ثمــرات الصبـــر
الصبر هو: الأساس الأكبر لكلِّ خُلُقٍ جميلٍ، والتنزه من كلِّ خُلُق رذيل، وهو حبس النفس على ما تكره، وعلى خلاف مرادها طلبًا لرضى الله وثوابه، ويدخل فيه الصبر على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى أقدار الله المؤلمة. فلا تتم هذه الأمور الثلاثة التي تجمع الدين كلِّه إلا بالصبر.
فالطاعات خصوصًا الطاعات الشاقة، كالجهاد في سبيل الله، والعبادات المستمرة كطلب العلم، والمداومة على الأقوال النافعة، والأفعال النافعة لا تتم إلا بالصبر عليها، وتمرين النفس على الاستمرار عليها وملازمتها ومرابطتها، وإذا ضعف الصبر ضعفت هذه الأفعال، وربما انقطعت.
وكذالك كفّ النفس عن المعاصي وخصوصًا المعاصي التي في النفس داعٍ قويٌّ إليها، لا يتم الترك إلا بالصبر و المصابرة على مخالفة الهوى وتحمُّل مرارته.
وكذلك المصائب حين تنزل بالعبد ويريد أن يقابلها بالرضى والشكر والحمدِ لله على ذلك لا يتم ذلك إلا بالصبر واحتساب الأجر، ومتى مرَّن العبد نفسه على الصبر ووطّنها على تحمُّل المشاق والمصاعب، وجدّ واجتهد في تكميل ذلك، صار عاقبته الفلاح و النجاح، وقلّ من جدّ في أمر تطلبه واستصحب الصبر إلاّ فاز بالظفر.
وقد أمر الله بالصبر وأثنى على الصابرين، وأخبر أنَّ لهم المنازل العالية والكرامات الغالية في آيات كثيرة من القرآن، وأخبر أنَّهم يوفَّون أجرهم بغير حساب. وحَسْبُك من خلقٍ يسهِّل على العبد مشقة الطاعات، ويهوِّن عليه ترك ما تهواه النفوس من المخالفات، ويسلِّيه عن المصيبات، ويُمِدُّ الأخلاق الجميلة كلَّها، ويكون لها كالأساس للبنيان.
ومَتَى عَلِمَ العبد ما في الطاعات من الخيرات العاجلة والآجلة، وما في المعاصي من الأضرار العاجلة و الآجلة، وما في الصبر على المصائب من الثواب الجزيل والأجر الجميل، سَهُل الصبر على النفس، وربما أتت به منقادة مستحلية لثمراته. وإذا كان أهل الدنيا يهون عليهم الصبر على المشقات العظيمة لتحصيل حطامها، فكيف لا يهون على المؤمن الموفَّق الصبر على ما يحبه الله لحصول ثمراته، ومتى صبر العبد لله مخلصًا في صبره كان الله معه، فإنَّ الله مع الصابرين بالعون والتوفيق والتأييد والتسديد.