جذور العقيدة النصيرية
إن أصـول العقيدة العلويـة النصيريـة تعود إلى مـذاهب وحركات ديـنيـةٍ مختلفـة، انتشـرت في بلاد الشام وغيرها من بـلدان الشرق الاوسط و الادنى قبل الاسلام , اقربهم جغرافيا لمنطقة جبال النصيرية الحالية هو معتقد نومونيوس الآفامي( من مدينة أفاميا، بقرب مدينة حماه الى غربها) لذي عاش خلال عام 250 ق.م , بالاضافة الكثير من الحركات الغنوسطية (او الغنوصية) (وهي تعتمد على معرفة الله عن طريق العقل حيث أن Gnose تعني المعرفة باليونانية و كانت من اولى الافكار التي حاولت اعطاء ترميز خفي للمعاني الظاهرية و ان أي دراسة للغنوصية يجب ان تترافق مع دراسة للفرق الباطنية لكونها الوريث الفكري لها ولعل أبرز ما يدل على ذلك اعتقادهم بأن الله تجسد في عهد المسيح عليه السلام في جسد شمعون الصفا الذي سمته الكنيسة بأبو الهراطقة و شمعون الساحر ,وقد اخذا ايضا من المعتقد الماني الفارسي الذي عاش في القرن الثالث للميلاد ,وهناك الكثير من اقتباسات في معتقد النصيرية من الفلاسفة مثل أرسطو ,سقراط و افلاطون حيث ترد اسماؤهم كثيرا في كتبهم الدينية بل وإن النصيرية يعتبرون أن الله تجسد في ارسطو كما ورد كتاب تعليم الديانة النصيرية السؤال 43 وجوابه.
اختلطت مع تلك المعتقدات مزيج من المجوسية و المعتقدات الهندوسية مثل معتقد بتنجلي الهندي الذي عاش في القرنين الثاني و الثالث للميلاد و تعتقد النصيرية كشأن باقي الفرق الباطنية بالتناسخ فيعتقدون بأن السيئين من البشر تتناسخ ارواحهم في الحيوانات السيئة و من ذلك ما ورد في (الهفت الشريف) احد كتبهم علمائهم " اما تقرأ في كتاب الله تعالى قوله (أولم يروا كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم) (( الآية الحقيقية هي قوله تعالى " أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم)) فهؤلاء القشاش الذين تراهم الخنزير و الدب و الكلب و ابن آوى و ان عرس" . و من ذلك اعتقادهم بأن الائمة لا يموتون بل تتبدل ارواحهم ,يقول المفضل في هقته الشريف "إن ميلاد الامام و موته ليس بميلاد و موت وانما مثله مثل رجل لبس قميصا و نزعه حينما شاء" , كما ورد في سورة الاول من كتابهم المقدس (المجموع) " قال السيد ابو شعيب محمد بن نصيراذا نزلت بك نزلة بالحياة و دهن بك دهية بالممات فادع دعوة عالية خالصة مخلصة تقية نقية بيضاء علوية طاهرة نورانية تخلصك من هذه القمصان البشرية اللحمية الدموية و تلحقك بالهياكل النورانية".
كان الايمان بالتناسخ و الحلول من اشد ما دعم به النصيرية ألوهية علي بن ابي طالب رضي الله عنه, كما يقول ابو محمد الجسري في (رسالة التوحيد) قائلا "قلنا نشهد أن المعنى هو الله رب العالمين " والمعنى هو احد أسرار النصيرية (ع م س) حيث ان (ع) ترمز لعلي بن أبي طالب وهو المعنى (كما ورد في سورة الفتح (الخامسة) من كتاب المجموع) ,كما يقول ذلك الشيخ يوسف الحلبي المعروف بالنشّابي بأن (علي ليس ابن الله بل هو الله). و كان للتعاقب الصوري دورا هام أيضا فكرة التناسخ فيقولون أن الله تناسخ في زمن آدم بجسد هابيل , وفي زمن نوح بيافث و في زمن يعقوب بيوسف و في زمن موسى بيوشع و في زمن سليمان بآصف و في زمن عيسى بشمعون الصفا (السابق ذكره) حيث انهم من خلاله جعلوا للمختار لاهوت و ناسوت كما في المسيحية ,حتى أن (جورج وايت ) نقل عن احد علماء النصيرية قوله" لا تفصلنا عنكم معاشر المسيحية الا طبقة رقيقة هي ارق من قشرة البصل" و قد ورد في كتاب (نص الشرائع) مقولة "يصح توحيد الثلاثة و تثليث الواحد و لا فرق و لا فاصل لأنه شيء واحد متعدد (!) فهو عالم مفرد وهم أنوار وما دون ذلك أجرام و اجسام ونقل (تروبردج) مقولتهم (انهم اقرب للمسيحية من الإسلام) و ربما من هنا جاءت اسامي (القداسات) المشهورة في النصيرية (قداس الطيب , قداس البخور , قداس الاذان , قداس الاشارة) و كذلك استحلال الخمر و الاحتفال بالأعياد المسيحية , الأمر الذي جعل المؤرخ الفرنسي الذي عايشهم لامانس يتساءل "ماذا بقي من الاسلام بعد كل هذا الخليط " و سبقهم فب معرفة هذا الامر الشهرستاني في كتابه الملل و النحل حيث اخرجهم حتى من حديث ال72 فرقة التي تتفرق عن الاسلام .
وربما استشهاد النصيرية بالانجيل و الفلاسفة يتكرر كثيرا في كتبهم لكن هذا لا يعني مطلقا ان عقيدتهم خليط من الاديان المختلفة بل هي ديانة منفردة كليا عن الديانات السماوية كلها. ويمكن تصنيفها من بين المذاهب الوارثة للفلاسفة بعد تزواجها مع الفكر الديني في سوريا وهي تشكل تيارا من تيارات الديانات الفارسية التي سبقت الاسلام كالمجوسية و المانية و الزرداشتية.
منقول للأمانة