الحديث وعلومه - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة

قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الحديث وعلومه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-06-24, 15:42   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حول استيعاب كتاب الشيخ مقبل " الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين" للأحاديث الصحيحة غير ما في الصحيحين

السؤال :


كتاب الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ هل فيه جميع الأحاديث الصحيحة التي ليست في صحيحي البخاري ومسلم؟

الجواب :


الحمد لله


أولا :

كل عالم صنف كتابا في الحديث يشترط لكتابه شرطا أو شروطا يلتزمها في الأحاديث التي يرويها أو يجمعها في كتابه .

وأهل العلم في ذلك أصناف :

فمنهم من يضع شروطا شديدة كالإمام البخاري رحمه الله .

ومنهم من يتساهل كالإمام الحاكم رحمه الله في مستدركه ، وغيره من أهل العلم .

هذا ولم يدّع أحد من أهل الحديث أنه جمع كل الأحاديث الصحيحة ، بل يجمع ما تيسر له ، ويفوته الكثير مما هو على شرطه ، فضلا عما لم يكن على شرطه .

وهذا هو الإمام البخاري مع جلالته في علم الحديث ، وشدة شرطه في كتابه الصحيح ، وتلميذه الإمام مسلم وكتابه الصحيح أيضا ، إلا أن أهل العلم استدركوا عليهما أحاديث على شرطهما أو على شرط أحدهما ولم يخرجاه ، مثل الإمام الحاكم في كتابه "المستدرك على الصحيحين" ، ومثل الإمام الدارقطني في كتابه "الإلزامات " .

ثانيا :

وأما كتاب الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله ، والمعروف باسم "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" ، فهو كتاب عظيم النفع في بابه ، حيث أنه انتقى من كتب السنة (1658) حديثا ، ثم زاد عليها ثمانين حديثا أخرى في الطبعة الأخيرة ، من الأحاديث الصحيحة وفق الشروط التي وضعها لكتابه هذا .

وقد تشدد الشيخ في شرطه في كتابه ، فقال كما في "مقدمة كتاب الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" (1/15) :" ولكن شرطي فيه شديد" . انتهى

وقد بين هذه الشدة في شرطه فقال في "المقدمة" (1/15) :" فإني إذا أردت أن أكتب الحديث انظر "تحفة الأشراف" هل اختلف في رفع الحديث ووقفه أو وصله وانقطاعه ؟ فإن ترجح لي الرفع كتبته .

وهكذا انظر في كتب العلل إذا كان الحديث معللا بعلة قادحة تركته ، وإذا شككت في الحديث تركته ". انتهى

فهاهنا نص على أنه إذا شك في كون الحديث معللا تركه ولم يذكره .

وقال أيضا (1/24):" ومنها أن يكون التابعي مكثرا ، والصحابي مكثرا أيضا ، ولم يصرح بالتحديث عن ذلك الصحابي ، ولم يخرج له الشيخان عنه ، فهذا مما أتوقف فيه ، وإن لم يكن التابعي ممن قيل فيه يرسل .

ولا يقال إن عنعنة غير المدلس مقبولة ، فإنه مقيد بما إذا قد سمع منه ؛ فعنعنة غير المدلس ، عمن سمع منه : محمولة على السماع ". انتهى

وهذا شرط شديد جدا ، حيث لا يشترط في صحة حديث الراوي على قول جماهير أهل العلم سوى المعاصرة مع إمكان اللقي والبراءة من التدليس .

قال الإمام مسلم في "مقدمة صحيحه" (1/29) :" وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ الشَّائِعَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ وَالرِّوَايَاتِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، أَنَّ كُلَّ رَجُلٍ ثِقَةٍ رَوَى عَنْ مِثْلِهِ حَدِيثًا ، وَجَائِزٌ مُمْكِنٌ لَهُ لِقَاؤُهُ وَالسَّمَاعُ مِنْهُ لِكَوْنِهِمَا جَمِيعًا كَانَا فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فِي خَبَرٍ قَطُّ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا وَلَا تَشَافَهَا بِكَلَامٍ فَالرِّوَايَةُ ثَابِتَةٌ ، وَالْحُجَّةُ بِهَا لَازِمَةٌ ، إِلَّا أَنَّ يَكُونَ هُنَاكَ دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذَا الرَّاوِي لَمْ يَلْقَ مَنْ رَوَى عَنْهُ ، أَوْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا ، فَأَمَّا وَالْأَمْرُ مُبْهَمٌ عَلَى الْإِمْكَانِ الَّذِي فَسَّرْنَا ، فَالرِّوَايَةُ عَلَى السَّمَاعِ أَبَدًا حَتَّى تَكُونَ الدَّلَالَةُ الَّتِي بَيَّنَّا ". انتهى

ولما كان هذا شرطه في كتابه ، فقد خرج عن الكتاب : كثير من الأحاديث الصحيحة المقبولة على قول جماهير أهل العلم .

ولذا ، فإنه بعد صدور الطبعة الرابعة من كتابه كان قد استقرأ السنن الأربعة ومسند أحمد ، ومع ذلك فلم يصح منها على شرطه إلا هذا العدد .

وهناك الكثير من الأحاديث صححها المحققون من أهل العلم في السنن الأربعة ، ومسند الإمام أحمد ومع ذلك لم يذكرها الشيخ مقبل في كتابه

وعلى سبيل المثال : هذا حديث أخرجه النسائي في "سننه" (166) من حديث عَائِشَةَ قَالَتْ ِإنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي وَإِنِّي لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ اعْتِرَاضَ الْجَنَازَةِ ، حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ مَسَّنِي بِرِجْلِهِ ) .

والحديث صححه الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/229) ، والشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (3/296) ، ولم يذكره الشيخ مقبل في كتابه .

وهذا كتاب "سنن أبي داود" بلغت أحاديثه (5274) ، قد صحح الشيخ الألباني منها (2393) حديثا ، أي أكثر من جميع أحاديث كتاب الشيخ مقبل "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" .

وعلى هذا نقول : أن الشيخ مقبل رحمه الله لم يستوعب الأحاديث الصحيحة في كتابة "الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين" ، بل فاته الكثير من الأحاديث الصحيحة ، وذلك لشدة شرطه في كتابه .

والله أعلم .








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-06-24, 15:44   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حديث: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَضَعُ اللَّهُ رَحْمَتَهُ إِلَّا عَلَى رَحِيمٍ ).

السؤال :


ما صحة هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لا يضع الله رحمته إلا على رحيم ) ، قالوا : كلنا يرحم ، قال : ( ليس برحمة أحدكم صاحبه ؛ يرحم الناس كافة ) ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

روى أبو يعلى الموصلي في "مسنده" (4258) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ سَعْدٍ الْكِنْدِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَضَعُ اللَّهُ رَحْمَتَهُ إِلَّا عَلَى رَحِيمٍ ) ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّنَا يَرْحَمُ، قَالَ: ( لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ ، يُرْحَمُ النَّاسُ كَافَّةً ).

وقال الهيثمي في "المجمع" (8/ 187):

" رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَرِجَالُهُ وُثِّقُوا، إِلَّا أَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ مُدَلِّسٌ ".

وله شاهد رواه المروزي في "زوائد الزهد" (1/ 352) عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا رَحِيمٌ ) ، قَالُوا: كُلُّنَا رُحَمَاءُ، قَالَ: ( لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ خُوَيِّصَتَهُ حَتَّى يَرْحَمَ النَّاسَ ).

وإسناده مرسل صحيح، فهو شاهد صالح لحديث أنس المتقدم .

وقد حسنه الألباني رحمه الله في "الصحيحة" (167).

ثانيا :

في الحديث الحث على الرحمة العامة للناس كافة، فلا يخص المسلم بها من يعرفه ويرق له قلبه ، لرحم بينه وبينه ، أو صحبة ، أو زمالة ، أو غير ذلك .

وقد روى الدولابي في "الكنى" (971) عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّهُ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( خَابَ عَبْدٌ وَخَسِرَ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ رَحْمَةً لِلْبَشَرِ ).

وحسنه الألباني في "الصحيحة" (456) .

وروى الترمذي (1924) وصححه ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) وصححه الألباني .

قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله :

" أَتَى بِصِيغَةِ الْعُمُومِ ; لِيَشْمَلَ جَمِيعَ أَصْنَافِ الْخَلْقِ ، فَيَرْحَمَ الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ وَالنَّاطِقَ وَالْبُهْمَ وَالْوُحُوشَ وَالطَّيْرَ "

انتهى من"مرقاة المفاتيح" (8/ 3113) .

والله تعالى أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-24, 15:51   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

هل كانت خواتيم سورة البقرة وحيا في ليلة المعراج أم نزلتا بالمدينة؟

السؤال :


آمل منكم التوضيح عن كيفية تلقي الرسول صلى الله عليه وسلم خواتيم سورة البقرة ، هل كانت ليلة المعراج حين أعطي الصلوات

أم عندما كان جبريل عليه السلام عنده ونزل بها ملك من باب في السماء لم يفتح قبله قط ؟

حيث عندنا حديثان صحيحان في سنن النسائي صححهما الالباني رحمه الله ، وكل حديث يصف حالة من هاتين الحالتين ، فكيف نوفق بينهما ؟

فيما يلي نص الحديثين: أخبرنا أحمد بن سليمان قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا مالك بن مغول عن الزبير بن عدي عن طلحة بن مصرف عن مرة عن عبد الله قال : " لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة

وإليها ينتهي ما عرج به من تحتها ، وإليها ينتهي ما أهبط به من فوقها ، حتى يقبض منها قال [ إذ يغشى السدرة ما يغشى ] قال فراش من ذهب ، فأعطى ثلاثا الصلوات الخمس ، وخواتيم سورة البقرة ، ويغفر لمن مات من أمته لا يشرك بالله شيئا المقحمات ) "سنن النسائي" (1/ 223 )

قال الشيخ الألباني : "صحيح" . أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا أبو الأحوص عن عمار بن رزيق عن عبد الله بن عيسى عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال : " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل عليه السلام إذ سمع نقيضا فوقه فرفع جبريل عليه السلام بصره إلى السماء فقال هذا باب قد فتح من السما

ما فتح قط قال فنزل منه ملك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لم تقرأ حرفا منهما إلا أعطيته) . "سنن النسائي" (2 /138) ، قال الشيخ الألباني : "صحيح" .


الجواب :


الحمد لله

أولا :

من المعلوم أن جبريل عليه السلام نزل بجميع القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم .

ويدل على ذلك قوله تعالى :( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194). الشعراء/192-194 .

وخواتيم سورة البقرة نزلت في المدينة ، كما ورد في صحيح أخرجه مسلم في "صحيحه" (125)

من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة/284

قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ ، فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللهِ ، كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ ، الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْجِهَادَ وَالصَّدَقَةَ ، وَقَدِ اُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ ، ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ

فَأَنْزَلَ اللهُ فِي إِثْرِهَا:( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) البقرة/285 ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالَى ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ( لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) البقرة/286

قَالَ: نَعَمْ ، ( رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ) البقرة/286 ، قَالَ: نَعَمْ ، ( رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) البقرة/286 ، قَالَ: نَعَمْ ، ( وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) البقرة/286 ، قَالَ: نَعَمْ )" .

ثانيا :

وأما الحديثان اللذان أوردهما السائل الكريم : فقد اختلف أهل العلم في مدلول كل منهما ، والجمع بينهما ، كما يلي :

أما الحديث الأول : " حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " .

وهو حديث صحيح ، أخرجه مسلم في "صحيحه" (173)

من حديث ابن مسعود قَالَ: " لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ... قال :" فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا ، الْمُقْحِمَاتُ ".

وقد اختلف أهل العلم في المراد بقوله :" وأعطي خواتيم سورة البقرة " .

هل المراد به أن الله أوحى إليه بهما بلا واسطة في أول الأمر ، ثم نزل بهما جبريل بعد ذلك؟ أم إن الله أعلمه أنه سيؤتيه هاتين الآيتين العظيمتين ، ثم نزلتا بعد ذلك في المدينة ؟

على قولين لأهل العلم :

القول الأول : أن الله تعالى أوحى إليه بهما في المعراج بلا واسطة ، وقد نقل ذلك عن بعض التابعين .

قال ابن الملك في "شرح المصابيح" (6/288) :

" قال: فأعطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ثلاثاً ؛ أعطي الصلوات الخمس ، وأعطي خواتيم سورة البقرة ": .. وعن الحسن وابن سيرين ومجاهد - رضي الله عنه -: أن الله تعالى تولى إيحاءهما إليه ، بلا واسطة جبريلَ ليلة المعراج ، فهما مكيتان عندهم ". انتهى

بل إن بعض أهل العلم عدّ خواتيم سورة البقرة مثالا على ما أوحي من القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم في السماء.

فقد ذكر القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في "أحكام القرآن" (4/359)

مواضع نزول القرآن فقال :" مِنْ الْفَوَائِدِ الْعَارِضَةِ هَاهُنَا أَنَّ الْقُرْآنَ فِي مَحَلِّ نُزُولِهِ وَوَقْفِهِ : عَشْرَةُ أَقْسَامٍ: سَمَاوِيٌّ ، وَأَرْضِيٌّ ، وَمَا تَحْتَ الْأَرْضِ ، وَحَضَرِيٌّ ، وَسَفَرِيٌّ ، وَمَكِّيٌّ ، وَمَدَنِيٌّ ، وَلَيْلِيٌّ ، وَنَهَارِيٌّ ، وَمَا نَزَلَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ". انتهى

وقد نقل السيوطي كلام ابن العربي في "الإتقان" (1/90)

ومثّل للسماوي فقال :" لَمْ أَقِفْ عَلَى مُسْتَنَدٍ لِمَا ذَكَرَهُ فِيهَا إِلَّا آخِرَ الْبَقَرَةِ ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ:" لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ الِلَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى الْحَدِيثَ ". انتهى

وقال في "الإتقان في علوم القرآن" (1/161) :

" وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ لِلْوَحْيِ كَيْفِيَّاتٍ ... الْخَامِسَةُ: أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِمَّا فِي الْيَقَظَةِ ، كَمَا فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ ، أَوْ فِي النَّوْمِ كَمَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: "أَتَانِي رَبِّي فَقَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى.." الْحَدِيثَ.

وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ شَيْءٌ فِيمَا أَعْلَمُ ، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُعَدَّ مِنْهُ آخِرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ". انتهى

القول الثاني : أن الإعطاء في ليلة المعراج كان بمعنى الاستجابة ، أو بمعنى البشرى بالإعطاء.

قال المظهري في "المفاتيح في شرح المصابيح" (6/200) :

" قوله:" وأُعطِيَ خواتيمَ سُورةِ البقرة ": قيل: معناه: استجيب له - صلى الله عليه وسلم - مضمون الآيتين: { غُفْرَانَكَ رَبَّنَا } البقرة/285 ، إلى آخر السورة ، ولمَنْ سَأل من أمته إذا رَعَى حَقَّ السؤال ". انتهى

وقال السندي في "حاشيته على سنن النسائي" (1/224):

" كَأَن المُرَاد أَنه قرر لَهُ اعطاءها وَأَنه ستنزل عَلَيْك وَنَحْوه ، وإلا فالآيات مدنيات ". انتهى

وأما الحديث الثاني : وهو حديث " عبد الله بن عباس رضي الله عنه "

وهو حديث صحيح أيضا ، أخرجه مسلم في "صحيحه" (806)

من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: " بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ: هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ ، فَسَلَّمَ ، وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ " انتهى .

فقد اختلف أهل العلم في معناه على قولين :

القول الأول : أن النزول بالآيات هنا كان نزولا حقيقيا ، وكان ذلك بالمدينة ، وجمعوا بين هذا الحديث والذي قبله بتكرار النزول للدلالة على عظيم فضل هذه الآيات .

قال القاري في "مرقاة المفاتيح" (9/3772) في شرحه لحديث ابن مسعود السابق

:" فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا بِظَاهِرِهِ يُنَافِي مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" بَيْنَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ أَيْ صَوْتًا ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ ، فَسَلَّمَ وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ ".

قُلْتُ: لَا مُنَافَاةَ ، فَإِنَّ الْإِعْطَاءَ كَانَ فِي السَّمَاءِ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ ، بِقَرِينَةِ إِعْطَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْمَقَامِ الْأَعْلَى ، وَنُزُولِ الْمَلَكِ الْمُعَظَّمِ لِتَعْظِيمِ مَا أَعْطَى ، وَبِشَارَةِ مَا خُصَّ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ ..." .

ثم ذكر خلاف العلماء في ذلك ، ثم قال :

" وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ وَقَعَ تَكْرَارُ الْوَحْيِ فِيهِ تَعْظِيمًا لَهُ ، وَاهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ ، فَأَوْحَى إِلَيْهِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ بِلَا وَاسِطَةٍ ، ثُمَّ أَوْحَى إِلَيْهِ فِي الْمَدِينَةِ بِوَاسِطَةِ جِبْرِيلَ ، وَبِهَذَا يَتِمُّ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرْآنِ نَزَلَ بِوَاسِطَةِ جِبْرِيلَ ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ - عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ) الشعراء/193-194 ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْإِعْطَاءِ اسْتِجَابَةُ الدُّعَاءِ مِمَّا اشْتَمَلَ الْإِتْيَانُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ لَا يُنَافِي نُزُولَهَا بَعْدَ الْإِسْرَاءِ إِلَيْهِ " انتهى .

الثاني : أن نزول الملك كان بالبشرى والفضل وليس بالآيات .

قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (1/211)

:" قوله " وأعطي خواتيم سورة البقرة " ، وقد روى مسلم أنه نزل عليه ملك من السماء لم ينزل قط وأنبأ النبي عليه الصلاة والسلام أنه أعطى الآيتين من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه ، والأصل في ذلك أنه أوحى بهما الليلة ليلة الاسراء أصلا ، ونزل إليه الملك بهذه الفائدة في أنهما من قرأ بهما في ليلة كفتاه فتجتمع الفائدتان ". انتهى

وهذا ما رجحه القرطبي أيضا في "الجامع لأحكام القرآن" (1/116) .

ومما سبق يتلخص ما يلي :

أن خواتيم سورة البقرة آيات مدنية ، وأن إعطاء الله تعالى هذه الآيات لنبيه صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ، يحتمل أنه أوحى بهما إليه بلا واسطة ، ثم نزلتا مرة أخرى في المدينة ، أو أن الله بشره بنزول هذه الآيات عليه ، ثم نزلتا حقيقة في المدينة ، وأما حديث ابن عباس فيحتمل أنه نزول بالآيات ، أو نزول بالفضل والثواب .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-28, 01:23   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته




حول صحة ما روي أن إسرافيل أول من سجد لآدم فأثابه الله بأن كتب القرآن على جبهته

السؤال :


سألني أحدهم سؤالا : أول من سجد لآدم إسرافيل ، فأثابه الله بأن كتب القرآن على جبهته ، فما معني كتب القرآن على جبهته ؟


الجواب :


الحمد لله

أولا :

هذا الكلام الذي ذكره السائل لم يرو بإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من الصحابة الكرام ، وإنما يروى عن بعض السلف والتابعين ، ومعلوم أن مثل هذه الأمور الغيبية لا تقال بالرأي ، فلا يقبل فيها قول إلا بنص .

وأما من روي عنهم هذا القول فهم ( عمر بن عبد العزيز ، عبد العزيز بن هلال ، ضمرة بن ربيعة ) .

وبيان هذه الروايات كما يلي :

أما ما روي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله .

فقد أخرجه ابن شاهين في "جزء من حديث أبي حفص عمر بن أحمد ابن شاهين عن شيوخه" (29) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (7/398) ، وابن الجوزي في "المنتظم" (1/203)

من طريق هَارُون بْن زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ ، قال نا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، عَنْ قَادِمِ بْنِ مَيْسُورٍ ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ:( لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، أَوَّلُ مَنْ سَجَدَ لَهُ إِسْرَافِيلُ ، فَأَثَابَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ كَتَبَ الْقُرْآنَ فِي جَبْهَتِهِ ) .

وإسناده لا يصح عن عمر بن عبد العزيز ، حيث فيه " قادم بن ميسور " ، مجهول ، لم يترجم له أحد سوى ابن ماكولا في "الإكمال" (7/193) ، ولم يذكر فيه شيئا .

وأما ما روي عن عبد العزيز بن هلال .

فقد أخرجه أبو بكر النجاد في "الرد على من يقول بخلق القرآن" (73) ، من طريق بَحْر بْن نَصْرِ بْنِ سَابِقٍ ، عَنْ ضَمْرَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ هِلالٍ قَالَ:( بَلَغَنِي أَنَّ أَوَّلَ مَنْ سَجَدَ مِنَ الْمَلائِكَةِ يَعْنِي لآدَمَ إِسْرَافِيلُ ، فَأَثَابَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ كَتَبَ الْقُرْآنَ فِي جَبْهَتِهِ ".

وإسناده صحيح إلى عبد العزيز بن هلال ، إلا أنه لا يعرف أصلا من هو.

وأما ما روي عن ضمرة بن ربيعة .

فقد أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" (5/1562)

من طريق محمد بن أحمد بن راشد بن معدان ، عن أبي عمير عيسى بن محمد بن النحاس ، قال حدثنا ضَمْرَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ :( بَلَغَنِي أَنَّ أَوَّلَ مَنْ سَجَدَ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِسْرَافِيلُ فَأَثَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ كَتَبَ الْقُرْآنَ فِي جَبْهَتِهِ ) .

وإسناده صحيح إلى ضمرة بن ربيعة ، إلا أنه لا يحتج به ، لأنه من الأمور الغيبية التي لا تقال بالرأي .

ونقل ابن كثير نحوه عن محمد بن الحسن النقاش فقال في "البداية والنهاية" (1/104)

:" وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ: أَنَّ إِسْرَافِيلَ أَوَّلُ مَنْ سَجَدَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، فَجُوزِيَ بِوِلَايَةِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. حَكَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ "التَّعْرِيفُ وَالْإِعْلَامُ بِمَا أُبْهِمَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَعْلَامِ" . انتهى

وبمراجعة مخطوط كتاب "التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأعلام" (1/ب)

وجدنا السهيلي قال فيه :" أول من سجد من الملائكة إسرافيل ، ولذلك جوزي بولاية اللوح المحفوظ . قاله محمد بن الحسن النقاش ". انتهى

ومحمد بن الحسن النقاش هو " محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون بن جعفر بن سند أبو بكر المقرئ النقاش " ، له كتاب في التفسير اسمه "شفاء الصدور"

وقد ترجم له الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (2/602)

وقال :" سألت أبا بكر البرقاني ، عن النقاش ، فقال: كل حديثه منكر.

وَحَدَّثَنِي من سمع أبا بكر ذكر تفسير النقاش ، فقال: ليس فيه حديث صحيح ، قال الخطيب :" وفي أحاديثه مناكير بأسانيد مشهورة ". انتهى









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-28, 01:24   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي



ثانيا :

رويت عدة أحاديث بألفاظ متقاربة تدور حول أن اللوح المحفوظ في جبهة إسرافيل، ومعلوم أن القرآن الكريم مكتوب في اللوح المحفوظ، وهذه الأحاديث منها المرفوع المكذوب والضعيف جدا لا يثبت ، ومنها موقوف عن أنس ، ولا يصح ، ومنها بعض الإسرائيليات .

وبيان ذلك كما يلي :

أما الأحاديث المرفوعة فرويت من طريقين :

الأول : حديث روي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا ، ولكن في إسناده كذاب ، والصواب فيه أنه عن كعب الأحبار من قوله .

هذا الحديث أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" (3/820)

من طريق ابْن رُسْتَةَ ، قال حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْخُزَاعِيُّ ، عَنِ الْوَلِيدِ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ كَعْبًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ لَهَا: هَلْ سَمِعْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي إِسْرَافِيلَ شَيْئًا؟ قَالَتْ: نَعَمْ

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:( لَهُ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ ، مِنْهَا جَنَاحَانِ ، أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ ، وَاللَّوْحُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكْتُبَ الْوَحْيَ يَنْقُرُ بَيْنَ جَبْهَتِهِ ) .

وهذا الإسناد فيه أبو أيوب سليمان بن داود الشاذكوني : كذاب ، ترجم له الذهبي في "ديوان الضعفاء" (1742) وقال :" قال ابن معين: كان يكذب ، وقال البخاري: فيه نظر ، وقال أبو حاتم: متروك ". انتهى .

وقد حكم الشيخ الألباني على الحديث في "السلسلة الضعيفة" (689) بأنه موضوع .

هذا وقد خالفه وهب بن بقية ، وهو ثقة ، فرواه عن خالد الواسطي ، عن خالد الحذاء ، عن أبي بشر الوليد بن مسلم ، عن عبد الله بن رباح الأنصاري ، عن كعب الأحبار قوله .

وكعب الأحبار كان من علماء أهل الكتاب ، الذين أسلموا ، وروايته عن كتبه السابقة ، وما عنده من أخبار أهل الكتاب : أمر معلوم مشهور ، لا يحتاج إلى ذكر ، أو دليل.

الثاني : حديث روي عن ابن عباس بإسناد ضعيف جدا .

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/379)

وأبو الشيخ في "العظمة" (2/700)

والبيهقي في "شعب الإيمان" (155)

من طريق مُحَمَّد بْن عمران بْنِ أَبِي لَيْلَى ، قال حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُنَاجِيهِ

إِذِ انْشَقَّ أُفُقُ السَّمَاءِ ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ يَدْنُو مِنَ الْأَرْضِ وَيَتَمَايَلُ ، فَإِذَا مَلَكٌ قَدْ مَثُلَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَخْتَارَ بَيْنَ نَبِيٍّ عَبْدٍ ، وَمَلِكٍ نَبِيٍّ ؟

قَالَ: فَأَشَارَ جِبْرِيلُ إِلَيَّ بِيَدِهِ : أَنْ تَوَاضَعَ . فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لِي نَاصِحٌ ، فَقُلْتُ: عَبْدٌ نَبِيٌّ .

فَعَرَجَ ذَلِكَ الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ قَدْ كُنْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا ، فَرَأَيْتُ مِنْ حَالِكَ مَا شَغَلَنِي عَنِ الْمَسْأَلَةِ ، فَمَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟

قَالَ: هَذَا إِسْرَافِيلُ خَلَقَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، صافًّا قَدَمَيْهِ ، لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّبِّ سَبْعُونَ نُورًا ، مَا مِنْهَا مِنْ نُورٍ يَكَادُ يَدْنُو مِنْهُ إِلَّا احْتَرَقَ ، بَيْنَ يَدَيْهِ لَوْحٌ ، فَإِذَا أَذِنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي شَيْءٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ فِي الْأَرْضِ ارْتَفَعَ ذَلِكَ اللوح ، فَضَرَبَ جَبْهَتَهُ ، فَيَنْظُرُ

فَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِي أَمَرَنِي بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمِلِ مِيكَائِيلَ أَمَرَهُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمِلِ مَلَكِ الْمَوْتِ أَمَرَهُ بِهِ . فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ ، وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ؟ قَالَ: عَلَى الرِّيحِ وَالْجُنُودِ . قُلْتُ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ مِيكَائِيلُ؟ قَالَ: عَلَى النَّبَاتِ وَالْقَطْرِ . قُلْتُ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ مَلَكُ الْمَوْتِ؟ قَالَ: عَلَى قَبْضِ الْأَنْفُسِ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ نَزَلَ إِلَّا لَقِيَامِ السَّاعَةِ ، وَمَا الَّذِي رَأَيْتَ مِنِّي إِلَّا خَوْفًا مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ " .

وهذه الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما فيها أكثر من علة ، منها :

أولا : الانقطاع ؛ فالحكم بن عتيبة ، لم يسمع من مقسم سوى خمسة أحاديث ، ليس هذا منها .

قال الترمذي في "سننه" (1/661) :

" قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعِ الحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ إِلاَّ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ ". انتهى

وهذه الأحاديث الخمسة هي

:" حديث الوتر ، وحديث القنوت ، وحديث عزمة الطلاق ، وجزاء ما قتل من النعم ، والرجل يأتي امرأته وهي حائض ".

ذكرها العلائي في "جامع التحصيل" (ص167) .

ثانيا : في إسناده " محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى " ، ضعيف مشهور بالضعف

قال شعبة :" ما رأيت أحدا أسوأ حفظا من ابْن أَبي ليلى "

وقال أحمد بن حنبل :" كان سيء الحفظ، مضطرب الحديث "

وقال ابن معين :" ليس بذاك " ، وقال النسائي :" ليس بالقوي "

انتهى من "تهذيب الكمال" (25/625) .

ثالثا : فيه كذلك " عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى " ، مجهول الحال

ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (6/426)

وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (1694)

ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا .

وضعفه الأوزاعي فقال :" ليس بذاك " .

نقله عنه العيني في "مغاني الأخيار" (2006) .

وأما الموقوف عن أنس رضي الله عنه ، فأخرجه الطبري في "تفسيره" (24/287)

من طريق قُرَّةَ بْن سُلَيْمَانَ ، قَالَ: ثنا حَرْبُ بْنُ سُرَيْجٍ ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، فِي قَوْلِهِ:( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) البروج/22 .

قَالَ:" إِنَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) البروج/22 ، فِي جَبْهَةِ إِسْرَافِيلَ " .

وإسناده ضعيف لأجل قرة بن سليمان ، ضعفه أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (7/131) .

وأما الإسرائيليات فقد سبق ذكر ما جاء عن كعب الأحبار في ذلك .

وقد ورد كذلك عن وهب بن منبه ، بإسناد موضوع عنه .

وهذا الإسناد أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" (3/840)

من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ ، قال حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ بسياق طويل ، وفيه أن الله قال لإسرافيل :( قَدْ وَكَّلْتُكَ بِالصُّورِ ، فَأَنْتَ لِلنَّفْخَةِ وَالصَّيْحَةِ . فَدَخَلَ إِسْرَافِيلُ فِي مُقَدَّمِ الْعَرْشِ ، فَأَدْخَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ الْعَرْشِ ، وَقَدَّمَ الْيُسْرَى ، وَلَمْ يَطْرِفْ مُذْ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، يَنْتَظِرُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ ، وَالْعَرْشُ عَلَى كَاهِلِهِ، وَاللَّوْحُ يَقْرَعُ جَبْهَتَهُ " .

وهذا الإسناد موضوع ، فيه " محمد بن إبراهيم بن العلاء " ،

قال الدارقطني :" كذاب " . كذا في "سؤالات البرقاني للدارقطني" (423).

ومما سبق يتلخص الآتي :

أن ما ذكره السائل لم يرو بسند مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه.

وإنما روي عن بعض التابعين ، لم يصح منها إلا ما روي عن ضمرة بن ربيعة .

ولو صح من ذلك شيء ، فلا حجه فيه ، إلا ما ثبت صريحا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن ذلك الباب مما لا يعلم إلا بخبر الوحي ، ولا خبر بذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلم .

وأخبار أهل الكتاب : لا حجة فيها ، في دين الله عز وجل .

واعتقادنا نحن المسلمين أن القرآن الكريم مكتوب في اللوح المحفوظ ، كما في قوله تعالى :( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22). البروج/22 .

قال الطبري في "تفسيره" (24/347) :

" قوله:( فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) يقول تعالى ذكره: هو قرآن كريم مُثْبَت في لوح محفوظ ". انتهى

وقال ابن بطة في "الإبانة" (5/321)

:" وَلَقَدْ جَاءَتِ الْآثَارُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الرَّاشِدِينَ وَفُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللَّهُ هُدَاةً لِلْمُسْتَرْشِدِينَ ، وَأُنْسًا لِقُلُوبِ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، مِمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنْ إِعْظَامِ الْقُرْآنِ وَإِكْرَامِهِ ، مِمَّا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَا يَقْرَؤُهُ النَّاسُ ، وَيَتْلُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ = هُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ ، وَاسْتَوْدَعَهُ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ ، وَالرَّقَّ الْمَنْشُورَ

حَيْثُ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى :( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) البروج/22 ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:( وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ ) الطور/2 . ". انتهى

وما زاد على ذلك مما جاء في سؤال الأخ الكريم لا يجوز اعتقاده إلا بنص صحيح مرفوع ، والله أعلم .

ملخص الجواب :

ما ذكره السائل لم يرو بسند مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه.

وإنما روي عن بعض التابعين ، لم يصح منها إلا ما روي عن ضمرة بن ربيعة . ولو صح من ذلك شيء ، فلا حجه فيه ، إلا ما ثبت صريحا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن ذلك الباب مما لا يعلم إلا بخبر الوحي ، ولا خبر بذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلم .

وأخبار أهل الكتاب : لا حجة فيها ، في دين الله عز وجل .

واعتقادنا نحن المسلمين أن القرآن الكريم مكتوب في اللوح المحفوظ ، وما زاد على ذلك مما جاء في السؤال لا يجوز اعتقاده إلا بنص صحيح مرفوع

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-28, 01:31   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حول صيام التسع من ذي الحجة وعلة ذلك ، وهل وردت مناسبات لهذه الأيام ؟

السؤال :


لماذا نصوم التسع من ذي الحجة ، هل من مناسبة لكل يوم منها ؟

مثال: أول يوم : هو اليوم الذي غفر الله لسيدنا آدم ذنب الأكل من الشجرة ؟

اليوم الثانى : هو اليوم الذى استجاب رب العالمين فيه لدعاء سيدنا يونس عليه السلام وهو فى بطن الحوت .

اليوم الثالث : هو اليوم الذى استجاب رب العالمين فيه لدعاء سيدنا زكريا ورزقه بالابن الذي كان يتمناه .


الجواب :


الحمد لله


أولا :

فإن الأيام العشر أفضل أيام الدنيا ، وما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ، وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة صحيحة .

ومن أصح هذه الأحاديث وأشهرها ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (969) ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:( مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟ قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ ).

وأما الصيام : فيها فهو من جنس العمل الصالح .

وقد ورد في فضل الصيام فيها ، بخصوصه : ما أخرجه أبو داود في "سننه" (2436) ، والنسائي في "سننه" (2417) ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَتْ:( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ ) .

والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (2106) .

ثانيا :

وأما ما ذكره السائل الكريم حول ورود مناسبة لكل يوم منها ، فإن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح .

وما أشار إليه من هذه الأحداث المذكورة ، فقد جاءت بعض الأحاديث الموضوعة المكذوبة حول هذه المعاني ، وجميعها مكذوب موضوع لا يصح منها شيء ، وبيان ذلك كما يلي :

الحديث الأول :

أخرجه الشجري في "الأمالي" (1651)

فقال : أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْأَزَجِيُّ ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُفِيدُ ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ الْقُرَشِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقَ بْنُ سُوَيْدٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

قَالَ:( أَوَّلُ رَحْمَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْأَرْضِ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ ، فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَدْلَ صِيَامِهِ سِتِّينَ سَنَةً ، وَوُلِدَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلٌ مَنْ ذِي الْحِجَّةِ ، فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَعْطَاهُ اللَّهُ ثَوَابَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ زَبُورَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي سَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ

فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَابَ عَلَيْهِ كَمَا تَابَ عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَكَشَفَ اللَّهُ الضُّرَّ عَنْ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي تِسْعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ، فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَدْلَ صِيَامِهِ السَّنَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا ، وَالسَّنَةُ الْمُسْتَقْبَلَةْ، وَاسْتَجَابَ اللَّهُ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنَ الْمُحَرَّمِ ، فَمَنْ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمِ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ دُعَاءَهُ كَمَا اسْتَجَابَ لِزَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ ) .
وإسناده موضوع .

فيه أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد المفيد

ال الذهبي في "المغني في الضعفاء" (5260)

:" مجمع على ضعفه ، واتهم ". انتهى

وقال في "ميزان الاعتدال" (7158) :" وهو متهم " . انتهى .

قال سبط ابن العجمي في "الكشف الحثيث" (610)

معقبا على قول الذهبي :" فَقَوله بعد كَلَام الْبَاجِيّ : هُوَ مُتَّهم ؛ يحْتَمل أَن يُرِيد : بِالْكَذِبِ ، وَيحْتَمل : بِالْوَضْعِ ". انتهى

وشيخه أحمد بن عبد الرحمن بن سعد القرشي لم أجد من ترجم له ، إلا أن يكون هو أحمد بن عبد الرحمن السقطي ، فإنه من شيوخ أبي بكر المفيد ، ترجم له الذهبي في "المغني في الضعفاء" (345)

فقال :" احْمَد بن عبد الرَّحْمَن السَّقطِي شيخ الْمُفِيد ، لَا يعرف ؛ حدث عَن يزِيد بن هَارُون بِحَدِيث بَاطِل ". انتهى

وفيه كذلك " داود بن سليمان بن علي " ، لا يعرف ، لم يترجم له أحد .

وفيه سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، مجهول .

قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (361) :" سليمان" بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي ..

قلت: قال ابن القطان " هو مع شرفه في قومه لا يعرف حاله في الحديث ". انتهى

الحديث الثاني :

أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (4381) ، وأورد السيوطي سنده في "الزيادة على الموضوعات" (567) من طريق الديلمي قال : أخبرنا أبي أخبرنا محمد بن الحسين السعيدي ، حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن إبراهيم يُعرف بابن شاذي ، حدثنا الفضل بن الفضل الكندي إملاء

حدثنا محمد بن سهل بن الحسين العطار ، حدثنا عبد الله بن محمد البلوي ، حدثني إبراهيم بن عبد الله بن العلاء ، عن أبيه ، عن زيد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه علي بن أبي طالب رفعه:( في أوّل ليلة مِن ذي الحجة وُلد إبرإهيم ، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ثمانين سنة ، وفي تسعٍ مِن ذي الحجة أنزل توبة داود ، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ستين سنة ) .

قال السيوطي : محمد بن سهل : كان يضع الحديث " . انتهى

وهذا الإسناد مكذوب ، مسلسل بالكذابين .

فيه إبراهيم بن عبد الله بن العلاء بن زبر ، ترجم له الذهبي في "ميزان الاعتدال" (120)

وقال :" قال النسائي:" ليس بثقة ". انتهى

وفيه عبد الله بن محمد البلوي ، ترجم له الذهبي في "ميزان الاعتدال" (4558)

وقال :" قال الدارقطني: " يضع الحديث ". انتهى

وفيه محمد بن سهل العطار ، ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد" (2/411)

وقال :" قَالَ الدارقطني:" محمد بن سهل العطار كان ممن يضع الحديث ". انتهى

والحديث ذكره الفتني في "تذكرة الموضوعات" (ص119)

وقال :" فيه محمد ابن سهل يضع ". انتهى









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-28, 01:32   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي



الحديث الثالث :

أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (7122) ، وأورد السيوطي سنده في "الزيادة على الموضوعات" (565) من طريق الديلمي قال : أخبرنا أبو الفتح عبد الواحد بن إسماعيل بن نغارة إذناً

أخبرنا أبو محمد الحسن بن الحسين بن علي بن خشنام الحافظ ، حدثنا أبو النضر محمد بن أحمد بن سليمان التستري ، حدثنا محمد بن مخلد العطار ، حدثنا أبو سعيد محمد بن القاسم بن محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن تميم الفريابي ، حدثنا عبد الملك بن إبراهيم الجُدِّي ، عن الثوري

عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عبد الله بن باباه ، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:( ولد إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم في أول يوم من ذي الحجة ، فصوم ذلك اليوم كصوم سبعين سنة ).

قال السيوطي :" موضوع ". انتهى

وآفته محمد بن تميم ، كذاب خبيث .

قال أبو نعيم في "الضعفاء" (231) :" كَذَّاب وَضاع ". انتهى

وقال ابن حبان في "المجروحين" (1013) :" يضع الحَدِيث ". انتهى

وقال الحاكم كما في "سؤالات السجزي للحاكم" (137) :" وضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة آلاف حديث ". انتهى

الحديث الرابع :

أورده السيوطي في "الزيادة على الموضوعات" (569) بإسناد الديلمي قال : أخبرنا أبي ، أخبرنا الميداني ، حدثنا أبو بكر بن بشران ، حدثنا ابن شاهين إملاء ، حدثنا أحمد بن محمد بن عكرمة النسوي ، حدثنا أحمد بن الخضر المروزي ، حدثنا محمد بن نصر بن العباس ، حدثنا علي بن حُجر

حدثنا حماد بن عمرو ، عن زيد بن رفيع ، عن الزهري ، عن أنس رفعه:( من صام يوم التروية أعطاه اللهُ مثل ثواب أيوب على بلائه ، وإن صام يوم عرفة أعطاه الله عز وجل مثل ثواب عيسى ابن مريم ، وإن لم يأكل يوم النحر حتى يصلي أعطاه اللهُ ثواب من صلى في ذلك اليوم ، فإن مات إلى ثلاثين يوماً مات شهيداً ).

قال السيوطي : حمّاد بن عمرو كذاب . انتهى

وهو آفة هذا الحديث ، قال ابن معين :" حَمَّادُ بْنُ عَمْرو النَّصِيبِيُّ مِمَّنْ يَكْذِبُ وَيَضَعُ الْحَدِيثَ ". انتهى

من "الكامل" لابن عدي (415)

وقال النسائي في "الضعفاء والمتروكين" (136) :" متروك الحديث" . انتهى

وقال الجوزجاني في "أحوال الرجال" (321) :" كان يكذب لم يدع للحليم في نفسه منه هاجسا ". انتهى ،

وقال ابن حبان في "المجروحين" (240) :" يضع الْحَدِيث وضعا عَلَى الثِّقَات ". انتهى

والخلاصة :

أنه لم تثبت مناسبة خاصة للأيام العشر كما ذكر السائل ، وإنما هي أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وفضل الأيام العشر ، والعمل الصالح فيها وخاصة الصيام ، ثابت من الأحاديث الصحيحة .

ولا يلزم ثبوت الفضل في يوم حدوث شيء أو مناسبة فيه ، بل يكفي أن الله فضل هذا اليوم على غيره ، والله أعلم .

ملخص الجواب :

لم تثبت مناسبة خاصة لأيام العشر كما ذكر السائل ، وإنما هي أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وفضل الأيام العشر ، والعمل الصالح فيها وخاصة الصيام ، ثابت من الأحاديث الصحيحة .

ولا يلزم ثبوت الفضل في يوم حدوث شيء أو مناسبة فيه ، بل يكفي أن الله فضل هذا اليوم على غيره









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-28, 01:35   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حول صحة نسبة هذا القول للنبي صلى الله عليه وسلم :" ما قدر لماضغيك أن يمضغاه فلابد أن يمضغاه "

السؤال :


ما درجة حديث:
( ما قدر لماضغيك أن يمضغا فليمضغا ) ؟


الجواب
:

الحمد لله


فإن هذا القول الذي ذكره السائل الكريم لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم ينسبه أحد من أهل العلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

وإنما عزاه بعض كتاب الصوفية إلى بعض المشايخ دون تسمية .

فقد ذكره ابن عطاء الله السكندري في "التنوير في إسقاط التدبير" (ص214)

فقال :" واسمع ما قال بعض المشايخ : أيها الرجل : ما قدر لماضغيك أن يمضغاه ، فلابد أن يمضغاه ، فكله ويحك بعز ، ولا تأكله بذل ". انتهى

وذكره كذلك أبو العباس الحسني في "البحر المديد في تفسير القرآن المجيد" (7/52)

فقال : " وقال آخر: ما قُدر لماضغيك أن يمضغاه فلابدّ أن يمضغاه ، فامضغه ويحك بعز ، ولا تمضغه بذل ". انتهى

وبعض المعاصرين ينسبه للنبي صلى الله عليه وسلم ، وبعضهم ينسبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولم نقف لهذا القول على سند .

ومعناه صحيح ، فما قدره الله للعبد سيراه ، ولن يحول بينه وبين العبد أحد كائنا من كان .

وقد ورد في هذا المعنى عدة أحاديث صحيحة ، ومن أشهرها حديث ابن عباس رضي الله عنه المشهور .

وقد أخرجه الترمذي في "سننه" (2516) ، وأحمد في "مسنده" (2669)

من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ: ( كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا ، فَقَالَ:" يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ).

والحديث حسنه ابن حجر في "موافقة الخبر الخبر في تخريج أحاديث المختصر" (1/327) ، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2382) .

ومن هذه الأحاديث كذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (35473)

من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :( أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبْعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلاَّ قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ وَيُبْعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلاَّ قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ وَإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوْعِي ، أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، وَلاَ يَحْمِلْكُمَ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ فَإِنَّهُ لاَ يُنَالُ مَا عِنْدَ الله إِلاَّ بِطَاعَتِهِ ) .

والحديث حسنه الشيخ الألباني في "السلسة الصحيحة" (2866) .

والخلاصة :

أن القول المذكور لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه ، ونوصي إخواننا بالتحري عند نسبة شيء للنبي صلى الله عليه وسلم .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-28, 01:45   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل صح عن أبي بكر الصديق أنه لما رأى قوما يبكون عند سماع القرآن قال :" هكذا كنا ثم قست قلوبنا "؟

السؤال :

حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ : " لَمَّا قَدِمَ أَهْلُ الْيَمَنِ زَمَانَ أَبِي بَكْرٍ وَسَمِعُوا الْقُرْآنَ جَعَلُوا يَبْكُونَ

قَالَ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَكَذَا كُنَّا ثُمَّ قَسَتِ الْقُلُوبُ " ، قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَمَعْنَى قَوْلِهِ : قَسَتِ الْقُلُوبُ ، قَوِيَتْ وَاطْمَأَنَّتْ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى . ما صحة الحديث ؟

وما معنى الشرح لأني أشعر أنه غير متفق مع السياق ، وقد قرأت شرحا آخر للألوسي أنه قال : إن الطراز الأول من الصحابة كانوا إذا تليت عليهم الآيات بكوا خوفا من الله ، وأن من جاء بعدهم قست قلوبهم فأرجو الإفادة .


الجواب :


الحمد لله

أولا :

أما الأثر فإنه لا يثبت عن أبي بكر الصديق ، حيث إنه يروى عن أبي بكر مرسلا ، من طريقين :

الأول : أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (35524)

وأبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص135)

وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/33)

من طريق أبي معاوية عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، قَالَ:( لَمَّا قَدِمَ أَهْلُ الْيَمَنِ فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ ، فَسَمِعُوا الْقُرْآنَ جَعَلُوا يَبْكُونَ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:" هَكَذَا كُنَّا ، ثُمَّ قَسَتِ الْقُلُوبُ ) .

وإسناده مرسل ؛ أبو صالح لم يسمع من أبي بكر رضي الله عنه .

قال ابن أبي حاتم في "المراسيل" (201) :

" قَالَ أَبُو زُرْعَةَ : أَبُو صَالِحٍ ذَكْوَانُ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ : مُرْسلٌ ". انتهى

الثاني : أخرجه ابن الكمال الحنبلي في "المنتقى من سماعات محمد بن عبد الرحيم المقدسي" (10) ، من طريق رَوْح بْن عُبَادَةَ ، قال ثنا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: قَدِمَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ ، وَجَعَلُوا يَبْكُونَ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:( هَكَذَا كُنَّا حَتَّى قَسَتِ الْقُلُوبُ ) .

وإسناده مرسل أيضا ، حيث لم يسمع عمرو بن مرة من أبي بكر رضي الله عنه .

قال ابن أبي حاتم في "المراسيل" (531) :

" سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ ابْنِ عُمَرَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا مِنَ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ". انتهى

ثانيا :

وأما من حيث المعنى فإن الفعل " قسا " ، يدل في اللغة العربية على الشدة والصلابة .

قال ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" (5/87)

:" ( قسي ) : القاف والسين والحرف المعتل يدلُّ على شِدَّة وصلابة ، من ذلك الحجر القاسي .

والقَسْوة: غِلَظ القَلْب ، وهي من قسوة الحَجَر. قال الله تعالى:( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كالحِجَارَةِ أوْ أَشَدُّ قَسْوةً ). البقرة/74 ، والقاسية: اللَّيلة الباردة .

ومن الباب المُقاساة: معالجَة الأمر الشَّديد . وهذا من القَسوة ، لأنَّهُ يُظهِر أنّه أقسَى من الأمر الذي يُعالِجهُ . وهو على طريقة المُفاعَلة ". انتهى

ويستعمل مع القلب على سبيل الذم ، وبهذا جاء القرآن في عدة مواضع ، منها :

قوله تعالى :( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) . البقرة/74 .

وقوله تعالى :( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) . المائدة/13 .

وقوله تعالى :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) . الأنعام/42 ، 43 .

قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (7/30) :" وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ " قَسْوَةَ الْقُلُوبِ " الْمُنَافِيَةَ لِلْخُشُوعِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَقَالَ تَعَالَى:( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) . قَالَ الزَّجَّاجُ: قَسَتْ فِي اللُّغَةِ: غَلُظَتْ وَيَبِسَتْ وَعَسِيَتْ.

فَقَسْوَةُ الْقَلْبِ : ذَهَابُ اللِّينِ وَالرَّحْمَةِ وَالْخُشُوعِ مِنْهُ ، وَالْقَاسِي والعاسي: الشَّدِيدُ الصَّلَابَةِ.

وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: قَسَتْ وَعَسَتْ وَعَتَتْ. أَيْ يَبِسَتْ.

وَقُوَّةُ الْقَلْبِ الْمَحْمُودَةُ : غَيْرُ قَسْوَتِهِ الْمَذْمُومَةِ ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ وَلَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ ". انتهى

بل إن الله تعالى عاتب الصحابة رضي الله عنهم بقوله تعالى :( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) . الحديد/16

فقد أخرج مسلم في "صحيحه" (3027) ابْنَ مَسْعُودٍ ، قَالَ:( مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ:( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ ). الحديد/16 ، إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ ).

قال ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (2/131) في شرحه على هذا الحديث :" فيه ما يدل على أن القرآن العزيز وبخ قومًا على بطء خشوع قلوبهم بعد نزول القرآن ". انتهى

وهذا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بعَثَ إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ ، فَقَالَ: أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ ، فَاتْلُوهُ ، وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الْأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ ، كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ". أخرجه مسلم في "صحيحه" (1050) .









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-28, 01:46   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


ثالثا :

وأما قول أبي بكر رضي الله عنه – إن صح عنه – فإن الصواب في معناه : أنه على أصله في أن المراد بالقسوة هنا ذهاب اللين والخشوع من القلب ، إلا أنه خرج من أبي بكر رضي الله عنه على سبيل الوعظ ، أو على سبيل التواضع والإزراء بالنفس ، فأبو بكر أتقى هذه الأمة ، وألينها قلبا ، بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى أنه كان يعرف بالأَسِيف ، إذ لم يكن يملك عينيه من البكاء إذا قرأ القرآن .

ففي صحيح البخاري (712)

من حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ:( لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَتَاهُ بِلاَلٌ يُوذِنُهُ بِالصَّلاَةِ ، فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ ، قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِنْ يَقُمْ مَقَامَكَ يَبْكِي ، فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى القِرَاءَةِ ).

وأخرج البخاري أيضا في "صحيحه" (476)

من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :( وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً ، لاَ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ ) .

قال الباقلاني في "الانتصار للقرآن" (1/93)

" ولما قدم أهل اليمن أيامَ أبي بكرٍ سمعوا القرآن فجعلوا يبكون ، فقال أبو بكر: "هكذا كنا ثم قست القلوب " .

يعني بذلك : أن قلوبَ كثيرٍ من أهل ذلك العصر قست ، دونه ، ودُون الأئمة ومن جرى مجراهم من جلة الصحابة .

وقد يمكن أن يكون ذلك على وجه العظة وطلب الزيادة والخشوع ". انتهى

رابعا :

وأما قول أبي نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء" (1/33)

تفسيرا لقول الصديق :" وَمَعْنَى قَوْلِهِ: قَسَتِ الْقُلُوبُ : قَوِيَتْ وَاطْمَأَنَّتْ بِمَعْرِفَةِ اللهِ تَعَالَى ". انتهى

فإن هذا القول فيه نظر ، لما يلي :

أولا : أنه مخالف لظاهر اللفظ ، وما تدل عليه اللغة ، على ما مر شرحه .

قال الهروي في "الغريبين" (5/1545)

:" وكل صلب فهو قاس ، ومنه قوله تعالى:( قلوبهم قاسية ) أي صلبة لا رحمة فيها ، وقال ابن عرفة: قاسية أي جافية عن الذكر غير قابلة له والقسوة جفوة القلب وغلظه ، والقساوة مثله ". انتهى

ثانيا : أنه معارض لمعنى تواترت عليه الشريعة ، وهو أن من صفات المؤمنين أنهم إذا تليت عليهم آيات القرآن : فاضت أعينهم من البكاء .

وقد جاءت عدة آيات تدل على ذلك ، منها :

قوله تعالى :" وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109). الإسراء/106- 109

وهذا هو حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم سادات الأولياء.

قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (11/8)

:" لَكِنَّ الْأَحْوَالَ الَّتِي كَانَتْ فِي الصَّحَابَةِ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ ، وَهِيَ وَجَلُ الْقُلُوبِ وَدُمُوعُ الْعَيْنِ وَاقْشِعْرَارُ الْجُلُودِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:( إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) ، وَقَالَ تَعَالَى:( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ )

وَقَالَ تَعَالَى:( إذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) ، وَقَالَ:( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} وَقَالَ: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ) ". انتهى

ثالثا : أن القول بأن قلب الصديق لما اطمئن بالإيمان ، لم يعد يبكي عند سماع القرآن ، بخلاف من كان حديث العهد بالإيمان ، يعد من شطحات الصوفية ، فإنهم أول من أحدثوا هذا القول .

قال أبو العباس الحسني في "البحر المديد" (3/346) :

" من شأن القلب في أول أمره الرطوبة ، يتأثر بالواردات والأحوال ، فإذا استمر عليها اشتد وصلُب بحيث لا يؤثر فيه شيء من الواردات الإلهية . وفي هذا المعنى قال أبو بكر رضي الله عنه، حين رأى قوماً يبكون عند سماع القرآن:( كذلك كنا ثم قست القلوب ) ، فعبَّر عن تمكنه بالقسوة ، تواضعًا واستتارًا ، وإنما أثنى على هؤلاء السادات بهذه الخصلة لأنها سُلّم لما فوقها . والله تعالى أعلم ". انتهى

وهذا أبو حفص السهروردي - وهو من كبار أئمة الصوفية - ينقل عنه الطيبي في "حاشية الطيبي على الكشاف" (7/12) فقال :" قال شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص السهروردي قدس سره: لما رأى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الباكي عند قراءة القرآن ، قال: هكذا كنا حتى قست القلوب. أي: أدمنت سماع القرآن وألفت أنواره ، فما استغربته حتى تتغير ". انتهى

وقد ردَّ الألوسي رحمه الله في "روح المعاني" (27/180) قول السهروردي فقال :" وعن أبي بكر رضي الله تعالى عنه إن هذه الآية قُرئت بين يديه وعنده قوم من أهل اليمامة فبكوا بكاءا شديدا ، فنظر إليهم ، فقال :" هكذا كنا حتى قست القلوب " .

ولعله أراد رضي الله تعالى عنه أن الطراز الأول كان كذلك ، حتى قست كثير من الناس ولم يتأسوا بالسابقين .

وغرضه مدح أولئك القوم بما كان هو ونظراؤه عليه رضي الله تعالى عنهم .

ويحتمل أن يكون قد أراد ما هو الظاهر ، والكلام من باب هضم النفس ، كقوله رضي الله تعالى عنه :" أقيلوني فلست بخيركم " .

وقال شيخ الإسلام أبو حفص السهروردي قدس الله سره :" معناه تصلبت وأدمنت سماع القرآن ، وألفت أنواره فما تستغربه حتى تتغير كما تغير هؤلاء السامعون " .انتهى .

وهو خلاف الظاهر ، وفيه نوع انتقاص للقوم ، ورمز إلى أن البكاء عند سماع القرآن لا يكون من كامل ، كما يزعمه بعض جهلة الصوفية القائلين : إن ذلك لا يكون إلا لضعف القلب عن تحمل الواردات الإلهية النورانية ، ويجل عن ذلك كلام الصديق رضي الله تعالى عنه ". انتهى

وقد فسر بعض أهل العلم قول أبي بكر ذلك ، بأن ذلك من "الفترة" التي ترد على السالك ، أثناء الطريق ، لطول المسير .

قال الإمام عبد الغني المقدسي رحمه الله :

" أما فقدان ما نجده من الحلاوة واللذة، فلا يكون دليلًا على عدم القبول؛ فإن المبتدئ يجد مالا يجد المنتهي، فإنه ربما ملت النفس وسئمت؛ لتطاول الزمان، وكثرة العبادة. وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان ينهى عن كثرة العبادة والإِفراط فيها، ويأمر بالاقتصاد خوفًا من الملل. وقد روي أن أهل اليمن لما قدموا المدينة جعلوا يبكون، فقال أبو بكر رضي الله عنه: هكذا كنا حتى قست القلوب."

انتهى، من "عمدة الأحكام الكبرى" (41) .

ولذا تكلم ابن القيم عن الشوق لأيام البدايات فقال :" قَالَ الْجُنَيْدُ: وَاشَوْقَاهُ إِلَى أَوْقَاتِ الْبِدَايَةِ .

يَعْنِي: لَذَّةَ أَوْقَاتِ الْبِدَايَةِ ، وَجَمْعِ الْهِمَّةِ عَلَى الطَّلَبِ ، وَالسَّيْرِ إِلَى اللَّهِ. فَإِنَّهُ كَانَ مَجْمُوعَ الْهِمَّةِ عَلَى السَّيْرِ وَالطَّلَبِ ، فَلَمَّا لَاحَظَ عَيْنَ الْجَمْعِ فَنِيَتْ رُسُومُهُ ، وَهُوَ لَا يُمْكِنُهُ الْفَنَاءُ عَنْ بَشَرِيَّتِهِ ، وَأَحْكَامِ طَبِيعَتِهِ ، فَتَقَاضَتْ طِبَاعُهُ مَا فِيهَا ، فَلَزِمَتْهُ الْكُلَفُ ، فَارْتَاحَ إِلَى أَوْقَاتِ الْبِدَايَاتِ ، لِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ لَذَّةِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْخَلْقِ ، وَاجْتِمَاعِ الْهِمَّةِ .

وَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ عَلَى رَجُلٍ ، وَهُوَ يَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، فَقَالَ: هَكَذَا كُنَّا حَتَّى قَسَتْ قُلُوبُنَا.

وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِنَّ لِكُلِّ عَامِلٍ شِرَّةً ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ» . انتهى من "مدارج السالكين" (3/121)

وختاما :

فقد تبين أن ما ورد عن أبي الصديق رضي الله عنه لا يثبت .

وإن ثبت فإنه خرج منه على سبيل التواضع ، والإزراء بالنفس .

ومعناه على ظاهره ، من أن الأصل في القلب اللين الخاشع البكاء عند سماع القرآن ، بخلاف القلب القاسي .

ولا شك أن أبا بكر ليس من هؤلاء أصحاب القلوب القاسية ، وحاشاه من ذلك .

وتأويل القسوة بالقوة والاطمئنان تعسف في تفسير الكلام ، ومخالف للغة العربية ، وللشريعة الربانية .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-28, 01:49   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل ورد حديث في مشروعية قول آمين عند دخول المسجد ؟

السؤال :


سمعت مرةً متحدثاً مسلماً ذكر شيئاً عن قول آمين عند دخول المسجد ؛ لأن الملائكة تدعو لك ، فيما يبدو أن الحديث رواه أبو هريرة ، فهل يمكن أن تخبرني إذا كان هذا الحديث صحيحاً ؟

الجواب :


الحمد لله


أولا :

ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بعض الدعوات التي كان يقولها عند دخوله المسجد .

ومن أشهر هذه الدعوات وأصحها ما أخرجه مسلم في "صحيحه" (713)

أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ:( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ، وَإِذَا خَرَجَ ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ ) .

وكذلك ما أخرجه أبو داود في "سننه" (466) من حديث عبد الله بن عَمرو بن العاص، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أنه كانَ إذا دخلَ المَسجِدَ قال:( أعوذُ باللهِ العظيمِ ، وبوجهِهِ الكريم ، وسُلطانِه القديم ، من الشَّيطانِ الرَّجيم ) .

والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (485).

ثانيا :

وأما ما ذكره السائل فيما سمعه من متحدث أنه يستحب قول " آمين " عند دخول المسجد ، فإن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم ، ولم نقف على أحد من أهل العلم قال به .

ولعل الحديث الذي اعتمد عليه المتكلم في ذلك هو ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (477) ، ومسلم في "صحيحه" (649) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( صَلاَةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ ، وَصَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً

فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ ، وَأَتَى المَسْجِدَ ، لاَ يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاَةَ ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً ، حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ ، وَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ ، كَانَ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ ، وَتُصَلِّي - يَعْنِي عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ - مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ ) .

فغالب الظن أن هذا المتحدث اعتمد على هذا الحديث ، حيث أن الملائكة تدعو لهذا العبد الذي توضأ في بيته ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة ، ففهم منه استحباب التأمين على دعاء الملائكة في هذا الموطن .

وهذا خطأ ، بل هو أقرب إلى البدعة منه إلى السنة . فليس في الحديث أن صلاة الملائكة تكون عليه عند دخوله إلى المسجد ، بل الظاهر أن الملائكة إنما تقول ذلك حين جلوسه في مكان صلاته ، وليس عند دخوله إلى باب المسجد .

ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أخبر أمته بذلك : لم يشرع لهم أن يقولوا شيئا ، في هذا المقام ، ولا أن يؤمنوا على دعاء الملائكة ؛ فدل ذلك أن هذا القول : بدعة .

قال الشاطبي في "الاعتصام" (2/282)

:" أَن يَسْكُتَ الشَّارِعُ عَنِ الْحُكْمِ الْخَاصِّ ، أَو يَتْرُكَ أَمراً مَا مِنَ الأُمور ، ومُوجِبُهُ الْمُقْتَضِي لَهُ قَائِمٌ ، وَسَبَبُهُ فِي زَمَانِ الْوَحْيِ وَفِيمَا بَعْدَهُ مَوْجُودٌ ثَابِتٌ ، إِلا أَنه لَمْ يُحدَّدْ فِيهِ أَمرٌ زَائِدٌ على ما كان في ذلك الوقت =

فالسكوت في هذا الضرب : كالنص على أَن القصد الشرعي فيه : أَن لا يُزاد فيه عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْحُكْمِ الْعَامِّ فِي أَمثاله ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ .

لأَنه لَمَّا كَانَ المعنى المُوجِبُ لشرعيَّة الحكم العملي الْخَاصِّ مَوْجُودًا ، ثُمَّ لَمْ يُشْرَعْ ، وَلَا نَبَّهَ على استنباطه = كَانَ صَرِيحًا فِي أَن الزَّائِدَ عَلَى مَا ثَبَتَ هُنَالِكَ : بِدْعَةٌ زَائِدَةٌ، وَمُخَالِفَةٌ لِقَصْدِ الشَّارِعِ ؛ إِذ فُهِمَ مِنْ قَصْدِهِ الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا حدَّ هُنَالِكَ ، لَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ ، وَلَا النُّقْصَانُ مِنْهُ ". انتهى

وختاما :

نوصي أنفسنا والسائل الكريم وجميع المسلمين : بالوقوف على ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دون زيادة أو نقصان ، فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-06-28, 01:55   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

حول درجة صحة حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أري ما يصيب أمته بعده، فما رئي ضاحكا منبسطا حتى قبضه الله .

السؤال
:

ما صحة حديث أري النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يصيب أمته بعده فما رئي ضاحكاً منبسطاً حتى قبضه الله ؟

والحديث مذكور في كتب التفاسير ، أخرجه الطبري (25/75)

والحاكم (2/447)

وعبد الرزاق في التفسير(2/197)،

وعزاه السيوطي في "الدر المنثور": (7/379)

أيضاً لعبد بن حميد ، وابن المنذر .


الجواب :


الحمد لله

هذا الحديث ليس له أصل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما رواه قتادة بن دعامة السدوسي مرسلا ، فقال: " ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ الَّذِي لَقِيَتْ أُمَّتُهُ بَعْدَهُ ، فَمَا زَالَ مُنْقَبِضًا ، مَا انْبَسَطَ ضَاحِكًا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ".

أخرجه الطبري في "تفسيره" (20/600) من طريق سعيد ومعمر

وعبد الرزاق في "تفسيره" (3/169) من طريق معمر ، كلاهما عن قتادة به .

والحديث من مراسيل قتادة ، وهو معدود في أصحاب الطبقة الرابعة ، وهم مَنْ أكثر رواياتهم عن كبار التابعين ، والمرسل ضعيف كما هو معلوم ، حيث لم يسم قتادة الواسطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأما ما ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (7/379)

حيث قال :" أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: ( فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) الزخرف/41 ، قَالَ: قَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ: ذهب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبقيت النقمَة ، فَلم يُرِ الله نبيه فِي أمته شَيْئا يكرههُ حَتَّى قُبِضَ ، وَلم يكن نَبِي قطّ إِلَّا وَقد رأى الْعقُوبَة فِي أمته إِلَّا نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، رأى مَا يُصِيب أمته بعده ، فَمَا رُؤِيَ ضَاحِكا منبسطاً حَتَّى قبض ". اهـ

ففيه نظر في عزوه ، حيث أدخل حديثا مرفوعا مع قول قتادة ، فإن حديث أنس أخرجه الحاكم في "المستدرك" (3672) من طريق مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ) الزخرف/41 ، فَقَالَ: قَالَ أَنَسٌ:" ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَقِيَتِ النِّقْمَةُ ، وَلَمْ يُرِ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ حَتَّى مَضَى ، وَلَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا وَقَدْ رَأَى الْعُقُوبَةَ فِي أُمَّتِهِ إِلَّا نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » .

هكذا رواه الحاكم ، ولم يزد على ذلك .

أما الشق الآخر وهو محل السؤال فلم يروه الحاكم إنما تخريجه كما مرّ ، وليس له إسناد متصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو عن قتادة قال :" وذكر لنا .." . هكذا مرسلا

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-01, 17:13   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



في الجمع بين الأحاديث الواردة في عدم دخول الدجال المدينة وحديث أنه ينزل في سبخة بمر قناة

لسؤال :

وقفت على الحديث التالي مؤخراً: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ينزل الدجال في هذه السبخة بمرِّ قناة – وادٍ في المدينة - ، فيكون أكثر من يخرج إليه النساء ، حتى إن الرجل يرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه) "مسند" أحمد ، رقم (5099).

سؤالي هو : كيف سيأتي إلى وادٍ في المدينة إذا كان لن يدخلها ؟ هل بالإمكان الشرح بشكلٍ مفصّلٍ بالأدلة الصحيحة ؟


الجواب :


الحمد لله

أولا :

قد تواترت الأحاديث الصحيحة أن الدجال لن يدخل المدينة المنورة ، وأن الله تعالى يجعل على أبوابها الملائكة يحرسونها .

وهذه بعض الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك :

منها ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (1880)

ومسلم في "صحيحه" (1379) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( عَلَى أَنْقَابِ المَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ لاَ يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ ، وَلاَ الدَّجَّالُ ).

ومنها ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (1881)

ومسلم في "صحيحه" (2943) من حديث أنس رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: ( لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ ، إِلَّا مَكَّةَ ، وَالمَدِينَةَ ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ ، إِلَّا عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا ، ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ ، فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ ).

وهذا أمر ثابت يقيني لا شك فيه .

قال ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (5/103) في شرحه لحديث أنس رضي الله عنه قال :" في هذا الحديث ما يدل على أن الله تعالى حمى البلدين من أن يسلط عليها الدجال ، وأن المدينة خاصة ترجف بأهلها فيخرج منها كل كافر ومنافق ". انتهى

وقال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (4/551) :" ولذلك نوقن أن الدجال لا يستطيع دخولها البتة ، وهذا فضل عظيم للمدينة ، وقد أخبر الله تعالى أنه يوكل الملائكة بحفظ من شاء من عباده من الآفات والعدو والفتن ، فقال تعالى:" لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ". انتهى

ثانيا :

وأما الحديث الذي أورده السائل الكريم ، وظن أنه يثبت دخول الدجال إلى المدينة ، فليس كما ظنه السائل ، وبيان ذلك من وجوه:

الأول :

الحديث أخرجه الإمام أحمد في "المسند" 5353) ، وحنبل بن إسحاق في "الفتن" (36) ، من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَنْزِلُ الدَّجَّالُ فِي هَذِهِ السَّبَخَةِ بِمَرّ ِقَنَاةَ ، فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ إِلَى حَمِيمِهِ وَإِلَى أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ ، فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا ، مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ ، ثُمَّ يُسَلِّطُ اللهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ ، فَيَقْتُلُونَهُ وَيَقْتُلُونَ شِيعَتَهُ ، حَتَّى إِنَّ الْيَهُودِيَّ ، لَيَخْتَبِئُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَوِ الْحَجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرَةُ لِلْمُسْلِمِ: هَذَا يَهُودِيٌّ تَحْتِي فَاقْتُلْهُ ) .

والحديث ضعيف لأجل عنعنة محمد بن إسحاق ، فإنه مدلس ، وبه أعله الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/473)

والشيخ الألباني في "قصة المسيح الدجال" (ص88) .

الثاني: على فرض صحة الحديث فإنه لا تعارض بينه وبين ما ثبت في الأحاديث من أن الدجال لا يدخل المدينة المنورة ؛ فإن هذا الحديث لم يثبت دخوله المدينة ، وإنما يثبت مروره بمجرى قناة في أرض سبخة ، ولم يعين كونها من أرض المدينة .

وهذا المعنى قد ورد في عدة أحاديث صحيحة ، لكن ثبت أن هذه الأرض السبخة خارج المدينة ، وليست بداخلها .

ومن هذه الأحاديث ما يلي :

حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال :" حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا حَدِيثًا طَوِيلًا عَنْ الدَّجَّالِ ، فَكَانَ فِيمَا يُحَدِّثُنَا بِهِ أَنَّهُ قَالَ: ( يَأْتِي الدَّجَّالُ ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ المَدِينَةِ ، فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي المَدِينَةَ ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ ، وَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ - أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ - فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ، ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ ، هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لاَ ، فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ ، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي اليَوْمَ ، فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلاَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ ) .

أخرجه البخاري في "صحيحه" (7132) ، ومسلم في "صحيحه" (2938) .

فتأمل موضع الشاهد من الحديث ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم :" فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي المَدِينَةَ ".

قال ابن حجر في "فتح الباري" (13/102)

:" قَوْلُهُ " فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ " : بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ ، جَمْعُ سَبَخَةٍ ، بِفَتْحَتَيْنِ ، وَهِيَ الْأَرْضُ الرَّمِلَةُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ لِمُلُوحَتِهَا ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ خَارِجُ الْمَدِينَةِ ، مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْحِرَّةِ .

قَوْلُهُ " الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ " : أَيْ مِنْ قِبَلِ الشَّامِ ". انتهى

حديث أنس رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ ، إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ ، وَلَيْسَ نَقْبٌ مِنْ أَنْقَابِهَا إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ تَحْرُسُهَا ، فَيَأْتِي سِبْخَةَ الْجُرُفِ ، فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ ، فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ ، يَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْهَا كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ ) .

أخرجه مسلم في "صحيحه" (2943) .

وموضع الشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم :" فَيَأْتِي سِبْخَةَ الْجُرُفِ فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ " ، وسبخة الجرف مكان خارج المدينة .

قال ابن حجر في "فتح الباري" (13/93) :

" وَالْجُرُفُ : بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ مَكَانٌ بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ الشَّامِ، عَلَى مِيلٍ، وَقِيلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ .

وَالْمُرَادُ بِالرِّوَاقِ: الْفُسْطَاطُ.

وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: نَزَلَ عِنْد الطَّرِيق الْأَحْمَرِ، عِنْدَ مُنْقَطَعِ السَّبَخَةِ ". انتهى.

فتبين مما سبق أن الأحاديث الصحيحة المتواترة على أن الدجال لن يدخل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن الله جعل الملائكة على أبوابها ، وأن الدجال إنما يكون بأرض سبخة خارج المدينة تدعى " سبخة الجرف " ، وعلى هذا فلا تعارض بين الأحاديث .

والله أعلم .

ملخص الجواب :

دلت الأحاديث الصحيحة المتواترة على أن الدجال لن يدخل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن الله جعل الملائكة على أبوابها ، ودل الحديث المذكور - على فرض صحته - أن الدجال إنما يكون بأرض سبخة خارج المدينة تدعى " سبخة الجرف "، وعلى هذا فلا تعارض بين الأحاديث .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-01, 17:17   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حول منهج أبي داود في سننه ، ودرجة أحاديثه

السؤال :


هل يمكنك التعليق وإعطاء معلوماتٍ عن سنن أبي داود ؟

وهل بالإمكان تقديم معلوماتٍ عن صحتها ؟

وهل هو ثالث كتابٍ في الحديث الأكثر صحة من الكتب الستة ؟


الجواب :

الحمد لله

أولا :

سنة النبي صلى الله عليه وسلم قد حفظها الله تعالى بأهل الحديث الذين تلقوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم جيلا بعد جيل ، وضبطوها بقواعد علم الحديث ، ودونوها في مصنفات عظيمة نقلت إلينا بالأسانيد المتواترة الصحيحة .

وتعد الكتب الستة المشهورة وهي ( صحيح البخاري ، صحيح مسلم ، سنن أبي داود ، سنن النسائي ، سنن الترمذي ، سنن ابن ماجه ) أصول كتب السنة ، وأصحها إسنادا .

قال الحافظ ابن منده :" الحفاظ الذين أخرجوا الصحيح وميزوا الثابت من المعلول والخطأ من الصواب أربعة : أبو عبد الله البخاري ، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري ، وبعدهما أبو داود السجستاني ، وأبو عبد الرحمن النسائي ". انتهى من "معالم السنن" للخطابي (4/367) .

وقال المزي في مقدمة كتابة "تهذيب الكمال" (1/147)

في معرض حديثه عن كتب السنة :" وكان من أحسنها تصنيفا ، وأجودها تأليفا ، وأكثرها صوابا ، وأقلها خطأ ، وأعمها نفعا ، وأعودها فائدة ، وأعظمها بركة ، وأيسرها مؤونة ، وأحسنها قبولا عند الموافق والمخالف ، وأجلها موقعا عند الخاصة والعامة: صحيح أَبِي عَبد اللَّهِ مُحَمَّد بْن إسماعيل البخاري

ثم صحيح أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري ، ثم بعدهما كتاب السنن لأبي داود سُلَيْمان بْن الأشعث السجستاني ، ثم كتاب الجامع لابي عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيّ ، ثم كتاب السنن لابي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبِ النَّسَائي ، ثم كتاب السنن لأبي عَبد الله مُحَمَّد بْن يزيد المعروف بابن ماجة القزويني وإن لم يبلغ درجتهم ". انتهى

ويعد كتاب سنن أبي داود من أعظم دواوين السنة بعد الصحيحين ، وذلك لشرف مصنفه ، وجودة أسانيده ، وحسن ترتيبه ، وجمعه أصول أحاديث الأحكام .

فأما مصنفه فهو الإمام الحجة الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ بَشِيرٍ السِّجِسْتَانِيُّ ، ولد سنة 202هـ ، وتوفي سنة 275هـ ، أحد أكبر تلاميذ الإمام أحمد بن حنبل ، وشيخ الترمذي والنسائي .

وقد أثنى عليه أهل العلم ثناءً عظيما .

قال الخطيب في "تاريخ بغداد" (10/75) :" قال أبو بكر الخلال : أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الإمام المقدم في زمانه ، رجل لم يسبقه إلى معرفته بتخريج العلوم ، وبصره بمواضعه ، أحد في زمانه ، رجل ورع مقدم ". انتهى

وقال الذهبي في ترجمته لأبي داود في كتاب "سير أعلام النبلاء" (13/211) :" قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَاسِيْنَ: كَانَ أَبُو دَاوُدَ أَحَدَ حُفَّاظِ الإِسْلاَمِ لِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِلْمِهِ وَعِلَلِهِ وَسَنَدِهِ ، فِي أَعْلَى دَرَجَةِ النُّسْكِ وَالعَفَافِ ، وَالصَّلاَحِ وَالوَرَعِ ، مِنْ فُرْسَانِ الحَدِيْثِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيُّ ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، لَمَّا صَنَّفَ أَبُو دَاوُدَ كِتَابَ السُّنَنِ : أُلِيْنَ لأَبِي دَاوُدَ الحَدِيْثُ ، كَمَا أُلِيْنَ لِدَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الحَدِيْدُ ...

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: أَبُو دَاوُدَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الدُّنْيَا فِقْهاً وَعِلْماً وَحِفْظا ً، وَنُسْكاً وَوَرَعاً وَإِتْقَاناً ، جَمَعَ وَصَنَّفَ وَذَبَّ عَنِ السُّنَنِ ". انتهى

ثانيا :

وأما كتابه السنن ، فقد أثنى عليه أهل العلم أعظم الثناء ، وقدموه على غيره .

قال أبو يحيى زكريا بن يحيى السَّاجي:" كتابُ الله عز وجل أصلُ الإِسلام ، وكتابُ "السنن" لأبي داودَ عهدُ الإسلام ".

انتهى من "شرح الإلمام" لابن دقيق العيد (1/42) .

وقال ابن الأعرابي :" لو أنّ رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المُصْحَف الَّذِي فِيهِ كتاب اللَّه ، ثم هذا الكتاب ، لم يحْتَجْ معهما إلى شيء من العلم بتة ". انتهى من "تاريخ الإسلام" للذهبي (8/632)

وقال الخطابي في "معالم السنن" (1/6) :" كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله ، وقد رزق القبول من الناس كافة ، فصار حكما بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم ، فلكل فيه ورد ومنه شرب ، وعليه معول أهل العراق وأهل مصر وبلاد المغرب ، وكثير من مدن أقطار الأرض ". انتهى

ثالثا :

وأما منهجه في كتابه فقد تولى أبو داود بنفسه التعريف بكتابه ومنهجه فيه في رسالته المشهورة بعنوان "رسالة أبي داود إلى أهل مكة" ، وهي مطبوعة ، وقد بين فيها منهجه في كتابه ، ونذكر من ذلك بعض النقاط :

النقطة الأولى : أن كتابه أصل في أحاديث الأحكام ، لم يخلطه بأحاديث الزهد والرقاق وفضائل الأعمال .

قال أبو داود في "رسالته لأهل مكة" (ص34) :" وَإِنَّمَا لم أصنف فِي كتاب السّنَن إِلَّا الْأَحْكَام وَلم أصنف كتب الزّهْد وفضائل الْأَعْمَال وَغَيرهَا ، فَهَذِهِ الْأَرْبَعَة آلَاف والثمانمائة كلهَا فِي الْأَحْكَام ، فَأَما أَحَادِيث كَثِيرَة فِي الزّهْد والفضائل وَغَيرهَا من غير هَذَا لم أخرجه ". انتهى

ويعد كتابه أصل في معرفة أحاديث الأحكام ، حتى قال الغزالي :" يَكْفِي الْمُجْتَهِدَ مَعْرِفَتُهَا من الأحاديث النبويّة " .

نقله عنه ابن كثير في "البداية والنهاية" (11/55) .

وقال ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داود المسماة "تهذيب السنن" (1/8) :" لما كان كتاب السنن لأبي داود رحمه الله من الإسلام بالموضع الذي خصه الله ، بحيث صار حكما بين أهل الإسلام ، وفصلاً في موارد النزاع والخصام ، فإليه يتحاكم المنصفون ، وبحكمه يرضي المحققون ، فإنه جمع شمل أحاديث الأحكام ، ورتبها أحسن ترتيب ونظمها أحسن نظام ، مع انتقائها أحسن انتقاء ، واطراحه منها أحاديث المجروحين والضعفاء ". انتهى

النقطة الثانية : أنه ذكر في الباب أصح ما وقف عليه .

قال أبو داود في "رسالته لأهل مكة" (ص22) :" فَإِنَّكُم سَأَلْتُم أَن أذكر لكم الْأَحَادِيث الَّتِي فِي كتاب السّنَن أَهِي أصح مَا عرفت فِي الْبَاب ووقفت على جَمِيع مَا ذكرْتُمْ ؟ فاعلموا أَنه كَذَلِك كُله ، إِلَّا أَن يكون قد روى من وَجْهَيْن صَحِيحَيْنِ ، فأحدهما أقوم إسنادا ، وَالْآخر صَاحبه أقدم فِي الْحِفْظ ، فَرُبمَا كتبت ذَلِك وَلَا أرى فِي كتابي من هَذَا عشرَة أَحَادِيث ". انتهى

النقطة الثالثة : أنه لم يرو في كتابه عن راو متروك عنده .

قال أبو داود في "رسالته لأهل مكة" (ص25) :" وَلَيْسَ فِي كتاب السّنَن الَّذِي صنفته عَن رجل مَتْرُوك الحَدِيث شَيْء ".

والمقصود بالمتروك في كلامه أي متروك عنده ، فقد يكون متروكا عند غيره ، غير متروك عنده، فيخرج حديثه .

قال ابن رجب في "شرح علل الترمذي" (2/613) في شرحه قوله ذلك :" ومراده أن لم يخرج لمتروك الحديث عنده ، على ما ظهر له ، أو لمتروك متفق على تركه ، فإنه قد خرج لمن قد قيل : إنه متروك ، ومن قد قيل : إنه متهم بالكذب ". انتهى

رابعا :

أما الأحاديث التي ذكرها في كتابه ، فليست في درجة واحدة ، بل فيها الصحيح ، والحسن لذاته ، والحسن لغيره .

قال أبو داود :" قال أبو بكر بن داسة سمعت أبا داود يقول :" كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث ، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب ، يَعني كتاب السنن ، جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث ، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه " .

انتهى من "معالم السنن" للخطابي (4/365) .

فتبين بهذا النص منه أنه روى الصحيح وما يشبهه وما يقاربه ، وهو الحديث الحسن بنوعيه .

ولكن هل يخلو كتابه من الأحاديث الضعيفة ؟

فالجواب : أنه مع أن كتاب سنن أبي داود يُعد في المرتبة الثالثة بعد صحيح مسلم ، إلا أن وصفه بالصحة : تساهل، لأنه ليس كل ما فيه صحيح .

قال أبو الفضل العراقي في "شرح التبصرة والتذكرة" (1/168)

:" ومَنْ أطلقَ الصحيحَ على كتبِ السُّنن فقد تساهَلَ ، كأبي طاهرٍ السِّلَفيِّ حيث قال في الكتبِ الخمسةِ : اتفقَ على صحتِها علماءُ المشرقِ والمغربِ . وكأبي عبدِ الله الحاكم حيثُ أطلقَ على الترمذيِّ الجامعَ الصحيحَ ، وكذلك الخطيبُ أطلقَ عليه ، وعلى النسائيِّ اسمَ الصحيحِ ". انتهى

ولذا لا يخلو كتابه من الأحاديث الضعيفة ، وقد ذكر ذلك أبو داود بنفسه في عدة مواضع :

الموضع الأول : أنه نص في رسالته لأهل مكة أنه روى في كتابه المراسيل ، إذا لم يكن في الباب غيره ، والمرسل من أنواع الضعيف كما هو معلوم .

قال أبو داود في "رسالته لأهل مكة" (ص25) :" وَأما الْمَرَاسِيل : فقد كَانَ يحْتَج بهَا الْعلمَاء فِيمَا مضى ، مثل سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك بن أنس وَالْأَوْزَاعِيّ ، حَتَّى جَاءَ الشَّافِعِي فَتكلم فِيهَا ، وَتَابعه على ذَلِك أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره رضوَان الله عَلَيْهِم ، فَإِذا لم يكن مُسْند غير الْمَرَاسِيل ، وَلم يُوجد الْمسند : فالمرسل يحْتَج بِهِ ، وَلَيْسَ هُوَ مثل الْمُتَّصِل فِي الْقُوَّة ". انتهى

وقال في "رسالته لأهل مكة" (ص30) في موضع آخر :" وَإِن من الْأَحَادِيث فِي كتابي السّنَن مَا لَيْسَ بِمُتَّصِل ، وَهُوَ مُرْسل ومدلس ، وَهُوَ إِذا لم تُوجد الصِّحَاح عِنْد عَامَّة أهل الحَدِيث على معنى أَنه مُتَّصِل ". انتهى

الموضع الثاني : أنه نص أنه سيروي أحاديث ضعيفة شديدة الضعف سينوه على ضعفها .

قال أبو داود في "رسالته لأهل مكة" (ص27) :" وَمَا كَانَ فِي كتابي من حَدِيث فِيهِ وَهن شَدِيد فقد بَينته ، وَمِنْه مَالا يَصح سَنَده ". انتهى

وهناك أحاديث ذكرها وسكت عليها ، وقد نص على أنه سيروي أحاديث سيسكت عنها هي صالحة .

فقال في "رسالته لأهل مكة" (ص27) :" مَا لم أذكر فِيهِ شَيْئا فَهُوَ صَالح ، وَبَعضهَا أصح من بعض ". انتهى

واختلف أهل العلم في تفسير قوله " فهو صالح " ، فمنهم من رأى أن معناه أنه " حسن " ، ومنهم من قال : معناه : أنه " صالح للاحتجاج" ، أي قد يكون ضعيفا ، وليس في الباب غيره ، وقد ينجبر ، وهذا القول هو ما رجحه المحققون من أهل العلم ، مثل الذهبي ، وابن حجر ، والسخاوي .

قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (13/213) :" قَالَ ابْنُ دَاسَةَ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ ، يَقُوْلُ: ذَكَرْتُ فِي السُّنَنِ الصَّحِيْحَ وَمَا يُقَارِبَهُ ، فَإِنْ كَانَ فِيْهِ وَهْنٌ شَدِيدٌ بَيَّنْتُهُ .

قُلْتُ ( أي الذهبي ) : فَقَدْ وَفَّى -رَحِمَهُ اللهُ- بِذَلِكَ بِحَسَبِ اجتِهَادِهِ ، وَبَيَّنَ مَا ضَعْفُهُ شَدِيْدٌ ، وَوَهْنُهُ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ ، وَكَاسَرَ عَنْ مَا ضَعْفُهُ خَفِيْفٌ مُحْتَمَلٌ ، فَلاَ يَلْزَمُ مِنْ سُكُوْتِهِ - وَالحَالَةِ هَذِهِ - عَنِ الحَدِيْثِ أَنْ يَكُونَ حَسَناً عِنْدَهُ ، وَلاَ سِيَمَا إِذَا حَكَمْنَا عَلَى حَدِّ الحَسَنِ بِاصطِلاَحِنَا المولَّد الحَادِث ، الَّذِي هُوَ فِي عُرْفِ السَّلَفِ يَعُودُ إِلَى قِسمٍ مِنْ أَقسَامِ الصَّحِيْحِ ، الَّذِي يَجِبُ العَمَلُ بِهِ عِنْدَ جُمْهُوْرِ العُلَمَاءِ ، أَوِ الَّذِي يَرْغَبُ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ ، وَيُمَشِّيَهُ مُسْلِمٌ ، وَبَالعَكْسِ ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي أَدَانِي مَرَاتِبِ الصِّحَّةِ ، فَإِنَّهُ لَوْ انْحَطَّ عَنْ ذَلِكَ لخَرَجَ عَنِ الاحْتِجَاجِ ، وَلَبَقِيَ مُتَجَاذَباً بَيْنَ الضَّعْفِ وَالحسَنِ .

فَكِتَابُ أَبِي دَاوُدَ أَعْلَى مَا فِيْهِ مِنَ الثَّابِتِ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ ، وَذَلِكَ نَحْو مِنْ شَطْرِ الكِتَابِ ، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا أَخْرَجَهُ أَحَدُ الشَّيْخَيْنِ ، وَرَغِبَ عَنْهُ الآخَرُ ، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا رَغِبَا عَنْهُ ، وَكَانَ إِسْنَادُهُ جَيِّداً ، سَالِماً مِنْ عِلَةٍ وَشُذُوْذٍ ، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا كَانَ إِسْنَادُهُ صَالِحاً ، وَقَبِلَهُ العُلَمَاءُ لِمَجِيْئِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ لَيِّنَيْن فَصَاعِداً ، يَعْضُدُ كُلُّ إِسْنَادٍ مِنْهُمَا الآخَرُ ، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا ضُعِّفَ إسنَادُهُ لِنَقْصِ حِفْظِ رَاوِيهِ ، فَمِثْلُ هَذَا يُمَشِّيْهِ أَبُو دَاوُدَ ، وَيَسْكُتُ عَنْهُ غَالِباً ، ثُمَّ يَلِيْهِ مَا كَانَ بَيِّنَ الضَّعْفِ مِنْ جِهَةِ رَاوِيْهِ ، فَهَذَا لاَ يَسْكُتُ عَنْهُ ، بَلْ يُوْهِنُهُ غَالِباً ، وَقَدْ يَسْكُتُ عَنْهُ بِحَسْبِ شُهْرَتِهِ وَنَكَارَتِهِ ، وَاللهُ أَعْلَمُ ". انتهى

وقال ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" (1/435) :" ومن هنا يتبين أن جميع ما سكت عليه أبو داود : لا يكون من قبيل الحسن الاصطلاحي. بل هو على أقسام:

منه ما هو في الصحيحين أو على شرط الصحة ، ومنه ما هو من قبيل الحسن لذاته ، ومنه ما هو من قبيل الحسن إذا اعتضد ، وهذان القسمان كثير في كتابه جدا.

ومنه ما هو ضعيف ، لكنه من رواية من لم يجمع على تركه غالبا. وكل هذه الأقسام عنده تصلح للاحتجاج بها ". انتهى

ولذا لا يجوز الاعتماد على سكوت أبي داود في سننه على بعض الأحاديث ، لأنه قد يسكت على حديث ضعيف جدا ، وضعفه ظاهر ، ولأجل ذلك لم يبينه .

قال النووي في "الإيجاز في شرح سنن أبي داود" (ص47) :" واعلم أنه وقع في "سنن أبي داود" أحاديث ظاهرة الضعف لم يُبَيِّنْها ، مع أنها مُتفقٌ على ضَعْفها عند المحدثين: كالمرسل والمنقطع ، وروايته عن مجهول: كشيخ ورجلٍ ونحوه. فقد يقال: إن هذا مخالف لقوله: "ما كان فيه وهن شديد بَيَّنْتُه"!

وجوابه: أنه لمَّا كان ضعف هذا النوع ظاهرًا ، استغنى بظهوره عن التصريح ببيانه ". انتهى

وقال ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" (1/439) :

" فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على أحاديثهم ، ويتابعه في الاحتجاج بهم ، بل طريقه أن ينظر هل لذلك الحديث متابع فيعتضد به ، أو غريب فيتوقف فيه؟

ولا سيما إن كان مخالفا لرواية من هو أوثق منه ، فإنه ينحط إلى قبيل المنكر ، وقد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير كالحارث بن وجيه ، وصدقه الدقيقي ، وعثمان بن واقد العمري ، ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني ، وأبي جناب الكلبي ، وسليمان بن أرقم ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، وأمثالهم من المتروكين.

وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة ، وأحاديث المدلسين بالعنعنة ، والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم ، فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود ؛ لأن سكوته تارة يكون اكتفاء بما تقدم له من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه ، وتارة يكون لذهول منه ، وتارة يكون لشدة وضوح ضعف ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته ، كأبي الحويرث ويحيى بن العلاء وغيرهم ...

وأما الأحاديث التي في إسنادها انقطاع أو إبهام ، ففي الكتاب من ذلك أحاديث كثيرة... فالصواب عدم الاعتماد على مجرد سكوته ، لما وصفنا أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة ، ويقدمها على القياس إن ثبت ذلك عنه ". انتهى

فتبين مما سبق منهج الإمام أبي داود في سننه ، وأنها من أجود كتب السنة إسنادا بعد الصحيحين ، إلا أن فيه أحاديث ضعيفة .

وقد قام الشيخ الألباني رحمه الله بتحقيق الكتاب ، وقسمه إلى قسمين : "صحيح سنن أبي داود" ، و"ضعيف سنن أبي داود " .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-07-01, 17:22   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حول صحة رؤية الصحابة لصور الأنبياء عند هرقل؟

السؤال :


جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله عند قوله تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي....) قصة بعض الصحابة رضي الله عنهم مع هرقل ، وكيف أراهم صور الأنبياء ، وهي طويلة جدا ، وفيها الكثير من الغرائب ، فما صحة هذه الرواية سندا ومتنا ؟


الجواب :


الحمد لله


هذه القصة والتي فيها أن بعض الصحابة رأوا صور الأنبياء ، ومنها صورة نبينا صلى الله عليه وسلم ، عند ملك الروم ، قصة واهية لا تصح بوجه ، وبيان ذلك كما يلي :

هذه القصة رويت من أربعة طرق كلها لا يثبت :

الطريق الأول :

أخرجه إسماعيل الأصبهاني في "دلائل النبوة" (88) ،

والبيهقي في دلائل النبوة" (1/385)

من طريق عَبْد الْعَزِيزِ بْن مُسْلِمِ بْنِ إِدْرِيسَ ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيِّ ، قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى هِرَقْلَ صَاحِبِ الرُّومِ نَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا الْغُوطَةَ - يَعْنِي دِمَشْقَ - فَنَزَلْنَا عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ الْغَسَّانِيِّ ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ وَإِذَا هُوَ عَلَى سَرِيرٍ لَهُ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا بِرَسُولٍ نُكَلِّمُهُ ... ثم ساق حديثا طويلا ، وفيه أنهم دخلوا على هرقل فأراهم صور الأنبياء .

وهذا الطريق ضعيف جدا ؛ فيه عبد العزيز بن مسلم بن إدريس ، وعبد الله بن إدريس بن عبد الرحمن ، لا يعرفان ، ولم يترجم لهما أحد .

الطريق الثاني :

أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في "دلائل النبوة" (13) من طريق مَسْعُود بْن يَزِيدَ الْقَطَّانُ ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ الْقُرَشِيِّ ، أَنَّ هِشَامَ بْنَ الْعَاصِ ، وَنُعَيْمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، وَرَجُلًا آخَرَ قَدْ سَمَّاهُ بُعِثُوا إِلَى مَلِكِ الرُّومِ زَمَنَ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ: " فَدَخَلْنَا عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ ، وَهُوَ بِالْغُوطَةِ ، فَإِذَا عَلَيْهِ ثِيَابٌ سُودٌ... ثم ساق الحديث .

وهذا الطريق ضعيف جدا ، مسلسل بالمجاهيل ، فيه " مسعود بن يزيد القطان أبو أحمد الزمن " ، ترجم له أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" (1767)

وكذلك ترجم له الذهبي في "تاريخ الإسلام" (544)

ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا ، فهو مجهول الحال .

وفيه عباد بن يزيد ، مجهول أيضا ، لم يترجم له أحد ، وهو غير عباد بن يزيد الذي يروي عن علي رضي الله عنه ، ويروي عنه السدي ، فإنه من غير طبقته ، ومع ذلك فهو متروك أيضا ، قال الذهبي في "المقتنى في سرد الكنى" (6745) :" عباد بن يزيد ، عن علي ، وعنه السدي ، بخبر منكر أتى به ". انتهى .

وقد ضعف سنده ابن حجر في "فتح الباري" (8/219) .

الطريق الثالث :

أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (1/179)

وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (12)

والطبراني في "المعجم الأوسط" (8231)

والبيهقي في "دلائل النبوة" (1/384)

من طريق أُم عُثمان بنت سَعِيد بن محمد بن جبير بن مطعم ، عَنْ أَبيها سَعِيد ، عَنْ أَبيه مُحَمد بْن جُبَير ، عَنْ جُبَير بْن مُطعِم ، قَالَ: خرجتُ تاجرا إلى الشام ، فلقيتُ رجلا مِن أهل الكتاب ، فقَالَ: هل عِندكم رجلٌ يَتَنَّبَأُ؟ قلتُ: نعم ، فجاء رجلٌ مِن أهل الكتاب ، فقَالَ: فِيم أنتم؟ فأدخلني منزلا لَهُ ، فإذا فِيهِ صور ، فرأَيتُ النَّبيَّ صَلى اللَّهُ عَلَيه وسَلم ، قَالَ: هُوَ هذا؟ قلتُ: نعم ، قَالَ: إنَّهُ لم يكن نَبِيٌّ إلا كَانَ بعده نَبيٌّ ، إلا هذا النَّبيُّ ".

وإسناده ضعيف جدا أيضا ؛ فيه سعيد بن محمد بن جبير

قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (4/503) :" لا تعرف له حال" . انتهى

وفيه كذلك أم عثمان بنت سعيد بن محمد بن جبير ، لا تعرف ، لم يترجم لها أحد .

الطريق الرابع :

ويروى من حديث عبادة بن الصامت من وجهين :

الوجه الأول : أخرجه الذهبي في "تاريخ الإسلام" (1/797)

بسنده من طريق الزُّبَيْر بْنُ بَكَّارٍ ، قال حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي نَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ لِأَدْعُوَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَخَرَجْنَا نَسِيرُ عَلَى رَوَاحِلِنَا حَتَّى قَدِمْنَا دِمَشْقَ ، فَإِذَا عَلَى الشَّامِ لِهِرَقْلَ جَبَلَةُ ، فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيْهِ ، فَأَذِنَ لَنَا ... ثم ساق الحديث بطوله .

وإسناده ضعيف جدا ، مسلسل بالضعفاء والمجاهيل .

فيه ثابت بن عبد الله بن الزبير فمجهول الحال ، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (2076)

وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (1828) ،

والذهبي في "تاريخ الإسلام" (28) ولم يذكروا فيه جرحا ولا تعديلا

وفيه كذلك " مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير " ضعيف لا يحتج به ، ضعفه أحمد ، وابن معين ، وقال أبو حاتم :" صدوق كثير الغلط ليس بالقوى ".

انتهى من "الجرح والتعديل" (8/403)

وقال ابن حبان في "المجروحين" (3/29) :"

مُنكر الحَدِيث مِمَّن ينْفَرد بِالْمَنَاكِيرِ عَن الْمَشَاهِير فَلَمَّا كثر ذَلِك مِنْهُ اسْتحق مجانبة حَدِيثه ". انتهى

وفيه عبد الله بن مصعب بن ثابت " ضعيف "

ضعفه ابن معين كما في "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي (11/415) .

الوجه الثاني :

أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (40/154)

من طريق الحسن بن علي بن زكريا العدوي أبو سعيد البصري ، قال نا أحمد بن محمد المكي أبو بكر ، نا محمد بن عبد الرحمن المديني ، عن محمد بن عبد الواحد الكوفي ، ثنا محمد بن أبي بكر الأنصاري ، عن عبادة بن الصامت ، وكان عقبيا بدريا نقيبا ، أنه قال :" بعثني أبو بكر إلى ملك الروم يدعوه إلى الإسلام ويرغبه فيه ، ومعي عمرو بن العاص بن وائل السهمي وهشام بن العاص بن وائل السهمي وعدي بن كعب ونعيم بن عبدالله بن النحام ، فخرجنا حتى قدمنا على جبلة بن الأيهم دمشق ، فأدخلنا على ملكهم بها الرومي ... ثم ساق الحديث بطوله .

وإسناده تالف ، فيه الحسن بن علي بن زكريا العدوي ، كذاب يضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الذهبي :" قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ. قُلْتُ: جَرِيءٌ عَلَى وَضْعِ الْأَسَانِيدِ وَالْمُتُونِ ".

انتهى من "تاريخ الإسلام" (414) .

ولذا ضعف هذا الإسناد الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (4/394) .

فتبين من ذلك أن القصة واهية ، ولا تثبت من أي وجه .

والله أعلم .

ملخص الجواب :

هذه القصة واهية ، ولا تثبت من أي وجه .









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
سلسله الحديث و علومه


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 13:42

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc