السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته
صعبٌ أن تُحسّ بالغربة وأنت وسط أهلك وأحبّتك ، لكن رغم ذلك تتسلّلُ إليك كلّ وحشة الكون فتسري في جسمك قشعريرة ترتعد لها أوصالك ويهتزّ لها كلّ كيانك ، فتنظر لمن حولك فترى وجوها لاهيةً شاردةَ بعيدة عنك ، ممّا يُولّد في نفسك شعورا بالوحدة والخوف ، شعورا مؤلما وموجعا
حتّى إذا حاورتهم وحادثتهم وجدتهم أبعد مايكونون من قلبك وروحك ، وكأنّك تُغرّد في واد وهم يُغرّدون في واد آخر ، أو كأنّك تتحدّث بلغة غير لغتهم ، لغة إندثرت وماتت ولم يعد على هاته البسيطة من يتكلّم بها
فتحتار هل تسكت وتوثر الصّمت على الكلام ، أو تتحدّث وتكون بذلك كمن يُحدّث نفسه فلا يسمع غير صوت صداه
هي غربة الرّوح لا الجسد ، غربة الفكر الذّي لم يجد من يماثله ويُشابهه ، فإن تكلّم أتّهم ورمي بنعوت عدّة هو منها بريء
ألهذه الدّرجة صعبٌ أن تجد روحاً كروحك ترتاح وتأنس بالحديث إليها والجلوس معها جلسة صفاء وهدوء بعيداً عن كلّ مايُنغّصُ ذاك الصّفاء وذاك الهدوء
كان لي شبيه فيما مضى ولكنّه إبتعد وغيّرته السّنون ، أو ربّما أنا من تغيّر ، أحنّ إليه رغم يقيني أنّه لم يعد كالسّابق فالضّروف تغيّرت والزّمان تبدّل . فلم أعد أنا كما كنت ولم تعد هي كما كانت
هي غربة من نوع خاص ، غربة وليست بغربة لا يحسّها ولا يشعر بها إلّا من عاشها وذاق طعمها الموحش