:-"ألن يكون هذا مُتْعِبا لكِ يا نور؟!"
نظرتْ هذه الأخيرةُ إلى مجموعة الأوراق أمامها وقالت:-"لا تقلق...سأنهيها بسرعة.."
قال:-"لا أقصد الأوراق...بل أقصد أن تديري هذا المكان بمفردك...تعلمين أنني لن أستطيع مساعدتكِ بسبب ظروف عملي"
قالت:-"لا تقلق حيال هذا أحمد...طالما حلمتُ أن أدير مركزا دعويا...كما أنّه صدقة جارية لأبوينا ـرحمهما الله ـ لذا سأعمل ما بوسعي لأجعله في ميزانهما.
أحمد:-"ولكن.."
قاطعته نور:-"ولم أعد فتاة صغيرة...أنا في الثالثة والعشرين وأعرف كيف أتدبر أموري.."
اِبتسم أحمد وقال:-"لقد كبرتِ حقا أختي الصغيرة المدللة!"
ضحكا معا قليلا...ثم أعطاها بعض النصائح وغادر لعمله..
في الحقيقة كان أحمد محقا...فقد يكون صعبا بعض الشيء التعامل مع غير المسلمين في إنجلترا...ولكن يكفي أنهما حققا إنجازا عظيما بافتتاحهما مركزا دعويا في بلد أجنبي مع أنهما عربيان أو بالأحرى فلسطينيان...لقد كان الأمر صعبا جدا في البداية...يمكن القول أنه كان شبه مستحيل...لكن إرادة وتصميم نور على افتتاح هذا المركز جعل أخوها الأكبر أحمد يرضخ لها وساعدها باِهدائها شيئا ـ ليس بالقليل ـ من راتبه الذي كان يتلقاه بالعمل في إحدى شركاتِ الهندسة...كل شهر!
أما نور وقد كانت طبيبة متخرجة حديثا فساهمت بكل راتبها...ومع مساعدة من عمتها وزوج عمتها (اللذان يكفلان أحمد ونور منذ انتقالهما للدراسة في إنجلترا )
والآن أخيرا تحققت رغبة نور وأُفْتُتِحَ المركز...تبقى فقط أن تتعلم كيف تديره جيدا وكيف تحبب غير المسلمين في الإسلام..!
كانت البداية صعبة ومشوقة في آن واحد...بدا عدد المهتمين قليلا في البداية...ثم شيئا فشيئا بدأ يزداد...أسلوبها الشيق والمرح...حِلْمُها ولطافتها...ثقتها العالية بنفسها...كل هذا جعلها محببة لدى الجميع...كانت تفتحُ خطبها بعناوين شيقة...ثم تدخلُ في صلب الموضوع بمهارة...دخل عدد لا بأس به من البناتِ للإسلام...والعدد يزيد مع كلِّ يوم جديد!
كانت تشرحُ لهنّ تعاليم الإسلام بأساليب مبسطة...وشعرت وكأن الأرض لا تسعها من فرطِ السعادة وهي تقوم بهذا العمل الذي لطالما حَلُمَتْ به!
اِتخذت نور مساعدين بريطانين مسلمين...حيثُ شغلتهم في المركز ووزعتِ المهام على الجميع بالتساوي!
وبينما كانت توقع بعض الأوراق سمعتْ طرقا على الباب...قالتْ:-"تفضل"
دخلتْ مساعدتها الجديدة ريم :-"آنسة نور....هناك شاب قال إن اِسمه ريان يريد مقابلتك!"
نور:-"أفهم أنه مسلم ، أليس كذلك؟!"
ريم:-"بلى،ويبدو من كلامه أنه أسلم حديثا"
نور:-"أدخليه!"
دخل الشاب ريان بهدوء...نظر إلى نور وقد كانت تضع حجابا ولم تزح عينيها عن الأرض،وتأمل الغرفة الوردية والمكتب الخشبي قليلا ثم قال بهدوء:-"السلام عليكم"
ردّت نور:-"وعليكم السلام ورحمة الله...تفضل!"
جلس على الكرسي المقابل لمكتبها...لتتابع:-"كيف أخدمك سيدي؟!"
ريان*مستفسرا*:-"أنتِ هي مديرة هذا المركز الدعوي،صحيح؟!"
نور:-"أجل!"
ريان:-"أنت بريطانية صحيح؟!"
نور:-"كلا...أنا عربية فلسطينية!"
تعجب ريان من جوابها...لكنّه قال بهدوء:-"جيد...حسنا قصدتكِ لأنني أسلمت حديثا ومع ذلك ما زلتُ غير مقتنع بالإسلام!"
نور*بهدوء*:-"ولماذا لستَ مقتنع؟!"
ريان:-"لا أدري...أشعر أن الأمر غير حقيقي نوعا ما...كما أنني ما إن أسلمتُ حتى بدأتِ المصائب تحدث...توفي صديقي ـ الذي أسلمتُ لرغبته ـ وطردني والداي من البيت بعد علمهما بإسلامي...أبيتُ الآن في بيت قديم مهترئ كنّا نذهب إليه أثناء السياحة بعدما كنتُ أبيتُ في قصر فاره!"
نور*بتفهم*:-"حسنا أفهم الأمر...ورحم الله صديقك...الجميع تواجههم عقبات كهذه في بداية الطريق...لكن يجبُ عليك أن تكون أقوى وأن تصمد أمامها...فإذا صبرت نلت مكافئتك...لا تنسى أنّ الله يحبّ الصابرين!" صمتَتْ قليلا ثمّ أدرفتْ:"لدي طريقة ممتعة لتتمكن من الصبر ومواجهة المصائب...يحتاجها الجميع وخصوصا لمن هم مثلك ـ مسلمين حديثا ـ هل تريد أن تعرف ماهي؟!"
أومأ ريان:"أجل"
فتابعتْ:-"ردِدْ...أنا بطل نفسي...قد يبدو لك الأمر مضحكا لكنّها طريقة نافعة ممتازة...عندما تواجهكَ مشكلة قادرة على أن تثبط عزيمتك وتمحو خطواتك للإسلام قل:أنا بطل،ولن تهزمني مشكلة كهذه...شيء كهذا لن يجرفني!"
صمتَ فأردفتْ:-"أنتَ لم تفكر أبدا أن تكون بطلا صحيح؟...إذن جرب التفكير في ذلك من الآن!...هل تملك جهازا ما يمكنكَ من خلاله وضع قرص فلاش أو سي دي ؟!"
فكّر ريان:-"أملكُ حاسوبي المحمول...أخذته من منزلي قبل رحيلي!"
نور:-"جيد!"...
أخرجتْ من درج مكتبها قرص الفلاش...قدمته إليه ثم قالت:-"ضعهُ في الحاسوب المحمول خاصتك...ستجد أشرطة قد تساعدك...عليكَ مشاهدتها كلها...صحيح أنها باللغة العربية لكنها مترجمة للإنجليزية...وعندما تنتهي لخّص كل ما فهمته!"
ريان:-"ألخصها؟!...لماذا؟!"
نور باِبتسامة:-"إعتبره امتحانا مني...وإذا نجحتَ فيه سأعطيك هدية!"
تعجب من طريقة كلامها وثقتها بنفسها وفصاحتها في اللغة الانجليزية رغم أنها فلسطينية...مع أنّها تبدو صغيرة في السنّ...ورغم كل هذا لم تزح عينيها ـ إطلاقا ـ عن الأرض!
************************************************** ***