السؤال:
نحن جالية في أمريكا وفقنا الله عز وجل في شراء مسجد كان في الأصل كنيسة ، أولاً نود إفادتكم بما يتعلق بما هو موجود بداخله من رموز لديانتهم- هل يكون بطمسها إن لم يمكن إخراجها ؟
والسؤال الثاني هو : أنه لا توجد إمكانية لعمل مصلى النساء في الجهة الخلفية والمكان الوحيد لعمل مصلى للنساء هو إما على يمين المصلين أو على يسارهم مع وجود جدار يحجب عن الرجال ، راجين منكم الإفادة بأسرع وقت ممكن لكي يتسنى لنا العمل في إكمال المسجد .
وجزاكم الله خيراً .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
يجب إزالة الصور والرموز الدينية المذكورة من المسجد ، فإن لم يمكن إزالتها اكتُفي بطمسها أو صبغ الجدران بما يزيل معالمها ، فإن كانت ثماثيل مجسمة ولم يمكن إزالتها ، أزيل الرأس فقط
لما روى مسلم (969)
عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ : قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ (أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ )
وفي رواية : ( وَلَا صُورَةً ِإلَّا َطَسْتَهَا ).
وروى الترمذي (2806) وأبو داود (4158)
عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ : إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ الْبَيْتَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ الْبَيْتِ تِمْثَالُ الرِّجَالِ ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي بِالْبَابِ فَلْيُقْطَعْ ، فَلْيُصَيَّرْ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ ، وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ وَيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ يُوطَآَنِ ، وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجْ ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلْبُ جَرْوًا لِلْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ ).
والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع برقم 68 .
ثانيا :
لا حرج في عمل مصلى للنساء داخل المسجد عن يمين الرجال أو عن شمالهم .
إذا صلت المرأة بمحاذاة الرجل وكان بينهما حائل من جدار أو فرجة يمكن أن يقوم فيها مصلٍ ، فالصلاة صحيحة عند عامة أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
وإنما وقع الخلاف بينهم فيما إذا صلت إلى جنبه بلا حائل ، فذهب الحنفية إلى أنها تُبطل صلاة ثلاثة من الرجال ، واحد عن يمينها ، وآخر عن يسارها ، وثالث خلفها ، بشروط ذكروها
وحاصلها : أن تكون المرأة مشتهاة ، وهي من بلغت سبع سنين ، أو كانت تصلح للجماع ، على خلاف في المذهب ، وأن تدخل مع الرجل في صلاة مطلقة أي لها ركوع وسجود ، ويشتركان في التحريمة والأداء ، وأن يكون الإمام قد نوى إمامتها أو إمامة النساء بصفة عامة ، في تفاصيل أخر ، تعرف بالرجوع إلى كتبهم .
ينظر : "المبسوط" (1/183) ، "بدائع الصنائع" (1/239) ، "تبيين الحقائق" (1/136- 139).
قال النووي رحمه الله تعالى
مبينا الخلاف في المسألة وملخصا مذهب الحنفية :
" إذا صلى الرجل وبجنبه امرأة لم تبطل صلاته ولا صلاتها سواء كان إماما أو مأموما ، هذا مذهبنا وبه قال مالك والأكثرون
وقال أبو حنيفة : إن لم تكن المرأة في صلاة أو كانت في صلاة غير مشاركة له في صلاته صحت صلاته وصلاتها , فإن كانت في صلاة يشاركها فيها - ولا تكون مشاركة له عند أبي حنيفة إلا إذا نوى الإمام إمامة النساء
- فإذا شاركته فإن وقفت بجنب رجل بطلت صلاة من إلى جنبيْها , ولا تبطل صلاتها ولا صلاة من يلي الذي يليها ; لأن بينه وبينها حاجزا , وإن كانت في صف بين يديه ( يعني : أمامه ) بطلت صلاة من يحاذيها من ورائها
ولم تبطل صلاة من يحاذي محاذيها ; لأن دونه حاجزا ، فإن صف نساء خلف الإمام وخلفهن صف رجال بطلت صلاة الصف الذي يليهن , قال :
وكان القياس أن لا تبطل صلاة من وراء هذا الصف من الصفوف بسبب الحاجز , ولكن نقول تبطل صفوف الرجال وراءه , ولو كانت مائة صف استحسانا , فإن وقفت بجنب الإمام بطلت صلاة الإمام ; لأنها إلى جنبه ومذهبه أنها إذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأمومين أيضا
وتبطل [ صلاتها ] أيضا ; لأنها من جملة المأمومين .
وهذا المذهب ضعيف الحجة ، ظاهر التحكم والتمسك بتفصيل لا أصل له , وعمدتنا أن الأصل أن الصلاة صحيحة حتى يرد دليل صحيح شرعي في البطلان , وليس لهم ذلك ...
وقاس أصحابنا على وقوفها في صلاة الجنازة فإنها لا تبطل عندهم , والله أعلم بالصواب وله الحمد والنعمة والمنة , وبه التوفيق والهداية والعصمة" انتهى
من المجموع (3/331) باختصار يسير.
أما مع وجود الحائل فقد اتفق الأحناف مع الجمهور
على أنه لا تبطل صلاة واحد منهما
كما في "تبيين الحقائق" (1/138)
لا شك أن السنة أن تكون صفوف النساء خلف الرجال
كما كان الحال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
وقد روى البخاري (380) ومسلم (658)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ : فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا ، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ ) .
قال الحافظ في الفتح :
" وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد: ... َتَأْخِير النِّسَاء عَنْ صُفُوف الرِّجَال , وَقِيَام الْمَرْأَة صَفًّا وَحْدهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا اِمْرَأَة غَيْرهَا " انتهى .
لكن إذا حصل ما ذكرتَ من كونهن يحاذين الرجال ،
فالصلاة صحيحة والحمد لله .
ويحصل الاقتداء بسماع صوت الإمام مباشرة أو بالميكرفون ، ولا يضر كونهن لا يرين الإمام أو المأمومين .
سئل الشيخ لابن عثيمين رحمه الله :
ما حكم صلاة النساء في المساجد التي لا يرين فيها الإمام ولا المأمومين وإنما يسمعن الصوت فقط ؟
فأجاب :
"يجوز للمرأة وللرجل أيضا أن يصلي مع الجماعة في المسجد وإن لم ير الإمام ولا المأمومين إذا أمكن الاقتداء ، فإذا كان الصوت يبلغ النساء في مكانهن من المسجد ويمكنهن أن يقتدين بالإمام فإنه يصح أن يصلين الجماعة مع الإمام
لأن المكان واحد
والاقتداء ممكن سوء كان عن طريق مكبر الصوت ، أو عن طريق مباشر بصوت الإمام نفسه ، أو بصوت المبلغ عنه ، ولا يضر إذا كن لا يرين الإمام ولا المأمومين، وإنما اشترط بعض العلماء رؤية الإمام أو المأمومين فيما إذا كان الذي يصلي خارج المسجد ..." انتهى من
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/ 213).
ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .