قال فضيلة الشيخ العلامة صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في شرحه على "كتاب التوحيد": في باب قول تعالى: الم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت الآيات
"هذه المسألة وهي مسألة التحاكم إلى غير شرع الله من المسائل التي يقع فيها خلط كثير خاصة عند الشباب؛ وذلك في هذه البلاد وفي غيرها، وهي من أسباب تفرّق المسلمين؛ لأن نظر الناس فيها لم يكن واحدا.
والواجب أن يتحرّ طالب العلم ما دلت عليه الأدلة وما بيَّن العلماء من معاني تلك الأدلة وما فقهوه من أصول الشرع والتوحيد وما بينوه في تلك المسائل.
ومن أوجه الخلط في ذلك أنهم جعلوا المسألة في مسألة الحكم والتحاكم واحدة؛ يعني جعلوها صورة واحدة، وهي متعددة الصور:
فمِن صورها أن يكون هناك تشريع لتقنين مستقل يضاهى به حكم الله جل وعلا؛ يعني قانون مستقل يشرَّع، هذا التقنين من حيث وَضْعُه كفر، والواضع له -يعني المشرِّع، والسَّان لذلك، وجاعل هذا التشريع منسوبا إليه- وهو الذي حكم بهذه الأحكام، هذا المشرِّع كافر، وكفره ظاهر؛ لأنه جعل نفسه طاغوتا فدعا الناس إلى عبادته وهو راض -عبادة الطاعة-.
وهناك من يحكم بهذا التقنين، هذه الحالة الثانية.
·فالمشرِّع حالة.
·ومن يحكم بذلك التشريع حالة.
·ومن يتحاكم إليه حالة.
·ومن يجعله في بلده -من جهة الدول- هذه حالة رابعة.
وصارت عندنا الأحوال أربعة.
المشرِّع ومن أطاعه في جعل الحلال حراما والحرام حلالا ومناقضة شرع الله هذا كافر، ومن أطاعه في ذلك فقد اتخذه ربا من دون الله.
والحاكم بذلك التشريع فيه تفصيل:
�فإن حكم مرة أو مرتين أو أكثر من ذلك، ولم يكن ذلك ديدنا له، وهو يعلم أنه عاص؛ يعني من جهة القاضي الذي حكم يعلم أنه عاص وحكم بغير شرع الله، فهذا له حكم أمثاله من أهل الذنوب، ولا يكفَّر حتى يستحل، ولهذا تجد أن بعض أهل العلم يقول: الحكم بغير شرع الله لا يكفر به إلا إذا استحل. فهذا صحيح؛ ولكن لا تنزل هذه الحالة على حالة التقنين والتشريع، فالحاكم كما قال ابن عباس: كفر دون كفر ليس الذي يذهبون إليه، هو كفر دون كفر؛ يعني من حكم في مسألة، أو في مسألتين بهواه بغير شرع الله، وهو يعلم أنه عاص ولم يستحل، هذا كفر دون كفر.
‚أما الحاكم الذي لا يحكم بشرع الله بتاتا، ويحكم دائما ويلزم الناس بغير شرع الله، فهذا:
µ من أهل العلم من قال يكفر مطلقا ككفر الذي سنّ القانون؛ لأن الله جل وعلا قال (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) فجعل الذي يحكم بغير شرع الله مطلقا جعله طاغوتا، وقال (" وقد أمروا أن يكفروا به).
µومن أهل العلم من قال: حتى هذا النوع لا يكفر حتى يستحل؛ لأنه قد يعمل ذلك ويحكم وهو في نفسه عاصي، فله حكم أمثاله من المدمنين على المعصية الذين لم يتوبوا منها.
والقول الأول من أن الذي يحكم دائما بغير شرع الله ويُلزم الناس بغير شرع الله أنه كافر هو الصحيح عندي، وهو قول الجد الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في رسالة تحكيم القوانين؛ لأنه لا يصدر في الواقع من قلبٍ قد كفر بالطاغوت؛ بل لا يصدر إلا ممن عظّم القانون وعظم الحكم بالقانون.
الحال الثالثة حال المتحاكم, الحالة الأولى -ذكرنا- حال المشرِّع، الحال الثاني حال الحاكم.
ƒ الحال الثالثة حال المتحاكم؛ يعني الذي يذهب هو وخصمه ويتحاكمون إلى قانون، فهذا فيه تفصيل أيضا وهو:
µإن كان يريد التحاكم له رغبة في ذلك ويرى أن الحكم بذلك سائغ وهو يريد أن يتحاكم إلى الطاغوت ولا يكره ذلك، فهذا كافر أيضا؛ لأنه داخل في هذه الآية، ولا يجتمع ذلك كما قال العلماء إرادة التحاكم إلى الطاغوت مع الإيمان بالله؛ بل هذا ينفي هذا والله جل وعلا قال الم تر إلى الذين يزعمون ).
µالحالة الثانية أنه لا يريد التحاكم؛ ولكنه حاكم إما بإجباره على ذلك كما يحصل في البلاد الأخرى أنه يجبر أن يحضر مع خصمه إلى قاض يحكم بالقانون، أو أنه علم أن الحق له في الشرع، فرفع الأمر إلى القاضي في القانون لعلمه أنه يوافق حكم الشرع، فهذا الذي رفع أمره في الدعوة على خصمه إلى قاض قانوني لعلمه أن الشرع يعطيه حقه وأن القانون وافق الشرع في ذلك:
·فهذا الأصح أيضا عندي أنه جائز.
·وبعض أهل العلم يقول يشركه ولو كان الحق له.
والله جل وعلا وصف المنافقين بقوله ﴿وَإِن يَّكُنْ لَهُم الحَقّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾[النور:49]، فالذي يرى أن الحق ثبت له في الشرع وما أجاز لنفسه أن يترافع إلى غير الشرع إلا لأنه يأتيه ما جعله الله جل وعلا له مشروعا، فهذا لا يدخل في إرادة التحاكم إلى الطاغوت، فهو كاره ولكنه حاكم إلى الشرع، فعلم أن الشرع يحكم له فجعل الحكم الذي عند القانوني جعله وسيلة لإيصال الحق الذي ثبت له شرعا إليه.
هذه ثلاث أحوال.
„ الحال الرابع حال الدولة التي تحكم بغير الشرع؛ تحكم بالقانون, الدول التي تحكم بالقانون أيضا بحسب كلام الشيخ محمد بن إبراهيم وتفصيل الكلام في هذه المسألة في فتاويه قال أو مقتضى كلامه وحاصله: أن الكفر بالقانون فرض، وأن تحكيم القانون في الدول:
·إن كان خفيا نادرا فالأرض أرض إسلام؛ يعني الدولة دولة إسلام، فيكون له حكم أمثاله من الشِّركيات التي تكون له في الأرض.
·قال: إن كان ظاهرا فاشيا فالدار دار كفر؛ يعني الدولة دولة كفر.
فيصبح الحكم على الدولة راجع إلى هذا التفصيل:
·إن كان تحكيم القانون قليلا وخفيا، فهذا لها حكم أمثاله من الدول الظالمة أو التي لها ذنوب وعصيان، وظهور أو وجود بعض الشركيات في دولتها.
·وإن كان ظاهرا فاشيا -الظهور يضاده الخفاء والفشو يضاده القلة- قال: فالدار دار كفر.
وهذا التفصيل هو الصحيح؛ لأننا نعلم أنه في دول الإسلام صار هناك تشريعات غير موافقة لشرع الله جل وعلا، والعلماء في الأزمنة الأولى ما حكموا على الدار بأنها دار كفر ولا على تلك الدول بأنها دول كفرية؛ ذلك لأن الشرك له أثر على الدار -إذا قلنا الدار يعني الدولة- فمتى كان ظاهرا فاشيا فالدولة دولة كفر، ومتى كان قليلا ظاهرا وينكر فالأرض أرض إسلام والدار دار إسلام، وبالتالي فالدولة دولة إسلام.
وهذا التفصيل يتضح به هذا المقام، وبه تجمع بين كلام العلماء، ولا تجد مضادة بين قول عالم وعالم، ولا تشتبه المسألة إن شاء الله تعالى"
2-وقال الشيخ صالح في درسه نواقض "الإيمان عند أهل السنة والجماعة وضوابط ذلك":
"هناك المشرع هذه حالة، السانّ القوانين، وهناك المطيع؛ المطيع لهذا المشرع،المشرع له حكم، المشرع كافر سواء استحل ما استحل المشرع الذي جعل نفسهمضاهيا لله جل وعلا في حق التشريع وسنّ قوانين وضعية، سنها قوانين وضعيةمناقضة لشرع الله جل وعلا فهذا كافر".