فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم - الصفحة 18 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة > أرشيف قسم الكتاب و السنة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2019-02-16, 17:57   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي



تفسير قوله تعالى : ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )

السؤال

هل معنى كلمة الزوجين يشمل ما كان من نفس النوع كالتفاح مثلاً ؟

وهل أتت الكلمة " الزوجين " في نفس السياق في جميع الآيات التي تتحدث عن خلق كل شيء أزواجاً

فهل يمكنكم ذكر بعض الأمثلة على استخدامات الكلمة مع ذكر الدليل ؟

الجواب

الحمد لله

قال الله عز وجل : ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) الذاريات/ 49 .

ومعنى الآية : أن الله تعالى خلق من جميع الكائنات زوجين ، أي : صنفين متقابلين . كالذكر والأنثى

والليل والنهار ، والحر والبرد ..إلخ . وذلك يدل على كمال قدرة الله تعالى الذي يخلق ما يشاء ، فيخلق الشيء ويخلق ما يخالفه في الصفات .

قال الطبري رحمه الله :

" واختلف في معنى (خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) فقال بعضهم : عنى به : ومن كلّ شيء خلقنا نوعين مختلفين كالشقاء والسعادة ، والهدى والضلالة ، ونحو ذلك .

قال مجاهد : الكفر والإيمان ، والشقاوة والسعادة ، والهدى والضلالة ، والليل والنهار ، والسماء والأرض ، والإنس والجنّ .

وقال آخرون : عنى بالزوجين : الذكر والأنثى .

وأولى القولين في ذلك قول مجاهد ، وهو أن الله تبارك وتعالى ، خلق لكلِّ ما خَلَقَ من خلقه ثانياً له مخالفاً في معناه ، فكلّ واحد منهما زوج للآخر

ولذلك قيل : خلقنا زوجين . وإنما نبه جلّ ثناؤه بذلك على قُدرته على خلق ما يشاء خلقه من شيء ، وأنه ليس كالأشياء التي شأنها فعل نوع واحد دون خلافه

إذ كلّ ما صفته فعل نوع واحد دون ما عداه كالنار التي شأنها التسخين ، ولا تصلح للتبريد

وكالثلج الذي شأنه التبريد ، ولا يصلح للتسخين ، فلا يجوز أن يوصف بالكمال ، وإنما كمال المدح للقادر على فعل كلّ ما شاء فعله من الأشياء المختلفة والمتفقة

" انتهى من " تفسير الطبري " (22/439-440) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) أَيْ : جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ أَزْوَاجٌ : سَمَاءٌ وَأَرْضٌ ، وَلَيْلٌ وَنَهَارٌ ، وَشَمْسٌ وَقَمَرٌ ، وَبَرٌّ وَبَحْرٌ ، وَضِيَاءٌ وَظَلَامٌ ، وَإِيمَانٌ وَكُفْرٌ ، وَمَوْتٌ وَحَيَاةٌ ، وَشَقَاءٌ وَسَعَادَةٌ

وَجَنَّةٌ وَنَارٌ ، حَتَّى الْحَيَوَانَاتُ ، جِنٌّ وَإِنْسٌ ، ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ ، وَالنَّبَاتَاتُ ، وَلِهَذَا قَالَ : ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) أَيْ : لِتَعْلَمُوا أَنَّ الْخَالِقَ واحدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (7/ 424) .

وقال القرطبي رحمه الله :

" قوله تَعَالَى : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) : أَيْ صِنْفَيْنِ وَنَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ : أَيْ ذَكَرًا وَأُنْثَى ، وَحُلْوًا وَحَامِضًا وَنَحْوَ ذَلِكَ. وقال مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَالسَّمَاءَ وَالْأَرْضَ

وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَالنُّورَ وَالظَّلَامَ، وَالسَّهْلَ وَالْجَبَلَ، وَالْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وَالْخَيْرَ وَالشَّرَّ،

وَالْبُكْرَةَ وَالْعَشِيَّ، وَكَالْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ الألوان مِنَ الطُّعُومِ وَالْأَرَايِيحِ وَالْأَصْوَاتِ. أَيْ جَعَلْنَا هَذَا كَهَذَا دَلَالَةً عَلَى قُدْرَتِنَا، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا فَلْيَقْدِرْ عَلَى الْإِعَادَةِ"

انتهى من " تفسير القرطبي " (17/53) .

وقال ابن جزي رحمه الله :

" أي نوعين مختلفين ، كالليل والنهار ، والسواد والبياض ، والصحة والمرض وغير ذلك "

انتهى من " تفسير ابن جزي " (2/310) .

وأما قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) الرعد/ 3 .

قال ابن كثير : " أَيْ : مِنْ كُلِّ شَكْلٍ صِنْفَانِ "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (4/431) .

وقال القرطبي :

" بِمَعْنَى صِنْفَيْنِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الزَّوْجُ وَاحِدٌ، وَيَكُونُ اثْنَيْنِ.

وَقِيلَ: مَعْنَى" زَوْجَيْنِ" نَوْعَانِ ، كَالْحُلْوِ وَالْحَامِضِ ، وَالرَّطْبِ وَالْيَابِسِ ، وَالْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ "

انتهى من " تفسير القرطبي " (9/280) .

وقال ابن عطية رحمه الله :

" الزوج في هذه الآية : الصنف والنوع ... ومنه قوله تعالى : ( سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ ) يس/ 36

ومثل هذه الآية : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) ق/ 7 .

وهذه الآية تقتضي أن كل ثمرة فموجود منها نوعان، فإن اتفق أن يوجد في ثمرة أكثر من نوعين فغير ضار في معنى الآية ... ويقال: إن في كل ثمرة ذكراً وأنثى "

انتهى من " تفسير ابن عطية " (3/293) .

وقال تعالى : ( وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) ق/ 7 .

قال ابن كثير : " أَيْ : مِنْ جَمِيعِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَالنَّبَاتِ وَالْأَنْوَاعِ "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (7/ 396) .

وقال السعدي رحمه الله :

" أي : من كل صنف من أصناف النبات ، التي تسر ناظرها ، وتعجب مبصرها ، وتقر عين رامقها ، لأكل بني آدم ، وأكل بهائمهم ومنافعهم "

انتهى من " تفسير السعدي " (ص/804) .

فالزوج : الصنف ، والزوجان الصنفان المتقابلان ، كالحلو والحامض ، والعذب والملح ، فالتفاح صنف ، والبرتقال صنف ، ولكل صنف طعم ولون .

ويمكن أن يكون الزوجان من الصنف الواحد ، كالبرتقال والتفاح والبلح والعنب ، ففيها الذكر والأنثى ، والصغير والكبير ، والأنواع المختلفة اللون والطعم .

وأما قوله تعالى : (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا) النبأ/ 8

فهو كقوله عز وجل : (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ) النحل/ 72

وقوله : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ) فاطر/ 11 ،

وقوله : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ) الشورى/11 .

فالخطاب هنا لبني آدم ، والمعنى : خلقناكم ذكورا وإناثا من جنس واحد ، ليسكن كل منهما إلى الآخر ، فتكون المودة والرحمة ، وتنشأ عنهما الذرية .

" تفسير ابن كثير " (8/302)

" تفسير السعدي " (ص/906) .

والله أعلم .










 


آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-02-16 في 17:59.
قديم 2019-02-16, 18:05   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

القول بأن (ق) جبل محيط بالأرض من خرافات بني إسرائيل

السؤال

ما صحة ما ورد في كتب التفسير في أنّ " قاف " وهو من الحروف المقطعة الوارد ذكرها في القرآن الكريم هو جبل يحيط بجميع الأرض مع علمنا بأنه لا يوجد جبل يحيط بالأرض ؟


الجواب


الحمد لله

القول بأن (ق) جبل يحيط بالأرض قول باطل لا يصح ، وليس في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية ما يدل على وجود هذا الجبل ، فلا يجوز أن ينسب ذلك إلى الدين ولا إلى القرآن الكريم

ولعل هذا القول هو من الإسرائيليات التي توسع بعض الناس في التحدث بها .

والصحيح في تفسير (ق) أنه حرف من الحروف الهجائية كتلك الحروف التي افتتحت بها بعض السور

ولمعرفة المزيد عن الحكمة من هذه الأحرف تنظر الفتوى القادمه

وقد تكلف بعض الناس في دلالة (ق) ما معناه ؟ على أقوال كثيرة ، منها هذا القول الذي ذكره السائل .

قال أبو حيان الأندلسي رحمه الله :

" و ( ق ) حرف هجاء ، وقد اختلف المفسرون في مدلوله على أحد عشر قولا متعارضة ، لا دليل على صحة شيء منها ، فاطرحت نقلها في كتابي هذا "

انتهى من " البحر المحيط " (9/528) .

وقال القرافي رحمه الله - عن هذا القول الذي سأل عنه السائل - :

" وهذا القول باطل ... ومن جهة السّنَّة لم يرد ذلك في شيء علمته ، فلا يجوز اعتقاد ما لا دليل عليه "

انتهى من " اليواقيت في أحكام المواقيت " (ص/83) .

ومما يدل على بطلان هذا القول :

أولا : لو كان هذا الجبل موجودا لأمكن مشاهدته بالعين ، والحس والمشاهدة يشهدان بعدم وجوده

كما قال ذلك القرافي في كتابه " اليواقيت في أحكام المواقيت " (ص/83)

والألوسي في تفسيره " روح المعاني " (25/413) .

ثانيا : جزم بعض العلماء كابن كثير رحمه الله بأن هذا القول هو من خرافات بني إسرائيل .

فقال : " وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا ( ق ) : جبل محيط بجميع الأرض ، يقال له جبل قاف ، وكأن هذا -

والله أعلم - من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس ، لما رأى من جواز الرواية عنهم فيما لا يصدق ولا يكذب . وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم

يُلَبِّسون به على الناس أمر دينهم ، كما افْتُرِي في هذه الأمة - مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها - أحاديثُ عن النبي صلى الله عليه وسلم وما بالعهد من قِدَمٍ ، فكيف بأمة بني إسرائيل مع طول المدى

وقلة الحفاظ النقاد فيهم ، وشربهم الخمور ، وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه

وتبديل كتب الله وآياته ! وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله : ( وحدثوا عن بني إسرائيل ، ولا حرج ) فيما قد يجوزه العقل

فأما فيما تحيله العقول ويحكم عليه بالبطلان ، ويغلب على الظنون كذبه ، فليس من هذا القبيل . والله أعلم .

وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين ، وكذا طائفة كثيرة من الخلف ، من الحكاية عن كتب أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد ، وليس بهم احتياج إلى أخبارهم ، ولله الحمد والمنة " ا

نتهى من " تفسير ابن كثير " (7/394) .

وقال الطاهر بن عاشور رحمه الله :

" ووقع في رواية بعض القصاصين المكذوبة عن ابن عباس أن المراد بقوله : ( ق ) اسم جبل عظيم محيط بالأرض . وفي رواية عنه أنه اسم لكل واحد من جبال سبعة محيطة بالأرضين السبع واحدا وراء واحد

كما أن الأرضين السبع أرض وراء أرض . أي فهو اسم جنس انحصرت أفراده في سبعة ، وأطالوا في وصف ذلك بما أملاه عليهم الخيال المشفوع بقلة التثبت فيما يروونه للإغراب

وذلك من الأوهام المخلوطة ببعض أقوال قدماء المشرقيين ، وبسوء فهم البعض في علم جغرافية الأرض وتخيلهم إياها رقاعا مسطحة ذات تقاسيم يحيط بكل قسم منها ما يفصله عن القسم الآخر من بحار وجبال

وهذا مما ينبغي ترفع العلماء عن الاشتغال بذكره لولا أن كثيرا من المفسرين ذكروه "

انتهى من " التحرير والتنوير " (26/276) .

ثالثا : لو كان (ق) اسم جبل لكتب كاملا كما تكتب الأسماء بثلاثة أحرف هكذا : " قاف " ولم يكتب بحرف هجاء واحد " ق " .

قال الطاهر بن عاشور رحمه الله :

" ومن العجب أن تُفرض هذه الأوهام في تفسير هذا الحرف من القرآن ، ألم يكفهم أنه مكتوب على صورة حروف التهجّي مثل ( الم ) و ( كهيعص ) ولو أريد الجبل الموهوم لكتب (قاف) ثلاثة حروف كما تكتب دوال الأشياء

مثل عين : اسم الجارحة ... فلا يصح أن يدل على هذه الأسماء بحروف التهجّي كما لا يخفى "

انتهى من " التحرير والتنوير " (26/276) .

والله أعلم .









قديم 2019-02-16, 18:07   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

المراد بالحروف المقطعة في القرآن الكريم

السؤال

ما المراد بالآية : (ألم) ، وما شابهها من الآيات الأخرى الواردة في القرآن ؟

وماذا قال العلماء عن تلك الآيات ؟.


الجواب

الحمد لله

" قد توقف في تفسير هذه الآية وغيرها من الحروف المقطعة جمع من العلماء كالخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم وغيرهم من الصحابة والتابعين وأتباعهم

ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسرها فيستحسن أن نقول : الله أعلم بالمراد منها

. ولكن ثبت عن بعض المفسرين من الصحابة والتابعين وأتباعهم أنهم بينوا تفسيرها واختلفوا فيه ..

. أهـ الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور للدكتور/ حكمت بشير ، ج/1 ص/94

والتمس بعض العلماء الحكمة من هذه الحروف فقالوا

: " أنها ذكرت هذه الحروف والله أعلم في أول السور التي ذكرت فيها بياناً لإعجاز القرآن

وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله ، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها

وهذا هو الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وارتضاه أبو الحجاج المزّي رحمه الله . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ."

فتاوى اللجنة الدائمة ج/ 4 ص/144.

: الشيخ محمد صالح المنجد


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









قديم 2019-02-17, 17:32   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



ينفخ إسرافيل في الصور نفخة البعث ، فيكون نبينا صلى الله عليه وسلم أول من يبعث


السؤال

سمعت في إحدى المحاضرات أن إسرافيل سينفخ في الصور ثلاث مرات ، الأولى نفخة الفزع والثانية نفخة الموت ، فيموت الجميع بمن فيهم إسرافيل نفسه ، والثالثة نفخة البعث

وسمعت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم سيكون أول من يُبعث ، لكن أليس من المنطقي أن يُبعث الملك ( إسرافيل ) أولاً لكي ينفخ النفخة الثالثة ؟

أم المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم سيكون أول الخلق بعثاً دون تدخل من إسرافيل ؟


الجواب

الحمد لله

أولا :

قال تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) الزمر/ 68 .

اختلف أهل العلم في النفخ في الصور ، هل هو نفختان ، أم ثلاث ؟ والراجح أنهما نفختان

كما تدل عليه الآية السابقة .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" الصور قرن عظيم ، ينفخ فيه إسرافيل النفخة الأولى للموت والفزع ، والنفخة الثانية للبعث والنشور . هاتان النفختان جاء بهما القرآن الكريم . إحداهما يقال لها : نفخة الصعق

ويقال لها : نفخة الفزع ، وبها يموت الناس ، والثانية نفخة البعث ، وقال جماعة من العلماء : إنها ثلاث : نفخة الفزع ، وقد يفزع الناس فقط ، ثم تأتي بعدها نفخة الموت

ثم نفخة البعث والنشور . والمحفوظ نفختان فقط ، كما دل عليهما كتاب الله العظيم "

انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (4/ 327) .

فإذا أذن الله تعالى بموت الأحياء أمر ملك الصور أن ينفخ فيه ؛ فينفخ نفخة عظيمة تفزع جميع الخلائق فيصعقون منها ويهلكون ، ثم يمكثون على ذلك مدة ، الله أعلم بمقدارها

فتتحلل أجسادهم في هذه المدة ولا يبقى منها إلا عجب الذنب ، وهو العظم المستدير الذي في أصل الظهر ، ثم يرسل الله سحابا فتمطر مطرا فإذا أصاب الماء

هذا العظم نبت منه الجسم كما ينبت النبات ويتركب الخلق من هذا العظم ، ثم ينفخ في الصور نفخة البعث فتعود الأرواح إلى الأجساد ، فيخرجون من القبور سراعا إلى أرض المحشر .

وانظر لمزيد الفائدة الفتوى القادمة

ثانيا :

روى البخاري (3398) - واللفظ له - ومسلم (2374)

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ ، فَلاَ أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ ) .

وروى البخاري (2411) ، ومسلم (2373) - واللفظ له

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللهِ

فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ

قَالَ : ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِث َ، أَوْ فِي أَوَّلِ مَنْ بُعِثَ ، فَإِذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ آخِذٌ بِالْعَرْشِ ، فَلَا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّور ِ، أَوْ بُعِثَ قَبْلِي ) .

وفي رواية للبخاري (2412) : ( النَّاس يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ ... ) .

وقد ذهب بعض أهل العلم أن قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن موسى عليه السلام : ( فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ ) ، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ .

انظر : " شرح النووي على مسلم " (15/131) .

وروى أبو داود (4673) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ ) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " .

وروى البخاري (4439) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنِّي أَوَّلُ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَعْدَ النَّفْخَةِ الْآخِرَةِ ) .

وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

" أول من تنشق عنه الأرض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أول من يفيق من الصعق "

انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى " (3/458) .

يستفاد من هذه الأحاديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من يبعث وتنشق عنه الأرض يوم القيامة من بني آدم ، وأن إسرافيل عليه السلام يكون حيا حينما يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ويقوم من قبره

لأنه ينفخ في الصور ، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم أول من يبعث من أهل الأرض بعد النفخ في الصور .

وحينئذ يكون أمامنا أحد الاحتمالين :

الأول : أن يكون الذي قاله السائل صحيحًا ، وهو أن إسرافيل عليه السلام سيبعث قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، من أجل أن ينفخ في الصور نفخة البعث

ثم بعد هذه النفخة يكون نبينا صلى الله عليه وسلم أول من يبعث . وهذا أحد القولين للعلماء .

قال ابن كثير رحمه الله :

" نَفْخَةُ الصَّعْقِ ، هِيَ الَّتِي يموت بها الأحياء من أهل السموات وَالْأَرْضِ ، إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ

ثُمَّ يَقْبِضُ الله أَرْوَاحَ الْبَاقِينَ ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُ مَنْ يَمُوتُ مَلَكَ الْمَوْتِ ، وَيَنْفَرِدُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي كَانَ أَوَّلًا وَهُوَ الْبَاقِي آخِرًا بِالدَّيْمُومَةِ وَالْبَقَاءِ

ثُمَّ يُحْيِي أَوَّلَ مَنْ يُحْيِي إِسْرَافِيلَ ، وَيَأْمُرُهُ أَنْ يُنْفَخَ فِي الصُّورِ أُخْرَى ، وَهِيَ النَّفْخَةُ الثَّالِثَةُ نَفْخَةُ الْبَعْثِ

قَالَ تَعَالَى : ( ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) "

انتهى بتصرف يسير من " تفسير ابن كثير" (7/116) .

وقد ورد ذلك في حديث طويل معروف عند العلماء بـ ( حديث الصور ) غير أنه حديث ضعيف

ضعفه البيهقي في " شعب الإيمان " (347)

وضعفه ابن كثير في تفسيره عند الآية 73 من سورة الأنعام .

والاحتمال الثاني : أن إسرافيل عليه السلام ممن استثناهم الله تعالى من الموت

قال الله تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) الزمر/ 68 .

انظر " تفسير ابن جرير " (21/330) .

والله أعلم .









قديم 2019-02-17, 17:37   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حقيقة النفخ في الصور

السؤال


ما هو ( الصور ) المذكور في قوله تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) الزمر/68 ، وكيف يكون النفخ فيه ؟.

الجواب


الحمد لله

الصور في لغة العرب هو : القرن ( يشبه البوق ) وقد سئل رسول الله عن الصور ففسره بما تعرفه العرب من كلامها كما في سنن الترمذي ( 3244 ) وغيره عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال

: قال أعرابي : يا رسول الله ما الصور ؟ قال : " قرن ينفخ فيه " وصححه الألباني في الصحيحة ( 1080 )

وأما الذي يَنفُخ فيه : فقد " اشتهر أنه إسرافيل عليه السلام ، ونقل بعض العلماء الإجماع على ذلك ، ووقع التصريح به في بعض الأحاديث " انظر( فتح الباري 11 / 368 )

وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن صاحب الصور مستعد للنفخ فيه منذ أن خلقه الله تعالى كما في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" إن طرف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش ، مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان " وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 1078 ) .

وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن النفخ في الصور يكون مرتين : الأولى يحصل بها الصعق ، والثانية يحصل بها البعث مستدلين

بقوله تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّه ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) الزمر/68 .

وبما ورد في الأحاديث الصحيحة التي ذكرت هاتين النفختين وما يترتب عليهما من آثار فقد روى البخاري ( 4651 ) ومسلم ( 2955 ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

: " ما بين النفختين أربعون . قالوا : يا أبا هريرة أربعون يوما ؟ قال : أبيت قالوا أربعون شهرا ؟

قال : أبيت قالوا : أربعون سنة ؟

قال : أبيت . ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل

. قال : وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة "

قال النووي : ومعنى قول أبي هريرة ( أبيت ) أي أبيت أن أجزم أن المراد أربعون يوماً أو سنة أو شهراً بل الذي أجزم به أنها أربعون مجملة . اهـ .

وفي صحيح مسلم ( 2940 ) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" .. ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا قال :وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله قال فيصعق ويصعق الناس ثم يرسل الله أو قال ينزل الله مطرا كأنه الطل أو الظل ( شك الراوي )

فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون "

وقوله : ( أصغى ليتا ) : أصغى أي أمال ، والليت هو جانب العنق والمعنى فلا يبقى أحد إلا أمال عنقه ، ورفع عنقه ،

وقوله :( يلوط حوض إبله ) : أي يطين ويصلح مجمع الماء الذي تشرب منه إبله

.(شرح النووي على مسلم 18 /76 )

ومن العلماء من قال : إنها ثلاث نفخات وزاد فيها نفخة الفزع وأنها تكون قبل نفخة الصعق ثم تليها نفخة الصعق مستندين على ما ورد

في قوله تعالى : ( وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ) النمل/87

ولكن لا يلزم من ذكر الصعق في آية والفزع في الأخرى أن لا يحصلا معا من النفخة الأولى بل هما متلازمان فإذا نفخ في الصور فزع الناس فزعاً صعقوا منه وماتوا .

واستدلوا أيضاً ببعض الأحاديث التي ورد فيها أن النفخات ثلاث .

لكن الحديث الذي استدلوا به هو حديث الصور الطويل ؛ وهو حديث ضعيف مضطرب كما يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله . والله أعلم . انظر التذكرة للقرطبي ( 184 ) وفتح الباري ( 11 / 369 ) .

فيستفاد مما سبق أن الله تعالى إذا أذن بموت الأحياء أمر ملك الصور أن ينفخ فيه ؛ فينفخ نفخة عظيمة تفزع جميع الخلائق فيصعقون منها ويهلكون

ثم يمكثون على ذلك مدة قدرها أربعين من غير تحديد بسنة أو شهر أو يوم ـ الله أعلم بمقدارها ـ فتتحلل أجسادهم في هذه المدة ولا يبقى منها إلا عجب الذنب وهو العظم المستدير الذي في أصل الظهر

ثم يرسل الله سحابا فتمطر مطرا فإذا أصاب الماء هذا العظم نبت منه الجسم كما ينبت النبات ويتركب الخلق من هذا العظم كما بدأ الله الخلق أول مرة يعيده وهو على كل شيء قدير

ثم ينفخ في الصور نفخة البعث فتعود الأرواح إلى الأجساد فيخرجون من القبور سراعا إلى أرض المحشر نسأل الله رحمته ولطفه .

وبعد فالواجب على المسلم أن يستعد لهذه اللحظات الحاسمة بالمبادرة للأعمال الصالحة ، والمسارعة في الخيرات ، والبعد عن الأمور المنكرة ، و مجانبة السيئات .

وإذا كان أخشى الخلق لله وأتقاهم له يقول

" كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ،

ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينفخ .. "أخرجه الترمذي في السنن(2431 )

وغيره وصححه الألباني في السلسة ( 1079 )

فكيف بحالنا نحن المقصرين الضعفاء ؟! نسأل الله أن يجعلنا ممن لا يحزنهم الفزع الأكبر ، وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون .. آمين .

والله أعلم .

يراجع ( القيامة الكبرى للشيخ عمر الأشقر 33- 42 )

و ( أعلام السنة المنشورة 122 ).









قديم 2019-02-17, 17:42   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

لا تناقض - بحمد الله - بين آيات الكتاب المجيد .

السؤال

هل هناك تناقض بين الآية 155 من سورة البقرة مع الآية الأخيرة من سورة المُلك ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

ليس في كتاب ربنا - بحمده سبحانه - تناقض ، ولو كان فيه تناقض لسارع المنافقون والكافرون بالنيل منه ، ولظفروا منه ببغيتهم

وقد قال الله تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) النساء/ 82 .

قال السعدي رحمه الله :

" يأمر تعالى بتدبر كتابه ، وهو التأمل في معانيه ، وتحديق الفكر فيه ...

ومن فوائد التدبر لكتاب الله : أنه بذلك يصل العبد إلى درجة اليقين والعلم بأنه كلام الله ؛ لأنه يراه يصدق بعضه بعضا ، ويوافق بعضه بعضا . فترى الحكم والقصة والإخبارات تعاد في القرآن في عدة مواضع

كلها متوافقة متصادقة ، لا ينقض بعضها بعضا ، فبذلك يعلم كمال القرآن وأنه من عند من أحاط علمه بجميع الأمور ، فلذلك قال تعالى : ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا )

أي : فلما كان من عند الله لم يكن فيه اختلاف أصلا "

انتهى من " تفسير السعدي " (ص/189) .

ثانيا :

الآية الأولى التي يسأل عنها السائل ، يقول الله عز وجل : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *

الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة/ 155 – 157 .

فيخبر تَعَالَى أَنَّهُ يَبْتَلِي عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ : يَخْتَبِرُهُمْ وَيَمْتَحِنُهُمْ ، فَتَارَةً بِالسَّرَّاءِ ، وَتَارَةً بِالضَّرَّاءِ مِنْ خَوْفٍ وَجُوعٍ ، ( وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ )

أَيْ : ذَهَابُ بَعْضِهَا ( وَالأنْفُسِ ) كَمَوْتِ الْأَصْحَابِ وَالْأَقَارِبِ وَالْأَحْبَابِ ( وَالثَّمَرَاتِ

) أَيْ : لَا تُغِلّ الْحَدَائِقُ وَالْمَزَارِعُ كَعَادَتِهَا . فيَخْتَبِرُ اللَّهُ عِبَادَهُ ، فَمَنْ صَبَرَ أَثَابَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ قَنَطَ أَحَلَّ اللَّهُ بِهِ عِقَابَهُ . وَلِهَذَا قَالَ : ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) .

انظر : " تفسير ابن كثير " (1/467-468) .

وانظر إجابة السؤال القادم

وأما الآية الثانية التي في آخر سورة الملك فيقول الله عز وجل : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ) الملك/ 30 .

فيخبر سبحانه عن انفراده بالنعم ، لاسيما هذه النعمة العظيمة

وهي نعمة الماء فقال : ( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا )

أي : غائرا ذاهبا في الأرض إلى أسفل . ( فمن يأتيكم بماء معين ) تشربون منه ، وتسقون أنعامكم وأشجاركم وزروعكم ؟ وهذا استفهام بمعنى النفي ، أي : لا يقدر أحد على ذلك غير الله تعالى .

انظر : " تفسير ابن كثير " (8/183)

" تفسير السعدي " (ص/878) .

وبعد معرفة تفسير الآيتين يتبين أنه لا تناقض بينهما ، فإن الآية الأولى تتحدث عما يقدره الله تعالى من البلاء على عباده ، ليعلم الشاكر والصابر منهم من القانط اليائس ، فيجازي كلا بما عمل .

والآية الثانية تتحدث عن حاجة العباد إلى الله ، وأنهم لا يمكنهم الاستغناء عنه في أي شيء من أمورهم

حتى هذا الماء الذي يحصل عليه كل أحد وهو في متناول الجميع صغيرا وكبيرا إذا أغاره الله في الأرض

لم يقدر على استخراجه أحد ، ولو اجتمع الجن والإنس ؛ لأنه نعمة من الله ونعم الله لا يملكها أحد غيره .

والله أعلم .









قديم 2019-02-17, 17:46   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قوله تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ .. )

السؤال

نسأل على تفسير الاية( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص ‏من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين [البقرة:155]


الجواب

الحمد لله

يقول الله تعالى في سورة البقرة : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *

أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة/ 155 – 157

فيخبر سبحانه أنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن ، ليتبين الصادق من الكاذب ، والجازع من الصابر

وهذه سنته تعالى في عباده ، كما قال سبحانه : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) محمد/ 31 ، وقال عز وجل : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) [الملك/ 2

فتارة بالسراء ، وتارة بالضراء من خوف وجوع ؛ فإن الجائع والخائف كل منهما يظهر ذلك عليه

قال تعالى : ( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ )

أي : بقليل من ذلك ؛ لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله ، أو الجوع ، لهلكوا ، والمحن تمحص لا تهلك .

( وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ ) أي : ويبتليهم أيضا بذهاب بعض أموالهم ، وهذا يشمل جميع النقص المعتري للأموال من جوائح سماوية ، وغرق ، وضياع ، وأخذ الظلمة للأموال من الملوك الظلمة ، وقطاع الطريق وغير ذلك .

( وَالأنْفُسِ ) أي : ذهاب الأحباب من الأولاد ، والأقارب ، والأصحاب ، ومن أنواع الأمراض في بدن العبد ، أو بدن من يحبه ، ( وَالثَّمَرَاتِ ) أي : الحبوب وثمار النخيل والأشجار كلها والخضر ، ببرد

أو حرق ، أو آفة سماوية من جراد ونحوه .

فهذه الأمور، لا بد أن تقع ، لأن العليم الخبير أخبر بها ، فإذا وقعت انقسم الناس قسمين : جازعين وصابرين ، فالجازع ، حصلت له المصيبتان ، فوات المحبوب بحصول هذه المصيبة

وفوات ما هو أعظم منها ، وهو الأجر بامتثال أمر الله بالصبر ، فرجع بالخسارة والحرمان ، ونقص ما معه من الإيمان ، وفاته الصبر والرضا والشكران ، وحصل له السخط الدال على شدة النقصان .

وأما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب ، فحبس نفسه عن التسخط قولا وفعلا

واحتسب أجرها عند الله ، وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له ، فهذا قد صارت المصيبة نعمة في حقه

فلهذا قال تعالى : ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) أي : بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب .

ثم وصف الله الصابرين بقوله : ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ) وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره .
( قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ ) أي : مملوكون لله ، مدبرون تحت أمره وتصريفه

فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء ، فإذا ابتلانا بشيء منها فقد تصرف أرحم الراحمين بمماليكه وأموالهم

فلا اعتراض عليه ، بل من كمال عبودية العبد علمه بأن وقوع البلية من المالك الحكيم ، الذي هو أرحم بعبده من نفسه ، فيوجب له ذلك الرضا عن الله ، والشكر له على تدبيره ، لما هو خير لعبده ، وإن لم يشعر بذلك .

ومع أننا مملوكون لله : فإنا إليه راجعون يوم المعاد

ليجازي كل عامل بعمله ، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده ، وإن جزعنا وسخطنا ، لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر ، فكون العبد لله ، وراجع إليه ، من أقوى أسباب الصبر .

( أُولَئِكَ ) الموصوفون بالصبر المذكور ( عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ) أي : ثناء وتنويه بحالهم ( وَرَحْمَةٌ ) عظيمة ، ومن رحمته إياهم ، أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر ،

( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) الذين عرفوا الحق : وهو في هذا الموضع علمهم بأنهم لله ، وأنهم إليه راجعون ، وعملوا به : وهو هنا صبرهم لله .

ودلت هذه الآية على أن من لم يصبر فله ضد ما لهم ، فحصل له الذم من الله والعقوبة والضلال والخسار ، فما أعظم الفرق بين الفريقين وما أقل تعب الصابرين ، وأعظم عناء الجازعين

فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها ، لتخف وتسهل إذا وقعت ، وبيان ما تقابل به إذا وقعت ، وهو الصبر

وبيان ما يعين على الصبر ، وما للصابر من الأجر ، ويعلم حال غير الصابر بضد حال الصابر .

وأن هذا الابتلاء والامتحان سنة الله التي قد خلت ، ولن تجد لسنة الله تبديلا .

وقد هون الله على عباده شأن المصائب

بما وعد من البشارة الصالحة والوعد الحسن في قوله : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10] ، قال الأوزاعي : ليس يوزن لهم ولا يكال ، إنما يغرف لهم غرفا

. "تفسير ابن كثير" (7 /89)

هذا في الآخرة ، وفي الدنيا : فروى مسلم (918) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (

مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا )

وقال تعالى : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) الحديد/ 22، 23

وهذا من أعظم السلوى ؛ فإن العبد إذا علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأنه لو قدر شيء لكان ، استكانت نفسه .

وقال عكرمة : " ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ، ولكن اجعلوا الفَرَح شكرًا والحزن صبرًا "

انتهى من"تفسير ابن كثير" (8 /27)

وراجع :

"تفسير الطبري" (3 /219])

"الجامع لأحكام القرآن" (2 /174)

"تفسير ابن كثير" (1 /467)

"تفسير السعدي" (ص 75)

والله أعلم .









قديم 2019-02-17, 17:54   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شبهات تثار حول الطوفان الذي كان في زمن نوح عليه السلام

السؤال

لطالما أرَّقني هذا السؤال ، بل وأرَّق على الأرجح معظم الشباب ، ولم نجد إلى الآن من يُجيب عنه إجابة مقبولة على المستوى الفكري ، ولم نستطع فهمه ولا استيعابه

وأصبح البعض ينظر إلى الدين على أنه مجموعة قصص خيالية لا حقائق . السؤال ببساطة هو :

هل كان فيضان نبي الله نوح عليه السلام عالمياً شاملاً ، هلك فيه جميع من في الأرض ، أم محليا ؟

فإن كان عالمياً فكيف استطاعت كل الحيوانات التكدس في سفينة واحدة ؟

معنى ذلك أن السفينة كان لا بد أن يكون حجمها على الأقل مئات الكيلو مترات المربعة ، وهذا بالطبع مستحيل لأنه لا يمكن بناء سفينة خشبية ، أو غير خشبية ، بهذه الصورة

ولكن دعونا نفترض أنها كانت ممكنة الحدوث فكيف إذا استطاعت الحيوانات أن تختار وجهتها فهذه إلى استراليا وهذه إلى أمريكا ، وبالخصوص تلك الحيوانات النادرة التي لا توجد إلا في مكان واحد

كالكنغر مثلاً في استراليا ؟ لا يبدوا الأمر منطقياً على الإطلاق ! أمّا إن قيل إن الحيوانات كلها بدأت من نقطة واحدة فكيف نفسر عندئذ هذا التنوع العجيب في مملكة الحيوان

واختصاص كل قارة بحيوانات لا توجد في غيرها من القارات . والأهم من هذا كله : هل كان هناك على الأرض ماء كاف لتغطية الأرض كلها وإحداث هذا الفيضان العظيم ؟

! وان قيل إنه كان فيضاناً محلياً ، فسنقول إن هذا يعارض ظاهر القرآن ، لأن السياق القرآني يوحي بأنه كان فيضاناً كونياً والدليل على ذلك أن كل الجبال بما في ذلك الجبال الشاهقة كانت تحت الماء (بالإشارة إلى قصة بن نوح)

وقد مات كل كافر على الأرض آنذاك..الخ . فأرجو منكم التوضيح

وأسأل الله أن يعفو عني لجهلي وزللي وأن يهديني إلى الحق .


الجواب

الحمد لله

أولاً :

من الإنصاف للحقيقة أن يعلم الناظر والباحث

أن العالم إذا ألف كتابا واحتوى علما كثيرا ثم بعد ذلك اطلعوا على مكان واحد من كتابه يصعب على الفهم

فالمتعارف عليه عند جميع العقلاء

والذي تقتضيه الموضوعية العلمية أنّ هذا الكتاب لا يُطعن فيه ، ولا يُطرح جميع ما فيه من علم ، بمجرد وجود هذه الصعوبة ، بل عليه أن يستعمل الأدوات المناسبة لفهم ما يشكل عليه ، وحل معضلات الكلام .

وهذا في كلام البشر ؛ فكيف بكتاب مثل " كتاب الله " جل جلاله ، وقد مر عليه من القرون ما مر ، وآمن به من العقلاء من آمن ، وعاداه من البشر من عاداه

وسعوا إلى الطعن فيه بكل سبيل ؛ فلم يستطيعوا أن يأتوا فيه بطائل ؛ بل يضطر المنصفون منهم إلى الإقرار بفضل هذا الكتاب ، وعظيم شأنه

ومنهم من شرح الله صدره للإيمان به ، بعدما جهد طويلا ليطعن فيه !!

ثانياً :

القصص في القرآن : جاءت لمقاصد إيمانية ودعوية أشار القرآن إليها بوضوح منها :

1- تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم وقلوب المؤمنين عند الشدائد :

قال الله تعالى : ( وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) هود/ 120 .

2- للتدليل على أن هذا القرآن من الله تعالى المحيط بكل شيء علما ، والعالم بما كان وبما سيكون

كما قال الله تعالى بعد ذكره لقصة نوح عليه السلام :

( تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ) هود / 49 .

فالقرآن يذكر من الحادثة ما يحقق المقصود الدعوي والإيماني منها ، كما نرى في قصة نوح عليه السلام مع قومه ، فقد كان التركيز على جهد نوح في دعوته

وبيان مدى إعراض قومه عن الحق ، ثم بيّن الله العقاب الذي لحق هؤلاء القوم المعرضين عن الحق

وذكر لنا من صفات هذا العقاب ما نستطيع أن نأخذ منه صورة عامة لهوله ، أما باقي تفصيلاته التي لا تفيدنا فلم يتعرض لها القرآن .

قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :

" ففي القرآن الكريم أشياء كثيرة لم يبيِّنها الله لنا ولا رسوله ، ولم يثبت في بيانها شيء ، والبحث عنها لا طائل تحته ولا فائدة فيه .

وكثيرٌ من المفسرين يطنبون في ذكر الأقوال فيها بدون علم ولا جدوى ، ونحن نُعرض عن مثل ذلك دائماً ، كلون كلب أصحاب الكهف ، واسمه ، وكالبعض الذي ضرب به القتيل من بقرة بني إسرائيل

وكاسم الغلام الذي قتله الخضر ، وأنكر عليه موسى قتله ، وكخشب سفينة نوح من أي شجر هو

وكم طول السفينة وعرضها ، وكم فيها من الطبقات ، إلى غير ذلك مما لا فائدة في البحث عنه ، ولا دليل على التحقيق فيه "

انتهى من " أضواء البيان " (4/58) .

فالأولى أن نترك التدقيق في المعلومات التي لم يذكرها القرآن ولا السنة عن هذا الطوفان وذلك لسببين :

1- عدم وجود الفائدة من ذلك التدقيق ، فلو كان فيه فائدة لأخبرنا به القرآن أو السنة .

2- أن الأسانيد العلمية ، والأدلة التاريخية : لن توصلنا إلى نتيجة قطعية في مثل ذلك ؛ لأن واقع الحياة وتفاصيلها في ذلك الزمن البعيد جدا : مجهولة للإنسان

وما يذكره العلم الحديث عن تلك الأزمان البعيدة في القدم : ليس كله من الحقائق العلمية المطلقة ، بل كثير منه هو نظريات وتفسيرات علمية ، قابلة للتغير والتخطئة والإبطال .

ثالثاً :

ظاهر النصوص القرآنية والذي عليه المفسرون أنه عمّ الأرض ، وصرح القرآن أيضا أنّ قوم نوح قد عمّهم الطوفان بماء هائل ، ولم ينج منهم إلا من ركب مع نوح في السفينة

والبشرية اليوم هي من نسل نوح عليه السلام ، فهذا الذي يشير إليه القرآن

أما كيف تمّ جمع هذه الحيوانات ، وكم طول السفينة ، وكم كانت كمية الماء وإلى أي مدى بالضبط وصل ؛ فلا يوجد نص قاطع من قرآن أو سنة على ذلك ، فلا نشغل بها أنفسنا .

قال الطاهر ابن عاشور رحمه الله :

" وعموم الطوفان هو مقتضى ظواهر الكتاب والسنة "

انتهى من " التحرير والتنوير " (23/131) .

ولمزيد الفائدة طالع الفتوى القادمة









قديم 2019-02-17, 17:55   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي



والقرآن الكريم لم يخبر أن جميع الحيوانات التي كانت على ظهر الأرض يومئذ ، كانت معه في السفينة ، وإنما كان معه من كل صنف منها زوجان اثنان .

قال الله تعالى : ( قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) هود/40 .

قال الشوكاني رحمه الله - في تفسير هذه الآية - :

" أي : قلنا يا نوح ، احمل في السفينة من كلّ زوجين ، مما في الأرض من الحيوانات : اثنين ؛ ذكرا ، وأنثى "

انتهى من " فتح القدير " (2/ 565) .

فنوح عليه السلام لم يحمل جميع الحيوانات ، وإنما حمل من كل نوع منها اثنين ، ذكرا وأنثى ؛ ليحصل التوالد والنسل منهما بعد ذلك .

والحيوانات الكبيرة الحجم ليست بالكثيرة جدا في عالم الحيوان ، وعدد مثل هذا لا يحتاج إلى سفينة تصل إلى مئات الكيلومترات كما ذكر في السؤال .

ثم من قال ، وبأي دليل يقول : إن جميع الحيوانات التي يعرفها الناس اليوم ، الكبير منها والصغير

كانت موجودة على ظهر الأرض في زمن الطوفان ، ليركب من كل من صنف منها : زوجان في تلك السفينة ، التي يفترض أنها لن تسع ذلك كله ؟!

وبأي دليل يمنع المانع من أن يكون الله تعالى قد خلق من الكائنات الحية ، ما خلق ، وأوجدها على ظهر الأرض ، بعد زمن الطوفان ، لا قبله ؟!

إن من يستشكل ذلك : يجب أولا أن يكون عنده تصور عن طبيعة الحياة في ذلك العصر ، ومدى التنوع الحيواني وأماكن انتشار الحيوانات ...الخ

وهذا كله لا نملك عنه معلومات قاطعة وهي واقعة خارج التاريخ المعلوم للإنسان ، فالله وحده أعلم به .

رابعاً :

أما كيف كان في بلاد كذا من الحيوان ما لا يوجد في غيره ؟ وكيف توجه حيوان كذا إلى بلد ، دون غيره ... ؟

فجوابه سهل ميسور ؛ ألم تعلم أن الله تعالى خلق كل كائن حي ، وهداه إلى منافعه وما يصلح شأنه ؟!

فاستمع ـ يا عبد الله ـ إلى هذا الحوار الذي دار بين نبي الله موسى ، وعدو الله الجاحد : فرعون : ( قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى *

قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى *

قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى *

مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى * وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى ) طه/49-56 .

فتأمل كيف دله موسى عليه السلام إلى أن الله جمع بين خلق الخلق ، وبين هدايته لما ينفعه ويصلح له شأنه .

وتأمل ، كيف دله ونبهه على آيات الخلق والإعادة بما حوله من أمر الكون ، والخلق ، والحياة والموت ، وتمهيد الأرض ، وإحيائها بالمطر ، ونبات الزرع منها !!

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :

" أي : ربنا الذي خلق جميع المخلوقات ، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به ، الدال على حسن صنعه من خلقه ، من كبر الجسم وصغره وتوسطه ، وجميع صفاته

( ثُمَّ هَدَى ) كل مخلوق إلى ما خلقه له ، وهذه الهداية العامة المشاهدة في جميع المخلوقات ، فكل مخلوق تجده يسعى لما خلق له من المنافع

وفي دفع المضار عنه ، حتى إن الله تعالى أعطى الحيوان البهيم من العقل ، ما يتمكن به من ذلك "

انتهى من " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " (ص/590) .

ثم إن في عالمنا المشاهد اليوم بعض الحيوانات تهاجر المسافات الطويلة وتعود إلى أماكنها ولا تخطئها

وبدراسة قريبة الغور لعالم الأسماك ، وعالم الطيور ، وعالم الحيوان كله : تقف من ذلك على ما يذهل العقل ، ويحير اللبيب ، ويدل الفطن على قدرة اللطيف الخبير !!

كيف تتعرف هذه الحيوانات على الطريق الصحيح لرحلاتها ، وكيف تنتبه للتوقيت المناسب للرحلة ؛ وكيف ، وكيف ؟!
الباحثون حاولوا الإجابة على هذه الأسئلة ؟

لكنّ الله أعطانا الجواب من قبل فقال تعالى : ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) طه/50 .

ونعود ونذكر بما قلناه سابقا :

من أدرانا أن الله لم يخلق ما شاء من خلقه ، في زمان معين ، ومكان معين : ابتداء ؟!

ومن أين لنا العلم أن الله تعالى كان قد خلق جميع الكائنات الحية ، قبل طوفان نوح عليه السلام ؟!

ثمّ هذه القصة التي أشكلت عليك ، هي نفسها من الأدلة الواضحة على عظمة القرآن وأنه منزّل من الله تعالى

وليس من قول البشر ، راجع مثلا كتاب موريس بوكاي " القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم "

وكلامه عن موضوع الطوفان في القرآن الكريم .

والله أعلم .









قديم 2019-02-17, 17:57   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل غرق جميع من على الأرض بعد الطوفان العظيم زمن نوح عليه السلام؟

السؤال


هل غرق جميع من في الأرض - عدا من كان مع نوح - على ظهر السفينة عندما أرسل الله الطوفان ؟

وهل كل مَن في الأرض الآن يعتبرون مِن نسل مَن كان في السفينة ؟


الجواب


الحمد لله


يدل صريح القرآن الكريم على أن جميع من على الأرض أغرقوا بالطوفان ، ولم ينج من البشر ولا من الحيوان إلا مَن حمله نوح عليه السلام معه في السفينة .

قال الله تعالى : (فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ) الشعراء/119-120 .

وقال عز وجل : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) هود/40 .

وقال تعالى : (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) يونس/73 .

كما جاء النص في القرآن الكريم على أن الأرض إنما عمرت بعد ذلك من نسل ذرية نوح عليه السلام فقط ، وأما المؤمنون الذين نجوا معه في السفينة فلم تبق لهم ذرية ، فجميع أهل الأرض الآن من ذرية نوح عليه السلام .

قال الله تعالى : (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ .

وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ . وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ . سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ . إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) الصافات/77-81 .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : لم تبق إلا ذرية نوح عليه السلام .

وقال قتادة في قوله : (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) قال : الناس كلهم من ذرية نوح عليه السلام .

"تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (7/22) .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

"وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة :

فعن ابن عباس رضي الله عنهما : كانوا ثمانين نفسا معهم نساؤهم . وعن كعب الأحبار : كانوا اثنين وسبعين نفسا ، وقيل : كانوا عشرة .

قال جماعة من المفسرين : ارتفع الماء على أعلى جبل بالأرض خمسة عشر ذراعا ، وهو الذي عند أهل الكتاب

وقيل : ثمانين ذراعا ، وعَمَّ جميع الأرض طولها والعرض ، سهلها وحزنها وجبالها وقفارها ورمالها ولم يبق على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف ، ولا صغير ولا كبير .

قال الإمام مالك عن زيد بن أسلم : كان أهل ذلك الزمان قد ملؤوا السهل والجبل .

فإن الله لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلا ولا عقبا سوى نوح عليه السلام .

قال تعالى : (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) فكل من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم ينسبون إلى أولاد نوح الثلاثة ، وهم : سام وحام ويافث" انتهى باختصار .

"البداية والنهاية" (1/111-114) .

وقال العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :

" ضمير الفصل في قوله : ( هُمُ الْبَاقِينَ ) للحصر ، أي : لم يبق أحد من الناس إلا من نجاه الله مع نوح في السفينة من ذريته ، ثم من تناسل منهم ، فلم يبق من أبناء آدم غير ذرية نوح

فجميع الأمم من ذرية أولاد نوح الثلاثة ، وظاهر هذا أن من آمن مع نوح غير أبنائه لم يكن لهم نسل . قال ابن عباس : لما خرج نوح من السفينة مات من معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءه

. وبذلك يندفع التعارض بين هذه الآية وبين قوله في سورة هود :

( قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ) هود/40

وهذا جار على أن الطوفان قد عم الأرض كلها ، واستأصل جميع البشر ، إلا من حملهم نوح في السفينة" انتهى .

"التحرير والتنوير" (23/47) .

وأما قوله سبحانه وتعالى : ( ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ) الإسراء/3

. وقوله عز وجل : (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) مريم/58.

فلا يدل على استمرار نسل المؤمنين الذين حملهم نوح عليه السلام معه ، بل المقصود أبناء نوح عليه السلام الذين استمر نسلهم دون باقي المؤمنين .

قال العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله : "قوله تعالى : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) ، بين أن ذرية من حمل من نوح لم يبق منها إلا ذرية نوح في قوله : (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ)" انتهى .

"أضواء البيان" (3/13) .

والله أعلم .









قديم 2019-02-17, 18:01   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل نزل بعد قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) تشريعات وأحكام في الحلال والحرام ؟

السؤال

ذكر الله في سورة المائدة أنه أكمل الدين ، فهل هناك أحكام أو تشريعات نزلت بعد ذلك ؟


الجواب

الحمد لله

قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) المائدة/3 .

فاختلف أهل العلم في تفسير قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) على خمسة أقوال ، قال ابن الجوزي رحمه الله :
" وفي معنى إكمال الدين خمسة أقوال :

أحدها : أنه إكمال فرائضه وحدوده ، ولم ينزل بعد هذه الآية تحليل ولا تحريم ، قاله السدي ، فعلى هذا يكون المعنى : اليوم أكملت لكم شرائع دينكم .

والثاني : أنه بنفي المشركين عن البيت ، فلم يحج معهم مشرك عامئذ ، قاله سعيد بن جبير ، وقتادة .

وقال الشعبي : كمال الدين هاهنا : عزه وظهوره ، وذل الشرك ودروسه

لا تكامل الفرائض والسنن ، لأنها لم تزل تنزل إلى أن قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعلى هذا يكون المعنى : اليوم أكملت لكم نصر دينكم .

والثالث : أنه رفع النسخ عنه ، وأما الفرائض فلم تزل تنزل عليه حتى قبض ، روي عن ابن جبير أيضا .

والرابع : أنه زوال الخوف من العدو ، والظهور عليهم ، قاله الزجاج .

والخامس : أنه أمن هذه الشريعة من أن تنسخ بأخرى بعدها ، كما نسخ بها ما تقدمها "

انتهى من " زاد المسير " (1/513-514) .

والراجح أن المراد من كمال الدّين في الآية : كمال أصوله ، وقواعد الأخلاق ، وكليّات الشرع

، كما ذكرنا في جواب السؤال القادم

وعلى ذلك : فليس في الآية دليل على أنه لم ينزل بعدها تحليل ولا تحريم ، بل دل الدليل على خلاف ذلك ، وأنه قد نزل بعد هذه الآية أمور من الحلال والحرام :

- روى البخاري (4605) ، ومسلم (1618) عن البَرَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : " آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةَ ، وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكَلاَلَةِ ) النساء/176 .

وهذا يعني أن بعض أحكام المواريث كان من آخر ما نزل من القرآن ، وهو آخر ما نزل في قول البراء رضي الله عنه .
- ومثل ذلك ما روى أحمد (246) عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : قَالَ عُمَرُ

: " إِنَّ آخِرَ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ آيَةُ الرِّبَا "وحسنه محققو المسند .

- وروى البخاري (4544) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ :

" آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةُ الرِّبَا " .

- وروى أبو عبيد في " فضائل القرآن " (ص/369) عن ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : " آخِرُ الْقُرْآنِ عَهْدًا بِالْعَرْشِ آيَةُ الرِّبَا وَآيَةُ الدَّيْنِ " .

وقال الطبري رحمه الله بعد أن ذكر كلام السلف في تفسير الآية :

" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، أن يقال : إن الله عز وجل أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به

أنه أكمل لهم يوم أنزل هذه الآية على نبيه دينَهم ، بإفرادهم بالبلدَ الحرام وإجلائه عنه المشركين ، حتى حجَّه المسلمون دونهم لا يخالطهم المشركون .

فأما الفرائض والأحكام ، فإنه قد اختلف فيها : هل كانت أكملت ذلك اليوم ، أم لا ؟ فروي عن ابن عباس والسدّي ما ذكرنا عنهما قبل .

وروي عن البراء بن عازب أن آخر آية نزلت من القرآن : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ )

ولا يدفع ذو علم أن الوحي لم ينقطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قُبِض ، بل كان الوحي قبل وفاته أكثر ما كان تتابعًا .

فإذ كان ذلك كذلك ، وكان قوله : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ) آخرَها نزولا ، وكان ذلك من الأحكام والفرائض

كان معلومًا أن معنى قوله : ( اليوم أكملت لكم دينكم ) ، على خلاف الوجه الذي تأوَّله من تأوَّله – أعني : كمال العبادات والأحكام والفرائض "

انتهى من "تفسير الطبري" (9/ 520).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ ( الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ ) ظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أُمُورَ الدِّينِ كَمُلَتْ عِنْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ ، وَهِيَ قَبْلَ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ ثَمَانِينَ يَوْمًا ، فَعَلَى هَذَا لَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ شَيْءٌ ، وَفِيهِ نَظَرٌ

وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِكْمَالِ مَا يَتَعَلَّقُ بِأُصُولِ الْأَرْكَانِ لَا مَا يَتَفَرَّعُ عَنْهَا "

انتهى من " فتح الباري " (13/246) .

وينظر : " تفسير ابن عطية " (2/ 154)

" أحكام القرآن " لابن العربي (2/ 40-41) .

والله أعلم .









آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-02-17 في 18:02.
قديم 2019-02-17, 18:04   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

كيف الجمع بين تمام الدين في قوله تعالى : ( الْيَوْم أَكْمَلْتُ لَكُم دينَكُم ) واختلاف العلماء ؟

السؤال

الحمد لله ، أنا مسلم ، ولله الفضل والمنَّة ، ولكن أشكلت عليَّ آية في كتاب الله العزيز ، وهي (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُم دينَكُم) فإذا كان الدّين كاملاً - وهو كذلك -

فكيف نجمع بين هذه الآية وبين خلاف العلماء في مسائل كثيرة ؟ .


الجواب

الحمد لله

أولاً :

ليس هناك تعارض بين كمال الشريعة ، وما يوجد من اختلاف بين علماء الإسلام ؛ وذلك إذا عُرف المراد من كمال الدّين في الآية ، وكماله هو : أصول الدّين ، وقواعد الأخلاق ، وكليّات الشرع

أما المسائل الجزئية فهي متجددة ولا نهاية لها ، ولهذا لم يأت النص من الشرع على حكمها

وإنما يجتهد العلماء في إدخالها في تلك القواعد العامة ، أو الاستدلال لها بمختلف الأدلة ، كالقياس وغيره ، ومن هنا جاء اختلاف العلماء .

قال الشاطبي رحمه الله - في بيان معنى الآية - :

"المراد : كلياتها ، فلم يبقَ للدّين قاعدة يحتاج إليها في الضروريات ، والحاجيات ، أو التكميليات ، إلا وقد بُينت غاية البيان .

نعم ، يبقى تنزيل الجزئيات على تلك الكليات موكولاً إلى نظر المجتهد ؛ فإن قاعدة الاجتهاد أيضاً ثابتة في الكتاب والسنّة ، فلا بد من إعمالها ، ولا يسع الناس تركها ..

. ولا يوجد ذلك إلا فيما لا نص فيه ، ولو كان المراد بالآية الكمال بحسب تحصيل الجزئيات بالفعل :

فالجزئيات لا نهاية لها ، فلا تنحصر بمرسوم ، وقد نص العلماء على هذا المعنى ، فإنما المراد : الكمال بحسب ما يحتاج إليه من القواعد ، التي يجري عليها ما لا نهاية له من النوازل" انتهى .

"الاعتصام" (1/507) .

وقال ابن القيم رحمه الله :

"فقد بيَّن الله سبحانه على لسان رسوله بكلامه ، وكلام رسوله : جميع ما أمره به

وجميع ما نهى عنه ، وجميع ما أحله ، وجميع ما حرمه ، وجميع ما عفا عنه , وبهذا يكون دينُه كاملا كما قال تعالى : (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُم دينَكُم وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُم نعْمَتي)" انتهى .

"إعلام الموقعين" (1/332) .

ثانياً:

كمال الدّين ، وتمامه ، لا يمنع من الاختلاف في فهم آية ، أو سبب نزولها ، أو صحة حديث ، أو فهمه على وجهه الصحيح ؛ فليس العلماء على درجة واحدة من العلم

فقد يخفى على واحد منهم ما علمه غيره ، وقد يَفهم من النصوص ما لا يفهمه غيره عندما يختفي عليه الدليل الواضح ، وهذا كله لا يتعارض مع تمام الدين

بل هو محاولة من المجتهد للوصول إلى حكم الله ، فيما لم يأت نص بحكمه ، ونظراً لاختلاف الناس في الفهم والعلم فقد وقع الخلاف بينهم في حكم كثير من الجزئيات .

قال ابن القيم رحمه الله – متمماً كلامه السابق نقله عنه - :

"ولكن قد يقصر فَهم أكثر الناس عن فَهم ما دلّت عليه النصوص ، وعن وجه الدلالة ، وموقعها ، وتفاوت الأمّة في مراتب الفهم عن الله ورسوله : لا يحصيه إلا الله

ولو كانت الأفهام متساوية : لتساوت أقدام العلماء في العلم ، ولما خص سبحانه سليمان بفهم الحكومة في الحرث ، وقد أثنى عليه ، وعلى داود بالعلم ، والحكم

وقد قال عمر لأبي موسى في كتابه إليه " الفهم ، الفهم فيما أدلي إليك "

وقال علي : " إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه "

وقال أبو سعيد : " كان أبو بكر أعلمَنا برسول الله صلى الله عليه وسلم " ، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس أن (يفقهه في الدّين ويعلمه التأويل)" انتهى .

"إعلام الموقعين" (1/332) .

وبهذا يعلم أن اختلاف العلماء لا ينافي كمال الدين .

ومن تأمل أسباب اختلاف العلماء : لم يجد فيها سبباً واحداً مرجعه إلى الشرع ذاته ، فالتعارض بين الأدلة ليس موجوداً على الحقيقة في نصوص الشرع

بل فقط في نظر المجتهد ، وخفاء الأدلة ، وعدم العلم بها

أو عدم فهمهما على وجهها : وكل ذلك يؤكد ما قلناه من أن الشريعة كاملة تامّة وإنما يبحث كل مجتهد بما وهبه الله من علم وفهم : لمعرفة الحكم المطابق لمراد الله تعالى في نصوص الوحي .

والله أعلم









قديم 2019-02-17, 18:14   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

يسأل عن الزمان ، وهل هو مخلوق ؟

وهل يوجد في الجنة ؟

وهل يفنى الزمان ؟


السؤال

ما هو المقصود من الزمان في الشرع ؟

وهل الزمان مخلوق من المخلوقات؟

وهل يوجد مكان لا تجد فيها الزمان؟

وهل يوجد الزمان في الجنة؟

وهل يفني الزمان؟

هذه الأسئلة منذ زمان تدور في ذهني ، لما قرأت تفسير سورة العصر .

الجواب

الحمد لله

أولا :

قال الله عز وجل :

( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )

قال ابن كثير رحمه الله :

" الْعَصْرُ : الزَّمَانُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ حَرَكَاتُ بَنِي آدَمَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ ، وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ :
هُوَ الْعَشِيُّ ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (8/ 457).

وقال ابن عثيمين رحمه الله :

" (والعصر) قيل : إن المراد به آخر النهار ؛ لأن آخر النهار أفضله ، وصلاة العصر تسمى الصلاة الوسطى ، أي : الفضلى كما سماها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك .

وقيل : إن العصر هو الزمان . وهذا هو الأصح ؛ أقسم الله به لما يقع فيه من اختلاف الأحوال ، وتقلبات الأمور، ومداولة الأيام بين الناس ، وغير ذلك مما هو مشاهد في الحاضر

ومتحدث عنه في الغائب ، فالعصر هو الزمان الذي يعيشه الخلق ، وتختلف أوقاته شدة ورخاء ، وحرباً وسلماً ، وصحة ومرضاً ، وعملاً صالحاً وعملاً سيئاً

إلى غير ذلك مما هو معلوم للجميع . أقسم الله به على قوله: (إن الإنسان لفي خسر) "

انتهى من "تفسير العثيمين" (ص 307) بترقيم الشاملة.

فالمقصود بالزمان هو المقدار الذي تقع فيه أعمال الناس ، وحركاتهم ، وجملة ذلك : هو عمرهم في هذه الحياة الدنيا .

ثانيا :

هذا الزمان هو من مخلوقات الله ؛ لأن الله تعالى خالق كل شيء ، فهو خالق الزمان وخالق المكان .

روى البخاري (4826) ، ومسلم (2246) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ ( بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ الزَّمَانُ ، فَإِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، وَالزَّمَانُ هُوَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ؛ فَدَلَّ نَفْسُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ يُقَلِّبُ الزَّمَانَ وَيُصَرِّفُهُ

كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ *

يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) ...

وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِخَلْقِهِ الزَّمَانَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ: (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) وَقَوْلِهِ: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ... وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الَّتِي تُبَيِّنُ أَنَّهُ خَالِقُ الزَّمَانِ "

انتهى باختصار من "مجموع الفتاوى" (2/ 491-50).

وانظر جواب السؤالين القادمين

ثالثا :

لا يوجد في الدنيا مكان ليس فيه زمان ، بل ولا يتصور ذلك أيضا ، فالزمان والمكان متلازمان ، فالزمان هو مدة وجود هذا الخلق ، والمكان هو الحيز الذي تشغله المخلوقات حين وجودها ؛ فإذا لم تشغل حيزا ـ مكانا

فهذا معناه أنها : فنيت ، ولم تعد موجودة ، وكذلك إذا لم يجر عليها الزمان ؛ فهذا معناه أنها لم توجد أصلا .

قال شيخ الإسلام :

" لَا يَتَوَهَّمُ عَاقِلٌ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الزَّمَانُ ؛ فَإِنَّ الزَّمَانَ مِقْدَارُ الْحَرَكَةِ . وَالْحَرَكَةُ مِقْدَارُهَا مِنْ بَابِ الْأَعْرَاضِ وَالصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِغَيْرِهَا : كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ .

وَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ إنَّ خَالِقَ الْعَالَمِ هُوَ مِنْ بَابِ الْأَعْرَاضِ وَالصِّفَاتِ الْمُفْتَقِرَةِ إلَى الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْيَانِ ؛ فَإِنَّ الْأَعْرَاضَ لَا تَقُومُ بِنَفْسِهَا بَلْ هِيَ مُفْتَقِرَةٌ إلَى مَحَلٍّ تَقُومُ بِهِ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (2/ 492).

فالحدث الذي يقع لا بد له من زمان ومكان يقع فيهما ، فلا يتصور حدث بدون زمان ولا مكان ، فهذه الثلاثة متلازمة
.
رابعا :

يوجد في الجنة زمان ، ولكن لا يقاس بزمان الدنيا ؛ كما قال ابن عباس رضي الله عنهما

: " لا يشبه شيءٌ مما في الجنة ما في الدنيا ، إلا الأسماء "

وفي لفظ : " ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء "

انتهى من " تفسير الطبري" (1/392)

فكذلك الزمان وما يتعلق به في الآخرة : يختلف عنه في الدنيا .

قال شيخ الإسلام رحمه الله :

" فتلك الحقائق التي في الآخرة ليست مماثلة لهذه الحقائق التي في الدنيا ، وإن كانت مشابهة لها من بعض الوجوه ، والاسم يتناولها حقيقة "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (5/ 207).

وقال شيخ الإسلام أيضا :

" من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ

وقد قال تعالى ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ) آل عمران/ 190 ، ونحو ذلك في القرآن ، ومعلوم أن النهار تابع للشمس ، وأما الليل : فسواء كان عدم النور

أو كان وجوديًّا عرضيًّا كما يقوله قوم ، أو أجسام سود كما يقوله بعضهم ، فالله جاعل ذلك كله

وهو سبحانه وتعالى كما قال عبد الله بن مسعود : " إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار ، نور السموات من نور وجهه ". وقد جاء في قوله تعالى ( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً )

أن أهل الجنة يعرفون مقدار البكرة والعشي بأنوار تظهر من جهة العرش

فيكون بعض الأوقات عندهم أعظم نورًا من بعض ، إذ ليس عندهم ظلمة ، وهذه الأنوار المخلوقة كلها خلقها الله تعالى

" انتهى من "بيان تلبيس الجهمية" (2/ 284-286).

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى : ( وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) مريم/ 62 :

" أَيْ فِي مِثْلِ وَقْتِ البُكُرَاتِ وَوَقْتِ العَشِيَّاتِ ، لا أن هناك ليلا ونهارا ، وَلَكِنَّهُمْ فِي أَوْقَاتٍ تَتَعَاقَبُ ، يَعْرِفُونَ مُضِيَّهَا بِأَضْوَاءٍ وَأَنْوَارٍ "

انتهى من "تفسير ابن كثير" (5/ 218).

فأهل الجنة لا يحتاجون إلى حساب الوقت كما يحتاجه أهل الدنيا ، والله تعالى خلق الليل والنهار والشمس والقمر ، وأوجد الحساب لتستقيم للناس عباداتهم ومعاملاتهم

أما في الجنة فلا يحتاجون إلى شيء من ذلك .

خامسا :

أما زمان الدنيا فالظاهر أنه يفنى ، لفناء ما يتعلق به ويرتبط بحسابه ، وتوقف حركة الشمس والقمر

قال تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) الرحمن/ 26، 27 .

وأما زمان الآخرة فلا يفنى ، قال تعالى عن أهل الجنة : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ) النساء/ 57 .

وقال تعالى عن أهل النار : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ) النساء/ 168، 169 .

وروى البخاري (4730) ومسلم (2849) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ :

هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟

فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ - وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ - ثُمَّ يُنَادِي يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ : هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟

فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ - وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ - فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ .

سادسا :

ننصح الأخ السائل أن لا ينشغل بمثل هذه المسائل ، التي قد تورث الحيرة والاضطراب

ولا يكون من ورائها كبير فائدة ، وأن ينشغل بما هو أجدى له وأنفع من السؤال عن الأحكام الشرعية التي يحتاجها إليها ، ومسائل الاعتقاد التي يؤمر بها

وفواضل الأعمال التي يتقرب بها إلى ربه ، ونحو ذلك .

والله تعالى أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









قديم 2019-02-18, 17:40   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



هل عبارة " لنضع يدنا بيد الزمن " جائزة ؟ وحكم سب الزمن

السؤال

(لنضع يدنا بيد الزمن) هل هذه الكلمة تعتبر محرمة باعتبار أن الله هو الدهر ؟

الجواب

الحمد لله

أولاً:

ينبغي تصحيح فهم جملة " أن الله هو الدهر " ؛ لأن الخلل في فهمها أدى إلى استشكال العبارة الواردة في السؤال ، فنقول :

ثبت في السنَّة الصحيحة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر ) متفق عليه .

وقد فُهم هذا الأمر خطأً من بعض الناس فظنوا أن " الدهر " من أسماء الله ، وليس الأمر كذلك

بل " الدهر " هو الزمن ، وقد كان الجاهليون – ولا يزال لهم أتباع في هذا – يسبون الدهر ، ولم يكن أحد منهم يقصد سبَّ الله ، وكيف يقصدون سب الله وهو يقولون " قبَّح الله الدهر " ؟!

وإنما نهي عن سبِّ الدهر ، ونُسب الدهر إلى الله : لأنه تعالى هو خالقه ومدبره ومصرِّفه .

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -
:
عن قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبوا الدهر ؛ فإن الله هو الدهر ) ، فهل هذا موافق لما يقوله الاتحادية ، بيِّنوا لنا ذلك ؟ .

فأجاب :

الحمد لله ، قوله ( لا تسبوا الدهر ، فإن الله هو الدهر ) : مروي بألفاظ أخر كقوله : " يقول الله : يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار )

وفي لفظ : ( لا تسبوا الدهر ؛ فإن الله هو الدهر ، يقلب الليل والنهار ) ، وفي لفظ : ( يقول ابن آدم يا خيبة الدهر وأنا الدهر ) .

فقوله في الحديث ( بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ) يبيِّن أنه ليس المراد به أنا الزمان فإنه قد أخبر أنه يقلِّب الليل والنهار ، والزمان هو الليل والنهار . فدلَّ نفس الحديث على أنه هو يقلِّب الزمان ويصرِّفه

كما دلَّ عليه قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ

فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) وإزجاء السحاب : سوقه ، والودق : المطر .

فقد بيَّن سبحانه خلقه للمطر وإنزاله على الأرض فإنه سبب الحياة في الأرض فإنه سبحانه جعل من الماء كل شيء حي ، ثم قال : ( يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ

وَالنَّهَارَ) إذ تقليبه الليل والنهار : تحويل أحوال العالم بإنزال المطر ، الذي هو سبب خلق النبات والحيوان والمعدن ، وذلك سبب تحويل الناس من حال إلى حال ، المتضمن رفع قوم ، وخفض آخرين .

وقد أخبر سبحانه بخلقه الزمان في غير موضع كقوله : ( وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ )

وقوله : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)

وقوله : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً )

وقوله : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) ، وغير ذلك من النصوص التي تبين أنه خالق الزمان ... .

فليس في الحديث شبهة لهم ، لو لم يكن قد بيَّن فيه أنه سبحانه مقلب الليل والنهار ، فكيف وفي نفس الحديث أنه بيده الأمر يقلب الليل والنهار ... .

فقد أجمع المسلمون - وهو مما علم بالعقل الصريح - أن الله سبحانه وتعالى ليس هو الدهر الذي هو الزمان ، أو ما يجري مجرى الزمان ... .

" مجموع الفتاوى " ( 2 / 491 – 494 ) وقد اختصرنا كلامه رحمه الله .

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي – رحمه الله -
:
قوله : إن الله هو الدهر وهذا لا ينبغي لأحد من أهل الإسلام أن يجهل وجهه وذلك أن أهل التعطيل يحتجون به على المسلمين ، وقد رأيت بعض من يتهم بالزندقة والدهرية يحتج بهذا الحديث ويقول

: ألا تراه يقول : فإن الله هو الدهر ؟! فقلت : وهل كان أحد يسب الله في آباد الدهر ؟

وإنما تأويله عندي - والله أعلم - : أن العرب كان شأنها أن تذمَّ الدهر ، وتسبَّه عند المصائب التي تنزل بهم من موت ، أو هرم ، أو تلف مال ، أو غير ذلك ، فيقولون : " أصابتهم قوارع الدهر "

و " أبادهم الدهر " ، و " أتى عليهم الدهر " ، فيجعلونه الذي يفعل ذلك ، فيذمونه عليه ، وقد ذكروه في أشعارهم ... .

" غريب الحديث " ( 2 / 145 ) .

ثانياً:

وإذا تبين لك أخي السائل أن " الدهر " ليس من أسماء الله : علمتَ أنه لا إشكال في العبارة الواردة في السؤال ، وهي " لنضع يدنا بيد الزمن " ؛ إذ ليس المراد بذلك شيء يناقض الشرع ، وإنما هو أسلوب بلاغي .

وقد يكون عليه مؤاخذة من وجه آخر ، فقد رأينا بعض من يستعمل هذه الكلمة يجعل " الزمن " متصرِّفاً بنفسه ، - وللأسف فكثير من عباراتهم فيها سب للزمن كقول بعضهم "

بيد الزمن الظالم " ! - وبعضهم يطلق هذه اللفظة على الله تعالى ، وبعضهم يطلقها ويريد بها " القدَر "

وهكذا تتنوع استعمالات الناس لها ،ولم نرَ هذه العبارة في كتب العلماء والأئمة ، والحكم عليها يكون بحسب موقعها من الجملة ، وبحسب ما يعتقده القائل فيها .

وقد يكون المقصود من العبارة الواردة في السؤال أن يكون الإنسان سائراً في حياته مع متغيرات الواقع والزمن

ولا يكون مخالفاً لها ، وهذا معنى يحوي حقّاً وباطلاً ، ولا يمكن الحكم على العبارة إلا بمعرفة سياقها ومراد قائلها .

والله أعلم









قديم 2019-02-18, 17:43   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

لا يعد هذا من سب الدهر

السؤال

بعض الأناشيد الإسلامية ، يذكر بها بعض الكلمات ، لا أدري إن كانت مباحة أم لا ؟ فمثلا هنالك نشيد يقال به (

و الله لو يمحو الزمان شمائلا سأظل وحدي طول عمري ثابتاً )

وقد سمعت : أن الله نهى عن سب الدهر ، فهل هذا الكلام مباح ؟
.

الجواب

الحمد لله

أولاً :

هذا الحديث الذي أشار إليه السائل ، رواه البخاري (4826) ، ومسلم (2246) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

: " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ " .

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (7/419) :

" قَالَ الْعُلَمَاء : وَهُوَ مَجَاز ، وَسَبَبه أَنَّ الْعَرَب كَانَ شَأْنهَا أَنْ تَسُبّ الدَّهْر عِنْد النَّوَازِل وَالْحَوَادِث وَالْمَصَائِب النَّازِلَة بِهَا مِنْ مَوْت أَوْ هَرَم أَوْ تَلَف مَال أَوْ غَيْر ذَلِكَ

فَيَقُولُونَ : يَا خَيْبَة الدَّهْر ، وَنَحْو هَذَا مِنْ أَلْفَاظ سَبّ الدَّهْر ، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

: " لَا تَسُبُّوا الدَّهْر فَإِنَّ اللَّه هُوَ الدَّهْر " أَيْ لَا تَسُبُّوا فَاعِل النَّوَازِل

فَإِنَّكُمْ إِذَا سَبَبْتُمْ فَاعِلهَا وَقَعَ السَّبّ عَلَى اللَّه تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ هُوَ فَاعِلهَا وَمُنْزِلهَا . وَأَمَّا الدَّهْر الَّذِي هُوَ الزَّمَان فَلَا فِعْل لَهُ ، بَلْ هُوَ مَخْلُوق مِنْ جُمْلَة خَلْق اللَّه تَعَالَى " انتهى .

قال الشيخ ابن عثيمين في "القول المفيد على كتاب التوحيد" (2/240)

: " وسب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول : أن يقصد الخبر المحض دون اللوم ; فهذا جائز، مثل أن يقول : تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده، وما أشبه ذلك ; لأن الأعمال بالنيات

ومثل هذا اللفظ صالح لمجرد الخبر ، ومنه قول لوط عليه الصلاة والسلام :

" هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ " هود/77 .

الثاني : أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل ، كأن يعتقد بسبه الدهر

أن الدهر هو الذي يقلب الأمور إلى الخير والشر، فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقا ; لأنه نسب الحوادث إلى غير الله ، وكل من اعتقد أن مع الله خالقا ; فهو كافر

كما أن من اعتقد أن مع الله إلها يستحق أن يعبد ، فإنه كافر .

الثالث : أن يسب الدهر لا لاعتقاده أنه هو الفاعل ، بل يعتقد أن الله هو الفاعل ، لكن يسبه لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده ; فهذا محرم

ولا يصل إلى درجة الشرك ، وهو من السفه في العقل والضلال في الدين ;

لأن حقيقة سبه تعود إلى الله - سبحانه - ;

لأن الله تعالى هو الذي يصرف الدهر، ويُكَوِّن فيه ما أراد من خير أو شر، فليس الدهر فاعلا ، وليس هذا السب يُكَفِّر ; لأنه لم يسب الله تعالى مباشرة " انتهى .

ثانياً :

ما جاء في هذا النشيد لا يعتبر سباً للدهر ؛ لأنه من باب الإخبار ، فهو إخبار بعزمه على الثبات على أخلاقه ومبادئه ، حتى وإن تغير حال غيره ، مع مرور الأيام والأزمان .

وهذا المعنى صحيح ، لا إشكال فيه .

وذكر ما يحدث في الدهر ، وما تنزل فيه من مصائب ، وكوارث ، وتقلب أحوال الناس فيه بين الخير والشر لا يعد سباً للدهر ، كما سبق .

وفي صحيح البخاري (7068) عن الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ : أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنْ الْحَجَّاجِ

فَقَالَ : ( اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ ، سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .

ولا يزال هذا الأمر – أعني فساد أحوال الزمان – يتتابع شيئا فشيئا ، وينقص العلم ، ويظهر الشح ويتغير الناس حتى لا يبقى في آخر الزمان إلا شرار الخلق ، يتهارجون تهارج الحُمُر ، وعليهم تقوم الساعة .

عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قَالُوا وَمَا الْهَرْجُ قَالَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ "

رواه البخاري (6073) ، ومسلم (157) .

والله أعلم .









 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 15:02

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc