حكم المحراب الذي في المساجد
السؤال
ما حكم بناء المحراب في قبلة المسجد ؟.
الجواب
الحمد لله
المحراب الذي يصلي فيه الإمام في المسجد لم يكن موجودا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ,
ولا في القرن الأول ، وإنما ظهر في القرن الثاني وتتابع المسلمون على بنائه في مساجدهم لما فيه من المصلحة ، كدلالة الداخل إلى المسجد على جهة القبلة .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة :
المحراب في المسجد ، هل كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فأجابوا :
" لم يزل المسلمون يعملون المحاريب في المساجد في القرون المفضلة وما بعدها ؛ لما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين ، ومن ذلك بيان القبلة ، وإيضاح أن المكان مسجد " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " ( 6 / 252 ، 253 ) .
وذهب بعض العلماء إلى أن اتخاذ هذه المحاريب بدعة ، ويُنهى عنها
واستدلوا بما رواه الطبراني والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اتقوا هذه المذابح ) . يعني : المحاريب . صححه الألباني في صحيح الجامع (120) .
ولكن يجاب عن هذا الاستدلال بأن المحاريب في هذا الحديث ليست هي المحاريب التي في المساجد
وإنما المراد بذلك صدور المجالس ، فهذا نهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن التصدر في المجلس ، لما يُخشى منه من حصول الرياء أو شيء من العجب في صاحبه .
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" : قلت : المحاريب صدور المجالس . انتهى .
وقال ابن الأثير في "النهاية" :
المحْرابُ : المَوْضع العَالي المُشْرِفُ ، وهُو صَدْر المَجْلس أيضاً ، ومنه سُمّي محْراب المسْجد ، وهو صَدْرُه وأشْرَف مَوْضِع فيه . انتهى .
وقال المناوي في "فيض القدير" :
أي : تجنبوا تحري صدور المجالس يعني التنافس فيها، ووقع للمصنف ( يعني السيوطي ) أنه جعل هذا نهياً عن اتخاذ المحاريب في المساجد والوقوف فيها وقال
: خفي على قوم كون المحراب بالمسجد بدعة وظنوا أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن في زمنه ولا في زمن أحد من خلفائه بل حدث في المئة الثانية مع ثبوت النهي عن اتخاذه . . .
ثم قال المناوي : أقول : وهذا بناء منه على ما فهمه من لفظ الحديث أن مراده بالمحراب ليس إلا ما هو المتعارف في المسجد الآن ، ولا كذلك
فإن الإمام الشهير المعروف بابن الأثير قد نص على أن المراد بالمحاريب في الحديث صدور المجالس . .
. واقتفاه في ذلك جمع جازمين به ولم يحكوا خلافه منهم الحافظ الهيتمي وغيره . . . انتهى .
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن موسى الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى ) .
وهذا الحديث إن صح ، فالمراد بهذا النهي إذا اتخذت محاريب كمحاريب النصارى ، فإما إن كانت ليست كمحاريب النصارى فلا يُنهى عنها .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
عن حكم اتخاذ المحاريب في المساجد ؟ وما الجواب عما روي من النهي عن مذابح كمذابح النصارى ؟
فأجاب : " اختلف العلماء رحمهم الله في اتخاذ المحراب هل هو سنة ، أو مستحب ، أو مباح ؟
والذي أرى أن اتخاذ المحاريب مباح ، وهذا هو المشهور من المذهب ، ولو قيل باستحبابه لغيره لما فيه من المصالح الكثيرة ، ومنها تعليم الجاهل القبلة : لكان حسناً .
وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " النهي عن مذابح كمذابح النصارى " أي : المحاريب
: فهذا النهي وارد على ما إذا اتخذت محاريب كمحاريب النصارى ، أما إذا اتخذت محاريب متميزة للمسلمين فإن هذا لا ينهى عنه " انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 12 / السؤال رقم 326 ) .
وسئل – أيضاً - :
عدَّ بعض أهل العلم المحاريب في المساجد من البدع ومن التشبه بالكافرين ، فهل هذا القول صحيح ؟
فأجاب :
" هذا القول - فيما أرى - غير صحيح ؛ وذلك لأن الذين يتخذونه إنما يتخذونه علامة على القبلة ، ودليلاً على جهتها .
وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ مذابح كمذابح النصارى : فإن المراد به أن نتخذ محاريب كمحاريب النصارى ، فإذا تميزت عنها زال الشبه " انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 12 / السؤال رقم 327 ) .
والله أعلم .