلطة لمدة عش سنوات بقيادة زعيمهم مردوخ بلادان ثم امتزجوا في بوتقة الحضارة الاشورية البابلية كالسومريين والاكدين حضاريا وثقافيا واصبحوا جزءا لا يتجزء من حضارة ما بين الرافدين .
وتأثروا واثروا في هذه الحضارة فاعطوا الكثير وزاد تأثيرهم الفني وبالاخص في القرن التاسع قبل الميلاد وقد هاجر قسم من الاراميين الى خارج بلاد ما بين النهرين الى سوريا الداخلية والساحل وانشأوا ممالك مستقلة كانت معظم الاحيان تابعة اما لاشور او للفراعنة ، وبحكم خروجهم من بلاد الرافدين حملوا معهم عقائد الهية مشابهة لما هو في بلاد الرافدين الا انهم طوروا هذه العقائد وهذا الفن بشكل مستقل عما كان عليه في بلاد ما بين النهرين اي انهم انفصلوا عن حضارة الرافدين بالرغم من ان البذرة الاولى كانت منهم ، وقد ذاب الارامييون المهاجرون خارج بلاد الرافدين في بوتقة الشعوب المجاورة والغازية لها وانتهوا كمجتمع قائم بذاته واعتنقوا ديانات اخرى واصبحوا ينتمون الى تلك المذاهب والديانات ، وانتهى الارامييون كاستمرار حضاري بالرغم من ان الشعب الارامي بقي مستمرا على قيد الحياة الا انه اتخذ اسماء والقاب اخرى كسكان حل وحماة ودمشق ، كما ان هناك مغالطات تاريخية كثيرة في هذا المجال ، فمن المؤرخين من يعتقد انه عندما كانت سومر العهد السومري لم يكن هناك ذكر او وجود للبابليين والاشوريين وغيرهم ، الا ان الحقيقة ليست كذلك ، فضمن الدولة الواحدة كانت هناك ولايات كأشور وبابل الا انها كانت مجرد ولايات ضمن تادولة السومرية ونرى هنا هذه الخارطة التي تعد بمثابة تأكيد اخر على هذا الكلام ، فهي تعود الى العهود الاكدية اي الى عام 2300 ق.م وهي من رسم بابلي وفها تظهر الفتوحات التي توصل اليها ملك اكد وموقع الجبال ومدينة اشور وبابل حيث يضعونها في المركز مركز العالم كما اعتبر الانكليز الان خط غرينيتش منتصف العالم ، وتظهر ايضا بقية المدن ومواقع البحار والبلاد الاخرى خارج سيطرة دولة اكد ، وهذا ما يؤكد تواجد هذه المدن في كل العهود وتفاعل هذه القبائل لبناء حضارة بلاد الرافدين وكذلك في بقية العهود .
ففي عهد السيطرة الاشورية كانت هناك بلاد سومر واكد وبابل والاراميين وكانوا يسمون بتسمياتهم ايضا ضمن دولة اشور وخلال فترة الحكم الاشوري كانت تقوم بين فترة واخرى ممالك شبه مستقلة ضمن السيادة الاشورية في بلاد الرافدين كمملكة بابل وممالك تابعة مثل اور وتل حلف وغيرها الا انهم كانوا يعرفون خارج الدولة بالاشوريين نسبة لتسمية الدولة التي سميت بأسم السلطة السياسية المسيطرة كالعادة المألوفة اي انه عندما كان يسافر شخص من مناطق الجبال الى اشور كانوا يسمونه بالارامي او السومري ، وكذلك عندما كان ينتقل احد افراد سومر او اشور الى خارج ولايته كان يعرف بالسومري والاشوري ، الا انه عندما كان يسافر هؤلاء جميعا الى خارج بلاد الرافدين كانوا يعرفون جميعا بالاشوريين نسبة لتسمية السلطة السياسية القائدة للدولة .
كما حدث ايضا حول لغة هذا الشعب مجادلات عقيمة اشورية ، ارامية ، سومرية ، اكدية وبابلية
ان من يدرس لغة بلاد ما بين النهرين قد يصطدم بجملة نقاط غير واضحة واحيانا متضاربة لكون هذه اللغة حوت التراث الثقافي والحضاري لبلاد الرافدين عبر مختلف العصور شماله وجنوبه وتناوبت في قيادة هذا التراث الحضاري عدة سلطات قبلية من بلاد الرافدين ، وعندما كانت تسيطر القبيلة كانت تسود لهجتها طبعا فكان التراث الرسمي يدون بتسمية اللهجة المسيطرة وتناوبت اللهجات المختلفة في بلاد الرافدين بتدوين هذا التراث واحيانا كان يدون بأكثر من لهجة سومرية واكدية مثلا ، بالاضافة الى البعد الزمني الفاصل بين كل سلطة واخرى ، عدة مئات من السنوات احيانا كانت تحصل خلال هذه الفترة تطورات حضارية وثقافية ولغوية جديدة تضاف الى هذه اللهجة او تلك فيبدو للناظر وكأن هناك لغة جديدة ظهرت للوجود لان المفردات اللغوية الجديدة التي كانت تستعمل لمسايرة التطور والتعبير عن الواقع الثقافي الجديد كانت تضاهي في الغالب ما كانت تملكه اللغة من مفردات سابقة، الا انه في الحقيقة لم يكن هناك لغات مختلفة بمعنى لغة [سومرية، بابلية، ارامية، واكدية
فاللغة كانت تتبع اسم الشعب الذي يتكلم بها ، بل كانت تسمى لغة ما بين النهرين بالسومرية نتيجة لسيطرة اللهجة السومرية وعندما سيطر البابليون سميت اللغة بابلية وذلك نتيجة لسيطرة اللهجة البابلية ، وكذلك عندما سيطر الاشوريون ، ففي الحقيقة لم يكن هناك لغات مختلفة بل كانت لغة النطق واحدة بين جميع القبائل بالرغم من اختلاف لهجات النطق بين منطقة واخرى ، وقد تمكن الاراميون من تطوير الكتابة وابتكار الحرف الذي كان اسهل من الخط المسماري المعقد المكون من مقاطع لا حروف ، بينما استعمل في الخط الارامي الحروف الابجدية ، الذي سهل الكتابة والمعاملات التجارية التي كان الاراميون روادها الاوائل ، فكان هذا الخط ثورة في تاريخ الثقافة والعلم والكتابة ، وكان ان اتخدت الدولة الاشورية بالكامل الحرف الارامي بدل الحرف المسماري المعقد ، ومن هنا نشا الالتباس ، لغة ارامية ام اشورية .
فكما قلنا سابقا ليس هناك ما يسمى لغة اشورية ولغة ارامية فلغة النطق كانت واحدة بين جميع قبائل بلاد الرافدين بالرغم من اختلاف بعض اللهجات المحلية ، كما ان تطور اللغة من عصر لاخر من اجل استيعاب الحضارة المتقدمة ودخول كلمات جديدة اليها ادى الى الاعتقاد بوجود لغات مختلفة ، فبين العهد السومري والاشوري هناك ما يقارب من 1500 عام وهذه السنين الطويلة كافية لتجديد 70 بالمائة من مفردات اية لغة حضارية كان ، وفي كل فترة زمنية يدخل عليها نسبة معينة من الالفاظ الجديدة حسب تطور مفاهيم العصر الجاهلي وحتى الان ، ومن يقرأ الشعر الجاهلي يحتاج الى تفسير كي يفهم معاني الكلمات والالفظ الواردة فيه .، فهل هذا يعني ان هناك لغتان للعرب
هناك حرف ارامي للكتابة وحرف مسماري ، وما حصل هو ان تم استبدال الحرف المسماري بالحرف الارامي دون تغيير شئ من النطق ، لان النطق بالاصل كان واحدا، ومن هنا جاءت تسمية اللغة بالارامية ثم تطورت وعرفت بالسريانية وهي لغة مستخدمة عند طوائف السريان والكلدان والطائفة الشرقية الاشورية وفي الطقوس الكنسية ايضا
وهذا ما حصل للغة التركية اليوم فقد كانت تنطق بالتركية وتكتب بالعربية فاستبدل حديثا الحرف العربي بالحرف اللاتيني الا انه لم يحصل اي تغيير على اللغة التركية من ناحية النطق فبقيت كما هي بدلا م ان تكتب بالعربية اصبحت تكتب بالحرف اللاتيني ، وقد دخلت عليها ايضا الفاظ ومصطلحات جديدة تعادل ما كان للغة التركية من مصطلحات قبل انتقالها الى الحف اللاتيني منذ ما يقارب نصف قرن تقريبا ، فهل نقول ان اللغة التركية تغيرت ، ام تطورت واصبحت اكثر حيوية لاستيعاب مفاهيم العصر ومتطلباته .
وقد احتضنت هذه القبائل جميعها سلطة سياسية واحدة، كما لاحظنا خلال فترات زمنية مختلفة وبأسر حاكمة ايضا ، وبالرغم من ان العاصمة السياسية كانت تتنقل احيانا من بين بابل ونينوى وذلك حسب نوعية الملك المسيطر ، فقد كانت تحدث بشكل دائم صراعات ضمن الاسرة الحاكمة على السلطة فالملك الذي كان يتخد نينوى عاصمة له كان يؤيد من قيبل زعماء نينوى ، ومن يدعم من قيبل زعماء بابل كان يتخذ بابل عاصمة له، وقد لاحظنا في التاريخ حدوث صراع حاد بين الشقيقين هما شمش شموكين زعيم بابل واخيه الاصغر اشور بانبيال زعيم نينوى اولاد اسرحدون حيث دمر على اثرها اشور بانيبال مدينة بابل تدميرا كاملا وذلك عندما رفض شقيقه الاستسلام .
وان مجموع التراث الذي خلفه سكان الرافدين عرف بحضارة بلاد ما بين النهرين الاشورية او الارامية ، بل هي تراث حضاري لشعب بلاد الرافدين بالكامل نشأ وترعرع في فترات زمنية مختلفة ومتلاحقة ومتطورة الواحدة عن الاخرى فليس هنا من يستطيع تمييز فن الشمال عن فن الجنوب خلال نفس الفترة التاريخية ضمن السلطة الوحدة ، اي انه في العهد الاكدي كان الفن واحدا شمالا وجنوبا ، ولكنه كان يسمى اكديا وكذلك في العهد السومري والاشوري والبابلي الا انه كان يتطور نحو الافضل على مر الزمن
ففن بلاد الرافدين في لعهد الاكدي متطور عن الفن السومري والبابلي متطور عن الفن الاكدي … وهكذا، وهذا شيء طبيعي لكل الشعوب في العالم . فالصين والهند وفارس واليونان ايضا مرورا بنفس المراحل ، فالفن الصيني الان هو غير الفن الصيني منذ ثلاثة الاف سنة وغيره منذ الفي سنة ، والفن والحضارة اليونانية اليوم هي غيرها منذ عهد افلاطون وغيرها منذ الفي سنة وغيرها منذ العصور الوسطى اي انه لم تكن هناك تقسيمات قبلية للحضارة التي نشأت في بلاد ما بين النهرين ،كما يصورها البحاثة في الوقت الحاضر بل تقسيمات حسب الحقب التاريخية والزمنية المتطورة بعضها عن بعض
فلم يكن هناك حضارة خاصة بالقبلية الاكدية او السومرية او الارامية او الاشورية ،بل كانت حضارة واحدة لكل هذه القبائل وكانت تعرف هذه الحضارة باسم السلطة المسيطرة سياسيا وعسكريا وقد زالت السلطة السياسية لسكان بلاد الرافدين بعد سقوط بابل على يد كورش الفارسي ، وذلك بعد اتفاق كهنة بابل مع كورش بواسطة زربابل الحاخام اليهودي في السبي البابلي على تسليم بابل دون حرب اذا ما وافق على ابقاء معابدهم بنفوذها الديني وثرواتها دون ان يمسها باذى
وخضع شعب بلاد الرافدين بعدئذ لسلطات متعددة وتعرض لتسميات مختلفة ،وعندما دخل اليونان الى هذه البلاد بقيادة الاسكندر المدوني عان 331 ق.م والذين اطلقوا عليه تسمية اسيريان حسب افظ لغتهم وذلك لعدم وجود حرف الشين في اللغة اليونانية اللاتينية فلفظة الشين في اللغات الاوربية الحديثة هي لفظة مركبة من حرفين ، واصبحت هذه اللفظة دارجة في الهيئات الادارية للسلطات الحاكمة فترجمت الى لغة هذا الشعب سوريويو باللهجة الغربية وسوريايا باللهجة الشرقية وذلك لعدم وجود ال التعريف في بداية اسماء الاعلام في اللغة السريانية بل ان ال التعريف في الاسماء السريانية تضاف الى نهاية الاسم وهناك امثلة كثيرة على ذلك مثل الفلسطينيين فلشتويه المصريين مصرويه وهكذا ، وترجمت اللفظة من اليونانية الى العربية بلفظة السريان حيث لم يتغيير شيء في اللفظ بين العربية واليونانية فتكتب السريان وتلفظ اسريان لكون اللام الشمسية وليست قمرية فاللام تكتب ولا تلفظ وخطا يشدد على ال التعريف .
وقد اعتنق فيما بعد قسم كبير من السريان الديانة المسيحية ولم يبقى لنا من ادب هذه الفترة كتابات كثيرة مدونة الا القليل جدا واغلبها كانت في الرها لكونها مملكة مستقلة اثر سقوط نينوى وفرار القادة العشرة وتاسيس مملكة عسرايا في الرها،وقد اعتنق معظم السريان الاشوريين في بلاد الرافدين الديانة المسيحية منذ قرنها الاول على يد مار ماري ومار اداي ويرد اسم مزرا اسقفا لبازبدي ازخ سنة 120 ميلادية وكان هذا الاعتناق الجماعي للديانة المسيحية كرد فعل على واقع الاضطهاد والظلم والتشتت الذي عانوه من الفرس والروم والفرثيين .
فالديانة المسيحية امنت لهم قيادة واحدة وان كانت باسم الدين ، يخضع لها الجميع دينيا ويطيعونها مدنيا فكانت هذه القيادة بمثابة ادارة دينية اجتماعية متكاملة ، وقد تخوف الرومان من الادارة الموحدة للسريان سكان بلاد ما بين النهرين فسعوا الى تقسيمهم دينيا مستغلين خلافات بعض رجال الدين الفكرية ففرقوهم الى مذاهب متناحرة ومتامرة بعضها ضد بعض ، فطرد الامبراطور الروماني زينون اتباع نسطور فلجاوا من الرها ونصيبين الى فارس حيث رحبت بهم واعتبرتهم عونا لها ضمن السلطة الرومانية ، وقد ابدع السريان خلال هذه الفترة ادبا لاهوتيا وفلسفيا رائعا فاثناء الانشقاقات الدينية قدم السريان ادبا رائعا في جميع نواحي الحياة وبالاخص خلال المجادلات الدينية التي جرت بين النساطرة واصحاب الطبيعة الواحدة ، فان كان الانشقاق الديني قد خلق هوة عميقة بين ابناء السريان عجز الزمن حتى الان عن محو اثاره السلبية وكانت سببا في شتاتهم وتمزيقهم ، فانها ابدعت اذهانهم بروائع الادب الفكري والاجتماعي وقد كان للصراع القائم بين الفرس والروم دور كبير في رغبة السريان بالتخلص من واقع الظلم والاستبداد فتعاونوا مع الجيوش العربية والاسلامية عام 637 م ، وقد انضم قسم من السريان المسيحيين الى الديانة الجديدة منذ بداية وصولها طمعا في الغنائم وبعضهم هروبا من دفع الجزية او تصرفات بعض رجال الدين، وبغضهم حافظ على معتقداته الدينية قبل المسيحية كالصابئة .
وقد اتصل السريان بالرسول العربي وحصلوا منه على عهود بالامان لقاء التعاون على طرد الروم والفرس من بلادهم بواسطة بطريركهم ايشو عيهيب الثاني الجذلاني ، كما تعاون السريان ايضا فيما بعد مع الخلفاء كعمر بن الخطاب وغيره لقاء اعطائهم حق ممارسة الشعائر الدينية والاحتفالات وترميم الكنائس والاديرة واعفائها من الجزية والتعهد بحماية ديارهم ، الا ان بعض الحكام المسلمين بداوا بمضايقة السريان بالضرائب والاكثار من الجزية وبالاخص في عهد ابي جعفر المنصور الخليفة العباسي حيث اصطدم معهم ديونوسيوس التلمحري مرات عديدة بسبب الظلم الذي كان يمارس بحق السريان من قيبل الخلفاء والاتباع المسلمين
وقد خعل السريان من الشرق منارة وضاءة كانت اساسا للمدنية الغربية الحالية وازدهر الشرق مدق ثلاثة قرون متواصلة من 650 الى 950 م بعلومهم وترجماتهم المختلفة من السريانية واليونانية والفارسية وكان لهم دور كبير في نشر الثقافات الادبية والفلسفية وعلوم الطب والرياضيات والهندسة وغيرها وكانت الرها وانطاكيا ونصيبين وقنشرين وجنديسابور ودير الزعفان وغيرها من الاديرة والمراكز تعتبر اكاديميات علمية ندر ان يضاهيها في العلوم مدارس اخرى سواء في علومها او في ادارتها ، ونشروا مختلف المقالات التي كان لها دور كبير في نمو العلم والادب عند السريان في الشرق بعد ان حل بدل لغتهم الادبية اللغة العربية لغة الفاتحين الجدد ولكونها لغة حكام الدولة ولغة الدين الجديد بعد ان بقيت لغتهم هي اللغة العلمية والادبية في الشرق لاكثر من الفي سنة متتالية تقريبا .
وتعتبر فترة الاحتلال العثماني وما تبعها ، مرحلة حرجة . فقد تميزت هذه الفترة بالاضطهاد والمضايقات الدينية العنيفة وتأليب الاقليات بعضها ضد بعض ونشر الفتن والقلائل فيما بينها ، ونمت في هذه الفترة الفكرة الاستعمارية الاوربية باتجاه الشرق ولكن بطرق واساليب جديدة وذلك عن طريق المرسلين التبشيريين عام 1550 م ليبشروا بمذاهبهم الدينية المختلفة ويحصلون على فرمانات من الحكومة العثمانية بذلك لتسيير مصالحهم الاقتصادية في الدولة العثمانية الضعيفة وايجاد موطئ قدم لهم لمنافسة اعدائهم من باقي الدول الاوربية في المنطقة وتحقيقا لمطامعهم السياسية في السيطرة على الشرق وكانوا يمارسون كافة وسائل الترغيب والترهيب ، فكان ان تحولت هذه المذاهب الدينية الى بسمار جحا ، فكلما شعرت احدى الدول بأن مصالحها في الشرق تتضرر في الشرق كانت تتدخل بحجة حماية المسيحيين التابعين لها، وهكذا تخلت الحكومة العثمانية المسلمة عن واجبها الوطني المتمثل بالدفاع عن رعاياها واعطت الحق للدول الاجنبية لقاء تحقيق مكاسب معينة كانت تحصل عليها من هذه الدول مما ادى الى وقوع السريان ابناء الامة الاشورية البابلية الارامية تحت رحمة السياسات الاجنبية والمصالح الانانية للسلاطين العثمانيين ولقمة سهلة للنهب والسلب من قيبل الشيوخ والبيكاوات الاكراد والاتراك .
وقد لجأ بعض المبشرين الى نشر الفتن وتأليب الاكراد ضد المسيحيين الذين لا يقبلون بمذهبهم الديني ، فأنقسم السريان الشرقيين وكذلك السريان الغربيون والسريان الملكيون وانقسمت الامة الى ملل ومنذ تلك الفترة حاولت كل ملة ان تنفرد بتسميتها الخاصة دينيا حتى ان هذه التسميات اخذت اتجاها قوميا خاصا .
واستمر السريان يعانون من الاضطهاد والمذابح عام 1885 م نهاية القرن التاسع عشر تقريبا وبالاخص خلال الحرب العالمية الاولى حيث عانى احفاد الاشوريين من سريان شرقيين وغربيين بشكل خاص الامرين وقد بلغ عدد القتلى والضحايا في طورعابدين وحيكاري اكثر من 100000 مائة الف هاموا على وجوههم خارج الوطن خوفا من الاضطهاد وهربا من الظلم فقد وصلت قوافل المهاجرين الى سنجار مشيا على الاقدام بالاضافة الى هجرات السريان الاشوريين الى فلسطين ولبنان والامريكيتين وروسيا ومصرواليونان وفرنسا والهند ونزوح فئة اخرى الى سوريا والعراق بعد رسم الحدود في الفترة الاخيرة ، تاركين ورائهم مناطق عيشهم وسكناهم باحثين عن لقمة الخبز بعد تشردهم ونهب ممتلكاتهم وارزاقهم
وبعد ان اوقفت الحرب العالمية الاولى اوزارها انتشى الحلفاء من خمرة النصر مقسمين تركة الرجل المريض فيما بينهم وجاءت معاهدة سيفر عام 1920 م وتلتها معاهدة لوزان عام 1924 م لتنص على حقوق الامة الاشورية والتاكيد على قضية الشعب الاشوري بكامله الا ان هذه الامور والمعاهدات بقيت حبرا على ورق بعد تشكيل اللجنة البلجيكية الهنغارية الاسوجية عام 1925 م التي وافقت على ضم الموصل الى العراق لقاء حكم ذاتي اشوري متعاون مع العراق وابقاء حيكاري ضمن السلطة التركية واعادة سكانها والمحافظة على ممتلكاتهم .
فمواطن الاشوريين تم تقسيمها بين عدة دول حديثة النشوء وفصلت بينها حدود سياسية ، وقد ساهم الحلفاء مساهمة كبيرة فيما بعد مع حكومة الملك العراق في تنفيذ مأسي عام 1932م التي ادت الى ارتكاب مجازر لا انسانية بحق الشعب الاشوري في العراق لتنعقد بعدئذ جلسة لعصبة الامم المتحدة في جنيف وتغرم العراق بغرامة مالية ولينزح قسم اخر من الاشوريين مرة اخرى ولكن هذه المرة الى الخابور في الجزيرة السورية ، وقد عانى الاشوريين السريان مرة اخرى من هجرة جديدة الى اوربا وامريكا والبرازيل واستراليا ولبنان وغيرها وما زالوا متشتتين في كل اصقاع المعمورة كما شتتهم المذاهب الدينية الى اشلاء متناثرة وان كانت قد بدأت تظهر الحركات القومية بين ابناء الامة بدء من اوائل النصف الثاني من القرن العشرين فقد ظهرت المنظمة الاثورية الديقراطية في الوطن عام 1957م ثم تلاها الاتحاد الاشوري العالمي عام 1969م في المهجر ثم بدأت تظهر مجموعة من الهيئات الاجتماعية والاحزاب السياسية في المهجر بعضها يقتصر على الجانب الاجتماعي والثقافي كالاندية الاثورية والسريانية ، وظهرت الحركة الاشورية الديمقراطية في شمال العراق بأوائل الثمانينات .
وهناك بعض الاحزاب التي نشأت في المهجر بنهاية السبعينات اخذت اقصى جانب التطرف وطرحت احيانا شعارات غير واقعية ، وجميع هذه الهيئات السياسية والاجتماعية تسعى الى لم الشتات وتوحيد الجهود للمحافظة على الوجود القومي للامة والاستمرار في هذا الجود الا ان بعضها يتلهى احيانا بالخلاافات الثانوية ويجعلها تطغى على الهدف العام الذي هو خدمة الوجود القومي لهذا الشعب بكرامة في ارض الوطن واستمرار بقائه محافظا على سماته القومية في المهجر .
وبعضهم الاخر يساير مصالحه الخاصة على حساب المجموع العام منطلقا من الانانية العصبية والقبلية التي تؤدي الى اضعاف العمل القومي واهمال الواجبات المطلوب منهم القيام بها ، مما ادى الى بعض الانتكاسات والى تشرد وضياع ابناء شعبنا في المهجر ، بين الطوحات المختلفة والمتناقضة احيانا التي تطرحها احزاب وهيئات اجتماعية وثقافية وبالاخص في الصراعات والاتهامات المزورة والتي لا مبرر لها سوى الحقد والانانية .
المؤلف : عزيز احي