شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتب و المتون العلمية و شروحها ..

قسم الكتب و المتون العلمية و شروحها .. يعنى بجميع المتون من نظم و قصائد و نثر و كذا الكتب و شروحاتها في جميع الفنون على منهج أهل السنة و الجماعة ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-01-27, 15:18   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس الثاني عشر من /كتاب التوحيد من صحيح البخاري 17/ من شهر ربيع الثاني 1437 .

بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني عشر:
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: (بَابُ مُقَلِّبِ القُلُوبِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} [الأنعام: 110])
7391- حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْلِفُ: «لاَ وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ».

******************
(حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الشرح: (قَوْلُهُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ هُوَ الْوَاسِطِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ يُكْنَى أَبَا عُثْمَانَ وَيُلَقَّبُ سَعْدَوَيْه وَكَانَ أحدَ الْحُفاظ).اهـ
وأحيانًا في الأسانيد يُذكر بلقبه (سعدويه)، وأحيانًا يُذكر باسمه (سعيد).
(عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ)
وهو عبد الله بْنُ المُبَارَكِ أبو عبد الرحمن المروزي.
جُمِعت فيه خصالُ الخير، لم يسبقه صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا بصحبتهم إياه والغزوِ معه.
طلبَ العلمَ وهو ابنُ عشرين عامًا كما في سير أعلام النبلاء.
وهذه بركةٌ من الله سبحانه وتعالى،طلبَ العلمَ في أثناء سنِّ الشباب.
ولا يأت وسواسٌ لأحدٍ ،تأخير طلب العلم إلى سنٍ متأخِر؛فإن هذا من التسويف وهومذمومٌ ، فالعمر قصير، والزمن يسير ، العمر يمشي ، وما مضى منه لا يمكن تداركُ شيءٍ منه ولا دقيقة ، والتأخيرُ له آفات . وكثيرٌ من العلماء يحفظون القرآنَ وكثيرًا من المتون في سنِّ الصِغر قبل سنِّ الشباب والكُهولة وقد قال تعالى منكرا على الكفار {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.
-عبد الله بن المبارك قيل فيه
إِذَا سَارَ عَبْدُ اللهِ مِنْ مَرْوَ لَيْلَةَ ... فَقَدْ سَارَ مِنْهَا نُوْرُهَا وَجَمَالُهَا
إِذَا ذُكِرَ الأَحْبَارُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ ... فَهُم أَنْجُمٌ فِيْهَا وَأَنْتَ هِلاَلُهَا

مرجع البيتين سير أعلام النبلاء .
ومن الآثار في الثناء عليه رحمه الله
روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ترجمة ابن المبارك أنه قدم هارون الرشيد أمير المؤمنين الرقة، فانجفل الناس خلف عبد اللَّه بن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب، فلما رأت الناس قَالت: ما هذا؟ قَالُوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقَالُ له عبد اللَّه بن المبارك، فقَالت: هذا واللَّه الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرَطٍ وأعوان.
ومن مناظرة عبد الله بن المبارك رحمه الله يقول: كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى جَنْبِ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ فَرَفَعْتُ يَدَيَّ فَقَالَ: مَا خَشِيتَ أَنْ تَطِيرَ؟ فَقُلْتُ إِنْ لَمْ أَطِرْ فِي الْأُولَى لَمْ أَطِرْ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ وَكِيعٌ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى ابْنِ الْمُبَارَكِ كَانَ حَاضِرَ الْجَوَابِ فَتَحَيَّرَ الْآخَرُ , وَهَذَا أَشْبَهُ مِنَ الَّذِينَ يَتَمَادُونَ فِي غَيِّهِمْ إِذَا لَمْ يُبْصِرُوا .
والأثر علقه البخاري في جزء " رفع اليدين "رقم 45 .
وهو موصول يراجع "نشر الصحيفة "للوالد رحمه الله .
أبو حنيفة كان يرى رفع اليدين في الصلاة في التكبيرة الأولى فقط، أما بقية المواضع فلا يرى مشروعية الرفع فيها وقد ردَّ عليه العلماء .
من الآثار الثابتة عن عبد الله بن المبارك رحمه الله: "مَنْ بَخِلَ بِالْعِلْمِ ابْتُلِيَ بِثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يَمُوتَ فَيَذْهَبَ عَلِمُهُ، أَوْ يَنْسَاهُ، أَوْ يَتْبَعَ سُلْطَانًا" والأثر أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع.
وهذا فيه الحث على نشر العلم وتعليمه، وتبليغه، وعدم كتمانِه.
"إِمَّا أَنْ يَمُوتَ فَيَذْهَبَ عَلِمُهُ": يعني ما ينتفعُ بعلمه بعد وفاته، ما ينتفع بمؤلفاته وبأشرطته.
"أَوْ يَنْسَاهُ": من أسباب نسيان العلم كتمانُه.
أما تبليغ العلم فهو من أسباب تثبيتِ المعلومات، ورسوخِها، ونمائِها. وفي الحديث القدسي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ" متفق عليه. البخاري (5352)، مسلم (993).
والنفقة عامة وليست مقصورة على نفقة المال.
والشاعر يقول:
يزيدُ بكثرةِ الإنفاقِ منه***وينقصُ إنْ بهِ كَفًا شَدَدْتَ
ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول في الحديث الذي رواه مسلم (2699) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه و فيه: (وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) .
وأعظم الإعانة الإعانة في طلب العلم الذي عليه مدار السعادة في الدنيا والآخرة.
ويقول الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: لأَن تدرِّس الكتاب مرة واحدة خير لك من أن تقرأه بمفردك عشر مرات.
وهذا من بركة التعليم تثبتُ المعلومات وارتِساخُها ، ويستفيد وينتفع كثيرًا مما لو قرأه بمفرده .
"أَوْ يَتْبَعَ سُلْطَانًا": السلف يكرهون الدخول على السلاطين، والقرب منهم. وتقدم معنا بعض الآثار سابقًا في هذا المعنى في الكلام على إسناد حديث ابن عباس كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ...
هذه طريقة السلف؛ لأن الإمارة، والقرب من الأمراء قد يشغل، ويأتي بالغفلة، وقد يتولَّى المنصبَ وهو غير قادر عليه، وتقدم معنا الولاية لها ركنان: القوة والأمانة. وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: (القليل من يجتمع فيه ذلك) القليل من يجتمع فيه الصفتان القوة والأمانة، قد يوجد فيه الأمانة لكن فيه ضعف والعكس .

ومن الآثار الثابتة عنه في الثبات على طلَبِ العلم قيل لابن المبارك كم تكتب؟ قال: لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد. أخرجه ابن أبي حاتم رحمه الله في «مقدمة الجرح والتعديل» (صـ280) والأثر له طرق .
وفي بعض الروايات الأخرى يقول :لعل الكلمة التي تقع فيها نجاتي لم تقع إليَّ.

(عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ)
قال الذهبي في ترجمته من سير أعلام النبلاء : كَانَ بَصِيْراً بِالمَغَازِي النَّبويَّةِ، أَلَّفَهَا فِي مُجَلَّدٍ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ.
وَهُوَ أَخُو إِبْرَاهِيْمَ بنِ عُقْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُقْبَةَ، وَعَمُّ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ.
أَدْرَكَ: ابْنَ عُمَرَ، وَجَابِراً.
وَحَدَّثَ عَنْ: أُمِّ خَالِدٍ.
وَعِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ. اهـ

وقد أخرج البخاري(6364) من طريق مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ خَالِدٍ بِنْتَ خَالِدٍ، قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ» .
وهذا نصٌ من موسى بن عقبة رحمه الله أنه لم يسمعْ أَحَدًا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَأم خالد .
وذلك لأنَّ أم خالد رضي الله عنها تعمَّرت حتى أدركها مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كساها ثوبًا ودعا لها وقال : «أَبْلِي وَأَخْلِقِي ثُمَّ، أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي» .
والحديث رواه الإمام البخاري (3071) عن أم خالد .
قال الحافظ عقِبَ هذا الرقم: وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ هُنَا مِنَ الزِّيَادَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْمُصَنِّفُ –أي البخاري- لَمْ تَعِشِ امْرَأَةٌ مِثْلَ مَا عَاشَتْ هَذِهِ يَعْنِي أُمَّ خَالِدٍ .
قال الحافظ قلت :وإدراك مُوسَى بن عقبَة لَهَا دَالٌّ عَلَى طُولِ عُمُرِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرَهَا . اهـ
وفي حديث أم خالد جواز الدعاء بطول العمر ولكن الأولى ترك ذلك أما الجواز فيجوز. والأولى ترك ذلك لما رواه الإمام مسلم (2663) أن أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: اللهُمَّ مَتِّعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكِ سَأَلْتِ اللهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَآثَارٍ مَوْطُوءَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَا يُعَجِّلُ شَيْئًا مِنْهَا قَبْلَ حِلِّهِ، وَلَا يُؤَخِّرُ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ حِلِّهِ، وَلَوْ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ، وَعَذَابٍ فِي الْقَبْرِ لَكَانَ خَيْرًا لَكِ».
وهذا للأولى والأفضل. وكان الإمام أحمد يكره الدعاء بطول العمر ويقول هذا أمر فُرغ منه.
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ)
هوعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. أبو عبد الرحمن أمه زينب بنت مظعون، أخت عثمان بن مظعون الصحابي.
وكان رضي الله عنه شديدَ الحرص على تتبُّعِ آثار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى العمل بالأدلة.

وعبد الله بن عمر رضي الله عنه كان متزوجًا بصفية بنت أبي عبيد الثقفي أخت المختار الذي ادعى النبوة. وقد قبل عبد الله بن عمر حديثًا من روايتها والحديث أخرجه أبوداود(1831)من طريق سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ «كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ يَعْنِي يَقْطَعُ الْخُفَّيْنِ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ» ثُمَّ حَدَّثَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ «رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْخُفَّيْنِ فَتَرَكَ ذَلِكَ» .
يقول الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (1600): هذا حديث حسنٌ .وصفية بنت أبي عبيد الثقفي لم يوثِّقْها معتبر ، ولكن قبول عبد الله بنِ عمر وعمله بروايتها يدل على أَنها ثقةٌ عنده . اهـ
عبد الله بن عمر رضي الله عنه رأى رؤيا مفزعة،فأرشده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى قيام الليل لأنه وقايةٌ من النار ، أعاذنا الله من النار.
والحديث في صحيح البخاري (7028)عن عبدالله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُصُّونَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيثُ السِّنِّ، وَبَيْتِي المَسْجِدُ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأَيْتَ مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلاَءِ، فَلَمَّا اضْطَجَعْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِيَّ خَيْرًا فَأَرِنِي رُؤْيَا، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَنِي مَلَكَانِ، فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُقْبِلاَنِ بِي إِلَى جَهَنَّمَ، وَأَنَا بَيْنَهُمَا أَدْعُو اللَّهَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ، ثُمَّ أُرَانِي لَقِيَنِي مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: لَنْ تُرَاعَ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ، لَوْ كُنْتَ تُكْثِرُ الصَّلاَةَ. فَانْطَلَقُوا بِي حَتَّى وَقَفُوا بِي عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ، لَهُ قُرُونٌ كَقَرْنِ البِئْرِ، بَيْنَ كُلِّ قَرْنَيْنِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَأَرَى فِيهَا رِجَالًا مُعَلَّقِينَ بِالسَّلاَسِلِ، رُءُوسُهُمْ أَسْفَلَهُمْ، عَرَفْتُ فِيهَا رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَانْصَرَفُوا بِي عَنْ ذَاتِ اليَمِينِ.
فَقَصَّتْهاعَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» .
من فوائدِ الحديث:
1. أن أكثر يمين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «لاَ وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ»، وكان يحلف بأيمان أخرى. وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه (بَابٌ: كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
ومن أيمانه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (والله - وايم الله - والذي نفسي بيده - والذي نفس محمد بيده).
وليس هناك من الأدلة الثابتة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حلف بغير الله عز وجل.
أما ما جاء أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: <أفلح وأبيه إنْ صدقَ>.
فهذا اللفظ انفرد به مسلم(11) عن البخاري فقد أخرج الحديث البخاري (46) ولم يذكر لفظة (وأبيه) وقدأعلها ابن عبدالبر وقال : إنها غير محفوظة كما في فتح الباري .
وذكر العلامةُ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (10القسم الثاني تحت رقم 4992)طرقَ الحديث وشواهده ثم جزم بأنها زيادة شاذة غير محفوظة شذَّ بها إسماعيل بن جعفر .
وحكم عليها الوالد الشيخ مقبل رحمه الله حينما رَاجعنا حالَها بما يلي :
قال :هي شاذة شذَّ بها إسماعيل بن جعفر رواها عن أبي سهيل، عن أبيه، عن طلحة، ومالك ممن روى الحديث عن أبي سهيل ولم يذكر هذه اللفظة .
وكذلك ما جاءعند مسلم(93/1032) من طريق ابْن فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقَالَ: " أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهُ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الْبَقَاءَ، وَلَا تُمْهِلَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ " .
وقد رواه مسلم (92) قبل هذه الرواية بدون <وأبيكَ> . وأصله عند البخاري (1419) و (2748) بدونها .
قال الشيخ الألباني في الضعيفة (4992) عن هذا اللفظ منكر .
وأفادنا الوالدُ رحمه الله أن لفظةَ (وَأَبِيكَ )انفرد بها محمد بن فضيل وقد خالف من هو أرجح منه فهي لفظة شاذة.
وقد تقدم هذا ولكن أعدناه لتجديدِ العهدِ به .
إذن لم يأت أنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حلف بغير الله عز وجل في الأدلة الثابتة.
الحلف بغير الله عز وجل يكون شركًا أصغر إذا لم يعتقد تعظيم المحلوف به كتعظيم الله أو أشد. ويكون شركًا أكبرإذا اعتقد تعظيم المحلوف به كتعظيم الله أو أشد.
مما كان يسأل عنه الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: ما الدليل على أن الحلف بغير الله شرك؟!
والشيخ الوالد رحمه الله يقول عن الحديث الذي رواه أبوداود في سننه(3251) من طريق سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، قَالَ: سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ، رَجُلًا يَحْلِفُ: لَا وَالْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» هو منقطع سعد بنُ عبيدة لم يسمعه من عبدالله بن عمر ، وقد ذكره في أحاديث معلة .
وتكون إجابة بعضهم بأدلة النهي عن الحلف بغير الله كحديث «مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» رواه البخاري (2679).
وهذا خطأٌ ،عندنا قاعدة (ليس كلُّ محرمٍ شركًا ، وكلُّ شركٍ محرَّمٌ) فأدلة التحريم لا يصح الاستدلالُ بها على إثبات الشرك .
وقد ثبت في سنن النسائي (3773) وهو في الصحيح المسند للوادعي (1638) عن قُتَيْلَةَ امْرَأَةٍ مِنْ جُهَيْنَةَ أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ وَتَقُولُونَ وَالْكَعْبَةِ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَيَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ.
وهذا دليلٌ على أن الحلف بغير الله شرك .
2. وفي الحديث الحثُّ على الثبات والتحذير من أسباب الزيغ.
وفي الآية الكريمة التي ذكرها الإمام البخاري رحمه الله {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ}[الأنعام: 110]. ويقول عز و جل: { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الأنفال: 24] دليلٌ على ذلك .
وقد ثبت في صحيح مسلم (2654) عن عبدالله بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ».
وثبت في سنن ابن ماجة (199) عن النواس بنِ سمعان قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ» وَكانَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يَقُولُ: " يَا مُثبِّتَ الْقُلُوبِ، ثبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ. قَالَ: وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ، يَرْفَعُ أقْوَامًا وَيَخْفِضُ آخَرِينَ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " .
هناك أمور تعين على الثبات بإذن الله عز وجل منها:
1. الدعاء: ومن أدعية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا إِلَى طَاعَتِكَ».
وفي صحيح مسلم (1343) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ». الشاهد (وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ).
ومن أدعية عباد الله الصالحين: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران:8].
ويقول المصلي في كل ركعة في قراءة الفاتحة{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } .
وهذه الآية من أدعية الثبات .
وقد أورد الحافظ ابنُ كثيرٍ إشكالا على هذا وأجاب عنه .
قال رحمه الله في تفسير سورة الفاتحة فإن قيل فكيف يَسْأَلُ الْمُؤْمِنُ الْهِدَايَةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ؟ فَهَلْ هَذَا مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ أَمْ لَا؟
قال :فَالْجَوَابُ أَنْ لَا، وَلَوْلَا احْتِيَاجُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا إِلَى سؤال الهداية لما أرشده الله تعالى إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعَبْدَ مُفْتَقِرٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَحَالَةٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي تَثْبِيتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَرُسُوخِهِ فِيهَا وَتَبَصُّرِهِ وَازْدِيَادِهِ مِنْهَا وَاسْتِمْرَارِهِ عَلَيْهَا فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَرْشَدَهُ تَعَالَى إِلَى أَنْ يَسْأَلَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَنْ يَمُدَّهُ بِالْمَعُونَةِ وَالثَّبَاتِ وَالتَّوْفِيقِ، فَالسَّعِيدُ من وفَّقه الله تعالى لسؤاله فإنه قَدْ تَكَفَّلَ بِإِجَابَةِ الدَّاعِي إِذَا دَعَاهُ وَلَا سِيَّمَا الْمُضْطَرُّ الْمُحْتَاجُ الْمُفْتَقِرُ إِلَيْهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} [النِّسَاءِ: 136] فَقَدْ أَمَرَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْإِيمَانِ وَلَيْسَ ذلك من باب تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الثَّبَاتُ وَالِاسْتِمْرَارُ وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُعِينَةِ عَلَى ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.اهـ

2. العقيدة الصحيحة: فمن كان ذا عقيدة صحيحة فإن هذا من أسباب ثباته، لا تتخطفه الشبهات ولا الشهوات.
3. العلم النافع: ولهذا ربنا عز وجل يقول: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر:9] ويقول: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه:114]. أمر الله عز وجل نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بطلب المزيد من العلم لأهميته. وحياة العلماء شاهدة بذلك أن العلم من أسباب الثبات.
الإمام أحمد بن حنبل يروي عنه ولده عبد الله وجاء عن صالح قال: حين احتضر أبي جَعَلَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: لَا ، بَعْدُ، لَا، بعد، فقلت: يا أبة ما هذه اللفظة التي تلهج بِهَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ إِبْلِيسَ وَاقِفٌ فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ وَهُوَ عَاضٌّ عَلَى أُصْبُعِهِ وَهُوَ يَقُولُ: فُتَّني يَا أَحْمَدُ؟ فَأَقُولُ لَا ،بَعْدُ ، لَا، بَعْدُ - يَعْنِي لا يفوته حتى تخرج نفسُه مِنْ جَسَدِهِ. البداية والنهاية (10/375)
أي مادامتِ الروح في الجسد فهو على خطر، والقصة مشهورة.
ومن الآثار الثابتة في هذا المعنى ما جاء عن أبي زرعة الرازي- وهو عبيد الله بن عبد الكريم- وَكَانَ فِي السَّوْقِ، وَعِنْدَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ شَاذَانَ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَذَكَرُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» , فَاسْتَحْيُوا مِنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَقَالُوا: تَعَالَوْا نَذْكُرُ الْحَدِيثُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ وَارَةَ: حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ , عَنْ صَالِحٍ وَلَمْ يُجَاوِزْ وَالْبَاقُونَ سَكَتُوا، فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَهُوَ فِي السَّوْقِ:، ثنا بُنْدَارٌ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ , عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي عَرِيبٍ , عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَمَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
والأثر أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (76). وأخرجه بنحوه ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل (1/345).
وقد رأيت من حياة والدي الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله ما يدل على صبره وثباته. فقد يكون مريضًا ولا تنقطع دروسه، ولا بحوثه، ولا خدمته لطلابه من مراجعة البحوث والإعانة لهم. قد يكون عنده سعال شديد، وجسمه ملتهب بالحمى، ويخرج يلقي دروسه. وفي مرضه الأخير يقول الأطباء: لو كان هذا المرض في غيرك لكان طريحًا على الفراش.
وكان رحمه الله إذا كان مريضًا يسلِّي على من يعوده، وعلى أقربائه كأنه المعافَى ونحن المرْضَى. وهذا من ثمار العلم النافع، ومن ثمار الصدق والإخلاص، والبركة من الله.
نحن ربما نُلقى على الفراش بسبب الزُّكام . نسأل الله أن يرحمَنَا.
4. الصبر: قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النحل:127]. وقال: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الطور:48]. وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:200].
وقد قال ابن القيم في طريق الهجرتين (266): "ومعلوم أن شجرة الثبات والعزيمة لا تقوم إلا على ساق الصبر، فلو علم العبد الكنز الذى تحت هذه الأحرف الثلاثة أعنى اسم "الصبر" لما تخلف عنه".اهـ
من نَصحَ بالصبر فقد أعظمَ النصيحة. الصبرُ خلُقٌ عظيم، وجزاء الصابرين الجنة. ومن الخطأ أن يقول بعض الجاهلات أنت لا تشعرين بما عندي، هذا خطأ قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [التغابن:11] والواجب الصبر والتصبر، اللهَ أسأل أن يُلْهِمَنَا الصبرَ .
5-الإخلاص :فقد قال تعالى { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } وروى البخاري في صحيحه(2898) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» .
6-القناعة :قال تعالى { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }.
والقناعة من أعظم أسباب الثبات فإن كثيرا من الناس قد استعبدتْهُمُ المادَّةُ ويدورون معها حيث كانت على خيرٍ أو شرٍ .
7-الاستقامة ظاهرا وباطنا : فمن استقام على دين الله فإن الله يثبته قال تعالى { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ }.
هذه بعض الأمور في أسباب الثبات .
ومن أسباب الزيغ والانحراف والعياذ بالله:
1. المعاصي: قال سبحانه وتعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف:5]. فالمعاصي تخون صاحبها في وقت أحوج ما يكون إلى الثبات، تخونه بسلب سعادته وحياته الطيبة، وتوقعه في الهلَكة، وتحول - والعياذ بالله – بينه وبين الخاتمة الحسنة.
2. اتباع الهوى: قال سبحانه: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾
[ص:26].
التقليد في دين الله :أخرج البخاري (86)عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، قُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا: أَيْ نَعَمْ، فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي المَاءَ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " مَا مِنْ شَيْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلَّا رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي، حَتَّى الجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَأُوحِيَ إِلَيَّ: أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ - مِثْلَ أَوْ - قَرِيبَ - لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ - مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُقَالُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ أَوِ المُوقِنُ - لاَ أَدْرِي بِأَيِّهِمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ - فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا، هُوَ مُحَمَّدٌ ثَلاَثًا، فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بِهِ. وَأَمَّا المُنَافِقُ أَوِ المُرْتَابُ - لاَ أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ - فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ " .
3. جلساء السوء وقد تقدم لنا شيء من المذاكرة في هذا ومنها قصة هرقل في صحيح البخاري (7) وفيه "... أَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الفَلاَحِ وَالرُّشْدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ، فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ، قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ، فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ" الحديث.
فكان جلساء هرقل سببًا في ثباته على الكفر وعدم إسلامه.
كما أن أبا طالب كان السبب في موته على الشرك بعض جلسائه قال له ( أترغب عن ملَّةِ عبدالمطلب فكان آخرَما قال : هو على ملة عبدالمطلب ).
وعكس موقف هرقل موقف النجاشي التابعي الجليل فإنه قال للمهاجرين الذين هاجروا إليه من الصحابة: من سبكم غرم فنخرت بطارقته، فقال: وإن نخرتم، اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي ).
4. الذهاب إلى بلاد الكفر ولا يسلم إلا مَن سلمه الله، حتى إنه من البلاءِ على من سكن فيها أنه قد لا يستطيع الخروجَ منها يقول : سأهاجر وما يكون إلا مجرد أماني ، ما يتحققُ خروجُهُم .والله المستعان.

هذا ولا يأمن على نفسه من الزيغ إلا من كان جاهلا فقد قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفضلِ الخلق {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} .
وقال نبيُّ الله يوسف عليه الصلاة والسلام {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)}.

3-ومن فوائد الحديث أن الهداية والضلال بيد الله عز وجل؛ لأن الله هو الذي يقلب القلوب، ويصرفها كيف يشاء. وهذا قول أهل السنة والجماعة، وقد قال سبحانه: ﴿أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء:88]. ويقول سبحانه: ﴿فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [الروم:29]. ويقول: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص:56]. ويقول: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف:17].
والقدرية يخالفون ويزعمون أن الله لم يخلق الخير والشر. وعقيدة الرافضة هي عقيدة المعتزلة ودخلت عليهم الشبهة أنه يُنزَّه الله عز وجل عن أن يمنع من الإيمان ثم يأمر بالإيمان ويعاقب على الكفر. ولكن الله هذا ملكه يتصرف فيه كما يشاء: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء:23].
ثم قد بيَّن سبحانه وتعالى في أدلةٍ أخرى أنه ما ختم على قلوبهم ولا منعهم من الإيمان إلا لتماديهم في الطغيان والكفروتكرر ذلك منهم قال سبحانه: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام:110]. يعني أن هذا تكرر منهم، وقال: ﴿ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة:127]. وقال سبحانه :﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [البقرة:10]. وقال: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف:5].
ومن هنا تأول القدرية أدلةَ القدر في خلق أفعال العباد، وقالوا في الهداية: المراد سماه الله مهتديًا، ومنهم من قال: المراد بالهداية هداية الدعوة والبيان. فهداية الدعوة والبيان لا ينكرها القدرية ولكنهم ينكرون هداية التوفيق فلهذا لجأوا إلى التحريف .
وقالوا في أدلة الإضلال: سماه الله ضالًا، ومنهم من قال: ألفاه الله ووجده إلى غير ذلك من التأويلات الباطلة كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل.
والواجب أن نؤمن بها على ظاهرها. أدلة الختم على ظاهرها ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة:7]. أدلة الطبع، أدلة الهداية والضلال، إلى غير ذلك نؤمن بها على ظاهرها ولا نحرفها كما ذهبت إليه المعتزلة.
علمنا أن حديث الباب دليل على أن الله خالقُ أفعالِ العباد خيرِها وشرِّها .
ولا يكون في ملكه إلا ما يريد، والقدرية يقولون: العبد هو الذي يخلق فعل نفسه هو الذي يخلق الخير والشر والسعادة والإيمان والفسوق، وهذا القول باطل .
4- الحديث من أدلة العناية بالقلوب. وقد قال سبحانه: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر:4]. وهذا يشمل تطهير الثياب والبدن والمكان من النجاسة، ويشمل طهارة القلب وقد ذكر هذا المعنى ابن القيم في إغاثة اللهفان.
وفي الصحيحين البخاري (53)، مسلم (1599) عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "... أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ" .
فالعناية بالقلب أمر مهم، بطهارته ونظافته ونقاوته من جميع الأمراض الباطنة كالنفاق والرياء والعجب والغرور والحسد .والله المستعان.
وقد قيل يطيَّبُ القلبُ للعلم، كما تطيبُ الأرضُ للزراعة.
هذا من الأمور التي ينبغي أن نعتني بها، وأن نجاهد في إصلاح قلوبنا فإنها قد تفسد وقد تمرض وقد تموت، تتراكم ظلمة المعاصي عليها، وتستحكم عليها فلا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرب من هواه.
علينا بالدعاء أن الله يصلح سرائرنا بحيث تكون قلوبنا نظيفة خالية من الأوساخ وكان من أدعية النبي: "وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي" .
ومن دعاء عباد الله الصالحين: ﴿وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر:10].
القرآن والسنة فيهما تربيتنا على الآداب والأخلاق والصبر والصدق والإخلاص وعلى المجاهدة في طاعة الله.
5- في الحديث إثبات قدرة الله عز وجل، وعظمته فهو يتصرف كما يشاء في خلقه. والله تعالى أعلم.
6-إثبات صفة التقليب لله عزوجل .
7-عدَّ بعضهم«وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ» من أسماء الله عزوجل .

قال شيخ الإسلام في مجموع فتاواه في سياق ذكر أسماء الله عزوجل :وَكَذَلِكَ أَسْمَاؤُهُ الْمُضَافَةُ مِثْلَ: أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَخَيْرُ الْغَافِرِينَ وَرَبُّ الْعَالَمِينَ وَمَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ وَأَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَجَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمُقَلِّبُ الْقُلُوبِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ثَبَتَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَثَبَتَ فِي الدُّعَاءِ بِهَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ .









 


رد مع اقتباس
قديم 2016-02-04, 02:09   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
حامد فاتح
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-04, 09:44   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

وفيكم بارك الله










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-04, 09:57   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس الثالث عشر من /كتاب التوحيد من صحيح البخاري 25من شهر ربيع الثاني 1437 .
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث عشر

قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله: بَاب إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ اسْمٍ إِلَّا وَاحِدًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ "ذُو الْجَلَالِ" الْعَظَمَةِ "الْبَرُّ" اللَّطِيفُ

6957 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ .أَحْصَيْنَاهُ حَفِظْنَاهُ

***********************************
(قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذُو الْجَلَالِ الْعَظَمَةِ الْبَرُّ اللَّطِيفُ)
هذا أثر عن ابن عباس رضي الله عنه، (ذُو الْجَلَالِ) يفسر الجلال بالعظمة، و(الْبَرُّ) يفسره باللطيف.
وقال ابن الأثير في النهاية: البَرُّ العطوف على عباده ببرِّه ولطفه.
ويقول ابن القيم رحمه الله:
والبَرُّ في أوْصَافِهِ سُبحانه هو كَثْرةُ الخَيراتِ والإحْسَانِ
فسَّر ابن القيم رحمه الله في نونيته اسم الله (البر) بكثرة الخيروالإحسان. فهذا معنى اسم الله (البر) يتضمن صفة كثرة الخير والإحسان.
وإحسانه سبحانه على نوعين:
- إحسانٌ عام بجميع الخلق، بالكفار والمؤمنين والحيوانات، في أرزاقهم وصحَّتهم وإعطائهم الولد، ونحو ذلك.
- وإحسان خاص بأولياء الله عز وجل. فمن إحسان الله إلى أوليائه أن رزقهم الهدى والإيمان، ومن أعظم الإحسان رزقُ العلم النافع .
ومن إحسانه قبولُ توبة عبده، وتجاوزه عن المسيء، وستر الذنب عليه.
وبرُّ الله بعباده المؤمنين أكمل وأفضل .
والله عز وجل بَرٌّ يحب البَرَّ من عباده، ويحب بِر الوالدين، والخُلُق الحسن فقد قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ". من حديث النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ رضي الله عنه عند مسلم (2553).
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ" الحديث. البخاري (5743)، مسلم (2607).
ومعرفة اسم الله (البَر) ومعناه ، يثمر محبة الله عز وجل، والاستكانة، والخضوع، وحسن الظن بالله ،والتوجه بالدعاء إلى الله عز وجل الكريم الواسع بسؤال العطاء والبركة والتوفيق لأنه كثير الخير والإحسان.
ولم يُذكر اسم الله (البر) إلا في موضع واحد في القرآن الكريم في سورة الطور ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ [الطور:28].
(حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ)
وهو الحكم بن نافع، من الثقات. وتلازمه غالبًا "أخبرنا". وهناك عدد من المحدثين "أخبرنا" ملازمة لهم، مثل إسحاق بن راهويه. وأهل المصطلح لهم عناية بهذا.
(أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ)
وهو ابن أبي حمزة دينار. كان عسِرًا في الحديث. قال أبوزرعة الدمشقي رحمه الله في «تاريخه» (1055): أخبرني الحكم بن نافع، قال: كان شعيب بن أبي حمزة عسرًا في الحديث فدخلنا عليه حين حضرته الوفاة، قال: هذه كتبي قد صححتها فمن أراد أن يأخذها فليأخذها، ومن أراد أن يعرض فليعرض ومن أراد أن يسمعها من ابني فليسمعها فقد سمعها مني.
وابنه هو بشر بن شعيب.
(عَسِراً فِي الحَدِيْثِ) يعني لا يحدِّث إلا بحديث أو حديثين ونحو ذلك .هذا أو معناه ما أفادنا به الوالد الشيخ مقبل رحمه الله .
وقال المعلمي رحمه الله في التنكيل (1/ 445 ):العسر في الرواية هو الذي يمتنع من تحديث الناس إلا بعد الجهد .اهـ.
فدلَّ هذا أن العُسْرَ في الحديث يدخل فيه أكثر من معنى .
وقد وُصف جماعة من المحدِّثين بذلك منهم الأعمش سليمان بن مهران، كان عسرا في الحديث .
وأخرج الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (307) من طريق حفص بن غياث يقول: قيل للأعمش: لو حدثتنا فقال: لأن أتصدق بعرق أو رغيف أحب إليَّ من أن أحدثكم بعشرة أحاديث.
هذا أثر صحيح.
(لأن أتصدق بعرق) قال في النهاية :هُوَ زَبِيلٌ مَنْسوج مِنْ نَسَائج الخُوص، وَكُلُّ شَيْءٍ مَضْفُور فَهُوَ عَرَقٌ وعَرَقَةٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا.
وقال البغوي في زوائد الجعديات (781) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ قَالَ: كَانَ الْأَعْمَشُ إِذَا حَدَّثَ بِثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ قَالَ: «قَدْ جَاءَكُمُ السَّيْلُ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا مِثْلُ الْأَعْمَشِ .
وهذا إسنادٌ ضعيف.
مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ هو أبوهشام الكوفي الرفاعي, ضعيف.ونبقيه لفائدة معرفة حاله .

ومنهم أبو بكر بن عياش ذكر الخطيب في «شرف أصحاب الحديث» عقب رقم (324): أن أبا بكر يعني: ابن عياش كان عسيرًا في الحديث.

ومنهم ابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن. أخرج البغوي رحمه الله في «زوائد الجعديات» (2857)من طريق علي ابن المديني، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: كان ابن أبي ذئب عَسِرًا.
قال علي: قلت: عسرًا قال: أعسر أهل الدنيا إن كان معك كتاب قال: اقرأه وإن لم يكن معك كتاب فإنما هو حفظ.
قال علي: فقلت ليحيى: فأخبرني عن ابن أبي ذئب ومن كنت تحفظ عنه، كيف كنت تصنع فيه؟ فقال: أتحفظها وأكتبها.
ومنهم مسعر بن كدام الملقب بالمصحف؛ لإتقانه.
أخرج الخطيب رحمه الله في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (1459) من طريق قبيصة، يقول: سألت مالك بن مغول عن حديث، فقال: { أَعُوذُ بِالرحْمَنِ مِنْكَ إِن كُنْتَ تقِيَّاً }[مريم:18]؟
قال: فأما مسعر فكان لأن يقلع ضرسه ‑أو كما قال‑ أحب إليه من أن يحدث بحديث.
قال: وما رأيت عنده عشرة قط كانوا يكونون ستة سبعة. وسنده صحيح .

وقد نبَّه وبيَّن أهل العلم أنه ينبغي للمعلِّم أن يكون سهلًا سمحًا في تعليمه، والله أعلم.
(حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ)
أبو الزناد لقب، وكنيته أبو عبد الرحمن. وهو عبد الله بن ذكوان.
(عَنْ الْأَعْرَجِ)
عبد الرحمن بن هرمز، أخذ القراءة عرضًا على أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما. كما في سير أعلام النبلاء.
وذكر الشخص بلقبه عند الحاجة؛ وذلك للتعريف به جائز. والممنوع أن يُذكر لغير الحاجة وللتعيير كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات:11].
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) حافظ هذه الأمة المحمدية.
- الحديث متفق عليه.
من فوائد الحديث:
1- في هذا الحديث إثبات الأسماء الحسنى لله عز وجل، وقد قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:180] وقال: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الإسراء:110].
قال الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره: أي له كلُّ اسم حسن .
قال :وضابطه :كلُّ اسمٍ دالٍ على صفة كمال عظيمة .اهـ.
وهذه قاعدة :أن كلَّ اسم من أسماء الله الحُسنى ، دالٌ على صفة كمال لله عزوجل .
أسماء الله عز وجل
قد تدل على صفة ذاتية، مثل: القوي والحي والسميع والبصير والعظيم والغني وما أشبه ذلك.
وقد تدل على صفة فعلية مثل: الرزاق فيه إثبات صفة الرزق، والرحيم فيه إثبات صفة الرحمة .
وقد يدل على صفة ذاتية وصفة فعلية مثل: السلام فيه إثبات صفة ذاتية وهو أن الله عز وجل سالم من النقص والعيب، ويدل على صفة فعلية وهي أن الله عز وجل يسلم عباده من الشر والمصائب.
وكاسم الله الرَّب يدل على بعض الصفات الذاتيةٍ وبعض الصفات الفعلية قال ابنُ القيم رحمه الله في بدائع الفوائد(4/ 132): الرب هو السيِّد والمالِك والمُنعِم والمُرَبِّي والمُصْلِح والله تعالى هو الرَّبُّ بهذه الاعتباراتِ كُلِّها .اهـ
ونستفيد من هذا أن الاسم قد يدلُّ على صفات متعددة فإذا نقص بعض المعاني نقص الاسم عما احتوى عليه.
ومن ذلك الصمد: هو الذي لا جوف له، وهو السيد، وهو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم. والصمد يشمل هذا كله .
العلي : دالٌ على صفة العلو وهوعلوُّ الذات وعلو القهر وعلو القدْرِ .
وهذا من القواعد النافعة في باب الأسماء والصفات التي ذكرها ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد(1/ 168)قال: من أسمائه الحسنى ما يكون دالا على عدَّةِ صفات ويكون ذلك الاسم متناولا لجميعها تناولَ الاسم الدال على الصفة الواحدة لها قال : وهذا مما خفي على كثير ممن تعاطى الكلام في تفسير الأسماء الحسنى ففسر الاسم بدون معناه ونقصه من حيث لا يعلم فمن لم يُحِطْ بهذا علما بخس الاسم الأعظم حقه وهضمه معناه فتدبره.اهـ.
وإثبات اسم بلا صفة من الإلحاد في أسماء الله عز وجل .
الإلحاد في أسماء الله عز وجل على أقسام:
1- نفي أسماء الله عز وجل أوبعضها قال سبحانه وتعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأعراف:180] وقد أنكرت الجهمية الأسماء لله عز وجل.
2- نفي الصفات التي دلت عليها أسماء الله عز و جل إلحاد ، فإن كل اسم من أسماء الله متضمن لصفة فمثلاً السميع من أسماء الله عزوجل وهو متضمن لصفة السمع ، البصير من أسماء الله عز وجل وهو متضمنٌ لصفة البصر ،وهكذا. وقد أنكرت هذا المعتزلة وأثبتوا لله عز وجل أسماء أعلامًا محضة لا تدل على صفات وهذا إلحاد.
3- أن يُسَمَّى الله عز وجل بما لم يُسِمِّ به نفسَه.
وذلك لأن أسماء الله عز وجل توقيفية وأيضاً صفاته كما قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء:36].
ولكن أهل العلم يقولون باب الإخبار أوسع. فمثلًا يقال: الله موجود وموجود ليس من أسماء الله عز وجل و لكنه من باب الإخبار.
4- أن يثبت لله عز و جل أسماء لكنه يجعلها دالة على التمثيل.
قال الشيخ ابنُ عُثيمين رحمه الله في القول المُفيد(2/ 317): فيقول: الله سميع بصير قدير، والإنسان سميع بصير قدير، اتفقت هذه الأسماء; فيلزم أن تتفق المسميات، ويكون الله -سبحانه وتعالى- مماثلا للخلق، فيتدرج بتوافق الأسماء إلى التوافق بالصفات.
ووجه الإلحاد: أن أسماءه دالة على معان لائقة بالله لا يمكن أن تكون مشابهة لما تدل عليه من المعاني في المخلوق.
5- أن ينقل أسماء الله عز وجل إلى المعبودات من دون الله عز و جل. كأن يسمي الصنم الله أو الإله أو يشتق من أسماء الله عز و جل ويجعلها لآلهتهم كاشتقاق اللات من الإله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان قال تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ( 19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)}[النجم:19،20] .
تراجع المسألة في / بدائع الفوائد لابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ و شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى.
وتقدم معنا هذا ، وأعدناه لتجديد العهد به .
2- ودل الحديث على العناية بأسماء الله عز وجل وصفاته .
وهذا من العلوم العظيمة وهو أحدُ أقسام التوحيد، فالتوحيد أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
3- هذا الحديث ليس فيه الحصر لأسماء الله عز وجل، وإنما المراد أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، فلا ينفي وجود غيرها.قال ابنُ القيم رحمه الله في بدائع الفوائد(1/ 167): والمعنى له أسماء متعددة من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة وهذا لا ينفي أن يكون له أسماء غيرها وهذا كما تقول لفلان مائة مملوك وقد أعدهم للجهاد فلا ينفي هذا أن يكون له مماليك سواهم معدون لغير الجهاد وهذا لا خلاف بين العلماء فيه.اهـ.

ومن الأدلة ما رواه الإمام أحمد (3712،4318) عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا"، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: "بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا".
وعلى هذا جمهور العلماء، أن أسماء الله عز وجل غير محصورة.
وخالف ابن حزم رحمه الله، وذهب إلى حصر أسماء الله عز وجل في التسعة والتسعين استدلالًا بحديث الباب وقد ردَّ عليه أهل العلم.
وتكلم أهل العلم على الحكمة من إخفاء هذه الأسماء وهوأن يجتهد العبدُ المؤمن في البحث عنها فيكتسب أجورًا، ومثله ليلة القدر أُخْفيت في أي ليلةٍ من شهر رمضان تكون لحكمةٍ ؛ وهي أن يجتهد الناس في العبادة.
وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم التمسوها وترًا.
أما ما جاء من سرد الأسماء التسعة والتسعين فهذا حديث رواه الترمذي برقم (3507) من طريق الوليد بن مسلم وقد وهم في رفعها إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى(6/379) "وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ هَذَا وَرَدَ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى فَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ ذَكَرَ ذَلِكَ هُوَ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ رَوَى الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى فِي "جَامِعِهِ" مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهَا ابْنُ مَاجَة فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ مخلد بْنِ زِيَادٍ القطواني؛ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ لَيْسَتَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ كَلَامِ بَعْضِ السَّلَفِ فَالْوَلِيدُ ذَكَرَهَا عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ الشَّامِيِّينَ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِهِ". اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في بلوغ المرام (1368): "وَسَاقَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ الْأَسْمَاءَ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ سَرْدَهَا إِدْرَاجٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ" .اهـ
وكثرةُ الأسماء تدلُّ على عظمة المُسَمَّى .
القرآن له أسماء كثيرة ، النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم له أسماءٌ كثيرة . وهذا يدل على عظمة المسمَّى .
4- وفيه الترغيب والبشارة بالجنة لمن أحصى أسماء الله التسعة والتسعين (مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ).
5- إحصاء أسماء الله عز وجل بأمور:
1- حفظها. 2- فهم معناها. 3- دعاؤه بها.
حفظها: فالذي ما يحفظها فقط يكتبها، ولا يحفظها ،لا ينال هذه الفضيلة.
أو يحفظها بدون فهم لمعناها كذلك .
والثالث :دعاؤه بها . وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن التعبير بالدعاء أولى من عبارة والعمل بها لأنه الموافق للفظ القران الكريم يقول الله عز وجل: ﴿فَادْعُوهُ بِهَا﴾ .
قال رحمه الله في بدائع الفوائد (1/164): في بيان مراتب إحصاء أسمائه التي من أحصاها دخل الجنة وهذا هو قطب السعادة ومدار النجاة والفلاح. المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها .
المرتبة الثانية: فهم معانيها ومدلولها .
المرتبة الثالثة: دعاؤه بها كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأسماء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} .
وهو مرتبتان إحداهما: دعاء ثناء وعبادة والثاني: دعاء طلب ومسألة فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وكذلك لا يسأل إلا بها فلا يقال يا موجود أو يا شيء أو يا ذات اغفر لي وارحمني بل يسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضيا لذلك المطلوب فيكون السائل متوسلا إليه بذلك الاسم ومن تأمل أدعية الرسل ولا سيما خاتمهم وإمامهم وجدها مطابقة لهذا.
قال : وهذه العبارة أولى من عبارة من قال: يتخلَّق بأسماء الله فإنها ليست بعبارةٍ سديدةٍ وهي منتزَعة من قول الفلاسفة بالتشبُّه بالإله على قدر الطاقة.
وأحسن منها عبارة أبي الحكم بن برهان وهي التعبد .
وأحسن منها العبارة المطابقة للقرآن وهي الدعاء المتضمن للتعبد والسؤال .
قال: فمراتبها أربعة :أشدها إنكارًا عبارة الفلاسفة وهي التشبه وأحسن منها عبارة من قال التخلق وأحسن منها عبارة من قال التعبد وأحسن من الجميع الدعاء وهي لفظ القرآن .اهـ
دعاء الله بأسمائه نوعان: دعاء ثناء وعبادة، دعاء مسألة.
- دعاء الثناء والعبادة: مثل التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، ومثل دعاء الكرب «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ» متفق عليه.
- ودعاء المسألة: أن يدعوَ الداعي بما يجلب له النفع، ويدفع عنه الضر.
التعبد بأسماء الله مثلًا من أسماء الله عز وجل العليم الخبير، فيتجنب المعاصي، ويمتثل أوامر الله عز وجل؛ لأنه يعلم أن الله مطلِّع عليه، هذا عمل بمقتضى أسماء الله عز وجل.
ومن أسماء الله الرقيب: يخشى الله عز وجل في السر والعلَن؛ لأن الله مطلِّع عليه.
ومن أسماء الله عز وجل السميع: لا يقول إلا خيرًا؛ لأن الله عز وجل يسمع كلامه.
ومن أسماء الله عز وجل البصير: لا يفعل إلا خيرًا؛ لأن الله يراه.
الرحيم : يعمل ما يكون سببا لرحمة ربه إياه .
التوَّاب : يتوب إلى الله حتى يتوب الله عليه .
الغفور : يستغفر حتى يغفر الله له ذنوبه .
عرفْنا أن قوله (مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) هذا في ثلاثة أمور: حفظها، فهم معناها، دعاؤه بها .
وهذا يبعث على الاهتمام بمعاني أسماء الله عز وجل لأنه من أحصاها دخل الجنة، ونسأل الله أن ينفعنا بما نقرأ ويفقهنا في دينه .
وكتاب التوحيد من صحيح البخاري فيه خيرٌ كبيرفي توحيد الأسماء والصفات . وفي كتاب الله عز وجل جملة كبيرة في الأسماء والصفات ، ومنها سبعة عشر اسمًا في آخر سورة الحشر.
6- وفيه الإيمان بالجزاء الأخروي (دَخَلَ الْجَنَّةَ).
7- واستُدل به على مسألةٍ وهي أنه يقال: (الاسم للمسمَّى)قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (6/206) قال: وَأَمَّا الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ "الِاسْمَ لِلْمُسَمَّى" كَمَا يَقُولُهُ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ فَهَؤُلَاءِ وَافَقُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْمَعْقُولَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وَقَالَ: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا} " {وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ لِي خَمْسَةَ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَد وَالْمَاحِي وَالْحَاشِرُ وَالْعَاقِبُ} " وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ.اهـ
وهناك أقوال أخرى في المسألة، ومنها أن الاسم هو المسمى، وهذا قول طائفةٌ من أهل السنة. الاسم هو المسمى أي: نفس المسمي، عين المسمى.
ومن أهل العلم من منع الكلام في هذه المسألة؛ لأنه لم يأتِ في ذلك دليل ولم يأت عن الصحابة ولا التابعين الكلام في هذا، وهذا قول أبي جعفر ابن جرير الطبري في كتابه صريح السنة. وقول إبراهيم الحربي كما في مجموع الفتاوى وآخرين.
هناك كلام لابن القيم رحمه الله في شفاء العليل (277) فيه تفصيل يقول:فالاسم يراد به المسمى تارة ويراد به اللفظ الدال عليه أخرى فإذا قلت قال الله كذا واستوى الله على عرشه وسمع الله ورأى وخلق فهذا المراد به المسمَّى نفسه وإذا قلت :الله اسم عربي والرحمن اسم عربي والرحمان من أسماء الله والرحمان وزنه فعلان والرحمن مشتق من الرحمة ونحو ذلك فالاسم ههنا للمسمى).
هذا التفصيل ذكره ابن القيم رحمه الله، وهذه طريقة لبعض العلماء.
وهذه إشارة خفيفة في هذه المسألة. ويراجع مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام .

أما الجهمية فإنهم يقولون: الاسم غير المسمى، ويقصدون أن ما كان غير المسمى فهو مخلوق. وأهل السنة والجماعة على أن أسماء الله عز وجل غير مخلوقة لأنها تابعة للذات. والله أعلم.
[/font][/size]










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-10, 08:02   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس الرابع عشر من /كتاب النوحيد من صحيح البخاري 1من شهر جمادى الأولى 1437.


بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام البخاري رحمه الله
بَابُ السُّؤَالِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالِاسْتِعَاذَةِ بِهَا
7393 - حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فِرَاشَهُ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَلْيَقُلْ: «بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ» ، تَابَعَهُ يَحْيَى، وَبِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَادَ زُهَيْرٌ، وَأَبُو ضَمْرَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

******************************
(حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) وهو الأويسي.
(حَدَّثَنِي مَالِكٌ) هو ابن أنس، إمام الهجرة.
(عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ)
سعيد بن أبي سعيد كيسان، وأيوب بن أبي تميمة اسم أبيه كيسان.
سعيد بن أبي سعيد يقال له المقبري قال النووي رحمه الله في تهذيب الأسماء واللغات(1/219): المقبرى، بضم الباء وفتحها، منسوب إلى المقابر؛ لأنه كان يسكن عندها، وقيل: لأن عمر بن الخطاب جعله على حفر القبور بالمدينة، وهو أبو سعد، بإسكان العين .اهـ.
(الدراوردي) عبد العزيز بن محمد.
- مَن أسعد الناس بالصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ المحدثون، وهذا معدود في مناقب المحدثين. وقد ذكر هذا الخطيب في شرف أصحاب الحديث وبوب رحمه الله (كَوْنُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَوْلَى النَّاسِ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدَوَامِ صَلَاتِهِمْ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ).
وذكرالخطيب رحمه الله في شرف أصحاب الحديث (ص 34) بإسناده عن أبي نُعَيْمٍ قال: وَهَذِهِ مَنْقَبَةٌ شَرِيفَةٌ يَخْتَصُّ بِهَا رُوَاةُ الْآثَارِ وَنَقَلَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِعِصَابَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ مِمَّا يُعْرَفُ لِهَذِهِ الْعِصَابَةِ نَسْخًا وَذِكْرًا.
قوله: (إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فِرَاشَهُ) أي: لينام.
قوله: (بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ) أي داخل إزاره، قال القاري في مرقاة المفاتيح (4/1653): قَيَّدَ النَّفْضَ بِإِزَارِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَرَبِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ثَوْبٌ غَيْرَ مَا هُوَ عَلَيْهِمْ مِنْ إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، وَقُيِّدَ بِدَاخِلِ الْإِزَارِ لِيَبْقَى الْخَارِجُ نَظِيفًا، وَلِأَنَّ هَذَا أَيْسَرُ، وَلِكَشْفِ الْعَوْرَةِ أَقَلُّ وَأَسْتَرُ .اهـ.
فإذا نفض فراشه بأي شيء إما بخرقة أو نحوها يحصل المقصود .
وهنا في الحديث يفعل ذلك ثلاث مرات.
هذا الحديث العظيم من أذكار النوم، والمحافظة على الأذكار فيها امتثال للشرع، ومسابقة إلى الخير، وتحصن من الشيطان الرجيم.
وفيه من الفوائد:
1- الأخذ بالأسباب يما يكون فيه السلامة.
وقوله (وَضَعْتُ جَنْبِي) الجنب: ما دون الإبط إلى الكشح، والكشح كما في كتب اللغة: مابين الخاصرة إلى الضلع الخلف. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يضطجع على شقه الأيمن والحديث متفق عليه البخاري (6315) مسلم (2710) عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَامَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَهُنَّ ثُمَّ مَاتَ تَحْتَ لَيْلَتِهِ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ».
والحكمة من هذا يقولون لأن القلب متعلق بجهة اليسار، فإذا اضطجع على شقه الأيمن يكون القلب معلقًا فلا يستغرق كثيرًا في النوم، والله أعلم.
يراجع /زاد المعاد .
2- وفيه استسلام العبد لله عز وجل، وأن الإحياء والإماتة بيد الله عز وجل ﴿هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [يونس:56] وهذا داخلٌ في توحيد الربوبية .
3- وفيه أن الإنسان قد يموت وهو نائم (إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا) و الغالب أن الإنسان لا يموت إلا بسبب.
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره **** تعددتِ الأسبابُ والموت واحد
قوله (وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ)
العبد الصالح: هو الذي يقوم بحق الله عز وجل، وحق عباده.
وهذا حفظ عام من المعاصي ومن الشيطان وعداوته ومن الضرر الديني والدنيوي. وهذا من أعظم الأدعية التي تقال عند النوم.
(بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ) هذا حفظ خاص يقتضي الحفظ والنصر والتأييد.
******************************
7394 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ»، وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ».
******************************
(حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ) ابن إبراهيم الفراهيدي يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في تقريب التهذيب : مسلم ابن إبراهيم الأزدي الفراهيدي بالفاء أبو عمرو البصري ثقة مأمون مكثر، عمي بآخره، من صغار التاسعة مات سنة اثنتين وعشرين، وهو أكبر شيخ لأبي داود.
وهذه فائدة مسلم الفراهيدي أكبر شيخ لأبي داود.
(حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) ابن الحجاج، أمير المؤمنين في الحديث.
(عَنْ عَبْدِ المَلِكِ) ابن عمير.
(عَنْ رِبْعِيٍّ) ابن حراش.
(عَنْ حُذَيْفَةَ)
حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما. اسم أبيه حِسل ويقال حُسيل، وهو صحابي ابن صحابي، وصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وقد كان متخصصًا في أمور الفتن ليحذرَها كما في الصحيحين البخاري (3606) ومسلم (1847) عن حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ يَقُولُ: (كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي... الحديث) .
وهذا الحديث (كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي) يقول الوالد الشيخ مقبل رحمه الله :حديث حذيفة فيه التخصص في العلم .
وكان رحمه الله يقول : ليس هناك مثل التخصص .
وكان ينصح من كان عنده ميولٌ إلى فنٍّ من الفنون العلمية أن يتخصص فيه؛ لأن التخصص له ثمرة سريعة ، وفيه بركة عظيمة ، ولا يهمل العلوم الأخرى.
فالسلف كان منهم من يتخصص ويكون غالبًا ملمًا بالعلوم الأخرى. هذا معنى ما ذكره الوالد رحمه الله.
قلت : هذا من آداب الطالب التخصص في فن من الفنون فهذا سبيل النجاح .
قال الخليل بن أحمد: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ عَالِمًا فَاقْصِدْ لِفَنٍّ مِنَ الْعِلْمِ وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ أَدِيبًا فَخُذْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَحْسَنَهُ .
وَقَالَ غَيْرُهُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا نَظَرَ فِي فَنٍّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِلْمِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا أَخَذَ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ بِنَصِيبٍ .
وقال أبوعبيد القاسم بن سَلَّامٍ: «مَا نَاظَرَنِي رَجُلٍ قَطُّ وَكَانَ مُفَنِّنًا فِي الْعُلُومِ إِلَّا غَلَبْتُهُ، وَلَا نَاظَرَنِي رَجُلٌ ذُو فَنٍّ وَاحِدٍ إِلَّا غَلَبَنِي فِي عِلْمِهِ ذَلِكَ».
مرجع الآثار جامع بيان العلم وفضله (1/522)وينظر في حالها .

فمن كان عنده ميول إلى فنٍ يجتهد فيه ، فمثلا له رغبة في علم التفسير,أوعلم الحديث أوالفقه أوالنحو أوالعقيدة أو الأصول أوغير ذلك يجتهد في ذلك الفن ويتخصص فيه، ولكن لا يتخصص ويبقى جاهلا بالعلوم الأخرى النافعة.
******************************
7395 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الحُرِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ: «بِاسْمِكَ نَمُوتُ وَنَحْيَا»، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» .
******************************
(حَدَّثَنَا شَيْبَانُ) ابن عبد الرحمن النحْوي.
(عَنْ مَنْصُورٍ) ابن المعتمر.
(عَنْ أَبِي ذَرّ) جندب بن جنادة رضي الله عنه.
في هذين الحديثين بيان بعض أذكار النوم والاستيقاظ .
ومن الفوائد:
1- أن النوم يسمى موتًا (الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا). وهذا موت أصغر وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام:60]. جرحتم: عملتم.
2- التذكر عند الاستيقاظ الحياة الأُخْروية (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).
3- وفيه الثناء على الله سبحانه بالحمد عند الاستيقاظ؛ لأن النوم نعمة من نعم الله قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا}وقال {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} .
قال البغوي في تفسير سورة الفرقان :سباتا رَاحَةً لِأَبْدَانِكُمْ وَقَطْعًا لِعَمَلِكُمْ، وَأَصْلُ السَّبْتِ الْقَطْعُ، وَالنَّائِمُ مَسْبُوتٌ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَحَرَكَتُهُ. اهـ .، والنوم آية من آيات الله سبحانه الدالة على عظمته وقدرته، قال سبحانه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ [الروم:23].
******************************
7396 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، فَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا"
******************************
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) وهو أبو رجاء الثقفي البغلاني.
(حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) ابن عبد الحميد.
(عَنْ مَنْصُورٍ) تقدم.
(عَنْ سَالِمٍ) ابن أبي الجعد.
(عَنْ كُرَيْبٍ) مولى ابن عباس.
- مَن القائل :علم الرجال نصف العلم، والتفقه في معاني الحديث نصف العلم؟ علي بن المديني رحمه الله أخرجه الرامَهرمزي في المحدث الفاصل ..
(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) أبو العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
(لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ)
أي زوجته أوأمته. وهذا الحديث من آداب الجماع.
وقوله: (إِذَا أَرَادَ) يُفَسِّر الروايةالأخرى عند البخاري (3283) (لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ) أن المراد أنه قبل الوقاع. مثل قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل:98]. أي: أردت.
هذا الحديث بوب عليه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الوضوء (بَابُ التَّسْمِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعِنْدَ الوِقَاعِ) إشارة منه رحمه الله إلى مشروعية التسمية في أول الوضوء.
وجمهور العلماء على استحباب التسمية في أول الوضوء.
وبسم الله كلمة عظيمة مباركة ولهذا شرع قولُها في مواطن كثيرة.
فقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا خرج من منزله قال: (باسم الله) كما في مسند أحمد (26616) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ، قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ، أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ، أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا».
وفي صحيح مسلم (2018) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ".
ظاهر الدليل أن قول صاحب البيت بسم الله عند الدخول يجزئ في دفع دخول الشيطان. لكن ينبغي أن يقول الجميع من الكبار والمميزين (بسم الله) عند الدخول.
ومن المواضع: قول (بسم الله) عند إطفاء المصباح بجميع صوره وأشكاله، هذا من الآداب التي ينبغي أن نحرص عليها، ونربِّي أطفالنا على ذلك.
روى البخاري(3280) عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ، أَوْ قَالَ: جُنْحُ اللَّيْلِ، فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا ".
وحديث جابر فيه أنه عند غلق الباب يقال باسم الله وإيكاء السقاء وتخمير الإناء إذا غطينا الإناء ينبغي أن نقول باسم الله .
تعويد اللسان على قول: (بسم الله) عند الركوب وعند النزول وعند النوم وعند السقوط فقد ثبت عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَثَرَتْ دَابَّةٌ، فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: "لَا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَعَاظَمَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْبَيْتِ، وَيَقُولُ: بِقُوَّتِي، وَلَكِنْ قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَصَاغَرَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبَابِ" رواه أبو داود في سننه (4982) وهو في الصحيح المسند للوادعي (1503).
علق الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/120) في فضل البسملة علق على هذا الحديث وقال: فَهَذَا مِنْ تَأْثِيرِ بَرَكَةِ بِسْمِ اللَّهِ؛ وَلِهَذَا تُسْتَحَبُّ فِي أوّل كل عمل وَقَوْلٍ.اهـ.
ومن المواضع: قول (بسم الله) عند إرادة دخول الخلاء هذا فيه رواية ضعيفة لكن في الباب عمومات، وقد نقل الإمام النووي في المجموع الاتفاق على ذلك.
إذن قول: (بسم الله) نكثر من قولها ، ولا نملُّ منها.
إذا أخذنا طعامًا (رزًا، سكرًا، حليبًا) أخذتيه بالملعقة قولي: (بسم الله) ففي هذا بركة عظيمة ،الطعام الذي يُؤخذ منه يبارك الله فيه .
التبرك بذكر اسم الله، ما يكون بغفلة . ما أكثر أبواب الخيرات إن استيقظنا فنحن في عبادةٍ إذا تحرينا قول بسم الله ،وفي منافع دنيا وأخرى .
عند الأخذ من النقود كان والدي الشيخ مقبل رحمه الله يقول : باسم الله اللهم اجعل البركة .
أيضًا في أوَّل الرسائل والمؤلفات وغير ذلك.
الإمام البخاري يقول: (بَابُ التَّسْمِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعِنْدَ الوِقَاعِ) .
ابن كثير رحمه الله يقول:وَلِهَذَا تُسْتَحَبُّ فِي أوّل كل عمل وَقَوْلٍ).
إلا في المواضع التي ما قالها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثلًا قبل الدخول في الصلاة ما عندنا دليل على أنه إذا أراد أن يصلي يقول: (بسم الله) لكن بعد الاستعاذة كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسمِّي سرًا إذا قرأ من أول السورة.
(بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا) هذا الدعاء يقوله الرجل دون المرأة، هذا ظاهر الدليل.
وهناك قول لبعض العلماء أن المرأة أيضًا تقول ذلك. ولا يُنكَر على من رأى هذا؛ لأن الأصل هو عموم التشريع.
وفي هذا الحديث الحرص على سلامة الولد، وصلاحه قبل وجوده أن يُدعى بهذا الدعاء حفظًا له من شر الشيطان.
ومن الحرص على صلاح الأولاد قبل وجودهم الدعاء .
هذا الدعاء عام حتى وإن كان لا يولد لهما.
وفيه أن الولد رزق من أرزاق الله عز وجل.
وفيه ملازمة الشيطان للإنسان في كل أحواله، وقد ثبت في صحيح مسلم (2033) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمُ اللُّقْمَةُ، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى، ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ».
وهذا مما يجعل العبد حذرا ومتحفظًا ومتنبهًا من عدوه الذي لا يراه ،من وساوسه وأفكاره ونزغاته وعداوته، والله المستعان.
وفيه فضل هذا الذكر عند الوقاع، وأنه سبب لسلامة الولد وحفظه.
قوله: (لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا) هذا ليس على عمومه، فلا بد من وساوسه ولا بد من المعاصي. وقد قال النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ» الحديث متفق عليه البخاري (6612) مسلم (2657) عن أبي هريرة.
فالمراد به بعض الأمور مثل الردة - والعياذ بالله - والكفر، وتسلط الشيطان عليه و ما أشبه ذلك. أيضًا لا يضره بإذن الله عز وجل في عقله ولا في بدنه، والله تعالى أعلم.
الشيطان: هو كل عاتٍ متمردٍ . وهويشمل شياطين الجن والإنس، وكل من تمرد من حيوان أو غيره.
******************************
7397 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: أُرْسِلُ كِلاَبِي المُعَلَّمَةَ؟ قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ المُعَلَّمَةَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَأَمْسَكْنَ فَكُلْ، وَإِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْ» .
******************************
(حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي.
(حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ) ابن غزوان.
(عَنْ إِبْرَاهِيمَ) ابن يزيد النخعي.
(عَنْ هَمَّامٍ) بن منبه.
(عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) صحابي كريم حتى قال الشاعر (رؤبة بن العجاج):
بِأَبِهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ في الكَرَمْ **** وَمَنْ يُشابِهْ أَبَهُ فَما ظَلَمْ
في هذا الحديث السؤال عن أمور الفقه، وهذه أسئلة الصحابة أسئلة دينية فقهية وأسئلة عن الوصول إلى الجنة.
وفيه إباحة صيد الكلب المعلَّم، وهو الذي إذا أُشلي استشلى، وإذا زُجر انزجر، وإذا صاد لم يأكل مما أمسك.
وهذه ثلاثة شروط في الكلب المعلَّم قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [المائدة:4].
إذا أُشلي استشلى: يعني إذا أغراه صاحبه للذهاب إلى الصيد مضى.
وإذا زجر انزجر لأنه معلَّم.
وإذا صاد لم يأكل مما أمسك؛ لأن الله يقول: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [المائدة:4].
وفي بعض طرق عدي رضي الله عنه: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَمْسَكَ وَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا خَالَطَ كِلاَبًا، لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا، فَأَمْسَكْنَ وَقَتَلْنَ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي أَيُّهَا قَتَلَ، وَإِنْ رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلَّا أَثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ، وَإِنْ وَقَعَ فِي المَاءِ فَلاَ تَأْكُلْ» البخاري (5486).
وفيه أنه إذا صاد الصائد بِالْمِعْرَاضِ فأصاب بحده حل أكل الصيد، أما إذا أصاب بعرضه فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، فَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلاَ تَأْكُلْ» رواه البخاري (5476).
المِعْرَاض بِالْكَسْرِ: سَهمٌ بِلَا ريشٍ وَلَا نَصْل، وَإِنَّمَا يُصِيب بعَرْضه دُون حدِّه.كما في النهاية .
******************************
7398 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَا هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ، يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لاَ نَدْرِي يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لاَ، قَالَ: «اذْكُرُوا أَنْتُمُ اسْمَ اللَّهِ، وَكُلُوا» تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، وَأُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ
******************************
(حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى) القطان.
(حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ) سليمان بن حيان.
(سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ) أبو المنذر، زوجته فاطمة بنت المنذر وهي زوجته وشيخته.
(يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزبير الصابر المحتسب.
(عَنْ عَائِشَةَ) أم المؤمنين رضي الله عنها.
هذا الحديث انفرد به الإمام البخاري عن مسلم.
قوله: (إِنَّ هَا هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ) حديث عهدهم: أي قريبًا.
في هذا الحديث التسمية عند الأكل. وفي الصحيحين البخاري (5376)، مسلم (2022) عن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ، يَقُولُ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ.
وفيه حمل ذبائح المسلمين على السلامة. فهنا سألوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن هذه المسألة فقال: (اذْكُرُوا أَنْتُمُ اسْمَ اللَّهِ، وَكُلُوا).
وقد يفهمُ بعض الناس من هذا الحديث إباحة أكل اللحوم المستوردة من بلاد الكفر أنه يسمي الله ويأكل، هذا ليس بصحيح فهؤلاء مسلمون الذين سُئِل عنهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مسلمون. أما اللحوم المستوردة من بلاد الكفار فهي ميتة لا يجوز أكلها، والميتة فيها سموم وضرر.
المرق المجفَّف هذا تابع لأصله، ما كان من بلاد إسلامية فهو حلال، وما كان من بلاد كفرية فهو حرام .
والإنسان يتحرى ما يُدخِل جوفَه إلا حلالا ومن كسبٍ حلال؛ لأن لطيب المأكل تأثيرًا على القلب وعلى البدن وعلى الدين .وهذا من أعظم نعم الله البعد عن الحرام .
******************************
7399 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ» .
******************************
(هشام)
ابن أبي عبد الله الدَّستوائي، القائل (وَاللهِ مَا أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَقُوْلَ إِنِّي ذَهَبتُ يَوْماً قَطُّ أَطْلُبُ الحَدِيْثَ، أُرِيْدُ بِهِ وَجْهَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ) قال الذهبي رحمه الله: (وَاللهِ وَلاَ أَنَا) كما في ترجمة هشام الدستوائي من سير أعلام النبلاء.
نسأل الله أن يعيننا على الإخلاص .

(قتادة) وهو ابن دعامة بن قتادة.
(أنس) وهو ابن مالك.
في هذا الحديث التضحية بكبشين، وللمضحي أن يضحي بأكثر من كبشين.
وفيه التسمية عند الذبيحة.
وفيه التكبير عند الذبيحة، وقد قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام: (وَأَمَّا التَّكْبِيرُ فَكَأَنَّهُ خَاصٌّ بِالتَّضْحِيَةِ وَالْهَدْيِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] ) سبل السلام(2/530) .
وكان الوالد الشيخ مقبل رحمه الله يفيدنا أن التكبير يكون عند ذبح الأضحية والله أعلم .

وتتمة الباب يكون في الدرس اللاحق إن شاءالله .










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-12, 23:36   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
mohamedfon
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرااا










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-15, 08:56   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
امينة كرم
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم سمية الأثرية مشاهدة المشاركة
الدَّرْسُ الحادي عشرَ مِنْ / كتابُ التَّوْحِيْدِ مِنْ صحيح البُخَارِي رحمه الله 10 من شهر ربيع الثاني 1437 .

بسم الله الرحمن الرحيم
مذاكرة قبل الدرس:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (" ارْبِعُوا " بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيِ ارْفُقُوا بِضَمِّ الْفَاءِ وَحَكَى ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَأَنَّهُ فِي كُتُبِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَبَعْضِ كُتُبِ الْحَدِيثِ بِفَتْحِهَا)
ابن التين: هو أحد شرَّاح صحيح البخاري.
يعني (اربعوا) جاءت بالوجهين.
- حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه السابق من أدلة إخفاء الذكر «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا... » .ومن فوائد إخفاء الذكر أنه أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن التشويش، وإشغال الآخرين؛ ولهذا أخرج أبوداود في سننه (1332)عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ، وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ» ، أَوْ قَالَ: «فِي الصَّلَاةِ». والقرآن من ذكر الله عز وجل.
- عروة بن الزبير الصابر المحتسب: أسوة في الصبر والاحتساب .
جاءعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، أَنَّ أَبَاهُ خَرَجَ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِوَادِي الْقُرَى ، وَجَدَ فِي رِجْلِهِ شَيْئًا ، فَظَهَرَتْ بِهِ قُرْحَةٌ ، ثُمَّ تَرَقَّى بِهِ الْوَجَعُ . وَقَدِمَ عَلَى الْوَلِيدِ وَهُوَ فِي مَحْمِلٍ ، فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ اقْطَعْهَا، قَالَ : دُونَكَ. فَدَعَا لَهُ الطَّبِيبَ، وَقَالَ : اشْرَبِ الْمُرْقِدَ، فَلَمْ يَفْعَلْ ، فَقَطَعَهَا مِنْ نِصْفِ السَّاقِ ، فَمَا زَادَ أَنْ يَقُولَ : حَسِّ ، حَسِّ . فَقَالَ الْوَلِيدُ : مَا رَأَيْتُ شَيْخًا قَطُّ أَصْبَرَ مِنْ هَذَا .
وَأُصِيبَ عُرْوَةُ بِابْنِهِ مُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ، رَكَضَتْهُ بَغْلَةٌ فِي إِصْطَبْلٍ، فَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ فِي ذَلِكَ كَلِمَةٌ . فَلَمَّا كَانَ بِوَادِي الْقُرَى قَالَ : لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا اللَّهُمَّ كَانَ لِي بِنُونَ سَبْعَةٌ ، فَأَخَذْتَ وَاحِدًا وَأَبْقَيْتَ لِي سِتَّةً ، وَكَانَ لِي أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ ، فَأَخَذْتَ طَرْفًا وَأَبْقَيْتَ ثَلَاثَةً; وَلَئِنِ ابْتَلَيْتَ لَقَدْ عَافَيْتَ ، وَلَئِنْ أَخَذْتَ لَقَدْ أَبْقَيْتَ . سير أعلام النبلاء (4/423) .
وهذا من صبره واحتسابه ومن تسلية النفس. فالمصاب ينبغي أن يشد نفسه، ويرفع معنويته بالصبر والاحتساب، وبِتذكر نعم الله عز وجل الأخرى؛وبالإيمان بالقدر فإن هذا يسلي عليه وإلا تخطَّفه الشيطان. فإن الشيطان له مداخل كثيرة عند ضعف الإنسان وحزنه.


بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ القَادِرُ} [الأنعام: 65]
7390 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي المَوَالِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ المُنْكَدِرِ، يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الحَسَنِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِيُّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ يَقُولُ: "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الأَمْرَ - ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ - خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - قَالَ: أَوْ فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ" .

************************
(حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ) وهو الحزامي، من مشايخ البخاري وابن ماجة.
(حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى) وهو القزَّاز
(حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي المَوَالِي) المدني
(سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ المُنْكَدِرِ) التيمي المدني، يقال عنه: سيد القراء.
ومن آثار محمد بن المنكدر ماأخرج الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/656) من طريق سُفْيَانَ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ الْمُنْكَدِرِ : مَا أَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ؟ قَالَ: إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ، قِيلَ:
فَمَا بَقِيَ مِمَّا يُسْتَلَذُّ بِهِ. قَالَ: الْإِفْضَالُ عَلَى الْإِخْوَانِ .
وهذا أثرٌصحيح .
وسفيان هو ابن عيينة .
الفقرة الأولى في هذا الأثر " إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ " .
وهذا من أفضل الأعمال، ومن جملة العبادات لله عز وجل. إذا وجده حزينًا أو في كُرْبة يدخل عليه السرور. فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه مسلم (2580).
مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ: أي يعين أخاه ويقوم بحوائجه؛ فإن الله عز وجل يتولى أموره بالخير، والجزاء من جنس العمل.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُدْخل السرورَعلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حينما وجده حزينا .
أخرج الإمام مسلم في صحيحه (1478) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ، لَمْ يُؤْذَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، قَالَ: فَأُذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَدَخَلَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ، فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَوَجَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ، وَاجِمًا سَاكِتًا، قَالَ: فَقَالَ: لَأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ، سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ، فَقُمْتُ إِلَيْهَا، فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى، يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ»، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، كِلَاهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، فَقُلْنَ: وَاللهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا - أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ - ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28]. .... الحديث. وهذا من إدخال السرور والتسلية على المؤمن.
وَاجِمًا: أي حزينًا. وهذا من جملة الآداب إدخال السرور والأُنْس على الصاحب فيما لا يُخالف الشرع .
و من الأخطاء أن يزيد في حرارة المصيبة على صاحبها. هذا من الأخطاء سواء على الأقرباء أو الأصدقاء أو الوالدين أو غيرهم من المسلمين .
الفقرة الثانية "الإفضال على الإخوان": أي الإحسان على الأخوان بتعليمهم، بالإحسان إليهم بالأخلاق الطيبة، و بإعانتهم و إطعامهم، وقد كان محمد بن المنكدر رحمه الله كريمًا.
(عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الحَسَنِ )
هذا لا علاقة له بالسند، فشيخ محمد بن المنكدر هو جابر بن عبد الله.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الحَسَنِ: أَيِ ابْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ).
(أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِيُّ)
قال السمعاني في الأنساب : السَلَمى
بفتح السين المهملة وفتح اللام، هذه النسبة إلى بنى سلمة حىّ من الأنصار .
جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه. شهد بيعة العقبة الثانية، وكان من ضمن السبعين الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة العقبة .
قال الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء وَكَانَ آخِرَ مَنْ شَهِدَ لَيْلَةَ العَقَبَةِ الثَّانِيَةِ مَوْتاً.
وقال الذهبي رحمه الله: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: شَهِدَ جَابِرٌ العَقَبَةَ مَعَ السَّبْعِيْنَ، وَكَانَ أَصْغَرَهُم .
وجابر بن عبد الله من أهل بيعة الرضوان .
وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أهل الحديبية: «أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ» رواه مسلم (1856).. وهذه الفضيلة العظيمة جابر بن عبد الله رضي الله عنه داخل فيها.
ومن مناقبه ومحاسنه؛ أن أباه استشهد في غزوة أحد، فتزوج رضي الله عنه امرأة ثيبًا. فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «هَلَّا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُوُفِّيَ وَالِدِي أَوِ اسْتُشْهِدَ وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ، فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ، وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ والحديث متفقٌ عليه .
وهذا من مناقبه ومن إحسانه إلى أرحامه، آثر مصلحة أخواته على مصلحة نفسه.
ووالده عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه، أحد النقباء الاثني عشر. وقد أسلم ليلة العقبة الثانية، وجعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من النقباء.
والد جابر( كلَّمه الله كفاحا )أي بدون حجابٍ ولا رسولٍ .
(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا)
الاستخارة: طلب خير الأمرين المضي أو الترك.
والحديث انفرد به الإمام البخاري عن مسلم.
من فوائد الحديث:
1- أهمية صلاة الاستخارة؛ وشدَّةُ الحاجة إليها ،ولهذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اهتمَّ بتعليمها الصحابة اهتمامًا بالغًا، علمهم إياها كما يعلمهم السورة من القرآن.
وقد قيل ما خاب من استخار ولا ندِم من استشار.
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى(10/ 663): لَكِنْ إذَا عَنَّ لِلْإِنْسَانِ جِهَةٌ فَلْيَسْتَخِرْ اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا الِاسْتِخَارَةَ الْمُتَلَقَّاةَ عَنْ مُعَلِّمِ الْخَيْرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ فِيهَا مِنْ الْبَرَكَةِ مَا لَا يُحَاطُ بِهِ. اهـ
فالاستخارة فيها خير وبركة عظيمة. والاستشارة فيها خيرعظيم، استشارةُ ذوِي الرأي والفهم.
وقد أمر الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمشاورة أصحابه لما للمشورة من الأهمية، قال سبحانه: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران:159].
ملِكَةُ سبأ تستشير قومها {قالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (34)} .

وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ:
شَاوِرْ صَدِيقَكَ فِي الْخَفِيِّ الْمُشْكِلِ ... وَاقْبَلْ نَصِيحَةَ نَاصِحٍ مُتَفَضِّلِ
فَاللَّهُ قَدْ أَوْصَى بِذَاكَ نبيه ... في قوله: (شاوِرْهُمْ) و (فَتَوَكَّلْ)
مرجع البيتين تفسير القرطبي في تفسيرآيةِ آل عمران المتقدم ذِكْرُها .
ويجب على المستشار أن ينصح في مشورته، وإذا كان لا يعلم فالواجب أن يسكت، ولا يتكلم إلا بما يعلم مصلحته للمستشير؛ لأنه مؤتمن كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ" رواه أحمد (22360) .
عرفنا أنه يستشار من عنده فهم، وما تطرح الاستشارة على جاهل وعلى من لا يفهم، هذا من الخطأ.
والجمع بين الاستخارة والمشورة أمر حسن، قال ابنُ الحاج المالكي رحمه الله في المدخل(4/ 40) الْجَمْعُ بَيْنَ الِاسْتِخَارَةِ وَالِاسْتِشَارَةِ مِنْ كَمَالِ الِامْتِثَالِ لِلسُّنَّةِ.
فَيَنْبَغِي لِلْمُكَلَّفِ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى إحْدَاهُمَا فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ مِنْ الِاقْتِصَارِ فَعَلَى الِاسْتِخَارَةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ .
وَالِاسْتِخَارَةُ وَالِاسْتِشَارَةُ بَرَكَتُهُمَا ظَاهِرَةٌ بَيِّنَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الِامْتِثَالِ لِلسُّنَّةِ وَالْخُرُوجِ عَمَّا يَقَعُ فِي النُّفُوسِ مِنْ الْهَوَاجِسِ وَالْوَسَاوِسِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ.
قال : فَعَلَى هَذَا فَمَنْ تَرَكَ الِاسْتِخَارَةَ وَالِاسْتِشَارَةَ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ التَّعَبِ فِيمَا أَخَذَ بِسَبِيلِهِ لِدُخُولِهِ فِي الْأَشْيَاءِ بِنَفْسِهِ دُونَ الِامْتِثَالِ لِلسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ وَمَا أَحْكَمْته فِي ذَلِكَ إذْ إنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ فِي شَيْءٍ إلَّا عَمَّتْهُ الْبَرَكَاتُ وَلَا تُتْرَكُ مِنْ شَيْءٍ إلَّا حَصَلَ فِيهِ ضِدُّ ذَلِكَ . اهـ

واختلف أهل العلم بأيِّهما يبدأ بالاستشارة أم بالاستخارة ؟.
وقد قال النووي رحمه الله في الأذكار 214: وإذا شاورَ وظهرَ أنه مصلحةٌ استخارَ الله سبحانه وتعالى في ذلك، فصلَّى ركعتين من غير الفريضة ودعا بدعاء الاستخارة . اهـ
2-العناية بحفظ دعاء الاستخارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اهتم بتحفيظ الصحابة ألفاظها وضبطها .
وله أن يقرأها من كتابٍ إذا كان لا يحفظها .
3- اهتمام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتعليم الاستخارة فيه دليل على أنه لا يزاد على هذه الصفة، ولاعلى هذه الألفاظ المذكورة في الدعاء.
قال ابنُ الحاج رحمه الله في المدخل (4/37) : فَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ ، صَاحِبُ الشَّرْعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - اخْتَارَ لَنَا أَلْفَاظًا مُنْقَاةً جَامِعَةً لِخَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ حَتَّى قَالَ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ فِي صِفَتِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ وَالْحَضِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِأَلْفَاظِهَا وَعَدَمِ الْعُدُولِ إلَى غَيْرِهَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ» وَالْقُرْآنُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُغَيَّرَ وَلَا يُزَادَ فِيهِ وَلَا يَنْقُصَ مِنْهُ وَإِذَا نَصَّ فِيهِ عَلَى الْحُكْمِ نَصًّا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ لَا يَرْجِعُ لِغَيْرِهِ.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الِاسْتِخَارَةِ إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَخْتَارُهَا الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ . اهـ المراد
4- ظاهره العموم في كل الأمور لقوله (يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا) والمراد في أشياء مخصوصة .
فصلاة الاستخارة تكون في الأمور المباحة مثل: السفر، والطلاق ، والزواج. يستخير الله عز وجل في المرأة هل هي مناسبة له، أوهل الزواج مناسبًا لابنته- مثلًا- بذلك الخاطب ولمصاهرته.
وقد أخرج مسلم في صحيحه (1428) عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ: «فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ» ، قَالَ: فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي، حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهَا، فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي، وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبِي، فَقُلْتُ: يَا زَيْنَبُ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُكِ، قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُوَامِرَ رَبِّي، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ الحديث .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم : وَلَعَلَّهَا اسْتَخَارَتْ لِخَوْفِهَا مِنْ تَقْصِيرٍ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .اهـ
وهكذا في التجارة في البيع والشراء - خاصة في الأمور الكبيرة، وفي الإجارة وفي بناء السكن وفي التحول إلى دار أخرى وفي وما أشبه ذلك .
ولا تكون الاستخارة في المحرم، ولا في المكروه، هذا يجتنب ولا تردد فيه.
الطاعات والعبادات التي خيرها محض ليس فيها استخارة .
فلا يستخير الله عز وجل في قيام الليل، ولا صلاة الضحى، ولا صيام الاثنين والخميس .
هناك أمور قد يكون فيها التردد بين أمرين، مثلًا: يريد أن يقوم ببحث، هذا عملُ بِرٍّ، لكنه قد يحتاج يستخير الله عز وجل في ذلك؛ لأنه قد يكون البحث ليس مناسبًا له ، أو غيره أولى منه ، وغير ذلك .
الاستخارة في المستحبات التي يكون فيه تردد بين شيئين أيهما أفضل ، أما الذي خيرُه واضحٌ فهذا لا يستخار الله فيه.
من الأمثلة فيما فيه تردد: السفر للحج سواء كان لفريضة أو نافلة. ينبغي أن يستخير الله عز وجل، وهكذا كل ما فيه أمور السفر حتى لو كان في عبادة؛ لأنه قد يكون السفر فيه حوادث وأمراض وشر .

5
- أنه يستخير إذا همَّ بالأمر- أي عزم وقصد- أما إذا كان مجرد خاطر على البال فظاهر الدليل أنه لا يستخير .
6-- أنه يصلي صلاة الاستخارة عن حاجته وليس عن حاجة غيرِه لقوله (إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ
بِالأَمْرِ).
فصلاة الاستخارة ليس فيها نيابةٌ .
وقد سُئِل الشيخ ابن باز حفظه الله في فتاوى نور على الدرب (11/ 83)عن صلاة الاستخارة عن الغير فقال : لا أعلم في هذا دليلا، إنما جاءت السنة لمن أراد الشيء، فالحديث: «إذا هم أحدكم بأمر فليصل ركعتين، ثم يقول: اللهم إلى آخر الدعاء لقوله: (إِذَا هَمَّ) ..
7- وفيه صلاة ركعتي الاستخارة ثم الدعاء.
8-- ظاهر الدليل أن صلاة الاستخارة تصلَّى ولو كان في وقت النهي، ولكن الحديث عام مخصوص بأدلة النهي كحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه المتفق عليه البخاري (586)، مسلم (827) عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ» .
وفي صحيح مسلم (831)، من حديث عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ، يَقُولُ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: «حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ». تَضَيَّفُ: أي تميل.
و صلاة الاستخارة وقتها موسع ما تصلى في وقت الكراهة إلا إذا خشيَ أن يفوته الشيء له أن يصلي صلاةَ الاستخارة في وقت النهي لدخولها حبنئذٍ في ذوات الأسباب .
قال شيخُ الإسلامِ رحمه الله في فتاواه(23/ 215) قال وَ" ذَوَاتُ الْأَسْبَابِ " كُلِّهَا تَفُوتُ إذَا أُخِّرَتْ عَنْ وَقْتِ النَّهْيِ: مِثْلَ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَمِثْلَ الصَّلَاةِ عَقِبَ الطَّهَارَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ بِلَالٍ وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ: إذَا كَانَ الَّذِي يَسْتَخِيرُ لَهُ يَفُوتُ إذَا أُخِّرَتْ الصَّلَاةُ . اهـ
9- أن صلاة الاستخارة تكون نافلة لقوله: (مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ). فلو صلى فريضة الفجر لا تجزئه عن صلاة الاستخارة؛ لأنها فريضة وليست نافلة، لكن له أن يصلي الراتبة أو ركعتي الضحى بنية صلاة الاستخارة؛ لأنه يصدق عليها (نافلة).
ولو صلى ركعتين نافلة ثم طرأ له حاجة بعدما سلم، لا تعدُّ صلاة استخارة؛ لأنه صلى الركعتين بدون نية، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ... » متفق عليه عن عمر بن الخطاب .
10- دليل على أنه إذا كان هناك تراخي يسير بين الصلاة والدعاء فإنه لا يضر لقوله: (ثُمَّ لِيَقُلْ). فإن ثم تفيد التراخي، فإذا كان هناك فاصل يسير لا يضر.
11- ظاهر الدليل أن دعاء الاستخارة بعد السلام لقوله: (فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ...).
12- أن الاستخارة تكون بمجموع أمرين الصلاة والدعاء .
وهذا للأكمل والأفضل –والله أعلم- فإذا كانت المرأة حائضًا أو نفاسا لها أن تقتصر على الدعاء. والله أعلم.
قال النووي رحمه الله في كتابه الأذكار 120 :ولو تعذرت عليه-أي الإنسان- الصلاة استخار بالدعاء.اهـ
13-عدمُ تعيين ما يُقرأُ في الرَّكعتين فنبقى على عموم قول الله عز وجل: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ [المزمل:20] .

وقد ذكر النووي رحمه الله في كتابيه التبيان والأذكار (1/294) أنه يقرأ في الركعة الأُولى الكافرون وفي الثانية الصمد .
قال الحافظ رحمه الله في «فتح الباري» عقب حديث الاستخارة (6382): قال شيخنا -يعني: العراقي-: لم أقف على دليل ذلك، ولعله ألحقهما بركعتي الفجر، والركعتين بعد المغرب.
قال: ولهما مناسبة بالحال؛ لما فيهما من الإخلاص والتوحيد. والمستخير محتاج لذلك. اهـ.
وقال رحمه الله في «نتائج الأفكار» (1/510): وأما القراءة في ركعتي الاستخارة، فلم أقف عليها في شيء من الأحاديث. ثم نقل عن العراقي نحو كلامه هنا. اهـ

14- وفي دعاء الاستخارة إثبات صفة العلم، وأن الله علام الغيوب ،وصفة القدرة لله عز وجل .
وهذا هو الشاهد من الحديث إثبات صفة القدرة لله عز وجل .
وفي تبويب الإمام البخاري رحمه الله: {قُلْ هُوَ القَادِرُ} [الأنعام: 65] فمن أسماء الله عز وجل القادر، والقادر يفيد إثبات صفة القدرة لله عز وجل.
15-التوسلُ إلى الله بأسمائه وصفاته قبل السؤالِ .
16- ضعفُ الإنسان وعجزه عن معرفة عواقب أموره المستقبلة؛ ولهذا يتضرع إلى الله عز وجل، ويبتهل أن يختار الله عز وجل له ما فيه الخير ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [القصص:68].
قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع فتاواه(4/ 142) فَعَلَّمَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَخِيرَ اللَّهَ بِعِلْمِهِ فَيُعَلِّمَنَا مَنْ عِلْمِهِ مَا نَعْلَمُ بِهِ الْخَيْرَ وَنَسْتَقْدِرَهُ بِقُدْرَتِهِ فَيَجْعَلَنَا قَادِرِينَ. إذْ الِاسْتِفْعَالُ هُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ ثُمَّ قَالَ: {وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ} فَهَذَا السُّؤَالُ مِنْ جُودِهِ وَمَنِّهِ وَعَطَائِهِ وَإِحْسَانِهِ الَّذِي يَكُونُ بِمَشِيئَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحَنَانِهِ. وَلِهَذَا قَالَ: {فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ} وَلَمْ يَقُلْ: إنِّي لَا أَرْحَمُ نَفْسِي؛ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ الِاسْتِخَارَةِ يُرِيدُ الْخَيْرَ لِنَفْسِهِ وَيَطْلُبُ ذَلِكَ. لَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُعْلِمْهُ اللَّهُ إيَّاهُ وَيُقَدِّرْهُ عَلَيْهِ. اهـ المراد
17- تسمية الحاجة فيقول مثلًا: (اللهم إن كان هذا السفر) أو (هذا الزواج)، ونحو ذلك يسمي حاجته ما يقول (إن كان هذا الأمر)؛ لأنه قال: (ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ). وإذا كان له أكثر من حاجة يسمي يقول: (إن كان هذا السفر وهذه التجارة خيرًا لي ....) فله أن يجمع بين حاجتين فأكثر.
18- اسْتُدِلَ بقوله: (وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ) أن الذي يستخير يفعل ما ينشرح له صدره.
وقد نص على ذلك النووي في كتابه الأذكار، وأفاد بذلك الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمهم الله جميعًا.
قال الوالد رحمه الله في قوله: (وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ) يدل على أنه يفعل ما ينشرح صدره له.
19-الإيمان بالقدر لأن الله عزوجل بيده الخير والشر .

مسائل في أحكام الاستخارة

من آداب الاستخارة
1-أن يُنحِّيَ مِن قلبه ما يميل إليه، وأن يفوض الأمرَ إلى ربه قبل أن يستخير .
قال القرطبي رحمه الله في تفسيرقوله تعالى { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ } قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُفْرِغَ قَلْبَهُ مِنْ جَمِيعِ الْخَوَاطِرِ حَتَّى لَا يَكُونَ مَائِلًا إِلَى أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ مَا يَسْبِقُ إِلَى قَلْبِهِ يَعْمَلُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. اهـ
هذا من الآداب التي قد تُجهل يُنحي عن قلبه ما يميل إليه وما يهواه ليكون مفوضًا الأمر إلى ربه فيدخل في الصلاة متوكلًا على الله لاجئًا إلى الله عز وجل.
2- كان أهل الجاهلية يستقسمون بالأزلام فلما جاء الإسلام أبطلها قال الله عزوجل في سياق بعض المحرمات {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ} .
قال الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله : الاستخارةُ بدلٌ عن الاستقسامِ بالأزلام التي كان يفعلها أهل الجاهلية .
ووجدت الشيخ ابن باز رحمه الله قال هذا في فتاوى نور على الدرب(1/ 212)ونصُّه: أما الأزلام فكانت أشياء يستقسمون بها لحاجتهم، وهي ثلاثة يكتب على واحد افعل، والثاني لا تفعل، والثالث غفل ليس فيه شيء، فإذا أرادوا سفرا أو حاجة مهمة أجالوا هذه الأزلام، فإن خرج افعل فعلوا، وإن خرج لا تفعل تركوا، وإن خرج غفل أعادوا إجالة هذه الأزلام، فنسخ الله ذلك ونهى عنه سبحانه وتعالى، وأرشد المسلمين بدلا من ذلك إلى الاستخارة الشرعية، وهي الدعاء الشرعي بعد صلاة ركعتين بدلا من هذه الأزلام. اهـ
3- هل له أن يكرر صلاة الاستخارة؟ ذكروا أن له أن يكرر الصلاة إذا وجد نفسه مترددًا ولم ينشرح صدره .

والله أعلم .
شكرا على هذا الخير جزاكم الله وجعلها لكم في ميزان حسناتكم يا رب









رد مع اقتباس
قديم 2016-02-15, 13:06   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
♥لَيْلَىّ♥
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ♥لَيْلَىّ♥
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-16, 08:45   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

وفيكم بارك الله واياكم جزى الله خيرا وزيادة
-










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-16, 08:52   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس الخامس عشر من كتاب التوحيد من صحيح البخاري 7 من شهر جمادى الأُولى 1437 .

بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الخامس عشر
مذاكرة:
- المجاهدة في العمل بالعلم أشق من تعلم العلم ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت:69].
الصحابة سيرتهم عجيبة في التنافس، وسرعة الاستجابة، والامتثال.
كانوا يطبِّقون كلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشد مما يطبق المريض كلام الطبيب وسيرتهم مليئة بهذا.
نقتصر على دليلين :
أحدهما :أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ , فَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ , وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ , فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ , فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ) .
الثاني : أخرج أبوداود في سننه (650)عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ، قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ» ، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا - أَوْ قَالَ: أَذًى - " وَقَالَ: " إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا " .
وقد ذكر والدي رحمه الله جملة من أدلة الموضوع في كتابه الإلحاد الخُميني .
المحافظة على الأذكار من العمل بالعلم وحصن من الشيطان، وفي الحديث "... وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ العَبْدُ لاَ يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلاَّ بِذِكْرِ اللهِ ..." الحديث رواه أحمد (2863). ذكرالله حصن من الشيطان ،من نزغاته، ووساوسه، وكيده وعداوته.
حفظُ اللسان من العمل بالعلم وفيه سعادة الأولى والأُخرى .
تقوى الله من العمل بالعلم .
بر الوالدين من العمل بالعلم .
اجتناب الأخلاق الرذيلة والفُحش من العمل بالعلم .
المجاهدة في إصلاح السريرة من العمل بالعلم .
الصبر والشكر من العمل بالعلم .

**********************
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري رحمه الله:
7400 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدَبٍ، أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ صَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ»

**********************
الإمام البخاري أعجمي، وأصحاب الأمهات الست كلهم أعاجم إلا الإمام مسلمًا؛ فإنه قشيري عربي قال النووي رحمه الله في مقدمة شرح صحيح مسلم (1/10): " الإمام مسلم أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى نسبا ،النيسابورى وطنا، عربى، صليبة، وهو أحد أعلام أئمة هذا الشأن وكبار المبرزين فيه وأهل الحفظ والاتقان والرحالين فى طلبه إلى أئمة الاقطار والبلدان والمعترف له بالتقدم فيه بلا خلاف عند أهل الحذق والعرفان والمرجوع إلى كتابه والمعتمد عليه فى كل الازمان..." اهـ.
وغالبًا في المحدثين أنهم أعاجم كما في الحِطَّة في الصحاح الستة لصديِّق حسن، وهذه بركة من الله.
قال رحمه الله (حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ)
وهو أبو عمر الحوضي كما في ترجمة شعبة من تهذيب الكمال وهو من كبار شيوخ البخاري.
(حَدَّثَنَا شُعْبَةُ)
وهو ابن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، القائل رحمه الله (من طلب العلم أفلس). من طلب الحديث أفلس لأنه يشتغل بالعلم عن الكسب.
ويقول شعبة: إني أتذكر الحديث بالليل حتى يشتكي فؤادي.أخرجه عبدالله بن أحمد رحمهما الله تعالى في «زوائد العلل» (2/2570).
وهو أثرصحيح.
وتقدم معنا ترجمة له مختصرة .
(عَنْ جُنْدَبٍ)
وهو جندب بن عبد الله بن سفيان رضي الله عنه وقد أخرج ابن ماجة (61) من حديث جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، «فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا» والحديث في الصحيح المسند للشيخ مقبل رحمه الله
قوله "حَزَاوِرَةٌ": قال ابن الأثير في النهاية: (1/380): "هُوَ جَمْع حَزْوَرٍ وحَزَوَّرٍ، وَهُوَ الَّذِي قَارَبَ الْبُلُوغَ، وَالتَّاءُ لِتأنيث الْجَمْعِ". اهـ.

وهذا كما تذاكرنا مرارًا فيه التدرج في أخذ العلم، والبدء بعلم العقيدة قبل تعلم القرآن الكريم.
من فوائد الحديث:
- في هذا الحديث من الفوائد أن صلاة العيد قبل الخطبة.
- وفيه أن ذبح الأضحية يكون بعد صلاة العيد، فمن ذبح أضحيته قبل صلاة العيد فإنها لا تجزِئه. وقد روى البخاري (955)واللفظ له ومسلم (1961)عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الأَضْحَى بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَنَسَكَ نُسُكَنَا، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَإِنَّهُ قَبْلَ الصَّلاَةِ وَلاَ نُسُكَ لَهُ»، فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ خَالُ البَرَاءِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنِّي نَسَكْتُ شَاتِي قَبْلَ الصَّلاَةِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ اليَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي، فَذَبَحْتُ شَاتِي وَتَغَدَّيْتُ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الصَّلاَةَ، قَالَ: «شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ عِنْدَنَا عَنَاقًا لَنَا جَذَعَةً هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْنِ، أَفَتَجْزِي عَنِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ».
- هذا الحديث من الأدلة على محافظة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على تقديم ما قدَّمَه الله عزوجل .
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد(2/320) كَانَ-(أي النبي صلى الله عليه وعلى أله وسلم )- يُحَافِظُ عَلَى تَقْدِيمِ مَا
قَدَّمَهُ اللَّهُ، وَتَأْخِيرِ مَا أَخَّرَهُ .

كَمَا بَدَأَ بِالصَّفَا، وَقَالَ ( «أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» ) .

وَبَدَأَ فِي الْعِيدِ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ جَعَلَ النَّحْرَ بَعْدَهَا .
وَأَخْبَرَ أَنَّ ( «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَهَا، فَلَا نُسُكَ لَهُ» ) تَقْدِيمًا لِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] .

وَبَدَأَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِالْوَجْهِ، ثُمَّ الْيَدَيْنِ، ثُمَّ الرَّأْسِ، ثُمَّ الرِّجْلَيْنِ تَقْدِيمًا لِمَا قَدَّمَهُ اللَّهُ، وَتَأْخِيرًا لِمَا أَخَّرَهُ، وَتَوْسِيطًا
لِمَا وَسَّطَهُ .
وَقَدَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ تَقْدِيمًا لِمَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14]
[الْأَعْلَى: 13] وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ. اهـ.
- وفيه التسمية عند الذبيحة «وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ».
- وفيه تعليم الناس يوم العيد بعض أحكام العيد ففي الخطبة ينبغي أن يذكر لهم الخطيب شيئًا من أحكام وآداب العيد .والله أعلم.
**********************
7401 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، وَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ»
**********************
(حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضل بن دُكين.
(عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أبو عبد الرحمن.
وقد كان رضي الله عنه يأمر المحرمة بقطع الخفين عملًا بالعموم في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عندما سُئل عما يلبس المحرم فقال: (لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ وَلَا الْخُفَّيْنِ إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) متفق عليه .
فأخبرته زوجته صفية بنت أبي عبيد بأنه جاء الرخصة للمرأة المحرمة والحديث أخرجه أبوداود(1831)من طريق سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ «كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ يَعْنِي يَقْطَعُ الْخُفَّيْنِ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ» ثُمَّ حَدَّثَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ «رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْخُفَّيْنِ فَتَرَكَ ذَلِكَ» .
يقول الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (1600): هذا حديث حسنٌ .وصفية بنت أبي عبيد الثقفي لم يوثِّقْها معتبر ، ولكن قبول عبد الله بنِ عمر وعمله بروايتها يدل على أَنها
ثقةٌ عنده . اهـ .
وتقدم معنا وأعدناه للمذاكرة .

من فوائد الحديث:
- فيه النهي عن الحلف بغير الله عز وجل.
- وفيه مشروعية الحلف بأسماء الله وصفاته، وتقدم هذا في إثبات صفة العزة واسم العزيز.
ونعود إلى ترجمة الإمام البخاري في هذا الباب يقول: (بَابُ السُّؤَالِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى والِاسْتِعَاذَةِ بِهَا) في هذه الترجمة التوسل إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته وقد قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:180].
والتوسل قسمان:
- القسم الأول التوسل المشروع: وهو ثلاثة أقسام:
1- التوسل بأسماء الله وصفاته، ومنه حديث "اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ" البخاري (834،6326،7387)، مسلم (2705).
فيتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته في الدعاء.
ومنه حديث الاستخارة .
وحديث دعاء الاستفتاح كما أخرجه البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، قَوْلُكَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لاَ إِلَهَ لِي غَيْرُكَ».
وهذه الأدلة الثلاثة مضت معنا في أبوابها من هذا الكتاب ولله الحمد .
2- التوسل بالعمل الصالح، ومنه قصة الثلاثة النفر الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فتوسل كل منهم بعمله الصالح، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون. والقصة من حديث ابن عمر رضي الله عنه في صحيح البخاري وصحيح مسلم .
3- التوسل بدعاء الرجل الصالح، ومنه حديث «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا» قَالَ: فَيُسْقَوْنَ. البخاري(1010، 3710) من حديث أنس رضي الله عنه.
"وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا" أي: بدعاء عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وقد تذاكرنا أنه يجوز طلب الدعاء من الرجل الصالح الفاضل .
قال الصنعاني رحمه الله في تطهير الاعتقاد (ص 68-69)
(وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يطلبون الدعاءَ منه صلى الله عليه وسلم وهو حي، وهذا أمرٌ متفق على جوازه...) .
كان من الصحابة من يأتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويطلب الدعاء منه، وكان منهم من يصبر رغبة في الجنة، ومن هذا ما رواه البخاري في الأدب المفرد (1410) عن أبى هريرة: قال جاءت الحمى إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت: ابعثني إلى آثر أهلك عندك، فبعثها إلى الأنصار فبقيت عليهم ستة أيام ولياليهن فاشتد ذلك عليهم فأتاهم في ديارهم فشكوا ذلك إليه. فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يدخل دارًا دارًا وبيتًا بيتًا يدعو لهم بالعافية، فلما رجع تبعته امرأة منهم فقالت: والذي بعثك بالحق إني لمن الأنصار، وإن أبى لمن الأنصار، فادع الله لي كما دعوت للأنصار. قال: ما شئت، إن شئت دعوت الله أن يعافيك، وإن شئت صبرت ولك الجنة. قالت: بل أصبر، ولا أجعل الجنة خطرا. والحديث صحيح في الصحيح المسند.
فطلب الدعاء من الرجل الصالح يجوز لكن ينبغي ألا يُكثر من هذا. وينبغي أن يُلح صاحب الحاجة على ربه سبحانه؛ لأن الشدة والاضطرار من أسباب استجابة الدعاء كما قال الله: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل:62].
- القسم الثاني التوسل غير المشروع: وهو قسمان:
1- توسل شرك: هو أن يجعل المخلوق بينه وبين ربه واسطة يدعوه، ويذبح له، وغير ذلك من أنواع العبادة. وهذا هو الذي كان عليه شرك المشركين على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال سبحانه وتعالى عن المشركين: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر:3]. وقال: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [يونس:18].
2- توسل بدعة: وهو أن يتوسل بعمل فلان، وبجاه فلان. إما بجاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومنزلته، أو بعمل بعض الأولياء، وما أشبه ذلك. هذا بدعة ولا يصل إلى حد الشرك، ولكنه بدعة لم يفعله الصحابة رضوان الله عليهم. وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ» متفق عليه البخاري (2697) مسلم (1718) عن عائشة رضي الله عنها.
وقوله (والِاسْتِعَاذَةِ بِهَا)
أي: الاستعاذة بأسماء الله وصفاته قال سبحانه:﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾[النحل:98]. وقال سبحانه:﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ﴾[المؤمنون:97]. وقال سبحانه عن موسى:﴿وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ﴾[الدخان:20]. وقال سبحانه:﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ [الفلق:1]. وقال: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾[الناس:1].
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ" رواه مسلم (2708) عن خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ .
وحديث خولة فيه الاستعاذة بصفة من صفات الله وهو الكلام.
وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ بِاسْمِ اللهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ» والحديث في صحيح مسلم (2202). وجاء عند ابن ماجة (3522) بلفظ «أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ».
وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» والحديث رواه مسلم (486).
وهذه الأدلة فيها الاستعاذة بصفات الله .

الاستعاذة داخلة في الدعاء قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (15/ 227) فَالِاسْتِعَاذَةُ وَالِاسْتِجَارَةُ؛ وَالِاسْتِغَاثَةُ: كُلُّهَا مِنْ نَوْعِ الدُّعَاءِ أَوْ الطَّلَبِ وَهِيَ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ.اهـ .
ومن الأدلة على أن الاستعاذة دعاء ما أخرج الإمام مسلم في صحيحه (2739)عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ» .
وأخرج أبوداود في سننه(1551) عن شُتَيْرِ بْنِ شَكَلٍ، عَنْ أَبِيهِ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله علمني دعاء قال: "قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني ومن شر قلبي ومن شر منيي" . والحديث في الصحيح المسند للوادعي رحمه الله (1/255).
فتبين من هذا أن الاستعاذة دعاءٌ .
وقد بوب الإمام النجدي رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد: [باب من الشرك الاستعاذة بغير الله].
قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (15/227)وَقَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ - كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ - عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الِاسْتِعَاذَةُ بِمَخْلُوقِ وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اسْتَعَاذَ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَأَمَرَ بِذَلِكَ فَإِذَا كَانَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ خَيْرُ مُسْتَعَاذٍ يُسْتَعَاذُ بِهِ أَوْلَى.
وقال الشارح الشيخ سليمان في كتابه تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد ص 173) وقد أجمع العلماء على أنه لا تجوز الاستعاذة بغير الله.
وقيده في موضع سابق 25وقال في سياقه لذكربعض الشركيات: ومنها: الاستعاذة فيما لا يقدر عليه إلا الله.
وقد نقل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كلام شيخ الإسلام المذكور في كتابه القول المفيد (1/ 255)وتعقَّبه وقال : وهذا ليس على إطلاقه، بل مرادهم مما لا يقدر عليه إلا الله، لأنه لا يعصمك من الشر الذي لا يقدر عليه إلا الله، سوى الله.
وقال رحمه الله : وعلى هذا، فكلام الشيخ رحمه الله-أي شيخ الإسلام- في قوله: "إن الأئمة لا يجوزون الاستعاذة بمخلوق" مقيد بما لا يقدر عليه إلا الله، ولولا أن النصوص وردت بالتفصيل لأخذنا الكلام على إطلاقه، وقلنا: لا يجوز الاستعاذة بغير الله مطلقا.اهـ .
ومن الأدلة على جواز الاستعاذة بالمخلوق فيما يقدر عليه قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «سَتَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ» البخاري (7081،7082،3601) مسلم (2886)عن أبي هريرة .
وفي صحيح مسلم (1689)عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ، فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» ، فَقُطِعَتْ .
فاستفدنا تفصيلًا في المسألة: إذا كان فيما لا يقدر عليه المخلوق فهذا من الشرك، مثل أن يستعيذ بالميت، أو يستعيذ بالجن قال سبحانه: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن:6]. الاستعاذة بالحي فيما لا يقدر عليه أيضًا من الشرك.
وهكذا قول: أعوذ بالله وبك هذا شرك فإن الواو تفيد التساوي بين الخالق والمخلوق .
وله أن يقول فيما يقدر عليه المخلوق : أعوذ بالله ثم بك .
ومن خاف من عدو أو من حيوان فلجأ إلى من يحميه فهذا جائز. «فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ».
هذا ومن الأدب ومن تمام التوحيد أنه يعاذُ من استعاذَ بالله لما أخرج أبو داود في سننه (1672) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ. والحديث في الصحيح المسند للوالدرحمه الله (1/361).
والمراد فيما لا يخالف الشرع وفيما لا يكون فيه ضرر.
وفي صحيح البخاري (5254) عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ ابْنَةَ الجَوْنِ، لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَنَا مِنْهَا، قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ لَهَا: «لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الحَقِي بِأَهْلِكِ».
وسُئل الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله عن المرأة إذا قالت لزوجها: أعوذ بالله منك هل يطلقها؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طلق ابنة الجون، فقال رحمه الله: إن أحب أن يطلقها طلقها. يعني ما يلزمُه.
**********************
قال الإمام البخاري رحمه الله:
بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ وَأَسَامِي اللَّهِ
وَقَالَ خُبَيْبٌ: «وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ فَذَكَرَ الذَّاتَ بِاسْمِهِ تَعَالَى»
7402 - حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ، حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةً»، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ، فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ، أَنَّ ابْنَةَ الحَارِثِ، أَخْبَرَتْهُ، أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ، قَالَ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ:
وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
فَقَتَلَهُ ابْنُ الحَارِثِ، «فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ يَوْمَ أُصِيبُوا»

**********************
(فَذَكَرَ الذَّاتَ بِاسْمِهِ تَعَالَى)أي: أقام الذات مقام الاسم. قال: وذلك في ذات الإله.
قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافع.
(أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) ابن أبي حمزة.
(عَنِ الزُّهْرِيِّ)
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله الشهير بابن شهاب. القائل: (إعادة الحديث أشد علي من نقل الصخر)، والقائل: (أكل التفاح يورث النسيان).
طالب العلم لابد أن يجاهد نفسه حتى في المأكولات، الحمضيات تضعف الحافظية، الزهري رحمه الله يتجنب ما يضعف حفظه. وكان يأكل الزبيب ليقوي حفظه ويشرب العسل. وكان يذاكر- حياتهم متجهة إلى العلم - يذاكر ليثبت محفوظاته.
وثبت في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع أن الزهري كان يكتب العلم عن عروة وغيره، فيأتي جارية له نائمة فيوقظها فيقول لها: حدثني فلان وفلان بكذا، فتقول: ما لي ولهذا؟ فيقول: قد علمت أنك لا تنتفعين به، ولكن سمعت الآن فأردت أن أستذكره.
الإمام الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ذكر عدة أنواع في المذاكرة:
1- الْمُذَاكَرَةُ مَعَ الشُّيُوخِ وَذَوِي الْأَسْنَانِ.
2- الْمُذَاكَرَةُ مَعَ الْأَقْرَانِ وَالْأَتْرَابِ .
3- مُذَاكَرَةُ الْحَدِيثِ مَعَ عَامَّةِ النَّاسِ .
4- مُذَاكَرَةُ الطَّلَبَةِ بِالْحَدِيثِ بَعْدَ حِفْظِهِ لِيَثْبُتَ .
وقوله (موسى يستحد بها)
الآلة التي يستحد بها.
الحديث له قصة طويلة في بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لخبيب .
وقد ذكر الحافظ ابن كثير في الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم 121هذا البعث وقال :ثم بعث صلى الله عليه وسلم بعد أُحُد بعث الرجيع، وذلك في صفر من السنة الرابعة ثم ذكر الكلام عليها .
وقد اقتصر الإمام البخاري على ذكر الشاهد منه هو إثبات الذات لله عز وجل، ومن أدلة المسألة قول النبي (لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُهُ (إِنِّي سَقِيمٌ) وَقَوْلُهُ (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا)... الحديث) أخرجه البخاري (3179) ومسلم (2371) .

والله أعلم .










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-26, 10:31   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
ابو معاد الجزائري
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

كثر الاستهزاء ‫#‏باللحية‬ وتقصير الثوب والسواك والنقاب وغير ذالك مما ورد عنه صلى الله عليه وسلم..
.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى :
‫#‏الاستهزاء‬ من أقبح الكبائر، من أقبح الشرور، لا يجوز الاستهزاء بالمسلم فيما فعله من ‫#‏الشرع‬، وإذا استهزأ بالدين، قصده أن هذا الشرع ليس بشيء، أو أنه هرئ صار كافراً نعوذ بالله، يقول الله -جل وعلا-: (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (65-66) سورة التوبة. فالاستهزاء بالصلاة، أو ‫#‏باللحى‬، أو بالمسلمين، أو بالصيام، أو بالحج يكون كفر ردة عن الإسلام إذا كان قصده الاستهزاء بالشرع، أما إذا كان قصده الإنسان نفسه وليس قصده اللحية، بل الاستهزاء بمشيته، أو سوء تصرف هذا لا يجوز لكن ما يكون كفراً، أما إذا كان قصده ‫#‏استنكار_اللحية‬ ، استقباح عمله، أو استقباح الإسبال، هذا كفر؛ لأنه استهزاء بالشرع، فالواجب الحذر من هذا الأمر العظيم؛ لأنه خطير، يجب الحذر منه فلا يجوز الاستهزاء بشيء من الشرع لا #باللحى ولا بمنع الإسبال، ولا بالصلاة، ولا بالصوم ولا بغير ذلك، يجب على المؤمن أن يخضع لشرع الله و أن يؤمن به وأن يعظمه، وأن لا يستهزئ به، نسأل الله العافية.
.
📚 فتاوى نور على الدرب










رد مع اقتباس
قديم 2016-03-06, 08:30   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الدرس السادس عشر من كتاب التوحيد من صحيح البخاري 23/من جمادى الأُولى 1437.


بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمامُ البخاري رحمه الله
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران: 28]. وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ [المائدة: 116].
7403 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ المَدْحُ مِنَ اللَّهِ».

********************
(حَدَّثَنَا أَبِي)
حفص بن غياث
(حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ)
الأعمش: سليمان بن مهران أبو محمد الكوفي. كان الأغنياء أحقر ما يكون في مجلسه. وقد تقدم معنا شيءٌ عنه، وأنه كان فقيرًا صبورًا زاهدًا، وأنه كان عسرًا في الحديث.
وأخرج عبدالله بن أحمد في «زوائد العلل» (2/2549) من طريق أبي خالدٍ الأحمر قال: كنَّا عند الأعمش فسألوه عن حديث، فقال لابن المختار: ترى أحدًا من أصحاب الحديث؟ فغمض عينه، قال: ما أرى أحدًا يا أبا محمد فحدث به.
هذا أثر حسن من أجل أبي خالد الأحمر فإنه حسن الحديث .
وأخرجه البغوي في «زوائد الجعديات» (801) سندًا ومتنًا.
وقوله ( لم أر أحدًا) هذا من المعاريض استعملها ذلك الطالب ليأخذ الحديث .
ومن الآثار الثابتة عنه ما أخرج الخطيب في شرف أصحاب الحديث: أنه مَرَّ رَجُلٌ بِالْأَعْمَشِ، وَهُوَ يُحَدِّثُ، فَقَالَ لَهُ: تُحَدِّثُ هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانَ؟ فَقَالَ الْأَعْمَشُ: «هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانُ يَحْفَظُونَ عَلَيْكَ دِينَكَ». وهذا من الاهتمام بتعليم الصغار وأنهم يحفظ الله بهم الدين.
ومن آثار الأعمش الثابتة ما ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ [الجن:11]: من طريق أَبي مُعَاوِيَةَ قَالَ: سمعتُ الْأَعْمَشَ يَقُولُ: تَرَوَّحَ إِلَيْنَا جِنِّيٌّ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَيْكُمْ؟ فَقَالَ الْأُرْزَ. قَالَ: فَأَتَيْنَاهُمْ بِهِ، فَجَعَلْتُ أَرَى اللُّقَمَ تُرْفَعُ وَلَا أَرَى أَحَدًا. فَقُلْتُ: فِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ الَّتِي فِينَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَمَا الرَّافِضَةُ فِيكُمْ؟ قَالَ: شَرُّنَا.
(عَنْ شَقِيقٍ)
شقيق بن سلمة أبو وائل ، تقدم أن الحافظ رحمه الله تعالى قال عنه: مشهور بكنيته واسمه.
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ)
أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل، عرفناه بتلميذه، وإلا فهناك عبادلة غيره يروون عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
- الحديث ليس فيه التصريح بموضع الشاهد ولكن فيه إشارة إلى ما جاء في بعض طرق الحديث (فَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ)وهو عند البخاري (4624) ومسلم (2760). وقد نبَّه على ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في الشرح فبعد أن ذكر ما وقع من الاستشكال لبعضهم في ذكر الحديث تحت هذا الباب الذي معنا في إثبات صفة النفس لله عزوجل قال: ( وَكُلُّ هَذَا غَفْلَةٌ عَنْ مُرَادِ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّ ذِكْرَ النَّفْسِ ثَابِتٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدَهُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقَعْ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ لَكِنَّهُ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ كَعَادَتِهِ فَقَدْ أَوْرَدَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ بِلَفْظِ لَا شَيْءَ وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ بِلَفْظِ وَلَا أَحَدَ ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ وَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الْمُطَابِقُ لِلتَّرْجَمَةِ وَقَدْ كَثُرَ مِنْهُ أَنْ يُتَرْجِمَ بِبَعْضِ مَا وَرَدَ فِي طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُورِدُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَدْرُ مَوْجُودًا فِي تِلْكَ التَّرْجَمَةِ) .اهـ.
وقد حيَّر بعض تراجم الإمام البخاري رحمه الله بعض العلماء. وجزى الله الحافظ ابن حجر رحمه الله خيرًا على هذا الشرح العظيم وعلى حلِّه وفكِّه للإشكالات . ويقول الشيخ الوالدمقبل رحمه الله: إن الحافظ بن حجر وضع نفسه موضع المدافع عن صحيح البخاري .
في هذا الحديث من الفوائد:
- إثبات صفة الغيرة لله عز وجل، وسيأتي لهذه الصفة باب مستقل عند البخاري إن شاء الله بعد أربعة أبواب.
- وقوله (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ) أي: من أجل غيرة الله حرم الفواحش وفي الصحيحين البخاري (7416) مسلم (1499) عَنِ المُغِيرَةِ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ المُبَشِّرِينَ وَالمُنْذِرِينَ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ المِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الجَنَّةَ».
وفي الجمع بين الغيرة والعذرفي هذا الحديث فائدة ذكرها ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي (67) وقال:فَجَمَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَ الْغَيْرَةِ الَّتِي أَصْلُهَا كَرَاهَةُ الْقَبَائِحِ وَبُغْضُهَا، وَبَيْنَ مَحَبَّةِ الْعُذْرِ الَّذِي يُوجِبُ كَمَالَ الْعَدْلِ وَالرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ - مَعَ شِدَّةِ غَيْرَتِهِ - يُحِبُّ أَنْ يَعْتَذِرَ إِلَيْهِ عَبْدُهُ، وَيَقْبَلُ عُذْرَ مَنِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُ عَبِيدَهُ بِارْتِكَابِ مَا يَغَارُ مِنَ ارْتِكَابِهِ حَتَّى يَعْذُرَ إِلَيْهِمْ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَرْسَلَ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ إِعْذَارًا وَإِنْذَارًا، وَهَذَا غَايَةُ الْمَجْدِ وَالْإِحْسَانِ، وَنِهَايَةُ الْكَمَالِ.
فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ تَشْتَدُّ غَيْرَتُهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ تَحْمِلُهُ شِدَّةُ الْغَيْرَةِ عَلَى سُرْعَةِ الْإِيقَاعِ وَالْعُقُوبَةِ مِنْ غَيْرِ إِعْذَارٍ مِنْهُ، وَمِنْ غَيْرِ قَبُولٍ لِعُذْرِ مَنِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، بَلْ يَكُونُ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عُذْرٌ وَلَا تَدَعُهُ شِدَّةُ الْغَيْرَةِ أَنْ يَقْبَلَ عُذْرَهُ، وَكَثِيرٌ مِمَّنْ يَقْبَلُ الْمَعَاذِيرَ يَحْمِلُهُ عَلَى قَبُولِهَا قِلَّةُ الْغَيْرَةِ حَتَّى يَتَوَسَّعَ فِي طُرُقِ الْمَعَاذِيرِ، وَيَرَى عُذْرًا مَا لَيْسَ بِعُذْرٍ، حَتَّى يَعْتَذِرَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِالْقَدَرِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ مَمْدُوحٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَإِنَّمَا الْمَمْدُوحُ اقْتِرَانُ الْغَيْرَةِ بِالْعُذْرِ، فَيَغَارُ فِي مَحِلِّ الْغَيْرَةِ، وَيَعْذُرُ فِي مَوْضِعِ الْعُذْرِ، وَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَهُوَ الْمَمْدُوحُ حَقًّا.اهـ المراد.
(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ)
فيه تحريم الفواحش. والفواحش: جمع فاحشة، وهو ما اشتد وقبح من الذنوب. فالفواحش هي من عظائم الذنوب وقد قال بعض العلماء: الفواحش المعاصي كلها، وهذا غير صحيح ،فإن ربنا سبحانه يذكر الذنوب ويفرد الفواحش بالذكر مما يدل أن لها معنى خاصًا قال سبحانه{ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } وقال سبحانه { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }. ، ومن الفواحش فاحشة الزنا قال سبحانه: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء:32]. ونكاح زوجة الأب: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [النساء:22]. ومن الفواحش قتل النفس التي حرم الله بغير حق. والشيطان يؤزُّ الناسَ، ويدفعهم إلى الفواحش كما قال سبحانه: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة:268]. وقال: ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:169]. وهذا من جملة عداوة الشيطان وكيده.
ومما يحفظ من الفواحش تقوى الله عز وجل، والصلاة كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت:45]. والمراد بالصلاة الصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهذه هي التي تقي وتحفظ من الوقوع في الفحشاء. فمن أعظم الأسباب في اتقاء الفواحش الصلاة كما صلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا مما يبيِّن أهمية تعلم كيفية الصلاة؛ لأن من ثمار الصلاة على الوجه المشروع أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، المنكر: ما أنكره الشرع.
(حَرَّمَ الفَوَاحِشَ)التحريم قسمان: تحريم كوني قدري ومنه قوله تعالى: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء:95]. وتحريم شرعي ديني ومنه قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ...﴾ [النساء:23]. وقوله عز وجل: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة: 3]. وقوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام:145]. وقد ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل.
(وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ المَدْحُ مِنَ اللَّهِ)
فيه إثبات صفة المحبة لله عز وجل. والذين أوَّلُوا صفة المحبة قالوا: لأن المحبة رقة في القلب. فقاسوا صفات الخالق بصفات المخلوق، ولذلك أوَّلوا صفة المحبة وقالوا: هي إرادة الثواب والجزاء. والواجب إثباتها كما يليق بجلال الله وعظمته ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11].
"والقول في الصفات كالقول في الذات" وهذه قاعدة في محاجَّة ومناقشة منكري الصفات. أي: كما أثبتم لله ذاتًا، وقلتم لا تشبه ذات المخلوقين فكذلك يقال في الصفات؛ لأن القول في الصفات كالقول في الذات.
-تعريف المدح: قال ابن القيم في بدائع الفوائد (2/92) المخبِر عن محاسن الغير إما أن يقترن بإخباره حب له وإجلال أو لا فإن اقترن به الحب فهو الحمد وإلا فهو المدح اهـ .
عرفنا أن المدح قد يكون مقرونًا بمحبة، وقد يكون من غير محبة، مثل من يتزلف بالمدح للأثرياء والأمراء وهو يبغضهم، هذا يقال له مدح. أما الحمد: فهو الإخبار بمحاسن المحمود، ويكون مقرونًا بالمحبة والإجلال. ولهذا يقول أهل العلم (كل حمدٍ مدح وليس كلُّ مدح حمدًا)
إذا مدح أسدًا من الأسود هذا يقال له مدح؛ لأنه غير مقرون بمحبة. وأيضًا الحمد يكون علي الصفات الاختيارية.
وهنا مسألةٌ :يقول بعضهم إذا كان الله عز وجل يحب المدح فلماذا نحن لا نحب المدح؟
قال المباركفوري رحمه الله في تحفة الأحوذي (9/ 357): وَحُبُّ اللَّهِ الْمَدْحَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُعْقَلُ مِنْ حُبِّ الْمَدْحِ وَإِنَّمَا الرَّبُّ أَحَبَّ الطَّاعَاتِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَدْحُهُ لِيُثِيبَ عَلَى ذَلِكَ فَيَنْتَفِعَ الْمُكَلَّفُ لَا لِيَنْتَفِعَ هُوَ بِالْمَدْحِ وَنَحْنُ نُحِبُّ الْمَدْحَ لِنَنْتَفِعَ وَيَرْتَفِعَ قَدْرُنَا فِي قَوْمِنَا .
فَظَهَرَ مِنْ غَلَطِ الْعَامَّةِ قَوْلُهُمْ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْمَدْحَ فَكَيْفَ لَا نُحِبُّهُ نَحْنُ فَافْهَمْ .اهـ.
علمنا أن االله عز وجل يحب المدح لا لينتفع بذلك، ولكن لمصلحة العبد نفسه؛ ولهذا في الصحيحين «... وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الجَنَّةَ» قال النووي في شرح صحيح مسلم شرح حديث المغيرة : وَمَعْنَى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الْجَنَّةَ) أَنَّهُ لَمَّا وَعَدَهَا وَرَغَّبَ فِيهَا كثر سؤال العباد إياها منه وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ .وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فلأجل أن يتقرب العباد إلى الله بالأعمال الصالحة، ويثنوا على الله فيحصل لهم النفع. بخلاف العبد فإنه يحب المدح ليرتفع، وليكون له منزلة ،وهذا ضرر في حق العبد؛ ولهذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ، فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمِ التُّرَابَ» رواه مسلم (3002). وسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي المِدْحَةِ فَقَالَ: «أَهْلَكْتُمْ، أَوْ: قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ».رواه البخاري (2663،6060) مسلم (3001). فالمدح ومحبته عرضة للفتنة وللغرور والعجب، وقد نهى ربنا سبحانه عن مدح الإنسان نفسه فقال: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم:32]. وهذا لغير الحاجة، أما إذا احتاج الإنسان إلى تزكية نفسه ومدحها فهذا جائز،قال تعالى عن نبيه يوسف {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية : ﻣَﺪَﺡَ ﻧَﻔْﺴَﻪُ، ﻭَﻳَﺠُﻮﺯُ ﻟِﻠﺮَّﺟُﻞِ ﺫَﻟِﻚَ ﺇِﺫَا ﺟُﻬِﻞ ﺃَﻣْﺮُﻩُ، ﻟِﻠْﺤَﺎﺟَﺔِ. ﻭَﺫَﻛَﺮَ ﺃَﻧَّﻪُ {ﺣَﻔِﻴﻆٌ} ﺃَﻱْ: ﺧَﺎﺯِﻥٌ ﺃَﻣِﻴﻦٌ، {ﻋَﻠِﻴﻢٌ} ﺫُﻭ ﻋِﻠْﻢٍ ﻭﺑﺼﺮَ ﺑِﻤَﺎ ﻳَﺘَﻮَﻻَّﻩُ .اهـ.
وقد جاء أن عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ، وَلاَ أَنْشُدُ إِلَّا أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ»؟ فَحَفَرْتُهَا، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ»؟ فَجَهَّزْتُهُمْ، قَالَ: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ وَقَالَ عُمَرُ فِي وَقْفِهِ: «لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَقَدْ يَلِيهِ الوَاقِفُ وَغَيْرُهُ فَهُوَ وَاسِعٌ لِكُلٍّ» رواه البخاري (2778). فإذا احتاج الإنسان إلى تزكية نفسه جازله ذلك.
- ومما يناسب ذكره في هذا ما جاء عن الإمام مالك بن أنس فيما أخرجه أبونعيم رحمه الله في حلية الأولياء(6/ 321 )ترجمة مالك من طريق إِبْرَاهِيمَ الْحِزَامِيِّ، ثَنَا مُطَرِّفٌ، قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيَّ؟ قُلْتُ: أَمَّا الصَّدِيقُ فَيُثْنِي وَأَمَّا الْعَدُوُّ فَيَقَعُ، قَالَ: مَا زَالَ النَّاسُ كَذَا لَهُمْ صَدِيقٌ وَعَدُوٌّ وَلَكِنْ نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ تَتَابُعِ الْأَلْسِنَةِ كُلِّهَا .
ومطرف :ابن عبدالله اليساري بالتحتانية والمهملة المفتوحتين أبو مصعب المدني ابن أخت مالك ثقة لم يصب ابن عدي في تضعيفه كما في تقريب التهذيب .
وكان الوالد الشيخ مقبل من ضمن ما يذكر في ترجمة مالكٍ هذا الأثر .
********************
7404 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى العَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي» .
********************
(حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) عبد الله بن عثمان بن جبلة.
(عَنْ أَبِي حَمْزَةَ) وهو محمد بن ميمون السكري.
(عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان السمَّان.
- في هذا الحديث أن الخالق للكون هو الله عز وجل ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ [فاطر:3]. وهذا داخل في توحيد الربوبية، توحيد الربوبية: إفراد الله بالملك والخلق والتدبير.
- وفيه إثبات صفة الكتابة لله عز وجل، وفي البخاري(6614) ومسلم (2652) من حديث أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلاَمِهِ، وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى " ثَلاَثًا .
وفي سنن أبي داود(4701) بلفظ (وَخَطَّ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ) .
(فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى) أي: غلبه بالحجة.
والكتابة قسمان: كتابة كونية قدرية، وكتابة شرعية دينية.
الكونية القدرية: مثل قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء:105]. وقوله تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة:21].
والكتابة الشرعية كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183]. وقوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء:23،24]. وقد ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل (281).
صفة الكتابة صفة فعلية يكتب الله متى شاء، وفيما شاء سبحانه. فالكتابة تتعلق بالإرادة والمشيئة.
- وفيه الإيمان بالعرش، والعرش سقف الجنة كما في صحيح البخاري (7423) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «... فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ».
(فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ) هذا إرشاد أننا إذا سألنا الله عز وجل الجنة نسأله الفردوس الأعلى. وجاءت أدلة في سؤال الله عز وجل الجنة بدون ذكر الفردوس، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ اللهَ الْجَنَّةَ ثَلَاثًا، قَالَتِ الْجَنَّةُ: اللهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ اسْتَعَاذَ بِاللهِ مِنَ النَّارِ ثَلَاثًا، قَالَتِ النَّارُ: اللهُمَّ أَعِذْهُ مِنَ النَّارِ». مسند الإمام أحمد (13173).
(فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ) أي: خيار الجنة.
(وَأَعْلَى الجَنَّةِ) الفردوس أعلى الجنة. وفوق الفردوس العرش، وفوق العرش الرحمن سبحانه وتعالى. قال الله عز وجل: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:5]. نؤمن بذلك وهذا من نعمة الله الاستسلام والإيمان بما يدلُّ عليه شرعنا ولا نحكِّم العقل، العقل لا دخل له في الأحكام الشرعية .
المبتدعة مثل الجهمية والمعتزلة ينكرون العرش، ويقولون: المراد به المُلْك من أجل أن يفروا من إثبات صفة العلو لله عز وجل.
العرش من أوصافه العظيمة أن الله عز وجل قال فيه: ﴿وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبة:129]، وقال: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون:116]، وقال سبحانه: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ [85:15]، المجيد:هو الشرف والكرم. وهذه صفات عظيمة لعرش الرحمن. وهو من أعظم مخلوقات الله عز وجل، فالعرش مربوب مخلوق لله عز وجل وداخل في جملة قوله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر:49]. واستدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بالحديث الذي رواه مسلم في صحيحه (2726) عَنْ جُوَيْرِيَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: «مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ»على أَنَّ زِنَةَ الْعَرْشِ أَثْقَلُ الْأَوْزَانِ. مجموع الفتاوى (6/ 553) .
وقد سألتُ الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله عن وجه الاستنباط من الحديث فقال: لأنه ذكر العرش دون غيره . والله أعلم.
(وَهُوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى العَرْشِ)
فيه إثبات صفة العلو لله عز وجل؛ لأن الله عز وجل مستوٍ على عرشه .ومن أسماء الله عز وجل العلي قال سبحانه: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ:23] وقال {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} .ومن أسمائه الأعلى قال تعالى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} . وعلو الله عز وجل يشمل علو الذات وعلو القهر وعلو القدر.
- علو الذات: الله عز وجل عالٍ على خلقه بائنٌ عنهم ،ومع علوه فهو لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء .
- علو القهر: ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾[يوسف:21]. علو القهر والغلبة لله عز وجل: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام:18] فنواصي الخلق كلهم تحت قهره وملكوته وتدبيره وتصرفه سبحانه .
-علوالقدرأي علو القدر والمكانة وهذا هو علو الصفات فلا يماثل صفاته شيء من صفات المخلوقين ،بل ولا نحيط بها { وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } .
والمبتدعة لا يثبتون من العلو إلا علو القهر وعلوالقدر أما علو الذات فينفونه لأنهم لا يؤمنون بعلوالله عزوجل .
وقد قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين (1/ 55): وَكَذَلِكَ اسْمُ الْعَلِيِّ، وَاسْمُ الْحَكِيمِ وَسَائِرُ أَسْمَائِهِ، فَإِنَّ مِنْ لَوَازِمِ اسْمِ الْعَلِيِّ الْعُلُوَّ الْمُطْلَقَ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ، فَلَهُ الْعُلُوُّ الْمُطْلَقُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ: عُلُوُّ الْقَدْرِ، وَعُلُوُّ الْقَهْرِ، وَعُلُوُّ الذَّاتِ، فَمَنْ جَحَدَ عُلُوَّ الذَّاتِ فَقَدْ جَحَدَ لَوَازِمَ اسْمِهِ الْعَلِيِّ.اهـ.
فالله عزوجل له العلو المطلق من جميع الوجوه وهي علو الذات ،وعلوالقهر،وعلوالقدر .
- وفيه إثبات صفة الرحمة لله (إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي).
- في هذا الحديث شبهة لمن قال بفناء النار، قالوا: رحمة الله واسعة، ورحمة الله تغلب غضبه، فلا يمكن أن يبقي أهل النار مخلدين فيها. ولكن الأدلة متكاثرة في خلود أهل النار، وبقاء النار مثل قوله: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [المائدة:37]. ﴿وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ [البقرة:167]. وقول الله عن أهل النار: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الأحزاب:65]. وفي صحيح البخاري (4730) وصحيح مسلم (2849) عن أبي سعيدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، ثُمَّ يُنَادِي: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: وهَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ﴾ [مريم: 39]، وَهَؤُلاَءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا ﴿وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ [مريم: 39]». هناك رسالة للإمام الصنعاني رحمه الله (رفع الأستار في إبطال أدلة القائلين بفناء النار). وهذه الرسالة ذكر فيها الإمام الصنعاني رحمه الله الشبه الواردة في هذه المسألة، وردَّ عليها.
- فيه إثبات صفة الغضب لله عز وجل كما يليق بالله سبحانه: ﴿فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [البقرة:90]. ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ [المائدة:60]. وفي الصحيحين البخاري (1712) مسلم (149) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في قصة إثبات الشفاعة الطويل: «... إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ...».
منكرو الصفات يؤولون هذه الصفة، ويقولون: غضب الله هو إرادة الانتقام. قالوا: لأن الغضب فَوَران الدم، قالوا: وهذا مستحيل في حق الله عز وجل، ولكن كما تقدم لا يقاس صفات الخالق بصفات المخلوق.
********************
7405 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» .
********************
(حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ) ابن غياث، هو المتقدم.
- هذا الحديث من الأحاديث القدسية التي يرويها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ربه.
وفيه من الفوائد
الحث على حسن الظن بالله عز وجل (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) .وأخرج أحمد في مسنده (16016) عن واثلةَ بنِ الأسقع سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ " .
والحديث صحيح .وهو في الصحيح المسند لوالدي رحمه الله (2/243) .
ومن تمام التوحيد حسن الظن بالله.
وسوء الظن بالله عز وجل من صفات المنافقين، ونقص في التوحيد قال الله عز وجل في المنافقين: ﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾ [الفتح:6].
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي 138: أَنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ إِسَاءَةُ الظَّنِّ بِهِ، فَإِنَّ الْمُسِيءَ بِهِ الظَّنَّ قَدْ ظَنَّ بِهِ خِلَافَ كَمَالِهِ الْمُقَدَّسِ، وَظَنَّ بِهِ مَا يُنَاقِضُ أَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ، وَلِهَذَا تَوَعَّدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الظَّانِّينَ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ بِمَا لَمْ يَتَوَعَّدْ بِهِ غَيْرَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [سُورَةُ الْفَتْحِ: 6] .
وَقَالَ تَعَالَى لِمَنْ أَنْكَرَ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 23] .
قَالَ تَعَالَى عَنْ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: {مَاذَا تَعْبُدُونَ - أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ - فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصَّافَّاتِ: 85 - 87] .
أَيْ فَمَا ظَنُّكُمْ أَنْ يُجَازِيَكُمْ بِهِ إِذَا لَقِيتُمُوهُ وَقَدْ عَبَدْتُمْ غَيْرَهُ؟ وَمَا ظَنَنْتُمْ بِهِ حِينَ عَبَدْتُمْ مَعَهُ غَيْرَهُ؟
وَمَا ظَنَنْتُمْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ مِنَ النَّقْصِ حَتَّى أَحْوَجَكُمْ ذَلِكَ إِلَى عُبُودِيَّةِ غَيْرِهِ؟ فَلَوْ ظَنَنْتُمْ بِهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ مِنْ أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ قَائِمٌ بِالْقِسْطِ عَلَى خَلْقِهِ، وَأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَالْعَالِمُ بِتَفَاصِيلِ الْأُمُورِ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَالْكَافِي لَهُمْ وَحْدَهُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مُعِينٍ، وَالرَّحْمَنُ بِذَاتِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ فِي رَحْمَتِهِ إِلَى مَنْ يَسْتَعْطِفُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الرُّؤَسَاءِ، فَإِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَى مَنْ يُعَرِّفُهُمْ أَحْوَالَ الرَّعِيَّةِ وَحَوَائِجَهُمْ، وَيُعِينُهُمْ إِلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ، وَإِلَى مَنْ يَسْتَرْحِمُهُمْ وَيَسْتَعْطِفُهُمْ بِالشَّفَاعَةِ، فَاحْتَاجُوا إِلَى الْوَسَائِطِ ضَرُورَةً، لِحَاجَتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ وَعَجْزِهِمْ وَقُصُورِ عِلْمِهِمْ.
فَأَمَّا الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الْغَنِيُّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ، فَإِدْخَالُ الْوَسَائِطِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ نَقْصٌ بِحَقِّ رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَظَنٌّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَهَذَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَشْرَعَهُ لِعِبَادِهِ، وَيَمْتَنِعُ فِي الْعُقُولِ وَالْفِطَرِ جَوَازُهُ، وَقُبْحُهُ مُسْتَقِرٌّ فِي الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ فَوْقَ كُلِّ قَبِيحٍ. اهـ المراد.
وقد ذكر ابن القيم مع ما ذُكِر أنواعِا من سوء الظن بالله في زاد المعاد (3/ 205) نذكر منها ما يلي :
مَنْ ظَنَّ بِأَنَّهُ لَا يَنْصُرُ رَسُولَهُ، وَلَا يُتِمُّ أَمْرَهُ، وَلَا يُؤَيِّدُهُ وَيُؤَيِّدُ حِزْبَهُ، وَيُعْلِيهِمْ وَيُظْفِرُهُمْ بِأَعْدَائِهِ، وَيُظْهِرُهُمْ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ لَا يَنْصُرُ دِينَهُ وَكِتَابَهُ، وَأَنّهُ يُدِيلُ الشِّرْكَ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَالْبَاطِلَ عَلَى الْحَقِّ إدَالَةً مُسْتَقِرَّةً يَضْمَحِلُّ مَعَهَا التَّوْحِيدُ وَالْحَقُّ اضْمِحْلَالًا لَا يَقُومُ بَعْدَهُ أَبَدًا، فَقَدْ ظَنَّ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَنَسَبَهُ إِلَى خِلَافِ مَا يَلِيقُ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ وَصِفَاتِهِ وَنُعُوتِهِ .
أَكْثَرُ النَّاسِ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ السَّوْءِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِمْ وَفِيمَا يَفْعَلُهُ بِغَيْرِهِمْ، وَلَا يَسْلَمُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا مَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَعَرَفَ أَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ، وَعَرَفَ مُوجِبَ حَمْدِهِ وَحِكْمَتِهِ، فَمَنْ قَنَطَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَأَيِسَ مِنْ رَوْحِهِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ جَوَّزَ عَلَيْهِ أَنْ يُعَذِّبَ أَوْلِيَاءَهُ مَعَ إحْسَانِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ وَيُسَوِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنْ يَتْرُكَ خَلْقَهُ سُدًى مُعَطَّلِينَ عَنِ الْأَمْرِ وَالنَّهْي، وَلَا يُرْسِلَ إلَيْهِمْ رُسُلَهُ، وَلَا يُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كُتُبَهُ، بَلْ يَتْرُكُهُمْ هَمَلًا كَالْأَنْعَامِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَنْ يَجْمَعَ عَبِيدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِي دَارٍ يُجَازِي الْمُحْسِنَ فِيهَا بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، وَيُبَيِّنَ لِخَلْقِهِ حَقِيقَةَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَيُظْهِرَ لِلْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ صِدْقَهُ وَصِدْقَ رُسُلِهِ، وَأَنَّ أَعْدَاءَهُ كَانُوا هُمُ الْكَاذِبِينَ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يُضَيِّعُ عَلَيْهِ عَمَلَهُ الصَّالِحَ الَّذِي عَمِلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَيُبْطِلُهُ عَلَيْهِ بِلَا سَبَبٍ مِنَ الْعَبْدِ، أَوْ أَنَّهُ يُعَاقِبُهُ بِمَا لَا صُنْعَ فِيهِ وَلَا اخْتِيَارَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ وَلَا إرَادَةَ فِي حُصُولِهِ، بَلْ يُعَاقِبُهُ عَلَى فِعْلِهِ هُوَ سُبْحَانَهُ بِهِ، أَوْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَيِّدَ أَعْدَاءَهُ الْكَاذِبِينَ عَلَيْهِ بِالْمُعْجِزَاتِ الَّتِي يُؤَيِّدُ بِهَا أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ، وَيُجْرِيَهَا عَلَى أَيْدِيهِمْ يُضِلُّونَ بِهَا عِبَادَهُ، وَأَنَّهُ يَحْسُنُ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى تَعْذِيبُ مَنْ أَفْنَى عُمْرَهُ فِي طَاعَتِهِ فَيُخَلِّدُهُ فِي الْجَحِيمِ أَسْفَلَ السَّافِلِينَ، وَيُنَعِّمُ مَنِ اسْتَنْفَدَ عُمُرَهُ فِي عَدَاوَتِهِ وَعَدَاوَةِ رُسُلِهِ وَدِينِهِ، فَيَرْفَعُهُ إِلَى أَعْلَى عِلِّيِّينَ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ عِنْدَهُ فِي الْحُسْنِ سَوَاءٌ، وَلَا يُعْرَفُ امْتِنَاعُ أَحَدِهِمَا وَوُقُوعُ الْآخَرِ إلَّا بِخَبَرٍ صَادِقٍ، وَإِلَّا فَالْعَقْلُ لَا يَقْضِي بِقُبْحِ أَحَدِهِمَا وَحُسْنِ الْآخَرِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ بِمَا ظَاهِرُهُ بَاطِلٌ وَتَشْبِيهٌ وَتَمْثِيلٌ وَتَرَكَ الْحَقَّ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ، وَإِنَّمَا رَمَزَ إِلَيْهِ رُمُوزًا بَعِيدَةً، وَأَشَارَ إِلَيْهِ إشَارَاتٍ مُلْغِزَةً لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، وَصَرَّحَ دَائِمًا بِالتَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ وَالْبَاطِلِ، وَأَرَادَ مِنْ خَلْقِهِ أنْ يُتْعِبُوا أَذْهَانَهُمْ وَقُوَاهُمْ وَأَفْكَارَهُمْ فِي تَحْرِيفِ كَلَامِهِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَتَأْوِيلِهِ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، وَيَتَطَلَّبُوا لَهُ وُجُوهَ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُسْتَكْرَهَةِ، وَالتَّأْوِيلَاتِ الَّتِي هِيَ بِالْأَلْغَازِ وَالْأَحَاجِي أَشْبَهُ مِنْهَا بِالْكَشْفِ وَالْبَيَانِ، وَأَحَالَهُمْ فِي مَعْرِفَةِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ عَلَى عُقُولِهِمْ وَآرَائِهِمْ لَا عَلَى كِتَابِهِ، بَلْ أَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ لَا يَحْمِلُوا كَلَامَهُ عَلَى مَا يَعْرِفُونَ مِنْ خِطَابِهِمْ وَلُغَتِهِمْ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يُصَرِّحَ لَهُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي يَنْبَغِي التَّصْرِيحُ بِهِ، وَيُرِيحَهُمْ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُوقِعُهُمْ فِي اعْتِقَادِ الْبَاطِلِ، فَلَمْ يَفْعَلْ بَلْ سَلَكَ بِهِمْ خِلَافَ طَرِيقِ الْهُدَى وَالْبَيَانِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ .
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يَشَاءُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إيجَادِهِ وَتَكْوِينِهِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ كَانَ مُعَطَّلًا مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ عَنْ أَنْ يَفْعَلَ، وَلَا يُوصَفُ حِينَئِذٍ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْفِعْلِ، ثُمَّ صَارَ قَادِرًا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، وَلَا يَعْلَمُ الْمَوْجُودَاتِ، وَلَا عَدَدَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا النُّجُومِ وَلَا بَنِي آدَمَ وَحَرَكَاتِهِمْ وَأَفْعَالَهُمْ، وَلَا يَعْلَمُ شَيْئًا مِنَ الْمَوْجُودَاتِ فِي الْأَعْيَانِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا سَمْعَ لَهُ وَلَا بَصَرَ وَلَا عِلْمَ لَهُ وَلَا إرَادَةَ وَلَا كَلَامَ يَقُولُ بِهِ، وَأَنّهُ لَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنَ الْخَلْقِ وَلَا يَتَكَلَّمُ أَبَدًا، وَلَا قَالَ وَلَا يَقُولُ، وَلَا لَهُ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ يَقُومُ بِهِ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنًا مِنْ خَلْقِهِ، وَأَنّ نِسْبَةَ ذَاتِهِ تَعَالَى إِلَى عَرْشِهِ كَنِسْبَتِهَا إِلَى أَسْفَلِ السّافِلِينَ، وَإِلَى الْأَمْكِنَةِ الَّتِي يُرْغَبُ عَنْ ذِكْرِهَا، وَأَنّهُ أَسْفَلُ كَمَا أَنَّهُ أَعْلَى فَقَدْ ظَنّ بِهِ أَقْبَحَ الظّنّ وَأَسْوَأَهُ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ يُحِبُّ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَيُحِبُّ الْفَسَادَ كَمَا يُحِبُّ الْإِيمَانَ وَالْبِرَّ وَالطَّاعَةَ وَالْإِصْلَاحَ فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ لَا يُحِبُّ وَلَا يَرْضَى، وَلَا يَغْضَبُ وَلَا يَسْخَطُ، وَلَا يُوَالِي وَلَا يُعَادِي، وَلَا يَقْرُبُ مِنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ وَلَا يَقْرُبُ مِنْهُ أَحَدٌ، وَأَنَّ ذَوَاتَ الشَّيَاطِينِ فِي الْقُرْبِ مِنْ ذَاتِهِ كَذَوَاتِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَأَوْلِيَائِهِ الْمُفْلِحِينَ فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ لِأَجْلِهِ شَيْئًا لَمْ يُعَوِّضْهُ خَيْرًا مِنْهُ أَوْ مَنْ فَعَلَ لِأَجْلِهِ شَيْئًا لَمْ يُعْطِهِ أَفْضَلَ مِنْهُ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ.
وَمَنْ ظَنَّ بِهِ أَنَّهُ إذَا صَدَقَهُ فِي الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ، وَتَضَرَّعَ إلَيْهِ وَسَأَلَهُ، وَاسْتَعَانَ بِهِ وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُخَيِّبُهُ وَلَا يُعْطِيهِ مَا سَأَلَهُ، فَقَدْ ظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَظَنَّ بِهِ خِلَافَ مَا هُوَ أَهْلُهُ.
إلى أن قال: فَلْيَعْتَنِ اللَّبِيبُ النَّاصِحُ لِنَفْسِهِ بِهَذَا الْمَوْضِعِ، وَلْيَتُبْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلِيَسْتَغْفِرْهُ كُلَّ وَقْتٍ مِنْ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَلْيَظُنَّ السَّوءَ بِنَفْسِهِ الَّتِي هِي مَأْوَى كُلَّ سُوءٍ، وَمَنْبَعُ كُلَّ شَرٍّ الْمُرَكَّبَةِ عَلَى الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، فَهِيَ أَوْلَى بِظَنِّ السَّوءِ مِنْ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ وَأَعْدَلِ الْعَادِلِينَ وَأَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، الْغَنِيِّ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ الْغِنَى التَّامُّ وَالْحَمْدُ التَّامُّ وَالْحِكْمَةُ التَّامُّةُ، الْمُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ سَوْءٍ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَسْمَائِهِ، فَذَاتُهُ لَهَا الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَصِفَاتُهُ كَذَلِكَ، وَأَفْعَالُهُ كَذَلِكَ، كُلُّهَا حِكْمَةٌ وَمَصْلَحَةٌ وَرَحْمَةٌ وَعَدْلٌ، وَأَسْمَاؤُهُ كُلُّهَا حُسْنَى.
فَلَا تَظُنَّنَّ بِرَبِّكَ ظَنَّ سَوْءٍ ... فَإِنَّ اللَّهَ أَوْلَى بِالْجَمِيلِ .اهـ المراد.
هذه نماذج من سوء الظن برب العالمين ذكرناها لنعرفَ سعةَ أبواب سوءِ الظن بالله وأنه ليس في كلمةٍ أو كلمتين ،ولنكون على حذرٍ من سوء الظن بالله ،وأن نكون على حُسْنِ ظنٍ به سبحانه فالله عند ظن عبده به .
فمما يشمله قوله (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) إذا دعا يحسن الظن بالله، ويكون على يقين أن الله عز وجل يستجيب دعاءه. إذا أصيب بكربة وشدة يحسن الظن بربه أن العسر لا يدوم، وقد قال تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)﴾ [الشرح]. وما أكثر الابتلاء بالقنوط من رحمة الله، وهذا كبيرة من الكبائر فقد قال سبحانه: ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر:56]. وقال سبحانه: ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف:87]. إذا أصيب بمرض يحسن الظن بربه أن الله سينزل الشفاء، من طُلِّقت من زوجها تحسن الظنَّ بربها أن الله لن يضيعها، ولن يضيع أولادها، ولا تسيء الظن بأرحم الراحمين. الله سبحانه عند ظن عبده به، إذا ظن به خيرًا وجده، وإذا ظن به سوء فلا يلومنَّ إلا نفسه. ما أعظم مدى خطورة سوء الظن بالله سبحانه على الحياة.
فلنُرَوِّض أنفسنا على حُسْنِ الظن بالله عزوجل ،وحسن الظن بالله عز وجل زينة الباطن وجماله، وقد مدح الله سبحانه وتعالى من اتصف بذلك فقال سبحانه: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ [الزمر:9]. وقال سبحانه: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة:16]. وقال سبحانه: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾ [الأنبياء:90].
ويتحتم أكثر حسن الظن بالله في حالة الاحتضار لما رواه الإمام مسلم في صحيحه (2877) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَقُولُ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ».
ومن الآداب وحق المسلم على أخيه المسلم تذكير المحتضر بعفو الله سبحانه، وسعة رحمته حتى يقوَى حسنُ الظن عنده بالله. وتذكيره بمحاسن أعماله وفي صحيح مسلم (121) عَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ، قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ، يَبَكِي طَوِيلًا، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ، أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا؟ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا؟ قَالَ: فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي، وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ، فَقَتَلْتُهُ، فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟» قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟» قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟» وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ، وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيهَا، فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ، وَلَا نَارٌ، فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا، حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ، وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي.
وقوله (أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا؟) وكان مما بشره كما في الأحاديث الأخرى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ابْنَا الْعَاصِ مُؤْمِنَانِ: عَمْرٌو وَهِشَامٌ» مسند أحمد (8042) وهو في الجامع الصحيح لوالدي (1344).
(إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) الشهادة كلمة التوحيد أفضل ما يعده الإنسان لآخرته ومماته.
وفي هذا الحديث انتفاع عمرو بن العاص رضي الله عنه بتذكير ولده له، وبشارة ولده له. وهذا من نعمة الجليس الصالح ومن الانتفاع بمجالسته في تذكيرِ الغافل ،وتنبيهِ الساهي ،ورفع الهمَّة، ثم ساق لهم عمرو قصةً له وهو في سياق الكرب رضي الله عنه.
فهذا من الآداب لجليس المحتضَر أن يذكره بما يقوَى به حسن الظن عنده بالله عز وجل.
حسن الظن بالله يكون مع تقوى الله عز وجل، أما حسن ظن بالله وهو على معاصي فهذا غرور، وهذا من الشيطان. وقد بين سبحانه حسن الظن الممدوح ممن يكون فقال عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة:218].
حسن الظن الممدوح يكون من أهل العمل الصالح، ولا يكون من أهل المعاصي. يعصي الله ويقول: الله غفور رحيم، هذا متلاعب بشرع الله، وقد أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين.
العاصي يحسن الظن بالله في قبول توبته إذا تاب، ولا يقنط من رحمة الله ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:53].
عرفنا أهمية حسن الظن بالله، وأنه من كمال التوحيد وتمامه فهو داخل في توحيد الله. وهذا بفضل الله ثم بفضل العلم، فالعلم من ثماره أنه يقود إلى طريق الخير والهدى ويجنب طريق الشر والردى .
ومن تزكية أنفسنا الابتعاد عن سوء الظن بالله عز وجل، والابتعاد عن سوء الظن بالمسلم الذي ظاهره السلامة، فلنحقق هذا ولنجاهد ليكمل لنا التوحيد .والله المستعان.
- وفيه فضل الذكر. فمن ذكر الله سبحانه، ذكره الله، قال عز وجل: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة:152]. وهذا دليل على أن الجزاء من جنس العمل. من ذكر الله ذكره الله عند حاجته وعند كربه وحزنه، ذكره الله في سائر أحواله في سرائه وضرائه.
ويقول سبحانه في الحث على الذكر: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت:45]. أَي: أكبر مِمَّا سواهُ من الْأَعْمَال الصَّالِحَة. كما قال الشوكاني رحمه الله في تحفة الذاكرين (16).
ورتب سبحانه الفلاح على كثرة ذكر الله ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال:45]. وحياة القلب بذكر الله كما في الصحيحين
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ» .
وصلاح القلب واللسان بذكر الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» مسند أحمد (17698). والقرآن الكريم من ذكر الله والدعاء من ذكر الله سبحانه.
عرفنا شيئًا من فضل الذكر، وأن ذكر الله حياة وسعادة، وفيه صلاح القلوب، و به يحصل السعادة في دار الدنيا والآخرة.
(فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي)
قال شيخ الإسلام رحمه الله في بيان تلبيس الجهمية(7/ 485): وذكر العبد ربه في نفسه نوعان أحدهما :في نفسه من غير حروف يسمعها هو. الثاني :ذكرٌ بلفظ خفي يسمعه هو دون غيره قال تعالى وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ [الأعراف 205] وذكر العبد في نفسه يتناول القسمين جميعًا .اهـ.
- وفيه إثبات صفة المعية لله عز وجل ومعية الله نوعان:
معية عامة: لجميع الخلق أي أن الله معنا بسمعه وبصره وقدرته وعلمه كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحديد:4]. وكما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [المجادلة:7]. هذه المعية عامة لجميع الخلق.
ومعية خاصة: وهي تقتضي الحفظ والعناية والنصرة وهذه خاصة بأولياء الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل:128]. وفي الحديث هنا (وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي) معية خاصة.
أدلة المعية فيها شبهة للجهمية الذين يقولون: أن الله في كل مكان، فأخذوا بها وتركوا أدلة العلو لله عز وجل، وأهل السنة يقولون: (الله سبحانه في العلو مستوٍ على عرشه، وهو معنا بسمعه وبصره وقدرته وعلمه).
فالإنسان يحمدُ الله ويفرح بالعقيدة الطيبة؛ لأن الله عز وجل يقول: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس:58]. نفرح بالعلم والعقيدة الصحيحة والمسابقة إلى طاعة الله وإلى الدار الآخرة ﴿هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
وذكر ابن عثيمين رحمه الله: (أن معية الله حقيقة). وهذه فائدة، نثبت لله المعية، وأنها قسمان وأن إثبات المعية لله حقيقة لا نقول هذا مجاز.
إثبات صفة المعية لله عز وجل حقيقة؛ لأنه لا يلزم من إثبات المعية لله أن يكون مختلطًا بين الناس. يقول القائل: لا نزال نسير والقمر معنا. والقمر في السماء.
- استدل بهذا الحديث من قال بتفضيل الملائكة على صالحي البشرلقوله (ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ). وقد ذهب إلى هذا القول الفلاسفة والمعتزلة وبعض الظاهرية. وجمهور أهل السنة على تفضيل صالحي البشر على الملائكة، وسألت الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله عن هذه المسألة فقال: بقول الجمهور ثم قال: الكلام في هذه المسألة معدود في فضول المسائل. اهـ.هذه من المسائل المعدودة في فضول المسائل، مثل مسألة الاسم والمسمى -كما تقدم معنا- لأنها ما جاءت في كلام الله ولا كلام رسوله ولا تكلم فيها الصحابة.
وقد ناقش المسألة وذكر أدلة القولين شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى، والحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري ،وابن أبي العز في شرح الطحاوية. والله تعالى أعلم.
- وفيه صفة القرب لله عز وجل وقد قال تعالى: ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾ [سبأ:50]. وتقدم معنا حديث أبي موسى في الصحيحين البخاري (6384) مسلم (2704) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، وَلَكِنْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا».
فالله عز وجل يقرب إلى عابديه وهو في علُوِّهِ، وهذه خاصة بأولياء الله سبحانه، وفي صحيح مسلم (1348) عن عَائِشَةَ رضي الله عنها: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟» وَإِنَّهُ لَيَدْنُو: أي يقرب سبحانه وتعالى.
قال ابنُ القيم رحمه الله في طريق الهجرتين 22: وأما القرب المذكور فى القرآن والسُّنَّة فقرب خاص من عابديه وسائليه وداعيه، وهو من ثمرة التعبد باسمه الباطن قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] ، فهذا قربه من داعيه، وقال تعالى: {إِنّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] ، فوجد الخبر وهو قريب عن لفظ الرحمة وهى مؤنثة [إيذاناً] بقربه تعالى من المحسنين، فكأنه قال: إِن الله برحمته قريب من المحسنين. وفى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ"، و"أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ عَبْدِهِ فِى جَوْفِ اللَّيْلِ"، فهذا قرب خاص غير قرب الإِحاطة وقرب البُطون.اهـ المراد.
أما قربُ الإحاطة فهذه عامة ومن أسماء الله الظاهر والباطن .
(وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا)
الشبر:قال في القاموس : الشِّبْرُ، بالكسر: ما بين أعْلَى الإِبْهامِ وأعْلَى الخِنْصَرِ، مُذَكَّرٌ
ج: أشْبارٌ. اهـ.
الذراع : قال الخليل بن أحمد في كتاب العين : الذِّراعُ من طَرَف المِرْفَق إلى طرف الإِصْبَع الوُسْطَى.اهـ.
والباع ما بين يديك إذا مددتهما، ويذكرون أن الباع بمقدار قامة صاحبه .
- وفيه صفة الإتيان لله عز وجل، فالله عز وجل يأتي قال سبحانه: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [البقرة:210].
(وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)
الهرولة: المشي السريع، وفيه إثبات صفة الهرولة لله عز وجل، نؤمن بذلك.
وهذا الحديث من أدلة فضل الله عز وجل على عباده، وأنه يعطي أكثر مما يعمل العامل، وقد قال تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام:160]. ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ [النمل:89].
وثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قَالَ: مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلاَّ آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ. سنن الترمذي (3573).
بعض الناس يقول إنه يدعو ويدعو ولا يجد الإجابة من الله، قد يكون فيه موانع للاستجابة، وقد يكون استعجل يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي» البخاري (6340) مسلم (2735).
وقد يكون من رحمة الله أنه صرف عنه من الشر ما لا يعرفه، فالله عز وجل لا يضيع أجر من أحسن عملًا ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف:30].
هذا الباب الذي قرأناه في إثبات صفة النفس لله عز وجل، نؤمن بذلك ولا نؤول وقد قال بعض أهل التأويل :نفسه أي غيره .
وقد ذكر هذه المسألة ابن خزيمة في كتابه العظيم " كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل "(1/ 19) وذكر قول المؤولة وردَّ عليهم وقال : زَعَمَ بَعْضُ جَهَلَتِهِمْ-أي بعض جهلة الجهمية - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَضَافَ النَّفْسَ إِلَيْهِ عَلَى مَعْنَى إِضَافَةِ الْخَلْقِ إِلَيْهِ، وَزَعَمَ أَنَّ نَفْسَهُ غَيْرُهُ، كَمَا أَنَّ خَلْقَهُ غَيْرُهُ , وَهَذَا لَا يَتَوَهَّمُهُ ذُو لُبٍّ وَعِلْمٍ , فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ قَدْ أَعْلَمَ اللَّهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ أَنَّهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ , أَفَيَتَوَهَّمُ مُسْلِمٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَى غَيْرِهِ الرَّحْمَةَ؟ وَحَذَّرَ اللَّهُ الْعِبَادَ نَفْسَهُ , أَفَيَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ [ص:20] يَقُولَ: أَنَّ اللَّهَ حَذَّرَ الْعِبَادَ غَيْرَهُ؟ أَوَ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ لِكَلِيمِهِ، مُوسَى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41] , فَيَقُولُ مَعْنَاهُ: وَاصْطَنَعْتُكَ لِغَيْرِي مِنَ الْخُلُوقِ، أَوْ يَقُولَ: أَرَادَ رُوحَ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: {وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] أَرَادَ وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي غَيْرِكَ؟ هَذَا لَا يَتَوَهَّمُهُ مُسْلِمٌ , وَلَا يَقُولُهُ إِلَّا مُعَطِّلٌ كَافِرٌ.اهـ.
والنفس من الصفات الذاتية لله عزوجل .

والله تعالى أعلم.










رد مع اقتباس
قديم 2016-03-06, 10:35   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
زينب المهدى
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

جميل جدا هذا الشرح










رد مع اقتباس
قديم 2016-03-11, 09:05   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
mahdadi
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية mahdadi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مجهود قيم
بارك الله فيكم










رد مع اقتباس
قديم 2016-03-20, 23:06   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
eljarih
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

baraka allah fik










رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 12:03

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc