استفسار من فضلكم - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

استفسار من فضلكم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-10-19, 20:05   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
سطايفية بكل فخر
مشرف منتدى التقنيّة، ومنتديات الثقافة الطبيّة والعلوم
 
الصورة الرمزية سطايفية بكل فخر
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز العضو المميز المواضيع المميزة 2014 
إحصائية العضو










افتراضي

إن الحديث عن العصر العثماني حديث صعب و ذو تبعات، فمن العسير تحديد أطوار الأدب في عصر تتابعت فيه دوله وتداخلت حتى بدت وكأنها دولة واحدة، ويمكن تحديد إطار هذا الموضوع بالحكم الذي ساد في كل حقبة من حقب ذلك العصر، وهي على التوالي تبعا للترتيب الزمني:
العهد العباسي الرابع وتوغل المغول

العهد الزنكي 521-579هـ/1126-1183م.

العهد الأيوبي 579-648هـ/1183-1250م.

العهد المملوكي 648-922هـ/1250-1517م.

العهد العثماني 922-1213هـ/1517-1798م.


مقدمة :
إن الحديث عن عصر العثمانيين أرغمنا على العودة إلى التاريخ حتى نعرف سبب المصيبة في الأدب إن لم أقل المجال الثقافي فما أبينا إلا أن نتحدث بتعمق وتفحص لتاريخ كل ما درسناه ورغم وجود الكثير من المصاعب توصلنا بحمد الله إلى أن السبب الوجيه الذي زعزع قيمة الإسلام و الحضارة التي مضت وانجلت وما حسبنا إلا أن نعود إلى الداء منذ بدايته وذلك بالعودة إلى العصر العباسي الرابع وكامل ما لم يكمل في دروسنا المؤخودة







العصر العباسى الرابع
عصر نفوذ السلاجقة 447 - 656هـ/ 1055م - 1258م
فى عهد المقتدر (295-320هـ) أشرفت الدولة العباسية على الانحلال والموت بظهور سلطان المستقلين فى أطراف الخلافة والثغور.
وحسب القارئ أن يعدد هذه الدويلات التى أعلنت سلطانها فى أجزاء الخلافة الإسلامية؛ ليعلم ما وصلت إليه الحال من خلل وتفسخ وانحدار ! لقد قامت فى فارس دولة بنى بويه، وبسط الإخشيديون سلطانهم على مصر وسورية، وأعلن الفاطميون سيادتهم فى إفريقية والمغرب، وساد الأمويون فى إسبانيا، واستقلّ بنو سامان فى خراسان وما وراء النهر، والقرامطة بمنطقة البحرين وما حولها من ثغور وبلاد، واستقر الديلم فى جُرجان وطبرستان، وأعلن أحد أمراء العراق واسمه البريدى حكمه على البصرة وواسط.
وقامت دولة الحمدانيين فى الموصل وديار بنى ربيعة وقسم كبير من أراضى العراق.
وكانت الدولة الإسلامية تغلى غليانًا فى جحيم الاضطرابات والدسائس!كل منهم يحارب الآخر حربًا لا هوادة فيها، ويحفر مقبرة الخلافة بهذا التفكك الذى أطمع البيزنطيين أن يعيدوا الكَرَّة على بلاد الإسلام، فدخلوا كليكيا وسورية على يد القائد البيزنطى نقفور، الذى اشتبك فى معارك دامية مع سيف الدولة على أبواب حلب مما سيأتى تفصيله.
وكانت البلاد تواجه خطرين: خطر الانقسامات الداخلية، وخطر هجمات الروم الخارجية. وشاءت الأقدار أن تتقد نيران هذه الاضطرابات، وقد عقمت الأرض عن أن تلد منقذًا يقضى على هذه المطامع، وظلت الأمور بين أيدى خلفاء ضعاف أقصى أمنياتهم من الحياة بعض هذه الأموال التى يدرها العمال عليهم لينعموا مرفهين برغد الحياة.
أصل السلاجقة:
من أولئك السلاجقة ؟ وكيف امتد نفوذهم حتى وصلوا إلى بغداد ؟ إنهم أتراك ينتسبون إلى جدهم سلجوق، وينتمون إلى قبيلة تركية كبيرة تسمى "الُغزّ".
وقد نزلوا على نهر "سيحون"، واتصلوا بخدمة التركمان فى بلاد ما وراء النهر، وراح جدهم "سلجوق" يتقدم فى خدمة ملك الترك حتى وصل إلى قيادة الجيش، وكان بارع الحديث، كريمًا، فاستمال الناس إليه، وجمعهم مِن حوله، فانقادوا له وأطاعوه.
وخافت زوجة ملك الترك على زوجها منه، فأغرته بقتله، وعرف "سلجوق" ما يدبِّر له فى الخفاء، فجمع مَنْ حوله، وسار بهم حتى مدينة "جَنَد"، وأقام هناك فى جوار المسلمين ببلاد تركستان.
ولما جاور سلجوق المسلمين، وتعرف على أخلاق الإسلام أعلن إسلامه على مذهب أهل السنة، واعتنق الغُزُّ الإسلام معه.
وعندئذ بدأ فى غزو(كفار الترك)، وكان ملكهم يأخد إتاوة من المسلمين فى تلك الديار، فقطعها سلجوق وطرد نوابه.
كان لسلجوق من الأولاد أربعة هم: أرسلان، وميكائيل، وموسى، ويونس.
انتصارات طغرل":
ولقد أعد سلجوق أبناءه وأحفاده للغزو والفتح، فلقد استطاع أحد أحفاده وهو (طغرل) أن يستولى على إقليم مرُو (خراسان) سنة 429هـ فى الشمال الشرقى من فارس، ثم استولى على نيسابور 432ه، وعلى حَرَّان وطبرستان عام 433ه، وعلى خوارزم عام 434ه، وأصبهان عام 438ه/1047 م.
واستمر "طغرل" يتقدم فى بلاد فارس والعراق، وفى سنة 447ه/ 1055م وقف طغرل على رأس جماعة من جنده الأتراك أمام أبواب بغداد، كما وقف بنو بويه" قبله، فسلمت له المدينة دون مقاومة، واستقبل الخليفةُ طغرل زعيمَ السلاجقة كما استقبل أحمد أبا شجاع من قبل، وراح الخليفة العباسى(القائم) يعترف بطغرل سلطانًا ويمنحه لقب ملك المشرق والمغرب".
نهضة علمية وعمرانية:
وفى عهد ملكشاه بلغت الدولة السلجوقية أقصى عظمتها، فبنى ملكشاه المساجد، وأنشأ الخانات (الفنادق) على طرق القوافل لنزول المسافرين، ومهد طرق الحجاج إلى مكة، وزودها بالحراس.
وأمر بتجميل بغداد وتنظيمها، وإقامة شبكة لتصريف مياه الحمامات إلى غير نهر دجلة.
وكان يساعده فى إدارة المملكة وزيره "نظام الملك"، الذى ألف كتابًا فى "فن الحُكْم" يعرف باسم "سياسة نامة"، وراح يشجع الشخصيات المشهورة فى العلوم والآداب، فتمتع "عمر الخيام" بعطفه، وهو العالم الكبير، والشاعر الفارسى الشهير.
وأنشأ المجامع العلمية فى بغداد، وأشهرها المدرسة النظامية التى تم بناؤها سنة 460ه/ 1067م.
وحسب هذه المدرسة التى أنشأها نظام الملك وزير ملكشاه السلجوقى أن من تلاميذها السعدى مؤلف "بستان السعدى"، وعماد الدين الأصفهانى، وبهاء الدين بن شداد (الذى كتب سيرة صلاح الدين)، وهما اللذان خدما صلاح الدين والدولة الأيوبية فى مصر، وعبد الله بن تُومَرْت الذى أسس دولة الموحِّدين فى إفريقية والمغرب، ومن أساتذتها أبو إسحاق الشيرازى مؤلف كتابى "المهذب" و"التنبيه" فى الفقه الشافعى، والغزالى العالم المتصوف، وإذا كانت عظمة السلاجقة قد استندت إلى ما قاموا به من أعمال، وإلى شخصية سلاطينها، فإن الدولة قد أخذت فى التفكك بعد وفاة ملكشاه سنة 485ه/ 1092م.

تفكك السلاجقة:
ولم تظهر بعد ذلك من البيت السلجوقى شخصية قوية تملأ فراغ ملكشاه، وراح أبناء البيت السلجوقى يقتسمون تلك المملكة الواسعة الأطراف، ويستقل كل منهم بنصيبه منها.
وفى ظل هذا التفكك ساد الضعف، واضطربت الأحوال لكثرة الحروب الداخلية إلى أن زال نفوذها سنة 590ه/ 1194م، وهكذا الأيام، تذهب دولة لتأتى أخرى. فقد حلت محلَ دولِة السلاجقة دولة "الأتابكة" بالعراق وفارس، كما حلت دولة الأتراك العثمانيين محل سلاجقة الروم بآسيا الصغرى سنة 700هـ/1300م.
كلما ذكرنا "سلاجقة العراق وكردستان" الذين حكموا من سنة 511ه/ 1118م إلى سنة 590ه/ 1194م، لا يمكن أن ننسى السلاجقة العظام الذين كانوا يحكمون فارس والأهواز والرى وخراسان والجبل من سنة (429 - 552ه/ 1038 - 1060م) من أسرة خوارزم شاه.
كما أننا لا ننسى "سلاجقة الشام " الذين حكموا حلب ودمشق من سنة (487 - 511ه/ 1094 - 1108م)، وخلفهم البوريون والأرتقيون (من الأتابكيين.
وإلى جانب هؤلاء، "سلاجقة كرمان" الذين حكموا من سنة (433 - 583ه/ 1042 - 1187م) وخلفهم التركمان الغز.
ويبقى سلاجقة الروم الذين حكموا آسيا الصغرى من سنة (470 - 700ه/ 1078 - 1300م) وخلفهم المغول والأتراك وغيرهم.
المغول وسقوط الخلافة:
من هم المغول؟ كيف كان ظهورهم الهمجى على صفحة التاريخ؟ فى عهد مَنْ مِن الخلفاء كانوا؟
هذه سنة الحياة فى الناس والأشياء، فبعد أن ظلت بغداد عاصمة لبنى العباس على مدى خمسة قرون راحت تتهاوى تحت ضربات المغول والتتار، وتسلم الراية لهم، ليملئوا الدنيا قتلا وتشريدًا ونهبًا وسلبًا وفسادًا!
أصل المغول:
إنهم قبائل تركية آسيوية كانت تسكن فى الجزء الشرقى من "بلاد التركستان" وما يليها شرقًا من "غرب بلاد الصين"، وهم بدو رعاة يدينون بالوثنية، ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ويبحثون عن الرزق أينما وجد، وينتقلون وراءه حيث كان، ويقتتلون من أجل الحصول عليه، نساؤهم فى هذا كرجالهم سواء بسواء.
المغول والتتار:
وكانت بين "قبائل المغول" و"قبائل التتار" أواصر نسب وجوار، ولكن على الرغم من هذا، فإن محاولة الحصول على الرزق كانت تدفعهم إلى التنازع والتناحر والتقاتل، وتسفر المواجهة بينها عن انتصار "التتار" وهزيمة "المغول"، ويعود المغول فينتصرون على "التتار" ولكن الزعيم التترى "جنكيز خان" جمع شمل هذه القبائل لتصبح النقطة السوداء فى التاريخ الإنسانى بسبب ما أنزلوه به من الكوارث التى لم يحدث مثلها.
انتصارات جنكيز خان:
فكيف كان هذا الذى حدث؟ وما قصة خروج التتار إلى بلاد الإسلام والمسلمين؟ وكيف تهاوت الخلافة على أيديهم بهذه الصورة المهينة؟!
إن (ابن الأثير) المؤرخ الكبير حين أراد أن يسجل تلك الأحداث فى كتابه(الكامل) تمنى أن يكون قد مات قبل أن يسمع عنها أو يراها، فيقول : (لقد بقيت عدة سنين مُعْرِضًا عن ذكر هذه الحادثة استعظامًا بها، كارهًا لذكرها، فأنا أقدم رِجْلا وأؤخر أخرى، فمن الذى يسهل عليه أن يكتب نعى الإسلام والمسلمين، ومن الذى يهون عليه ذكر ذلك، فيا ليت أمى لم تلدنى، ويا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيّا، إلا أَنى حثنى جماعة من الأصدقاء على تسطيرها، وأنا متوقف، ثم رأيت أنَّ ترك ذلك لا يجدى نفعًا، فنقول: هذا الفعل يتضمن الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التى عقمت الأيام والليالى عن مثلها، عمت الخلائق، وخصت المسلمين، فلو قال قائل : إن العالم منذ خلق الله-سبحانه وتعالى- آدم إلى الآن لم يُبتلَ بمثلها كان صادقًا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها".
وهكذا فعندما تمكن "جنكيز خان" من إخضاع القبائل المجاورة له فى دهاء واقتدار محطِّمًا خصومه مستوليًا على كل ما يملكون، مُدَعِّمًا جيشه بالمحاربين راح يتطلع إلى "إمبراطورية الصين" التى كانت شرقى بلاده.
مواجهة المسلمين للتتار:
من هنا بدأت اللقاءات الدامية بين التتار والمسلمين، فلقد أرسل "جنكيز خان" خطابًا إلى السلطان "علاء الدين محمد خوارزم شاه" يتباهى فيه بقوته، ويحيطه علمًا بأنه فى الطريق إليه للاستيلاء على مملكته. وكان لابد من أن يبادر "خوارزم شاه" بالخروج لملاقاة التتار فى عقر دارهم. ويصل "خوارزم شاه" إلى بيوتهم فلا يجد فيها إلا النساء والصبيان.
ويبعث بمن يأتيه بأخبارهم فيعلم أنهم خرجوا لمحاربة "ملك من ملوك الترك"، وهزموه، وغنموا أمواله، وهاهم أولاء فى طريق العودة.
وعلى الطريق التقى الجيشان: جيش "جنكيز خان"، وجيش "خوارزم شاه" واستمر القتال ثلاثة أيام دون أن يحقق أحدهما نصرًا على الآخر، وقد قتل من المسلمين فى هذه الوقعة عشرون ألفًا، فعاد "جنكيز خان" إلى بلاده، وعاد "خوارزم شاه" هو الآخر إلى بلاده، وكلاهما ينتظر اللقاء الحاسم، وأصدر "خوارزم شاه" أوامره إلى أهل "بخارى" و"سمرقند" بالاستعداد لحرب قادمة، وعليهم أن يجمعوا الذخائر، ويستعدوا لحصار قد يطول، وعاد هو إلى خراسان، ومرت خمسة أشهر، وفجأة خرج التتار إلى أهل بخارى مقاتلين محاصرين، ودارت بين الفريقين معركة شرسة استمرت ثلاثة أيام، سقطت بعدها "بخارى" فى أيدى التتار أعداء الإسلام والمسلمين.
وفاة خوارزم شاه:
ويصدر "جنكيز خان" قائد التتار أوامره إلى رجاله أن يأتوه برأس "خوارزم شاه" فعبروا النهر الفاصل بين سمرقند وخراسان، ولكنهم لم يظفروا به، ولم يمكنهم الله منه، فقد صعدت روحه إلى باريها ولقى ربه سنة 617ه/1220م، بعد حياة حافلة بخدمة الإسلام والمسلمين، وكان ملكه ممتدّا من حدود العراق إلى تركستان إلى جانب "غزنة" وبعض بلاد الهند، وسجستان، وكِرمان، وطبرسان، وجرجان، وبلاد الجبل، وخراسان، وبعض فارس، والخطا.
سقوط الخلافة العباسية:
وقعت هذه الحوادث وخليفة بغداد لاهٍ، بينما التتار يسيرون فى بلاد المسلمين قتلا وأسرًا وتخريبًا، ثم سارت جيوش هولاكو قاصدة بغداد فى عهد المستعصم. ففى منتصف المحرم سنة 656ه/ 1258م، نزل بنفسه على بغداد، وأعد عدة الحصار، ولم يكن عند الخليفة ما يدفع به ذلك السيل الجارف، واكتفى بإقفال الأبواب، فجدَّ المغول فى القتال حتى ملكوا الأسوار بعد حصار لم يزد على عشرة أيام. وبملك الأسوار تم لهم ملك البلد.
وهنا برزت صفحة دنيئة من الخيانة التى مثلها الوزير الشيعى الرافضى محمد بن العلقمي، ذلك الذى كان يراسل التتار، ويرغبهم فى دخول بغداد، وكان يعمل جهده فى تقليل قوة المسلمين بتسريح جيشهم وإهمال شأنه حتى لم يعد قادرًا أن يقف ولو ظاهريّا أمام التتار، وكان هذا الوزير أول من خرج لاستقبال هولاكو لما أحاط بالمدينة، ثم عاد ينصح الخليفة بالخروج لاستقبال هولاكو، وأن يجعل للتتار نصف خراج العراق.
فخرج الخليفة ومعه العلماء والقضاة والفقهاء والأمراء، وحمل له الخليفة الذهب والحلى والمصاغ والجواهر والأشياء النفيسة.
أشار ابن العلقمى والرافضة على هولاكو ألا يقبل من الخليفة نصف الخراج، بل أشار على هولاكو أن يقتله، وقد كان هولاكو رغم وثنيته وكفره يتهيب قتل خليفة المسلمين، لكن هذا الوزير الشيعى الرافضى هون عليه أمر الخليفة فقتله، وقتل كل العلماء والفقهاء، فعل ابن العلقمى كل ذلك طامعًا أن يزيل السنة.
ولم يبق آمنًا من هذه المذبحة الرهيبة غير اليهود والنصارى الذين عملوا أدلاء لجحافل التتار الكافرة، يدلونهم على من اختفى من علماء المسلمين أو تجارهم ليذهبوا إليهم فى مخابئهم فيذبحوهم، وكان هذا هو الجزاء الذى تلقاه المسلمون على تسامحهم العظيم مع أهل الذمة من اليهود خاصة.
وبهذا القتل كسفت شمس الخلافة العباسية بعد أن مكثت مشرقة 524 سنة.
دولة المماليك (648-923ه/1250-1517م)
من المماليك؟ وما موطنهم الأصلي؟
وكيف وصلوا إلى الحكم؟ وما دورهم في حماية العالم الإسلامي ؟
فضل المماليك:
إنها أسئلة تخطر بالبال حين يذكر أولئك الرجال الذين حكموا مصر والشام، وكان لهم شأنهم في موقعة "عين جالوت"، ومازال العالم كله يذكر فضلهم في أول هزيمة أصابت المغول.
إن المؤرخين جميعًا يعتبرون انتصار المماليك انتصارًا عالميّا؛ فقد عجزت الدولة الخُوارزمية، والدولة العباسية عن مقاومة المغول أو مدافعتهم، وبعد أن انهارت القوى المسيحية أمام الزحف المغولي على أجزاء من "روسيا" و"بولندا" و"المجر" الحالية! لقد كانت "موقعة عين جالوت" أول صدمة في الشرق لجيوش المغول ورؤسائهم الذين خُيّل لمعاصريهم أنهم قوم لا يُغلَبون، فجاءت هذه الواقعة لتقول للدنيا لا غالب إلا الله، وأن فوق كل قوي من هو أقوى منه، وأن النصر من عند الله ينصر من يشاء.
ومن هنا كسبت سلطنة المماليك مركز الصدارة بين سلاطين المسلمين، كما استقامت لمصر زعامة جديدة في العالم الإسلامي. ولكن، ما أصل أولئك المماليك؟
أصل المماليك:
إنهم خليط من الأتراك والروم والأوربيين والشراكسة، جلبهم الحكام ليستعينوا بهم في القرن السادس الهجري
وحتى منتصف القرن السابع.
كان كل حاكم يتخذ منهم قوة تسانده، وتدعم الأمن والاستقرار في إمارته أو مملكته، وممن عمل على جلبهم والاستعانة بهم الأيوبيون، وبخاصة في عصورهم المتأخرة لما أصابهم الضعف واحتاجوا إلى الرجال. لقد كانوا يُباعون للملوك والأمراء، ثم يُدَرَّبون على الطاعة والإخلاص والولاء.
المماليك في مصر:
وعرفت مصر نوعين من هؤلاء المماليك:
1- المماليك البحرية وهم الذين أسكنهم الملك الصالح الأيوبي قلعة في جزيرة الروضة، ونسبوا إلى بحر النيل، أو سمّوا بذلك لأنهم قدموا من وراء البحار، وهؤلاء حكموا مصر من سنة (648-784ه/ 1250-1382م) وتداول عرش مصر في عهدهم أربعة وعشرون سلطانًا .
2- أما النوع الثاني فهم المماليك البرُجية أو الجراكسة، وسُمّوا بذلك لأن السلطان قلاوون أسكنهم أبراح قلعة الجبل، ولأن الجراكسة كانوا أكثر عددًا، وهؤلاء حكموا مصر من سنة (784-923ه/ 1382-1517م) وهم ثلاثة وعشرون سلطانًا.
لقد عرفت البداية لدولة المماليك، ولقد كانت النهاية على يد العثمانيين عند مرج دابق والريدانية (حي العباسية) سنة 923ه، وكانت الغلبة للعثمانيين الذين آلت إليهم ممتلكات المماليك ليبدءوا عهدًا جديدًا.
ولم يأخذ المماليك بمبدأ وراثة العرش، وإنما كان الطريق مفتوحًا أمام من أبدي شجاعة وإقدامًا ومقدرة. هذه هي المؤهلات في دولة المماليك التي قامت على أنقاض دولة الأيوبيين، وبعد مقتل توران شاه آخر سلاطين الأيوبيين بمصر.
التصدي للمغول:
إن المغول يزحفون..وإن الخطر قادم فلتتوقف الخلافات بين المسلمين، ولتتوحد القوى في مواجهة هذا العدو!
لقد استولى المغول علىالأراضي الإسلامية التابعة لخوارزم شاه، ثم واصلوا سيرهم -كما عرفت من قبل- مهددين العراق حتى أسقطوا الخلافة العباسية.
كانت مصر في ذاك الوقت يحكمها علي بن أيبك الذي كان في الخامسة عشرة، والذي تولى مصر بعد وفاة أبيه المعز أيبك، وكان ضعيفًا لا حول له في هذه الظروف الصعبة. وراحت مصر تتطلع إلى مملوك قوي يحمي حماها، ويصون أرضها. لقد سقطت الخلافة العباسية، واستولى التتار على بغداد وبقية مدن العراق، ثم اتجهوا نحو بلاد الشام التي كانت مقسَّمة إلى إمارات يحكمها أمراء أيوبيون، وتمكن التتار من الاستيلاء على حلب سنة 657ه/1277م.
سيف الدين قطز:
وفي هذه اللحظات التاريخية ظهر (سيف الدين قطز) وقد تولى حكم مصر، وقال قولته المشهورة : لابد من سلطان قاهر يقاتل عن المسلمين عدوهم.
ووصلت إلى مصر صرخات أهل الشام، واستغاثات أمرائهم من الأيوبيين: أن تحركوا واعملوا على إنقاذنا، لقد قتلوا العباد، وخربوا البلاد، وأسروا النساء والأطفال، وأصبحت مصر هي الأمل بعدما ضاع الأمل في الخلافة، وفي أمراء الشام. خرج "سيف الدين قطز" في عساكره، حتى انتهي إلى الشام.
عين جالوت:
وكان اللقاء عظيمًا عند (عين جالوت) في الخامس والعشرين من رمضان الذي وافق يوم جمعة. ولأول مرة يلقى المغول من يصدهم ويهزمهم هزيمة ساحقة، وكان النصر لراية الإسلام. وكانت صيحة واحدة صدق بها المسلمون ربهم "وا إسلاماه"، وفي يوم واحد، انقلبت الأوضاع، وأذن الله بنصره بعد عصر طويل من الذل والمهانة، وبعد جبال الأشلاء وأنهار الدماء التي غرق فيها المسلمون .
عزة بعد ذل:
ولكي تدرك مدى الضعف الذي كان عليه المسلمون قبل أن يعودوا إلى ربهم، فاعلم أن التتري كان يلقى المسلم في بغداد وليس معه سيف، فيقول للمسلم: قف مكانك حتى أحضر السيف لأقتلك. فيبقى المسلم جامدًا ذليلا في مكانه حتى يأتيه التتري بالسيف فيقتله به!
لقد قاتل سيف الدين قطز قتالا عظيمًا، وقاتل معه الأمراء المماليك حتى النصر .
الظاهر بيبرس:
ولكنه لقي مصرعه وهو في طريق العودة بعد النصر! ويتولى الأمر من بعده "الظاهر بيبرس البندقداري"، يتولى سلطنة مصر، والشام، ويبعث بإحضار أحد العباسيين إلى مصر ويعينه خليفة للمسلمين، وهو المستنصر بالله، وقد تولى بعد مقتله الحاكم بأمر الله الخلافة بمصر، وأُطلق عليه أمير المؤمنين، وكان يدعي له على المنابر، أما الأمر والنهي فهو للمماليك حتى سقطت الخلافة، وانتقلت من العباسيين إلى العثمانيين.
قتال الصليبيين:
وإذا كان التاريخ قد سجل للمماليك في حرب المغول بطولة رائعة، فقد سجل لهم قبيل سنة 648ه/ 1250م بسالتهم وإقدامهم في قتال الصليبيين عند "المنصورة" وعند "فارسكور" بقيادة الظاهر بيبرس.
إن الظاهر بيبرس لم يترك سنة في فترة ولايته دون أن يغزو الصليبيين ويحقق انتصارات عليهم. لقد استرد "الكرك" سنة 661ه/ 1263م، و"قَيْسَارِيَّة" سنة 663ه/ 1265م، وكثيرًا من البلاد التي استولى عليها الصليبيون مثل "صفد"، و"يافا"، و"أنطاكية" سنة 666ه/ 1268م. لقد وقف بيبرس للتتار وللصليبيين معًا بعد أن تحالفت قوى التتار والصليبيين ضد المسلمين. وكان لهما بالمرصاد، وأسس دولة المماليك تأسيسًا قويّا، وعندما لقي ربه سنة 676ه/ 1278م، استمر الملْك في ذريته حتى سنة 678ه/ 1279م .

ذلك هو الإطار الزماني، أما الإطار المكاني، فهو موطن حكم هذه الدول، وهو بلاد الشام ومصر، في المقام الأول، وبعض أرجاء الجزيرة العربية كالحجاز واليمن. أما ما كان خارج هذه البلاد في العصر العثماني فلا يدخل في إطار البحث، لأن المراكز الثقافية والفكرية والأدبية الكبرى كانت في أرض الشام ومصر في الدرجة الأولى.
المعالم الثقافية الكبرى للعصر
بين دول هذا العصر المختلفة معالم مشتركة وأخرى متباينة.
ولعل معالم العهد الزنكي والعهد الأيوبي والعهد المملوكي متقارب بعضها من بعض أكثر من قربها من معالم العهد العثماني.
ومن هذه المعالم أن اللغة العربية ظلت لغة رسمية للزنكيين والأيوبيين والمماليك، مع أن أصولهم غير عربية، ولغاتهم الأصلية غير عربية. أما في العهد العثماني، فقد غدت التركية لغة الدولة الرسمية، وبها تكتب المراسلات والمعاهدات والمعاملات، ثم تأتي بعدها في المقام الثاني اللغة الفارسية، وتدرّس في المدارس، ويتحدث بها كثير من المثقفين والحكّام، ثم تأتي العربية في المقام الثالث، والدولة العثمانية لا تحاربها، ولا تقف عقبة في وجه من يسعى إلى تعلمها، لأنها لغة القرآن والإسلام، ولهما في النفوس أرفع مقام. يضاف إلى ذلك أن السلاطين العثمانيين استولوا من مصر والشام على خير ما في خزائن كتبهما كما أخذوا إلى العاصمة اصطنبول خيرة علماء العربية ومهرة الصناع والحرفيين. وكان ذلك سبباً في تراجع الاهتمام وتدهور اللغة وتفشي اللحن والعامية والجهل والأمية إذ خلا البلدان ممن يرفع من شأن العربية.
اهتم الزنكيون والأيوبيون والمماليك بإنشاء المدارس، وحث الطلبة على العلم، ورصد المكافآت المغرية للمبرزين، وتكريم العلماء، وتوفير المناخ الطيب لإنتاجهم. وكان بناء المساجد يساير حركة بناء المدارس. والمساجد في عهدهم مواطن للعلم والدرس إلى جانب كونها للعبادة. وقد عرف الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بولعه بإنشاء المدارس المنظمة، وعمارة المساجد، حتى إنه استقدم من سنجار أحد المهندسين المهرة ليبني له المدارس الفائقة في حلب وحماة وحمص وبعلبك ويشرف على صيانتها. كما عرف بحبه للحديث الشريف، فأنشأ له مدارس خاصة، وأوقف عليها أوقافاً كبيرة، وولى مشيختها أكابر المحدثين في زمانه، كالحافظ أبي القاسم علي بن عساكر .
وعد صلاح الدين الأيوبي سلفه نور الدين في الإنفاق على التعليم وإنشاء المدارس الكثيرة في مصر والشام، وقد حملت جميعاً اسم «المدرسة الصلاحية»، واشتهر صلاح الدين بأنه أعظم مشيد لدور العلم في العالم الإسلامي بعد نظام الملك السلجوقي، وأصبحت دمشق في عهده تدعى «مدينة المدارس». وقد وصف ابن جبير ، في رحلته، هذه المدارس، ووجدها قصوراً أنيقة، ومن أحسن مدارس الدنيا منظراً.
وسار خلفاء صلاح الدين على سنته، فابتنوا مدارس كانت كل منها تنسب إلى بانيها، مثل: الظاهرية والصاحبية والعادلية والأشرفية والناصرية، وحتى نساء بني أيوب شدن عدداً من المدارس، كان منها «الشامية» و«الخاتونية»، وكذلك فعل كبار تجار العصر.
جاء عصر المماليك، وراح الحكام يتنافسون في إنشاء المدارس، حتى إن ابن بطوطة عجب من كثرتها، وذكر أنه لا يحيط بحصرها لكثرتها. وذكر من هذه المدارس: الظاهرية والمنصورية ومدرسة السلطان حسن، والسلطان برقوق، والمؤيد شيخ، وسواها.
أما في العصر العثماني فقد انقطع إنفاق الدولة على هذه المدارس كلها، ولم يبني الحكام مدارس جديدة، وإنما تركوا الحبل على الغارب، فذوت تلك المدارس وأخذ عددها يتناقص يوماً بعد يوم. وحل محلها كتاتيب صغيرة تعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب. كما تعلِّم القرآن الكريم وتجويده. حتى إذا أوغل الحكم العثماني في الزمن، ران الجهل على البلاد العربية المحكومة، وصار من النادر وجود من يحسن القراءة والكتابة فيها.
وفي عهد الزنكيين والأيوبيين والمماليك، ازداد عدد العلماء والشعراء والكتاب والمؤلفين زيادة كبيرة لأسباب، منها هروب العلماء والأدباء من شرقي العالم الإسلامي إلى مصر والشام إثر اجتياح التتار، وهروب العلماء والأدباء من غرب العالم الإسلامي (الأندلس) إلى مصر والشام، بعد اجتياح الإسبان للدولة الأندلسية المسلمة، ومن تلك الأسباب الاستقرار الأمني الذي تمتعت به بلاد مصر والشام في عهد الأيوبيين والمماليك، ورعاية حكامها للعلماء والأدباء، وتوفير المناخ العلمي والحياة الكريمة لهم مع الإجلال والاحترام.
وكان من نتيجة هذه العوامل أن استطاع العلماء تعويض المكتبة العربية الإسلامية بعض ما ضاع منها حرقاً أو إتلافاً أو سرقة، وكانوا في تأليفهم يعتمدون على ما وصل إليهم من العصور السابقة فيقومون بتصنيفه وترتيبه وتدوينه في كتب جامعة تقرب من الموسوعات. وكثرت في هذا العصر الشروح والذيول والحواشي، حتى سمي بعصر التحشية. لكن هذه الحقبة الخصبة نسبياً لم تستمر في عهد العثمانيين، وإنما اتخذ الشعر والتأليف مسار آخر، فيه من العقم أكثر مما فيه من الخصب. وكان لديوان الإنشاء، في عهد الأيوبيين والمماليك، أثر بالغ في النهضة العلمية، وازدهار الثقافة، لما كان فيه من إغراءات، وحوافز. وحين أبطله العثمانيون وأحلوا التزكية في الدواوين محله، تدهورت الثقافة، وانعدمت الحوافز، وساءت الكتابة بوجه عام.


الشعر
كثر عدد الشعراء في هذا العصر كثرة تلفت النظر، ولكن هذه الكثرة العددية لم تكن تواكبها إجادة شعرية متميزة. فكان الشعراء المجيدون قلة، ولم يتوقف موكب الشعر أو ينقطع في الأعصر الأدبية كافة على تباين الظروف، واختلاف الحكام، بل ظل يحتفظ بمكانته التقليدية من الرعاية والعناية، وظل الناس يكرمون الشاعر ويقدرونه، مع أن هذه الظاهرة تبدو جلية في عصر الأيوبيين والمماليك، وتغيب في العصر العثماني، ولاسيما في بلاطات الحاكمين.
صحيح أن نور الدين الزنكي كان يميل إلى تقريب رجال الحديث والعلماء أكثر مما كان يميل إلى الشعراء أو يغدق عليهم الأموال، لكن صلاح الدين كان أكثر تذوقاً للأدب من نور الدين، وألين حجاباً، وقد روي عنه أنه كان يحفظ «الحماسة» لأبي تمام،ويتمثل بالشعر، ويجيز الشعراء، حتى تقاطروا إلى بلاطه، ونظموا فيه القصائد الكثيرة، واتبع خلفاؤه سنته. وسار المماليك على النهج عينه.
فنون الشعر: لم تختلف موضوعات الشعر في هذا العصر عن موضوعات العصور السابقة، من مدح وهجاء وفخر وغزل ورثاء ووصف وشكوى وما إلى ذلك، كما وجدت في هذا العصر موضوعات جديدة.
الموضوعات التقليدية: أخذ شعراء هذه الحقبة معاني القدماء وصاغوها صياغة جديدة، وسبكوها في القوالب التقليدية المتداولة. فإذا وصف الشاعر القديم ممدوحه بأنه بحر أو غيث أو أسد أو شمس أو قمر أو متوج بتيجان الملوك أو تقي أو سليل أكارم وأماجد أو حام للدين وأهله، أو مذل للشرك وقومه.. جاء الشاعر اللاحق فاتبع سنن الشاعر السابق من دون أن يحيد عما جاء به قيد أنملة، كأن يضع نصب عينيه مقولة: «ما ترك الأول للآخر شيئاً».
وكان أمام الشاعر المتأخر، اللاحق، رصيد من المعاني والصور خلفها القدماء، في المديح والفخر والغزل والهجاء.. وتقتصر مهمة هذا الشاعر المتأخر أن يتطفل على هذا الرصيد فيأخذ منه ما يحتاج، ويزعم بعد ذلك أنه جاء بقصيدة.
كان السابق (الشاعر الأصيل) يتمثل الصورة الكلية لموضوعه، ويحيطها بدفء عواطفه وحرارة مشاعره، فتبدو حية نابضة متلألئة. أما اللاحق فهو أشبه ما يكون بالجزار يقطع من هذه الكتلة أو تلك، ويضم بعضها إلى بعض بعيداً عن خلجات قلبه وحرارة أنفاسه. مثل السابق قصيدة أبي تمام في فتح عمورية ومديح المعتصم، أو قصيدة أبي الطيب المتنبي في وصف معركة الحدث ومديح سيف الدولة، ومثل اللاحق قصيدة أبي منير الطرابلسي (ت548هـ) في مدح نور الدين وانتصاره على الصليبيين، وقصيدة ابن الساعاتي (ت604هـ) في فتح صلاح الدين بيت المقدس. وقد كان التفاوت كبيراً في جودة قصائد السابقين وقصائد اللاحقين وابتكار المعاني ومتانة الأسلوب.
وقد تهافت شعر المديح في العصر العثماني، وانحط إلى دركة مزرية، ولم يعد الشاعر يجد من يتوجه إليه بقصائده.
ولم يكن فن المديح في هذه العصور إلا كالفنون الأخرى من الشعر اتباعاً وتقليداً ووهناً، وإذا كان ثمة من فرق فهو في بعض مقدمات القصائد، إذ انحرفت إلى الغزل بالمذكر، أو قد يكون فخراً بمقتنيات كالدور والملابس والخدم والحشم، كفخريات منجك (ت1080هـ) أو قد يكون هجاء للبعوض والفئران والصراصير، كقصيدة جعفر البيتي (ت1052هـ) وقد أكثر هؤلاء الشعراء من وصف الأفيون وأثره في العقل والجسم.
الموضوعات المستحدثة: إلى جانب هذه الموضوعات التقليدية ظهرت موضوعات أخرى تتصل بسبب أو بآخر بما سبق من موضوعات وتتخذ لنفسها، في الوقت ذاته، مساراً مختلفاً له حدوده وقيوده، مما جعل المتأمل فيها يصفها بالجديدة المستحدثة. من هذه الموضوعات ما يلي:
ـ المدائح النبوية والاستغفار: جاء الغزاة الأوربيون إلى الشرق محتلين باسم الصليب، وجاء المغول ودمروا معظم معالم الحضارة العربية والإسلامية، وعمت الأوبئة والطواعين مصر والشام مراراً، وعم خلاف سلاطين بني أيوب والمماليك بعضهم مع بعض، وكان استبداد الحاكمين في رقاب الناس بالغاً، والحياة الاقتصادية في انهيار واضطراب. كل ذلك شجع على انطواء كثير من الناس على أنفسهم، وانعزالهم عن مجتمعاتهم، ولجوئهم إلى الله داعين مستغفرين، ومتقربين إليه بمديح الرسول وآله وصحبه. وانتشرت القصائد الكثيرة في مدح الرسول والتشفع به، وكذلك القصائد الطوال في الابتهال والاستغفار،ومن قصائد مدح الرسول ما سمي بالبديعيات، ويعد صفي الدين الحلي (ت750هـ) أول من نظمها وأول من أضاف إلى كل بيت لوناً من ألوان البديع وذلك في بديعيته التي استوحاها من قصيدة البوصيري (ت696هـ) [ر] المشهورة بالبردة ومطلعها:
أمــن تذكــر جيران بــــذي ســـــلم مـزجت دمعـاً جـــرى مـن مقلة بـدم
فاستهل الحلي قصيدته بقوله:
إن جئت سلعاً فسل عن جيرة العلم وأقر السلام على عزب بذي سـلم
ولما كانت قصيدة البوصيري «البردة» قد اقترنت برؤيا الرسول الكريم ...61541; في المنام، وبأنه ألقى عليه بردته ونهض الشاعر بعدها معافى من فالج ألم به، استدل الناس والشعراء على رضا الرسول ...61541; عن القصيدة. ومن هذا الباب راح الشعراء ينظمون القصائد على منوال «البردة» تقرباً من الرسول وطمعاً في شفاعته وتدفق السيل، فإذا مئات القصائد على توالي العصور تظهر متقيدة بمعاني بردة البوصيري وبحرها العروضي وميم رويها المكسورة. حتى إن كثيراً من المسلمين كانوا يوصون أن تكتب بعض أبيات البردة أو إحدى البديعيات على شواهد قبورهم تقرباً إلى الله وزلفى. ولم يكن مدح الرسول بدعاً في الشعر في هذا العصر ولا مستحدثاً، ولكن الجديد في الأمر هو الإفراط، فقد فاق ما قيل في هذا الموضوع جميع ما قيل في الموضوعات الأخرى في العصر كله.
ولقد اعتاد المدّاحون أن يستهلوا قصائدهم بالغزل وما يتصل بالشكوى من الفراق والهجر ونحو ذلك. أما في هذه المدائح فلهم استهلال آخر أوضحه ابن حجة في الخزانة فقال: «يتعين على الناظم أن يحتشم فيه ويتأدب، ويتضاءل ويتشبب مطرياً بذكر سلع ورامة وسفح العقيق والغدير ولعلع وأكناف حاجر، ويطرح ذكر محاسن المرد والتغزل في ثقل الردف ورقة الخصر وبياض الساق وحمرة الخد وخضرة العذار وما أشبه».
هذا اللون من الشعر أكثر عافية، وأقوم أسلوباً، وأكثر صدقاً، وأجزل لغة من شعر العصر في الأغراض الأخرى. وكان من أعلام هذا الفن الإمام الصرصري (ت656هـ) والبوصيري وابن معتوق (ت707هـ) والشهاب محمود الحلبي (ت725هـ) وابن الوردي (ت749هـ) والإمام البرعي (ت803هـ) ومجد الدين الوتري (ت980هـ).
ـ الشعر الصوفي: هو ضرب من الشعر الديني، بينه وبين المديح النبوي والبديعيات وشائج وصلات، لكنه يتخذ مساراً يختلف عن مساريهما معنى ومبنى، أما المعنى فيقوم على الحب الإلهي، وهذا الحب عماده وجوهره وغايته وثمرته. والحب، في عرف أصحابه، حالة ذوقية تفيض على قلوب المحبين، مالها سوى الذوق إفشاء، ولا يمكن أن يعبر عنها إلا من ذاقها، ومن ذاقها ذاهل عن كنهها، كمثل من هو طافح سكراً، إذا سئل عن حقيقة السكر الذي هو فيه لا يمكنه التعبير لأنه سكران. والفرق بين سكر المحبة وسكر الخمرة أن سكر الخمرة يمكن زواله، ويعبر عنه في حين الصحو، وسكر المحبة ذاتي لازم، لا يمكن لصاحبه أن يصحو منه حتى يخبر فيه عن حقيقته.
أما المبنى فيقوم على ثلاث دعائم، هي الغزل العذري والخمريات والرمز وقد عرفت هذه العصور شعراء كباراً متصوفين، منهم السهروردي (ت587هـ) وابن الفارض (ت632هـ) وابن عربي (ت638هـ) وأبو العباس المرسي (ت686هـ) والعفيف التلمساني (ت690هـ) وابن عطاء الله السكندري (ت709هـ) وعائشة الباعونية (ت922هـ) وغيرهم.
ـ التأريخ الشعري: ويقوم على «حساب الجمل» في ضبط تاريخ واقعة بحروف تتألف منها كلمة أو جملة أو شطر، يكون مجموع جملها يساوي تاريخ تلك الواقعة، ويأتي الشاعر بهذه الكلمة أو الجملة بعد كلمة «أرّخ» أو مشتقاتها.
وترتب الحروف ترتيباً أبجدياً، أي: أبجد، هوز،حطي، كلمن، سعفص، قرشت، ثخذ، ضظغ، وكل من هذه الحروف له قيمته العددية، والجديد في هذا اللون أن العصر العثماني فاض به، حتى نظم به كل من كان ذا قدرة على النظم، وأن بعض الشعراء أتوا بالعجب العجاب.
وفي كتاب «سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر» لابن معصوم قصيدتان في التأريخ الشعري كل منهما آية في بابها.
ـ الشعر التعليمي (نظم العلوم): شاع في العصر المملوكي والعثماني (نظم العلوم)، فعلم النحو يسبك في ألفية، والفقه كذلك، والفرائض والمنطق وسواها، وغالباً ما تكون هذه المنظومات من بحر الرجز ليسهل حفظها. وقد يأتي بعض العلماء إلى واحدة من هذه الأراجيز فينشئ عليها شرحاً، ويأتي آخر ويضع حاشية، وثالث يكتب حاشية على الحاشية، وخير مثال على ذلك ألفية ابن مالك.
ـ الأحاجي والألغاز: لم يسلم منها شاعر، ولم يخل منها ديوان، وكانت عنواناً على قدرة الشاعر على اختراع صورة لفظية تتوارى المعاني وراءها، وهي وسيلة من وسائل التسلية في المجالس، وربما عمد صاحبها إلى مكاتبة إخوانه بها، وطلب منهم أن يحلّوها. وتذهب الرسالة الحاملة للقصيدة اللغزية من بلد إلى بلد، وغالباً ما يعود الجواب بحل اللغز في قالب شعري، ويكون متبعاً بلغز آخر يطالب صاحبه بحلّه، وهكذا. كان من أعلام هذا اللون صفي الدين الحلّي والشَّرف الأنصاري وابن عنين (ت630هـ) ومحيي الدين بن عبد الظاهر (ت692هـ) وإبراهيم بن عبد الله القبراطي (ت781هـ) وابن حجة الحموي (ت837هـ).
ـ شعر الحشيشة: وقد أصبح هذا الغرض الجديد كالخمرة من أغراض الشعر، وأحد الموضوعات التي قالوا فيها القصيد.
ـ النقد الاجتماعي: اتخذ هذا اللون في الغالب، صورة الشعر الضاحك تارة والساخر أخرى والمر في ثالثة. فالوضع السيء الذي كان يعيش فيه الناس، والشعراء منهم، من فقر وبؤس ومصادرات واستبداد وقطع طرق وانتشار لصوص، واستيلاء أعاجم على حكم الأرض العربية، وفساد في الدوائر، وانتشار رشوة، وما أشبه ذلك، دفع الشعراء إلى التعبير عن هذه المآسي بشيء من التّقيّة حيناً، والصراحة حيناً آخر، بهذه القوالب المنظومة.
ومن الشعراء الذين اشتهروا بالنقد ابن قلاقس (ت567هـ)، وابن عنين،وأبو الحسين الجزّار (ت679هـ)، والبوصيري، وابن دانيال (ت710هـ) والحلّي، وابن سودون اليشبغاوي (ت868هـ)، وعامر الأنبوطي.
الخصائص العامة لشعر العصر: ضعفت ثقافة الشعراء في ذلك العصر، وضحلت محفوظاتهم ومعلوماتهم، وانصرف الشاعر عن امتهان الشعر، واتخذه هواية وتسلية: فقد يكون قاضياً أو معلماً أو كحّالاً أو ورّاقاً أو جزّاراً، فهو ينصرف إلى مزاولة مهنته أولاً، ثم يعاني نظم الشعر، وقد انفصل الشاعر عن مجتمعه وحكّام زمانه، وكان هذا الانفصال نتيجة وليس سبباً، فقد كان ينظم بلغة، ويتحدث هو وأبناء عصره بلغة أخرى. وكان بين لغته ولغة الناس بون شاسع، حتى لتوشك لغة النظم أن تصبح لغة أجنبية لدى الناس، كذلك طغت الركاكة والتعبيرات العامية على الشعر. والركاكة غير العامية، فهي تنشأ عن عدم تمكن الشاعر من اللغة التي يكتب بها لافتقاره إلى معرفة أصولها وأسرارها ودقائق الفروق بين مفرداتها: إنها - أي الركاكة - العجز عن استعمال اللغة بدقة ومهارة، والاستعاضة عنها بالعامية والعبارات السوقية.
وقد ارتبط شاعر العصر بالتراث والماضي، وكان يضع نصب عينيه مقولة: «ما ترك الأوائل للآخر شيئاً». ولذلك كان ينهج نهج السلف تفكيراً وتعبيراً. وافتقد العصر النقاد الفنيين الذين يقومون لكل شاعر إنتاجه. وكان علماء البلاغة أقدر من سواهم على أداء هذه المهمة، لكنهم انصرفوا إلى المنطق، وإلى جزئيات لا تسمن ولا تغني، فأضاعوا الغاية من البلاغة، كما أضاعوا البلاغة ذاتها. واستعاض شاعر العصر عن الابتكار والتجديد بالمبالغات الكبيرة التي تصل إلى حد الإغراق والغلو الذي يرفضه العقل وتأباه العادة، وينكره الذوق.
واتكأ الشاعر على ألوان المحسنات البديعية بدلاً من أن يبدع فكرة، أو يجود في تعبير. ووصل اقتران البديع إلى أقصاه في البديعيات، وهي قصائد مطوّلة، تزيد على خمسين بيتاً، منظومة على البحر البسيط، تكون الميم المكسورة فيها روياً ويحمل كل بيت لوناً من ألوان البديع، مذكوراً صراحة أو ضمناً، ومعانيها تدور حول السيرة النبوية. وقد أوجدت هذه البديعيات حركة أدبية نشطة في اللغة والأدب وحركة التأليف فكثر شارحوها والمعلِّقون عليها، كما كثرت في الدراسات التاريخية إذ أظهر المؤرخون ما تضمنته من إشارات دينية وتاريخية. وأثرت في الحركة الأدبية، فكثر تشطيرها وتضمينها وتخميسها وتسبيعها، وتعشيرها ومعارضتها. وانتقلت البديعيات إلى لغات العالم الإسلامي فنظم الأتراك والفرس والهنود بديعيات بلغاتهم، ونظم النصارى بديعيات في عيسى عليه السلام. وزادت الصنعة ذلك عند بعض الشعراء فغدا كثير من الشعر ألاعيب لفظية من جناس وتورية وشعر محبوك وشعر منظوم من حروف مهملة أو حروف معجمة، أو موصولة أو مفصولة، أو تحتوي كل كلمة على حرف معين، أو تحمل الكلمة معنيين، معنى ظاهراً وآخر باطناً، هو اسم كتاب، أو لغز، أو واقعة، أو يقرأ البيت طرداً، وعكساً فإذا هو شيء واحد، أو تكون قراءة الطرد مدحاً وقراءة العكس ذماً، أو يكون فيه تشجير أو اقتباس أو تضمين أو رد أعجاز على صدور، أو غير ذلك من الألاعيب والشكليات. كذلك خرج عدد من شعراء العصر إلى أوزان جديدة، دفع إليها التعبير العامي والركاكة، ومن الأوزان: المواليا والزجل والقوما والكان كان ونحوها.
أعلام الشعر في هذا العصر: يعثر الباحث في هذه الحقبة من التاريخ العربي على أسماء للشعراء لا حصر لها. فقد ظهر إبان الحكم الأيوبي ابن قسيم الحموي، مسلم بن الخضر التنوخي (ت542هـ). ابن القيسراني، محمد ابن نصر (ت548هـ). ابن منير الطرابلسي، أحمد (ت548هـ). عرقلة الدمشقي، حسان بن نمير الكلبي (ت567هـ). ابن قلاقس نصر الله عبد الله (ت567هـ). سبط بن التعاويذي (ت583هـ). ابن المعلم، محمد ابن عبيد الله (ت592هـ). ابن الساعاتي، علي ابن محمد بن رستم (ت604هـ). ابن النبيه، علي بن محمد بن يوسف (ت619هـ). ابن عنين، محمد بن نصر بن الحسين (ت630هـ). ابن الفارض عمر بن علي (ت632هـ) الحاجري، عيسى بن سنجر (ت632هـ)، ابن عربي، محيي الدين (ت638هـ). ابن مطروح، يحيى بن عيسى (ت650هـ). البهاء زهير بن محمد المهلبي (ت656هـ).
وتطالعنا في عصر المماليك أسماء كثيرة من أشهرها: شرف الدين الأنصاري، عبد العزيز ابن محمد (ت 662هـ). الصرصري، يحيى بن يوسف (ت656هـ). التلعفري، محمد بن يوسف (ت672هـ). الجزار، يحيى بن عبد العظيم (ت679هـ). الشاب الظريف، محمد ابن سليمان (ت688هـ). الوراق،عمر بن محمد (ت 688هـ). البوصيري، محمد بن سعيد (ت695هـ). ابن دانيال، محمد (ت710هـ)، ابن الوردي، عمر بن مظفر (ت749هـ). صفي الدين الحلي، عبد العزيز بن سرايا (ت750هـ). ابن نباتة، محمد بن محمد (ت768هـ). البرعي، عبد الرحيم بن أحمد (ت803هـ). ابن سودون، علي (ت868هـ). ابن مليك الحموي، علي بن محمد (ت917هـ). الباعونية، عائشة بنت يوسف (ت922هـ).
أما أشهر شعراء العصر العثماني فهم: عبد الله بن أحمد باكثير (ت925هـ). شهاب الدين العناياتي (ت1014هـ). فتح الله النحاس الحلبي المدني (ت1052هـ). ابن معتوق، شهاب الدين الموسوي (ت1087هـ). منجك اليوسفي الدمشقي (ت1080هـ). ابن النقيب الحسيني (ت1081هـ). مصطفى الباني الحلبي (ت1091هـ). عبد الغني النابلسي (ت1143هـ). عبد الله الشبراوي (ت1171هـ). أحمد المنيني الطرابلسي (ت1172هـ). عامر الأنبوطي (ت1173هـ). جعفر البيتي المدني (ت1182هـ). عبد الله الأدكاوي المصري (ت1184هـ).
النثر
كان الشعر في العصر العباسي في أزهى أيامه. ثم راح ينحدر قليلاً في العصور التالية، حتى إذا كان العصر العثماني كاد يلفظ أنفاسه.
أما النثر الفني، والكتابة الأدبية، فقد بدأ انحدارهما منذ أيام العميد (ت360هـ) والصاحب بن عباد (ت385هـ) الذي كان يتساهل بضياع دولة ولا يتساهل بهروب سجعة من أسلوبه، والحريري (516هـ) الذي أشاع في مقاماته حب مطاردة السجع والجناس والزخارف في شتى صورها ليوقعها في شباك كتابته، حتى لا تند منه سانحة أو بارحة. ويقتفي الخطيب الحصكفي (ت551هـ) خطا أرباب التعقيد والتصنع واصطياد المحسنات اللفظية أو المعنوية من الذين سبقوه زماناً، فإذا هو يبذهم ويخرج إلى الناس برسائل وخطب ليس فيها إلا هذه القشور، أما اللباب والمعاني المبتكرة والأفكار المبدعة فلا وجود لها ولا أثر.
فنون النثر: مجالات النثر كثيرة، ولعلها أرحب مما هي في الشعر وأوسع دائرة وأكثر حرية، وبالنثر يستطيع الإنسان التعبير عما يريد بيسر وسهولة أكثر من الشعر المنظوم الموزون. وحصراً لمجالات النثر يمكن القول: إنها تدور في: رسائل وكتابات ديوانية رسمية، ورسائل ومكاتبات إخوانية، ومقامات أدبية، وخطب منبرية، ومؤلفات علمية. ويمكن القول كذلك: إن معظم الكتابات الديوانية، والرسائل الإخوانية، والمقامات الأدبية، والخطب المنبرية، طبعت بطابع العصر الذي كتبت فيه، وحملت سماته وصفاته، من كلفة وتصنع مقبول، إلى كلفة وتصنع ومبالغة في اصطياد المحسنات البديعية على حساب المعنى، سواء أكتبت تلك الآثار في العصر الأيوبي أم المملوكي أم العثماني. وإن في تقليب آثار هذه العهود شاهداً على هذا الحكم.
أما المؤلفات العلمية، فإن أكثرها ما كان يعبأ بتلك المحسنات، لأنها تبعد القارئ عن فهم المراد من المعنى، وعن الوقوف على دقائق الأمور التي يتحدث الكاتب المؤلف عنها.
وأنه لمن العسير في هذا المقام استعراض أسلوب كل مؤلفات هذه الحقبة وقد تجاوزت الآلاف عدداً، والمئات علوماً وفروعاً. وقد عوض مؤلفوها المكتبة العربية التي نهب الصليبيون كثيراً منها، ثم أحرق المغول ما تبقى فيها، وضاع منها ما ضاع بفعل الكوارث والخلافات الفكرية والمذهبية، كما أن هذه الحقبة تعد أغنى حقبة في الحركة التأليفية في العصور العربية.
لقد ضاع أكثر الأصول التي نقلوا منها واعتمدوا عليها، ولم يبق إلا ما تركه أبناء هذه العصور، وخير مثل على ذلك تلك الأصول التي اعتمد عليها ابن منظور (ت711هـ) أو جلال الدين السيوطي (ت911هـ) أو مؤلفو الموسوعات كالقلقشندي (ت 821هـ) في مؤلفه «صبح الأعشى» أو العمري (ت748هـ) في «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار»، أو النويري (ت732هـ) في «نهاية الأرب في فنون الأدب»، وغير ذلك كثير. ويكفي القول إن كتاب حاجي خليفة «كشف الظنون» وحده، ذكر أسماء ثلاثمئة علم، في خمسة عشر ألف كتاب، ألفها عشرة آلاف عالم، معظمهم كان من أبناء هذه العصور.
خصائص النثر وأعلامه: كان من أشهر العلماء والكتاب الذين عاشوا في العصر الأيوبي والمملوكي القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني (ت596هـ) والعماد الأصبهاني (ت597هـ) وكلاهما كتب للأيوبيين، وإن كان القاضي الفاضل قبل ذلك قد كتب للفاطميين بمصر في ديوان الإنشاء. وقد تآلف هذان الرجلان في حياتهما وعقدت الصداقة بينهما أواصر المحبة، وقد تآلفا كذلك في أسلوبهما الأدبي، حتى لكأن هذا ذاك، وكتابة ذاك هي كتابة هذا. وربما جاز القول: إن القاضي والعماد طبعا العصر الأيوبي والمملوكي بطابعيهما، وكانا المثل الأعلى لكل كتّاب العصر الذي تلا. لقد ورثا من العصور السابقة، ولاسيما العصر العباسي، ما تواضع عليه أكابر الكتّاب كابن العميد والصاحب والحريري والمعري (ت449هـ) والتبريزي (ت502هـ) والحصكفي من تكلف وتصنع وتعقيد واصطياد للسجع أو الجناس أو غير ذلك من هذه الألوان البديعية، ثم زادا على ما ورثا ما أبدعته قريحة كل منهما: فبلغ الجناس المعكوس،على أيديهما، ذروته، ومالا يستحيل بالانعكاس يكثر ويتعاظم، والتلاعب اللفظي يعم ويطغى. إلى جانب ذلك كله كانت ترى بعض التعابير الرشيقة، والصور اللطيفة، وبعض الكتابات الخفيفة الظل، مما يشهد لهما بحسن الذوق ودقة الصناعة والقدرة على اجتذاب القارئ. وظلت مدرسة الرجلين في الأسلوب قائمة في عصر المماليك، وكان ديوان الإنشاء أكبر حافز لشداة الجاه والرزق والشهرة والوزارة والقرب من السلطان، وكان القلقشندي المعين الأكبر لهؤلاء الطلبة على معرفة ما يوجبه الانتساب إلى ديوان الإنشاء من علوم ومعارف وأساليب. وكان كتابه «صبح الأعشى في صناعة الإنشا» خير دليل على هذه المواصفات.
وقد برز في هذا العصر صوت شاذ يحارب طريقة القاضي الفاضل والعماد الكاتب وينعى على المتكلفين طريقتهم، ويقف في وجه هذه الأساليب، ذلك هو صوت ضياء الدين بن الأثير الجزري (ت637هـ) ولاسيما في كتابه «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر»، وقد امتازت كتابته هو ممن ذكروا بالتجديد، وكانت أفكاره في كتابه المذكور ثورة في الإنشاء الأدبي في عصره، إذ خالف الأساليب المتبعة وحمل على أصحابها، ولدى التدقيق في أسلوب ابن الأثير يتضح اعتماده في شتى كتاباته العامة والخاصة والإخوانية والديوانية الرسمية أو التأليفية على أسلوبين اثنين: أسلوب مسجع، وأسلوب مطلق. أما السجع فغلب على نثره الديواني، وهو كتاب في الديوان، وعلى نثره الإخواني. وأما المطلق فقد استخدمه في تصانيفه، ولاسيما في «المثل السائر»، وفيه ابتعد عن السجع واللعب بالعبارات والإكثار من المحسنات اللفظية. لقد وظّف ابن الأثير الألفاظ في خدمة المعاني، وأتى بآراء جديدة، تكاد تكون اليوم معتمدة وأساسية لدى معظم النقاد المعاصرين، منها: أن السجع يكون مقبولاً إذا كان طبيعياً ومعتدلاً، وأن يكون فيه اللفظ تابعاً للمعنى، وأن غرائب الألفاظ تشين الكتابة الأدبية وينبغي تحاشيها، وأن الكلفة والتصنع في تأليف العبارة يوديان بقيمتها وأثرها. وفي الحق، إن ابن الأثير حاول أن يعدل بتلك الأساليب المنتشرة في ذلك العصر نحو الاتجاه السليم، لكن طغيان التقليد والتصنع جعل محاولته زوبعة في فنجان.
أما في العصر العثماني، فقد سبق القول إن اللغة العربية انزوت في كتاتيب ومدارس صغيرة، وغدت اللغة الثالثة بعد التركية والفارسية، إضافة إلى إلغاء ديوان الإنشاء أصلاً، وإحلال اللغة التركية محل العربية، وعدم تشجيع السلاطين على العلم والأدب والإجادة في التعبير. وعم الفقر والجهل مختلف الربوع، مما أدى إلى تدهور الكتابة، بل تدهور العلم في شتى ألوانه وضروبه، اللهم إلا بعض قبسات مضيئة في هذا العصر القاتم ظلامه.









 


قديم 2012-10-19, 20:08   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
سطايفية بكل فخر
مشرف منتدى التقنيّة، ومنتديات الثقافة الطبيّة والعلوم
 
الصورة الرمزية سطايفية بكل فخر
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز العضو المميز المواضيع المميزة 2014 
إحصائية العضو










افتراضي

اخي لقد جمعت لك هده المقالات واظن انو فيها ما تبحث عنه انا لم انظمها لاني لا اعرف عناصر موضوعوك بالضبط
يبقى عليك ترتيب موضوعك بما طلبته منك الجامعة
واي مساعدة انت تحت الخدمة










قديم 2012-10-20, 05:32   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
اسامة مسلم
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية اسامة مسلم
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لكـ بنت بلآدي و حزآكـ ربي الجنّة










قديم 2012-10-20, 09:14   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
سطايفية بكل فخر
مشرف منتدى التقنيّة، ومنتديات الثقافة الطبيّة والعلوم
 
الصورة الرمزية سطايفية بكل فخر
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز العضو المميز المواضيع المميزة 2014 
إحصائية العضو










افتراضي

اللهم امين اجمعين ان شاء الله
بالتوفيق لك










 

الكلمات الدلالية (Tags)
استفسار, فضلكم


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 11:02

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc