*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»* - الصفحة 14 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم الآدب و اللغات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-12-31, 20:09   رقم المشاركة : 196
معلومات العضو
عبير الياسمين.
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية عبير الياسمين.
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ارجوكم اريد مساعده عن بحث الانطباعيه مقياس ادب عالمي









 


رد مع اقتباس
قديم 2013-01-24, 13:41   رقم المشاركة : 197
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

دراسة نقدية في الادب الجزائري


يتميز الأدب الجزائري الحديث عن بقية آداب اللغة العربية في العالم العربي، بخاصية منفردة قلما نجدها، تجتمع في أدب العروبة قديماً وحديثاً، ويتمثل ذلك التمايز في جملة من الخصائص المركبة المعقدة، أنبتتها صيرورة تاريخية لا مناص منها, تدخلت في تشكيل الأدب الجزائري على مرّ العصور ثلاثة عناصر، العنصر المحلي، والعنصر العربي، والعنصر اللاتيني الفرنسي، وانصهرت العناصر الثلاثة لغة وحضارة عبر التاريخ، ثم لبست حلة عربية في مرحلة استرداد السيادة الوطنية في الربع الأخير من القرن العشرين.
التقت العناصر الثلاثة : . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لقاء الصراع والتفاعل والاندماج، وأثمرت في النهاية أدبا« جزائرياً» قبل أن يكون لاتينياً فرنسياً، وإن نطق باللاتينية والفرنسية، وقبل أن يكون عربياً أو وطنياً محليا، وإن نسج أحداثه وشخوصه من عبقرية الأرض والعروبة، وبناء على هذا التركيب العجيب، توحدت عناصر اللغة والفكر والبيئة والتاريخ والإنسان الجزائري، في صورة شديدة التعقيد والثراء، تولدت عنها صورة الأدب الجزائري المعاصر، الذي تعددت منابعه وتباينت أصوله ومشاربه, لكنها تصب جميعها في محيط أشمل، يتسع لكل الروافد, محيط الثورة الجزائرية، التي انصهرت فيها كل التيارات الفكرية واللغوية، وتخضبت فيها كل الكفوف الجزائرية بالدماء، مثلما تخضبت بالحناء في عرس الاستقلال ونيل الحرية1.
فعندما تندمج الروح الشرقية للجزائر بالثقافة الفرنسية، التي يستخدمها الكتاب الجزائريون، تكون النتيجة أدباً أصيلاً. فالأدب الجزائري مع ما له من خصائص عربية عديدة تميزه، يختلف عن الأقطار العربية، حيث لم يكن للاستعمار تأثير مشابه على التعليم والثقافة، بل أن التفكير الجزائري ذاته يعتبر مختلفا ومتبايناً، حيث إنه يشكل مزيجاً من العقلانية والمنطق والشاعرية. ولا يمكن لهذه العناصر المتناقضة، أن تكون جميعها وليدة ثقافة واحدة؛ فالجزائري يمتلك بطبيعته الروح الشاعرية والمتدينة والقدرية، وقد تحصل من ثقافة المستعمر على المنطق والعقلانية. أقبلت الرواية الجزائرية باللغة الفرنسية في العشرينات، تحمل في تضاعيفها هذا التاريخ المثقل بالتنوع والثراء وبالصراع والمقاومة، الأمر الذي يفسر غلبة طابع المقاومة على الإنتاج الروائي الجزائري.

الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية إشكالية اللغة والوطن: . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يزخر تاريخ أدب العالم بأمثلة عديدة من الكتاب الذين كتبوا بلغة غير لغتهم الأصلية، إما طواعية منهم أو أنهم كانوا مضطرين لذلك لأسباب سياسية في بلادهم، فكتب بعضهم بالفرنسية وآخرون بالإنجليزية ولم يعتبروا نتيجة لذلك فرنسيين أو إنجليزا، ومن بين هؤلاء جبران خليل جبران وجورج شحاتة من لبنان، وادوارد سعيد وجبرا إبراهيم جبرا من فلسطين، وقوت القلوب وأندريه شديد من مصر وغيرهم.
شكلت الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية ظاهرة ثقافية ولغوية متميزة وأثارت بذلك حولها جدلاً كبيراًً بين النقاد والدارسين، منهم من عدها رواية عربية باعتبار مضامينها الفكرية والاجتماعية، والكثرة عدوها رواية جزائرية مكتوبة باللغة الفرنسية، باعتبار أن اللغة هي الوسيلة الوحيدة التي بها يكتسب الأدب هويته، ثم إن الكتابة الروائية بالفرنسية قد ساهمت في نمو الأدب الفرنسي، أكثر ما ساهمت في إخصاب الأدب العربي، ولذا فنحن حينها نقف عند هذه الظاهرة المتميزة، فإننا لا نفعل أكثر من إعطاء فكرة عن نشأة هذا الفن في ظروف حرجة في الجزائر أو في المغرب العربي عموماً.
ويذكر« جان ديجو» أنه يمكننا فيما بين سنة 1920 وسنة 1945، أن نعثر على محاولات قليلة في الكتابة الروائية، فقد ظهرت سنة 1925 أول محادثة لعبد القادر حاج حمو بعنوان« زهرة امرأة عامل الناجم» وفي هذه الرواية يقلد الكاتب تكنيك الرواية الطبيعية عند أميل زولا. وفي 1926 كتب سليمان بن إبراهيم بالاشتراك مع إتيان دينيه رواية بعنوان «راقصة أولاد نائل» وكذلك كتب عبد القادر فكري بالاشتراك مع روبير راندو حواراً قصصياً يتميز بطابعه السياسي بعنوان« رفاق الحديقة» سنة 1933. وفي سنة 1936 كتب محمد ولد الشيخ رواية بعنوان« مريم وسط النخيل»2.
إن هذه النصوص شكلت فيما بينها المتن الجزائري الأول، الذي تميز على المستوى الجمالي بطغيان سلطة «الدياليكتيك»، حيث إن الخيال الروائي والنسيج النصي، كانا يتأسسان على قاعدة« المقايسة» لنص كولونيالي، له تصوراته عن الإنسان الجزائري، تلك التصورات التي تنتجها الأيديولوجيا الكولونيالية، والتي ترى الإنسان العربي والإفريقي بعين« اكزوتيكية» إغرابية، تحقيرية ومتخوفة. إن وضعية هذه الموجة تشبه حالة النساخين لأساليب الكتابة الروائية، التي مارسها الكتاب الفرنسيون مثل: لويس براتراند، وروبير راندو، وغابرييل أود يسو، وإيزابيل إبهارد، وإيتيان دينيه، وبول بيلا، وإيمانويل روبلس، وغيرهم.
كانت كتابات هذه الموجة من الروائيين« الهالي» تتميز بنسخية واضحة، قدمت الإنسان الجزائري في صورته الفلكلورية السياحية الاستهلاكية. كما النص نفسه من حيث البناء الجمالي، لم يتخلص من كتابة مغامرات مبسطة وتافهة، وحكايات غرامية بين الأهالي و«الفرنسيات» و«المسلمات»، إذ تصور الإنسان الجزائري غريزيآ، وساذجآ طيباً، وخبيثاً دموياً.
لقد كانت هذه الموجة من الكتاب متوجهة إلى« الآخر»، تريد أن تشعره أولاً بأن الانتلجانسيا الأدبية الأهلية قادرة على الكتابة، التي هي ظاهرة حضارية، لكن الهموم والمشكلات المطروحة في النصوص، لا تتعدى أن يكون هذا« الجزائري» إطاراً وموضوعاً للتسلية والفلكلور، بمفهومه الاستهلاكي التحقيري. بدأت الحركة الروائية الجزائرية باللغة الفرنسية، تؤسس لنفسها متناً هو مرآة لذاتها، لطموح الإنسان في هذا الشمال الإفريقي، الذي بدأت الحداثة تهزه على لعلعة مدافع هتلر، وتؤسس الحركات الوطنية، وسقوط العشيرة والدم والقبيلة أمام المفاهيم المعاصرة.
كان على منتجي الرواية باللغة الفرنسية، خلق مسافة لتأمل التاريخ ونقد الذات، ونقد الآخر. فمن خلال هذه المسافة وفي ظل هذه المساحة، بدأ الإعلان عن نص روائي جديد يبشر بإنسان جديد وبعقل جديد، قلب موازين البطولة الروائية. فإذا كان الآخر« الفرنسي» هو المركز في الرواية الكولونالية،« الأنا» أي« الأهلي» هو الهامش. وفي هذا النص الجديد ولد إنسان جديد3.
ففي سنة 1942 أنهى الكاتب الجزائري علي الحمامي روايته بعنوان« إدريس» التي توصف على أنها كتاب محرر في شكل رواية. وهذه المحاولات من الناحية الفنية تعد أقرب إلى القصة الطويلة أو الحدوثة منها إلى الرواية الفنية. استطاع القراء منذ 1945 التعرف على قلة قليلة من الروائيين، الذين ارتادوا اللغة الفرنسية مباشرة، وعبروا عن واقع مجتمعهم. وقد عرفت هذه الفترة ولادة جديدة للقصص الجزائري، المكتوب باللغة الفرنسية؛ فنشرت مارجريت طاوس عميروش روايتها« الياقوتة السوداء» سنة 1947. ثم نشرت جميلة دباش روايتها« ليلى فتاة الجزائر». وفي سنة 1948 نشر مالك بن نبي روايته« لبيك».
[:

مولود فرعون... وعي الذات والآخر . . . . . . .

وهكذا تضاعفت المحاولات باللغة الفرنسية في فترة الخمسينات، فنشر مولود فرعون عام 1950« ابن الفقير»، وفي سنة 1953 ظهرت له رواية« الأرض والدم»، وفي عام 1957«الدروب الصاعدة»، وصددت يومياته سنة 1969 في كتاب مستقل يحمل عنوان «مولود فرعون: رسائل إلى الأصدقاء»، وأخيراً نشرت روايته« الذكرى» عام 1972. ويعد فرعون أحد أكبر كتاب المغرب العربي ذوي التعبير الفرنسي شهرة، لقد كانت «ابن الفقير» روايته الأولى ولا تزال، أول عمل أدبي يبدأ به كل تلميذ جزائري اطلاعه على الأدب الوطني. وكان فرعون يلفت انتباه مواطنيه كلما أصدر كتاباً جديداً وكان آنذاك معلماً قروياً، انتقل للعمل في العاصمة قبيل هلاكه المأساوي على يدي غلاة الاستعمار الحانقين. وقد حاز إبداعه شيئاً فشيئاً على شهرة واسعة، ليس في وطنه فحسب بل في فرنسا كذلك، وترك موت الكاتب أثراً فاجعاً في قلوب كل الناس من ذوي الإرادة الطيبة. ساهم مولود فرعون كثيراً في دعم القضية الوطنية، وإيقاظ الوعي للشعب الجزائري، الذي هب لمعركته الخيرة والحاسمة ضد الاستعمار.
إثر اغتيال مولود فرعون، صرح جان عميروش في استجواب له، لقد كانت جريمة المغتال الرئيسية هي رغبته في رؤية الإنسان سعيداً، يحمل باعتزاز اسمه الخاص، وسعيداً بتمتعه بوطنه، ومؤمناً بمستقبله ويمكن كل ابن فقير من أن يقرر مصيره4.
ويكمن في هذه الكلمات الثلاث (الحرية، الرسم، الوطن) مغزى وهدف إبداع كتاب شمال إفريقيا. الذين فرعون ينتمي إلى جيلهم. اغتالته المنظمة الإرهابية السرية، التي كانت تعمل من أجل جزائر فرنسية في حي الأبيار، وهكذا انتهت الحرب من أجل الاستقلال، التي دامت سبع سنوات، بشكل مأساوي بالنسبة لفرعون، قبل ثلاثة أيام من توقيع اتفاقية أيفيان، ودفن يوم 18 مارس 1962.
ويذكر إيمانويل روبلس، وهو كاتب من الجزائر من أصل فرنسي، كان صديقاً لفرعون ودرس معه في معهد بوزريعة، كما قدم له دعماً ومساعدة ثمينتين، حين أجبره على «الشروع في الكتابة»، يذكر أن فرعون لم يكن إنساناً طيباً وهادئاً فحسب، بل أهم من ذلك مثقفاً« كان يقرأ أكثر منا جميعاً، وكان يلتهم الكتب ببساطة، كان يضمر الإجلال للكتاب الروس، ويحب فرنسيي القرن الثامن عشر، ثم بعد ذلك كشفت له الأمريكيين»5.
وما يشهده على أن الكتاب الروس، كانوا من ضمن من أحبهم فرعون، كونه استهل أول تجربة أدبية له، وهي رواية« ابن الفقير» بكلمات انطون تشيكوف« سنعمل للآخرين الآن، وفي شيخوختنا من دون أن نعرف سبباً للراحة، وحينما تحل ساعتنا سنموت بخنوع، وسنقول هنالك في لحدنا بأننا تعذبنا وبكينا وتجرعنا المرارة، حينذاك سيهبنا الله من لدنه الرحمة». لقد كانت جمل تشيخوف، مفعمة بمعنى واقعي بالنسبة لفرعون، الذي كان يعي هكذا بالضبط مغزى وغاية إبداعه وعمله الصعب والنبيل لخير وطنه.
كتب مولود فرعون في« ابن الفقير»، مبيناً كيف يتكون« الطبع الحقيقي» للرجل القبائلي، حيث يولد الطفل في هذه المنطقة، من أجل المعركة في سبيل الحياة. وتشكل فلسفة وحكمة الحياة وعاداتها ومعتقداتها وشعائرها القديمة ، ذلك العالم الخاص والأصيل الذي تمثله قرية تيزي، حيث شب ابن الفقير« فورلو»، وهي في الوقت ذاته ذلك العالم النموذجي لقرية قبائلية نموذجية. وهذا العالم لا يزال في الرواية يحيا أساساً وفق سنن موروثة من الماضي البعيد، حيث تسود أخلاق وأنماط حياة الأجداد، وحيث لا يزال كل واحد يؤمن بالقدر. غير أن الشكل الثاني من الصراع هو صراع من أجل إجادة لغة غريبة وثقافة غريبة، والدراسة في ثانوية فرنسية حيث يشعر دائماً بنفسه غريباً، ويشعر بالخوف من الطرد بسبب إخفاق عارض ويصمم« فورلو» على لقاء هذا العالم الذي يجهله، وهذه الحياة الغريبة عنه:« وحدي، وحدي في هذه المعركة الرهيبة التي لا ترحم...»6.
تعتبر رواية ابن الفقير إلى حد بعيد سيرة ذاتية، تصف طفولة الكاتب ومراهقته، كما تغطي الرواية السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، لتصل نهاية العشرينات.
وتناول فرعون في رواية« الأرض والدم» أول مرحلة من عملية هجرة شمال أفريقيا للعمل بسبب الوضع الشاق للعمال والفلاحين في المستعمرات، التي بدأت بشكل مكثف من العشرية الأولى من القرن العشرين. وإذا كانت الهجرة الاضطرارية مرتبطة في البداية بالمعاناة الشاقة لفراق الأرض الأصيلة، فإن الأمر أصبح شيئاً فشيئاً عادياً، أملاً في الكسب السهل في فرنسا. وحدث أن العودة إلى القرية كانت مرفوقة بصدمة نفسية, فقد كان الإحساس بالفرق بين العالم المهجور –عالم الغرب- والعالم التقليدي- الوطن- وهكذا يعود عامر في رواية« الأرض والدم» إلى موطنه رفقة زوجته الفرنسية الشابة، بعد أن اشتغل سنوات عدة في فرنسا، وجرب كل أنواع الحرمان، التي كانت من نصيب المغتربين في أوروبا، لكنه لا يستطيع مدة طويلة، أن يتأقلم مع حياة قريته الصغيرة، التي بدت له متخلفة ومتوحشة، واحتاج إلى عامين كي يصبح قبائلياً من جديد، وكأنه لم ير الكثير في حياته، ولم تحنكه الصعاب، ولم يواجه الموت7.
تقع أحداث الأرض والدم في الفترة الواقعة ما بين الحربين العالميتين، وتنتهي في عام 1930، ويفاجأ عامر بالحرب حالما يصل إلى فرنسا.
ونشعر بأنفاس ريح التغيير، وريح التاريخ، ابتداء من الصفحات الأولى في رواية« الدروب الصاعدة»، التي تبرز ذلك العالم المنغلق، الذي لم يمسسه الزمن، وهو ينسف تحت هجوم العصر، وللطبيعة الشاقة والمأساوية أحياناً لتأثير هذا الصدام بين الجديد والقديم في وعي الناس وسلوكهم. والرواية دراما عاطفية، حيث نجد مثقفاً قروياً، منعزلا في قرية قبائلية نائية، ومنفصلاً عن العالم، وبعيداً عن التاريخ، نجده يكتب مذكرات لا حاجة لأحد بها في وقت يقوم فيه جميع المثقفين الجزائريين بالثورة، والرواية تصور حيرة وارتباك جيل نضج. ويستمر فرعون في الدروب الصاعدة، يصور عالم القيم القديمة المتفجر، في تغذية الأمل في الأشكال الإنسانية للتخلص من العبودية8.
وتعتبر الدروب الصاعدة امتداداً للرواية الثانية، وإن كان هناك انقطاع في الوقت، حيث أن يوميات عامر ترجع في تاريخها إلى الخمسينات، وتعتبر بمثابة سنوات اليقظة بالنسبة للجزائريين، أي بداية الثورة ونهاية صدام الحضارات، وكذلك بمثابة بوتقة تذوب فيها خيبة أمل الإنسان الجزائري وسخطه وعدم رضاه.
وسيظل فرعون ممثلاً نموذجياً لجيله، جمع فعلاً في ذاته« عالمين وثقافتين» ومثالاً للفنان المخلص والشجاع، الذي نجد في إبداعه أو محاولة جدية لتصوير حياة وطنه، وشعبه بموضوعية، وطرح المشكلات والمتناقضات التي زخرت بها مرحلة يقظة الوعي الوطني للجزائريين تلك المرحلة المرتبطة بالكفاح من أجل الاستقلال.












رد مع اقتباس
قديم 2013-01-24, 13:44   رقم المشاركة : 198
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

مولود معمري . . . الحنين المفقود ونهوض المنسي. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وفي سنة 1952 نشر مولود معمري« الهضبة المنسية» كما نشر رواية«
سبات العادل». وأعمال معمري تسير في خط متواز مع تطور الوقائع السياسية في الجزائر، فرواية « الهضبة المنسية»، تبتدئ وقائعها في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، لتصور الوضع في الجزائر في ظل الاحتلال الفرنسي، ويعبر الكاتب عن مآسي الشعب وأحزانه وبؤسه. إنها فترة اليأس والقنوط بدون إمكانية للعثور على حل، لأن الاستعمار لا يقدم حلولاً، وأيا كان الأمر، فإن بوادر الأمل بدأت تلوح، كنتيجة للتغيرات التي طرأت على الوضع السياسي في الجزائر9.
أما رواية«سبات العادل»، فتأخذ البطل ارزقي إلى داخل المجتمع الغربي، وهو مشبع بالآمال والتوقعات العظام، بيد إنه سرعان ما يرفض، فيخرج من التجربة وهو يشعر بالمرارة، وكأنه يسير في الفراغ. يعتبر ارزقي واحداً من الذين داروا حول الحلقة في جميع مراحلها؛ فقد بدأت رحلته في المدرسة الفرنسية في قرية جزائرية، وفي هذه المدرسة تعلم كلمات مثل: المساواة، العدالة، الإنسانية. وكانت حياة المدرسة بالنسبة لارزقي تجربة مريرة، ولكنه لم يعترف بما قاساه آنذاك إلا بعد مرور فترة طويلة عليها. فقد لاقى صعوبات بالغة في تعلم مواضيع عسيرة بلغة أجنبية، بل والأكثر من هذا فقد كان منبوذاً10.
ولكن اعتزازه بما حققه من نجاح في مدرسته دعم جهوده الضخمة، وساعده على تخطي التجربة، وكان هناك أيضاً إيمانه بالعلوم التي تعلمها، فقد استوعبها جيداً لدرجة ملكت عليه كل مشاعره وكل شيء حوله، وقد أرد أن يعرف شعبه أفكاره، ولا يتردد بأن يبوح بما عنده في أول فرصة تتاح له. ويحدد مواقف ارزقي مرحلة جديدة من العلاقة بين الأب والابن، بحيث إن التعدي على سلطة الوالد، تعتبر بمثابة الخطوة الأولى الهامة، نحو إضعاف الروابط العائلية، ومن ثم تفكك المجتمع الجزائري.
ونشر رواية«
العفيون والعصا» سنة 1965، التي تمثل ظاهرة بالغة الأهمية في الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية في عهد الاستقلال، وهي أول نتاج أدبي عن الثورة الجزائرية، ألفه كاتب ظل وفياً لمبادئ إبداعه الباكر قبل الحرب، وليس صدفة أن ينشر معمري روايته هذه بعد نهاية المرحلة التاريخية التي يصفها، ذلك أن الكاتب يفضل اتجاهات الواقع، التي تحددت وبرزت بوضوح وليس تلك التي ما زالت في طور الارتسام. ومع ذلك فلا ريب في جدة الموضوع الذي اختاره، ولا يتخلى الكاتب عن السرد التوسعي في الأغلب، ويسعى إلى بحث وضع الأمة، مصوراً وعي الفئات الاجتماعية، الوعي الناقد،الذي يجسده البطل الرئيسي الطبيب البشير، والوعي الدوغمائي.
وما يثير الاهتمام هو أن معمري، يصور البطل رمضان، الذي غادر في طفولته مسقط رأسه، وراح يدرس الكتب بلا انقطاع في خلوة، عند عمه الذي يقطن المدينة، أين أصابه السل، يصوره فاقداً لطبقته، ومضيعاً لروابطه بالأرضية الطبيعية. ولعل هذا هو سبب فراغه الروحي المتميز، وقد أشار الكاتب إلى أن رمضان« كان يحب أن يماثل نفسه بمن يسميهم الشعب» ملمحاً بذلك إلى الطابع الاصطلاحي لهذا المفهوم على لسن بطله»نحن غير متعلمين»، هكذا سمى رمضان نفسه في رسالة إلى بشير11.
من المنطقي أن تثقل الحرية كاهل أبطال معمري، وتبدو التهدئة النفسية لرمضان حين زج به في المعتقل. ويستخدم معمري مراراً في روايته أسلوب دحض الرأي الذي يتشكل في البداية عن هذه الشخصية، أو تلك في محاربته لأية أحكام قبلية. وهكذا فمن بين شخصيتين متعارضتين: العادل رمضان، وبشير الذي يظهر في البداية أنانياً مخنثاً، يتضح أن البطل الإيجابي هو بشير بالذات، وعلى امتداد تطور الرواية، تبرز الكثير من شخوص المؤلف أفضل مما كنا نتوقع. وتكمل عضوباً الخلفية الشعبية للرواية، التي تشكلها صورة حياة الجماعة الفلاحية في عهد الهزات الرهيبة، صورة البطل المركزي بشير، الذي يبحث عن الحقيقة لخير المستقبل الوطني. إن تصوير الارتباط العميق لشخصية تقدمية مفكرة بالكل الشعبي في رواية« العفيون والعصا» يحدد المغزى الاجتماعي لهذا الأثر الأدبي البارز. فالرواية تعنى بحرب الاستقلال ذاتها؛ بمحاسنها ورعبها بأصدقائها وأعدائها.










رد مع اقتباس
قديم 2013-01-24, 13:45   رقم المشاركة : 199
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

محمد ديب. . . طواسين النبوءة والزلزال الكبير . . . . . . . . . . .

ونشر محمد ديب« الدار الكبيرة» سنة 1952، وفي سنة 1955 أضاف لها الجزء الثاني من الثلاثية« الحريق». ويعد محمد ديب رائداً للرواية الجزائرية الحديثة المكتوبة باللغة الفرنسية، امتصت هموم الإنسان الجزائري، الذي كان الشعر والأدب الشفهي عامة هو زاده الروحي الرئيسي. وتأتي ثلاثيته في مقدمة الأعمال التي تؤرخ لمولد الرواية الجزائرية، وكما مثلت سيرة شخصية لصاحبها، مثلت« مذكرات الشعب الجزائري» هكذا وصفها أراجون، أو هي الجزائر نفسها كما قال معظم النقاد، فهي تتناول حياة العمال في المدينة، وحياة الفلاحين في القرية، وتنتهي إلى« أن النار قد بدأت ولن تتوقف أبداً. إنها تستمر مشتعلة ببطء وبعماء إلى أن تعم ألسنتها الدموية البلاد كلها بحرارتها المدمرة»12.
وبصورة عامة لا تخرج الدار الكبيرة عن أطر تقاليد الكتابة عن العادات التي يمثلها معمري وفرعون أحسن تمثيل، وقد صور ديب في هذه الرواية الحياة اليومية لحي في المدينة، من خلال إدراك طفل يكون العالم بالنسبة إليه جديداً وممتعاً، برغم جوانب الحياة المأساوية؛ من بؤس وجوع وعسف السلطات الاستعمارية، كما أن أسلوب الرواية أكثر حداثة من أسلوب فرعون ومعمري، فهو وجيز ومعبر، وفي الوقت نفسه فإنه مشبع بالمشاهد المطولة، تلقي بعض الظلال بشكل غير مفيد، على مقاطع تمثل نموذجاً رائعاً في الوضوح، وتتعاقب شاعرية خفيفة مع نزعة طبيعية. ويخلف الإحساس باليأس والخوف الصوفي الإدراك المادي الجلي للعالم. ويتابع ديب في الثلاثية رصد سيرة بطله« عمر»، ويقرر أن يضيف إلى قصته المتواضعة معلومات اجتماعية مستفيضة، عن طريق التصريح وليس التعبير، ملمحاً بذلك إلى المعارك الطبقية القادمة، وإلى دور العمال البارز، وواعداً بتحولات اجتماعية قريبة. ويفقد بوضوح ديب، الذي وقع تحت سطوة القالب الذي استعاره من الروائيين الفرنسيين المعاصرين، اهتمامه بالبطل نفسه، وتتحول قصة حياة عمر وعلى الأخص في النول إلى تراكم لتفاصيل صغيرة وشاحبة، ينضفر منها نسيج الرواية الطويل وغير المعبر. ولم يتح لعمر رغم أنه كبر أن يصبح راشداً فيفقد تدريجياً ليس السمات الشخصية لطبعه فحسب، لكن كذلك كل ميزاته الفردية. حقاً إن فقدان البطل في« الحريق» يعوض لحد ما، بتصوير شاعري لرحاب الريف الجزائري وسكانه، الذين يحملون فكرة ضرورة الكفاح من أجل مستقبل أفضل.
تتوقف الثلاثية عند أعتاب« النبوءة» بما سيكون، تاركة ما كان إلى روايته، التي صدرت عام 1959 تحت عنوان« صيف إفريقي» وتتميز هذه بإحكام فني شديد، يتجاوز به ديب حدود الزمان والمكان، يواكب الثورة الجزائرية التي اندلعت، ويعمد إلى اختيار نماذجه من« الجزائر» كلها؛ يختار التاجر وصاحب الأرض والموظف الصغير، والطالبة والخادمة والفلاح، يختار أيضاً الثوري والخائن والمتردد، ويختار« فرنسا» بكل ما يمثل استعمارها من قيم تخون الثورة الفرنسية يختار لها وجهها الهمجي المتوحش، الذي يعبث بكل قيمة. لا يعمد ديب في بناء «صيفه الإفريقي» إلى العقدة الكلاسيكية بل ينسج بناءه الفني من الشخصيات13.
لقد كانت رواية« من يذكر البحر» 1962 انقلاباً جمالياً جزائرياً، تولد عن خروج ديب من عباءة بلزاك من أجل صياغة طرق كتابة رؤيوية جديدة، قائمة على الحكم كبديل للواقعية والتوثيقية، كان دخول الرواية ورشة الأحلام مع ديب، أنقذ المتن الجزائري بالفرنسية من إيديولوجية« كالوظيفة» وأدخل الروائيين في مغامرة مع العالم والكتابة. تدخل ديب بجرأة إشكالية حديثة. وتسحق هنا تماماً المقولات الكلاسيكية للتمثيل الروائي، التي كانت سائدة في الثلاثية: زمن خطي ذو اتجاه واحد يرسم منحى مصير، شخصيات تتوافق مع نماذج اجتماعية، وصف ذو وظيفة درامية وقيمة أخلاقية، حبكة تنظم القصة، رؤية موحدة للمؤلف –الرواية الكلي- المعلم. إن الوظيفة الاتصالية التي يقيمها الراوي من خلال نصه، مع المتلقي المفترض تغير شكلها ووظيفتها، فمن وظيفة موجهة جوهرياً إلى القارئ قصد التأثير عليه، تكتفي من الآن فصاعداً بأن تقترح عليه مشاركة في البحث عن معنى.
وفعلاً فتجربة الحدود التي يخوضها المؤلف، يخدمها السحري على طريقة كافكا، الذي يعالج اللامعقول كجزء من الحياة، حياة كابوسية، وتغزو الكثير من أساليب العجيب والسحري هذه القصة الخيالية، التي تنبذ الواقعية وتبعد المرجع الاجتماعي الرمزي ، ما هو إلا نتيجة لعمل نصي يأخذ المعنى المجازي بكل حرفيته، ويعرف تطورات غير متوقعة، لكنها تخضع لمنطق معين. رواية« من ذا يذكر البحر» وعن طريق نفس عملية استغلال استعارة التوحش بالمعنى الحرفي، شخصيات أسطورية تمثل غزاة المدينة القديمة. ومنذ ذلك الوقت فمن الطبيعي أن يصبح الصراع القائم بين حماة البناءات الجديدة وسكان المدينة القديمة ضرباً من السحر، يحتفل به سرياً من خلال طقوس مؤذية، صحبة جوقة من الكلاب والانفجارات المرعبة14.
إنها إرادة الاكتشاف وانتزاع الفنان لمكانته الخاصة في جوقة الأدب العالمي، التي تدفع هذه الانعطافة في جماليات محمد ديب. ولهذا السبب يرافق هذه المحاولة الجديدة عمل فكري حول الأدب، وتشاطر بذلك اهتمامات موجة الرواية الجديدة، التي كانت تحتل آنذاك مقدمة الساحة الأدبية في فرنسا. لكن لا ينبغي الخلط بين مقاصد المؤلف وشكلانية معاصريه الفرنسيين، فهو يعبر قصداً عن رؤية للعالم مختلفة في جوهرها عن رؤيتهم، ومن وجهة النظر هذه أعلن ديب عن انتقاله إلى رؤية جديدة للعالم في ذيل روايته« من يذكر البحر»، وقد صيغ وداع الماضي في هذه الرواية أكثر صراحة، ويتخلى عن المنهج الذي يسمى واقعياً، ويعلن سطحيته وعجزه عن إنارة الهوة المظلمة بأضواء كاشفة، كما يتخلى عن تثبيت الأحداث، وتصوير الحياة المحسوسة والصدق، ويعتبر أن مهمة الفنان هي نقل الهلوسات والنزوات الباطنية، التي تعبر عن وجهة نظره الحقيقي للإنسان، وتميز وضعه في العالم المعاصر15.
فالرواية في« من يذكر البحر» يبرز أكثر من قلق ويستشف أكثر من خطر، يترصد مستقبلنا عن طريق البحث عن الحقيقة التي تميزه، ويحدد البحث الذي يقترحه النص مثلاً في مجالين مفضلين، هما التصوف وانعتاق المرأة، وكذا الصراعات الإيديولوجية في جزائر ما بعد الاستقلال. تريد« الرواية الجديدة» لمحمد ديب بالضبط تجاوز حدود تقاليد« الواقعية» وهذا يقود المؤلف قبل أن يحكم طلقته، إلى تفضيل اللامعقول أساساً، وإلى إنتاج رؤية شبه فصامية للواقع المؤسس على تفرغ ثنائي أساسي بين الإنسان والأشياء. والواقع أن الجنون الذي يتحكم في العالم في زمن الحرب، يمكن أن يضفي مصداقية معينة على رؤية كهذه. فبينما تستسلم المدينة ظاهرياً للعمى العبثي لعنف بلا رحمة، يظل الأبطال الإيجابيون يتمتعون بصحو يأتيهم ليس من فهم عقلاني للأحداث، لكن من معرفة خفية نقلت عبر مسالك غامضة، تظهر في أثناء احتفالات يتعذر شرحها. ويقيم هذا الرمز، الذي يعده العمل الأدبي جوهرياً، صلة سحرية بالعالم الذي يربط من جديد، وراء العقلانية اللائكية للمثقف، الذي كونته المدرسة الفرنسية بالروحانية، التي تسبح فيها السلوكيات الشعبية لمواطنيه، ومن هذا الجانب الصوفي الذي يستغله عمل الكتابة, وهذا الغموض في المعنى واستعصاء فهمه في المجال الديني، يلتقي بنفس المفترض في المجال الجمالي، ويساهم في دعم العالم الأسطوري، الذي يقترحه عمل محمد ديب الأدبي كحاجة عن التساؤل السياسي والوجودي16.
ويصبح من الآن فصاعداً هذا الانتباه إلى الظاهرة الصوفية والباطنية بعداً جوهرياً لنص محمد ديب الروائي. وفي« رقصة الملك» يتحول إلى عنصر للتأمل، يعيد رضوان بواسطته تشكيل وجوده المهدد بالانفصال والانطواء ويتطور في رواية« الله في بلاد البربر»، حيث تطرح« خصوصية» الشعب الجزائري. والواقع أنه ليس من المهم بالدرجة الأولى أن يكون تمفصل السياسي والأسطوري مثلاً في مؤلفات محمد ديب، صحيحاً من وجهة نظر التحليل التاريخي الدقيق للظاهرة، ما دام الأمر يتعلق برؤية أصيلة متوقفة على مكانة محمد ديب الخاصة جداً، في المجتمع كفرد وكاتب في آن واحد. ومن هذه المكانة يعالج محمد ديب المسألة النسوية، التي مثلها مثل المسألة الدينية، لا يمكن لأي نقاش أو تفكير في المجتمع الجزائري المعاصر أن يتفاداها. وكان من اللازم انتظار« رقصة الملك» للعثور على بطلة: إنها عرفية المجاهدة القديمة في حرب التحرير، التي تؤكد نفسها على ساحة النص كموضوع فردي مستقل، وتكون صورتها سليمة من أي ابتذال. وهي نظرة تجمع بين التسامي بالمرأة وبغضها. وعرفية مثلها مثل نفيسة، التي تنتمي على الأقل إلى عالم خيالي، فهي مصداقية ليس باقترابها من الحقيقة، لكن بحقيقتها كتجسيد لتطلعات الانعتاق النسوي17.
تأثر محمد ديب بعيد بالكاتبة« فرجينا وولف» ولا سيما بكتابيها« الأمواج، وإلى المنارة» وأن وسيلة تيار الوعي لهذه الكاتبة هي التي تركت صداها العميق في روايته «رقصة الملك» فنرى شخصيات تلك الرواية تثير التساؤلات حول سخافة الحياة، وتتأمل مرور الزمن معبرة عن رغبتها بإيقافه، مثلما تفعل شخصيات رواية«الأمواج» ورضوان هو الشخص الذي يجسد هذا الموقف من خلال إثارته ذكرى حياته الماضية. وتساؤلاته حول المستقبل. وقد تعرف ديب قبل تأثره بوولف على الكتاب الفرنسيين، وكان شعراؤه المفضلون«مالارميه وفاليري»، ومنهما استقى أسلوباً نقياً ميز شعره ورواياته18.
وهذه المرحلة الثانية من إنتاج محمد ديب الروائي، هي إذن مرحلة يوسع فيها التماثل من الواقع، المبعد من خلال مزج الاصطلاحات الرمزية والأسطورية والواقعية، مشروع شهادته المؤرخة في الثلاثية، إلى مقصد أكثر شمولية وغموض. وفي الوقت ذاته يتمسك البحث الأدبي لمحمد ديب، بشحذ أداة روائية جديدة قادرة على ترقية تعبير متحرر من المتطلبات البلاغية واستغلال الوظيفة الخيالية. وهو المشروع الذي يستمر في« ركض على الضفة المهجورة» في شكل بحث سوريالي، متعمد يخلق ميثيولوجية شخصية قوية، تتخذ من خلال الإحاطة بالواقع صيغة ذاتية للغاية، ومنها استئناف وتطوير مشروعه الروائي بعد الاستقلال. يبرز كقطيعة مع المرجعية الاجتماعية التاريخية، وتجريب الأدب في بعده الخيالي الخالص.
إن القاسم المشترك بين روايات ديب الأخيرة هو البطولة المشتركة، وبعض السمات الشاعرية المتشابهة، وقبل كل شيء المونولوج، أو الحوارث الداخلية لكثير من الأشخاص، التي تعبر عن وجهات نظر مختلفة حول طريقة إنقاذ البلاد، كما أن هناك أمراً مشتركاً بينها، هو بحوث الأبطال المولعة واصطداماتهم.
منذ عام 1962، فاجأ ديب قرّاءه بتغيير مفاجئ في مسيرته الروائية، فقد أصدر روايته« من ذا الذي يذكر البحر» وكانت شبيهة بروايات علم الخيال –الواقعية الخرافية، التي التزم بها الكاتب طوال حياته الأدبية، حيث أصبحت رمزية غارقة في الغموض والشاعرية. في رواياته الأخيرة سما ديب بالثورة الجزائرية إلى قمة التصوف« الرمزي الخيالي»، صار الاستعمار آلات وحشية غريبة، كأنها تنزل من كوكب بعيد، وفي مواجهتها كان الثوار بشراً متمردين، يقاومون بأسلحة صغيرة لكنها سرعان ما تخرق الصمت، وتذيب صلب الآلات الوحشية. وبعد هذه الرواية واصل« تصوفه الخيالي» خاصة في« الجري وراء الضفة الأخرى» ورواية «سطوح اورصول». في هذه الروايات ظهر«أدب المنفى» واضحاً لدى الكاتب، والبطل ينتهي إلى العزلة التامة والضياع القاتل، وتنتهي رواياته بمونولوجاتها الطويلة المليئة بالأسئلة الثاقبة للذاكرة العائدة.
فإذا كان ديب في رواياته الأولى يكتب عن العادات والتقاليد في الأغلب، فهو الآن يعمل مع أوهام الخيال، ويترك هذا التحول انطباعاً عن حيرة الفنان. إن هناك تناقضاً كبيراً في الإبداع السابق لمحمد ديب، ينبئ بتطوره المعقد، الذي ما زال مستمراً على ما يبدو إلى يومنا هذا19.











رد مع اقتباس
قديم 2013-01-24, 13:46   رقم المشاركة : 200
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

مالك حداد . . شعرية القص ورمزية النص .

والشيء نفسه ربما يكون قد فعله مالك حداد مع بعض الخصوصيات، التي رافقته طول حياته، فمن« رصيف الأزهار لا يجيب» إلى« سأهبك غزالة» إلى« الشقاء في خطر» ظل حداد يحمل مأساته المزدوجة، وربما بحس يختلف عن الآخرين، هذا الهم المزدوج« الاستعمار واللغة» هو الذي حدد مسار كل أعماله. فبالرغم من مأساة اللغة ظل هذا الأديب نقياً، يعبر عن هموم وطنية وقومية وإنسانية، برؤية تقدمية في شكلها العام، بعيدة عن كل روح شوفينية، الأمر الذي ساعده على عدم السقوط في التعميم والغموض، مثل بعض الكتاب الفرنسيين المتواجدين في الجزائر، الذين أفرزتهم الثقافة الاستعمارية.
تتمثل الرؤية الأكثر عاطفية تجاه ثورة التحرير في أعمال« حداد» فهي تعتبر مجموعة من العواطف والأحاسيس أكثر منها مجموعة للأفكار والآراء. تشكل رواياته قصائد تأثيرية، تظهر فيها من حين لآخر تصريحات وطنية وحماسية، وهو ينظر إلى الحدث كشاعر بقلبه قبل فكره. الحقيقة أن حداد له مفهومه الخاص للالتزام، ففي روايته« سأهبك غزالة» يروي قصة حب بين سائق شاحنة وفتاة شابة، تعيش في الواحة التي يتوقف فيها السائق ليستريح، وهو في رحلته عبر الصحراء. فالكاتب في رأي حداد لا يلتزم إلا بشخصيات رواياته. لكنه لم يهمل ثورة التحرير والمجاهدين، الذين كانوا يقاتلون من أجل أن يحققوا السعادة والخير لشعبهم، أو من أجل الغزلان20.
وتكاد تجسد رواية« التلميذ والدرس» لمالك حداد أعمق الوثبات الفنية للمتناقضات الدامية، التي يكتوي بها وجدانه. والشكل الفني نفسه يكاد ينطق بغلبة الدماء الجديدة، وحداد يبدأ صياغته من الكلمة فالجملة إلى بقية النسيج الروائي، ولا يفعل العكس: أن يصمم هيكلاً روائياً للأحداث والشخصيات والمواقف، ثم يملأه بالكلمات. أي أن الشاعر ببساطة يسيطر على الروائي. وتكاد الرواية في كثير من المواضع تتحول إلى قصيدة شعرية. وهذا يفسر أن البناء الذي انتهت إليه هو« المونولوج» إن« التلميذ والدرس» في جوهرها مونولوج طويل، فنحن لا نتعرف طوال الرواية إلا على شخصية واحدة لهذا الطبيب الجزائري الكهل، القاطن في إحدى المدن الفرنسية، وحيداً بعد أن ماتت زوجته. والمفارقة الروائية التي ينطلق منها حداد هي أن الطبيب –الأب- حريص على إبقاء حفيده بين أحشاء الابنة –المناضلة- التي جاءت عليه راغبة في الإجهاض. يكشف لنا حداد عن رمز البطولة في المقاومة الجزائرية، من خلال هذه الرواية21.
وضع حداد في روايته الأب وابنته وجهاً لوجه، الابنة التي تعمل في صفوف المقاومة. ومثل هذه المواجهة، تعتبر مظهراً آخر لصراع الأجيال، الذي تجلى واضحاً في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وفي الواقع فإن حداد هذه تعتبر أفضل رواياته وهي أكثرها تماسكاً وحيوية ومحتوى، بالرغم أن الدور الكبير يتركز في معظمه على مشاعر الوالد وهو يفكر ويتأمل سلوك ابنته. لقد اختار حداد منذ الوهلة الأولى أن كون « المنفى» هو المهاد الذي يبذر فيه رموزه، واختار أيضاً « جيل المنفى» هو الصغيرة المعبرة عن رؤيا المقاومة في رواية « التلميذ والدرس». يقدم إبداع مالك حداد فكرة عن الدرجة النوعية الجديدة التي ارتقت إليها الرواية الواقعية الجزائرية. وقد صادف إبداعه برمته فترة الحرب، إذ أن المؤلف لم ينشر أي كتاب بعد انتزاع الاستقلال. وتنقل مؤلفات حداد واقعاً جديداً إذا ما قورنت بإبداع كتاب التقاليد والعادات. وقد كرست رواياته للعالم الداخلي للبطل المثقف، أو لذلك الإنسان الذي إن لم يكن مماثلاً للمؤلف، فهو على أية حال شديد الشبه به روحياً. ولا يمكن التأكيد أن سيرة أبطال حداد تفتقر إلى الأحداث الدرامية بصفة خاصة، فكل واحد منهم يشعر بشكل أو بآخر بآلام قاسية، كموت القريب أو انهيار الآمال الشخصية. غير أن هذه الأحداث لا تلفت في حد ذاتها انتباه الكاتب، وهي فقط ضريبة حتمية، يدفعها للزمن كل واحد من مواكبيه في تلك السنوات، التي أصبح فيها مفهوم الجزائري – كما يقول الكاتب نفسه مرادفاً للشقاء. إن موضوع حداد هو الحياة الروحية للشخصية، التي تنطوي على قدرة فائقة على معارضة هجوم القوى الهدامة والمعادية للإنسان. وهذه القدرة لا تتجلى في أحداث خارجية باهرة تسترعي النظر، لأن بطل حداد يحوز انتصاراته في الحياة اليومية غير المحسوسة، وهذا لا يحط بتاتاً من مغزاه. وعادة ما تنكشف أمام بطل مالك حداد إمكانية سلوك الطريق السهل، والرفاهية الشخصية على حساب تسوية مع ضميره الخاص، غير أن البطل يرفض بحزم سلوك هذا الطريق. ويوافق تماماً الأسلوب الإبداعي للكاتب محتوى مؤلفاته، التي يبرز فيها تعقد الحياة الاعتيادية وغير المحسوسة، والبساطة الأزلية اليومية، كما يفتقد سرده مثلاً إلى الزخرفة الأسلوبية والفصول المطولة22.
دارت روايات حداد حول الثورة الجزائرية، وتلمسها من قريب ومن بعيد في دوامة من المشاعر والعواطف، هذا وأن شخصية الكاتب والثورة تشكلان نبعاً غزيراً لرواياته، وحب الوطن يقوم بمثابة رباط الحياة، الذي يربط كافة الحوادث ببعضها بعضاً يبرز حداد في رواياته كاتب شعر أكثر منه كاتب قصة. فقد تأثر بالشاعر الفرنسي « أراغون»، وكذلك بالفيلسوف« برغسون»، الذي ترك أثراً واضحاً على أعماله.
كاتب ياسين . . . « نجمة» الأسطورة والرمز: . .

فإذا جاءت« البيت الكبير» كانت بشير مولود الرواية الجزائرية، فإن« نجمة» كاتب ياسين، تبرز من بين معظم المحاولات والتجارب، وبالرغم من كل هذا من تمزقات، تبرز دليلاً يقينيا على أن الرواية الجزائرية قد ولدت. وما جراحها إلا جراح الجزائر وعذاباتها. وتعد« نجمة» من أعظم منجزات الأدب الجزائري الحديث، كما يذهب النقاد الغربيون والعرب على السواء. وتنبع أهميتها في تقديرنا من أنها تجسيم بالحجم الطبيعي لرحلة العذاب، التي خاضها كاتبها ووطنه جميعاً. إنها تجسد شكلاً ومضموناً كافة مراحل التطور، ومختلف أشكال التناقضات واتجاهات الصراع ونتائجه، التي انتهت إليها الرحلة الدامية؛ إنها حققت درجة عالية من الوحدة الدينامية في العمل الفني، حتى أصبح من الصعب تصنيفها إلى شكل ومضمون، كما أنها حققت درجة عالية من روح الخلق حتى أصبح من العسير تصنيفها إلى خيال وواقع.
تبنى كاتب ياسين موقفاً متميزاً في كتاباته، فهو يبحث عن الموطن الأم، مشخصاً إياه في شخص امرأة يسميها «نجمة» وتصبح الجزائر حقيقة مجسدة، وتكون نجمة بمثابة روح البلاد التي تسري والحادثة التي أثرت تأثيراً بالغاً على أعمال ياسين الأدبية هي مذابح سطيف، وكانت الكتابة هي الأسلوب النضالي الذي اختاره في نصرة القضية الوطنية الجزائرية. وتعتبر الجزائر بالنسبة للكاتب الينبوع الثري، الذي لا ينضب كمصدر إلهام فقد تناول تاريخها في أثناء الاحتلالين التركي والفرنسي، منشغلاً دائماً بوجود الوطن وبقائه.
والشكل الفني في« نجمة» قريب غاية القرب من الفن التشكيلي، في أحدث مراحله، إذ هي تبدو كلوحة تجريدية، وبالتالي تخلو من البناء الكلاسيكي في أية صورة من صوره. يجتمع الماضي والحاضر والمستقبل في« نجمة» اجتماعاً حياً مشخصاً ماثلاً، لذلك فهي قد تتشابه مع قصة« الصخب والعنف» لفوكنر، أو قد تتشابه مع« رباعية الإسكندرية» للورانس داريل؛ من حيث أن لكل شخصية زمانها الخاص ورؤيتها الخاصة، التي أملت على كل من فوكنر وداريل، هذا التجديد في بناء الرواية الحديثة. تتشابه« نجمة» مع هذه الأعمال في انتساب الزمن إلى التكوين الداخلي للشخصية؛ تجسد تجربة بدايتها تمتد إلى الماضي السحيق، وتمتد نهايتها إلى المستقبل البعيد. تشكل شخصية« نجمة» البطلة المحورية، فهي ابنة الجميع وعشيقة الكل« هي روح الجزائر الممزقة من البداية، والمهددة بمختلف التوترات والتمزقات الداخلية« كما وصفها كاتب ياسين في بعض تصريحاته. هذه الروح هي الثورة والثورة هي التجربة، التي امتصت زمانها الخاص على نحو شديد التعقيد من الماضي والحاضر والمستقبل، فهي أشبه بالبناء الموسيقي، كما قال الناشر الفرنسي في طبعتها الأولى.
إن التطور« اللولبي» للأحداث في نجمة، يذكرنا بمبادئ بنية روايات« فوكنر» ولعل هذه المقابلة لم تكن تخطر على بال أحد، لو لم يتحدث كاتب ياسين علنا وصراحة، عن حبه لفوكنر، وجيمس جويس، الذي أثر تأثيراً كبيراً في إبداع فوكنر، وهكذا فإن صلة الروائي الشاب بجويس وفوكنر، سمحت باستنتاجين وهما أن كاتب ياسين اقتبس البنية الزمنية من فوكنر، وتقنية تيار الوعي من جويس. يلجأ الكاتبان فوكنر وياسين إلى استعمال فقرات جديدة تمتد على صفحات عدة، بدون أية علامة ترقيم. وهناك تشابه يبدو أكثر وضوحاً في« ابسالوم ..ابسالوم» لفوكنر، و»نجمة» لياسين، خاصة في مجال العلاقة اللاشرعية، التي تنشأ بين بعض الشخصيات. ويظهر عدد من الأطفال غير الشرعيين في الروايتين. نجمة التي يتصارع الرجال ليس فقط على حبها، ولكن على إخضاعها أيضاً، وكذلك الحال مع« كليتمسترا وشقيقتها» في رواية فوكنر. وتشترك الروايتان في الغموض، الذي يكتنف أصل بعض الشخصيات. وهذه حقيقة تطبع جل شخصيات روايات ياسين، فبدون معرفة اسم عائلة الشخص يصعب معرفة أصله. وجو كلتي الروايتين يكتنفه غموض المصير، غير أن نجمة لا تحمل الروح الشيطانية الجهنمية، التي تحملها ابسالوم ابسالوم23.
هذا وقد تأثر ياسين كثيراً بالشاعرين الفرنسيين« رامبو، وبودلير» ومن« الفراديس الزائفة» استقى ياسين فكرة« المرأة المتوحشة». وتجسد تيار الوعي في مذكرات مصطفى، وهذيان وحكايات رشيد، فقد كان يعكس أفكار وأحاسيس المؤلف، وساعدته هذه التقنية على خلق تنويعات شعرية، توهم بالامتلاء العاطفي الغنائي الذاتي. وتطرح إمكانية فهم الحاضر من خلال استرجاع الماضي، وبعث الأسطورة القديمة، التي تساعد على العودة إلى نقطة البدء، وهكذا فمن ضرورة الصلة بين الحاضر والماضي، ولدت بريشة كاتب ياسين قد تخيلها هو جزئياً، وأخذها في الأساس من خرافات الأجداد، قصة الجد الأكبر« كبلوت»، زعيم قبيلة بدوية عريقة، قدمت إلى الجزائر في عهود غابرة، من مكان ما من الشرق العربي، واستقر أحفاد «كبلوت» في الناظور بالقرب من قسنطينة، وقاوموا ببسالة أجيال متعددة من الغزاة. وهكذا استمر الأمر حتى الفرنسيين، لكن القبيلة لم ترضخ لهم24.
استعملت« نجمة» مادة الأساطير على مستويين متداخلين؛ الأول مادي ويخص تقاليد المقاومة عند الكبلوتيين، والثاني رمزي فلسفي، ويخص الحب القاتل للرفاق الأربعة لنجمة التي هي ليست امرأة فاتنة فحسب، وإنما هي رمز للوطن الرائع والمعذب بتاريخه البسيط، والمأساوي على حد سواء.
إن القلق والغموض والشك، الذي ملأ كتابات كامو وروبلس وبيلا وغيرهم، قابله خطاب روائي آخر، مؤسس على تقاليد الأدب الإنساني، فكان جيل 1952 الأدبي: محمد ديب (بلزاك الجزائر)، وكان كاتب ياسين (جيمس جوس، أو دوس باسوس)، وكان مولود فرعون، ومولود معمري (تولستوري) وكان مراد بوربون (غوركي) لقد كانوا جميعاً وهم يستندون إلى قيم الآداب الإنسانية وإلى قيم الحرية يشيدون تقاليد القطيعة الجمالية والفكرية، مع أدب التحقير والغرابة والإنسانوية الغامضة.
فبالرغم من لحظات اليأس، التي كان يصاب بها مالك حداد مع غيره من الكتّاب الجزائريين، أو كما سماه« اليأس الفني»، إلا أن كتاباتهم لم تصب بأي مرض من الأمراض، التي أصيبت بها بعض المدارس الغربية، التي سقطت في الإغراءات الشكلية المميتة، فلم يحاولوا البحث عن ذواتهم داخل الفراغات المغلقة، ولم يقتلهم القلق ولا التهويمات الميتافيزيقية الغامضة، فكل شيء كان بالنسبة لهم واضحاً، فالثورة الشعبية الكبرى وهناك أمور أخرى منعت هؤلاء الأدباء من السقوط في حبائل الاستعمار وإغراءاته، وعلى رأسها واقعهم الاجتماعي والطبقي، فكلهم من أصول طبقية فقيرة، ومهضومة الحقوق. نجد مثلاً كاتب ياسين، الطفل الفقير قد احترف الصحافة واشتغل عاملاً في الموانئ وفي الزراعة قبل أن يمارس الكتابة. وبالمثل محمد ديب اشتغل في معامل النسيج في تلمسان، وفي أقبيتها الباردة، ثم عمل محاسباً ومعلماً فصحفياً. هذه التجارب المرة هي التي جعلت منه أديباً مبدعاً، وثوريا وفناناً يغمس ريشته ريشة الرسام الصادق في الدم والعرق والعذاب والجنون، والحكمة والتمرد، والمرض والتناقض والثورة، فيخرج منها ألواناً يصبغ بها لوحته25.
لقد كانت استراتيجية الكتابة في ظل المدرسة الوطنية للآداب، هو أن يكون الأدب وسيلة للكفاح، لإعادة القيمة لذات منكسرة، مهزومة ومهمشة، إنها كتابة أهدافها تحويل المركز إلى الهامش والهامش إلى المركز. إن الروائي رشيد بوجدرة في« التطليق» وفي« ألف وعام من الحنين»، والطاهر جاووت في« الباحثون عن العظام» مارسوا عملية إثراء تقاليد الكتابة الروائية عند محمد ديب، وكاتب ياسين فيما يتصل بالاستراتيجية توليد الأحلام. وعلى الرغم من الإحالة على الواقع والتاريخ والأتوبيوغرافية في نصوص بوجدرة، إلا أن الكتابة كانت هي المركز والواقع هو الخطوة الثانية. ومع تعميق هذا الجانب كان الجزائريون يؤسسون نصاً للحيرة وحيرة للنص.










رد مع اقتباس
قديم 2013-01-24, 13:47   رقم المشاركة : 201
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

آسيا جبار ومرغريت عمروش . . . عطش الأنثى

وإذا كان الروائيون الجزائريون في الفترة ما بين الحربين، وحتى الثورة الجزائرية قد تتلمذوا مباشرة على صناع الرواية الكولونيالية، فإن الروائيين المعاصرين بالفرنسية، يعودون الآن لاستثمار أساليب وطرق الرواية الكولونيالية، والفن التشكيلي الكولونيالي في نصوصهم. اتكأ هؤلاء على نصوص أو لوحات لمبدعين استعماريين، يعودون إلى نهاية القرن الماضي بداية الغزو، حتى بداية استقرار الرأسمال الكولونيالي.
ويختلف موقف« آسيا جبار» ككاتبة، عن مواقف الجزائريين الآخرين، فهي ترى أن الرواية يجب أن لا تعكس حوادث العهد الذي تكتب فيه. فكأنها تحتاج إلى البعد الزمني، الذي تطلبه عمل المؤرخ لتقييم صادق للأحداث، وعلى هذا الأساس فروايتها« العطش» التي كتبتها خلال السنوات الأولى من حرب الجزائر لم تعكس الجو الذي كان سائداً في تلك الآونة، فهي تمثل للكاتبة هروباً من الواقع القاسي، ففي واقع حياتها كان الفرنسيون يلاحقون خطيبها، وكان أخوها في عداد الجيش المقاتل في الجبال، فهي تعتقد أن معالجتها للأحداثـ،، التي كانت تهز بلادها في تلك الفترة، لم تكن لتؤدي إلى كتابة أعمال تتسم بالعمق، ولم تعالج ثورة التحرير إلا في روايتها الثالثة« أطفال العالم الجديد» واتخذت في تناولها موقف المراقب للأمور وليس المشارك فيها26.
أما روايتها الرابعة« القبرات الساذجة» فقد اندمجت أكثر مع الأحداث، فانتقلت إلى ميدان المعركة وإلى مخيمات اللاجئين، ونفذت إلى أعماق نفوس الجزائريين، الذين كانوا يحاربون على الجبهة التونسية. وإن رواياتها بصورة عامة تعدّ وثيقة قيمة للمجتمع النسوي الجزائري، فقد كانت« جبار» في مركز أفضل من غيرها من الكتاب الجزائريين لتكشف عن أسرار ذلك العالم المغلق.
إن نقلة لدى آسيا جبار تقفز بها من رواية« أطفال العالم الجديد» بقيمتها الجمالية المنخرطة في جماليات الأدب الوطني المتموقع في سياقات الإيديولوجية الوطنية بكل تنوعاتها إلى نص ينتمي إلى متن جمالي كولونيالي متمثلاً في الروائي والرسام أوجين فرومنتان، إذ إننا نلمس بصمات واضحة لروايته« سنة في الرمال» على نصها« الحب، الفانتازيا»، والأمر نفسه نلمسه لدى ليلى صبار، إذ نجد في نصوصها حسا انبهاريا واغرابية، قادمين من تقاليد الكتابة الاستعمارية، الباحثة عن ألف ليلة وليلة في الواقع الجغرافي، وفي الإنسان الجزائري.
إن«دفاتر شهرزاد» 1985، الذي هو نص موصول بوضوح بنصها الأول «شهرزاد» الذي تستعرض فيه المشرق الذي هو المغرب العربي-لا فرق- من خلال عين سائحة مستشعة، فهي لا تعدو تكتب أدب البطاقة البريدية الجديدة، وعينها لا تختلف عن عين الرسام ماتيس أو دولاكروا في لوحته« نساء الجزائر». إن أدب البطاقة البريدية من خلال نصوص آسيا جبار وليلى صبار، يعكس بقوة خضوع الكاتب إلى الوضعية التي قدمته له دار النشر الفرنسية، التي هي ولادة حنين إلى تحول الكائنات الجنوبية إلى متعة ومتحف.
إن الجنس بمفهومه« الجنسوي» والفلكلور بمفهومه« الفلكلوري» والصحراء بمفهوم القفار والخلاء والمغامرة، والدين الشعبي والزواج والخيال الجزائري. كلها موضوعات ينتظرها القارئ الأوروبي في كتابات الجزائريين، إنها شرط الكتابة وشرط النشر وشرط الزواج.
وتأثرت «جبار» بالكاتب الأمريكي «دوس باسوس» فهي مثله تضع أفكار شخصياتها بين علامات تنصيص وأحياناً بي قوسين. ويظهر بوضوح تأثير« د.هـ.لورانس» في آسيا جبار، ويبدو أنها بمساعدة كتاباته توصلت إلى»اكتشاف الجسد» والتقى الكاتبان في نقطة اهتمامهما بالعلاقة بين الرجل والمرأة، فقد عالجت« جبار» هذا الموضوع ضمن روايتها الأولى، مركزة عليه بصورة خاصة في روايتها الأخيرة« القبرات الساذجة». وتركت روايتا« لورانس»- نساء محبات، وعشيق الليدي تشارلي –أثرا كبيرا على أعمال جبار. وكذلك فإن رواية« جوستين» للكاتب« لورانس داريل»، والتي أعجبت بها إعجاباً خاصاً، تركت علامتها على رواية« القبرات الساذجة» فكلتا الروايتين تنطقان على لسان راو، يتناوب دوره بين الملاحظة الخالصة والمشاركة الإيجابية في القصة، كما أنهما تتشابهان نوعاً ما أيضاً، في موقفهما إزاء المومسات اللواتي يظهرن تعاطفاً معهن. ومن ناحية أخرى، فإن كلا من جبار وداريل يعطيان للمدينة التي تدور فيها أحداث قصتيهما دوراً في سير الأحداث؛ فبينما داريل يشخص مدينة الإسكندرية، تحاول ذلك جبار مع مدينة تونس27.
ونأتي إلى الكاتبة« مارجريت طاوس عمروش» لنجد أنها تأثرت في كتاباتها بكل من« توماس» و»ج.كونراد واميلي برونتي، خاصة روايتها« مرتفعات وذرينج»، غير أن روايتها« الياقوتة السوداء» و»شارع الطبول» أقرب ما تكونان إلى السيرة الذاتية، وبذلك يصعب اكتشاف مدى التأثر فيهما بالكتاب الأجانب، وعلى أية حال، فإننا نلمس تشابهاً كبيراً بين عمروش وبين الروائيين السابقين لا سيما في مجال فن سرد القصة، فكل منهم يملك مقدرة على سرد القصة بطريقة جذابة، جاعلين من القصة المبسطة قصة شائقة، ومن القصة المعقدة قصة واضحة، وأن عمروش التي اكتسبت الخبرة من بيئتها القبائلية، هذه البيئة المعروفة بتقاليدها العريقة والغنية في الأدب الشعبي، تنعكس على روايتها «شارع الطبول»28.
نقول إنها قد بلغت النضج في هذا المجال، عند اتصالها واحتكاكها بهؤلاء الكتاب الكبار. وهناك جو درامي، ومسحة من التشاؤم يخيمان على كتابات عمروش من المحتمل أن تكون قد استمدتها من هاردي، وكونراد وبرونتي. فهؤلاء الثلاثة معروفون بنظرتهم التشاؤمية إلى الحياة.










رد مع اقتباس
قديم 2013-01-24, 13:48   رقم المشاركة : 202
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي




بوربون وبوجدرة وميموني...سؤال الحداثة وحداثة السؤال . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يعتبر« مراد بوربون» الشعب أحد أهم مصادر كتاباته، فالشعب يمثل مدرسته، وأفراده أخوته الذين يرتبطون معه، ليس برابطة الدم فحسب، بل بأخوة خلقها الكفاح والنضال المشترك، وتركز أعماله حول هذا الاتجاه وعلى وجه الخصوص في روايته« ذاكرة الشعب» التي تتناول اليقظة الوطنية لدى الجزائريين. ويدعو إلى عدم استغلال الشعب وثورته وأن الأدب الجديد يجب أن يهتم أكثر بالنضال من أجل الإنسان الجديد، فهو ينتقد السلطة في الجزائر المستقلة، مبيناً أخطاء ونواقص الثورة التحريرية29.
وقد خصص رشيد بوجدرة جل رواياته المكتوبة باللغة الفرنسية، لمعالجة مشاكل ما بعد الاستقلال، ووجه فيها نقداً لاذعاً للمسئولين، كما أثار بوجدرة مسألة الاختلال العقلي الذي عانى منه بعض قدماء المجاهدين، وخصص لهم مكاناً كبيراً في روايته« التطليق». ومن المعروف أن الحروب تنجم عنها عادة أمراض نفسية، واختلال عقلي للمحاربين، هذه الظاهرة تفيض بها الرواية. ونظر بوجدرة إلى الوضع في الجزائر المستقلة من خلال عيني مريض نفسي سابق، فأعطاه هذا المنطلق حرية كبيرة في نقد السياسة الجزائرية، فمن يعاقب مجنوناً على أفعاله وأقواله؟ وقد احتاط الكاتب، فحذر القارئ موضحاً بأن بطل روايته لم يشف تماماً وأنه يصاب بنكسات من آن لآخر. وأخذ الراوي محتمياً بذلك الدرع، ينقد الأوضاع في الجزائر قبل الاستقلال وبعده. فهاجم العادات والتقاليد بنفس العنف، الذي هاجم به الجزائر الثورية، خاصة الإرهاب الذي ورثته من النظام الاستعماري، ومارسته على بعض القدماء المجاهدين. هذا بالإضافة إلى الاستعانة بوسائل التعذيب، التي استخدمها الحكام الفرنسيون في الجزائر. وقد سمى الكاتب حكام الجزائر المستقلة:« العشيرة»، أما جواسيسهم فأطلق عليهم اسم« الأعضاء السريين»30.
ونلحظ أن بطل رواية« التطليق» رشيد فرح بمرضه العقلي، الذي يبعده عن واقع الحياة والأوضاع المتدهورة في الجزائر، فكان يجهل حقيقة الأمور، لكن كان يدرك بحدسه أن الوضع مخيف، وذلك لأن الجزائر كانت فيها سجون ومعسكرات، ووسائل التعذيب ما زالت تمارس. وكان يشعر أن الاستقلال لم يأت بتغيير مفيد، ولم ينتج عنه إلا عمليات الانتقام، والاحتفالات والإثراء الفاضح. وعالج بوجدرة ظاهرة سوء توزيع الثروة في الجزائر المستقلة، ووضح أن العشيرة تحب المجوهرات بصورة خاصة.
كتب رشيد ميموني روايته «شرف القبيلة» وهي الرواية الثالثة بعد رواية «النهر المتحول» و»طومبيزا» تثير روايات ميموني في ذهن قارئها المتوهم عوالم كافكوية ووجودية، إذ تضعه روايته الأولى بين أهم الروائيين الذين يتوقفون في إثارة الانفعال والخوف، فنهر ميموني، يشدنا إلى مخاض شعب بأكمله، وتنضاف إليها رواية طومبيزا لترسم ملامح البؤس والعنف والقرف الجامح في ليل حالك السواد، لا تخترقه سوى التماعات حب جارف، لفضاء سرقت منه الأضواء. وبعد خمس سنوات تظهر رواية« شرف القبيلة» سنة 1989 لتثير ضجة في الأوساط الثقافية الفرنسية والجزائرية، وتصنف بين أجمل روايات الموسم.
يبدو أن بول فاليري، الذي يستهل ميموني به روايته، وهو يرى (بأن كل القصص تتعمق في الخرافات) كان يحث ميموني على الغوصفي وعي القبيلة الوجودي، وهو ما جعل الروائي يستدعي الراوي الشعبي، ليفتح (شرف القبيلة) بما تختزنه ذاكرتها. يحضر لاوعي القبيلة افتتاح الرواية، ويوهم بتوظيف مستنسخات دينية، ولكنها لا تلبث أن تنفجر مع حكي النهار، الذي يفضح ما يستتر عنه ليل حكي الصغار، ما دام التحول العنيف لا يصيب القبيلة وحدها بل يصيب السارد الذي ينتقل من عالم شفوي إلى عالم كتابي.
ويظهر السارد بطريقة ساخرة، يعفينا من عناء وصف غير روائي لأن القرية عبارة عن« بلد يقع في قعر العالم، وهو جد باهت، وجد مستتر، إذ لا تشير إليه أية خارطة في العالم، ولدرجة إيغاله في الديمقراطية فهو لا يحتاج إلى رئيس دولة»31.
إن أهل القرية جميعهم يتعارفون في ما بينهم، ويتبادلون التحايا صباح مساء، وبذلك فهم على علم بكل أحداث قريتهم، بل يعرف بعضهم عن بعض أقل الدقائق في حياة الآخر. إنهم إذن يعيشون ميثاق شرف قبيلة، يفترض أن على رب الأسرة الشريف أن يتوقف عن العمل بمجرد بلوغ أول أبنائه الذكور سن العمل، مما يسمح للشيوخ بالتمدد تحت ظلال شجرة الزيتون، ولا يتحولون عنه إلا للانتقال نحو الظل الذي يغادرهم. وتكاد تتحول القرية إلى« قرية فاضلة»، على غرار المدن الفاضلة لولا لعنة الأجنبي التي كنت تطاردهم، ولعنة المدينة التي تلاحقها. لغة الرواية متميزة عن باقي روايات التعبير الفرنسي، والتي تتفوق كثيراً على كتاب الجوائز الفرانكوفونية. يركز ميموني على العالم القروي وتحولاته، كما يتلافى الحديث عن الآخر باسمه، فهو الأجنبي والرومي والمتحضر، ويجمع داخل هذه التسميات كل أنواع الاستغلال التي انصبت على القبيلة، كيفما كانت طبيعتها الإيديولوجية والسلطوية. فلغة الرومي تكاد تكون لازمة في الخطاب المستنسخ عند ميموني، لأن بطله علي بن علي الذي عاد إلى القرية بدون روح، بعد أن التحق بالمدرسة الأجنبية سيصبح الوسيط الشرعي بين القبيلة والعالم الخارجي، خاصة وأنه التحق بالقرية بصفته مكلفاً بالبريد32.
وينتقل الصراع من القبيلة إلى الرومي، فإلى القبيلة الشرعية والأدهى والأمر أن القبيلة غير معنية بالصراع حول مصيرها ستلقى خبر تحررها من الرومي، دون وعي لأهمية الخبر. ويظهر عنف الخطاب الروائي عند ميموني في نقده المزدوج لما قبل الاستقلال ولما بعد الاستقلال على السواء، ويظهر هذا من خلال وضعية قرية الزيتونية، التي لم تتغير وضعيتها، ومورست عليها جميع وسائل العنف الهادئ والإداري. ويعي سكان القرية تمام الوعي بأن ما يفصل بين قريتهم والعاصمة هو ما يفصل بين السماء والأرض، ولكن لا أحد يصغي إليهم، فالأوامر والقوانين تتساقط فوق رؤوسهم بوتيرة تتجاوز ردود فعلهم. وتبلغ سخرية ميموني أقصاها حين يصور إلزام الدولة للدكاكين بوضع علامات مضيئة أمام محلاتهم بينما تستمر القرية في استعمال المصابيح الزيتية. وبهذا تتجاوز رواية رشيد ميموني «شرف القبيلة» طروحات رواية الواقعية والواقعية الاشتراكية، إلى رواية النقد المزدوج للذات وللآخر على السواء، بعد أن تكون لنا الوعي الزمني اللازم بمواجهات إشكاليات الكتابة الآلية والوقائع الغريبة لما بعد انتفاضة أكتوبر 1988 33
تعتبر المراهقة السن المفضلة لدى «رابح بلعمري» بالنسبة لشخوص رواياته في«الشمس التي تحرق الغربال»، و«النظرة الجريحة» وأخيراً «الملجأ الحجري» كلها روايات تحكي سيرة مراهقين، إنها سير اكتشاف وتعلم: اكتشاف العالم، اكتشاف الجنس والحب والجراح والموت. في رواية رابح بلعمري الأخيرة« الملجأ الحجري» جميع أمكنة الحنان والعطف والذاكرة تتهدم، وجميع الشخوص مهددون بالضياع والذوبان، في متاهات الحياة الصعبة. بعض هذه الشخوص مثل محنة (والأكيد الكاتب يرمز إلى المحنة بمعناها الحقيقي)، وأبو هامل (من همل بالعربية الفصحى) تحمل أسماء قدرية، غير أن هذه الشخوص لا تعرف الخيبة وحدها، بل أن كل الشخوص الأخرى تتعرض لنفس المحن والمآسي.
في ذاكرة الطفل البريء، امرأة زنجية مجنونة، هي أمه التي لم يرها إلا مرة واحدة في حياته، حيث كانت مسجونة في الكوخ. ماري الفنانة التشكيلية التي صممت على أن تبقى في الجزائر بعد الاستقلال، هي الأخرى تغرق في الجنون، وتنهي أيامها الباقيات في الملجأ الحجري، بينما تمثل الخالة عائشة تلك العجوز التي تذكي الذاكرة والأسطورة34.
إن رواية« الملجأ الحجري» تحمل العديد من الرموز والمفاتيح، مثل تلك الشخصية، الشاعر ذي الأصل الأوروبي الذي يتحمس لتطوع الطلبة وللذات البسيطة داخل المدينة وعلى الشاطئ التي تمثل بلا شك الشاعر الجزائري المعروف «جاك سيناك»، الرجل الذي أضاء طريق رابح بلعمري في الشعر والرواية. فلم ينسه الكاتب أبداً، حيث إن بلعمري لم يكتف بمثل هذه الإشارة إليه في روايته هذه، إنما خصص له دراسة نظرية نشرها مؤخراً في ديوان المطبوعات الجامعية تحت عنوان« جاك سيناك بين المتعة والألم».
هذه بعض الشخوص المهمة في رواية «الملجأ الحجري» التي يدور موضوعها في قرية بالهضاب العليا، بكل ما يحمل سكانها وحجارتها من أساطير، ومشاهد عنف ومناظر خلابة أو تعيسة، وكذا تعنت أولئك البشر المقيمون في آخر العالم كي يحيوا رغم الحروب والغزوات التخريبية.
إن رابح بلعمري يعتمد كتابة وقورة، وأسلوباً سلساً مضبوط العبارة، دقيق الكلمات مما يجعل من روايته تحفة حقيقية مهداة إلى الشبق والألم










رد مع اقتباس
قديم 2013-01-24, 13:49   رقم المشاركة : 203
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

تابع :


الرواية الجزائرية ذات التعبير الفرنسي والمأزق الحضاري: . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إذا كان الكتاب الفرنسيون في العهد الاستعماري قد جاءوا إلى الجزائر أو ولدوا فيها، فأسسوا تقاليد جمالية لأدب كولونيالي، فإن أسماء كثيرة رحلت إلى الغرب، كي تكون هي العين التي تعيد لهؤلاء ما فقدوه على الأقل على مستوى الكتابة. تمثل الصحراء كفضاء مبهر للآخر حضوراً عنيداً في رواية التسعينات، وأسماء لأسماء قديمة أو لأسماء الجيل الجديد. إنها سند عناوين الإثارة في القراءة الأوروبية. فمن طاهر جاووت إلى رشيد ميموني إلى آخر رواية لمحمد ديب، مثلت الصحراء استنهاضاً لذاكرة الأوروبي في المغامرة، استنهاضاً لتاريخه ولأحلامه، وأحلام الأجداد الذين انهزموا36.
بقي معظم الكتاب الجزائريين يكتبون باللغة الفرنسية، بسبب الولاء المزدوج لحضارتين وثقافتين، ولكن بعضهم قد اختار العيش في فرنسا كل الوقت أو بعضه، مثل محمد ديب وكاتب ياسين. بل أن الذين بقوا في وطنهم ظلوا متمزقين أيضاً، وأرادوا أن يمزقوا معهم شعبهم، ويحدثوا في وسطه البلبلة الثقافية وزعزعة الولاء الحضاري، أمثال مولود معمري، فكأن بقاءهم فيها إنما هو لغرض القيام بمهمة خاصة، تخدم المصالح الاستعمارية التي عجزت عن تحقيقها مباشرة سواء أرادوا هم ذلك أم لم يريدوه.
ونلاحظ ان الكتاب الجزائريين الذين كتبوا باللغة الفرنسية، قد تمتعوا بحرية الحركة أكثر من الفرنسيين في اختيار الأجناس الأدبية والموضوعات والتقنيات، فهم خلافاً للفرنسيين أقل ارتباطاً بالتقاليد الأدبية. وكما يتوقع المرء، فإنهم قد أعطوا تركيزاً أكثر للرواية كما هي، باعتبارها الجنس الأدبي الطاغي في القرن العشرين.
وعلى العموم فإنهم قد منحوا الأدب الفرنسي المعاصر دماً جديداً وقوة جديدة بالطريقة نفسها التي أنعش فيها الأدب الأمريكي منذ وقت غير بعيد، الأدب الإنجليزي المعاصر. إن كتاب شمال أفريقيا قد أعطوا قوة للثقافة في وجوههم الجديدة. وهم أقل اهتماماً بالفحص الداخلي، كما يفعل المؤلفون في فرنسا نفسها، ولكنهم أقوى نبضاً نحو التسامي البطولي.
إن كتاب شمال إفريقيا غير الفرنسيين، يشتركون في عدد من الموضوعات: الهجرة إلى فرنسا بسبب كثرة الولادات والفقر في الجزائر، والصراع الطبقي في شمال إفريقية، سواء بين المجموعة العربية نفسها أو بين العناصر الشمال إفريقية والأوروبية. وكذلك المعركة بين القديم والجديد، وبين التقدم والتقاليد، يضاف إلى ذلك التنازع العرقي والديني بين مختلف المجموعات والأعراق والأديان التي تتعايش في شمال إفريقية مثل: أهل البدو والحضر والعشائر الحضرية، والفلاحين وسكان المدن والبربر والعرب والأوروبيين، وأخيراً اليهود والمسلمين والكاثوليك.
ومعظمهم يعرفون فرنسا جيداً، حيث عاشوا فيها في أثناء مناسبات عديدة؛ إما للبحث عن عمل لم يجدوه في مسقط رأسهم، وإما لمواصلة دراستهم بعد اكتشافهم للثقافة الغربية في المدارس الفرنسية في بلدانهم الأصلية، وإما في أثناء خدمتهم العسكرية، أو في أثناء مسيرة الحرب العالمية الثانية. وتعتبر أحداث العقدين الماضيين مهمة بالنسبة لتاريخ شمال إفريقية، عندما انفتحت أبواب المنطقة على مصراعيها للتأثير الأجنبي، ولا سيما الغربي منه ثم حل التأثير المشرقي في عهد لاحق. كما أن معظم هؤلاء قد جربوا حظهم في الصحافة التي عاونتهم كثيراً على تنمية علاقتهم بالغرب –وخصوصاً فرنسا- وعلى ابتعادهم شيئاً فشيئاً عن ثقافتهم الأصلية. وغالباً ما كانت أولى محاولاتهم في ميدان الأدب، هي كتابة السيرة الذاتية حيث يبرزون فيها ازدواجية الولاء لعالمين مختلفين كما يبرزون معاناتهم عندما يجدون أنفسهم بعد ذلك عاجزين على إيجاد مكان لهم في كلا العالمين37.
وهكذا استمر معين الروائيين باللغة الفرنسية، يغذي القراء حتى أيامنا هذه. وإن كانت ظاهرة التعريب قد دفعت بعض الروائيين إلى التوقف عن الكتابة باللغة الفرنسية، فبادر مالك حداد إلى التوقف عن الكتابة منذ فجر الاستقلال، تمشياً مع المبادئ التي كان ينادي بها أثناء الثورة، نتيجة إحساسه بالغربة الخانقة في اللغة الفرنسية, أما من استمروا في الكتابة باللغة الفرنسية مثل محمد ديب، فقد اختاروا الهجرة إلى فرنسا وفضلوا الغربة. وهناك من اختار طريقاً وسطاً مثل« كاتب ياسين» الذي اتجه نحو المسرح الناطق بالعامية الجزائرية المطعمة بالفرنسية. كما يلاحظ أن بعضاً من هؤلاء اتجهوا إلى ممارسة الكتابة باللغة العربية واستطاعوا أن يقدموا أعمالاً روائية يمكن أن نعتبرها مشروعاً لحركة الحداثة الروائية في الجزائر، نذكر منهم رشيد بوجدرة.


منقووووول










رد مع اقتباس
قديم 2013-01-24, 13:50   رقم المشاركة : 204
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

مظاهر الغزو في الأدب العربي ....

مظاهر الغزو في أدبنا الحديث

1 – موقفنا من الأخلاق:

وأول مظهر من مظاهر الغزو في أدبنا اليوم أننا فقدنا اللمسة الأخلاقية فيما نكتب، فمن سمات الفكر العربي الحق أنه فكر أخلاقي، يدعو إلى ارتفاع العقل الانساني إلى مراتب الخير والكمال. وحسبنا من ذلك أن كلمة (أدب) عند العرب كانت ترتبط بأدب النفس كل الارتباط، فالأديب هو الذي يروي من الشعر والنثر ما يرتفع بالروح ويسمو بالخلق. وقد بقي الشعر العربي، قبل اختلاط العرب بالأعاجم، صورة تنطق بالفضيلة والمروءة وكمال النفس، وقد قال أحد الخلفاء الأمويين لمعلم أولاده (علمهم الشعر يمجدوا، وينجدوا) لأن الشعر كان صورة النفس الماجدة ذات المروءة والخير. وقد ثبت هذا المعنى في عصورنا كلها. فبقي الأدب من شعر ونثر يعرض أروع الصور في السلوك والمعاملات كما يحفل بنماذج صافية من الأخلاق الجنسية. وبحسبنا أن نتذكر العشرات من دواوين الحماسة والشعر، ومجموعات الخطب والرسائل وأقاصيص النجدة والمروءة وكتب الإرشاد الأخلاقي. وقد ترك المتصوفة وحدهم تراثاً أخلاقياً عظيماً كله نبل وإنسانية. وحسبنا على سبيل المثال أن نشير إلى كتاب (الفتوحات المكية) لمحيي الدين بن عربي فقد وردت في الجزء الرابع منه مئات الصفحات في الأخلاق فيها من الخلق الكريم ما لا حدود لجماله وكماله. على أننا لا نحتاج أن نذهب بعيداً في التمثيل فإن كتابنا الكريم (القرآن) يعرض من صور الأخلاق ما يكفي للإفصاح عن روحية العرب. ومثله في الحديث النبوي وأخبار الصحابة وأدعية السجاد الإمام زين العابدين، وأمثالهم، ومؤلفات أدبية لا حصر لها في أدب النفس ومعاني الأخلاق. وقد تمثلت هذه القيم عملياً في قصصنا الشعبي عن سيف بن ذي يزن وعنترة العبسي وأبي زيد الهلالي وأمثالهم من قصص المروءة والبطولة.
ولم تفقد كلمة (أدب) مدلولها الأخلاقي إلا في عصرنا، فنحن اليوم نكاد نصدر في ما نكتب عن المفهوم الغربي للكلمة حيث تعني كلمة أدب Literature المعلومات والعلم، ولا تتصل بالأخلاق. ويرجع فصل الغربيين بين الأدب والأخلاق إلى عهود قديمة فنحن نجد في مذهب أرسطو الذي أدرجه في كتابه عن الشعر Poetics إن جمال الأدب لا يستند إلى الأخلاق، وإنما هو معنى منعزل لا شأن له بأية قيمة خارجية، ومن السائغ عند أرسطو أن يكون الأدب جميلاً كل الجمال حتى وهو غير أخلاقي، فلا دخل للمبادئ والمثل في الأدب.

وقد سيطر هذا المذهب على الفكر الأوربي فبقي يتحدر من صفحة إلى صفحة عبر تاريخ الأدب والنقد، وممن اسنده وأضاف إليه الناقد الألماني (ليسنغ) في كتابه المعروف Laocoon ولسنا ننكر أن طائفة صغيرة من مفكري الغرب قد رفضوا هذا المذهب ودعوا إلى ما يقرب من المفهوم العربي، ومن هؤلاء الشاعر الروماني هوراس، والناقد الانكليزي (فيليب سيدني)، والشاعر الألماني (فريدريك شيلر) إلا أن هذه الأصوات تاهت في خضم الفكر المادي فلم تؤثر تأثيراً محسوساً، وبقيت الصورة الثابتة لآداب الغرب منفصلة عن الأخلاق حتى قال الفيلسوف المعاصر (بنديتو كروتشه) نصاً: (لا شأن للأخلاق في الأدب) وهذا الحكم يعبر أفصح تعبير عن تيار التبذل والتحلل في أدب أوربا اليوم. وتمتد جذور هذا التيار إلى القرن التاسع عشر، وقد بالغ في الدعوة إليه أنصار المذهب الطبيعي، الذين جعلوا واجب الأديب أن يصف كل ما يقع للإنسان دونما اعتبار لقيم الأخلاق ومصلحة المجتمع. وحسبنا للتمثيل أن نشير إلى قصة (أميل زولا) المعنونة (غرمينا) فقد هبط إلى أدنى مستويات الروح والخلق، فوصف عالماً موبوءاً تلعب به الغرائز الحيوانية على شكل يلغي الحضارة ويرد الإنسانية إلى عهود الوحشية والبربرية. وما من شيء يبدو لنا أشد إيلاماً من هذا، فإن (زولا) يرتفع في القصة نفسها إلى آفاق عالية من الفن والإبداع، فكأنه يضع فنه وإنسانيته في خدمة التفسخ، ويساهم في قتل الحضارة.

ولقد اقتبس أدباؤنا العرب هذه النظرة إلى الأدب في اتجاهيها.. السلوكي والجنسي حتى أصبح أدبنا يضم أشنع النماذج في الإنسانية والخلق. فالقصاصون المحدثون يصورون في قصصهم أشخاصاً يعاملون آباءهم في قسوة وخشونة واحتقار، ويرسمون أبطالاً يتطاولون على أساتذتهم. وكم في القصائد والقصص من بذاءة وتبذل في اللغة، وقد أصبح نموذج البطل أن يجعله المؤلف كثير السب واللعن، ضيق الصدر، ضعيف الخلق، لا يترفع عن شيء. وشاعت صورة البطل المثقف الذي يبصق في الطريق ولا يعترف بأية قيمة للأشياء والأشخاص. وكل هذا مناقش لأدب النفس العربية الذي عرفه تراثنا. وإنما هو موقف منقول من الغرب، فذلك ما نجد في القصص الحديثة هناك وفي المذكرات والرسائل، فكان من علامات الثقافة الجديدة هناك أن يكون الإنسان متبذلاً قاسياً مغروراً لا يتورع عن شيء.

أما النظرة الجنسية في أدبنا الحديث فنلمسها في ذلك الركام الهائل مما كان قبل يسمى بالأدب المكشوف فأصبح اليوم لا يسمى حتى بذلك، لأن أدب الجنس أصبح يعتبر مظهراً من مظاهر الواقعية والتحرر الفكري والثقافة الحديثة. فما يكاد الناشئ يكتب حتى يصطنع الغرق في الرذائل والاستهتار بالقيم. ولا نهاية اليوم للكتب والمجلات التي تقذف بها المطابع ويصور فيها الإنسان العربي وكأنه قد تحول إلى حيوان أعجم لا يرتفع إلى أعلى الجسد والحواس. وقد قرأنا في دواوين الشعر التي صدرت هذه الأعوام عجباً عجاباً من الاسفاف والجموح، حتى أصبحت هذه ظاهرة أكيدة تطبع الإنتاج الجديد. ومن عجب أن الحكومات العربية ما زالت غافلة عن هذه الظاهرة، فلا نراها تتخذ إجراءاً بإزائها، لا في حقل النشر ولا في حقل التعليم والتوجيه. والواقع أن وراء هذه الظاهرة ثلاثة معان كلها خطير ينذر بالشر: أ – المعنى الأول أن هذا الأدب المتحلل الذي يهدم الأخلاق والمجتمع، يتعارض مع الدعوة القومية التي يعيش لها المجتمع العربي اليوم. فالقومية بناء وحياة، بينما أدب الجنس هدم وانتحار. تهدف القومية إلى بعث الأمة العربية بقدراتها الأصيلة وماضيها الحضاري الوهاج، بينما يهدف أدب الجنس إلى هدم الأخلاق والعقائد والقيم ومن ثم إلى هدم المجتمع. قال ابن خلدون في مقدمته: "إذا تأذن الله بانقراض الملك من أمة حملهم على ارتكاب المذمومات وانتحال الرذائل، وسلوك طرقها، فتفقد الفضائل منهم جملة ولا تزال في انتقاص إلى أن يخرج الملك من أيديهم".

واستشهد بالآية الكريمة: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرها" والحق أن من يتأمل هذا الأدب الجديد تأملاً نزيهاً ينتهي إلى الشعور بأننا نعمل للقومية العربية بينما نترك أدبنا يعمل ضدها..
ب – المعنى الثاني: أن هذا الأدب لا يعبر تعبيراً سليماً عن البيئة العربية المعاصرة، وذلك لأن الفرد العربي المتوسط ما زال يعد قضية الشرف فوق كل القضايا. والمثل الأعلى في حياتنا الشعبية وفي حياة الأسرة العربية، هو مثل العفة والاحتشام وأدب اللسان. وإذن فإن هؤلاء الأدباء الناشئين قد انبتوا عن بيئتنا وباتت مراياهم تعكس أشباحاً وظلالاً من خارج الوطن العربي..
ج – والمعنى الثالث: أن هذا الأدب ليس أدباً صحياً سليماً. لأن تضخيم أثر الجنس في الحياة ينم عن إنحراف في الطبيعة الإنسانية، والإنسان السليم مزيج متوازن من العقل والروح والعاطفة والغريزة، لا يطغى فيه جانب على جانب. ومن كمال المجتمع أن تكون أغلبية أفراده من المتزنين الذين يعطون كل جانب من طبيعتهم حقه ولا نظنه يخفى أن الاستغراق في حماة الحواس ينتهي إلى زوال الكرامة وضعف الإرادة واختلاط الذهن. ومن ثم فإن طغيان المعاني الحسية على أدبنا ليس أقل من مظهر يدل على عدم التوازن وينذر بتصدع خطير في حياتنا العامة.

2 – موقفنا من الدين:

كان لإقبالنا الشديد على قراءة آداب الغرب ونقلها إلى لغتنا أثر سيء في حياتنا العقلية الحديثة، ما لبث أن أصابها بالانحراف، فلقد أخذنا عنهم فيما أخذنا موقفهم من الدين، والتقطنا نظرتهم المادية إلى الحياة، وموقفهم من الدين يختلف إختلافاً جسيماً عن موقفنا نحن – فإن الدين الإسلامي يرتبط كل الارتباط بالفكر، وقد قامت حول القرآن أركان اللغة والأدب والفقه والمنطق والتصوف والفلسفة جميعاً بحيث تعد هذه العلوم كلها تفريعات لعلم القرآن ترتكز إليه وتدور حوله. لا بل أن طلب العلم ونشره قد بقي هو نفسه واجباً دينياً مفروضاً يؤديه الطالب والعالم قربى إلى الله. ومن ذلك أن النحوي العلامة ابن مالك كان يخرج ويقف على باب مدرسته ويقول (هل من راغب في علم الحديث أو التفسير؟ قد أخلصتها من ذمتي)، فإن لم يجد راغباً أو طالباً قال (خرجت من آفة الكتمان) وتفسير ذلك أن العربي كان يعتقد أن الله حقاً (فيما استودع العلماء من فهم وعلم وأنه أخذ عليهم البيان) ((صورة معدلة من عبارة لعبدالعزيز بن يحيى الكناني (الحيدة) تحقيق جميل صليبا)) فلا يصح لهم السكوت عن نشر العلم وإظهار الحق وتعرية الباطل.

أما في أوروبا فإن الدين يتصف بشيء من الانعزال عن الحياة فلا يرتبط بالأدب والفكر إلا من بعيد، فالغربي يعد الدين لله، والأدب للحياة، وكأن الحياة نفسها ليست لله، كما يعتقد العربي. ولذلك الموقف سببان إثنان:

(الأول):

أن المسيحية بتقريرها لقيام الخطيئة الأولى وبدعوتها إلى التكفير بالرهبنة والامتناع عن الزواج، قد احتفظت بنظرية مثالية لها جمالها غير أنها عسيرة التطبيق. ولذلك بعد الدين عن الحياة بعداً طبيعياً وهو أمر لم يعرفه المجتمع المسلم حيث الدين يجعل الزواج سنة مفروضة.

(الثاني):

أن المسيحية التي نزلت في بلاد العرب قد فشلت في تحويل الغربي تحويلاً كاملاً عن وثنية آبائه، فبقي ثنائي المعتقد، يصلي لله ويؤمن رغماً عنه بآلهة الإغريق، حتى أنه يقسم في حياته اليومية بجو بتير كبير آلهة الإغريق، وهو يذهب يوم الأحد إلى الكنيسة للصلاة، ولا يلبث أن يرجع إلى منزله ليقرأ الفلسفات اليونانية ويكتب أدباً طابعه وثني تتردد فيه أسماء الآلهة الشريرة التي كان يعبدها اليونان والرومان. وإنما نصف هذه الآلهة بأنها شريرة لأنها كما قرر سقراط نفسه لا تتورع عن ارتكاب الشر والجريمة والصغائر. فهي كالبشر وإنما تتفوق في القدرة على الإيذاء والظلم. وبسبب هذه الوثنية الغربية بقي المسيحيون العرب أوثق صلة بالمسيحية الحقة من مسيحيي الغرب.

ولقد دعا الغزاة وأعوانهم عبر السنين الماضية إلى أن نحتضن الثقافة الغربية بكل ما فيها دونما تدبر أو مناقشة، فكان مما أخذناه عنهم هذا الفصل العجيب بين الدين والحياة. وقد كان لذلك تأثير سيء في حياتنا وفكرنا، لأن الدين الإسلامي يكاد يكون هو الحياة نفسها، فلا نستطيع انتزاع أحدهما إلا بإنتزاع الآخر، فقد كان الإسلام ديناً إلهياً، وثورة سياسية وفكرية واجتماعية معاً. ولذلك اهتزت له الأرض العربية اهتزازاً خصباً، وأحدث انقلاباً عميقاً في مناحي الحياة معاً.

ولم يترك الإسلام في حياة العربي شاردة ولا واردة إلا ضبطها وأحصاها، وقد كان القرآن كتاباً شاملاً فيه اللغة والأدب والشريعة والأخلاق جميعاً، فبني عليه تراثنا كله. فإذا فصلنا الدين عن الحياة لم يكن معنى ذلك إلا أن نفصل العروبة عن تراثها وحضارتها. ونحب أن نضيف إلى هذا، أن القرآن – باعتباره كتاب الدين الإسلامي والثقافة معاً – سيبقى أبداً كتاب كل عربي مهما كان دينه. فالمسيحي العربي الحضارة، لا يستطيع أن ينزع من نفسه وذهنه آثار القرآن، لأن التراث الإسلامي قد كان وما زال الثقافة الكبرى للعربي. وها نحن نرى إخواننا المسيحيين يحققون غير قليل من كتب التراث الإسلامي في إخلاص يثبت ما نقول أجمل إثبات.

ولقد اتخذ الأدب الجديد الذي ينشره اليافعون العرب موقف الغربيين من الدين، فظهرت عندنا الوثنية مصحوبة بالإلحاد في أدنى مستوياته، وهو مستوى الكفر بدافع التقليد والنقل، فلا شك في أن هذا الإلحاد أوطأ مرتبة من إلحاد مصدره شك يعتري النفس فيضللها ويحيرها. وقد واكب هذا ابتعاد الجيل اليافع عن القرآن وما فيه من أجواء روحية وكنوز أخلاقية وثروة لغوية وأدبية. وكل ذلك لا يبشر بالخير فإذا مضينا فيه قطعنا جذورها الحضارية وأضعنا الروح العربي جملة.










رد مع اقتباس
قديم 2013-01-24, 13:53   رقم المشاركة : 205
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي


3 – موقفنا من اللغة العربية:

كانت وسيلة الغزاة العظمى في أضعاف لغتناء في الترجمة. والترجمة في ذاتها اغناء للغات ومد لآفاقها، فهي حق لنا وضرورة نتمسك بها. غير

أن الأشياء النافعة في الحياة الإنسانية يمكن أن تتحول بسوء النية إلى شرر وضرر. ولذلك حرصت بعض المؤسسات المشبوهة والجماعات المغرضة على أن تعهد بترجمة أمهات الكتب الغربية إلى كتاب ضعاف غير متمكنين من العربية، فصاغوا تلك الكتب العظيمة صياغة حرفية ركيكة، كان لها أثران سيئان في حياتنا الفكرية: (الأول) أن كثرة قراءة هذه الترجمات قد نجحت في تحويل الركاكة إلى مذهب في التعبير، فأدى

ذلك إلى أضعاف المستوى العام للغة و(الثاني) أن هذه الترجمة الركيكة حرمتنا فرصة تكتسب فيها لغتنا تعبيرات عربية جديدة لها الفصاحة

والجدة معاً. لأن الكتاب المترجم إذا صيغ بعربية سليمة لها خصائص لغتنا أفاد اللغة وأغناها، أما إذا ترجم حرفياً فإنه يخسرنا كما نخسره.

والمثل الذي نختاره للترجمة الركيكة وما تصنع هو ترجمة الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد فقد ترجم هذا الكتاب (الجليل) الذي يقدسه المسلم

والمسيحي معاً!! ترجمة ركيكة لا يقبلها الذوق السليم فأثرت في إضعاف الذوق الأدبي العام وأشاعت فينا العجمة، وإخواننا المسيحيون العرب ذوو حظ كبير من البلاغة العربية وقد نبغ منهم كتاب كبار وباحثون وشعراء اغنوا مكتبتنا فلا يصح لهم السكوت على مثل هذه الترجمة التي تشوه كتابهم ولغتهم معاً وتحرمنا قراءة سيرة السيد المسيح والتمتع بما لها من روحية وجمال.

وقد انحطت لغة الترجمات واقتربت من الحرفية عاماً بعد عام، حتى درجت اليوم منها لغة ركيكة قواعدها وأساليبها غير عربية. وسوف ندرج فيما يلي مظاهر العجمة العامة في هذه اللغة.

1 - كثرة الاصطلاحات الأجنبية التي يصر المترجمون على ابقاء صيغتها الغربية مثل قولهم (فولكور وايديولوجية واكاديمية وكلاسيك، ومتافيزيكية وبيروقراطية وتكتيك، وليبرالية، وامبريالية وأمثال ذلك كثير).

2 - استعمال قواعد النحو اللاتيني مع أنها في مقاييسنا النحوية تعد غلطاً، مثل تعدد المضافات إلى مضاف إليه واحد وهو ما يسمى عندنا بلغة

(قطع الله يد ورجل من قالها): ومثل الفصل بين المضاف والمضاف إليه بكلمات أجنبية، وهو ركيك مستحيل في لغتنا، لأن المتضايفين ينزلان

منزلة الإسم الواحد. ومن هذه الأساليب السقيمة تقديم الحال على عامله كقولهم (محملا يعود سيدي) ومنها تتابع الإضافات كقولهم (تقرير رئيس لجنة مكافحة أمراض المنطقة الحارة) وكل هذه الأساليب الغربية تصدم السمع العربي صدماً أكيداً.

3 - استعمال أساليب بناء العبارة اللاتينية وهي تخالف أساليبنا مخالفة مرجعها إلى الفروق بين

طبيعة اللغات. ومن ذلك تأخير الفعل في الجملة فلا يرد إلا بعد أن يتقدم عليه سطران كاملان من الظروف والمجرورات والمعطوفات كقولهم

(بعناية شديدة واهتمام، ومن دون أن يتحدثوا في ذلك الموضوع مباشرة، أو يثيروه على نطاق عام، وبعد أن فرغوا من دراسة التقرير، اشتغلوا في توزيع الملابس على سكان الحي). وهذا مخالف لما تعرف لغتنا، حيث يتقدم الفعل على معمولاته، لأنه أشرف ما في العبارة، ولا يتقدم المعمول إلا في حدود الفصاحة في مجالات بلاغية محدودة.

4 - استعمال وسائل البلاغة اللاتينية بدلاً من العربية كقولهم (انسحب بانتظام، والسوق السوداء، والحرب الباردة، ومؤتمر القمة) حتى نكاد ننسى أن لنا تلك الكنوز من وسائل البلاغة ولسنا بهذا نحاول أن نغلق لغتنا بإزاء استعارة جميلة قد تنفعنا ترجمتها، وإنما نريد التنبيه إلى موقفنا العام من ذلك فنحن اليوم نكاد نقف عن التفكير باللغة العربية فنترجم كل صيغهم دونما تدبر.

5 - تقليد العبارة الغربية الحديثة في تعقيدها وغموضها كما في كتب (هنري جميس) و(وولتر بيتر)،

وذلك بالإكثار من الجمل الاعتراضية، والفصل بين المبتدأ والخبر بكلمات كثيرة تربك القارئ. ومنه أيضاً استعمال العبارات الطويلة طولاً فادحاً.

وكل ذلك مما لا تسيغه بلاغتنا.

ولابد لنا بعد هذا الاستعراض أن نذكر بأن انكارنا للأساليب اللاتينية لا يعني أننا ننتقصها في لغاتها الأصلية، وإنما نعد تلك الأساليب بليغة في

اللاتينية ركيكة في العربية، لأن لكل لغة قواعدها وقيمها البلاغية. وما قواعد اللغات إلا مزيج من نفسية الأمم وتاريخها وحضارتها، وفكر الأمة

يرتبط بقواعد لغتها وأساليب بلاغتها كل الارتباط بحيث لا نملك أن نترجم لغات الغرب ترجمة حرفية إلا إذا قضينا أولاً على الفكر العربي. ومن الحق أن نشير كذلك إلى أن الترجمات الضعيفة في أسواقنا لا تصدر كلها عن سوء النية وإنما ضعف بعضها نتيجة الجهل باللغة والتراث.
وقد ابتليت العربية في هذا القرن بكثير من الدعوات المشبوهة التي نادى بها مغرضون يضمرون السوء للعروبة ولغتها، فرددها من العرب

طائفتان: طائفة الشعوبيين الذين يقصدون إضعاف العربية، وطائفة البسطاء الذين تخدعهم ألفاظ الحرية والتجديد، فيسيئون دونما قصد. فمن هذه

الدعوات، الدعوة إلى نبذ الحرف العربي واتخاذ اللاتيني في مكانه والدعوة إلى استعمال اللهجات العامية في الإذاعة وفي أدب القصة

والمسرح.. وقد تصدى لهذه الدعوات كثير من كتابنا الأفاضل فناقشوها وردوها إلى أصلها المشبوه المريب. وما من جهة تستفيد من إثارة هذه

القضايا مثل الغزاة، فهم يعلمون أنه إذا وقع الفصل بيننا وبين تراثنا انتهى الأمر بنا إلى أخطر تصدع عرفته الأمة.

يتبع /...
.










رد مع اقتباس
قديم 2013-01-24, 13:59   رقم المشاركة : 206
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي


4 – موقفنا من المعنوية الغربية:

يحرص الغزاة وأعوانهم من الشعوبيين على قتل المعنوية العربية وإحلال المعنوية الغربية محلها ويكادون اليوم ينجحون في ذلك، فقد طلع في

السنوات الأخيرة أدب عربي جديد تنعكس فيه سمات النفسية الأوربية ومظاهر الأدب الغربي، وقد استعان الغزاة في عملهم هذا بوسائل معنوية

مكنتهم من اجتذاب الجيل العربي الناشئ الذي يملك بقلة علمه وتجاربه استعداداً فطرياً للتأثر. والوسيلة الكبرى للتأثير في اليافعين هي استعمال

القيم الرفيعة التي يحرصون عليها مثل الإنسانية والحرية، فباسم هذه القيم يتم تضليلهم فيوجهون توجيهاً يحطم المعنوية العربية.

أما الإنسانية فإن الشر الذي يتستر وراءها اليوم هو قولهم (الأدب العالمي). وبه يوحون لليافعين أن هناك أدباً عالمياً يتخطى الحدود ويعبر عن

نفسية الشعوب أجمعين. بمعزل عن ظروفها وشخصيتها، وأن هذا الأدب لا يناقش وإنما يقبل في كل مكان، فمن لم يقبله كان جامداً أو رجعياً أو

جاهلاً، وهم يضعون على عرش العالمية مجموعة من الأسماء الغربية في الغالب ويسألون الشباب أن يعجبوا بكل حرف يقوله أصحابها دونما

فحص ولا مناقشة. وأبرز هذه الأسماء تأثيراً في حياتنا جان بول سارتر الأديب الفيلسوف الفرنسي اليهودي. وسارتر من الناحية الأدبية ذو فكر

مبدع يسمو إلى الذرى العالية، وأنا أول من يقر له بالقيمة والقدرة.

وإنما وقع الانحراف المغرض في فرض آرائه على القارئ الطالع. ووجه ذلك أن الأديب الغربي قد يكون عظيم الشهرة ذا تأثير في أوربا كلها

دون أن يعني ذلك أن آراءه تنفعنا أو تتفق مع مطاليب حياتنا الاجتماعية والفكرية.

والواقع أن آراء سارتر أغلبها تناقض روحيتنا وحضارتنا فلا مصلحة لنا في اعتناقها إلا إذا أردنا أن نهدم أنفسنا. ذلك أن جان بول سارتر ناشر

فلسفة الغثيان، ومضمونها أن المجتمع بغيض وأن وجود الناس حولنا هو الجحيم، وأن الأخلاق والمثل والتقاليد سخافات يتلهى بها السطحيون!!

وأن الحياة خواء فارغ فلا يستحق الاهتمام فيه إلا الجسد والجنس، وأن الإنسان غير مسؤول لا أمام الله ولا أمام الضمير ولا أمام المجتمع. ولقد انتهى الجيل اليافع إلى تصديق خرافة العالمية فلم يقف عند الاعجاب بالأشكال الادبية واللفتات الفكرية والأساليب التعبيرية، وإنما قلد النظرة

واعتنق الآراء.


وأما القيمة الثانية التي يستغلونها في تضليل اليافعين العرب، فهي الحرية، وقد زعموا أنها معنى مطلق لا يتقيد بشيء فكل حرية أفضل من كل تقيد. وما من الحاد اجتماعي وأخلاقي أفظع من هذا. فإن المطلق معنى لا وجود له في الحياة الإنسانية، لأن منفعة الجماعات تتحكم فيه فتقيده

وتشذبه، وهذا الزعم يجعل الحرية تتعارض مع الفضيلة. ولا ينبغي للأخلاق أن يتعارض شيء منها مع شيء. وحسبنا دليلاً على ذلك التعارض،

أن الحرية المطلقة للفرد تناقض مصلحة المجتمع، ولذلك تقيد بحفظ حقوق الآخرين، ومصلحة الجماعة كلها. وعلى هذا تبطل حجة الذين ينادون

بحرية الأديب في نشر أدب الجنس والإلحاد، فإن هذا الأدب يهدم المجتمع ومن حق الجماعة أن ترفضه. فلا يحق للمواطن أن يطعن أمته في صميم كيانها الروحي والخلقي بدعوى حقه في الحرية.

وهكذا اتجه أدبنا الحديث بدوافع من (الإنسانية وحرية الفكر) إلى ترديد آراء الغربيين دونما فحص أو مناقشة فانتشرت روحية التشاؤم في أدبنا

شاع الاحساس بأن الحياة عبث وأن العدم خير من الوجود، وأن المشاعر الطيبة قيد للإنسان، وأن الإنسان غير مسؤول أمام شيء، ولا يمكن

للباحث المتأمل إلا أن يلاحظ مدى بعد هذه النظرة عن طبيعة الحياة العربية اليوم، فنحن نمر بفترة خصيبة رائعة، وقد رأينا مدننا الكبيرة تنهض

من الفراغ في ظرف ثلاثين سنة فقط، وشهدنا الاستقلال من الحكم الأجنبي وقيام الحكومات الوطنية ونهوض التعليم، ورأينا كيف اختلف جيلنا في

معارفه وأسفاره وعلومه عن جيل آبائنا. واليوم نعيش فترة انتصارات القومية العربية وتكاد أعيننا تكتحل بفجر الوحدة. وما من شك في أن الفرد

العربي أحسن حالاً وأكثر أملاً مما كان فلا ندري من أين يأتي هؤلاء الأدباء بالعدمية واليأس وإنكار الحياة. أترى حياتنا الأدبية تسير في اتجاه معاكس لحياتنا القومية؟ ونبحث عن الجواب عند نقادنا فلا نجد لديهم أكثر مما نسمع من الناقد الغربي من أن هذا الجيل – (كما يقولون) – (ذو تركيبة مزاجية معقدة تعقد الحياة التي يحياها) فكأنهم لا يرون الفرق العظيم بين الفرد العربي والفرد الأوربي. والواقع أن بيننا وبين الغرب ثلاثة فروق جوهرية.

(الأول):

أننا أبناء أمة بالروح والروحيات وتضعها فوق المادة، بينما ما زال الغرب يؤمن بالمادة والماديات. ومن مظاهر إيمان الفرد البسيط هنا

بالروح أنه يتوكل على الله في أموره كلها فلا يعرف اليأس ولا القنوط وهو مؤمن بالحياة كل الإيمان تنحدر إليه هذه النظرة من عهود سحيقة.

وقد عرفنا في التراث العربي كله صفة الإيمان والتفاؤل، فحتى شعر الزهاد كان مليئاً بالحياة بما فيه من تطلع إلى الله، وإيمان بالأخلاق

والتضحية ومساعدة الآخرين.

(الثاني):

أننا نختلف عن الغرب في الظروف التاريخية التي نمر بها، فنحن نمر بفترة حياة وانبعاث تهتز لها أرضنا كلها، إن مشاكلنا القومية

وزحفنا نحو فلسطين، ومعركتنا في حرب الفقر والجهل والمرض والبطالة كل ذلك يمنحنا هدفاً يستغرق حياتنا وكياننا. والمعروف عند علماء

النفس أن المشغولين لا يجدون وقتاً للقلق، واليأس والإحساس بالفراغ. وفي مقابلنا يجد الغربي نفسه فارغاً له كثير من الوقت وقليل من الأهداف.

إن في حياته فراغاً روحياً عميقاً سببه عدم إيمانه بالله، وخلو حياته من الهدف الكبير الذي يضفي الجمال والرونق على الحياة.

(الثالث):

وآخر الفروق بيننا وبينهم أن الغربي يرى غذاءه يصل إليه من طريق استعمار الأمم وسرقة قوتها، ومن ثم فهو يحس قلقاً غامضاً لا

يعرفه العربي الذي يأكل القليل الحلال ويحمد الله وينهض إلى عمله. وقد أشار الفيلسوف الألماني المعاصر (البرت شفايتزر) في كتابه (فلسفة

الحضارة) ترجمة الدكتور عبدالرحمن بدوي، إلى أثر هذا الظلم في نفسية الفرد الأوربي الذي أصبح لا يقوى على الإحساس بجمال الحياة.


إن هذه الفروق بيننا وبين الغرب تجعل نقلنا لموقف اليأس والعدمية والفراغ أمراً لا معنى له سوى تخلينا عن كرامتنا ومصلحتنا وشخصيتنا.

فكأننا نبكي في يوم عيدنا، ويحاول بعض الأدباء أن يبرروا الموقف بقولهم: إن هذا الحيل اليافع هو جيل المأساة الذي شهد ضياع فلسطين، فهو

ينكر الحياة ويدعو إلى الموت لذلك السبب، وذلك تعليل أبعد عن الحقيقة من السابق، فإن المأساة التي وقعت عام 1948م قد ألهبت الوطن

العربي كله بنار الكفاح والعروبة فقامت الثورات العظيمة في القاهرة والجزائر وبيروت وبغداد واليمن، وعبر هذه السنين لم تكن نفسيتنا متخاذلة

فقد انبعثت آمال عظيمة، ونهضت العزة القومية في القلوب، وشهدنا لحظات سعادة عميقة، وانتصارات لا تنسى. فاللون الذي يغلب على حياتنا

لون أخضر بهيج، وفي مثل هذا الإطار المشرق يصبح الأدب المتشائم المعلق على الصلبان أبعد ما يكون عن التعبير عن نفسية الأمة. إن أدباءنا

وقفوا عن التعبير عن مشاعرهم وراحوا يكررون ما يقول الأديب الغربي. ولذلك نجد القومية العربية تغني بينما مسجلاتهم تذيع النواح وصراخ

العدم، والفجر يتنفس على روابينا أجمل ما يكون بنيما تشع قصائدهم الظلام والموت.

يتبع /.....










رد مع اقتباس
قديم 2013-01-24, 14:04   رقم المشاركة : 207
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

5 – الحلول والمقترحات:

يبدو أن الدواء الناجع في مثل أزمتنا أن تكون لنا فلسفة شاملة تمس كل ما هو جوهري في الحياة العربية، وتقرر المبادئ والمثل الكاملة التي

ترفع مجتمعنا إلى ذروة الكمال. ومن دون هذه الفلسفة لا نستطيع أن نجابه عدواً غزا حياتنا على الجهات كلها. والحق أن افتقارنا إلى نظرية

فلسفية كاملة للحياة العربية بأبعادها كلها يجعلنا مضيعين لا ندري أين نتجه ولا ماذا نأخذ أو ندع. فلقد دخل حياتنا من العلوم والفنون والفلسفات ما

قلب تفكيرنا وأحدث في جونا الفكري بلبلة خطيرة وانشقاقاً في وجهات النظر. ولذلك نرى المثقفين في العالم العربي منشعبين في الموضوعات

كلها، كل يدين بمذهب. وقد يقال: إن هذا من الحيوية، فنقول: أنه ليس كذلك، فإنما يكون الخلاف من علامات الحيوية حين يكون المخالفون قلة

في مقابل إجماع الأغلبية على شيء ما. أما عندما يزول الاجتماع ولا يبقى إلا الخلاف فإن ذلك ناقوس الخطر يدل على قيام تخلخل ذاهب في

الأساس الفكري للأمة.



أما بنود هذه الفلسفة التي نطلبها فينبغي أن تدعو إلى وضعها الحكومات العربية، على أن تجمع لها أهل العلم والفضل والنظر والعربية، فيتفقوا

على ما ينفع ويضر، ويحددوا الطريق. فإذا اجتمعوا على شيء أخذت الحكومات على نفسها تطبيق هذه الفلسفة تطبيقاً كاملاً بالوسائل التالية:
تعديل مناهج التعليم في المدارس العربية تعديلاً يتناول الجذور والأسس مع الإلحاح على موضوع اللغة العربية، وإضافة موضوع الأخلاق إلى السنوات كلها.

1 - تعديل مناهج التعليم في المدارس العربية تعديلاً يتناول الجذور والأسس مع الإلحاح على موضوع اللغة العربية، وإضافة موضوع الأخلاق

2- إنشاء مؤسسة عربية كبيرة تشرف على الترجمة وتنسق جهود المترجمين العرب في ديارهم

كلها. وسيكون من واجب هذه المؤسسة أن تدرس ما يحتاج المواطن العربي إلى ترجمته دونما نظر إلى عالمية الأسماء، فقد يكون الأديب عالمياً وتكون فلسفته مناقضة لأهدافنا فتسيء إلينا بدلاً من أن تخدمنا.


3 - إنشاء قانون جديد للطباعة والنشر يجعل الصحافة والإنتاج في خدمة الأمة العربية لا في مصلحة المؤسسات الأجنبية وتجار الأفكار والقيم.

وهذا كفيل بأن يطهر الأسواق من كتب الجنس والابتذال والسطحية.


4 - تحديد مجال الإذاعات وخاصة المرئية منها، ووضع فلسفة عامة لمناهجها تراعى فيها مصلحة المواطن وستترفع هذه الفلسفة عن إقرار أفلام

العصابات والسفاكين وروايات التفسخ الخلقي، لأن مشاهدة الصبيان والبنات لمثل هذه الأشرطة كل مساء حري بأن يهدم كل ما تبنيه المدرسة

والتربية المنزلية من مثل أخلاقية. -انتهى -










رد مع اقتباس
قديم 2013-01-24, 14:08   رقم المشاركة : 208
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

سيميولوجيا التواصل وسيميولوجيا الدلالة

مساهمة الدكتور:جميل حمداوي*




تمهيــــــد:
من أهم المناهج الأدبية واللسانية التي ظهرت في الساحة النقدية العربية الحديثة والمعاصرة المنهج السيميولوجي الذي يدرس النص الأدبي والفني باعتبارهما علامات لغوية وغير لغوية تفكيكا وتركيبا. وقد تعرف المفكرون العرب على هذا المنهج نتيجة الاحتكاك الثقافي مع الغرب ونتيجة الاطلاع على مستجدات الحقل اللساني و تمثل تصورات ما بعد البنيوية وعبر البعثات العلمية المتوجهة إلى جامعات الغرب و نتيجة فعل الترجمة. إذاً، ماهي السيميولوجيا والسيميوطيقا ؟ وما هي مرتكزات منهجية التحليل السيميوطيقي؟ وما هي أهم اتجاهاتها النظرية والتطبيقية؟ وما الفرق بين سيميولوجيا التواصل وسيميولوجيا الدلالة؟ هذا ما سنعرفه في موضوعنا هذا.



1- مفهوم السميولوجيا وخطواتها المنهجية: السيميولوجيا هو علم العلامات أو الإشارات أو الدول اللغوية أو الرمزية سواء أكانت طبيعية أم اصطناعية، ويعني هذا أن العلامات إما يضعها الإنسان اصطلاحا عن طريق اختراعها واصطناعها والاتفاق مع أخيه الإنسان على دلالاتها ومقاصدها مثل: اللغة الإنسانية ولغة إشارات المرور، أو أن الطبيعة هي التي أفرزتها بشكل عفوي وفطري لادخل للإنسان في ذلك كأصوات الحيوانات وأصوات عناصر الطبيعة والمحاكيات الدالة على التوجع والتعجب والألم والصراخ مثل: آه، آي…..



وإذا كانت اللسانيات تدرس كل ماهو لغوي ولفظي، فإن السيميولوجيا تدرس ما هو لغوي وماهو غير لغوي، أي تتعدى المنطوق إلى ماهو بصري كعلامات المرور ولغة الصم والبكم والشفرة السرية ودراسة الأزياء و طرائق الطبخ. وإذا كان فرديناند دو سوسير F.De.Saussure يرى أن اللسانيات هي جزء من علم الإشارات أو السيميولوجيا ٍSémiologie ، فإن رولان بارت R.Barthes في كتابه" عناصر السيميولوجيا" يقلب الكفة فيرى بان السيميولوجيا هي الجزء واللسانيات هي الكل. ومعنى هذا أن السيميولوجيا في دراستها لمجموعة من الأنظمة غير اللغوية كالأزياء والطبخ والموضة والإشهار تعتمد على عناصر اللسانيات في دراستها وتفكيكها وتركيبها . ومن أهم هذه العناصر اللسانية عند رولان بارت نذكر: الدال والمدلول،واللغة والكلام، والتقرير والإيحاء، والمحور الاستبدالي الدلالي والمحور التركيبي النحوي. وإذا كان الأنگوسكسونيون يعتبرون السيميولوجيا إنتاجا أمريكيا مع شارل ساندرس ﯧيرس Perce في كتابه" كتابات حول العلامة"، فإن الأوربيين يعتبرونها إنتاجا فرنسيا مع فرديناند دوسوسير في كتابه " محاضرات في علم اللسانيات" سنة 1916م. وإذا كانت السيميولوجيا الأمريكية مبنية على المنطق وفلسفة الأشكال الرمزية الأنطولوجية ( الوجودية) والرياضيات، فإن السيميولوجيا الفرنسية مبنية على الدرس اللغوي واللسانيات



وإذا كان مصطلح السيميولوجيا يرتبط بالفرنسيين وبكل ماهو نظري وبفلسفة الرموز وعلم العلامات والأشكال في صيغتها التصورية العامة ، فإن كلمة السيميوطيقا الأمريكية Sémiotique قد حصرها العلماء في ماهو نصي و تطبيقي و تحليلي. ومن هنا يمكن الحديث عن سيميوطيقا المسرح وسيميوطيقا الشعر وسيميوطيقا السينما. وعندما نريد الحديث عن العلامات علميا أو نظريا أو تصوريا نستخدم كلمة السيميولوجيا Sémiologie.



وتتعدد الاتجاهات السيميولوجية ومدارسها في الحقل الفكري الغربي، إذ يمكن الحديث عن سيميولوجيا بيرس، وسيميولوجيا الدلالة، وسيميولوجيا التواصل، وسيميولوجيا الثقافة مع المدرسة الإيطالية ( أمبرطو إيكو Eco وروسي لاندي Landi)، والمدرسة الروسية" تارتو Tartu" ( أوسبنسكي Uspenski ويوري لوتمان Lotman وتوبوروڤ Toporov وإڤانوڤ Ivanov وبياتيگورسكي Pjtigorski )، ومدرسة باريس السيميوطيقية مع جوزيف كورتيس Cortés وگريماس Greimas وميشيل أريفي M.Arrivé وجان كلود ****ه Coquet وكلام Calame وفلوش Floche وجينيناسكا Geninasca وجيولتران Gioltrin ولوندوڤسكي Landovski ودولورم Delorme، واتجاه السيميوطيقا المادية التي تجمع بين التحليلين: النفسي والماركسي مع جوليا كريستيڤا J.kréstiva، ومدرسة ليون التي تتمثل في جماعة أنتروڤرن Groupe d’Entroverne، ومدرسة إيكس AIXمع جان مولينو J.molino وجان جاك ناتيي J.Natier التي تهتم بدراسة الأشكال الرمزية على غرار فلسفة إرنست كاسيرر Cassirer . ولكن على الرغم من هذه الاتجاهات العديدة يمكن إرجاعها إلى قطبين سيميولوجيين وهما: سيميولوجيا التواصل وسيميولوجيا الدلالة. إذاً، ماهي منهجية التحليل السيميوطيقي؟













رد مع اقتباس
قديم 2013-01-24, 14:27   رقم المشاركة : 209
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي


2- خطوات المنهج السيميولوجي: قلنا سابقا إن السيميولوجيا علم الدوال اللغوية وغير اللغوية ، أي تدرس العلامات والإشارات والرموز والأيقونات البصرية. كما تستند السيميولوجيا منهجيا إلى عمليتي التفكيك والتركيب ( تشبه هذه العملية تفكيك أعضاء الدمية وتركيبها) على غرار البنيوية النصية المغلقة. و نعني بهذا أن السيميوطيقي يدرس النص في نظامه الداخلي البنيوي من خلال تفكيك عناصره وتركيبها من جديد عبر دراسة شكل المضمون وإقصاء المؤلف والمرجع والحيثيات السياقية والخارجية والتي لا ننفتح عليها إلا من خلال التناص لمعرفة التداخل النصي وعمليات التفاعل بين النصوص وطبيعة الاشتقاق النصي وتيئير الترسبات الخارجية والمستنسخات الإحالية داخل النص المرصود سيميائيا. وعليه، فالسيميوطيقا هي لعبة التفكيك والتركيب تبحث عن سنن الاختلاف ودلالاته. فعبر التعارض والاختلاف والتناقض والتضاد بين الدوال اللغوية النصية يكتشف المعنى وتستخرج الدلالة. ومن ثم، فالهدف من دراسة النصوص سيميوطيقيا وتطبيقيا هو البحث عن المعنى والدلالة و استخلاص البنية المولدة للنصوص منطقيا ودلاليا. ونحصر منهجية السيميوطيقا في ثلاثة مستويات وهي:




أ- التحليل المحايث: ونقصد به البحث عن الشروط الداخلية المتحكمة في تكوين الدلالة وإقصاء كل ماهو إحالي خارجي كظروف النص والمؤلف وإفرازات الواقع الجدلية. وعليه، فالمعنى يجب أن ينظر إليه على أنه أثر ناتج عن شبكة من العلاقات الرابطة بين العناصر. ب- التحليل البنيوي: يكتسي المعنى وجوده بالاختلاف وفي الاختلاف. ومن ثم، فإن إدراك معنى الأقوال والنصوص يفترض وجود نظام مبني على مجموعة من العلاقات. وهذا بدوره يؤدي بنا إلى تسليم بأن عناصر النص لا دلالة لها إلا عبر شبكة من العلاقات القائمة بينها. ولذا لا يجب الاهتمام إلا بالعناصر التي تبلور نسق الاختلاف والتشاكلات المتآلفة والمختلفة. كما يستوجب التحليل البنيوي الدراسة الوصفية الداخلية للنص ومقاربة شكل المضمون وبناه الهيكلية والمعمارية.










رد مع اقتباس
قديم 2013-01-24, 14:34   رقم المشاركة : 210
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

تحليل الخطاب: إذا كانت اللسانيات البنيوية بكل مدارسها واتجاهاتها تهتم بدراسة الجملة انطلاقا من مجموعة من المستويات المنهجية حيث تبدأ بأصغر وحدة وهي الصوت لتنتقل إلى أكبر وحدة لغوية وهي الجملة والعكس صحيح أيضا، فإن السيميوطيقا تتجاوز الجملة إلى تحليل الخطاب. و تسعفنا هذه المستويات المنهجية كثيرا في تحليل النصوص ومقاربتها. ففي مجال السرد يمكن الحديث عن بنيتين : البنية السطحية والبنية العميقة على غرار لسانيات نوام شومسكي Chomsky. فعلى المستوى السطحي يدرس المركب السردي الذي يحدد تعاقب وتسلسل الحالات والتحولات السردية، بينما يحدد المركب الخطابي في النص تسلسل أشكال المعنى وتأثيراتها.


وإذا انتقلنا إلى البنية العميقة فيمكن لنا الحديث عن مستويين منهجيين: المستوى السيميولوجي الذي ينصب على تصنيف قيم المعنى حسب ما يقوم بينهما من العلاقات والتركيز على التشاكلات السيميولوجية، والمستوى الدلالي وهو نظام إجرائي يحدد عملية الانتقال من قيمة إلى أخرى ويبرز القيم الأساسية والتشاكل الدلالي .



ت- تحليل الخطاب: إذا كانت اللسانيات البنيوية بكل مدارسها واتجاهاتها تهتم بدراسة الجملة انطلاقا من مجموعة من المستويات المنهجية حيث تبدأ بأصغر وحدة وهي الصوت لتنتقل إلى أكبر وحدة لغوية وهي الجملة والعكس صحيح أيضا، فإن السيميوطيقا تتجاوز الجملة إلى تحليل الخطاب. و تسعفنا هذه المستويات المنهجية كثيرا في تحليل النصوص ومقاربتها. ففي مجال السرد يمكن الحديث عن بنيتين : البنية السطحية والبنية العميقة على غرار لسانيات نوام شومسكي Chomsky. فعلى المستوى السطحي يدرس المركب السردي الذي يحدد تعاقب وتسلسل الحالات والتحولات السردية، بينما يحدد المركب الخطابي في النص تسلسل أشكال المعنى وتأثيراتها.



وإذا انتقلنا إلى البنية العميقة فيمكن لنا الحديث عن مستويين منهجيين: المستوى السيميولوجي الذي ينصب على تصنيف قيم المعنى حسب ما يقوم بينهما من العلاقات والتركيز على التشاكلات السيميولوجية، والمستوى الدلالي وهو نظام إجرائي يحدد عملية الانتقال من قيمة إلى أخرى ويبرز القيم الأساسية والتشاكل الدلالي .



ويعد المربع السيميائي Le Carré Sémiotique حسب گريماس المولد المنطقي والدلالي الحقيقي لكل التمظهرات السردية السطحية عبر عمليات ذهنية ومنطقية و دلالية يتحكم فيها التضاد والتناقض والتضمن أو الاستلزام. أما سيميولوجيا الشعر فتحلل النص من خلال مستويات بنيوية تراعي أدبية الجنس الأدبي كالمستوى الصوتي، والمستوى الصرفي، والمستوى الدلالي ، والمستوى التركيبي في شقيه: النحوي والبلاغي، والمستوى التناصي. أما فيما يتعلق بالمسرح فيدرس من خلال التركيز على العلامات المسرحية اللغوية والعلامات غير اللغوية. و بتعبير آخر يدرس المسرح عبر تفكيك العلامات المنطوقة ( الحوار والتواصل اللغوي بصراعه الدرامي وتفاعل الشخصيات والعوامل الدرامية….) والعلامات البصرية ( السينوغرافيا- التواصل- الديكور- الركح- الإنارة- الأزياء- الإكسسوارات- البانتوميم- الكوريغرافيا…).



3- سيميولوجـــيا التواصـــــل : يستند التواصل حسب رومان جاكبسون R.Jakobson إلى ستة عناصر أساسية وهي: المرسل والمرسل إليه والرسالة



3- سيميولوجـــيا التواصـــــل : يستند التواصل حسب رومان جاكبسون R.Jakobson إلى ستة عناصر أساسية وهي: المرسل والمرسل إليه والرسالة والقناة والمرجع واللغة. وللتوضيح أكثر نقول: يرسل المرسل رسالة إلى المرسل إليه حيث تتضمن هذه الرسالة موضوعا أو مرجعا معينا، وتكتب هذه الرسالة بلغة يفهمها كل من المرسل والمتلقي. ولكل رسالة قناة حافظة كالظرف بالنسبة للرسالة الورقية، والأسلاك الموصلة بالنسبة للهاتف والكهرباء، والأنابيب بالنسبة للماء، واللغة بالنسبة لمعاني النص الإبداعي… هذا، و تهدف سميولوجيا التواصل عبر علاماتها وأماراتها وإشاراتها إلى الإبلاغ والتأثير على الغير عن وعي أو غير وعي. وبتعبير آخر تستعمل السيميولوجيا مجموعة من الوسائل اللغوية وغير اللغوية لتنبيه الآخر والتأثير عليه عن طريق إرسال رسالة وتبليغها إياه .ومن هنا فالعلامة تتكون من ثلاثة عناصر: الدال والمدلول والوظيفة القصدية . كما أن التواصل نوعان: تواصل إبلاغي لساني لفظي (اللغة) وتواصل إبلاغي غير لساني ( علامات المرور مثلا).



ويمثل هذه السيميولوجيا كل من برييطو Prieto ومونان Mounin وبويسنس Buyssens الذين يعتبرون الدليل مجرد أداة تواصلية تؤدي وظيفة التبليغ وتحمل قصدا تواصليا. وهذا القصد التواصلي حاضر في الأنساق اللغوية وغير اللغوية. كما أن الوظيفة الأولية للغة هي التأثير على المخاطب من خلال ثنائية الأوامر والنواهي، ولكن هذا التأثير قد يكون مقصودا وقد لايكون مقصودا. و يستخدم في ذلك مجموعة من الأمارات والمعينات Indications التي يمكن تقسيمها إلى ثلاث: 1- الأمارات العفوية وهي وقائع ذات قصد مغاير للإشارة تحمل إبلاغا عفويا وطبيعيا مثال : لون السماء الذي يشير بالنسبة لصياد السمك إلى حالة البحر يوم غد. والأمارات العفوية المغلوطة التي تريد أن تخفي الدلالات التواصلية للغة كأن يستعمل متكلم ما لكنة لغوية ينتحل من خلالها شخصية أجنبية ليوهمنا بأنه غريب عن البلد.3- والأمارات القصدية التي تهدف إلى تبليغ إرسالية مثل : علامات المرور، وتسمى هذه الأمارات القصدية أيضا بالعلامات. وكل خطاب لغوي وغير لغوي يتجاوز الدلالة إلى الإبلاغ والقصدية الوظيفية، يمكننا إدراجه ضمن سيميولوجيا التواصل . وكمثال لتبسيط ما سلف ذكره : عندما يستعمل الأستاذ داخل قسمه مجموعة من الإشارات اللفظية وغير اللفظية الموجهة إلى التلميذ ليؤنبه أو يعاتبه على سلوكاته الطائشة فإن الغرض منها هو التواصل والتبليغ.












رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
*«•¨*•.¸¸.»منتدى, اللغة, العربية, «•¨*•.¸¸.»*, طلبة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 01:28

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc