الموضوع: تحليل مقال فلسفي
نص المقال: قيل : (( الأشياء التي نتصورها تصورا بالغ الوضوح والتمييز هي صحيحة كلها )) حلل وناقش
الطريقة : جدلية
طرح المشكلة:مما لاشك فيه أنه مهما تعددت الحقيقة في تعريفاتها، وفي مجالاتها، فإنه لا يختلف اثنان في أن الإنسان مفطور بفضوله على البحث عنها، ومهما اختلفت أصنافها وتنوعت مقاييسها، فإن أقصى ما يبحث عنه هذا الإنسان هو الحقيقة الأولى كما يسميها الحكماء نظرا إلى اتصافها بالثبات والمطلقية، ولقد خاض الفلاسفة في مقاييس الحقيقة وتبقى هذه المقاييس تابعة لطبيعة هاته الحقيقة ومجالاتها وفلسفة أصحابها، وهذا ما أدى إلى اختلاف الفلاسفة في تصورهم لمعيار الحقيقة، لكن التساؤل المطروح : هل النفع هو المعيار المناسب لمعرفة الحقيقة؟
محاولة حل المشكلة :
عرض الموقف الأول:لقد رأى بعض الفلاسفة أمثال ديكارت وسبينوزا أن الحكم الصادق يحمل في طياته معيار صدقه وهو الوضوح الذي يرتفع فوق كل شيء، ويتجلى هذا في البديهيات الرياضية التي تبدو ضرورية واضحة بذاتها كقولك الكل أكبر من الجزء أو أن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين، ولقد كانت أول قاعدة في المنهج الذي سطره ديكارت ألا يقبل مطلقا شيئا على انه حق ما لم يتبين بالبداهة أنه كذلك، وان لا يأخذ من أحكامه إلا ما يتمثله عقله بوضوح تام وتمييز كامل بحيث لا يعود لديه مجال للشك فيه، وفي هذا المعنى يرى سبينوزا أنه ليس هناك معيار للحقيقة خارج عن الحقيقة، فهل كما يقول يمكن أن يكون هناك شيء أكثر وضوحا ويقينا من الفكرة الصادقة يصلح أن يكون معيارا للحقيقة؟ فكما أن النور يكشف عن نفسه وعن الظلمات كذلك الصدق هو معيار نفسه ومعيار الكذب.
النقد:إن إرجاع الحقيقة كلها إلى الوضوح يجعلنا نلجأ إلى معيار ذاتي للحقيقة، قد نحس بأننا على صواب في أحكامنا على أساس البداهة والوضوح، ولكن قد يحدث أن يقف أحدنا بعد ذلك على خطئه، وقد يحدث لأحدنا أن يرى بديهيا ما يتوافق مع تربيته وميوله واتجاهاته الفكرية، فالوضوح في هذه الحالة ليس هو محك الصواب، وإنما توافق القضية المطروحة لميول الفرد وآرائه هو الذي يجعلها صحيحة واضحة.
عرض الموقف الثاني:لقد ذهب بعض أقطاب البراغماتية أمثال تشارلز بيرس ووليام جيمس إلى أن الحكم يكون صادقا متى دلت التجربة على أنه مفيد نظريا وعمليا، وبذلك تعتبر المنفعة المحك الوحيد لتمييز صدق الأحكام من باطلها، حيث يقول بيرس : (( إن الحقيقة تقاس بمعيار العمل المنتج، أي أن الفكرة خطة للعمل أو مشروع له وليس حقيقة في ذاتها )) إذن فالنتائج أو الآثار التي تنتهي إليها الفكرة هي الدليل على صدقها أو هي مقياس صوابها، وإذا أردنا أن نحصل على فكرة واضحة لموضوع ما فما علينا إلا أن ننظر إلى الآثار العملية التي نعتقد أنه قادر على أن يؤدي إليها والنتائج التي ننتظرها منه. وهو يقول وليام جيمس: (( إن كل ما يؤدي إلى النجاح فهو حقيقي، وغن كل ما يعطينا أكبر قسط من الراحة وما هو صالح لأفكارنا ومفيد لنا بأي حال من الأحوال فهو حقيقي )). ويقول أيضا: (( الحق ليس التفكير الملائم لغاية، كما أن الصواب ليس إلا الفعل الملائم في مجال السلوك )).
النقد:إن مقياس النفع وتحقيقه مرتبط بالمستقبل، وهذا ما يجعل الحقيقة احتمالية، وتخضع في كل أحوالها لتقديرات ذاتية، فما هو نافع لي قد يكون ضار لغيري، وهذا ما يجعل المنافع مطالب وإشباعات من الصعب الاتفاق حولها، كما أن الخطأ قد تنجم عنه آثار نافعة غير أننا مع ذلك نعتبر الخطأ خطا رغم نجاحه في المجال العملي.
التجاوز:لا يمكن حصر معيار الحقيقة في الميدان المحدود الذي يرتضيه أنصار الوضوح والنجاح، بل هناك معيار الوجود لذاته، فمعيار الوضوح والذي يتبناه المذهب العقلي، يذهب إلى أن الحكم الصادق يحمل في طياته معيار صدقه وهو الوضوح الذي يرتفع فوق كل شيء، أما معيار النجاح والذي يتبناه المذهب البراغماتي فيذهب إلى أن النتائج أو الآثار التي تنتهي إليها الفكرة هي الدليل على صدقها أو هي مقياس صوابها، أما المقياس الوجود لذاته فهو مقياس تتبناه الفلسفة الوجودية، وهي فلسفة تهتم بالإنسان وترى أن مقياس الحقيقة وصحة الأحكام وصدق الأفكار مرتبط بالإنسان كمشروع، يتحدد بالاختيار المسؤول للإنسان بعد أن يوجد، وسعيه لإكمال ماهيته.
حل المشكلة:في الأخير يمكن أن نؤكد انه من الخطأ قياس الحقيقة بمعيار نسبي أي بمعيار معرض للتغير كالوضوح والنفع ومعيار الوجود لذاته، فمعيار الحقيقة معيار معيار موضوعي منزه عن كل ما من شأنه أن يحصر الحقيقة في إطار ذاتي ضيق، إنه في كلمة وجيزة الموضوعية العالمية الثابتة مع العلم بان الحقيقة أنواع كالحقيقة الرياضية التي يرتد معيارها الموضوعي إلى استنباط الحقائق الجزئية من المقدمات الأولية، والحقيقة العلمية التي يعود معيارها الموضوعي إلى التجربة.
هل تقاس الحقيقة باعتبار الوضوح أم باعتبار النفع؟ هل الفكرة الواضحة هي صادقة بالضرورة؟
مقدمة: يختلف الباحثون في تصورهم لمعيار الحقيقة من أبرز التي اشتهرت في هذا الصدد معيار التطابق ومعيار الوضوح ومعيار النفع انتشر القول بالمعيار الأول في القرون الوسطى مع المدرسين ومؤداه هو أن الحقيقة هي مطابقة الفكر للواقع فالتفكير يكون صحيحا عندما يكون نسخة من الواقع والوفاء للنسخة بالنسبة للنموذج هو الذي يحدد الحقيقة إلا أن هذا التصور ليس دقيقا وليس واضحا كل الوضوح فهو يثير المشاكل أكثر مما يحل ولذلك نحن نكتفي بالبحث في المقياسين الأساسيين الوضوح أو البداهة والنفع أو النجاح ويحسن أن نطرح القضية على الشكل التالي: - هل الحقيقة تقاس باعتبار الوضوح أو باعتبار النفع؟
التوسع: تحليل الموقف الذي يرى أن الحقيقة تقاس باعتبار الوضوح.
يرى أصحاب هذا الموقف أن الحكم الصادق يحمل في طياته معيار صدقه وهو الوضوح الذي يرتفع في كل شيء ويتجلى ذلك في البديهيات الرياضية التي تبدو ضرورية واضحة بذاتها كذلك الكل أكبر من الجزء أو أن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين النقطتين
-ديكارت: انتهى إلى قضيته المشهورة "أنا أفكر إذن أنا موجود تلك حقيقة مؤكدة خرجت لي من ذات الفكر"فوجدها واضحة أمام جميع الافتراضات وصحيحة كل الصحة بالضرورة وهو يقول كذلك لاحظت انه لا شيء في قولي: أنا أفكر إذن أنا موجود, يحق لي أن أقول الحقيقة إلا كوني أني أرى بكثير من الوضوح أن الوجود واجب التفكير فحكمت بأنني أستطيع اتخاذ قاعدة عامة لنفسي وهي أن الأشياء التي نتصورها بالغة الوضوح والتمييز هي صحيحة كلها"
سينورا : يرى أنه ليس هناك معيار للحقيقة خارج عن الحقيقة فهل كما يقول, يمكن أن يكون هناك شيئ أكثر وضوحا ويقينا من الفكرة الصادقة يصلح أن يكون معيارا للحقيقة؟ فكما أن النور يكشف عن نفسه وعن الظلمات كذلك الصدق هو معيار نفسه ومعيار الكذاب"
مناقشة: إن إرجاع الحقيقة كلها إلى الوضوح يجعلنا بمعيار ذاتي الحقيقة قد نحس بأننا على صواب في أحكامنا على أساس البداهة والوضوح ولكن قد يحدث أن يقف أحدنا بعد ذلك على خطإه وقد يحدث لأحدنا أن يرى بديهيا ما يتوافق مع تربيته وميوله واتجاهاته الفكرية وقد يحدث أن يرى بديهيا أو واضحا ما لا يتفق وتربيته وآرائه, إن الوضوح في هذه الحالة ليس هو محك الصواب وإنما توافق القضية المطروحة لميول الفرد وآرائه هو الذي جعلها صحيحة واضحة لكنها في حقيقة الأمر عكس ذلك(خاطئة) والدليل على ذلك أن الكثير من الآراء التي تجلت صحتها واضحة فترة من الزمن قد أثبتت التفكير بضلالها لقد آمن الناس مدة طويلة بأن الأرض مركز الكون وبأنها ثابتة تدور حولها سائر الكواكب ثم حضت الأبحاث الدقيقة مثل هذا الإعتقاد الخاطئ بل أن البديهيات الرياضية قد ثبت اليوم أن الكثير منها يقوم على فروض لا تستقيم هذه البديهيات بدونها بالغا ما بلغ وضوحها وبعدها عن كل أثر للشك ولو كان الشعور بالوضوح كافيا ليحمل العقول كلها إلى الأخذ بالقضايا الواضحة فلماذا تقابل الحقائق الجديدة في بداية الأمر بغضب شديد كلما هو الشأن بالنسبة لغاليلي الذي أعلن بأن الأرض ليست ثابتة وباستور الذي قام لمحاربة فكرة التولد العفوي إن الأفكار الواضحة البالغة الوضوح هي في الغالب فيما يقول بايي أنها أفكار متينة إذن يمكن اعتبار الوضوح مقياس للحقيقة لكن هناك مقاييس أخرى
نقيض القضية: تحليل الموقف الذي يرى أن الحقيقة تقدر وتقاي على أساس النفع (البراغماتية) :
يرى بعض الفلاسفة أن الحكم يكون صادقا متى دلت التجربة على أنه مفيد عمليا ونظريا فالمنفعة هي المقياس الوحيد لتمييز صدف الأحكام من باطلها فجيمس يقول "إن كل ما يؤدي إلى النجاح فهو حقيقي وإن كل ما يعطينا أكبر قسط
من الراحة وما هو صالح لأفكارنا ومفيد لنا بأي حال من الأحوال فهو حقيقي" ويقو أيضا "الحق ليس إلا التفكير الملائم لغايته كما أن الصواب ليس إلا الفعل الملائم في مجال السلوك" أي أن معيار الحقيقة هو النجاح كما انه يضرب مثالا فيقول "يمكن أن يعبر العدد (27) مكعب العدد (3) أو حاصل ضرب (3x9) أو حاصل جمع (26+1) أو باقي طرح (73) من (100) او بطريقة لا نهاية لها وكلها صادقة" إننا نضيف إلى العالم من صنعنا وكل إضافة مطابقة له وليست واحدة من هذه الإضافات بخاطئة حيث نقول إن إحداها أكثر صدقا من غيرها فإننا نقصد الصدق على أساس استفادتنا منها .
لبيرس: يرى أن معيار الحقيقة هو المنفعة فالفكرة الصادقة هي التي تفيدنا من الناحية العملية والفكرة الكاذبة هي التي تحقق لي نفعا يقول "إن الحقيقة تقاس بمعيار العمل المنتوج" أي أن الفكرة خطة للعمل أو مشروع له وليست حقيقة في ذاتها" إن تصورنا لموضوع ما هو تصورنا لما قد ينتج عن هذا الموضوع من آثار عملية لا أكثر.
جون ديوي: الفكرة مشروع عمل والحقيقة تعرف من خلال نتائجها والأفكار الحقيقة أدوات ناجحو لمواجهة مشكلات الحياة فالفكرة الدينية حقيقية إذا كانت تحقق للنفس الإنسانية منفعة كالطمأنينة والسعادة والفكرة الاقتصادية حقيقية إذا كانت تحقق بالفعل الرفاهية المادية فالأشياء تكون حقيقة حسب المنفعة التي تستهدفها وتحققها إذن معيار الحقيقة حسب البراغماتية هو الغايات والنتائج وليس المبادئ لا بنتائجه وهكذا تعرف البراغماتية الحقيقة وتحولها من حقيقة الفكر إلى حقيقة العمل.
مناقشة: إن رد معيار الحقيقة إلى النجاح (المنفعة) ليس أثر تحديدا من القول بمعيار الوضوح لأن القول بمعيار النجاح قول سلبي عن الحقيقة وليس قولا إيجابيا ذلك ان أنصار البراغماتية إنطلقوا من أن القضايا التي لها آثار عملية قضايا حقيقية أو صحيحة لكن ما يعاب عنهم أنهم أخلطوا بين المجال النظري والمجال العلمي بدليل أن هناك افكار نافعة ولكنها غير مطبقة وهناك أفكار غير نافعة ولكنها مطبقة ثم ان مقياس الحقيقة لا يمكن أن يكون هو المنفعة كما يقر بذلك البراغماتيون لأن الحقيقة التي تؤكدها نتائجها ومنافعها هي قبل كل شيء مسألة ذاتية متقلبة بين فرد وآخر ومتعارضة بين هذا وذاك ما دامت المصالح متعارضة فكيف بين العلم ما لم يؤسس على مبادئ؟ هذا علاوة على أن الكذب والخطأ كثيرا ما يحققان منافع كثيرة للإنسان أي الضار يعلمني الإبتعاد منه في المستقبل (الشر خير) .
التركيب: إن معيار الحقيقة لا يمكن حصره في الميدان الذي يرتضيه أنصار الوضوح أو تأسيسه على أساس النجاح (المنفعة) كما زعمت البراغماتية كلاهم معا أي أن كل من النفع والوضوح يمكن إعتباره مقياسا لأو معيارا للحقيقة مع التسليم أن كلا المعيارين نسبي ومحدد ومعرض للتغيير
الخلاصة: وصفوة القول أن معيار الحقيقة يبقى في النهاية معيار نسبي منزه من كل ما من شأنه أن يحصر الحقيقة في إطار ذاتي (الوضوح) وإطار نفعي مادي إلا في كلمة وجيزة الموضوعية العالية الثابتة مع العلم أن الحقيقة أنواع كالحقيقة الرياضية التي يركب معيارها الموضوعي إلى استنباط الحقائق الجزئية من المقدمات الأولية والحقيقة العلمية أو الفيزيائية التي يعود معيارها الموضوعي إلى التجربة.
تفضلي اختي خيري اللي تناسبك