علاقة " الإخوان المسلمين" بإيران
على الرغم من سياسات الجمهورية الإيرانية المحلية المناهضة للسنة، لم يكن لدى إيران مشكلة في إقامة تحالفات إستراتيجية وتكتيكية مع المنظمات السنية ما دامت تخدم مصالحها الخارجية . ويمثل تعاون إيران مع الإخوان المسلمون، أحد أكبر التنظيمات السنية في العالم، والذي يحمل أيضا خلافات أيديولوجية مع الجمهورية الإسلامية. فلم يرحب فقط الإخوان المسلمون بظهور الجمهورية الإسلامية في إيران في أعقاب ثورة 1979، ولكن إيران احتفت أيضا بحماس بالغ بصعود الإخوان المسلمين في مصر.
فإذا ما كان الإخوان المسلمون ينظرون إلى الجمهورية الإسلامية في 1979 باعتبارها نصرا لرؤيتهم، وأول حكومة إسلامية منذ انهيار الخلافة العثمانية، حيث أيدت جماعة الإخوان المسلمين الثورة الإسلامية في إيران منذ اندلاعها لأنها قامت ضد نظام حكم الشاه رضا بهلوي الذي كان منحازاً للعدو الصهيوني. فإن إيران تنظر أيضا إلى تصدير الإخوان المسلمين للثورة باعتباره نجاحا.
أهم القواسم المشتركة التي تساعد على التقارب بين الأخوان والشيعة هي «العدالة الاجتماعية» و«الحريات الدينية» و«الصراع العربي الإسرائيلي»
بالمقابل تختلف ولاية الفقيه عن مرجعية المرشد في الأخوان المسلمين حيث ان الأولى تُعطى الصفة الدينية الإلزامية والثانية تُعطى الصفة التنظيمية دون الولاية الشرعية. حيث تتمثل الغاية العظمى لتنظيم الأخوان التي حددها مؤسسها الإمام حسن البنا، بإقامة نظام حكم عادل رشيد بكل مؤسساته ومقوماته، يتضمن حكومة ثم خلافة راشدة وأستاذية في العالم، وفي هذا الشأن أكد نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية، حسين أمير عبد اللهيان، كما نشرت جريدة «السياسة» الكويتية، أن طهران «تشعر بالارتياح لوصول الإخوان المسلمين إلى أماكن متقدمة في قيادة بعض الدول العربية، بعد اكتساحهم نتائج الانتخابات البرلمانية، كما حدث في تونس ومصر والمغرب».
ورغم الاختلاف الموجود إلا ان هناك ميلا إلى تغليب عوامل اللقاء بين نهجي الثورة الإيرانية وجماعة الإخوان المسلمين، وإن كان هناك بعض الاختلاف بين الذهنيتين، وينتهي بخلاصة تؤكد ما جاء في المقدمات. فهو يعتقد بأن الولايات المتحدة أصبحت العدو الأول للإخوان المسلمين بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وبداية تشكل النظام الدولي الجديد، وباستمرار التوتر بين الجماعة ودول الخليج النفطية، وبتقارب الإخوان المسلمين مع الحركات الأكثر تشددا في أصوليتها.
علاقة الأخوان بالشيعة عموما
العلاقة بين جماعة «البنا» والإمبراطورية الإيرانية.. تعود جذورها إلى بدايات تأسيس التنظيم.. فقد لعب «البنا» الدور الأبرز فيما سمى بالمذهب التقريبى بين السنة والشيعة.. وكان يجرى الترويج له تحت شعار «الوحدة الإسلامية» ومحاربة الطغيان والاستبداد.. ونصرة القضية الفلسطينية وطرد المستعمر.
فالجماعة تدعو دائماً إلى تقريب وجهات النظر بين المذاهب الإسلامية، والقضاء على الفتن حتى تتفرغ الأمة لمواجهة الخطر المشترك الذي يهددها، والمتمثل في العدو الصهيوني.
يقول محمود عبد الحليم عضو اللجنة التأسيسية للإخوان المسلمين: «كانت الطائفة الشيعية على كثرتها تعيش فى عزلة تامة عن أهل السنة.. كأنهما من دينين مختلفين.. مع أن هذه الطائفة تضم قوما من أكرم العناصر المسلمة ذات التاريخ المجيد والغيرة على الإسلام والذود عن حياضه».. وأضاف: «وقد رأى حسن البنا أن الوقت قد حان لتوجيه الدعوة إلى طائفة الشيعة، فمد يده إليهم أن هلموا إلينا.. ولو كانت الظروف قد أمهلت حسن البنا لتم مزج هذه الطائفة بالطوائف السنية مزجا عاد على البلاد الإسلامية بأعظم الخيرات»!
وفي عام 2008 صرح مهدي عاكف، مرشد الإخوان المسلمين في مصر، بتأييده للمد الشيعي ، قائلا: أرى أنه لا مانع في ذلك، فعندنا 56 دولة في منظمة المؤتمر الإسلامي سنية، فلماذا التخوف من إيران وهي الدولة الوحيدة في العالم الشيعية، أليس حسن نصر الله شيعيا، ألم يؤيده الناس في حربه ضد إسرائيل في صيف 2006.
وبعد ثورة يناير 2011 حذر الأزهر بمصر وبعض التيارات الإسلامية، ضمنها جماعة الإخوان المسلمون وحزب النور السلفي وعدد من رجال الدين، من خطر ما اعتبروه “محاولات للمد الشيعي بالبلاد”، فقد صرح محمد غزلان، المتحدث الرسمي لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، إن الجماعة “ترفض المحاولات الخاصة بنشر المذهب الشيعي بمصر وإقامة الحسينيات، لاسيما وان السماح بهذا الأمر سيكون مدخلا للفتن، مثل دولة العراق، ومصر في غنى عنه.”
وأضاف: “أن أهل السنة ملتزمون باتفاق يقضي بعدم نشر المذهب السني بالأماكن الشيعية المقدسة،” مطالبا ما وصفهم ، بالطرف الآخر باحترام الاتفاقية، خاصة وان ما يقوموا به يناقض هذا الأمر.”
أخوان مصر وقيادة إيران
بعد وصول الخميني للسلطة في إيران بيوم11 شباط1979 ،كانت من أوائل الطائرات التي وصلت مطار طهران واحدة تحمل وفداً يمثل قيادة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين:تناقلت الألسن وسط المعارضة السورية آنذاك أخبار بأن الوفد طرح على الخميني مبايعته خليفة للمسلمين إن قبل ببيان يصدره يقول”بأن الخلاف على الإمامة في زمن الصحابة مسألة سياسية وليست ايمانية”.تقول الرواية بأن الخميني تريث ووعدهم بالإجابة لاحقاُ،وعندما صدر الدستور الجديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي يقول ب”المذهب الجعفري مذهباً رسمياً … وبولاية الفقيه نائباً عن الإمام الغائب”،كان من الواضح ماهي إجابة الخميني.
مع هذا ،كان الأخوان المسلمون في مصر مستمرون على تأييد الحكم الجديد الإيراني،وقد سيَروا مظاهرات كبرى ضد استضافة الرئيس السادات لشاه إيران في مصر،ثم أيدوا إيران في حربها ضد العراق،وفي عدد مجلة”كرسنت”،المسلمة الكندية،بتاريخ 6 كانون أول 1984 يقول المرشد العام للجماعة عمر التلمساني:” لا أعرف أحداً من الأخوان المسلمين في العالم يهاجم إيران”.كان هناك استثناءاً لهذا عند الفرع الاخواني السوري الذي كان خارجاً للتو من مواجهة ضارية (1979-1982)مع نظام الحكم السوري الحليف لإيران،وإن كان هذا ليس رسمياً،وإنما في كتابات لأحد قيادات الأخوان في سوريا هو الشيخ سعيد حوا.
عند وفاة الخميني بيوم 4 حزيران1989 أصدر المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين حامد أبو النصر نعياً تضمن الكلمات التالية:”الأخوان المسلمون يحتسبون عند الله فقيد الإسلام الإمام الخميني،القائد الذي فجر الثورة الإسلامية ضد الطغاة”. في عهد علي الخامنئي،الذي أصبح “مرشداً”في مرحلة مابعد وفاة الخميني،أصبحت نظريات سيد قطب تدرس في مدارس الإعداد العقائدي ل(الحرس الثوري الايراني)،كما برز نفوذ لمرجعيات دينية مثل آية الله مصباح يزدي،وهو الأستاذ الروحي لأحمدي نجاد،لا تخفي إعجابها بسيد قطب وتأثرها به.
ووصل الأمر أن قام «خامنئى» بنفسه بترجمة كتابين لـ«سيد قطب» إلى اللغة الفارسية عام 1979 وكانت الثورة الإيرانية توشك أن تضع أوزارها.. أما «على أكبر ولايتي» الأمين العام للمجمع العالمي للصحوة الإسلامية ومستشار «خامنئى» فى مقابلة له مع وكالة أنباء مهر الإيرانية: «طبعا كان لإيران ومصر أثرا متبادلا، فكما كان للسيد جمال الدين دور فى نشوء الصحوة الإسلامية فى مصر وبروز شخصيات من قبيل المرحوم الشيخ محمد عبده وعبدالرحمن الكواكبى ورشيد رضا، فكذلك ترك الإخوان المسلمون فى وقتهم أثرا على الحركات الإسلامية فى إيران.. إن سماحة قائد الثورة قام قبل الثورة بترجمة عدد من كتب سيد قطب إلى الفارسية، وبعد الثورة أيضا تمت ترجمة كتاب ولاية الفقيه للإمام الخمينى إلى العربية، حيث ترك أثرا مهمًا فى الصحوة الإسلامية بالعالم العربي خاصة مصر»!.
في محطات (البرنامج النووي الإيراني)،المستأنف تخصيبه منذ آب2005،وفي حرب تموز2006،كان تأييد جماعة الأخوان المسلمين،على لسان”المرشد العام”محمد مهدي عاكف،أكثر من صريح لإيران وحزب الله.وقبل أسبوع من سقوط مبارك،قام السيد علي الخامنئي في خطبة يوم الجمعة 4شباط2011 بتشبيه مايجري من ثورة ضد الرئيس المصري بالثورة الإيرانية ضد شاه إيران.عند إعلان فوز الدكتور محمد مرسي بانتخابات رئاسة الجمهورية بمصر كانت إيران الرسمية من أوائل المسارعين للتهنئة.
أخوان الخليج وإيران
الإمارات
في مطلع عام 2012 اتهم قائد شرطة دبي، الفريق ضاحي خلفان، جماعة الإخوان المسلمين بالتنسيق مع إيران، قائلاً إن خمسين قيادياً من الجماعة زاروا إيران في مايو/أيار من العام نفسه.
إلا أن الدكتور الإماراتي محمد الركن المعتقل والمتهم بانتمائه للإخوان المسلمين له دراسات قانونية ومواقف بارزة دفاعاً عن الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران.
وتبين “دعوة الإصلاح” حقيقة علاقتها بإيران بقولها
إيران بالنسبة لنا، نحن دعوة الإصلاح الإماراتية السنية، عدو؛ ولا نظن أن هناك ما يجمعنا مع إيران في أي يوم من الأيام لا مصلحة دينية ولا دنيوية ، رغم أن هذا الموقف لا يدل على حسن تدبير سياسي، غير أن العلاقة العدائية مع إيران هي ثابت لا متغير)
الكويت
تسعى جماعة الإخوان المسلمين من الداخل وإيران من الخارج إلى تشويه منجزات الأسرة الحاكمة في الكويت، وهي محاولات تنتشر في عديد دول الخليج لإثارة بلبلة سياسية وبث الفتنة.
وقد أثارت دعوة الحركة الدستورية الإسلامية “حدس” وهي الحركة التي خرجت من رحم جماعة الإخوان المسلمين الكويتية في عام 1991 لتكون الجناح السياسي لها، أثارت دعوتها للسفير الإيراني روح الله قهرماني ومشاركته في إفطارها الرمضاني في الثامن من أغسطس 2012 عاصفة من ردود الفعل المستنكرة لسلوكيات وازدواجية الحركة وتناقض افتعالها وسلوكياتها مع مواقف نوابها وقادتها الذين يهاجمون يوميا في تصريحاتهم طهران لدعمها نظام بشار الأسد وجرائمه ضد الشعب السوري.
البحرين
اعتبر علي أحمد، الأمين العام لجمعية المنبر الوطني الإسلامي، الذراع البحرينية لجماعة الإخوان المسلمين، أن العدو الأول لدول مجلس التعاون الخليجي هي إيران، “سواء باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث أو من اصطفافها العام 2011 مع المعارضة العنيفة والتدخل مباشرة في شؤون البحرين الداخلية.
وكان للإخوان في البحرين “جمعية الإصلاح” دور في التصدي للمشروع الإيراني الذي ظهر في الاحتجاجات التي شهدتها البلاد عام 2011.
أخوان الأردن وإيران
أعلنت الجماعة مؤخرا رفضها ما أسمته بالتمدد الشيعي الإيراني في العالم الإسلامي على حساب أهل السنة، واستنكرت مواقف طهران من سوريا والبحرين.
ويتهم “إخوان الأردن” إيران بـ “إنفاق أموال طائلة لنشر المذهب الشيعي في البلدان السنية وعلى رأسها مصر وبخاصة بعد الثورة، مستغلة بذلك مساحة الحرية المتاحة، كما أنها تساعد “النظام السوري النصيري”، خوفًا على مصالحها، التي ستهدد بالطبع في حال قيام نظام سني في سوريا ذات الأغلبيّة السنيّة”.
إلا أن الجماعة صرحت بدعمها للحق الإيراني بامتلاک التکنلوجيا النووية ورفض الحملة الامريکية الصهيونية ضد البرنامج النووي الإيراني، مؤكدة ان المشروع النووي الإيراني لا يهدد العرب ولا المسلمين وقال ان إيران هي دولة مسلمة ساندت وتساند القضية الفلسطينية منذ انتصار الثورة الإسلامية نهاية السبعينات وهي مستمرة في ذلک تدعم حزب الله في لبنان الذي ما زال يجاهد من اجل طرد الاحتلال الصهيوني من الأراضي اللبنانية المحتلة وتدعم الحق السوري في استعادة الجولان وتناصر القضايا العربية والإسلامية رغم الضغوطات التي تعرضت و تتعرض له.
أخوان سوريا وإيران
سوريا كانت أول مناطق الصراع بين الإخوان وإيران في الثمانينات عندما ارتكب العلويون مجزرة حماة الشهيرة بحق الإخوان المسلمين، وحينها برز خطيب الإخوان في الكويت الشيخ القطان محذراً من تلك العصابة الحاكمة ومنتقداً تصدير الثورة الخمينية، واليوم بالتوازي مع مشاركة الإخوان بكل من الثورة المسلحة والمجلس الوطني السوري قامت حماس بإضعاف النظام البعثي حين قررت الانسحاب من سوريا مضحية بموقعها التاريخي الآمن في سبيل ثورة الشعب السوري .
ونختتم الكلام بقول المتحدث السابق باسم جماعة الاخوان المسلمين الدكتور كمال الهلباوي :” مستقبل الشيعة في المنطقة عموماً ودول الربيع العربي خصوصاً سيكون أفضل بوصول الاخوان أو الاسلام السياسي الوسطي الى الحكم في دول الربيع العربي والمنطقة عموماً، لأننا آنئذ نستطيع ان نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه”.
المصادر
-“الأخوان المسلمون” وإيران (محمد سيد رصاص /جريدة الحياة 26 يوليو 2012)
-الصراع بين الأخوان وإيران (عبدالله الأعمش /جريدة الآن الإلكترونية الكويتية 25/8/2012)
– العلامة علي الأمين ل «الوطن»: لا يوجد أي مانع شرعي لتقارب «الإخوان» والشيعة (جريدة الوطن الكويتية/9/7/2012)
– جذور العلاقة بين الإخوان وإيران ظاهرها الدين وباطنها السياسة (إيمان امبابى/ صحيفة روز اليوسف 8 أغسطس 2012)
– علاقة الإخوان ‘بملالي’ إيران قديمة جداً.. هذا ما يراه أحمد الفهد (جريدة الآن الإلكترونية الكويتية 2/9/2012)
– مصر بين تاريخ علاقة الإخوان بإيران وضمان أمن الخليج (سي ان ان 4 أغسطس 2012)
– إيران وسياسة خلق الأزمات.. من صدام إلى بشار (مهدي خلجي / مجلة المجلة 15 اكتوبر 2012)
-اخبار البشير ( 1 أغسطس 2012) – سي إن إن (21 مايو 2012)
– إيران والإخوان المسلمين.. سقوط فرضية التقارب (جهاد الرنتيسي / مركز الإعلام التقدمي 25 مارس 2012)
-رابطة الحوار الديني
– تهديد أمن الخليج بين التيارات الشيعية و”الإخوان” (سي ان ان 19 أكتوبر 2012)
-جريدة الشرق الأوسط (25 ديسمبر 2008)
-مستقبل العلاقة بين الشيعة والاخوان المسلمين في ظل الربيع العربي 1-3 (جريدة الوطن الكويتية 8/7/2012)