وناسك ومنسك1، على ما ثبت في الأخبار الواردة ولم يرد أن عدد المخلصين من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم- أقل عدد المبطلين2.
__________
1 روى الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - موقوفاً في قوله في يأجوج ومأجوج "ولا يموت رجل إلا ترك ألفاً من ذريته فصاداً ومن بعدهم ثلاثة أمم تاويس وتاويل وناسك أو منسك" شك شعبة قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين. ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. المستدرك، كتاب الفتن والملاحم 4/490، وأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً قال الهيثمي: "رجاله ثقات" مجمع الزاوئد 8/6، ولم أجده في المطبوع من المعجم، وذكره ابن كثير في النهاية وقال: "هذا حديث غريب وقد يكون من كلام عبد الله بن عمرو"، النهاية 1/202، وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعاً ص470 ورجاله ثقات ولا علة له إلا أن يكون أبو إسحاق السبيعي قد دلسه. والله أعلم.
فعلى هذا يكون تاويس وتاويل ومنسك ثلاث قبائل غير يأجوج ومأجوج لهم أيضاً عدد لا يعلمه إلا الله، وقد ورد في حديث ابن مسعود "أن من ورائهم أمما ثلاثاً منسك وتاويل وتاويس لا يعلم عددهم إلا الله" وهذا يخالف ما ذكره المصنف - رحمه الله - من قوله "ناسك ومنسك"، لأن ذلك روي على الشك من قول شعبة، والأرجح هو منسك لأن الروايات الأخرى لم تذكر إلا منسك.
2 إن كون أهل الحق والإيمان أقل من أهل الباطل والكفر عدداً معلوم من الشرع والواقع، قال الله عزوجل: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} الروم آية (8) . {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه} الأنعام آية (116) . {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً} (الإسراء آية (62) .
فهذه الآيات وغيرها كثير يدل على أن أهل الباطل والكفر أكثر بكثير من أهل الحق والإيمان. وهذه الأمة لا شك أن أهل الخير والصلاح والإيمان فيها كثير، إلا أن أهل الباطل والفسق فيها أكثر ولو غلب أهل الخير والصلاح أهل الفسق عدداً لتغير حال الأمة، وقول الله جل وعلا: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} دليل على هذا فإن هذا وصف أهل الصلاح والخير ومقام الشكر من أعلى المقامات، ولا شك أن القرون المفضلة الثلاثة هي أفضل القرون ولم تفضل إلا لأن أهل الخير والصلاح والإيمان غالبون وظاهرون عدداً ثم بدأ الأمر في النقصان حتى أصبح أهل الخير والتقى قلة في الأمة في هذه الأزمان المتأخرة بالنسبة لأهل الفساد والباطل - والأمر ولله الحمد كما قال المصنف، فإن أهل السنة ظاهرون بحمد الله على أهل البدعة والانحراف بالحجة والقوة والعدد ولم يكن في وقت من الأوقات الظهور لأهل البدعة على العموم، بل قد يغلب أهل البدعة كالروافض أو الخوارج على ناحية من النواحي أو على الحكم كما هو الحال في زمامننا هذا في إيران ولكن ذلك قليل بالنسبة لمجموع الأمة والحمد لله.
أما الاستدلال بالقلة على أنهم أهل حق فهذا باطل لأن لكل طائفة قليلة أن تدعي ذلك لنفسها. أما كون الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم الأقل فهذا ظاهر بالنسبة إلى غيرهم وهم في واقعهم ليسوا قليلاً، ولكنهم إذا قيسوا بغيرهم صاروا قليلاً لأنهم النخبة الممتازة والفئة الصالحة، ومعلوم أن الدين فيه إحسان وإيمان وإسلام والناس في مقابل ذلك محسنون ومؤمنون ومسلمون.
ولا شك أن المحسنين أقل من المؤمنين، لأن شروط الإحسان أعلى من شروط الإيمان، وأن المؤمنين أقل من المسلمين لأن شروط الإيمان أعلى من شروط الإسلام، لأن وصف الإسلام يطلق على كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وهذا كثير في هذه الأمة والمسلمون بالنسبة لغيرهم قليل كما تقدم بيانه من قول الله عزوجل وقول رسوله - صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم.