فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة > أرشيف قسم الكتاب و السنة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-03-10, 16:33   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قوله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء)

السؤال :


هل عاقب النبي من أجبر الجارية على البغاء ؟ ولماذا لم تأت الآية بالتهديد والوعيد له وبنص يوضح عقاب من يرتكب هذا ؟!

الجواب :


الحمد لله


أولًا:

الآية المقصودة هي قوله تعالى: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور: 33].

وسبب نزول هذه الآية ما أخرجه الإمام مسلم (3029)، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ يَقُولُ لِجَارِيَةٍ لَهُ: اذْهَبِي فَابْغِينَا شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ} [النور: 33] لَهُنَّ {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] "

قال الإمام الطبري: " يقول تعالى ذكره: زوجوا الصالحين من عبادكم وإمائكم ، ولا تكرهوا إماءكم على البغاء، وهو الزنا؛ (إن أردن تحصنا) [النور: 33] ، يقول: إن أردن تعففا عن الزنا. (لتبتغوا عرض الحياة الدنيا) [النور: 33] ، يقول: لتلتمسوا بإكراهكم إياهن على الزنا: عرض الحياة، وذلك ما تعرض لهم إليه الحاجة ، من رِياشها وزينتها، وأموالها. (ومن يكرههن) [النور: 33] يقول: ومن يكره فتياته على البغاء، فإن الله من بعد إكراهه إياهن على ذلك، لهُن (غفور رحيم) ، ووزر ما كان من ذلك عليهم ، دونهن.

وذُكر أن هذه الآية أنزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول ، حين أكره أمته مسيكة على الزنا ". انتهى ، تفسير الطبري: (17/ 290).

وقال الإمام ابن كثير: " وقوله: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا) الآية: كان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة، أرسلها تزني، وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت. فلما جاء الإسلام، نهى الله المسلمين عن ذلك.

وكان سبب نزول هذه الآية الكريمة -فيما ذكره غير واحد من المفسرين، من السلف والخلف -في شأن عبد الله بن أبي بن سلول المنافق ، فإنه كان له إماء، فكان يكرههن على البغاء ، طلبا لخراجهن، ورغبة في أولادهن، ورئاسة منه ، فيما يزعم ، قبحه الله ولعنه "، تفسير ابن كثير: (6/ 54).

ثانيا :

وأما عقاب النبي صلى الله عليه وسلم لمن أكره أمته على الزنا ، فيقال فيه :

إنه لم يثبت ، بعد نزول هذه الآيات ، عن أحد من أهل المدينة : أنه أكره أمته على الزنا ، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى يسأل عن عقاب النبي صلى الله عليه وسلم له ، وإنما ثبت التحريم بهذه الآيات ، ودلت عليه .

وفي الآية إشارة لحال من أكره أمته ، وإيماء إلى وعيده ، وسوء منزلته .

قال الطيبي رحمه الله :

".. وعيدٌ شديد، وتهديدٌ عظيمٌ للمكرِه .

وذلك الغفران والرحمة تعريضٌ ...

يعني : انتبهوا أيها المكرهون، أنهن مع كونهن مكرَهاتٍ بنحو القتل وإتلاف العضو، يؤاخذن على ما أُكْرهن ؛ لولا أن الله غفورٌ رحيمٌ ، فيتجاوز عنهن ؛ فكيف بمن يكرههن ". انتهى، من "حاشية الطيبي على الكشاف" (11/84) .

وقال ابن عجيبة ، رحمه الله :

يقول الحق جل جلاله : (ولا تُكْرهُوا فتياتكم) أي : إِمَاءَكُمْ ، يقال للعبد : فتى ، وللأمة : فتاة. والجمع : فتيات .

(على البغاء) أي : الزنا ، وهو خاص بزنا النساء.

كان لابن أُبيِّ ست جوار : مُعَاذَة، ومُسَيْكَة ، وأميمة، وعَمْرَة ، وأَرْوَى ، وقُتَيْلَة ، وكان يكرههن ، ويضرب عليهن الضرائب لذلك ، فشكتِ ثنتان منهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت الآية.

وقوله تعالى : (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) أي : تعففاً ؛ ليس قيداً في النهي عن الإكراه ، بل جرى على سبب النزول .

فالإكراه : إنما يُتَصَوَّرُ مع إرادة التَّحَصُّنِ ؛ لأن المطيعة لا تسمى مكرهة .

ثم خصوص السبب ، لا يُوجب تخصيص الحُكم على صورة السبب ؛ فلا يختص النهي عن الإكراه بإرادة التعفف ، وكذلك الأمر بالزنا ، والإذن فيه : لا يُبَاحُ ، ولا يجوز شيء من ذلك للسيد ، وما يقبض من تلك الناحية سُحْتٌ وربا.

وفيه توبيخ للموالي ؛ لأن الإماء إذا رغبن في التحصن ؛ فأنتم أولى بذلك .

ثم علل الإكراه بقوله : (لتبتغوا عَرَض الحياةِ الدنيا) أي : لتبتغوا بإكراههن على الزنا أجورهن ، وأولادهن ؛ جيءَ به ؛ تشنيعاً لهم ، على ما هم عليه من احتمال الوزر الكبير ، لأجل النزر الحقير ؛ أي : لا تفعلوا ذلك لطلب المتاع السريع الزوال ، الوشيك الاضمحلال.

(ومن يُكْرِههُنَّ) ؛ على ما ذُكِرَ من البغاء ، (فإن الله من بعد إكرَاهِهِنَّ غفورٌ) لهن (رحيمٌ) بهن . وفي مصحف ابن مسعود كذلك. وكان الحسن يقول : لهن والله.

وقيل : للسيد إذا تاب.

واحتياجهن إلى المغفرة ، المنبئة عن سابقة الإثم : إما اعتبار أنهن - وإن كن مُكْرَهَاتٍ - لا يخلون في تضاعيف الزنا من شائبة مطاوعة ما ، بحكم الجِبِلَّةِ البشرية .

وإما لغاية تهويل أمر الزنا ، وحث المكرهات على التثبت في التجافي عنه .

والتشديد في تحذير المكرِهِينَ ، ببيان أنهن حَيْثُ كُنَّ عُرْضَةً للعقوبة ، لولا أن تداركهن المغفرة ، الرحمة ، مع قيام العذر في حقهن ، فما بالك بحال من يكرههن في استحقاق العقاب ؟" .

"البحر المديد" لابن عجيبة (5/116) .

وقال الإمام أبو أحمد الكرجي ، رحمه الله :

"وقوله: ( وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) :

دليل على أن، إثم الزنا مدفوع عن المكرهة، وَلاَحَد عليها فيه...

فمن فعل هذا بجاريته ، فهو في سخط الله ولعنته حتى تنزع عنه ...

وعلى الجارية أن تقاتل من أراد ذلك منها ، وتفرغ مجهودها في المنع عنها، ولا تسلم فرجها قبل بذل المجهود في الدفع عن نفسها ، بسلاحها ويدها، وأسنانها ، واضطرابها ، حتى تنقطع حيلها، وتُغلب ، ثم تكون حينئذِ مكرهة ، مستوجبة ما وُعدت من الغفران والرحمة .

بل عليها أن تكره مَا لا تملكه من لحُوقِ الحلاوة بالبشر عند الوقاع ؛ لتستكمل اسم الإكراه . .

"النكت الدالة على البيان" للقصاب (2/471-472) .

والله أعلم .








 


قديم 2018-03-10, 16:36   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

فسير قوله تعالى: ( ألم يجدك يتيمًا فآوى

السؤال :

عندى سؤال بخصوص قول الله تعالى : ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ) ، أرجو منكم المعذرة لجهلى ، فأنا لست فقيها فى اللغة العربية ، ولكن يحيرنى قليلا مصطلح ( يجدك ) ، بناء عن فهمى لمعنى الكلمة ، من وجد الشئ على حال معين ليس هو من سبب هذا الحال ، فكلمة يجدك فيها من التفاجؤ بالشئ

مثال ( حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ) وجد القوم فى فهمى معناها أنه لم يكن يعلم من قبل بوجودهم فى هذا المكان فهو تفاجئ بالعثور عليهم ، لكن الله سبحانه وتعالى هو من خلق الرسول صلى الله عليه وسلم يتيما ، وكان على علم بحاله ، فكيف يفسر لفظ ( وجدك) فى هذه الحالة ؟


الجواب :

الحمد لله

لا شك أن الأمر ، على ما ذكرت : أننا نحتاج إلى معرفة لغات العرب ومعانيها ، وأساليبها في بيانها ، ومعاني مفرداتها، وهذا من أعظم الأسباب المعينة على تدبر كتاب الله ، ومعرفة معانيه.

وبعد ، فإن الفعل (وجد) يأتي في القرآن على معان، يجمعها: تحصل شيء ذي بال ، في حوزة كانت خالية منه .

1- فقد يأتي بمعنى تحصل الشيء دون معرفة مسبقة، وهو ما وصفته (بالمفاجأة)، ومنه في القرآن: (قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ) [يوسف: 75] ، (وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا) [آل عمران: 37] ، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا) [الكهف: 65] ، (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [النساء: 89] وفي كل هذه (وجد) فعل تام معناه إصابة ذات الشيء أي العثور عليه في الحيز.

2- وفي آيات أخرى تكون بمعنى العلم (وجود الشيء على صفَةٍ ، أو حال ، أي العلم بوجودها فيه) ؛ مثل قوله تعالى : (ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ) [النساء: 65] ، وقوله سبحانه : (قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا) [الكهف: 69]. وكثير غيرهما يتيسر تمييزها من الأولى.

انظر: المعجم الاشتقاقي المؤصل، د. جبل: (1/ 286).

وهذا المعنى – أي العلم – هو المراد في عامة ما ينسب إلى الله تعالى ، في مثل هذه السياقات.

قال الراغب الأصفهاني رحمه الله : " وما يُنسب إلى الله تعالى ، من الوجود : فبمعنى العلم المجرد .."

انتهى، من "المفردات" (512) .

ثانيًا:

الفعل (وجد) في الآية المذكورة من سورة الضحى : هو من الوجود الذي بمعنى العلم .

والمعنى: ألم تكن يتيما، وانظر: الكشاف، للزمخشري: (4/ 767)، وتفسير الرازي: (31/ 196).

قال ابن جزي رحمه الله: " ووجد في هذه المواضع تتعدى إلى مفعولين، وهي بمعنى علم "، التسهيل: (2/ 490).

والحكمة من ذلك التذكير : تعداد نعم الله على نبيه ، وتقوية قلبه بصنع الله له ، ولطفه به ، وحياطته له ، وأنه ناصره ، ومعينه ، ومعليه ومظهره على أعدائه ، وكابت عدوه ، ومخزيهم ، وتلك عادته فيه ، وفيهم .

قال ابن كثير رحمه الله : " ثم قال تعالى يعدد نعمه عل عبده ورسوله محمد، صلوات الله وسلامه عليه: (ألم يجدك يتيما فآوى) : وذلك أن أباه توفي وهو حمل في بطن أمه، وقيل: بعد أن ولد، عليه السلام، ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب وله من العمر ست سنين. ثم كان في كفالة جده عبد المطلب، إلى أن توفي وله من العمر ثمان سنين، فكفله عمه أبو طالب. ثم لم يزل يحوطه وينصره ويرفع من قدره ويوقره، ويكف عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره، هذا وأبو طالب على دين قومه من عبادة الأوثان

وكل ذلك بقدر الله وحسن تدبيره، إلى أن توفي أبو طالب قبل الهجرة بقليل، فأقدم عليه سفهاء قريش وجهالهم، فاختار الله له الهجرة من بين أظهرهم إلى بلد الأنصار من الأوس والخزرج، كما أجرى الله سنته على الوجه الأتم والأكمل. فلما وصل إليهم آووه ونصروه وحاطوه وقاتلوا بين يديه، رضي الله عنهم أجمعين، وكل هذا من حفظ الله له وكلاءته وعنايته به "

التفسير: (8/ 426).

والله أعلم









قديم 2018-03-10, 16:41   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قوله تعالى: (تكاد السماوات يتفطرن منه، وتنشق الأرض)، وسبب تنويع الفعل

السؤال :

يقول الله عز وجل في سوره مريم ( تكاد السموات يتفطرن منه ) فما تفسير هذه الآية ؟

وهل معناها أن السماء صلبة ؟

ولماذا استخدم الله عز وجل تتفطر مع السماء وتنشق مع الأرض ؟


الجواب :

الحمد لله

أولًا:

معنى قوله تعالى : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) يقول تعالى ذكره : وقال هؤلاء الكافرون بالله (اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا) مريم/88- 89 يقول تعالى ذكره للقائلين ذلك من خلقه: لقد جئتم أيها الناس شيئا عظيما من القول منكرا.

وقوله: ( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ) أي: يكاد يكون ذلك عند سماعهن هذه المقالة من فجرة بني آدم، إعظاما للرب وإجلالا؛ لأنهن مخلوقات ومؤسسات على توحيده، وأنه لا إله إلا هو، وأنه لا شريك له، ولا نظير له ولا ولد له، ولا صاحبة له، ولا كفء له، بل هو الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد .

انظر: "تفسير الطبري" (15/ 635)، و"تفسير ابن كثير"(5/ 266).

يقول الشيخ السعدي: " وهذا تقبيح وتشنيع لقول المعاندين الجاحدين، الذين زعموا أن الرحمن اتخذ ولدا، كقول النصارى: المسيح ابن الله، واليهود: عزير ابن الله، والمشركين: الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.

( لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ) أي: عظيما وخيما.

من عظيم أمره أنه (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ) على عظمتها وصلابتها ( يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ) أي: من هذا القول ( وَتَنْشَقُّ الأرْضُ ) منه، أي: تتصدع وتنفطر ( وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ) أي: تندك الجبال "

انتهى من "تفسير السعدي" (501).

ثانيًا:

أما تنويع استخدام الفعل مع السماء والأرض:

1- ذهب أكثر العلماء أن الانفطار والانشقاق بمعنى واحد، وأنهما ذُكرا هنا على سبيل التنويع، يقول ابن عاشور: " والتفطر: الانشقاق .

والجمع بينه وبين وتنشق الأرض : تفنن في استعمال المترادف ، لدفع ثقل تكرير اللفظ "

انتهى من "التحرير والتنوير"(16/ 170).

2- وقيل: أن الانفطار هنا بمعنى: السقوط، والانشقاق بمعنى: الخسف .

انظر: "البحر المحيط" (7/ 301) .

وقد يرجع هذا المعنى إلى الأول من وجه .

والله أعلم .









قديم 2018-03-10, 16:44   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

رجل قال في دعائه ربنا يرزقني وأعطي الفقراء، فتصدق وقصّر في زكاته

السؤال :

لقد كنت قد دعوت الله منذ فترة طويلة ، وقلت : ربنا يرزقني وأعطي الفقراء ، وقد نسيت هذا الدعاء ، ورزقني الله من فضله إلا إننى لم ألتزم بنصاب الزكاة كاملا ؛ لأننى كنت أجمع هذه الأموال من لأجل شراء شقة ، مع العلم إننى لم أرد سائلا ، ولم أتأخر عن مساعدة محتاج ، أو المساهمة فى تعمير المساجد بالصدقات ، ومؤخرا بدأت أتحرى النسب الدقيقة للزكاة وإخراجها مع ما فاتنى من زكاة لم أؤديها

ومنذ يومين قرأت تفسير آيات سورة التوبة ، بِسْم الله الرحمن الرحيم ( ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ، فأعقبهم نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ) ، وعند قراءتي لأسباب نزول هذه الآيات وتفسيرها وجدت أن النبى رفض بعد ذلك قبول صدقاتهم بأمر من الله عقابا على عدم الإلتزام بعهدهم مع الله . فهل بذلك أكون من هؤلاء المنافقين الذين ليس لهم توبة مثلما جاء فى الآيات ، خصوصا أن الله لم يعطهم فرصة للتوبة كما وضح من الآيات ؟

أرجو الرد سريعا ؛ لأننى منذ قراءة الآيات وأنا فى حالة سيئة جدا .


الجواب :


الحمد لله

أولا:

قال الله تعالى:

( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ، فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ، فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) التوبة (75 - 77).

فهذه الآيات دلت على أمرين:

الأمر الأول: أن إخلاف العهد صفة لأهل النفاق.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ )

رواه البخاري (33) ومسلم (59).

الأمر الثاني: أن إخلاف العهد قد يعاقب الله عليه بأن يورث في قلب هذا المخلف نفاقا في قلبه يموت عليه.

وليس في هذه الآيات ما ينفي قبول توبة التائب من إخلاف الوعد، فإخلاف الوعد ذنب من الذنوب، إذا تاب منه صاحبه تاب الله عليه.

قال الله تعالى:

( قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ، وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) الزمر (53 - 55).

فالتوبة الصادقة تزيل حتى ذنب الشرك.

قال الله تعالى:

( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ، وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ) الفرقان (68 – 71).

والمنافق نفسه الذي من طبعه إخلاف الوعود والكذب في الحديث ، إذا تاب ، فإن الله تعالى أخبر أنه يقبل توبته.

قال الله تعالى:

( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) النساء (145 - 146).

وما ذكر في أسباب نزول الآيات السابقة أن صحابيا عاهد الله على الصدقة ، ثم أخلف ، ثم جاء تائبا فلم تقبل توبته : فهذا حديث باطل قد تتابع أهل العلم المحققون على بيان ضعفه وبطلانه.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" يقول: إنها نزلت في ثعلبة بن حاطب في قصة طويلة، وأنه جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام يريد التوبة، ولكنه لم يحصل له ذلك، والقصة مذكورة في التفسير، ولكنها لا صحة لها في ثعلبة بن حاطب، وهذه قصة غير صحيحة، وذلك لأن الرجل مهما أذنب من الذنوب إذا تاب ورجع إلى الله فإن الله يقبل منه، فهذه القصة مخالفة لما علم من الضرورة، وهو قبول توبة الله تعالى من التائبين "

انتهى. "شرح أصول في التفسير" (ص 83).

فالحاصل؛ أن المسلم إذا وقع منه ذنب فعليه أن يسارع إلى التوبة فإن الله يتوب على من تاب، ولا يجوز للمسلم أن ييأس، فإنه بذلك يهرب من ذنب إلى ذنب أعظم منه ، لأن اليأس من رحمة الله تعالى ذنب عظيم.

قال الله تعالى:

( إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) يوسف (87).

وقال الله تعالى:

( وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ) الحجر (56).

ثانيا:

دعاؤك بأن قلت: ربنا يرزقني وأعطى الفقراء : ظاهر هذا الكلام أنه نذر يجب الوفاء به، لأن العبرة بمقاصد هذا اللفظ.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" الاعتبار بالمعاني والمقاصد في الأقوال والأفعال، فإن الألفاظ إذا اختلفت عباراتها أو مواضعها بالتقدم والتأخر والمعنى واحد؛ كان حكمها واحدا، ولو اتفقت ألفاظها واختلفت معانيها كان حكمها مختلفا، وكذلك الأعمال، ومن تأمل الشريعة حق التأمل علم صحة هذا بالاضطرار "

انتهى. "اعلام الموقعين" (4 / 552).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وإن قصد الجزاء عند الشرط : لزمه مطلقا عند أحمد .

ولو قال : إن قدم فلان أصوم كذا ، فهذا نذر يجب الوفاء به مع القدرة.

قال أبو العباس: لا أعلم فيه نزاعا، ومن قال هذا ليس بنذر فقد أخطأ، وقول القائل: لئن ابتلاني الله لأصبرن، ولئن لقيت عدوا لأجاهدن، ولو علمت أي العمل أحب إلى الله لعملته فهو نذر معلق بشرط كقول الله تعالى: ( لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ) الآية "

انتهى. "الفتاوى الكبرى" (5 / 553 – 554).

ونذر الطاعة يجب الوفاء به.

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ ) رواه البخاري (6696).

والذي يظهر من سؤالك أنك قد حققت ما نذرته وأديته؛ فقد ذكرت أنك تعطي المحتاجين والسؤّال، ولم تبخل بما أعطاك الله من فضله، وهذا كاف في الوفاء بنذرك ، ولا يظهر إشكال في هذه الحالة.

وأما تقصيرك في بعض الزكاة، فهذا أمر محرم، وقد انتبهت له وشرعت في إصلاحه، نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد.

والذي ننصحك به ألا تلتفت إلى الوساوس وهواجس النفس ، وتمضي في عبادة ربك على ما بينه لك في كتابه ، وسنة نبيه ؛ فإنما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ، بالحنيفية السمحة .

والله أعلم.









قديم 2018-03-10, 16:48   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قوله تعالى: (كأنهن بيض مكنون) .

السؤال :

بالنسبة لتفسير القرآن عن الحور ( كأنهن بيض مكنون) سمعت بعض السلف مثل ابن زيد والحسن يقولون : إن لون الحورية هو أبيض مصفر ، وكثير من العلماء قالوا بذلك ، كنت أتساءل ، قيل لي : إن ذلك يعني اللون الحنطي باللغة العربية ، وكنت أتساءل ، هل هذا متناقض مع الآية الكريمة ، وتفسيرها الذي يقول أن بياضهن كاللؤلؤ ، والذي قد قال به ابن زيد والحسن أيضاً ؟

الجواب :

الحمد لله

اختلف العلماء في سبب تشبيه الحور العين بالبيض المكنون في قوله تعالى: (كأنهن بيض مكنون) [الصافات: 49]:

1- فقيل: شُبِّهن ببطن البيض في البياض، وهو الذي داخل القشر، وذلك أن ذلك لم يمسه شيء.

2- وقيل: بل شُبهن بالبيض الذي يحضنه الطائر، فهو إلى الصفرة، فشبه بياضهن في الصفرة بذلك .

فلونها أبيض في صفرة، ويقال: هذا أحسن ألوان النساء : أن تكون المرأة بيضاء مشربة صفرة، والعرب تشبهها ببيضة النعامة.

3- وقال آخرون: بل عنى بالبيض في هذا الموضع: اللؤلؤ، وبه شبهن في بياضه وصفائه .

قال الطبري: " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: شبهن في بياضهن، وأنهن لم يمسهن قبل أزواجهن إنس ولا جان ؛ ببياض البيض الذي هو داخل القشر، وذلك هو الجلدة الملبسة المح ، قبل أن تمسه يد أو شيء غيرها، وذلك لا شك هو المكنون؛ فأما القشرة العليا فإن الطائر يمسها، والأيدي تباشرها، والعش يلقاها.

والعرب تقول لكل مصون: مكنون ، ما كان ذلك الشيء ، لؤلؤا كان أو بيضا أو متاعا "

تفسير الطبري: (19/ 541)، وتفسير البغوي: (7/ 40).

وهذا لا يتعارض مع الآية، فإن الأبيض قد يكون مشربًا بحمرة، وقد يكون مشربًا بصفرة، ومع هذا فهو أبيض، والعرب تعرف ذلك .

قال ابن عطية: " وأما قوله كأنهن بيض مكنون : فاختلف الناس في الشيء المشبه به :ما هو؟ فقال السدي وابن جبير: شبه ألوانهن بلون قشر البيضة الداخلي ، وهو الغِرْقِيّ [= القشرة الرقيقة الملتزقة ببياض البيض ] . وهو المكنون : أي : المصون في كِنٍّ ، ورجحه الطبري ...

وقال الجمهور : شبه ألوانهن بلون قشر بيض النعام ، وهو بياض قد خالطته صفرة حسنة .

قالوا: و«البيض» نفسه ، في الأغلب ، هو المكنون بالرِّيش ، ومتى شَذَّت به حال ، فلم يكن مكنونا : خرج عن أن يُشَبَّه به، وهذا قول الحسن وابن زيد ... ؛ وهذا المعنى كثير في أشعار العرب ...

وقالت فرقة إنما شبههن تعالى بـ «البيض المكنون» : تشبيها عامّا جملةَ المرأة ، بجملة البيضة ؛ وأراد بذلك تناسب أجزاء المرأة ، وأن كل جزء منها نسبته في الجودة إلى نوعه ، نسبة الآخر من أجزائه إلى نوعه ، فنسبة شعرها إلى عينها مستوية إذ هما غاية في نوعهما، والبيضة أشد الأشياء تناسب أجزاء، لأنك من حيث جئتها فالنظر فيها واحد "،

المحرر الوجيز: (12/356-358).

ونقل القاسمي عن الشهاب قوله: " وهذا على عادة العرب في تشبيه النساء بها.

وخصت ببيض النعام، لصفائه وكونه أحسن منظرا من سائره. ولأنها تبيض في الفلاة وتبعد ببيضها عن أن يمس ؛ ولذا قالت العرب للنساء (بيضات الخدور) .

ولأن بياضه يشوبه قليل صفرة ، مع لمعان، كما في الدرّ. وهو لون محمود جدا ؛ إذ البياض الصِّرف غير محمود ؛ وإنما يحمد إذا شابهُ قليلُ حُمرة في الرجال، وصُفرة في النساء "

تفسير القاسمي: (8/ 209).

والله أعلم .









قديم 2018-03-10, 16:52   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قوله تعالى: ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ) وعلاقته بالكسوف والخسوف

السؤال :

قال تعالى :( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) قرأت لأحد الناس على الإنترنت يقول : إن هذا يعارض ـ استغفر الله ـ الكسوف فهنا الشمس أدركت القمر ، والليل جاء في النهار، أعلم أن هذا ليس صحيحا ، لذلك أردت أن تعطوني إجابه تنهي هذه الشبهة

الجواب :

الحمد لله


أولًا:

اعلم أخانا الكريم أن الله تعالى هو الذي خلق فسوى، وقدر وهدى، وأن ما في الكون شاهد على عظمة الله تعالى وكبريائه .

وأنه أخبر عن خلقه، والصانع أدرى بصنعته، فالله تعالى أدرى بخلقه : ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك/14 .

ثم اعلم أن هذه الآيات مرت على العرب، وهم أشد الناس معارضة، وكان الكسوف والخسوف يحدث في زمان العرب، ولم يرد أن أحدًا منهم اعترض على البي صلى الله عليه وسلم، بأن الشمس أدركت القمر، فأنى له أن يزعم أنها لا تدركه ؟!!

نعم ! لم يعترض واحد منهم بهذه الحجة، فدل أنها ليست كذلك ، وإنما هي من سوء فهم الآيات ، وسوء فهم الظواهر الكونية أيضا .

ثانيًا:

المراد بالآية الكريمة - أخي الكريم -: أن الشمس لا ينبغي لها أن تطلع بالليل، لأن الليل وقت طلوع القمر، ولا ينبغي للقمر أن يطلع بالنهار لأن هذا وقت طلوع الشمس .

يقول الإمام ابن جرير رحمه الله :

" لا الشمس يصلح لها إدراك القمر، فيذهب ضوؤها بضوئه، فتكون الأوقات كلها نهارا لا ليل فيها ، ( ولا الليل سابق النهار) [يس: 40] : يقول تعالى ذكره: ولا الليل بفائت النهار ، حتى تذهب ظلمته بضيائه، فتكون الأوقات كلها ليلا "،

الطبري: (19/ 438).

وقال ابن كثير رحمه الله: " وقال (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) الآية [يونس: 5] ، وقال: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا) [الإسراء: 12] ، فجعل الشمس لها ضوء يخصها، والقمر له نور يخصه، وفاوت بين سير هذه وهذا، فالشمس تطلع كل يوم ، وتغرب في آخره على ضوء واحد، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفا وشتاء، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، وجعل سلطانها بالنهار، فهي كوكب نهاري.

وأما القمر، فقدره منازل، يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلا قليل النور، ثم يزداد نورا في الليلة الثانية، ويرتفع منزلة، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء، وإن كان مقتبسا من الشمس، حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر، حتى يصير كالعرجون القديم.

وقوله: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر) : قال مجاهد: لكل منهما حد لا يعدوه ولا يقصر دونه، إذا جاء سلطان هذا ، ذهب هذا، وإذا ذهب سلطان هذا ، جاء سلطان هذا "

تفسير ابن كثير: (6/ 578).

وذكر الطاهر ابن عاشور رحمه الله : أن المعنى: نفي الاصطدام، فالشمس لا ينبغي لها أن تصطدم بالقمر، ولا العكس .

قال: " والمعنى: نفي أن تصطدم الشمس بالقمر، خلافا لما يبدو من قرب منازلهما "

التحرير والتنوير: (23/ 24).

وعلى أي من هذه المعاني فلا تعارض بين الآية وبين الخسوف أو الكسوف، لأن ذلك ليس هو الإدراك المقصود من الآية الكريمة .

ملخص الجواب :

المراد بالآية الكريمة أن الشمس لا ينبغي لها أن تطلع بالليل، لأن الليل وقت طلوع القمر، ولا ينبغي للقمر أن يطلع بالنهار لأن هذا وقت طلوع الشمس .

والكسوف والخسوف ليسا من الإدراك المقصود في الآية .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









قديم 2018-03-13, 01:48   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



كيفية تأييد الروح القدس لعيسى عليه السلام

السؤال :

في القرآن يقول الله تعالى وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) كيف بالتحديد قام الروح القدس جبريل بتأييد عيسى ؟ هل من الممكن توضيح هذه الآية لي ؟

الجواب :

الحمد لله

أولًا:

روح القدس هو جبريل عليه السلام، وهو الرسول الكريم الموصوف في القرآن بالقوة، والمكانة عند الله تعالى، قال الله: ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) سورة التكوير/19-21 .

انظر: تفسير الطبري: (2/ 223)، وتفسير الرازي: (3/ 596).

وفي سبب تسميته بروح القدس، يقول الإمام الواحدي: " وإنّما سُمي جبريل رُوحًا؛ لأنه بمنزلة الأرواح للأبدان ؛ يحيا بما يأتي من البيان عن الله عز وجل : من يُهدَى به، كما قال عز وجل: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ) [الأنعام: 122]، أي: كان كافرًا فهديناه "

التفسير البسيط: (3/ 130).

ثانيًا:

ومعنى قوله تعالى: ( أيدناه )، أي: قويناه، وأعناه .

ومن وجوه التأييد:

أن جبريل ربَّى عيسى عليهما السلام، وكان معه في جميع أحواله، وصعد به إلى السماء .

والتأييد في دعوته إلى الدين، لأنه الذي يلقي إلى عيسى ما يأمره الله بتبليغه.

انظر: تفسير الطبري: (2/ 221)، تفسير الرازي: (3/ 596)، والتحرير والتنوير: (7/ 101).

على أن أعظم وجوه التأييد مطلقا ، تأييد بوحي الله جل جلاله ، وخبر السماء ؛ وإنما خص جبريل بذلك ، لأنه ملك الوحي الموكل به .

قال شيخ الإسلام: " وروح القدس: قد يراد بها الملك المقدس كجبريل، ويراد بها الوحي، والهدى والتأييد الذي ينزله الله بواسطة الملك أو بغير واسطته، وقد يكونان متلازمين، فإن الملك ينزل بالوحي، والوحي ينزل به الملك، والله - تعالى - يؤيد رسله بالملائكة وبالهدى، كما قال - تعالى -: عن نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: ( فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ) [التوبة: 40] "

الجواب الصحيح: (3/ 195) ، وينظر أيضا : "الجواب الصحيح" (3/271) وما بعدها .

وقال الشيخ الطاهر ابن عاشور رحمه الله :

" وقوله: وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس البينات هي المعجزات الظاهرة البينة، وروح القدس هو جبريل، فإن الروح هنا بمعنى الملك الخاص ، كقوله: (تنزل الملائكة والروح فيها) [القدر: 4] .

والقدس ، بضم القاف ، وبضم الدال عند أهل الحجاز ، وسكونها عند بني تميم ؛ بمعنى : الخلوص والنزاهة، فإضافة روح إلى القدس من إضافة الموصوف إلى الصفة، ولذلك يقال الروح القدس .

وقيل القدس اسم الله كالقدوس ، فإضافة روح إليه إضافة أصلية، أي روح من ملائكة الله.

وروح القدس هو جبريل قال تعالى: ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ) [النحل:10] .

وفي الحديث: (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها) .

وفي الحديث : أن النبيء صلى الله عليه وسلم قال لحسان: (اهجهم ومعك روح القدس) .

وإنما وصف عيسى بهذين ، مع أن سائر الرسل أيدوا بالبينات وبروح القدس ؛ للرد على اليهود الذين أنكروا رسالته ومعجزاته، وللرد على النصارى الذين غلوا فزعموا ألوهيته، ولأجل هذا ذكر معه اسم أمه- مهما ذكر- للتنبيه على أن ابن الإنسان لا يكون إلها، وعلى أن مريم أمة الله تعالى ، لا صاحبة ؛ لأن العرب لا تذكر أسماء نسائها وإنما تكني، فيقولون ربة البيت، والأهل، ونحو ذلك ، ولا يذكرون أسماء النساء إلا في الغزل، أو أسماء الإماء."

انتهى، من "التحرير والتنوير" (3/9) .


لمعرفه المزيد في اجابه السؤال القادم
اسره منتدي الحلقه الاسلامي


والله أعلم









قديم 2018-03-13, 01:52   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

من هو روح القدس

السؤال

ورد في سورة البقرة آية 87 النص التالي : ( ولقد آتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ) ، ما هو الروح القدس ؟.

الجواب

الحمد لله


روح القدس هو جبريل عليه السلام ، قال الشيخ الشنقيطي : قوله تعالى : ( وأيدناه بروح القُدس ) هو جبريل على الأصح ، ويدل لذلك قوله تعالى : ( نزل به الروح الأمين ) الشعراء/193 وقوله ( فأرسلنا إليها روحنا ) مريم/17

أخرج ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان .... حدثنا أبو الزعراء قال : قال عبدالله : روح القدس جبريل ، ثم قال : وروي عن محمد بن كعب القرظي وقتادة وعطية العوفي والسدي والربيع بن أنس نحو ذلك .

ويؤيد هذا القول ما تقدم وما رواه الشيخان بسنديهما عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة : أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يا حسَّان أجب عن رسول الله ، اللهم أيِّده بروح القدس " قال أبو هريرة : نعم .

التفسير المسبور للدكتور حكمت بشير 1/192- 193

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قال جماهير العلماء إنه جبريل عليه السلام فإن الله سماه الروح الأمين وسماه روح القدس وسماه جبريل . دقائق التفسير ج: 1 ص: 310

وعقد فصلاً في ذلك فقال :

فصل في معنى روح القدس قال تعالى : ( يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس ) ... فإن الله أيد المسيح عليه السلام بروح القدس كما ذكر ذلك في هذه الآية وقال تعالى في البقرة : ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس )

وقال تعالى : ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ) وهذا ليس مختصا بالمسيح بل قد أيَّد غيره بذلك وقد ذكروا هم أنه قال لداود روحك القدس لا تنزع مني ، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت : " اللهم أيده بروح القدس وفي لفظ روح القدس معك ما دمت تنافح عن نبيه " وكلا اللفظين في الصحيح

وعند النصارى أن الحواريين حلت فيهم روح القدس وكذلك عندهم روح القدس حدث في جميع الأنبياء وقد قال تعالى سورة النحل : ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) وقد قال تعالى في موضع آخر : ( نزل به الروح الأمين على قلبك ) وقال : ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) فقد تبين أن روح القدس هنا جبريل . .. قال : ولم يقل أحد أن المراد بذلك حياة الله ولا اللفظ يدل على ذلك ولا استعمل فيه .

دقائق التفسير ج: 2 ص: 92

الشيخ محمد صالح المنجد









قديم 2018-03-13, 02:08   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

دفع التعارض بين قوله تعالى:
(ولقد يسرنا القرآن للذكر)
وقوله: (إنا ستلقي عليك قولًا ثقيلًا)


السؤال :


كيف يجمع بين قوله تعالى : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) ، وبين قوله : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) ؟ وما رأيكم في من يقول : العلم سهل ؛ لأنني أذكر أن أحد أئمة المذاهب الأربعة يقول : بأنه ليس في العلم شيء سهل ، فلو تكرمتم بالتوضيح لي ؟


الجواب :

الحمد لله

أولًا:

أما قوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر) [القمر: 17] من وجوه تسهيله:

1- تيسير ألفاظه للحفظ .

2- تيسير معانيه للفهم .

وأن هذا التيسير يحصل لمن أخذ القرآن بحقه، وأقبل عليه إقبال المحب الطالب، ولم يعرض عنه إعراض الجافي .

وإن من وجوه هذا التيسير = أن الله قيض له من العلماء، من يبينه للناس، امتدادًا لما كلف الله به نبيه من بيان القرآن، وتيسير معانيه لهم .

ولك أن تعلم أيها القارئ الكريم أن القرآن جمع في أسلوبه بين خطاب العامة والخاصة، " فلو أنك خاطبت الأذكياء بالواضح المكشوف الذي تخاطب به الأغبياء ، لنزلت بهم إلى مستوًى لا يرضونه لأنفسهم في الخطاب، ولو أنك خاطبت العامة باللمحة والإشارة التي تخاطب بها الأذكياء ، لجئتهم من ذلك بما لا تطيقه عقولهم .

فلا غنى لك -إن أردت أن تعطي كلتا الطائفتين حظها كاملًا من بيانك- أن تخاطب كل واحدة منها بغير ما تخاطب به الأخرى؛ كما تخاطب الأطفال بغير ما تخاطب به الرجال .

فأما أن جملة واحدة تلقى إلى العلماء والجهلاء، وإلى الأذكياء والأغبياء، وإلى السوقة والملوك ، فيراها كل منهم كأنها مُقَدَّرة على مقياس عقله ، وعلى وفق حاجته : فذلك ما لا تجده على أتمه إلا في القرآن الكريم.

فهو قرآن واحد ؛ يراه البلغاء أوفى كلام بلطائف التعبير، ويراه العامة أحسن كلام وأقربه إلى عقولهم ، لا يلتوي على أفهامهم، ولا يحتاجون فيه إلى ترجمان وراء وضع اللغة، فهو متعة العامة والخاصة على السواء، ميسر لكل من أراد "، النبأ العظيم ، د. محمد عبد الله دراز (148).

ثانيًا:

وأما قوله تعالى: (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) [المزمل: 5]، فقد اختلف العلماء في بيان نوع الثِّقَل على أقوال:

1- فذهب بعضهم إلى أن الثقل إنما هو في نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يعرق عرقًا شديدًا حال نزول الوحي عليه .

2- وذهب بعضهم إلى أن الثقل في العمل به .

3- وقال بعضهم إن الثقل إنما هو على المنافقين .

4- وذهب آخرون إلى أن الثقل في الميزان، أي في ثواب القرآن .

ولا تنافي بين هذه الأقوال جميعا ؛ بل هي كلها من معاني "الثقل" في ذلك الكتاب المبين ، والنبأ العظيم .

قال الطبري: " وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: إن الله وصفه بأنه قول ثقيل، فهو كما وصفه به ؛ ثقيل محمله ، ثقيل العمل بحدوده وفرائضه"، تفسير الطبري: (23/ 366).

وقال السعدي: " أي: نوحي إليك هذا القرآن الثقيل، أي: العظيمة معانيه، الجليلة أوصافه، وما كان بهذا الوصف، حقيق أن يُتهيأ له، ويُرتل، ويُتفكر فيما يشتمل عليه "، التفسير: (892).

ثالثًا:

أنت ترى أن الثقل هنا قد وصف به القرآن المجيد في طريقة نزوله، وفي عظمه وقدره ، وفي حمله وأمانته ، وما جاء به من امور يجب العمل بها، وأخذها بحقها .

ولكن هذا الثقل يخففه الله تعالى لمن أقبل على القرآن طالبًا الهدى، كما قال تعالى في آية أخرى: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) [البقرة: 45]، فالصبر والصلاة والاستمساك بهما صعب، ولكن الله ييسره على الخاشعين، المنفذين لأوامر الله، المجتنبين نواهيه .

وهكذا القرآن، فإنه ثقيل، ولكن الله ييسره لمن أقبل عليه ، طالبا له ، متذكرا ، مذاكرا ، متدارسا له .

رابعًا:

مما ينبغي أن يُعْلم : أن العلم صعب سهل، وذلك: أن العلم الشرعي من معالي الأمور، ومعالي الأمور لا تنال إلى على جسر من التعب، والنعيم لا يدرك بالنعيم، ومن طلب الراحة فاتته الراحة.

لكن طالب العلم حقًا، يشعر في هذا الطريق بلذة العلم الذي يتمنى ألا يُشغل عنها بشاغل، فالعلم يسير سهل على من أخذ بمنهجه، وطلبه من بابه ، ومن عند أهله، ولكن الطريق إليه محفوف بالصعوبات التي يجب على الإنسان أن يقطعها .

يقول الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله :

" وطلب العلم له أصوله، وله رتبُه، فمن فاته طلب العلم على رتبِه وأصوله، فإنه يحرم الوصول. وهذه مسألة كثيرًا ما نكررها رغبة في أن تَقَرَّ في قلوب طلبة العلم ومحبِّي العلم، ألا وهي: أنْ يُطلب العلم شيئًا فشيئًا ، على مر الأيام والليالي، كما قال ذلك ابن شهاب الزهري الإمام المعروف، إذ قال: "من رام العلم جملة ، ذهب عنه جملة، وإنما يُطلب العلم على مر الأيام والليالي" .

وهذا كما تُدَرِّس صغيرًا أصول الكتابة، أو أصول نُطق الكلمات، فإنه لا بد أن يأخذه شيئًا فشيئًا، ثم إذا استمرّ على ذلك أحكم الكتابة، وأحكم النطق حتى تمكّن من ذلك، والعلم كذلك .

فالعلم منه صِغار ، ومنه كِبار ، باعتبار الفهم ، وباعتبار العمل ، وباعتبار كون العلم من الله جل جلاله ، وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - .

فإنه ليس في العلم شيء سهل، كما قال مالك رحمه الله تعالى ، إذ قيل له: هذا من العلم السهل، قال: ليس في علم القرآن والسنة شيء سهل، وإنما كما قال الله جل وعلا ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ) [المزمل:5] .

فالعلم : من أخذه على أنه ثقيل صعب : أدركه .

وأما من أخذ المسائل على أنها سهلة، وهذه سهلة، وهذه مُتصوّرة، وهذه مفهومة، ويمرّ عليها مرور السريع : فإن هذا يفوته شيء كثير.

فإذًا لا بد لنا في طلب العلم من تدرج فيه، على أصوله، وعلى منهجية واضحة، ولا بد لنا أن نأخذ العلم على أنه ليس فيه شيء سهل؛ بل كلُّه ثقيل من حيث فهمُه، ومن حيثُ تثبيتُه، ومن حيث استمرارُه مع طالب العلم، فهو ثقيل ؛ لا بد له من مواصلة ومتابعة، فالعلم يُنسى إذا تُرِك، وإذا تواصل معه طالب العلم فإنه يبقى .
وهذا يُعظِّم التبعة على طالب العلم ، في ألا يتساهل في طلبه للعلم، فلا يقولن قائل مثلا: هذا الكتاب سهل، وهذا المتن ما يشرح لأنه سهل واضح، أحاديث معروفة، فإن هذا يُؤتى من هذه الجهة، حيث استسهل الأصول ، وعُقَد العلم .

وقد قال طائفة من أهل العلم: "العلم عُقَد وملح، فمن أحكم العقد سهل عليه العلم، ومن فاته حل العقد فاته العلم" .

وهذا إنما يكون بإحكام أصول العلوم. وإذا ضبط طالب العلم المتون المعروفة في الحديث، وفي العلوم المختلفة، فإنه يكون مهيئًا للانتقال إلى درجات أعلى ، بفهمٍ وتأسيس لما سبق . " انتهى ، من مقدمة "شرح الأربعين للنووية" للشيخ صالح آل الشيخ ، ن الشاملة .

وننصحك أن تطالع كتاب (حلية طالب العلم) للشيخ بكر أبي زيد رحمه الله ، و"صفحات من الصبر" ، للشيخ عبد الفتاح أبو غدة ، رحمه الله ، وكتاب "المشوق" للشيخ علي العمران .

والخلاصة

العلم يسير لمن أخذه بحقه، والقرآن يسير لمن أقبل عليه وتدبره، صعب لمن أدبر عنه، وابتعد عن العلم، وطريقه .

والله أعلم .









قديم 2018-03-13, 02:28   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بيان آية سورة الكهف :
( إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم
في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبداً )


السؤال
:

عندما قال أصحاب الكهفإِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا)سورة الكهف/ 20

لماذا ساووا بين شيئين :

1- رجم قومهم لهم

. 2- إعادتهم لملتهم حيث أن بين الشيئين "أو" ، والمساواة بقولهم :

إن نتيجة هذين الشيئين هو: عدم الفلاح أبدا ، بقولهم : ولن تفلحوا إذا أبدا "

مع أن المعلوم أن إعادتهم لملتهم الكفرية بالفعل ليس فيه فلاح أبدا لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وأن الرجم بل والرجم حتى الموت مع عدم تغيير الملة والبقاء على الإسلام ، وإن لم يكن فلاح في الدنيا فهو بالتأكيد كما علمنا في كتاب الله فلاح في الآخرة ، فلم قيل ولن تفلحوا إذا (أبدا) ؟

الجواب :

الحمد لله

أولًا:

لا شك أن التدبر في كتاب الله تعالى مشروع، يؤجر صاحبه عليه، وقد دعا الله تعالى الناس إلى تدبر القرآن وتعقله، فقال سبحانه: (أفلا يتدبرون القرآن) ..

وسورة الكهف من السور العظيمة التي يحسن بكل مسلم أن يتدبرها، ففيها بيان سبيل النجاة من الفتن، وفي أولها طريق للنجاة من الفتنة في الدين بذكر قصة الفتية أصحاب الكهف .

ثانيًا :

معنى الآية الكريمة: " يقول تعالى: (وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا * إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ) الكهف/19-20

أي: وكما أرقدناهم ، بعثناهم ، صحيحة أبدانهم وأشعارهم وأبشارهم، لم يفقدوا من أحوالهم وهيئاتهم شيئا، وذلك بعد ثلاثمائة سنة وتسع سنين؛ ولهذا تساءلوا بينهم: (كم لبثتم) ؟ أي: كم رقدتم؟

(قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم) : كان دخولهم إلى الكهف في أول نهار، واستيقاظهم كان في آخر نهار؛ ولهذا استدركوا فقالوا: (أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم) أ

ي: الله أعلم بأمركم، وكأنه حصل لهم نوع تردد في كثرة نومهم، فالله أعلم، ثم عدلوا إلى الأهم في أمرهم إذ ذاك ، وهو احتياجهم إلى الطعام والشراب، فقالوا: (فابعثوا أحدكم بورقكم) أي: فضتكم هذه. وذلك أنهم كانوا قد استصحبوا معهم دراهم من منازلهم لحاجتهم إليها، فتصدقوا منها وبقي منها؛ فلهذا قالوا: (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة) أي: مدينتكم التي خرجتم منها ، والألف واللام للعهد.

(فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا) : أي: أطيب طعاما .

وقوله (وَلْيَتَلَطَّفْ) أي: في خروجه وذهابه، وشرائه وإيابه، يقولون: ولْيتَخَفَّ، كل ما يقدر عليه. (ولا يشعرن) أي: ولا يُعلمن (بكم أحدا * إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم) أي: إن علموا بمكانكم، (يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم) ، يعنون : أصحاب دقيانوس ؛ يخافون منهم أن يطلعوا على مكانهم، فلا يزالون يعذبونهم بأنواع العذاب إلى أن يعيدوهم في ملتهم التي هم عليها أو يموتوا .

وإن واتَوْهُم على العود في الدين : فلا فلاح لهم في الدنيا ولا في الآخرة، ولهذا قال (ولن تفلحوا إذا أبدا) "

انظر تفسير ابن كثير: (5/ 145).

ويقول الشيخ السعدي في بيان الآية: " يقول تعالى: (وكذلك بعثناهم) أي: من نومهم الطويل (ليتساءلوا بينهم) أي: ليتباحثوا للوقوف على الحقيقة من مدة لبثهم.

(قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وهذا مبني على ظن القائل، وكأنهم وقع عندهم اشتباه. في طول مدتهم، فلهذا (قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ) فردوا العلم إلى المحيط علمه بكل شيء، جملة وتفصيلا .

ولعل الله تعالى -بعد ذلك- أطلعهم على مدة لبثهم، لأنه بعثهم ليتساءلوا بينهم، وأخبر أنهم تساءلوا، وتكلموا بمبلغ ما عندهم، وصار آخر أمرهم، الاشتباه، فلا بد أن يكون قد أخبرهم يقينا، علمنا ذلك من حكمته في بعثهم، وأنه لا يفعل ذلك عبثا.

ومن رحمته بمن طلب علم الحقيقة في الأمور المطلوب علمها، وسعى لذلك ما أمكنه، فإن الله يوضح له ذلك، وبما ذكر فيما بعده من قوله. (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا) ؛ فلولا أنه حصل العلم بحالهم، لم يكونوا دليلا على ما ذكر .

ثم إنهم لما تساءلوا بينهم، وجرى منهم ما أخبر الله به، أرسلوا أحدهم بورقهم، أي: بالدراهم، التي كانت معهم، ليشتري لهم طعاما يأكلونه، من المدينة التي خرجوا منها، وأمروه أن يتخير من الطعام أزكاه، أي: أطيبه وألذه، وأن يتلطف في ذهابه وشرائه وإيابه، وأن يختفي في ذلك، ويخفي حال إخوانه، ولا يشعرن بهم أحدا.

وذكروا المحذور من اطلاع غيرهم عليهم، وظهورهم عليهم، أنهم بين أمرين :

إما الرجم بالحجارة، فيقتلونهم أشنع قتلة، لحنقهم عليهم وعلى دينهم .

وإما أن يفتنوهم عن دينهم، ويردوهم في ملتم، وفي هذه الحال : لا يفلحون أبدا، بل يخسرون في دينهم ودنياهم وأخراهم "

تفسير السعدي: (473).

ثالثًا:

قوله تعالى: (ولن تفلحوا إذا أبدا) [الكهف: 20]، عائد على الرجوع في ملة الكافرين، ولذلك قال الطبري: " ولن تدركوا الفلاح، وهو البقاء الدائم والخلود في الجنان، إذن ؛ أي : إن أنتم عدتم في ملتهم "

جامع البيان: (15/ 215).

فالآية الكريمة تتحدث عن هؤلاء الفتية أن أحد الأمرين سيحصل لهم، إما أن يُرجموا (يقتلوا)، أو يرجعوا إلى ملتهم القديمة، ثم رتبوا على الرجوع في ملتهم فقط : نفي الفلاح في المستقبل .

قال الزجاج: "(إذا) : يدل على الشرط، أي: ولن تفلحوا إن رجعتم إلى ملتهم أبدًا"

. "معاني القرآن" (13/ 570).

والخلاصة

أن هؤلاء الفتية خافوا على أنفسهم ، من ظهور القوم عليهم : أحد الأمرين : إما القتل ، وفيه الهلاك .

وإما أن يكرهوهم على العود إلى ملة الكفر ؛ وفي هذا العود : خسران الدنيا والآخرة .

والله أعلم .









قديم 2018-03-13, 02:36   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

التوفيق بين قوله تعالى :
( ولا تمسكوهن ضرارا)
وقوله تعالى :
( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا) .


السؤال :


( ولا تُمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه) فيه دليل على تحريم الزوجة المعلقة ، ( وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير )

فيه دليل على جواز التنازل عن بعض حقوقها كالنفقة والكسوة والمبيت

وقد طلبت سودة بنت زمعة رضي الله عنها من النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يطلقها وأن يبيت ليلتها في بيت عائشة رضي الله عنها . السؤال : كيف أوفّق بين الآيتين ، فالمراد بالآية الأولى تحريم الزوجة المعلقة

بينما في الآية الثانية فيها أنه يجوز للزوج أن لا يبيت عند زوجته إذا تنازلت عن المبيت ، فكأن المسألة هنا أن الزوجة تصبح معلقة أيضاً في الآية الثانية ، وقد أشكلت علي المسألة بين الآيتين ؟

الجواب :

الحمد لله

أولًا:

لقد حرم الله تعالى الإضرار بالمرأة، وقوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) [البقرة: 231]، فقد كان الرجل يطلق المرأة، فإذا قاربت انقضاء العدة راجعها ضرارا، لئلا تذهب إلى غيره، ثم يطلقها فتعتد، فإذا شارفت على انقضاء العدة طلق لتطول عليها العدة، فنهاهم الله عن ذلك، وتوعدهم عليه فقال: (ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه) أي: بمخالفته أمر الله تعالى.

قال الإمام ابن كثير، في تفسير قوله تعالى: ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم ) :

" هذا أمر من الله عز وجل للرجال إذا طلق أحدهم المرأة طلاقا له عليها فيه رجعة، أن يحسن في أمرها إذا انقضت عدتها، ولم يبق منها إلا مقدار ما يمكنه فيه رجعتها، فإما أن يمسكها، أي: يرتجعها إلى عصمة نكاحه بمعروف، وهو أن يشهد على رجعتها، وينوي عشرتها بالمعروف، أو يسرحها، أي: يتركها حتى تنقضي عدتها، ويخرجها من منزله بالتي هي أحسن، من غير شقاق ولا مخاصمة ولا تقابح "

تفسير ابن كثير: (1/ 629).

وفي آية ناهية عن العضل، يقول سبحانه: (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف) [النساء: 19].

وقال سبحانه: ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون * فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون)[البقرة/229-230].

قال ابن كثير: " وقوله: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله) أي: لا يحل لكم أن تُضاجروهن وتضيقوا عليهن، ليفتدين منكم بما أعطيتموهن من الأصدقة أو ببعضه، كما قال تعالى: (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) [النساء:19] .

فأما إن وهبته المرأة شيئا عن طيب نفس منها. فقد قال تعالى: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) [النساء:4] .

وأما إذا تشاقق الزوجان، ولم تقم المرأة بحقوق الرجل ، وأبغضته ، ولم تقدر على معاشرته : فلها أن تفتدي منه بما أعطاها، ولا حرج عليها في بذلها، ولا عليه في قبول ذلك منها؛ ولهذا قال تعالى: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) الآية"

تفسير ابن كثير: (1/ 613).

وقال الشيخ السعدي: " كانوا في الجاهلية إذا مات أحدهم عن زوجته، رأى قريبُه كأخيه وابن عمه ونحوهما أنه أحق بزوجته من كل أحد، وحماها عن غيره، أحبت أو كرهت.

فإن أحبها تزوجها على صداق يحبه دونها، وإن لم يرضها ، عضلها ، فلا يزوجها إلا من يختاره هو، وربما امتنع من تزويجها حتى تبذل له شيئًا من ميراث قريبه أو من صداقها .

وكان الرجل أيضا يعضل زوجته التي يكون يكرهها ليذهب ببعض ما آتاها، فنهى الله المؤمنين عن جميع هذه الأحوال ، إلا حالتين: إذا رضيت ، واختارت نكاح قريب زوجها الأول، كما هو مفهوم قوله: (كَرْهًا) ، وإذا أتين بفاحشة مبينة كالزنا والكلام الفاحش وأذيتها لزوجها فإنه في هذه الحال يجوز له أن يعضلها، عقوبة لها على فعلها لتفتدي منه إذا كان عضلا بالعدل.

ثم قال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) : وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها ، في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال.

(فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) أي: ينبغي لكم -أيها الأزواج- أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن، فإن في ذلك خيرًا كثيرًا. من ذلك امتثال أمر الله، وقبولُ وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة.

ومنها أن إجباره نفسَه -مع عدم محبته لها- فيه مجاهدة النفس، والتخلق بالأخلاق الجميلة. وربما أن الكراهة تزول وتخلفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك. وربما رزق منها ولدا صالحا نفع والديه في الدنيا والآخرة.

وهذا كله مع الإمكان في الإمساك ، وعدم المحذور.

فإن كان لا بد من الفراق، وليس للإمساك محل، فليس الإمساك بلازم"، التفسير: (172).

فتبين بهذا أنه لا يجوز للرجل أن يعضل المرأة ، لكي يذهب ببعض مالها .

ثانيًا:

أما في الحالة الأخرى، فإن المرأة إن تنازلت عن شيء من حقها ، طوعا منها ، من غير إلجاء له ، ولا استكراه عليه ، خوفًا من الطلاق = فإن ذلك مشروع، للإبقاء على الزوجية بينها وبين زوجها .

يقول ابن قدامة: " وإذا خافت المرأة نشوز زوجها وإعراضه عنها، لرغبة عنها، إما لمرض بها، أو كبر، أو دمامة، فلا بأس أن تضع عنه بعض حقوقها ، تسترضيه بذلك؛ لقول الله تعالى (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا) [النساء: 128]"

المغني: (7/ 319).

وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: " اتفق الفقهاء على أنه يجوز لإحدى زوجات الرجل أن تتنازل عن قسمها، أو تهب حقها من القسم لزوجها ، أو لبعض ضرائرها ، أو لهن جميعا، وذلك برضا الزوج؛ لأن حقه في الاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه ، لأنها لا تملك إسقاط حقه في الاستمتاع بها، فإذا رضيت هي والزوج : جاز؛ لأن الحق في ذلك لهما ، لا يخرج عنهما .

فإن أبت الموهوبة قبول الهبة لم يكن لها ذلك لأن حق الزوج في الاستمتاع بها في كل وقت ثابت ، وإنما منعته المزاحمة بحق صاحبتها، فإن زالت المزاحمة بهبتها ، ثبت حقه في الاستمتاع بها ، وإن كرهت ؛ كما لو كانت منفردة .
وقد ثبت أن سودة بنت زمعة رضي الله تعالى عنها وهبت يومها لعائشة رضي الله تعالى عنها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة "

الموسوعة: (33/ 203).

فتبين مما سبق أن للزوجة أن تتنازل عن بعض حقها، وليس هذا من قبيل التعليق، لأن هذا لم يكن منه على وجه المضارة لها ، ولا هو علقها عن الطلاق ، وحرمها النكاح ؛ بل هي تنازلت عن بعض حقها ، برضاها، استصلاحا للعشرة بينهما ؛ وقد كان يمكنها أن تطلب الطلاق ، لو شاءت ؛ فانتقت شبهة "المعلقة" هنا .

الخلاصة

للزوجة أن تتنازل عن بعض حقها، وليس هذا من قبيل التعليق، لأنها تنازلت برضاها، وقد كان يمكنها أن تطلب الطلاق، ولا يجوز للرجل أن يعضل المرأة لكي يذهب ببعض مالها .

والله أعلم .









قديم 2018-03-13, 02:42   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

كيف بقي الرجل الذي ورد ذكره في آية
( فأماته الله مائة عام ثم بعثه ) مخفياً عن الناس؟


السؤال :

في قصة العزير أود أن أسأل عندما أمات الله العزير ، هل أماته وهو قائم في مكانه ومكث 100عام ؟

وهل لم يمر أحد في هذا المكان ليرى أن هناك رجلا ميت وبجانبه حماره وهو ميت أيضا ؟

أم أن الله خبأه عن أعين الناس فلا يبصرونه لحكمته جلا وعلا ؟

أم أن هناك تفسير آخر؟


الجواب :

الحمد لله

أولا:

قال الله تعالى:

( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة (259).

في القول المشهور عند أهل التفسير : أن هذا الرّجل المار هو عزير، وقيل غيره .

وأما القرية فالقول المشهور أنها بيت المقدس بعد تخريب بختنصر لها.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" اختلفوا في هذا المار من هو؟ فروى ابن أبي حاتم عن عصام بن رواد، عن آدم بن أبي إياس، عن إسرائيل عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي بن أبي طالب أنه قال: هو عزير.

ورواه ابن جرير، عن ناجية نفسه. وحكاه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وسليمان بن بريدة وهذا القول هو المشهور...

وأما القرية: فالمشهور أنها بيت المقدس، مر عليها بعد تخريب بختنصر لها وقتل أهلها "

انتهى. "تفسير ابن كثير" (1 / 687 - 688).

لكن لم يقم دليل من الخبر الصحيح ، يقطع بذلك.

قال الطبري رحمه الله تعالى:

" ولا بيان عندنا من الوجه الذي يصح من قِبَله البيان عن اسم قائل ذلك، وجائز أن يكون عزيرا، وجائز أن يكون إرميا .

ولا حاجة بنا إلى معرفة اسمه، إذ لم يكن المقصود بالآية تعريف الخلق اسم قائل ذلك، وإنما المقصود بها تعريف المنكرين قدرة الله على إحيائه خلقه بعد مماتهم، وإعادته إيّاهم بعد فنائهم، وأنه الذي بيده الحياة والموت، من قريش

ومن كان يكذب بذلك من سائر العرب، وتثبيت الحجة بذلك على من كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل، بإطلاعه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على ما يزيل شكهم في نبوته، ويقطع عذرهم في رسالته، إذ كانت هذه الأنباء التي أوحاها الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه

من الأنباء التي لم يكن يعلمها محمد صلى الله عليه وسلم وقومه، ولم يكن علم ذلك إلا عند أهل الكتاب، ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم وقومه منهم، بل كان أميا وقومه أميون .

فكان معلوما بذلك -عند أهل الكتاب من اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره- أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يعلم ذلك إلا بوحي من الله تعالى ذكره إليه .

ولو كان المقصود بذلك الخبر عن اسم قائل ذلك، لكانت الدلالة منصوبة عليه نصبا يقطع العذر، ويزيل الشك، ولكن القصد كان إلى ذم قيله، فأبان ذلك جلّ ثناؤه لخلقه.

واختلف أهل التأويل في القرية التي مر عليها القائل: ( أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ) :

فقال بعضهم: هي بيت المقدس ...

والصواب من القول في ذلك كالقول في اسم القائل: ( أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا )، سواء لا يختلفان "

انتهى، من "تفسير الطبري" (4 / 581 - 584).

ثانيا:

ما ذكره السائل في سؤاله : هو من هذا الجنس الذي قال عنه الإمام الطبري ، وغيره من الأئمة: لا حاجة بنا إلى العلم به ، وليس في الجهل به تضييع لفريضة ولا فضيلة ، ولا في العلم به إدراك لشيء من ذلك ؛ بل هو أقرب إلى مسالك التكلف ، والانشغال بما لا طائل وراءه .

يقول الإمام الطبري رحمه الله ، في ذكر اختلاف القائلين : في مبلغ الثمن الذي بيع به يوسف عليه السلام :

" والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنهم باعُوه بدراهم معدودة غير موزونة، ولم يحدَّ مبلغَ ذلك بوزن ولا عدد، ولا وضع عليه دلالة في كتاب ولا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد يحتمل أن يكون كان عشرين = ويحتمل أن يكون كان اثنين وعشرين = وأن يكون كان أربعين

وأقل من ذلك وأكثر، وأيُّ ذلك كان، فإنها كانت معدودة غير موزونة ; وليس في العلم بمبلغ وزن ذلك فائدة تقع في دين، ولا في الجهل به دخول ضرّ فيه. والإيمان بظاهر التنزيل فرضٌ، وما عَداه فموضوعٌ عنا تكلُّفُ علمه."

انتهى، من "تفسير الطبري" (15/16) .

وبحسب المسلم من ذلك أن يقف على محل الحجة والشاهد في الآيات ، وموطن العبرة والعظة في القصة ، ويتدبر معنى ما قص الله على عباده من ذلك .

والله أعلم .









قديم 2018-03-13, 02:46   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قول الله تعالى :
( ومن كل شيء خلقنا زوجين )


السؤال :

هل الملائكة مشمولين بهذه الآية (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون)؟

الجواب :

الحمد لله


فقد اختلف أهل التفسير في تأويل هذه الآية على قولين:

أرجحهما: أن الزوجين هنا ، بمعنى : الصنفين ، والنوعين المختلفين، كالسعادة والشقاء، والهدى والضلال، والملائكة والجن، والجن والإنس .

وعليه؛ فلا إشكال في دخول الملائكة في معنى الآية .

الثاني: أن المراد بالزوجين (الذكر والأنثى)، وعلى ذلك يقال في الجواب :

إن عموم كل بحسبه، ويعرف ذلك بالقرائن، فلو تأملت قوله تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) الأحقاف/25، لوجدت أن الآية الكريمة نصت على هلاك كل شيء، ومع ذلك (أصبحوا لا يرى إلا مساكنهم)! فعلمنا أن مساكنهم مستثناة من عموم (كل) هنا، ولا يحتاج هذا إلى تنبيه بعد ذلك : أن السموات والأرض استثنيتا من هذا الدمار الذي حصل لهؤلاء القوم .

فإذا تأملت ما سبق، علمت أن عموم كل بحسبه، وأن الملائكة الكرام غير مشمولين بهذا العموم الموجود في الآية ؛ وإنما الإشارة هنا إلى هذه الأشياء المخلوقة في "عالم الشهادة" ، ليحصل ارتفاق الناس ، وانتفاعهم به ، وتظهر الحكمة من هذه النعم ، فيتذكر الناس ما أمروا به من طاعة رب العالمين .

قال العلامة ابن عاشور رحمه الله : " لما أشعر قوله: ( فرشناها فنعم الماهدون ) ، [الذاريات: 48] بأن في ذلك نعمة على الموجودات التي على الأرض، أتبع ذلك بصفة خلق تلك الموجودات ، لما فيه من دلالة على تفرد الله تعالى بالخلق المستلزم لتفرده بالإلهية .

فقال: ( ومن كل شيء خلقنا زوجين ) . والزوج: الذكر والأنثى. والمراد بالشيء: النوع من جنس الحيوان. وتثنية زوج هنا لأنه أريد به ما يزوج من ذكر وأنثى.

وهذا الاستدلال عليهم بخلق يشاهدون كيفياته وأطواره ، كلما لفتوا أبصارهم، وقدحوا أفكارهم، وهو خلق الذكر والأنثى ليكون منهما إنشاء خلق جديد يخلف ما سلفه ، وذلك أقرب تمثيل لإنشاء الخلق بعد الفناء، وهو البعث الذي أنكروه؛ لأن الأشياء تقرب بما هو واضح من أحوال أمثالها.

ولذلك أتبعه بقوله: ( لعلكم تذكرون ) ، أي تتفكرون في الفروق بين الممكنات والمستحيلات، وتتفكرون في مراتب الإمكان، فلا يختلط عليكم الاستبعاد ، وقلة الاعتياد ، بالاستحالة ؛ فتتوهموا الغريب محالا.

فالتذكر مستعمل في إعادة التفكر في الأشياء ، ومراجعة أنفسهم فيما أحالوه ، ليعلموا بعد إعادة النظر : أن ما أحالوه ممكن ، ولكنهم لم يألفوه ؛ فاشتبه عليهم الغريب بالمحال ، فأحالوه .

فلما كان تجديد التفكر المغفول عنه ، شبيها بتذكر الشيء المنسي : أطلق عليه : ( لعلكم تذكرون ) ، وهذا في معنى قوله تعالى: ( وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون * ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ) [الواقعة: 60- 62] ؛ فقد ذيل هنالك بالحث على التذكر، كما ذيل هنا برجاء التذكر، فأفاد : أن خلق الذكر والأنثى من نطفة ، هو النشأة الأولى ، وأنها الدالة على النشأة الآخرة.

وجملة : ( لعلكم تذكرون ) : تعليل لجملة : ( خلقنا زوجين ) ؛ أي : رجاء أن يكون في الزوجين تذكر لكم، أي : دلالة مغفول عنها." انتهى، من "التحرير والتنوير" (27/18) .

هذا؛ مع أن الراجح الأول، كما سننقل نصوص أهل العلم عليه .

يقول الطبري: " القول في تأويل قوله تعالى: (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) [الذاريات: 49] يقول تعالى ذكره: وخلقنا من كل شيء خلقنا زوجين، وترك خلقنا الأولى استغناء بدلالة الكلام عليها .

واختلف في معنى (خلقنا زوجين) [الذاريات: 49] فقال بعضهم: عنى به: ومن كل شيء خلقنا نوعين مختلفين كالشقاء والسعادة والهدى والضلالة، ونحو ذلك ... قال مجاهد، في قوله: (ومن كل شيء خلقنا زوجين) [الذاريات: 49] قال: «الكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلالة، والليل والنهار، والسماء والأرض، والإنس والجن» .

... وقال آخرون: عنى بالزوجين: الذكر والأنثى.

.. وأولى القولين في ذلك قول مجاهد، وهو أن الله تبارك وتعالى، خلق ، لكل ما خلق من خلقه: ثانيا له ، مخالفا في معناه، فكل واحد منهما زوج للآخر، ولذلك قيل: خلقنا زوجين. "

تفسير الطبري: (21/ 547 - 549).

وقال ابن عطية: " (ومن كل شيء خلقنا زوجين) أي: مصطحبين ومتلازمين .

فقال مجاهد: معناه أن هذه إشارة إلى المتضادات والمتقابلات من الأشياء ، كالليل والنهار ، والشقوة والسعادة ، والهدى والضلالة ، والأرض والسماء ، والسواد والبياض ، والصحة والمرض ، والكفر والإيمان ونحو هذا"، المحرر: (5/ 181).

وقال ابن كثير: " (ومن كل شيء خلقنا زوجين) أي: جميع المخلوقات أزواج: سماء وأرض، وليل ونهار، وشمس وقمر، وبر وبحر، وضياء وظلام، وإيمان وكفر، وموت وحياة، وشقاء وسعادة، وجنة ونار، حتى الحيوانات جن وإنس، ذكور وإناث والنباتات، ولهذا قال: (لعلكم تذكرون) أي: لتعلموا أن الخالق واحد لا شريك له"

تفسير ابن كثير: (7/ 424).

والخلاصة

لا تدخل الملائكة في عموم الآية، لأن معناها: أن الله تعالى خلق من جميع الكائنات زوجين ، أي : صنفين متقابلين . كالذكر والأنثى ، والليل والنهار ، والحر والبرد ..إلخ . وذلك يدل على كمال قدرة الله تعالى الذي يخلق ما يشاء ، فيخلق الشيء ويخلق ما يخالفه في الصفات .

والله أعلم









قديم 2018-03-13, 02:57   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

طريقة اخري لتفسير .. ازياده الشرح والتوضيح

تفسير قوله تعالى :
( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )


السؤال:

سؤالي حول الآية " وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ" : هل معنى كلمة الزوجين يشمل ما كان من نفس النوع كالتفاح مثلاً ؟

وهل أتت الكلمة " الزوجين " في نفس السياق في جميع الآيات التي تتحدث عن خلق كل شيء أزواجاً ، فهل يمكنكم ذكر بعض الأمثلة على استخدامات الكلمة مع ذكر الدليل ؟


الجواب :

الحمد لله

قال الله عز وجل : ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) الذاريات/ 49 .

ومعنى الآية : أن الله تعالى خلق من جميع الكائنات زوجين ، أي : صنفين متقابلين . كالذكر والأنثى ، والليل والنهار ، والحر والبرد ..إلخ . وذلك يدل على كمال قدرة الله تعالى الذي يخلق ما يشاء ، فيخلق الشيء ويخلق ما يخالفه في الصفات .

قال الطبري رحمه الله :

" واختلف في معنى (خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) فقال بعضهم : عنى به : ومن كلّ شيء خلقنا نوعين مختلفين كالشقاء والسعادة ، والهدى والضلالة ، ونحو ذلك .

قال مجاهد : الكفر والإيمان ، والشقاوة والسعادة ، والهدى والضلالة ، والليل والنهار ، والسماء والأرض ، والإنس والجنّ .

وقال آخرون : عنى بالزوجين : الذكر والأنثى .

وأولى القولين في ذلك قول مجاهد ، وهو أن الله تبارك وتعالى ، خلق لكلِّ ما خَلَقَ من خلقه ثانياً له مخالفاً في معناه ، فكلّ واحد منهما زوج للآخر ، ولذلك قيل : خلقنا زوجين . وإنما نبه جلّ ثناؤه بذلك على قُدرته على خلق ما يشاء خلقه من شيء ، وأنه ليس كالأشياء التي شأنها فعل نوع واحد دون خلافه ، إذ كلّ ما صفته فعل نوع واحد دون ما عداه كالنار التي شأنها التسخين ، ولا تصلح للتبريد ، وكالثلج الذي شأنه التبريد ، ولا يصلح للتسخين ، فلا يجوز أن يوصف بالكمال ، وإنما كمال المدح للقادر على فعل كلّ ما شاء فعله من الأشياء المختلفة والمتفقة "

انتهى من " تفسير الطبري " (22/439-440) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) أَيْ : جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ أَزْوَاجٌ : سَمَاءٌ وَأَرْضٌ ، وَلَيْلٌ وَنَهَارٌ ، وَشَمْسٌ وَقَمَرٌ ، وَبَرٌّ وَبَحْرٌ ، وَضِيَاءٌ وَظَلَامٌ ، وَإِيمَانٌ وَكُفْرٌ ، وَمَوْتٌ وَحَيَاةٌ ، وَشَقَاءٌ وَسَعَادَةٌ ، وَجَنَّةٌ وَنَارٌ ، حَتَّى الْحَيَوَانَاتُ ، جِنٌّ وَإِنْسٌ ، ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ ، وَالنَّبَاتَاتُ ، وَلِهَذَا قَالَ : ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) أَيْ : لِتَعْلَمُوا أَنَّ الْخَالِقَ واحدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (7/ 424) .

وقال القرطبي رحمه الله :

" قوله تَعَالَى : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) : أَيْ صِنْفَيْنِ وَنَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ : أَيْ ذَكَرًا وَأُنْثَى ، وَحُلْوًا وَحَامِضًا وَنَحْوَ ذَلِكَ. وقال مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَالسَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَالنُّورَ وَالظَّلَامَ، وَالسَّهْلَ وَالْجَبَلَ، وَالْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وَالْخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَالْبُكْرَةَ وَالْعَشِيَّ، وَكَالْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ الألوان مِنَ الطُّعُومِ وَالْأَرَايِيحِ وَالْأَصْوَاتِ. أَيْ جَعَلْنَا هَذَا كَهَذَا دَلَالَةً عَلَى قُدْرَتِنَا، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا فَلْيَقْدِرْ عَلَى الْإِعَادَةِ" انتهى من "

تفسير القرطبي " (17/53) .

وقال ابن جزي رحمه الله :

" أي نوعين مختلفين ، كالليل والنهار ، والسواد والبياض ، والصحة والمرض وغير ذلك "

انتهى من " تفسير ابن جزي " (2/310) .

وأما قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) الرعد/ 3 .

قال ابن كثير : " أَيْ : مِنْ كُلِّ شَكْلٍ صِنْفَانِ "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (4/431) .

وقال القرطبي :

" بِمَعْنَى صِنْفَيْنِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الزَّوْجُ وَاحِدٌ، وَيَكُونُ اثْنَيْنِ.

وَقِيلَ: مَعْنَى" زَوْجَيْنِ" نَوْعَانِ ، كَالْحُلْوِ وَالْحَامِضِ ، وَالرَّطْبِ وَالْيَابِسِ ، وَالْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ "

انتهى من " تفسير القرطبي " (9/280) .

وقال ابن عطية رحمه الله :

" الزوج في هذه الآية : الصنف والنوع ... ومنه قوله تعالى : ( سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ ) يس/ 36 ، ومثل هذه الآية : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) ق/ 7 .

وهذه الآية تقتضي أن كل ثمرة فموجود منها نوعان، فإن اتفق أن يوجد في ثمرة أكثر من نوعين فغير ضار في معنى الآية ... ويقال: إن في كل ثمرة ذكراً وأنثى "

انتهى من " تفسير ابن عطية " (3/293) .

وقال تعالى : ( وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) ق/ 7 .

قال ابن كثير : " أَيْ : مِنْ جَمِيعِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَالنَّبَاتِ وَالْأَنْوَاعِ "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (7/ 396) .

وقال السعدي رحمه الله :

" أي : من كل صنف من أصناف النبات ، التي تسر ناظرها ، وتعجب مبصرها ، وتقر عين رامقها ، لأكل بني آدم ، وأكل بهائمهم ومنافعهم "

انتهى من " تفسير السعدي " (ص/804) .

فالزوج : الصنف ، والزوجان الصنفان المتقابلان ، كالحلو والحامض ، والعذب والملح ، فالتفاح صنف ، والبرتقال صنف ، ولكل صنف طعم ولون .

ويمكن أن يكون الزوجان من الصنف الواحد ، كالبرتقال والتفاح والبلح والعنب ، ففيها الذكر والأنثى ، والصغير والكبير ، والأنواع المختلفة اللون والطعم .

وأما قوله تعالى : (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا) النبأ/ 8 ، فهو كقوله عز وجل : (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ) النحل/ 72 ، وقوله : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ) فاطر/ 11 ، وقوله : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ) الشورى/11 .

فالخطاب هنا لبني آدم ، والمعنى : خلقناكم ذكورا وإناثا من جنس واحد ، ليسكن كل منهما إلى الآخر ، فتكون المودة والرحمة ، وتنشأ عنهما الذرية .

" تفسير ابن كثير " (8/302)

" تفسير السعدي " (ص/906) .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









قديم 2019-01-08, 14:34   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



قوله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا آمنوا}، وهل هي طلب تحصيل حاصل ؟


السؤال

من شروط التكليف المتعلقة بالفعل المكلف به : أن يكون الفعل معدوما

هل يتعارض على أن يكون الفعل معدوما في قوله تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ) ؟


الجواب


الحمد لله

لا تتعارض الآية الكريمة مع ما قرره العلماء من كون شرط الفعل المكلف به أن يكون معدومًا، فـ"الإيمان" المطلوب في هذه الآية ، ليس هو الإيمان الحاصل ، الذي يمتنع طلبه ، كما تبين ذلك من معرفة وجوه تفسير هذه الآية :

الأول : أن الإيمان المطلوب في هذه الآية : هو إيمان أهل الكتاب بمحمد صلى الله عليه وسلم، بعدما آمنوا بنبيهم . وإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم لم يكن "حاصلا" في هذا الوقت .

يقول الطبري في معنى الآية:

" يعني بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا ، بمن قبل محمد من الأنبياء والرسل، وصدَّقوا بما جاؤوهم به من عند الله آمِنوا بالله ورسوله يقول: صدّقوا بالله وبمحمد رسوله، أنه لله رسولٌ، مرسل إليكم وإلى سائر الأمم قبلكم .

والكتاب الذي نزل على رسوله ، يقول: وصدّقوا بما جاءكم به محمد من الكتاب الذي نزله الله عليه، وذلك القرآن.

والكتاب الذي أنزل من قبل ، يقول: وآمنوا بالكتاب الذي أنزل الله من قبل الكتاب الذي نزله على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو التوراة والإنجيل.

فإن قال قائل:

وما وجه دعاء هؤلاء إلى الإيمان بالله ورسوله وكتبه، وقد سماهم"مؤمنين"؟

قيل: إنه جل ثناؤه لم يسمِّهم"مؤمنين"، وإنما وصفهم بأنهم "آمنوا"، وذلك وصف لهم بخصوصٍ من التصديق.

وذلك أنهم كانوا صنفين:

أهل توراة مصدّقين بها وبمن جاء بها، وهم مكذبون بالإنجيل والقرآن وعيسى ومحمد صلوات الله عليهما .

وصنف أهل إنجيل، وهم مصدّقون به وبالتوراة وسائر الكتب، مكذِّبون بمحمد صلى الله عليه وسلم والفرقان .

فقال جل ثناؤه لهم : يا أيها الذين آمنوا ، يعني: بما هم به مؤمنون من الكتب والرسل .

آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم .

والكتاب الذي نزل على رسوله ، فإنكم قد علمتم أن محمدًا رسول الله، تجدون صفته في كتبكم .

وبـ : الكتاب الذي أنزل من قبلُ

الذي تزعمون أنكم به مؤمنون، فإنكم لن تكونوا به مؤمنين وأنتم بمحمد مكذبون، لأن كتابكم يأمركم بالتصديق به وبما جاءكم به، فآمنوا بكتابكم في اتّباعكم محمدًا، وإلا فأنتم به كافرون.

فهذا وجه أمرهم بالإيمان بما أمرهم بالإيمان به، بعد أن وصفهم بما وصفهم بقوله : ( يا أيها الذين آمنوا )"

انتهى من "تفسير الطبري" (التفسير: (9/312)

وينظر : "الهداية"، لمكي بن طالب(2/ 1499).

الوجه الثاني : أن المطلوب من المؤمنين هنا ليس هو الإيمان الحاصل عندهم وقت الخطاب

بل المطلوب منهم أن يثبتوا على الإيمان ، وأن يحصلوا من درجات الإيمان ، والزيادة فيه ، ما لم يكن حاصلا لهم ؛ فالإيمان يزيد وينقص ، كما هو معلوم مقرر .

وعلى ذلك ؛ فطلب الزيادة : طلب لأمر معدوم ، لا يزل العبد ساعيا في تحصيله ما عاش ، وليس تحصيلا لأمر حاصل .

انظر: "التفسير البسيط" (7/ 145) .

قال الإمام ابن كثير رحمه الله :

" يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه ودعائمه، وليس هذا من باب تحصيل الحاصل، بل من باب تكميل الكامل وتقريره وتثبيته والاستمرار عليه.

كما يقول المؤمن في كل صلاة: اهدنا الصراط المستقيم الفاتحة/6 أي: بصرنا فيه، وزدنا هدى، وثبتنا عليه. فأمرهم بالإيمان به وبرسوله

كما قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله الحديد/28 "التفسير"(2/ 434).

وقد قال أيضا في تفسير سورة الفاتحة ، الآية المشار إليها هنا :

" فإن قيل: كيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وغيرها، وهو متصف بذلك؟ فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا؟

فالجواب: أن لا ؛ ولولا احتياجه ليلا ونهارا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله إلى ذلك .

فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية، ورسوخه فيها، وتبصره، وازدياده منها، واستمراره عليها .

فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق .

فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله؛ فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه، ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل وأطراف النهار .

وقد قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل الآية النساء/136

فقد أمر الذين آمنوا بالإيمان، وليس في ذلك تحصيل الحاصل؛ لأن المراد الثبات والاستمرار والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/139) .

وقد أجمل الإمام أبو المظفر السمعاني رحمه الله ، وجوه الجواب عن ذلك . فقال :

" قَول تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله أَكثر الْمُفَسّرين على أَنه فِي الْمُؤمنِينَ، وَمَعْنَاهُ: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا آمنُوا، أَي اثبتوا على الْإِيمَان، كَمَا يُقَال: قف حَتَّى أرجع إِلَيْك للرجل الْوَاقِف أَي: أثبت وَاقِفًا.

وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ خطاب لِلْمُنَافِقين، وَمَعْنَاهُ: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا بِاللِّسَانِ آمنُوا بِالْقَلْبِ .

وَقَالَ الضَّحَّاك وَهُوَ رِوَايَة الْكَلْبِيّ عَن ابْن عَبَّاس: هُوَ خطاب لأهل الْكتاب

وَمَعْنَاهُ: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا بمُوسَى وَعِيسَى آمنُوا بِمُحَمد وَالْكتاب الَّذِي نزل على رَسُوله يَعْنِي: الْقُرْآن وَالْكتاب الَّذِي أنزل من قبل يَعْنِي: الْكتب الْمنزلَة من قبل الْقُرْآن."

انتهى من "تفسير السمعاني" (1/490) .

وفي كل واحد من هذه الوجوه ما يكفي لرد الشبهة المذكورة .

والله أعلم.









 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 01:42

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc