|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
صفحة خاصة بالتحضير للثقافة العامة
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2013-12-10, 11:30 | رقم المشاركة : 16 | ||||
|
الفساد الإداري.. مفهومه ومظاهره وأسبابه: مع أشارة إلى تجربة العراق في الفساد تعتبر ظاهرة الفساد والفساد الإداري والمالي بصورة خاصة ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ إبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر. إذ حظيت ظاهرة الفساد في الآونة الأخيرة باهتمام الباحثين في مختلف الاختصاصات كالاقتصاد والقانون وعلم السياسة والاجتماع، كذلك تم تعريفه وفقاً لبعض المنظمات العالمية حتى أضحت ظاهرة لا يكاد يخلو مجتمع أو نظام سياسي منها. وهنا نسلط الضوء على مفهوم الفساد، مظاهره، أسبابه والآثار والانعكاسات المؤثرة ثم نعرج على تجربة العراق في الفساد الإداري محاولين تسليط الضوء على خصائص وإبعاد هذه التجربة والآثار السلبية الناتجة عنها ثم نأتي إلى وضع ابرز الحلول والمعالجات الموضوعية للحد من تأثير هذه الظاهرة على المجتمعات البشرية. أولاً:- تحديد مفهوم الفساد. يقتضي الاتفاق في معظم البحوث الأكاديمية على تحديد معنى المصطلحات المستخدمة ومضمونها حتى ينحصر الجدل في إطاره الموضوعي، واستناداً إلى ذلك، فإنه يمكن تعريف الفساد لغةً واصطلاحاً. الفساد لغةً:- الفساد في معاجم اللغة هو في (فسد) ضد صَلُحَ (والفساد) لغة البطلان، فيقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل، ويأتي التعبير على معانٍ عدة بحسب موقعه. فهو (الجدب أو القحط) كما في قوله تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) (سورة الروم الآية41) أو (الطغيان والتجبر) كما في قوله تعالى (للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً) (سورة القصص الآية83) أو (عصيان لطاعة الله) كما في قوله تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً إن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم عذاب عظيم) (سورة المائدة الآية33) ونرى في الآية الكريمة السابقة تشديد القرآن الكريم على تحريم الفساد على نحو كلي، وإن لمرتكبيه الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة. الفساد اصطلاحاً:- ليس هناك تعريف محدد للفساد بالمعنى الذي يستخدم فيه هذا المصطلح اليوم، لكن هناك اتجاهات مختلفة تتفق في كون الفساد هو إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص. ويحدث الفساد عادة عندما يقوم موظف بقبول أو طلب ابتزاز رشوة لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة. كما يمكن للفساد إن يحدث عن طريق استغلال الوظيفة العامة من دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الأقارب ضمن منطق (المحسوبية والمنسوبية) أو سرقة أموال الدولة مباشرةً. إن ظاهرة الفساد الإداري ظاهرة طبيعية في المجتمعات الرأسمالية حيث تختلف درجات هذا الفساد إلى اختلاف تطور مؤسسة الدولة. إما في بلدان العالم الثالث فإن لفساد مؤسسات الدولة وتدني مستويات الرفاه الاجتماعي تصل إلى أقصى مدياتها، وهذا ناتج عن درجة التخلف وازدياد معدلات البطالة. فالفساد قد ينتشر في البنى التحتية في الدولة والمجتمع، وفي هذه الحالة يتسع وينتشر في الجهاز الوظيفي ونمط العلاقات المجتمعية فيبطيء من حركة تطور المجتمع ويقيد حوافز التقدم الاقتصادي. إن الآثار المدمرة والنتائج السلبية لتفشي هذه الظاهرة المقيتة تطال كل مقومات الحياة لعموم أبناء الشعب، فتهدر الأموال والثروات والوقت والطاقات وتعرقل أداء المسؤوليات وإنجاز الوظائف والخدمات، وبالتالي تشكل منظومة تخريب وإفساد تسبب مزيداً من التأخير في عملية البناء والتقدم ليس على المستوى الاقتصادي والمالي فقط، بل في الحقل السياسي والاجتماعي والثقافي، ناهيك عن مؤسسات ودوائر الخدمات العامة ذات العلاقة المباشرة واليومية مع حياة الناس. إن الفساد له آلياته وآثاره ومضاعفاته التي تؤثر في نسيج المجتمعات وسلوكيات الأفراد وطريقة أداء الاقتصاد وتعيد صياغة (نظام القيم) وهناك آليتين رئيسيتين من آليات الفساد: 1. آلية دفع (الرشوة) و(العمولة) (المباشرة) إلى الموظفين والمسؤولين في الحكومة، وفي القطاعين العام والخاص لتسهيل عقد الصفقات وتسهيل الأمور لرجال الأعمال والشركات الأجنبية. 2. وضع اليد على (المال العام) والحصول على مواقع متقدمة للأبناء والأصهار والأقارب في الجهاز الوظيفي. وهذا النوع من الفساد يمكن تسميته بـ(الفساد الصغير) وهو مختلف تماماً عن ما يمكن تسميته بـ(الفساد الكبير) المرتبط بالصفقات الكبرى في عالم المقاولات وتجارة السلاح، ويحدث مثل هذا الفساد الكبير عادةً على المستويين السياسي والبيروقراطي مع ملاحظة إن الأول يمكن أن يكون مستقلاً بدرجة أو بأخرى، عن الثاني أو يمكن أن تكون بينهما درجة عالية من التداخل والتشابك. إذ عادةً ما يرتبط (الفساد السياسي) بالفساد المالي حين تتحول الوظائف البيروقراطية العليا إلى أدوات للإثراء الشخصي المتصاعد. ومع تعدد التعاريف المتناولة لمفهوم الفساد، إلى أنه يمكن القول إن الإطار العام للفساد ينحصر في سوء استعمال السلطة أو الوظيفة العامة وتسخيرها لقاء مصالح ومنافع تتعلق بفرد أو بجماعة معينة. ثانياً:- مظاهر الفساد: والفساد من حيث مظهره يشمل أنواع عدة منها:- 1. الفساد السياسي:- ويتعلق بمجمل الانحرافات المالية ومخالفات القواعد والأحكام التي تنظم عمل النسق السياسي (المؤسسات السياسية) في الدولة. ومع أن هناك فارق جوهري بين المجتمعات التي تنتهج أنظمتها السياسية أساليب الديمقراطية وتوسيع المشاركة، وبين الدول التي يكون فيها الحكم شمولياً ودكتاتورياً، لكن العوامل المشتركة لانتشار الفساد في كلا النوعين من الأنظمة تتمثل في نسق الحكم الفاسد (غير الممثل لعموم الأفراد في المجتمع وغير الخاضع للمساءلة الفعالة من قبلهم) وتتمثل مظاهر الفساد السياسي في: الحكم الشمولي الفاسد، وفقدان الديمقراطية، وفقدان المشاركة، وفساد الحكام وسيطرة نظام حكم الدولة على الاقتصاد وتفشي المحسوبية. 2. الفساد المالي:- ويتمثل بمجمل الانحرافات المالية ومخالفة القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة ومؤسساتها ومخالفة التعليمات الخاصة بأجهزة الرقابة المالية كالجهاز المركزي للرقابة المالية المختص بفحص ومراقبة حسابات وأموال الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة والشركات، ويمكن ملاحظة مظاهر الفساد المالي في: الرشاوى والاختلاس والتهرب الضريبي وتخصيص الأراضي والمحاباة والمحسوبية في التعيينات الوظيفية. 3. الفساد الإداري:- ويتعلق بمظاهر الفساد والانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية وتلك المخالفات التي تصدر عن الموظف العام إثناء تأديته لمهام وظيفته في منظومة التشريعات والقوانين والضوابط ومنظومة القيم الفردية التي لا ترقى للإصلاح وسد الفراغ لتطوير التشريعات والقوانين التي تغتنم الفرصة للاستفادة من الثغرات بدل الضغط على صناع القرار والمشرعين لمراجعتها وتحديثها باستمرار. وهنا تتمثل مظاهر الفساد الإداري في: عدم احترام أوقات ومواعيد العمل في الحضور والانصراف أو تمضية الوقت في قراءة الصحف واستقبال الزوار، والامتناع عن أداء العمل أو التراخي والتكاسل وعدم تحمل المسؤولية وإفشاء أسرار الوظيفة والخروج عن العمل الجماعي. والواقع إن مظاهر الفساد الإداري متعددة ومتداخلة وغالباً ما يكون انتشار احدها سبباً مساعداً على انتشار بعض المظاهر الأخرى. 4. الفساد الأخلاقي:- والمتمثل بمجمل الانحرافات الأخلاقية والسلوكية المتعلقة بسلوك الموظف الشخصي وتصرفاته. كالقيام بإعمال مخلة بالحياء في أماكن العمل أو أن يجمع بين الوظيفة وأعمال أخرى خارجية دون أذن أدارته، أو أن يستغل السلطة لتحقيق مآرب شخصية له على حساب المصلحة العامة أو أن يمارس المحسوبية بشكلها الاجتماعي الذي يسمى (المحاباة الشخصية) دون النظر إلى اعتبارات الكفاءة والجدارة. ثالثاً:- أسباب الفساد وانعكاساته:- للفساد أسباب وانعكاسات عديدة يمكن ملاحظتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، على أن هذا لا يعني أن الفساد مقتصر على وجود هذه العوامل الثلاث ولكن لأغراض البحث العلمي ولأهمية هذه العوامل في بنية وتكوين المجتمع يمكن رصد هذه الأسباب. ففيما يتعلق بالجوانب والأسباب السياسية الملازمة لظاهرة الفساد، يمكن القول أن عوامل مختلفة تقف وراء شيوع هذه الظاهرة تتناغم في شدتها ودرجتها طردياً مع تنامي ظاهرة الفساد منها عدم وجود نظام سياسي فعّال يستند إلى مبدأ فصل السلطات وتوزيعها بشكل انسب أي غياب دولة المؤسسات السياسية والقانونية والدستورية وعند هذا المستوى تظهر حالة غياب الحافز الذاتي لمحاربة الفساد في ظل غياب دولة المؤسسات وسلطة القانون والتشريعات تحت وطأة التهديد بالقتل والاختطاف والتهميش والإقصاء الوظيفي. وهناك عامل آخر يتعلق بمدى ضعف الممارسة الديمقراطية وحرية المشاركة الذي يمكن أن يسهم في تفشي ظاهرة الفساد الإداري والمالي ذلك أن شيوع حالة الاستبداد السياسي والدكتاتورية في العديد من البلدان يسهم بشكل مباشر في تنامي هذه الظاهرة وعندها يفتقد النظام السياسي أو المؤسسة السياسية شرعيتها في السلطة وتصبح قراراتها متسلطة بعيدة عن الشفافية، فضلاً عن حرية نشاط مؤسسات المجتمع المدني. كما يمكن لظاهرة الفساد أن تأخذ مداها وتبلغ مستوياتها في ظل عدم استقلالية القضاء وهو أمر مرتبط أيضاً بمبدأ الفصل بين السلطات إذ يلاحظ في معظم البلدان المتقدمة والديمقراطية استقلالية القضاء عن عمل وأداء النظام السياسي وهو ما يعطي أبعاداً أوسع فعالية للحكومة أو النظام السياسي تتمثل بالحكم الصالح والرشيد، فاستقلالية القضاء مبدأ ضروري وهام يستمد أهميته من وجود سلطة قضائية مستقلة نزيهة تمارس عملها بشكل عادل وتمتلك سلطة رادعة تمارسها على عموم المجتمع دون تمييز. وهنا فأن السلطة الرادعة هذه تعتبر من أهم مقومات عمل السلطة القضائية لتأخذ دورها في إشاعة العدل والمساواة بين أفراد المجتمع. هناك عامل آخر يمكن أن يسهم في تفشي ظاهرة الفساد متمثل بقلة الوعي (الوعي السياسي) وعدم معرفة الآليات والنظم الإدارية التي تتم من خلالها ممارسة السلطة. وهو أمر يتعلق بعامل الخبرة والكفاءة لإدارة شؤون الدولة. يضاف إلى تلك العوامل والأسباب السياسية المتعلقة بظاهرة الفساد عوامل أخرى اقتصادية منها: غياب الفعالية الاقتصادية في الدولة ذلك أن اغلب العمليات الاقتصادية هي عبارة عن صفقات تجارية مشبوهة أو ناتجة عن عمليات سمسرة يحتل الفساد المالي فيها حيزاً واسعاً، وهو ما سينعكس بصورة أو بأخرى على مستوى وبنية الاقتصاد الوطني، إذ ستؤثر هذه العمليات على مدى سير عملية تنفيذ المشاريع وبالتالي على عملية الإنتاج. من جهة أخرى، أن مستوى الجهل والتخلف والبطالة يشكل عامل حاسم في تفشي ظاهرة الفساد ذلك أن قلة الوعي الحضاري ظلت ملازمة أو ملتزمة بالرشوة. كما أن ضعف الأجور والرواتب تتناسب طردياً مع ازدياد ظاهرة الفساد. ومن خلال هذه العوامل والأسباب الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لظاهرة الفساد، يمكن رصد بعض الآثار الاقتصادية المتعلقة بتلك الظاهرة عموماً منها:- 1. يساهم الفساد في تدني كفاءة الاستثمار العام وأضعاف مستوى الجودة في البنية التحية العامة وذلك بسبب الرشاوى التي تحد من الموارد المخصصة للاستثمار وتسيء توجيهها أو تزيد من كلفتها. 2. للفساد أثر مباشر في حجم ونوعية موارد الاستثمار الأجنبي، ففي الوقت الذي تسعى فيه البلدان النامية إلى استقطاب موارد الاستثمار الأجنبي لما تنطوي عليه هذه الاستثمارات من إمكانات نقل المهارات والتكنلوجيا، فقد أثبتت الدراسات أن الفساد يضعف هذه التدفقات الاستثمارية وقد يعطلها مما يمكن أن يسهم في تدني إنتاجية الضرائب وبالتالي تراجع مؤشرات التنمية البشرية خاصةً فيما يتعلق بمؤشرات التعليم والصحة. 3. يرتبط الفساد بتردي حالة توزيع الدخل والثروة، من خلال استغلال أصحاب النفوذ لمواقعهم المميزة في المجتمع وفي النظام السياسي، مما يتيح لهم الاستئثار بالجانب الأكبر من المنافع الاقتصادية التي يقدمها النظام بالإضافة إلى قدرتهم على مراكمة الأصول بصفة مستمرة مما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين هذه النخبة وبقية أفراد المجتمع. كما يمكن لظاهرة الفساد أن تنمو وتتزايد بفعل عوامل اجتماعية ضاربة في بنية وتكوين المجتمعات البشرية ونسق القيم السائدة، إذ تلعب العادات والتقاليد الاجتماعية وسريانها دوراً في نمو هذه الظاهرة أو اقتلاعها من جذورها وهذه العادات والتقاليد مرتبطة أيضاً بالعلاقات القبلية السائدة في المجتمع كما أن التنظيم الإداري والمؤسسي له دور بارز في تقويم ظاهرة الفساد من خلال العمل على تفعيل النظام الإداري ووضع ضوابط مناسبة لعمل هذا النظام وتقوية الإطار المؤسسي المرتبط بخلق تعاون وتفاعل ايجابي بين الفرد والمجتمع والفرد والدولة استناداً إلى علاقة جدلية تربط بينهما على أساس ايجابي بناء يسهم في تنمية وخدمة المجتمع. وهناك عامل آخر لا يقل أهمية عن العوامل السابقة يتمثل في غياب الثقة في تطبيق المثل الإنسانية. ومن خلال هذه الأسباب والآثار المتعلقة بظاهرة الفساد، يمكن أن نسلط الضوء على تجربة العراق في الفساد الإداري، ومدى سلوك هذه الظاهرة منذ نشأتها وحتى الوقت الحاضر وأهم أسبابها وانعكاساتها، وصولاً إلى وضع الخطط والسبل الكفيلة للحد من هذه الظاهرة الوبائية في المجتمعات عموماً. إن التحليل الموضوعي لظاهرة الفساد عموماً يقتضي بيان جانبان أساسيان لتلك الظاهرة: * الجانب الأول:- وهو الجانب الأخلاقي المرتبط بظاهرة الفساد والذي يعتبر معيار ومدى التزام المجتمع بالعادات والتقاليد واحترامها، وضمن هذا الإطار تختفي النظرة إلى العمل بوصفه الحاجة الحيوية الأولى للإنسان بل وتهتز نظرة الناس إلى الإخلاص والأمانة والنزاهة، فإذا ما أدى كل منا واجباته على وفق ما تمليه أخلاقيات الوظيفة العامة، فإن مساحة الفساد ستنحسر إلى حدودها الدنيا. وتظهر مظاهر الفساد جلياً من خلال الممارسات التي قامت بها قوات الاحتلال في سجن أبو غريب التي تعبر عن دليل بارز على مظاهر الفساد الأخلاقي في العراق. * الجانب الثاني:- وهو الجانب المالي الذي يعتبر المحرك والدافع الأساس لتلك الظاهرة، إذ ينشأ شعور داخلي لدى الأفراد أو الجماعات بفكرة تتجذر في نفوسهم تستند إلى كون أن من يملك المال يملك السلطة، ومن يملك السلطة يملك المال، مستغلين بذلك مواقع المسؤولية لتحقيق مزايا ومكاسب تخالف القوانين والأعراف السائدة في المجتمع. إن أوضاع الفساد الذي ساد واستشرى خلال فترة الاحتلال قد فتحت أبواباً واسعة للعنف غير الرسمي والذي أصبح من الصعب التحكم بمساراته ويمكن أن يصبح وبائياً في المجتمع العراقي، ولاسيما أن حالات الكسب السريع من خلال وسائل الفساد يؤدي إلى التزاحم لحفظ الفاسدين على مراكزهم الوظيفية وهذا بالتالي يدفعهم إلى العنف في سلوكهم اليومي. وعليه يمكن تحديد أهم المتضمنات الرئيسية لظاهرة الفساد في العراق تحت الاحتلال الأجنبي، حيث تتوافق دوافع الفساد مع وجود سلطة الاحتلال، إذ بعد سيطرتها على مراكز اتخاذ القرار في العراق في نيسان 2003 أصبحت جميع الموارد الاقتصادية والنقدية تحت تصرف أدارتها المدنية، فقد ظهر الفساد جلياً باساءة استعمال سلطة الاحتلال للبنى المؤسسية، وسرقة المحتويات النقدية للبنوك والمصارف، وتدمير المباني الحكومية كافة. من جهة أخرى يتبين صورة الفساد في العراق من خلال قيام الجانب المدني من قوى الاحتلال بمهام الإشراف على الإصلاح ولاسيما على دوائر الدولة والجامعات وشبكة المصارف والمواصلات مما خلق حالة من الفساد تمثلت من خلال لجان مشتريات مستلزمات الأعمار ولاسيما في ذلك الجانب المتعامل مع القطاع الخاص. وإذا ما تفحصنا الجوانب الاقتصادية التي تزامنت وشجعت على تبلور ظاهرة الفساد في المجتمع العراقي. نجد أن عوامل مختلفة تقف وراء هذه الظاهرة منها غياب جهاز ضريبي يتناسب والنشاط الاقتصادي العراقي، إذ ترتب على ذلك اتساع حالة الفساد، فضلاً عن ضعف القدرة الرقابية للجهاز المحاسبي ومن ثم اتساع أوضاع التهرب الضريبي خلال فترة الاحتلال. لذا فإن الحاجة إلى نظام دقيق كفوء يتطلب السعي الدوؤب إلى استغلال الموارد المالية والاقتصادية المتاحة في البلد وتأتي في مقدمة هذه الاهتمامات خلق شعور بالمسؤولية لدى المواطن بأهمية الانتماء إلى الوطن وبالتالي جعل الولاء الأول للدولة والوطن والاستفادة من الولاءات الثانوية لتكون بمثابة عوامل بناءة للارتقاء والتشديد للانتماء للوطن لكي لا تكون عوامل هدامة. وفي ظل هذه الأوضاع المستشرية من الفساد نتساءل هل يمكن إصلاح أوضاع الفساد في العراق؟ فإذا كانت ظاهرة الفساد شائعة في العراق سابقاً، فإن أهم ما في إبعادها الجديدة هو انفلاتها، وامتدادها من الأفراد والمؤسسات الخاصة والحكومية إلى بنية الدولة ونخبها السياسية وتحولها إلى بديهية سياسية اجتماعية اقتصادية. واخطر ما في هذه الظاهرة هو محاولة استخدامها من قبل جهات مختلفة لتعزيز القوة السياسية والاقتصادية في المرحلة الانتقالية واقتناص فرصة التغيير على النحو الذي تمت فيه لتعظيم منافعها الخاصة بتكاليف ضخمة على حساب عملية التنمية الاقتصادية- الاجتماعية التي حل محلها في العراق ما يعرف بـ (عملية أعادة الأعمار). إن الفساد القائم على نهب جزء من الفائض الاقتصادي أو أعادة توزيعه بطرق غير مشروعه، وإيجاد التغطية السياسية والإجرائية له ليس هو الجانب الأكثر ضرراً في أسلوب إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية ولكن ما هو خطير حقاً يتجسد في كيفية إدارة الحكومات الانتقالية للازمات الحادة والمتعددة التي يتعرض لها العراق. لقد ترتب على انتشار ظاهرتي المحسوبية والوساطة في المجتمعات النامية ومنها العراق أن شغلت الوظائف العامة والمراكز الوظيفية العليا بأشخاص غير مؤهلين وغير كفوءين مما أثر على انخفاض كفاءة الإدارة في تقديم الخدمات وزيادة الإنتاج. وعليه فإن الفساد المالي والأخلاقي متلازمان في أغلب الأحيان إلا في حالات نادرة لأن الأصل أن الفساد هو أحد الأعراض التي ترمز إلى وقوع خلل في النسق الكلي (المجتمع) وبالتالي حدوث خلل في منظومة السلوك والتصرفات التي تنتج عن تآكل قواعد الأخلاق والقيم لدى الفاسدين. لذا يمكن وضع بعض الحلول والمعالجات الضرورية للحد من هذه الظاهرة والاستفادة منها قدر الامكان للخروج بنتائج ايجابية بناءة تسهم في تقدم المجتمع وبالتالي تسريع عملية التنمية بجوانبها المختلفة. خطة لمعالجة حالة الفساد منها:- 1. تبسيط وسائل العمل، وتحديد مهل أنجاز المعاملات يعبر أهم عامل في طريق مكافحة الفساد لأنه يضمن أمرين أساسيين يعول عليهما المواطن الأهمية الكبرى هما:- أ. أنجاز معاملاته بأقل نفقة ممكنة. ب. أنجاز معاملاته بأسرع وبأقرب مكان ممكن وبالتالي بأسرع وقت ممكن. 2. أجراء تنقلات دورية بين الموظفين (كلما أمكن ذلك) يمكن أن يسهل ويعمل على تخفيض حالات الرشوة السائدة. 3. تشكيل لجان خاصة لوضع نظام متكامل لأداء الموظفين تقوم بإجراء تفتيش دوري بين الدوائر والوزارات وأعداد التقارير الخاصة بذلك. 4. وضع مصنف يتضمن تقسيم الوظائف العامة على وفق طبيعة مهامها إلى فئات ورتب تتطلب من شاغليها مؤهلات ومعارف من مستوى واحد (أي اعتماد معيار الكفاءة والخبرة). 5. تحديد سلسلة رواتب لكل فئة من الفئات الواردة في المصنف بعد أجراء دراسة مقارنة للوظائف المتشابهة في القطاعين العام والخاص. 6. أنشاء نظام رقابي فعّال مستقل مهمته الإشراف ومتابعة الممارسات التي تتم من قبل الوزراء والموظفين العاملين في كل وزارة ومؤسسة. 7. تفعيل إدارة الخدمات بمعنى أن يطال جميع الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات أي أن تعطى إدارات الخدمات ذات العلاقة بالجمهور الأولوية الأولى. والتفعيل هنا يقتضي أن يتناول أربع قضايا أساسية هي:- أ. هيكلية هذه الإدارات وبنيتها وتحديد مهامها وصلاحياتها بحيث يُعاد تكوينها على أسس علمية ومسلمات معروفة أبرزها خلو هذه التنظيمات والهيكليات من الازدواجيات وتنازع الصلاحيات إيجاباً كان أم سلباً وبالتالي ضياع المسؤولية وهدر النفقات وسوء تحديد المهام وتقادم شروط التعيين. ب. العنصر البشري في هذه الإدارات بحيث يُختار الأجدر والأنسب على قاعدة تكافؤ الفرص والمؤهلات والتنافس والعمل على إيجاد حلول لمعالجة ظاهرة البطالة. ج. أساليب العمل، بحيث يعاد النظر في هذه الأساليب لجهة تبسيطها وجعلها أكثر مرونة وتحديد أصول أنجاز المعاملات. د. وسائل العمل من أدوات وتجهيزات وآلات ومعدات تعتبر من لزوميات أساليب العمل. 8.العمل على إيجاد السبل اللازمة للخروج من نفق الفساد والإرهاب دون الوقوع في حلقة مفرغة ممثلة في البدء بإصلاح الدمار الهائل في المنظومة القيمية، أنماط التفكير وما يرافقها من أمراض كالانتهازية والسلبية ولغة التحاور المشوهة مع الذات والآخر. 9. العمل بمبدأ الشفافية في جميع مرافق ومؤسسات الدولة. 10. إشاعة المدركات الأخلاقية والدينية والثقافية- الحضارية بين عموم المواطنين. وخلاصة القول: أن مكافحة الفساد الإداري لا يمكن أن تتحقق من خلال حلول جزئية، بل ينبغي أن تكون شاملة تتناول جميع مرتكزات الإدارة من بنيتها وهيكليتها إلى العنصر البشري العامل فيها إلى أساليب العمل السائدة فيها.
|
||||
2013-12-10, 11:54 | رقم المشاركة : 17 | |||
|
موضوع مليح عن الفساد الإداري، لكنني أردت التكلم عن الفساد بصفة عامة بكل أنواعه.. |
|||
2013-12-10, 18:06 | رقم المشاركة : 18 | |||
|
لقد وجدت هذه المواضيع في الثقافة العامة التي قاموا بها أعضاء هذا المنتدى في إطار التحضير لمسابقة القضاء السنة الماضية و السنوات التي قبلها و نظرا لأهميتها قمت بإعادة طرحها من جديد |
|||
2013-12-11, 20:42 | رقم المشاركة : 19 | |||
|
أقترح موضوع إختطاف الأطفالhttps://essalamonline.com/ara/permalink/30967.html، عقوبة الإعدام في الجزائر بين التفعيل و وقف تنفيذها، التسول(تسول الأم برضيعها)، المخدرات |
|||
2013-12-11, 21:42 | رقم المشاركة : 20 | |||
|
اقتراح: |
|||
2013-12-12, 16:46 | رقم المشاركة : 21 | |||
|
فساد سياسي |
|||
2013-12-12, 18:25 | رقم المشاركة : 22 | |||
|
شكرا على الموضوع يا أخي و جعله الله في ميزان حسناتك..
أرجو منك وضع مواضيع عن أنواع الفساد الأخرى: الأخلاقي، الإجتماعي، الإقتصادي... إن استطعت طبعا و النداء موجه لجميع أعضاء المنتدى بدءا من نفسي كما أتمنى كذلك اقتراح مواضيع تصلح أن تكون أسئلة في الثقافة العامة و شكرا |
|||
2013-12-12, 19:11 | رقم المشاركة : 23 | |||
|
أقترح موضوع الصحافة https://www.inewsarabia.com/345/%D8%A...8%A7%D8%AA.htm |
|||
2013-12-12, 20:11 | رقم المشاركة : 24 | |||
|
عقوبة الاعدام المقدمة: ما يزال المجتمع الجزائري يجهل الكثير عن عقوبة الإعدام التي يتم النطق بها في مئات المرات في السنة الواحدة، رغم أنه تم تجميد تنفيذها منذ سنة 1993. وتراجعت الجهات التي كانت في وقت سابق تطالب بإلغاء هذه العقوبة "الوحشية"، منذ أن أعلن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، بأن هناك مشروعاً قيد الإنجاز على مستوى وزارة العدل. فأصبح الجميع ينتظر الإفراج عن هذا القانون أو الأمر الرئاسي في أية لحظة. وإذا كان المشرع الجزائري أراد أن يقلص من حجم المواد التي تنص على إدانة مرتكبي بعض الجرائم بعقوبة الإعدام، فإن النقاش الذي ما يزال يفتح نوافذ عديدة هو ما الهدف من إدانة أي متهم بهذه العقوبة ما دامت لا تطبق؟ لقد أدى صدور وتنفيذ حكم الإعدام على الرئيس العراقي السابق صدام حسين، إلى عودة النقاش السياسي حول اتجاه الجزائر نحو إلغاء عقوبة الإعدام، ولم تتردد وسائل الإعلام ولا الناشطين في المجتمع المدني إلى المطالبة بالإسراع بإصدار قانون يلغي هذه العقوبة. وأن تكون الجزائر أول دولة عربية تقدم على مثل هذه الخطوة الشجاعة، منتهجة بذلك مسار الدول المتقدمة التي قررت إلغاء عقوبة الإعدام، وقالت نصف بلدان العالم لا لقوانين تنص على هذه العقوبة ولا لتنفيذها أيضاً. منذ سنوات طويلة وأحكام الإعدام تصدر في حق الكثير من الجزائريين، باعتبارها أقسى عقوبة يمكن أن تصدر ضد مرتكبي الجرائم "الخطيرة". إذ إنها تعني سلب هذا الإنسان الحق في الحياة. وكانت هذه العقوبة، وما تزال، تصدر أحياناً باسم الشعب والقانون. ولكنها كانت باستمرار تجسد مضامين القسوة القاهرة والمطلقة الكامنة فيها. وكانت هذه العقوبة، وما تزال، تمارس بحجة أنها تمثل ردعاً لآخرين من أجل تجنب ارتكاب جرائم مماثلة تقود إلى وقوع الفرد تحت طائلة حكم الإعدام. ولكن تجربة الجزائر التي تضاف إلى تجارب الشعوب على امتداد التاريخ، تؤكد بما لا يقبل الشك بأن هذه العقوبة لم تمنع، بأي حال، وقوع جرائم بشعة ارتكبها أشخاص من المنطقة نفسها أو الولاية التي أدين فيها من قبل أشخاص بحكم الإعدام. وحسب ما يتجه إليه المختصون فإن الأساس المادي لمنع الجريمة يكمن في واقع ومستوى تطور المجتمع والظروف التي يعيش فيها الأفراد، وليس بمستوى العقوبة المطبقة و"صرامتها"، وإلا كيف تفسر السلطات الجزائرية، حالة الاكتظاظ التي تشهدها مختلف المؤسسات العقابية، السنة تلو الأخرى. كما أن التجربة أثبتت بأن الدول التي ألغت عقوبة الإعدام منذ سنوات، وبسبب تغيرات إيجابية في حياة تلك المجتمعات، قد تقلصت نسبة الجرائم التي كانت تعرض مرتكبيها إلى عقوبة الإعدام. في حين ما تزال ترتكب في الجزائر وفي غيرها من الدول التي تنص قوانينها أو تمارس عقوبة الإعدام. وتشير المعلومات المقدمة من طرف المؤسسات العلمية والبحث التطبيقي ومنظمة العفو الدولية إلى أن مرتكبي جرائم القتل أو السطو أو الاغتصاب مع القتل...الخ، غالباً ما كانوا يعانون من شتى الأمراض النفسية والعصبية والعقد الاجتماعية. ولهذا فإن الجرائم التي ارتكبوها وأدينوا بها قد ارتبطت مباشرة بتلك العلل والأوضاع الاجتماعية التي كانوا يعانون منها ويعيشون تحت وطأتها. بالإضافة إلى هذا، فإن عدداً ليس بالهين ممن أصدر في حقهم حكم الإعدام لم يكونوا من مرتكبي تلك الجرائم، بل أبرياء مما نسب إليهم من تهم، وان أخطاء ارتكبت في التحقيق أو أن الشهود زوروا أقوالهم، مما أدى إلى صدور وتنفيذ أحكام إعدام لم يعد ممكناً تصحيحها. لم تكن العقوبة أمراً شاذاً في حياة المجتمعات والشعوب، بل كانت موجودة على مر القرون، لكن النظرة الحديثة للعقاب أو الجزاء، لم تعد تأخذ بالاعتبار خطورة الوقائع التي يحاكم بها المتهم، بل بالأثر الذي ستحدثه هذه العقوبة على المجتمع بصفة عامة والمتهم بصفة خاصة، مع التفكير المتأني فيما إذا كان الحكم الصادر قانونياً أم لا؟ خصوصاً وأن هذا الأخير؛ أي الحكم، سيصدر باسم الشعب، وأنه سيحدث شعوراً بالعدالة. ومن خلال الدراسة التحليلية للتشريعات والمواد القانونية الخاصة بالجزائر، سنقوم في هذا البحث بتسليط الضوء على عدة مسائل جوهرية تبين مدى إمكانية اتجاه المشرع الجزائري إلى إلغاء عقوبة الإعدام نهائياً. كما سنتحرى عن نية السلطات الجزائرية ومدى إيمان المجتمع المدني في الإقدام على مثل هذه الخطوة، من دون تجاهل المعوقات والآراء المناهضة لفكرة إلغاء هذه العقوبة. وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر، والجدال المحتدم بين المؤيدين والمعارضين يبقى التساؤل الذي يطرح نفسه: هل ستكون الجزائر من بين أولى الدول العربية التي تقدم على إلغاء عقوبة الإعدام؟، وما هي الاستراتيجية التي يجب أن تنتهج من طرف السلطات والمجتمع المدني لخلق فضاءات للنقاش الموضوعي الهادف من أجل رسم ملامح الاقتناع بالإلغاء، بعد أن تم إقرار تجميد التنفيذ سنوات الإرهاب؟ مفهوم العقوبـــــــة: تتعإلى الأصوات في الآونة الأخيرة المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام من القوانين والدساتير العربية، تبعاً لما هو معمول به في الدول الغربية المتقدمة احتراماً لقوانين وحقوق الإنسان. لكن قبل الحديث عن المواقف المتباينة من هذه العقوبة التي أصبحت توصف بأنها "همجية"، لا بد أن نشير إلى أنه لا يمكن تحديد مفهوم أو مضمون عقوبة الإعدام، من دون الحديث عن خصائص العقوبة بصفة عامة. ما دام الإعدام في الجزائر، ما يزال عقوبة يتم النطق بها في مختلف المحاكم الجنائية. فما هو مضمون عقوبة الإعدام؟ وما هي خصائص وعيوب عقوبة تنطق باعتبارها حكماً قضائياً في المحاكم الجنائية؟ أ. مضمون عقوبة الإعدام: تبقى عقوبة الإعدام أقصى الأحكام الصادرة في تاريخ الإنسانية، والتي تقابل كل فعل شنيع يرتكب في حق شخص أو عدة أشخاص. ولهذا فقد حددت العقوبة بالمفهوم التقليدي بأنها إجراء يستهدف إنزال آلام بالفرد من قبل السلطة بمناسبة ارتكابه جريمة، أو هي ردة فعل اجتماعية على عمل مخالف للقانون( ). والإعدام هو "إزهاق روح المحكوم عليه، ويتميز "بأنه مقصور على الجرائم الخطيرة التي تمس بأمن وسلامة الدولة، كجرائم الخيانة والتجسس والاعتداء ضد سلطة الدولة وسلامة أرض الوطن وغيرها من الجرائم الأخرى كجريمة نشر التقتيل والتخريب"( ) ويعترف الحقوقيون والمتخصصون في تحديدهم لطبيعة هذه العقوبة بأنها "من أعلى درجات العقاب قسوة وشدة". ولهذا تتجه معظم التشريعات الوطنية نحو تضييق مجال تقرير مثل هذا النوع من العقاب وتطبيقه على بعض الجرائم دون غيرها تبعاً للسياسة الجنائية العالمية. ومن عيوب عقوبة الإعدام أنها عقوبة وحشية مهما كانت الوسيلة المستعملة، وأنها لا تجدي نفعاً، إذ لم تشهد البلدان التي ألغت عقوبة الإعدام أي ارتفاع في الإجرام( ). كما يؤكد المتخصصون بأن أشد عيوب هذه العقوبة أنها غير قابلة للمراجعة وعليه، فإن الشخص الذي تصدر في حقه العقوبة لا يمكنه أن يقدم الوسائل الكافية لتبرئته من الجريمة التي ارتكبها. وفيما يتعلق بالجزائر، فإن عدم تطبيق العقوبة يجعل من إمكانية مراجعة الحكم الصادر ممكنة في حدود قانونية. أما في الجزائر، فإن المشرع قلص من عقوبة الإعدام وألغاها في بعض الجرائم مثل جرائم المال المرتكبة من الموظف العمومي أو من في حكمه، حسب ما ينص عليه القانون رقم 09/01 المؤرخ في 26/6/2001 المعدل والمتمم لقانون العقوبات. ب. خصائص العقوبة: تتميز العقوبة بعدة خصائص منها أنها قانونية وعادلة، وشخصية، لكن الحديث عن خصائص عقوبة الإعدام يبقي التأكيد على ما إذا كانت بالفعل حكماً قانونياً أو عادلاً، ومن هذا المنطلق يتساءل المتخصصون حول ما الجدوى من تطبيق هذه العقوبة. لكن ما هي العقوبة التي توافق كل مخالفة؟ هل القتل هو فعلاً عقوبة ضرورية وفعالة من أجل الأمن، ومن أجل تعميم النظام في المجتمع؟( )، يتساءل الباحث ولتير لاكير. وهي أسئلة طالما طرحتها الدول المتقدمة، التي وصلت، فيما بعد، إلى قناعة تامة بضرورة إلغاء عقوبة الإعدام من تشريعاتها القانونية. والواقع أن عقوبة الإعدام قديمة في التاريخ الإنساني، لكن ما من أحد يستطيع أن يحدد بثقة مطلقة متى طبقت هذه العقوبة لأول مرة. لكنها، قطعاً تزامنت مع نشأة التنظيم في المجتمعات الإنسانية؛ أي بعد أن أصبح البشر يعيشون في تجمعات بشرية كبيرة. ذلك أن هذه التجمعات احتاجت إلى وجود قوانين لمعاقبة الأشخاص الذين يقومون بأعمال تخالف الأعراف والتقاليد السائدة فيها( ). ومن عيوب عقوبة الإعدام أيضاً أنها غير قابلة للمراجعة، وهو ما يجعل النطق بالحكم ضد الأشخاص المتهمين، كإعدام مسبق حتى ولو لم ينفذ في الجزائر، ولطالما أغمي على أهالي المتهمين في قاعات الجلسات بعد النطق بالحكم. ولهذا فإن إعدام المتهم بجريمة القتل، يعيد مشاهد المأساة ليس بالنسبة لأهل الضحية فحسب بل لأهل المتهم أو المتهمين أيضاً. "إن عقوبة الإعدام هي من العقوبات التي تتعارض مع فلسفة العقوبة التي غايتها الإصلاح والردع، وهي تفرض حين لا يكون بالإمكان إصلاح وتأهيل المجرم للعودة إلى الحياة الطبيعية بسبب بشاعة ما اقترفه من عمل إجرامي".( ) عقوبة الإعدام في : النصوص التشريعية والقوانين تنطق المحاكم الجنائية بعقوبة الإعدام منذ عشرات السنين، وهذا بموجب المواد القانونية التي يتضمنها قانون العقوبات الجزائري، الذي استمد في بداية الستينات؛ أي بعد الاستقلال مباشرة، معظم مواده من قانون العقوبات الفرنسي. وفي قراءة أولية لنص العديد من هذه المواد، يشير المشرع الجزائري بعبارات محددة لتسليط هذه العقوبة على المتهمين، وبشكل مباشر، ومن هذه الصياغات القانونية: "يعاقب بالإعدام كل من..." أو "كما يعاقب على...بالإعدام إذا...". وكانت أولى عملية تنفيذ لعقوبة الإعدام في الجزائر، تلك التي جرت عام 1963 التي أعدم بموجبها العقيد شعباني، وقد صنفت على أنها أشهر عملية إعدام في تاريخ الجزائر المستقلة، وتكمن شهرتها في كون تنفيذها تم بسرعة البرق. أما الثانية، وهي الأخيرة، فكانت في شهر تشرين الأول من عام 1993 التي صدرت بحق متهمين في تفجير مطار هواري بومدين بالعاصمة، ومنذ هذا التاريخ؛ أي عام 1993، لم ينفذ أي حكم بالإعدام. أ.الاعدام في مضمون قانون العقوبات الجزائري يضم قانون العقوبات الجزائري مجموعة من الجرائم التي تحدد عقوبتها بالإعدام، ففيما يخص الجنايات والجنح ضد أمن الدولة وفي القسم الخاص بجرائم الخيانة والتجسس، تنص المادة 61 من القانون رقم 23-06 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006 على أن من يرتكب جريمة الخيانة، ويعاقب بالإعدام كل جزائري وكل عسكري أو بحار في خدمة الجزائر يقوم بـ: • حمل السلاح ضد الجزائر. • القيام بالتخابر مع دولة أجنبية بقصد حملها على القيام بأعمال عدوانية ضد الجزائر. • تسليم قوات جزائرية أو أراض أو مدن أو...إلى دولة أجنبية أو إلى عملائها. • إتلاف أو إفساد سفينة أو سفن أو مركبات للملاحة الجوية أو... وذلك بقصد الإضرار بالدفاع الوطني أو إدخال عيوب عليها. كما أن المادة 62 من القانون نفسه تتحدث عن عقوبة الإعدام المتعلقة بجريمة الخيانة في وقت الحرب في أربع حالات. أما المادة 63 (الأمر رقم 47-75 المؤرخ في 17 يونيو 1975) فتنص أيضاً على أن من يرتكب جريمة الخيانة فإنه يعاقب بالإعدام، وقد حدد القانون مجموعة مكونة من ثماني حالات تقدر فيها العقوبة بالإعدام( ). أما فيما يتعلق بجرائم القتل العمدي والقتل مع سبق الإصرار والترصد وقتل الأصول والأطفال والتسميم والتعذيب، فإن العقوبة المحددة هي الإعدام أيضاً. حيث يعاقب كل من ارتكب جريمة القتل أو قتل الأصول أو التسميم بالإعدام حسب نص المادة 261 من قانون العقوبات( ). ولا تتوقف المواد القانونية التي تنص على إدانة المتهمين بهذه العقوبة الوحشية، بل تمتد إلى الأعمال الإرهابية، وقد بلغ عدد الأحكام الصادرة في حق المتورطين في أعمال تهريب وتقتيل للأبرياء في الجزائر، أغلبية النسبة الخاصة بأحكام الإعدام الصادرة سنوياً في كل المجالس القضائية. إذ يعاقب القانون كل من يقوم بعمل إرهابي أو تخريبي، باستهداف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية؛ بهدف بث الرعب والاعتداء وعرقلة سير مؤسسات الدولة، وتكون العقوبة التي يتعرض لها مرتكب الأفعال المذكورة في المادة 87 "الإعدام عندما تكون العقوبة المنصوص عليها في القانون السجن المؤبد( ). وننبه هنا إلى أن بعضاً من المتهمين الذين تمت محاكمتهم ثم إدانتهم بعقوبة الإعدام لم يستفيدوا من أحكام "عادلة"، وهو الطرح الذي طالما اتجه إليه الاتحاد الوطني للمحامين، حيث يصدر القضاة "أحكاماً غير مؤسسة خشية إنزال العقوبة بهم"( ). ووفق هذا المنطلق يتضح بأن العقوبة الوحشية التي تصدر في حق عدد من المتهمين ليست عادلة، ولهذا فإن الأسئلة التي طرحها الباحث ولتير لاكير، في سياق حديثه عن سياسة العقاب، تبقى مشروعة، وتطرح الكثير من النقاش في البلدان التي ما تزال تتمسك بتنفيذ عقوبة الإعدام الوحشية، منها: هل العقوبات نفسها هي دائماً فعالة في كل الأوقات؟، وما هو الهدف من سياسة العقوبات؟، هل خلق الرعب في أنفس الآخرين؟، لكن ما هو الحكم الذي يجب أن نصدره، مع أخذ قرينة البراءة في الحسبان؟( ). لقد كان بعض السجناء قاب قوسين من إعدامهم بعدما أمضوا سنوات عديدة في ظل حكم الإعدام الصادر عليهم. وتشمل السمات المتكررة في حالاتهم سوء سلوك النيابة أو الشرطة، واستخدام شهادات لشهود أو أدلة مادية أو اعترافات غير جديرة بالثقة؛ وتمثيل غير كاف للدفاع. ب. إجراءات المسجونين المدانين بعقوبة الإعدام يمنع القانون الجزائري تنفيذ حكم الإعدام في حق المرأة الحامل والمرضعة لطفل دون سن 24 شهراً وعلى الشخص الذي يعاني من مرض خطير، كما تمنع القوانين الجزائرية تنفيذ حكم الإعدام في الأعياد الوطنية والدينية وفي يوم الجمعة وخلال شهر رمضان المعظم. ويشير قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين في الأحكام الخاصة بالمحكوم عليهم بالإعدام، في المادة 153، إلى أن هؤلاء يخضعون إلى نظام الحبس الانفرادي ليلاً نهاراً. غير أنه بعد انقضاء مدة خمس سنوات في نظام الحبس الانفرادي، يمكن أن يطبق عليه نظام الحبس الجماعي نهاراً مع المحبوسين من الفئة نفسها، لا يقل عددهم عن ثلاثة ولا يزيد على خمسة( ). وعلى الرغم من أن القانون الجزائري أشار إلى أنه لا تنفيذ لعقوبة الإعدام، إلا أن القانون الخاص بالسجون نفسه يتحدث عن تنفيذها في المادة 155، حيث توضح بأن "لا تنفذ عقوبة الإعدام إلا بعد رفض طلب العفو"، كما لا تنفذ عقوبة الإعدام على الحامل أو المرضعة لطفل دون أربعة وعشرين شهراً، ولا على المحكوم عليه المصاب بجنون أو بمرض خطير( ). ويتجه القانون نفسه إلى الأيام والمناسبات التي لا تنفذ فيها عقوبة الإعدام، ويعددها بالأعياد الوطنية والدينية، ويوم الجمعة وخلال شهر رمضان. "لا يمكنني أن أصدق أنه لكي تدافع الدولة عن الحياة وتعاقب القاتل يتعين عليها أن تقوم هي الأخرى باقتراف القتل. إن عقوبة الإعدام لا تقل في لاإنسانيتها عن الجريمة التي تدفع إلى فرضها".( ) المؤيدون والمعارضون لإلغاء عقوبة الإعدام: لا تجتمع الآراء والمواقف تجاه إلغاء عقوبة الإعدام في الجزائر، كما هو الحال بالنسبة لأغلبية البلدان العربية التي ما تزال متمسكة بإقرار هذه العقوبة الوحشية، فالاتجاهات منقسمة حالياً بين مؤيدين ومعارضين، وبينهما تنحصر فئة ثالثة من المحايدين. وينطلق كل طرف من الفئات الثلاث من فلسفة وشبه قناعة بما يتبناه من أفكار، فبالنسبة للمؤيدين للإلغاء فهم يتجهون إلى القول بأنه وانطلاقاً من معاهدات حقوق الإنسان لا يمكن بأي حال من الأحوال خرقها، وعلى ضرورة اتباع البلدان الديمقراطية التي اتجهت إلى الإلغاء التام لعقوبة الإعدام. في حين يجتمع أصحاب الرأي المخالف لهذه الفكرة حول ما ينص عليه الدين الإسلامي، فيما يتعلق بالقصاص، وفيما يتعلق بجرائم القتل تحديداً، وأنه لا حرج في إصدار العقوبة نفسها لبعض الجرائم التي تلتقي مع جريمة القتل من حيث خطورتها. أما أصحاب الاتجاه المحايد، فما تزال آراؤهم بين الاتجاهين السابقين. 1- تراجع مطالب لا تتوافر في الجزائر حتى تاريخ إعداد هذا البحث إحصائيات دقيقة عن العدد الحقيقي لعدد الأحكام القضائية التي صدرت في حق المتهمين المتابعين بمختلف الجنايات المنصوص عليها قانونياً، لكن المعدل العام المسجل منذ سنة 2000 يستقر ما بين 100 إلى 150 حكماً في السنة الواحدة. وعلى الرغم من أن هناك العديد من الهيئات الحقوقية والجهات الناشطة في المجتمع المدني الجزائري، إلا أن أحد عيوبها هو عدم تفعيلها للنقاش حول القضايا التي تطرح مشاكل، وتشكل صلب اهتمام المواطنين. ومنذ أن أعلن رئيس الجمهورية بأن هناك مشروعاً لإلغاء عقوبة الإعـدام في الجزائر، وإصداره عفواً على مائتين تقريباً من المسجونين المحكوم عليهم بالإعدام، وتصريحه بأن الجزائر ستتجه نحو إلغاء العقوبة، لم تتحرك أي جهات للمطالبة بتعجيل الإلغاء، وتحول الأمر من ضرورة ملحة لفتح الحوار والنقاش الواسع حول الموضوع، إلى مجرد مطالبة في المناسبات، بل إن المؤيدين للإلغاء لم يقنعوا غيرهم في الضفة الأخرى من المعارضين بحججهم. من منظور رئيس اللجنة الاستشارية الجزائرية لحماية وترقية حقوق الإنسان (حكومية) السيد مصطفى فاروق قسنطيني، فإن وزارة العدل تتدارس الموضوع، ولهذا فإننا نتجه نحو هذا الإلغاء بخطى ثابتة، وهو ما يتجلى بالعفو الذي أصدره الرئيس بوتفليقة لفائدة مائتي سجين محكوم عليهم بالإعدام، وتخفيفه العقـوبة عن مئات آخرين في عدة مناسبات"( ). لكن هذا المسعى غير كاف؛ لأن فتح الحوار يبقى الأفضل لدولة تريد أن تلغي عقوبة الإعدام، فلا يمكن أن يصدر الإلغاء في ظرف وجيز، كما لا يمكن أن يصدر دفعة واحدة في شكل قانون من دون أن يفتح النقاش الممهد لأي تغيير، كما فعلت العديد من الدول المتقدمة. ولا تستبعد اللجنة الاستشارية الجزائرية لحماية وترقية حقوق الإنسان أن تكون الجزائر من بين البلدان العربية الأولى التي تقدم على إلغاء عقوبة الإعدام، ذلك أن كل المؤشرات تظهر أن الجزائر ماضية نحو هذا الإلغاء، خصوصاً وأن آخر تاريخ لتنفيذ الإعدام نفسه يعود إلى العام 1993 في حق منفذي عملية التفجير الدامي لمطار الجزائر الدولي، ورغم صدور أحكام بالعقوبة ذاتها على مدار الـ13 سنة المنقضية، إلا أنها لم تنفذ جميعها إلى اليوم، ويرى رئيس اللجنة نفسها "أن عقوبة الإعدام لم تنجح في الحد من انتشار الجريمة في مختلف الدول التي لا تزال تنفذها"، بما يعنى ضرورة إلغائها. ويكفي اليوم، أن أكثر من نصف دول العالم ألغت عقوبة الإعدام في القانون والممارسة. وتبين آخر معلومات منظمة العفو الدولية أن 84 دولة ومنطقة ألغت عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم؛ وأن 12 دولة ألغت عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم باستثناء الجرائم غير العادية مثل جرائم الحرب؛ كما يمكن اعتبار 24 دولة بأنها ألغت العقوبة عملياً: فهي تحتفظ بالإعدام في القانون لكنها لم تنفذ أية عمليات إعدام طوال السنوات العشر الماضية أو أكثر ويُعتقد أنها تنتهج سياسة أو لديها ممارسة تقضي بعدم تنفيذ عمليات إعدام بما في ذلك الجزائر. مما يرفع مجموع الدول التي ألغت عقوبة الإعدام في القانون والممارسة إلى 120 دولة. في الوقت الذي تحتفظ فيه 76 دولة ومنطقة أخرى بعقوبة الإعدام وتستخدمها، لكن عدد الدول التي تُعدم السجناء فعلاً في أي سنة بعينها أقل من ذلك بكثير. ( ) كما يطرح للنقاش تحول العالم إلى قرية صغيرة، وأن الجزائر تربطها علاقات بعدة دول كانت وقعت على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي بهدف العمل على إلغاء عقوبة الإعدام، الذي يطرح مشاكل متعددة خصوصاً وأنه ينص على أنه لا يعدم أي شخص خاضع للولاية القضائية لدولة طرف في هذا البروتوكول( )، على الرغم من أن قانون العقوبات الجزائري ينص على عقوبة الإعدام للجرائم التي قد يرتكبها مواطنو دول صادقت على البروتوكول نفسه، خصوصاً وأن الدول الأطراف في هذا البرتوكول، تؤمن بأن إلغاء عقوبة الإعدام يسهم في تعزيز الكرامة الإنسانية والتطوير التدريجي لحقوق الإنسان. كما أن كل دولة طرف في البروتوكول نفسه تتخذ جميع التدابير اللازمة لإلغاء عقوبة الإعدام داخل نطاق ولايتها القضائية. 2- رفض قاطع: تعتقد عدة جهات حكومية أو دينية وفئة أخرى من المثقفين في الجزائر على أنه من غير الممكن إلغاء عقوبة الإعدام، ويحمل هؤلاء شعاراً عنوانه العريض يتجه إلى أن: "الإعدام ضروري في المجتمع الجزائري الذي يعاني من الارتفاع المتزايد لمعدلات الجريمة، حيث إن هذه العقوبة الصارمة تردع الآخرين عن ارتكاب جرائم مماثلة". من جانبها تصر الأحزاب والمنظمات الإسلامية على اعتبار عقاب الموت جزءاً متكاملاً من نظام "القصاص" الذي تتفق عليه الديانات السماوية الثلاث. لكن هذه المنظمات لم تأخذ بنظر الاعتبار حقيقة كون "القصاص" قد صمم كي يضع أقصى حدود العقاب لا أدناه. لكن الحجج المقدمة من طرف هذه الجهات، تتعارض بعض الشيء مع المبادئ العامة للديانة الإسلامية تحديداً، التي يتم الاستناد إليها في بناء هذا الرأي، فحينما تكون عقوبة الموت طرفاً في الحكم، فإنه سيتطلب اتخاذ إجراءات حذرة جداً. فالآلية التي تدفع بها الديّة لعائلة القتيل صممت لتجنيب الشخص المذنب عقوبة القتل. كما أن بعض الفقهاء يرون أنه على الرغم من أن وضع عقوبة الإعدام كأقصى إجراء، فإن تنفيذها تحدده قواعد كثيرة إلى الحد الذي يجعل ذلك من الحالات النادرة. كما تستند بعض الجماعات الدينية في إدعائها إلى أن فكرة إلغاء عقوبة الإعدام هي جزء من أجندة غربية واسعة، تقف وراءها نخبة ليبرالية قوية هدفها الأخير هو تهميش دور الدين في المجتمع، والإسلام بشكل خاص لجعل القوانين الوضعية أكثر عدالة من القوانين السماوية. ويعارضون السياق نفسه القول بأنه علينا تنشيط مجالات التفكير في المسائل الدينيّة ذات الصّلة بحقوق الإنسان، ودعم التوجه الداعي إلى إعادة قراءة المرجعيات الثقافية والتراثية في اتجاه خدمة قضايا الإنسانية وتأكيد حقوق الإنسان، على اعتبار أن الدين الإسلامي دين صالح لكل الأزمان والأماكن. ويستبعدون أن يكون من الممكن وجود إحدى قضايا النقاش، وهي القيام بتجميد عقوبات الإعدام المخصصة لـ"الجرائم الكبرى"، التي يتجه إليها المحايدون، الذين يمثلون الموقف الوسط بين المؤيدين والمعارضين لفكرة إلغاء عقوبة الإعدام. فإن يصدر حكم بالإعدام ضد شخص ما بسبب أفكاره أو نشاطاته السياسية هو بالتأكيد مخالف للإسلام. إذ ليس هناك أي شيء في الإسلام يمنح الحكومة الحق بقتل خصومها المسالمين. لذا يجب أن تقوم كل الدول بإلغاء عقوبة الإعدام في حالة "الجرائم" السياسية( ). ولعل الرأي العام للشعوب المسلمة بشكل عام "غير مهيأ" حالياً لإلغاء عقوبة الإعدام مباشرة، لكنه بالتأكيد على استعداد لمناقشتها الآن من خلال فتح الباب الواسع للنقاش وتنظيم حملات كافية لشرح المواقف وحجج الإلغاء. "يجب أن يتمتع كل شخص بالحق في الحياة؛ وإلا فإن القاتل يكون قد حقق، من حيث لا يقصد، نصراً معنوياً عندما ينجح في جعل الدولة قاتلاً مثله، وبذلك يقلل من كراهية المجتمع للقضاء الواعي على البشر".( ) استراتيجية الإلغاء: لم تتبن بعد أي جهة في الجزائر استراتيجية أو "خارطة طريق" تقود نحو إلغاء عقوبة الإعدام من القانون، عدا الوعود التي تتحدث عنها السلطة، وبشكل محدد، وزارة العدل التي يوجد الملف في طاولتها. وعلى الرغم من ذلك، فإن التحليل الموضوعي للقوانين والمسار الذي تنتهجه الجزائر، لا يدع في الأمر شكاً في التوجه نحو إلغاء عقوبة الإعدام، فمنع تنفيذ العقوبة منذ سنوات يشير إلى أن هناك تردداً في إلغائها نهائياً. وما تجدر الإشارة إليه، أن معظم التشريعات الوطنية تسير نحو تضييق مجال تقرير مثل هذا النوع من العقاب، وجعله قاصراً على نوع محدود من الجرائم تماشياً مع السياسة الجنائية العالمية الحالية، التي تقدس الحياة البشرية وكرامة الروح الإنسانية ( ). وقد قلص المشرع من عقوبة الإعدام وألغاها في بعض الجرائم كجرائم المال المرتكبة من قبل الموظف العمومي أو من في حكمه. ومن هذا المنطلق يجب القول بأنه "ليس من الحكمة القبول بالنظرية القائلة إن عقوبة الإعدام وتطبيقها يردعان عن ارتكاب جرائم القتل بقدر أكبر قليلاً من التهديد بعقوبة السجن المؤبد التي يُفترض أنها أقل قسوة"( ). وعلى الرغم من وجود مشروع تعديل جديد لقانون العقوبات يحد من عقوبة الإعدام ويجعلها قاصرة على بعض الجرائم، غير أن ذلك ما يزال غير مبرر خصوصاً وأن تطبيقها لا يتم، حسب ما يشير إليه المتخصصون في مجال القانون( ). ويختصر رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان الأستاذ بوجمعة عشير انتقاده لحكم الإعدام كونها أبشع عقوبة ينزلها القضاء على الفرد، ويضيف في حديثه لنا "والخطأ في الحكم لا يمكن تداركه بعد التنفيذ خاصة أن تاريخ المحاكم في العالم يقر بوجود هفوات كبرى وضحايا كثيرين"، إضافة إلى أن "الإعدام استعمل مؤخراً كوسيلة قمع سياسي"( ). من بين جميع دول العالم، انفردت دول الجامعة العربية سنة 2002 بالاعتراض في الأمم المتحدة على مشروع قرار إلغاء عقوبة الإعدام الذي قدمه الاتحاد الأوروبي، وهو ما جعل بعض المتطلعين للمطالبة بإلغاء هذه العقوبة يتراجعون عن مواقفهم. لكن المشروع الجزائري القاضي بإلغاء الإعدام، سيكون دافعاً قوياً لأن تسير على خطته كل من تونس، ولبنان، والعراق، والمغرب، ومصر. ويروي الطبري عن ابن عباس في تفسير الآية 33 من الإسراء: "ومن ُقتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل": "أي أن لولي القتيل القتل إن شاء، وإن شاء أخذ الدية، وإن شاء العفو". العفو، يتضمن بالقوة إمكانية إلغاء عقوبة الإعدام التي لا تعود خاضعة لانفعالات ولي القتيل الثأرية. إن المبادرة المشتركة بين المعهد العربي لحقوق الإنسان والرابطة الدولية للمواطنين والبرلمانيين من أجل إلغاء عقوبة الإعدام وبمساعدة لجنة المجموعات الأوروبية، سمحت بعقد ندوة علمية في تونس العاصمة يومي 14 و15 تشرين الأول 1995، حول "عقوبة الإعدام في القانون الدولي وفي التشريعات العربية"، التي دعت إلى ضرورة إلغاء كل الفصول القانونية التي تنص على الحكم بالإعدام في القضايا السياسية وقضايا الرأي والقضايا المرتبطة بحرية المعتقد. وتعزيز ضمانات المحاكمات العادلة، كوجوب إجماع جميع أعضاء هيئة المحكمة عند الحكم بالإعدام. بالإضافة إلى وجوب بعث درجة استئنافية وتعقيبية بشكل آلي، وذلك لمراجعة القضايا التي صدرت فيها أحكام بالإعدام، وإلى إلغاء كل المحاكم الاستثنائية، وكذا تعزيز فرص اللجوء إلى العفو، ودعم استقلالية القضاء، وهو المسعى الذي يرغب في الوصول إليه قطاع العدالة في الجزائر، من خلال بعث برنامج لإصلاح منظومة العدالة. كما كانت الندوة العلمية قد دعت المشاركين إلى الانطلاق في عمليّات تثقيف وتوعية من أجل إلغاء عقوبة الإعدام في بلدانهم من خلال لقاءات ومناقشات خاصة على مستوى الجامعات والجمعيّات الثقافيّة. ومن هذا المنطلق يجب التأكيد على أن بلوغ مرحلة إلغاء عقوبة الإعدام، يجب أن يكون من خلال استراتيجية تتضمن التثقيف والتوعية والمطالبة المتكررة للإسراع بإصدار القانون. كما يجب التمسك بإلغاء عقوبة الإعدام كخيار استراتيجي. خصوصاً وأن كل الجهات المختصة وعلى المستوى العالمي تؤكد بأن الفئات االمهمشة والفقيرة في المجتمع هي الأكثر تعرضاً لمخاطر هذه العقوبة أكثر من بقية الفئات، خصوصاً وأنها لا تتحصل على حقها الكافي في الدفاع أمام الجهات القضائية. كما لا يمكن تجاهل غياب دراسات علمية متخصصة لتحديد الأسباب العميقة للجريمة في المجتمع الجزائري، ووضع الحلول الجذرية للظواهر الإجرامية، وذلك بإشراك كل المتخصصين من علماء اجتماع، علم الإجرام، علم النفس والاتصال وغيرها من الاختصاصات العملية التي تسمح بتحديد الأسباب الفعلية التي تقف وراء انتشار الجريمة. ولهذا من الموضوعية بمكان القول بأنه علينا استبدال هذه العقوبة بالسجن المؤبد مع القيام بتقييم دوري لسلوك المجرمين داخل السجون، فإذا وجد أن هناك محكوماً عليه بالاعتقال المؤبد قد حسنت سيرته يتم تخفيض مدة عقوبته، وقد يطلق سراحه حتى قبل أن يمضي في سجنه نصف العقوبة. والواقع، أن عقوبة الإعدام وحشية ولا مبرر لوجودها، فهي لا تردع أحداً عن اقتراف الجرائم، على عكس ما يقال إنها عقوبة رادعة. فلماذا لا يكون هناك إعلان رسمي عن وجود إجماع عربي على إلغاء العقوبة، مثلما يحدث في أوربا الغربية، حيث هناك شبه إجماع بين بلدانها على إلغاء الحكم بالإعدام كما فعلت فرنسا العام 1981 ( )؟! ويجب الاّ نبقي على الأفكار الداعية لرفض الإلغاء، بل يجب إشراك الأئمة وعلماء الدين في اللقاءات التثقيفية والحملات المنظمة في هذا الشأن، خصوصاً وأن التاريخ الإسلامي يتجه إلى العفو من خلال عدة أمثلة يستحضرها المؤرخون، فمثلاً يحق لولي الأمر، رئيس الدولة، أن يدفع دية القتيل من بيت المال ويعفو عن القاتل، كما فعل عثمان عندما رفض قتل سالم بن الخطاب في قتل أسرة أبي لؤلؤة المجوسي، قاتل أبيه. كما نجد أيضاً لدى القبائل البدائية هذا الميل إلى إلغاء عقوبة الإعدام بقتل حيوان كفأرة بدلاً من قتل القاتل. وهكذا نلاحظ خطاً متصاعداً للانتقال من الثأر الخالص إلى الدية، فالكفارة ثم العفو الذي جاء به الإسلام. إن إلغاء هذه العقوبة "هو رفض للقتل تحت أي اسم أتى، ولأنه يأتي كعقوبة مطلقة على مسؤولية نسبية"، داعياً إلى "تجميد الإعدام مرحلياً لإلغائه لاحقاً عبر نقاش وطني". تطبيق الأسباب التخفيفية في حالات القتل. كما أن المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام ليست دفاعاً عن مرتكبي الجرائم، بل منعاً لمعالجة الجريمة بجريمة أقسى وأبشع منها. وباختصار، يجب التأكيد على عدة مسائل جوهرية في إعداد استراتيجية الإلغاء وهي: دور الإعلام في التوعية الضرورية للتوصل إلى إلغاء عقوبة الإعدام، وتنظيم حملة وطنية ضد هذه العقوبة، والتأكيد على أن المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام ليست دفاعاً عن مرتكبي الجرائم، بل منعاً لمعالجة الجريمة بجريمة أقسى وأبشع منها. الخاتمة: لم تعد فلسفة العقاب هي الانتقام الشخصي أو العشائري من الجاني بل أصبح هدفها إصلاح الجاني على أمل إعادة دمجه في المجتمع، لأن إعدامه يتنافى مع إصلاحه. وهكذا دخل الإعدام في تناقض مع الفلسفة التي تؤسس للعقاب الحديث. لقد احتفل العالم يوم 10 تشرين الأول باليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام الذي يصادف تاريخ إلغاء عقوبة الإعدام لأول مرة في الولايات المتحدة عام 1786. وإن كان يهدف الاحتفال بهذا اليوم إلى تذكير العالم بأن عقوبة الإعدام والحكم بها من الممارسات المظلمة، شأنها في ذلك شأن التعذيب والرق، فإن الأمل القائم أن يحتفل العالم العربي يوماً ما بتاريخ إلغاء عقوبة الإعدام في أقرب وقت ممكن. وأن يكون فضل إعلان اليوم العربي للانضمام إلى التكتل العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام الذي أنشئ لمناهضة عقوبة الإعدام عام 2002 بهدف تنسيق الجهود بين المنظمات غير الحقوقية والمواطنين. يكون الهدف من إقرار هذا اليوم العربي مناهضة عقوبة الإعدام هو دفع المجتمع المدني عبر العالم، من خلال تنظيم مبادرات محلية وندوات وموائد مستديرة وأنشطة مختلفة لتوعية الناس والدفع إلى التغيير نحو الأحسن وإلغاء العقوبة نهائياً. |
|||
2013-12-14, 22:43 | رقم المشاركة : 25 | |||
|
جزاك الله خير يا أختي فهذا موضوع مهم يصلح أن يكون سؤال في الثقافة العامة
و أتمنى من الجميع إثراء هذه الصفحة بما يفيد لنطلع من وقت إلى آخر على الثقافة العامة و نخصص لها بعض الوقت من برنامج مراجعتنا فمعاملها لا يستهان به أبدا حتى بعد تخفيضه إلى 04 |
|||
2013-12-15, 10:35 | رقم المشاركة : 26 | |||
|
أنا شاكة في الفساد و مكافحته لأن المدرسة قد نظمت يوم بهذا في هذا الشهر |
|||
2013-12-15, 10:38 | رقم المشاركة : 27 | |||
|
ما رايكم في موضوع |
|||
2013-12-15, 17:18 | رقم المشاركة : 28 | ||||
|
اقتباس:
اللي يستاهل النجاح دوك ينجح و قضية نجاح البنات هي قضية نسبية كما قال الأخ kader126 |
||||
2013-12-15, 20:59 | رقم المشاركة : 29 | |||
|
نعم أختي و هو اليوم الموافق ل 09 ديسمبر
|
|||
2013-12-18, 11:15 | رقم المشاركة : 30 | ||||
|
اقتباس:
لقد نظمت فعلا المدرسة محاضرة لطلبة السنة الأولى بمناسبة اليوم العالمي للفساد و إليكم الرابط
https://www.esm.dz/ |
||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
للثقافة, العامة, بالتحضير, خاصة, صفحة |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc