|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
طلباتكم اوامر لأي بحث تريدونه بقدر المستطاع
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2012-03-31, 18:26 | رقم المشاركة : 1861 | ||||
|
كتبت في الصفحة 122و123و124 لكن بدون ردووووووووووووووووووووووووود
|
||||
2012-03-31, 19:27 | رقم المشاركة : 1862 | |||
|
بارك الله فيك استاد |
|||
2012-03-31, 22:18 | رقم المشاركة : 1863 | |||
|
من فضلكم اريد بحث حول الغازات السامة .وعلاقتها بورشات الاعلام الالي من فضلكم اريده غدا |
|||
2012-04-03, 22:03 | رقم المشاركة : 1864 | |||
|
السلام عليكم |
|||
2012-04-04, 11:36 | رقم المشاركة : 1865 | |||
|
..........................................؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ |
|||
2012-04-04, 12:11 | رقم المشاركة : 1866 | |||
|
اريد بحث حول النوك وانواعا |
|||
2012-04-04, 15:44 | رقم المشاركة : 1867 | |||
|
إسم العضو : Larbi10 |
|||
2012-04-04, 19:21 | رقم المشاركة : 1868 | |||
|
طلب مساعدة
السلام عليكم اريد فقط الاجابة عن سؤالين لو ممكن |
|||
2012-04-05, 00:25 | رقم المشاركة : 1869 | ||||
|
اقتباس:
بحث بعنوا ن الإتصال السياسي والأحزاب السياسية مقدمة إهتم علماء السياسة والاتصال السياسي والاجتماعي السياسي بدراسة التفاعل بين الاتصال والنظام السياسي والعملية السياسية بصفة عامة ، وأكدوا أهمية العلاقة الجوهرية بينهما ، بل أنهم نادوا بإعادة دراسة وتحليل العلوم السياسية بالاعتماد على نظريات الاتصال . فعالم السياسة يصعب أن يوجد من دون اتصال لأنه حلقة الوصل بين الجماهير والنخبة الحاكمة صانعة القرارات ، وينطبق ذلك على النظام السياسي أياً كانت طبيعته ، فالمواطنون لا بد وأن يكونوا قادرين على توصيل رغباتهم ومطالبهم إلى الحكومة ، وعلى الحكام أن يكونوا قادرين على توصيل قراراتهم إلى المواطنين وتبريرها لهم لنيل رضاهم . والأحزاب السياسية شأنها شأن جميع المؤسسات السياسية في الدولة تحتاج إلى الدعم الشعبي والمؤازرة الشعبية ، حيث يمكن القول أن الاتصال السياسي هو أهم الضروريات التي يجب أن يتبعها الحزب في عمله ، ومن المعروف أن هدف أي حزب هو الوصول إلى الحكم أو المشاركة فيه وهذا لا يمكن أن يوفر له ما لم يتمتع بالتأييد الجماهيري الواسع ، وهذا التأييد لا بد من توفيره عن طريق التأثير في هذه الجماهير التي تشكل الرأي العام داخل الدولة ، وهنا تظهر أهمية الاتصال السياسي الذي يمارسه الحزب في الدولة لبناء أكبر حجم ممكن من التأييد الشعبي له ولبرامجه السياسية . فالاتصال السياسي هو وسيلة الحزب الايجابية التي يقوم عن طريقه أعضاء الحزب بالحوار المفتوح مع جماهير الشعب بهدف ترسيخ عقيدة الحزب لديهم ، وكسب الدعم الشعبي لسياسة وبرامج الحزب ، حيث يستمعون لملاحظة الجماهير تجاه بعض الأوضاع وانطباعاتهم تجاهها ، ويقوم أعضاء الحزب ثانية ، خلال اجتماعاتهم الحزبية بمناقشة مختلف المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع ، والتي تحتاج إلى الحلول ، وتتدرج مقترحات أعضاء الحزب المختلفة لمعالجة هذه المشاكل خلال خلال التظيم الهرمي للحزب حتى تصل إلى مستوى القيادة وتنصهر في برامج الحزب المختلفة . وبذلك يضمن الحزب نوعاً من التفاعل مع الارادة الشعبية المحيطة به ، بحيث تؤدي الاستجابة لرغبات ومتطلبات الجماهير في السياسة العامة للحزب ، إلى تحقيق قدر كبير من التوافق بين الحزب والشارع الشعبي ، وذلك يعود على الحزب بالفائدة العظيمة في أوقات الانتخابات ، عندما تجد الجماهير فيه المحقق لطموحاتها وتطلعاتها ، ويؤدي هذا في الأحول الطبيعية لوصول الحزب ذو التوافق الأكبر مع الارادة الشعبية إلى سدة الحكم في البلاد ، وإذا ما أصبح الحزب في السلطة ، أصبح واجباً عليه التركيز أكثر على الاستمرارية بهذا التوافق مع الجماهير لضمان الاستمرارية في الحكم . وفي هذا البحث نحاول إلقاء نظرة على الاتصال السياسي والتأثير على الرأي العام كأداة من الأدوات التي تلجأ إليها الأحزاب في صنع وحشد التأييد الجماهيري . وتتلخص إشكالية البحث أو فرضيته ، بمحاولة التأكيد على أهمية دور الاتصال السياسي كأداة من أدوات العمل الحزبي ، سواء كان الحزب في السلطة ( الحزب الحاكم ) أو كان الحزب يسعى للوصول إلى السلطة ( الحزب المعارض ) . أما المنهجية فقد حاول البحث التركيز على المهنج الوصفي في دراسة العلاقة بين الأحزاب والشارع الجماهيري ، وكذلك المنهج التحليلي لقياس مدى تأثير الاتصال السياسي على هذه العلاقة سلباً أو إيجاباً . الاحزاب والأنظمة الحزبية تختلف الأحزاب المنتشرة في العالم عن بعضها البعض من حيث تطورها وتكوينها وأهدافها ونشاطاتها وقومياتها والنظمة السياسية التي تعكمل في ظلها ، ولقد أدة هذا التباين إلى إيجاد اشكالية في وضع تعريف عام للاحزاب السياسية أو في تصنيفها إلى مجموعات مختلفة ، ولكن بالرغم من كل هذه الاختلافات فغن كافة الأحزاب السياسية تلتقي في كونها " جماعات منظمة تحاول السيطرة على القوة السياسية " فمع الأخذ بعين الاعتبار لوجود تعريفات متعددة للأحزاب السياسية تختلف باختلاف طبيعة الحزب والنظام الذي يعمل من خلاله ، فيمكن القول بصفة عامة أن الأحزاب السياسية هي " منظمة سياسية تضم جماعة من الأفراد الذين يتفقون فيما بينهم على الأسس العامة التي يجب أن تتبع في تنظيم الدولة ، ويسعون للسيطرة على الحكومة أو المشاركة فيها من اجل تطبيق هذه الأسس " . وتنقسم الأنظمة السياسية الحزبية إلى أنظمة تنافسية وأنظمة غير تنافسية ، ويساعدنا هذا التقسيم على فهم تنظيم مراكز القوى السياسية في الدولة ويزودنا بقاعدة أساسية مهمة لتصنيف الحكومات والأنظمة السياسية في العالم ، وتشمل كل من الأنظمة الحزبية التنافسية والأنظمة الحزبية غير التنافسية . ولكي تفرض هذه الأحزاب نفسها على الواقع السياسي في بلد ما في بحاجة ان تحقق أكبر قدر ممكن من التأييد الجماهيري لبرامجها السياسية وعقيدتها الحزبية ، وبذلك فهي تتعامل بالدرجة الأولى مع الجماهير ( الشعب ) والطريق الأمثل لكسب هذا التأييد هو وقياس مدى توفره ، هو مفهوم الرأي العام الذي تسعى عملية الاتصال السياسي التي يلجأ إليه الحزب لتحقيق اكبر قدر من التاثير في الجماهير عن طريقه . والرأي العام يمكن تعريفه على أنه " رأي الجماعة الذي تتخذه في مسألة عامة ، ومن التعريفات الأكثر قبولاً وانتشاراً تعريف المفكر السياسي ( كي ) الذي يرى أن الرأي العام يمثل " آراء الأشخاص لسائدة التي تجد الحكومة من الحكمة الالتفات إليها والاهتمام بها " ، ويعرف ( هنسي ) الرأي العام بأنه " مجموعة من الآراء التي تحملها أعداد كبيرة من الاشخاص حول موضوع يشغل الاهتمام العام " ، ولكي نتمكن من تحديد مفهوم الرأي العام بدقة نحتاج إلى معرفة المقصود بمصطلحي " الرأي " و " عام " والرأي هو نظرة محددة ينظر بها الفرد لظاهرة أو أو مسألة معينة ، وهو مرتبط بالعقل الانساني وملازم له ، ولكنه ليس بالضرورة ناتج عن التفكير ، فالرأي العام قد يتكون بتأثير العاطفة وليس من عمل الفكر ، أما مفهوم " العام " أو " المجال العام " هو ربط الرأي بنشاطات الحكومة وممارساتها ، أي أن الرأي العام هو : رأي مجموعة كبيرة من الأفراد في قوانين الحكومة وممارساتها ومواقفها وتفاعلاتها الداخلية والخارجية وكل ما يتعلق بالسلطة . منهج الاتصال والعملية السياسية ولكي يحقق طرف ما سواء ( الحكومة أو الأحزاب التي تسعى للوصول إلى مكان الحكومة ) زيادة في مستوى تأثيره على الرأي العام فهو بالضرورة بحاجة لعملية اتصال فكرية تبادلية مع البيئة المكونة لرأي العام ، أي مع الجماهير وهذه العملية هي ما يمكن أن نسميه عملية الاتصال السياسي . إن العلاقة بين العملية الاتصالية والعملية السياسية هي علاقة وثيقة للغاية فكلا النظامين يتأثر بالآخر ويؤثر فيه ، وإن كان حجم التأثير الذي يمارسه النظام السياسي على نظام الاتصال في البلدان النامية أكبر من تأثير نظام الاتصال على النظام السياسي ، ويرتبط ذلك بسمات المجتمعات النامية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وفيما يلي بعض المداخل المختلفة التي تناولت العلاقة بين العملية الاتصالية والعملية السياسية : أولاً : رؤية جبرائيل ألموند اهتم ألموند بتحديد موقع نظام الاتصال في النظام السياسي ، وشبه الوظيفة الاتصالية بالدورة الدموية : فالاتصال يشبه الدم في قيامه بوظائفه ، والاهتمام هنا لا ينصرف إلى الدم في حد ذاته ، أي لا ينصب على الاتصال في ذاته ، ولكنه يتجه نحو ما يحمله الدم وما يتضمنه من تغذية لكل النظام . ويتضح موقع الاتصال في النظام السياسي في ضوء تحليل ( ألموند البنائي الوظيفي ) الذي ركز على فكرة الوظيفة وكانت منطلقه في التحليل ، وما يعنينا هنا من تحليل ألموند أن وظائف النظام سواء في جانب المدخلات وهي : 1 - التننشة السياسية . 2 - التعبير عن المصالح . 3 - تجميع المصالح . 4 - الاتصال . أو في جانب المخرجات وهي : 1 - صنع القاعدة . 2 - تنفيذ القاعدة . 3 - التقاضي بخصوص القاعدة . أنها وظائف مترابطة معتمدة على الاتصال بشكل أساسي ، فكثير من وظائف النظام السياسي ترتبط بنظام الاتصال ، ومن بين هذه الوظائف صنع القرارات والسياسات العامة ، أو ما يعبر عنه بالوظيفة التحويلية . ثانياً : رؤية كارل دويتش استخدم دويتش مدخلاً جديداً للتحليل السياسي يقوم على نظرية الاتصال والتحكم ( السيبرناتك ) ، وهو الدراسة المنظمة للاتصال والتحكم في المنظمات بكل أنواعها . ويقول دويتش : أن السيبرناتك في حقيقته ينطوي على نقل الرسائل وفهم عمليات الضبط ، وهو فرع من هندسة الاتصال أو نسيج متغلغل من الأعصاب ، وتقوم هذه الشبكة بحمل الإشارات من مراكز الضبط المختلفة إلى الوحدات التي تقوم بالأداء ، ثم تعيد الرسائل منها إلى مراكز الضبط . وتعالج نظرية الاتصال لدويتش الحكومة كنظام لصنع القرار مبني على تدفق مستمر للمعلومات ، ويمكن فهم ذلك في ضوء المفاهيم الأساسية للنظرية وهي تنقسم إلى قسمين : أولاً – مفاهيم ترتبط بالبنى الفاعلة يرى دويتش أن هناك نظم استقبال تتلقى المعلومات من البيئة المحلية والدولية ، وتنقسم هذه المعلومات إلى ثلاثة أنواع هي : - معلومات عن العالم الخارجي . - معلومات تاريخية عن الماضي . - معلومات عن النظام وأجزائه . وتمثل عملية تشغيل المعلومات وتمثيلها نقطة التشابه الأساسية بين النظم السياسية وكل النظم الاتصالية الأخرى . ثانياً : المفاهيم المرتبطة بعملية الاتصال وتدفق المعلومات يرى دويتش أن هناك تدفقاً للمعلومات بشكل مستمر يشكل شبكة الاتصال التي تعدل من نفسها ذاتياً . وهذه الشبكات الاتصالية تمثل أي نظام يمكن وصفه بدرجة معينة من التنظيم والاتصال والتحكم ، بغض النظر عن العمليات الخاصة بنقل الرسالة سواء تمت عن طريق الكلمات كما يحدث بين الأفراد في التنظيم الاجتماعي ، أو من خلال العصب والهرمونات في الجسم الحي ، أو تمت عن طريق الإشارات الإلكترونية في الآلات الهندسية . تأثيرات الاتصال السياسي والرأي العام للرأي العام إحاطاته وتأثيراته، لذا فهو رأي يخشى من أبعاد إرادته وفاعلية نتائجه، وبالذات لدى الأنظمة السياسية التي تناوئ مصالح مجتمعاتها، وضمن هذا المعنى فالرأي العام ليس رأياً عابراً يفتش عن المساومة، لأجل تحقيق مكسب ما، إذ غالباً ما تستند مكنوناته لما يتبلور في الضمير حول هذه المسألة أو تلك ، وتاريخية الرأي العام هي التي حفظت ومنذ أجيال بعيدة حقوق شخصيات، كاد غبار الدهور أن يطمر حلمها واملها.. والرأي العام قديم قدم أول مماحكة وقعت بين الإنسان وأخيه الإنسان، لذلك يلاحظ في بعض البلاد، المتوفرة فيها إمكانية استنطاق الناس للحصول على رأيهم بأساليب عادية حول أمر مجتمعي ما، أن يكلفوا بعض الموظفيـــن المتخصصين للوقوف حول ما يمكن الوقوف على الانطباعات عنه . ويتم ذلك سواء عن طريق ملء استمارات الاستفتاء، أو بطاقات الاستبيان، فالكل متفقون هناك أن الرأي العام أمر قائم بحد ذاته، وهو الرأي الأرجح والمقبول والمؤيد بين أفراد أي مجتمع، والرأي العام رغم حمله للهموم الكبرى للناس وبأمانة مشهودة، فإن إطلاق تسمية (الرأي العام) يجيء من حيث ميزة معناه، وشمولية مقصده، ودقة الاستدلال عليه، كونه رأيا لصيقا بالناس العفويين الطيبين، وسمي بالرأي العام تمييزاً عن الرأي الخاص ـ الفردي ـ. والرأي العام.. تستجمع فيه بجلاء كل آراء الجماعة المختلفة في مستويات مشارب أفرادها بالنسبة للثقافة والاجتماع والسياسة.. وتصل حدود التمسك بإعلامية الرأي العام، إثر ظهور النتائج المستحصلة من إجراء استبيان أو استفتاء ما، إلى اعتمادها في المجالات المحددة لها، ولما كان الرأي العام ظاهرة غير مصرح بها على أغلبية الأحـــوال، وتتلمس فيه ميول وأخلاق وأحكام المجتمع المعني، فيلاحظ أن الرأي العام كمفهوم فإنه يرسم القرار الأفضل الممكن اتخاذه لحالات مطلوبة، وطبيعي فهناك عازل نفسي كبير بين ما يتمثله الرأي العام الإيجابي، وما يمثله رأي الغوغاء السلبي، رغم المشابهة بكونهما يحملان معاً صفة التجمع السريع والتفرق الأسرع في ظرف زماني ومكاني معينين. ومعروف أن للرأي العام قوة تأثير فاعلة، لدى كل مجتمع بنفس القدر الذي يشكل فيه من ناحية مقابلة سلطة غير منظورة على السلطات، والقادة السياسيون يأخذون تأثير دور الرأي العام في بلدانهم باعتبارات حذرة. تشكيل النوع للرأي العام لو تم النظر بحياد مستوعب إلى نشاطات ما تقدمه وسائل الأعلام المحلية في أي بلد.. من أخبار وتعليقات ومتابعات هي في الأساس ليست محط أي اهتمام من قبل الجمهور المتلقي للإعلام، لاستبان فعلاً عند المتابعين القلة، أنها نشاطات تستهدف أكثر من مجال للتأثير السلبي على نفسية مواطنيها. أي أن التأثير المطلوب على الرأي العام يساهم في عملية تشكيل النوع للبنة الإعلام الشفهي المتداول، بحيث يمكّن في نهاية الأمر بتحقيق التحكم بالرأي العام، عبر إشعال وإلهاء الجمهور بنتاجات إعلامية خالية من أي مضامين حقيقية. وبمعنى آخر فإن هناك تأثيرا إعلاميا متبادلا ترسم تقاطع خطوطه التعاملات الإيجابية، والرأي العام ذو السمة الخفية يقدم دفعات ضغوطه من لمس الآخرين لوجوده كي يرتفع الإعلام الرسمي في أي بلد لمستوى مـــصداقية الأحداث وليس التمويه عليها، ولما كان الرأي العام رغم نفس شعبيته في أي بلد ولكن لا يمثله إلا القطاع الواعي والعادل بين القطاعات العريضة للجمهور. وبذا فإن الرأي العام هنا هو إعلام شفهي عقلاني، وليس إعلاما لاستعراض العضلات من وراء الميكروفونات، أو إعلاما يجعل من رؤوس خونة السياسة أبطالاً على وريقات الصحف الصفراء. وفعل الرأي العام المستند لفهم أشمل لعلميات التجاذب الإعلامي وما تؤديه من دور في تكوين وتطوير الرأي العام، يجعل المسألة الإعلامية في حضور وتصاعد دائمين، ولعل من غرار هذا مثلاً ممكن التذكير به على سبيل التوضيح، كم هو مخيف الرأي العام حين يمسك بخيوط حقائق السلوكيات المخابراتية السلبية، ففي يوم 13 تموز 1987م هددت الحكومة البريطانية بواسطة وسائل أعلامها المرئية والمسموعة والمقروءة، بأنها مصممة على تقاضي صحيفة (صنداي تايمز) المحلية البريطانية، بسبب ما نشرته من معلومات ضمها كتاب.. (مصيدة الجواسيس) الذي كان قد طبع ووزع في الولايات المتحدة الأميركية قبيل ذلك، وكانت بريطانيا قد منعت من دخوله إلى أراضيها، وهو كتاب قام بتأليفه المخابراتي البريطاني المتقاعد (بيتر رايت)، والذي فضح فيه كيف تتجسس بريطانيا ليس على البلدان النامية.. بل تجاوزت بــــذلك حتى على بلدان غربية من حلفاءها الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، التابع للجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة كـفرنسا، فقد كشف الكتاب في جانب منه عن التقنيات الفنية التي اعتمدت في وضع أجهزة تنصت داخل السفارة الفرنسية بلندن، خلال الفترة المحصورة بين سنة 1960 ـ 1963م. وبالنظر لميزة التفرد التي يتصف بها الرأي العام جراء قبوعه بين خلايا العقول، والإدراك تماماً من صعوبة الاستدلال على تقويماته للوقائع.. المعاشة، والتيقن أيضاً من صعوبة عملية انتزاع اعترافات كاملة لما يفكر به الناس حتى أثناء ظروف القمع والفجائع، لذلك فإن هذا السياج المحيط والمحصن للرأي العام جعل من الحكومات تشعر بتهيب منه وإن وراءها عيونا وآذانا تلاحقها وتسجل عليها النقاط والمآخذ . ولعل هذا ما دعا أكثر الحكام قساوة وجلافة عبر كل مراحل التاريخ، أن يفسحوا المجال الضئيل لخط الرجعة وانتمائهم الاجتماعي لواقعهم. وبهذا الشأن تتخذ الدراسات الباحثة عن الحقيقة، ذات الصلة بالرأي العام أبعادا إعلامية تقر في أولويتها الموضوعية.إن الرأي العام مهم لتحديدات حاجة كل مجتمع للعدل وحفظ الحقوق، وتلك هي القضية المحورية المكتشفة في الحياة التي لا حياد عنها. والرأي العام إذ يبقى الرافد الحقيقي الذي يمد التاريخ بمادة التخليد لمن يستحق الخلود عن جدارة، فإن ما وراء الرأي العام ظل مدرسة ذات أرضية تطلب الكشف أكثر عن مناقبها، وذلك بسبب شمولية معاني الرأي العام وعمق ما يحمله من أسرار وتطلعات. حين يخلق السكوت مبرراً للهجوم على المجتمعات عند بعض الحكومات التابعة، فإن ظروف الالتباس واللغط السياسيين المازجة للأوراق سرعان ما تضمحل أمام كشف الحقائق التي يقوم بمهمة شرف أدائها الرأي العام، ليسمي الأشياء بأسمائها، مشخصاً الصالح وهاملاً الطالح منها، والرأي العام الذي يشابه في جوهره عذوبة الماء، ما زال مستهدفا"ً لسلب صفة العذوبة العفوية عنه، فهو لا يلقى ترحيباً عند معظم الحكومات، لذا فهو يتعرض باستمرار لعملية تشويه جراحي، ومن هنا تبرز هذه الأيام على السطح السياسي صناعة إعلامية معنوية شديدة الوطأة على النفوس السوية تسمى بـ(صناعة الرأي العام) حيث تضع هذه الصناعة الخطط النفسية بكل سوء النوايا، لنقل مكمن الرأي العام من جواهر العقول إلى تلفظات الألسن، وهذه الرؤيا للأمور تخلق بحد ذاتها رؤية تحد جديدة، أبعد أثراً من المزايدات التي تريد إعلاميات بعض الأنظمة كسبها المعنوي لصفها، بسبب افتقار رصيدها الاجتماعي إلى شيء من التأييد ولو التأييد الشكلي. وبمعنى آخر فإن قضية الرأي العام ستبقى أكبر من أن تخضع لغش وسيلة أو التلويح باغتيالها. وتأخذ الأحزاب السياسية بمختلف وسائل الدعاية في سبيل الدعوة لفكرة أو برنامج معين ، سواء بالصحف أو الراديو أو التيلفزيون أو النشرات أو الخطب ، ليس فقط للانتخابات والسلطة ، ولكن أيضاً لخدمة أيديولوجية تعتنقها وتعمل في اطارها ، بل أننا نستطيع القول الآن ، بأن الانتخابات والسعي للسلطة ، أصبحت عند بعض الأحزاب وسيلة للدعاية المذهبية أكثر منها غاية وهدف ، وهذا بطبيعة الحال يختلف من حزب لآخر باختلاف طبيعته . وجرت الأنظمة الحزبية التي تتبنى نظام الحزب الواحد ، على اتباع اسلوب خاص من النقد والمناقشة حول الأمور التي تهم الصالح العام في الدولة ، فهذه الأنظمة تعمل وباستمرار على تثقيف الجماهير ، ثقافة تتلاءم مع سياسة الحزب وايدلوجيته ، وحتى الأحزاب بمفهومها الغربي المتعدد فإنها تلعب دوراً بارزاً يقوم على التركيز على جانب آخر قريب من التثقيف وهو الإعلام . ولا يقتصر دور الأحزاب – حتى بمفهومها الغربي - على أن تكون إطاراً للرأي العام أبان الحملة الانتخابية ، فإن هذا يتعارض مع فهم أسباب وجود الأحزاب ، وإلا كانت تتشابه في كونها أداة فحسب ، صحيح أن مهمة الأحزاب لا تقتصر على تقديم البدائل المتعددة لجموع الناخبين واحتضان اتجاهاتهم ، بل ايضاً يجب عليها ألا تنسى أن مسئوليتها أخطر من ذلك وأبعد ، من خلال تحملها عبء رفع المستوى الثقافي والسياسي عند هذه الجماهير ، وهذا يتطلب منها خططاً مرسومة وأداءاً متقناً لعمليتين تبدوان لازمتين وهامتين للاندماج الحي مع الجماهير ، وهما التثقيف والاعلام ، فالحزب يقوم بدور تثقيفي ليعطي مغزى سياسياً لآمال الأفراد عن طريق تبصيرهم بالنتائج السياسية لما يريدونه أو يرفضونه . خاتمة أن التوجه الذي تنتهجه الاحزاب لخلق نوع من الجماهيرية والتأييد الشعبي لبرامجها وسياساتها يترتب عليه انتهاج سياسة اتصال مبرمجة ومنظمة تتواصل من خلالها مع هذه الجماهير ، وبقدر ما كانت هذه البرامج السياسية تمتلك عمقاً شعبياً أكبر بقدر ما كانت أقرب إلى التحقيق على لواقع السياسي في بلد ما ، حيث أن عملية الاتصال السياسي تساعد في بناء رأي عام شعبي ذو ثقل عظيم خلف هذه الأحزاب وبرامجها . وتتبلور أهمية الرأي العام السياسية في توليد الضغط الشعبي على الحكومة لاتخاذ موقف محدد تجاه مسألة معينة ، وكذلك فإن اتجاهات الرأي العام توجه عناية المسؤولين السياسيين إلى المواضيع التي تهم المواطنين ، ولهذا فإن القادة السياسيين كثيراً ما يهتمون بمعرفة اتجاهات ارأي العام لشعوبهم في مختلف القضايا . وتزداد هذه الأهمية لدى الأحزاب السياسية التي تحاول الوصول إلى أكبر قدر ممكن من القدرة على التأثير على توجهات الرأي العام ، فهذه الأحزاب تسعى للوصول إلى السلطة أو على الأقل المشاركة في هذه السلطة ، فهي بالضرورة بحاجة لهذا التأييد من قبل الرأي العام لمساعدتها بتحقيق ثقل سياسي يؤهلها للوصول إلى السلطة أو المشاركة بها . ولا تنتهي أهمية الرأي العام عند تحقيق الحزب لأهدافه ، فهو عندما يمتلك السلطة يصبح بحاجة أكثر لضمان استمرارية التوافق مع الرغبات والتطلعات الشعبية ، وبالتالي فهو بحاجة إلى الاستمرار بعملية الاتصال السياسي مع الجماهير ، وقياس مدى التغيرات التي أحدثها هذا الاتصال سلباً وايجاباً لضمان الاستمرار بالتوافق مع هذه التوجهات ، وبالتالي ضمان البقاء لهذا الحزب . المراجع 1 - محمد علي العويني ، العلوم السياسية ، دراسة في الأصول والنظريات والتطبيق ، عالم الكتب ، القاهرة ، 1988 . 2 - كمال المنوفي ، أصول النظم السياسية المقارنة ، شركة الربيعان للنشر والتوزيع ، الكويت 1987 . 3 – نظام بركات ، مبادئ علم السياسة ، دار الكرمل للنشر والتوزيع ، عمان ، 1989 . 4 - اماني محمد قنديل ، نظام الاتصال وعملية التنمية السياسية ، جامعة القاهرة ، القاهرة ، 1980 . 5 - محمد سعد السيد أبو عامود ، الاتصال الجماهيري وصنع القرار السياسي ، جامعة القاهرة ، القاهرة |
||||
2012-04-05, 00:35 | رقم المشاركة : 1870 | ||||
|
اقتباس:
https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=292462 |
||||
2012-04-05, 00:36 | رقم المشاركة : 1871 | ||||
|
اقتباس:
وهذا كذلك فيه بعض العناصر
لم تكن عملية التحول الديمقراطي التي شرعت بها الجزائر منذ اقرار دستور شباط/ فبراير 1989، عملية سهلة او يسيرة وانما تخلل انتقال الجزائر من نظام حكم شمولي يرتكز على نظام الحزب الواحد، الى نظام متعدد الاحزاب يتجه نحو السعي الى التحول الديمقراطي، الكثير من العقبات والمعوقات التي أثرت بشكل جدي في مجمل عملية التحول الديمقراطي، وجعلتها في كثير من الاحيان امام امتحانات عسيرة، جعلت كثيرين يشككون بامكانية نجاحها لاسيما وان تعارض المصالح بدا واضحا ً فيها بين فريقين احدهما مؤيد لاجراء الاصلاحات السياسية والاقتصادية كنقطة انطلاق في التحول الديمقراطي، ولآخر معارض للاستمرار بتلك الاصلاحات جملة وتفصيلا ً ويرمي الى الابقاء على الهياكل السياسية والاقتصادية التي سارت عليها الجزائر منذ استقلالها سنة 1962. وبين هذا الفريق وذاك برز فريق ثالث يرى اجراء الاصلاحات سبيلاً لاخراج النظام السياسي من ازمته التي بلغت الذروة سنة 1988، وفي الوقت نفسه يرفض ان تكون تلك الاصلاحات غير مقيدة او مشروطة. ونرى ان الفريق الثالث كانت له الغلبة في تسيير رأيه على رأي الفريقين الاولين ودفعه باتجاه تحول ديمقراطي اقلّ ما يمكن ان يقال عنه انه مقيد، لابل يمكن ان يقال عنه انه مفروض. الشروع بهذا النهج وفرضه على عملية التحول الديمقراطي في الجزائر كان يمثل استجابة لاسباب داخلية موجودة اصلا ً ولم تحصل على حلول جدية طيلة الحقبة السابقة لعملية التحول الديمقراطي، فضلاً عن استجابة لاسباب خارجية عصفت بالنظام السياسي الجزائري وارغمته على التحول. الى ذلك، نحاول الاجابة عبر هذا البحث عن الاسباب التي ادت بالجزائر الى التحول الديمقراطي، والمعوقات الرئيسة التي تقف حيالها فضلا ً عن استشراف مستقبلها؟ اسباب التحول الديمقراطي في الجزائر لم يكن التحول الديمقراطي الذي شهدته الجزائر منذ شباط/ فبراير 1989، تحولا ً طبيعيا ً او نتاجا ً لأداء النظام السياسي الجزائري في ترقية العلاقة بينه وبين المجتمع، وانما تقف وراء ذلك التحول الكثير من الاسباب اهمها: اولا ً: ضعف استجابة النظام السياسي للمطالب المجتمعية اقتصاديا ً وسياسياً. 1-الازمة الاقتصادية: شهدت الجزائر منذ النصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين تدهوراً اقتصاديا ً واضحا ًوهو ما كشفت عنه بوضوح مؤشرات النشاط الاقتصادي في الجزائر. وتمثلت ابرز مظاهرها في: ا- تراجع الناتج القومي. المعبر عنه في الجدول التالي: الملاحظ ان الناتج القومي انخفض خلال سنة واحدة (1988) بمعدل 15% وفي المدة نفسهـــا تراجع فيهـا الناتـج القـومي الاجمـالي، في حين كــان معــدل النمـو السكاني يصل الى 3% الأمر الذي يؤشـر حالـة التدهــــور في تلبيـــة احتياجـات المواطنين. ب- العجز في ميزان الحساب الجاري، فبعد ان حقـق فائضـاً بلـــــغ (1014) مليــــون دولار في سنة 1985. سجــــل عجزاً في السنة التالية بلغ (2230) مليون دولار وقد انخفض العجز الى (772) مليــــون دولار في 1988، ولكــن بتكلفــــة اقتصـــــادية واجتماعية لايمكن الا ان تكون شديدة الارتفاع. لقد تحقق هذا الأنخفاض مثلا ً على حساب الواردات التي ضغطت بشكل مستمر خلال الثمانينات، فبعد ان كانت قيمتها (15,367) مليون دولار في سنــة 1986 و (10,116) مليون دولار في سنة 1987 و (9,637) مليون دولار فقط سنة 1988 (1). نتج عن ذلك، وصول نسبة الانكمــــاش في الــــــواردات بين 1986 و 1988 الى (18,48) ويعـــــود ســـــبب ذلك الى -انخفاض قيمة الصادرات الجزائرية من المحروقات، فضــــلاً عن التـدني في اسعـار المحروقـــــات كمــــا مبين في الجدول الاتي: قيمة الصادرات الجزائرية من المحروقات للفترة من 1986الى 1988 (القيمة مليون دولار أمريكي) نتج عن ذلك الانخفاض عجزٌ في تلبية المطالب الاجتماعية المتصاعدة باستمرار جراء الزيادة السكانية ومن جراء الآلة الانتاجية المفككة التي أصبحت عاجزة عن استقبال عمالة جديدة لدرجة انه بدأ التفكير جدياً في تسريح العمال (2). - خدمة المديونية الخارجية وارتفاعها: لقد قدرت قيمة المديونية الخارجية طويلة الأجل في سنة 1988 حوالي (23,229) مليون دولار أمريكي. أي بنسبة (44,5 %) من الناتج القومي الاجمالي ، ووصلت خدمتها الى (6,343) مليون دولار. اي بنسبة(72,3%) من حصيلة الصادرات والسلع والخدمات. وكان من الطبيعي ان يؤدي الانكماش في الواردات في السلع الغذائية الى تباطؤ في النشاط الاقتصادي. مثال ذلك انه في الربع الثالث من سنة 1989 كان المخزون من مستلزمات الانتاج قد نفد في (60%) من المنشآت الصناعية وان 41% من الطاقة الانتاجية للقطاع الخاص كان مستخدماً بنسبة تقل عن 50% وكان طبيعياً ان ينعكس هذا الوضع على تلبية الاحتياجات الاساسية للمواطن(3). وضاعف من حدة المشكلات الاقتصاديةوالاجتماعية وخطورتها مجموعة من العوامل اهمها: - ارتفاع معدل الزيادة السكانية في الجزائر، الذي يصل الى 3% ويعد من اعلى المعدلات في العالم . ترتب على ذلك ان نحو 60% من السكان اعمارهم دون سن العشرين. وهو ما يلقي اعباءً ثقيلةً فيما يتعلق بخدمات التعليم والصحة والاسكان والصرف الصحي... وتوفير فرص عمل حقيقية لتلك الاجيال الناشئة حفاظاً على الامن الاجتماعي والاستقرار الحياتي. وفي مثل هذه الحالة فأن هؤلاء الشباب مستعدون للأنخراط في اعمال عدائية ضد النظام السياسي. - استشراء الفساد في بعض القطاعات الحكومية واضراره بالمصلحة العامة وبالاقتصاد الوطني الجزائري. وتمثلت احدى اهم مظاهر الفساد في قطاع البترول والغاز. واتهم “ سيد احمد غزالي” وزير البترول الجزائري الاسبق “ بلقاسم بن نبي” والمسؤولين عن قطاع النفط والغاز بالاضرار بالاقتصاد الوطني والحصول على رشاوى تبلغ عدة مليارات من الدولارات. (4) ويبدو ان وطأة الآثار الناجمة عن تدهور الوضع الاقتصادي واعبائه على النظام السياسي الجزائري. قد بدا واضحاً عندما اقر الرئيس الجزائري الاسبق “ الشاذلي بن جديد” في بيان متلفز توجه به الى المواطنين يوم العاشر من تشرين الاول / اكتوبر 1988 (اي بعد احداث 5 تشرين الاول/ اكتوبر من العام نفسه) بالمصاعب الاقتصادية التي واجهتها الجزائر في الاعوام الاخيرة، وذكر بهبوط اسعار المحروقات وبالجفاف وبعبء المديونية الخارجية. (5) ومعها اضيف عنصر آخر لازمة النظام السياسي متمثلة بازمة العلاقة بين النظام السياسي والاجتماعي. 2- ازمة المشاركة السياسية: شهدت الجزائر ازمة المشاركة السياسية. وتصبح المشاركة السياسية ازمة من ازمات التنمية السياسية” عندما تأخذ جماعات جديدة بالمطالبة باشراكها في الحكم على نحو أو آخر . وفي الوقت نفسه تنطوي على ازمة شرعية وتشكل تهديدا ً لمركز الجماعة الحاكمة وعلى الاخص اذا بدت هذه الاخيرة لاتستجيب الى مطاليب القوى الصاعدة ولاريب ان كل ما يؤدي الى تغيير المجتمع ماديا ً كالتصنيع والتكنولوجيا او اعادة النظر في النظم الزراعية وغير ذلك يؤدي الى تصاعد جماعات اجتماعية تطالب باشراكها في الحكم. (6) واستنادا ً الى ما تقدم فان المشاركة السياسية تصبح ازمة في حالات هي: 1- ظهور جماعات تطالب باشراكها في الحكم. 2- عدم استجابة الجماعة الحاكمة الى مطاليب القوى الاجتماعية الصاعدة. وهنا لابد من التاكيد على ان الجزائر عرفت نوعاً من المشاركة يتفق في خطوطه العامة مع ما عرفته معظم بلدان العالم الثالث وهو ما يمكن ان يكون اقرب الى مفهوم التعبئة “ mobilisation “ منه الى المشاركة، كمبدأ سياسي وكاجراء نظامي وكجوهر لمفهوم الديمقراطية في الممارسة السياسية. (7) عليه الى أي مدى انسجم هذا النمط (التعبوي) مع التغير الحاصل في بنية المجتمع الجزائري (النظر’ة هنا من زاوية صعود جماعات اجتماعية جديدة، ومدى استجابة النظام السياسي لها). المتوقع في هذا النمط هو ان لايسمح بوجود معارضة نظامية قادرة على مناقشة قرارات النظام السياسي ومساءلته. ويقوم مع ذلك بتعبئة الجماهير من خلال المؤتمرات والمسيرا ت الشعبية والحملات الدعائية، لا كسبيل للمشاركة الحقيقية، ولكن كاداة لمساندة قرارات النظام وسياساته. (8) وادى حزب جبهة التحرير الوطني دورا ً في ترسيخ هذا النمط من المشاركة وتوجيهه، باعتباره الاداة التي من خلالها يتم ربط الجماهير بالنظام، ولكن حتى هذا الدور ظل ّ مقرونا ً بمؤسسة الرئاسة. ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح خلال عهد الرئيس الاسبق” احمد بن بلة” والرئيس الاسبق الراحل” هواري بو مدين” والى حد ما الرئيس الاسبق “ الشاذلي بن جديد”، اذ ظل دور الحزب محدودا ً بما يقرره الرئيس، فاصبح الاداة التي يتم من خلالها تعبئة الجماهير. استمر النمط التعبوي للمشاركة لفترة طويلة وتحديداً منذ عام 1962 وحتى عام 1989 مع الأخذ بنظر الاعتبار ان الرئيس الاسبق “ الشاذلي بن جديد” قد اعطى هامشاً محسوباً لحرية التعبير وتكوين النقابات، ولكن مع استمرار ذلك النمط من المشاركة السياسية كيف تعامل النظام السياسي مع محاولات الجماعات الصاعدة الرامية الى تحقيق مطالبها؟ تلك مسألة ارتبطت بالوضع الاقتصادي في الجزائر لان المتعارف عليه انه في ظل الوفرة لايمكن الحديث عن ازمة مشاركة، او لم تكن حادة او مهددة للنظام السياسي. وفي حالة الجزائر لم تظهر ازمة المشاركة بصورة جدية طالما ان عوائد النفط ادت الى الوفرة، لكن طرحت نفسها كازمة وعانى منها النظام السياسي مع تدني عوائد النفط وتدهور الوضع الاقتصادي. وبحسب غسان سلامة “ فان الدولة النفطية ليست بحاجة الى الاعتماد المطلق على العائدات الضريبية (الدولة الريعية) وهي ليست بحاجة لتلك العائدات إن أمن لها النفط اسباب استمرارها وهي بالتالي اذا ذهبنا بالمقارنة الى حدها الاقصى ليست بحاجة لاقناع الناس بدفع الضرائب وبالتالي ليس فيها الكثير من القابلية للتحول الى المنحى الديمقراطي” . (9) نستنتج مما تقدم ان التناقض بدا واضحا ً بين النمط المتبع للمشاركة وبين تطبيق هذا النمط، لان الاصل يفرض ان تكون هناك قنوات مؤسسة. لكن في حالة الجزائر ظلّ مقرونا ً بالحزب والرئيس. وحتى في الحالة التي يفترض ان يكون للحزب دور رئيس في تكريس هذا النمط الا انه ظل حبيس التناقض بين الدور والاداء فالدور المنوط بالحزب دستورياً هو ان يقود عملية التحول، ولكن الاداء عبرت عنه مؤسسة الرئاسة وشخص الرئيس تحديدا ً. لذلك نلاحظ انه مع فقدان الرئيس ولاسيما” هواري بو مدين” الذي كان يجسد هذه العملية من المشاركة، وتفاقم تدهور الوضع الاقتصادي طرحت ازمة المشاركة السياسية بحدة في الجزائر، وخرجت بذلك الجماعات الصاعدة من المحور الذي ظل يوجه حركتها(10) . ثانياً- الموجة العاتية ضد الانظمة الشمولية التي رافقت التغيرات التي اصابت النظام السياسي الدولي، وانكشاف تلك الانظمة امام عصف تلك التغيرات، وحركة التناقضات الموجودة اصلا ً في الانظمة الشمولية شكلت عنصرا ً ضاغطا على صناع القرار في الدول الاكثر قربا من (الاتحاد السوفيتي السابق)(11) او تلك الدول التي اخذت من النموذج السوفيتي لاسيما في مجالي الحزب الواحد والاقتصاد الموجه. ترافق مع تلك التغيرات ضرورة الاستجابة للمتطلبات الخارجية ولا سيما في مجال التحول الديمقراطي واقرار التعددية السياسية والحزبية (12). الامر الذي اثر في الركيزة الاساسية للنظام السياسي الجزائري المتمثلة بالحزب الواحد (جبهة التحرير الوطني). عليه، حركت التناقضات باتجاه استجابة النظام السياسي للضغوط التي فرضت عليه، وفيها من وجهة نظر النظام خلاص من التناقضات الداخلية وبذلك يمكن القول ان ضغوطات البيئة الخارجية كانت الدافع الرئيس للتحول الديمقراطي، وان البيئة الداخلية (رغم انها حبلى بالتناقضات) للنظام السياسي لم يكن لها دور يوازي دور البيئة الخارجية للنظام، لاسيما اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان كل مطالب البيئة الداخلية للنظام يمكن السيطرة عليها مع استخدام النظام السياسي القوة في السيطرة على المطالب المجتمعية، لكن الضاغط الخارجي لايمكن للنظام السياسي الفكاك منه او تحديه. هذا اذا ما ادركنا ان الاستجابة للضغط الخارجي ربما يكون بمثابة المخلص بالنسبة للنظام السياسي الجزائري في تعامله مع البيئة الداخلية المأزومة اصلاً. من هنا يمكن القول ان استجابة الجزائر لأجراء تحولات اجتماعية- سياسية على وفق طروحات التحولات الديمقراطية التي ازدادت في العالم، كانت استجابة للضغوط الخارجية وليست استجابة لحاجة مجتمعية، لان المسار الديمقراطي الذي شهدته الجزائر منذ سنة 1989 ما هو الا انعكاس لقرارات النظام السياسي ومسعاه لحل ازماته وتناقضاته وهو ما سنبينه لاحقا ً. ثالثا ً: احداث تشرين الاول/ اكتوبر والتحول الديمقراطي في الجزائر شكلت احداث تشرين الاول/ اكتوبر استجابة ورد فعل لمتطلبين اساسين هما ازمة النظام السياسي وضغط البيئة الخارجية للنظام، وشكلت في الوقت نفسه دافعا ً رئيسا ً لإجبار النظام السياسي لاجراء التحولات الديمقراطية، لاسيما وان تلك الاحداث كشفت عن عمق الازمة التي يعيشها النظام السياسي، ويبدو ان المدخل السياسي(13) المرافق لتدهور الوضع الاقتصادي (المدخل الاقتصادي) هما من ابرز المداخل لتفسير العوامل التي قادت الى احداث تشرين الاول/ اكتوبر 1988، لاسيما وان الاول (المدخل السياسي) ركز على ان طبيعة النظام السياسي القائم على الحزب الواحد، وما صاحبه من احتكار للسلطة وممارستها من نخبة سياسية- عسكرية، فضلا ً عن غياب المشاركة السياسية ضمن اطار شرعي مؤسسي، ادت الى ان تبلغ التناقضات مستوى يفوق قدرة مؤسسات النظام القائمة على ضبطها واحتوائها ومعالجتها باسلوب ديمقراطي، فالنظام الجزائري، لم يملك اي تقاليد ديمقراطية (14)، او يمتلك ميراثا ً يفصح عن مشاركة سياسية حقيقية، فالقيمة السياسية السائدة، هي التعبئة وليس المشاركة. وقد ادى ذلك الى توسيع الفجوة بين الدولة ونظامها السياسي بكل عناصره من جهة، وبين المجتمع وقواه السياسية والاجتماعية من جهة اخرى. مما جعل مؤسسات الدولة تفقد مصداقيتها لدى اغلب الطبقات والفئات الواسعة من المجتمع. ترتب على ذلك، ان العلاقة التي سادت بين الدولة والمجتمع، اتسمت دائما ً بطابع عدائي متبادل، وقد تحول العنف المتبادل، الى قانون فاعل في الحياة السياسية الجزائرية، فهو انموذج من التطور التاريخي والثقافي والسياسي المتأصل في البنية الذهنية للمواطن، الأمر الذي خلق تقاليد من العنف، تحكم بصفة دائمة علاقة الدولة بالمواطن. وقد كانت الاحداث الجزائرية مؤشرا ًعلى حجم الكبت المتراكم وغياب التأطير العقلاني لحركة المجتمع السياسية والاجتماعية. هذه الاحداث وتهيئة الظروف الدولية قادتا الى اجبار النظام السياسي الجزائري على البحث عن مخرج، وجاء هذا المخرج باقرار دستور عام 1989، ليعلن بدء تحول الجزائر الى النظام السياسي الديمقراطي مغايرا ً بذلك الاطار الدستوري القانوني الذي كان ينظم الحياة السياسية في الجزائر منذ الاستقلال وحتى عام 1989. متطلبات التحول الديمقراطي لايمكن احداث التحول الديمقراطي بدون توفر متطلبات اساسية يمكن من خلالها الشروع بعملية التحول الديمقراطي، وتمهيد الارضية لمأسسة العملية الديمقراطية برمتها. واذا صار من المسلم به ان عملية التحول ينبغي ان تاخذ بنظر الاعتبار خصوصية المجتمع، لا ان تكون تجربة جاهزةوتطبق في هذا البلد او ذاك. الا ان عملية التحول ينبغي ان تتوافر على وجود الكثير من المتطلبات في المجتمع ومن ذلك ما ياتي: 1- توسيع قاعدة المشاركة السياسية: بحيث تمثل في العملية السياسية شرائح المجتمع كافة بمختلف توجهاتها السياسية وانتماءاتها. فضلا ً عن ان تكون ضامنة وقادرة على استيعاب الشرائح الاجتماعية الجديدة ومطالبها المتصاعدة. وهنا تاتي مسؤولية المؤسسات السياسية التي ينبغي ان تكون لها القابلية على التكيف مع التغيرات الحاصلة في المجتمع، وفي الوقت نفسه قادرة على استيعاب تلك المطالب، وبهذا الاجراء يضمن عدم التهميش او الاستبعاد او الاقصاء من العملية الديمقراطية. 2- ترقية الجانب النفسي (السايكولوجي): المتعلق بسلوك الفرد والجماعة، والذي بمجمله يمثل سلوك الفرد وتشكله في نظرته الى السلطة، وبالتالي يشكل الموقف من عملية التحول الديمقراطي. وباختصار ترقية الجانب المتعلق بايمان الفرد والجماعة بضرورة التحول الديمقراطي. 3- ترسيخ المؤسسات السياسية: التي تكفل ايمان الفرد والجماعة بضرورة التحول الديمقراطي (عبر الجانب المؤسسي والتنظيمي مصاغا ً ومبلورا ً في دساتير وقوانين... على ان يكون ذلك دائرا ً في اطار ثقافي يقبل بالديمقراطية والتعدد سبيلاً الى النهضة والتقدم عموما ً) (15) وتجسده المشاركة السياسية. (16) 4- إقرار التعددية السياسية: التي من اهم اهدافها “ ان تكفل تداول السلطة وحريات التعبير عن الرأي والمصالح والانتخاب... الخ، وعلى هذه الاساس يؤكد “غسان سلامة” على ان “هدف التعددية السياسية وسبب وجودها هو إنشاء الطريقة المؤسسية التي تسمح لاحد اطراف التعددية بالوصول للسلطة مكان الطرف المسيطر ومن يتجاهل هذه القاعدة البديهية يتخبأ وراء إصبعه”. (17) 5- ترقية مؤسسات المجتمع المدني: ظلت مؤسسات المجتمع المدني لحقبة طويلة من الزمن حبيسة ارادة الدولة وسلطانها. فالدولة سلبت من المجتمع وظائفه الحيوية واحتكرتها لنفسها، وجردت الشعب من حقوقه الانسانية ومنها حق المشاركة في الحياة السياسية وحق التعبير عن ارائه المستقلة .(18) ولذلك لابد للدولة التي تريد التحول الى الديمقراطية من ان توجد للمجتمع المدني المناخ السليم لنمو مؤسساته وازدياد فاعليته، لان الديمقراطية تقتضي السماح بتعدد وتنوع واختلاف الآراء بل ان اختلاف الآراء يعد سمة من ابرز سمات الديمقراطية. (19) معوقات التحول الديمقراطي في الجزائر كثيرة هي المعوقات التي اعترضت عملية التحول الديمقراطي في الجزائر، وأثرت سلبيا ً على العملية برمتها بدءاً من اقرار التحول الديمقراطي وصولا ً الى الوقت الحاضر، وبالشكل الذي جعل امكانات ترسيخ اسس الديمقراطية يحتاج الى مزيد من الوقت. واذا سلمنا ان التاثير الخارجي في اجراء عملية التحول كان كبيرا ً (وكثيرا ً ما اصطدم بعدم تهيؤ الجزائر لمثل هذه النقلة باتجاه الديمقراطية)، فان التاثير الداخلي حملَ بين ثناياه الكثير من المعوقات التي تحول دون اجراء عملية التحول الديمقراطي بيسر وسهولة. ولعل من ابرز تلك المعوقات ما يأتي: اولا ً: الصراع بين اركان النظام السياسي. منذ احداث تشرين الاول/ اكتوبر 1988، وحتى اواخر عام 1991 سار النظام السياسي الجزائري باتجاه تدعيم الاصلاحات السياسية التي شرع بها منذ عام1989، غير ان الشروع بالاصلاحات وتكريسها لم يحل دون ظهور انقسامات حادة بين اركان النظام السياسي، بسبب تنامي قوة الجبهة الاسلامية للانقاذ. وتكرست تلك الانقسامات في خطين احدهما اصلاحي والآخر متشدد. وعمل الرئيس الاسبق الشاذلي بن جديد على تدعيم الاتجاه الاصلاحي مستفيداً من دستور 1989 والصلاحيات الممنوحة له، وفي الوقت نفسه عمل على التقليل من سلطة جبهة التحرير على الحكومة. (20) فاستبدل” قاصدي مرباح” “بمولود حمروش” (الذي عمل على اختيار حكومة من التكنوقراط اذ ضمت الحكومة لاول مرة عددا ً من المحترفين الشبان يفوق كوادر جبهة التحرير فيها) ليضمن حالة من الانسجام في العلاقة بين خط الرئاسة والوزير الأول تلك العلاقة التي اتسمت عموما ً بالتناقض بين الاثنين. (21) تعاظم شعبية الجبهة الاسلامية للانقاذ(22)كان من أهم التطورات التي نتجت عن الاصلاحات وازاء ذلك بدأ رجحان كفة التيار المتشدد من النظام السياسي، لاسيما بعد ان حصلت مجموعة من التطورات الشعبية التي من شانها ان تدفع بالاتجاه “المتشدد” الى الضغط على رئيس الجمهورية لاسيما من المؤسسة العسكرية والتيار العلماني. الامر الذي صعد من المواجهة بين “ الشاذلي بن جديد” والحكومة (خاصة المتشددين منهم). وحسمت تلك المواجهة لصالح المتشددين بمباركتها لتحرك وزير الدفاع آنذاك “خالد نزار” (23)باجبار الرئيس على الاستقالة. (24) الملاحظ ان الفترة المشار اليها قبلا ً شهدت صراعا ً بين اركان النظام السياسي وانعكس الصراع على عملية التحول الديمقراطي اذ اثر ذلك الصراع على الاهتمام بالاصلاحات والمضيّ بالعملية الديمقراطية الى مداها الطبيعي، ويمكن وصف الصراع بانه صراع في النظام. لكن بحصول تغير وفوز الجبهة الاسلامية للانقاذ في الدورة الاولى من الانتخابات التشريعية كانون الاول/ ديسمبر 1991 ،(25) وتزايد شعبيتها واتساع قاعدتها التنظيمية انفجر الصراع وتحول الى صراع على النظام، ولكن هذه المرة على نحو علني بين المتشددين في النظام السياسي الجزائري والجبهة الاسلامية للانقاذ وهو ما تكشف بوضوح عقب رجحان كفة المطالبين بالغاء الانتخابات وايقاف المسار الانتخابي. بالنتيجة شكل الصراع بين اركان النظام السياسي بداية تعطيل التجربة الديمقراطية. ثانيا ً: المؤسسة العسكرية ادت المؤسسة العسكرية دورا ً سلبيا ً في عملية التحول الديمقراطي في الجزائر، من خلال الدور الذي أدته في ايقاف المسار الانتخابي في بواكير الشروع بعملية التحول وتحديداً عقب الانتخابات التشريعية في اواخر 1991، وخرقت دستور عام 1989 والذي نصّ على انهاء الدور السياسي للجيش، والغاء الدور الذي كان يعطيه دستور 1976 للجيش في بناء الاشتراكية، على العكس من ذلك، عاد الجيش مع عملية التحول الديمقراطي الى بؤرة السياسة الجزائرية وقادت عودته الى الاتيان بافتراضات حول موقف المؤسسة العسكرية من الانتخابات، وجاء موقف المؤسسة العسكرية ليرفض كل الافتراضات ويؤكد على ان هناك خيارين لاثالث لهما26) 1- اما السماح باجراء الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، وهذا يعني من جانب المؤسسة العسكرية ان الامر بحكم المنتهي لمصلحة “جبهة الانقاذ”واستلامها السلطة. 2- واما تعطيل المسار الانتخابي، وهو الاجراء الذي لاتنقصه سوى الوسيلة للوصول اليه. وبالتالي يؤكد الخيار الثاني انطلاقا ً من الدور الذي رسمته المؤسسة العسكرية لنفسها، وسعت باتجاه تعطيل المسار الانتخابي، وظل دور المؤسسة العسكرية موجها لعملية التحول الديمقراطي وبشكل مؤثر. ولكن هذا الدور سيبدأ بالانحسار مع بداية انتخاب الرئيس عبد العزيز بو تفليقة في نيسان/ ابريل 2004، ذلك ان الكثير من مظاهر الازمة التي عانتها الجزائرمنذ ايقاف المسار الانتخابي سنة 1992، بدأت بالانحسار، وصار دور المؤسسة العسكرية اقل وضوحا ً. ويبدو ان من بين اسباب ذلك ليس النهج الذي اختطه عبد العزيز بو تفليقةفي حقبتيه الاولى والثانية، وانما يمثل استمرار تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية معوقا ً رئيسا ً تجاه التحول الديمقراطي، الذي يتطلب من بين ما يتطلب هو ان السياسة فيه لعبة مدنية صرف، ومجال مفتوح للمنافسة بين المواطنين، يحكمه الدستور والقانون. وكما القضاء يفصل بين المنازعات المدنية وفي المنازعات بين المؤسسات والاجهزة بمقتضى القانون الذي يعلو على الجميع، ممارسا ً سلطة أقرها له الدستور، كذلك الجيش يمارس سلطته التي اقرها له الدستور وهي حفظ كيان الوطن والدولة والامة من الخطر الخارجي الذي يتهددهااو يمكن ان يتهددها. وهي سلطــــة لاتخــوله نقل خطوطه العسكرية الى الداخل، او الانتقال من حـــــدود الدولة الى حدود السلطة، لان ذلك يخل بوظيفته الطبيعية والقانونية.(27) ويبدو ان تعاظم دور المؤسسة العسكرية سوف لن ياخذ المنوال نفسه، لاسيما وان مأزق المؤسسة العسكرية في الجزائر يكمن في انقسامهم حول وحدة الرؤيا في التعامل مع الازمات، وهو ما افتقرت اليه المؤسسة العسكرية في ذروة هيمنتها على الحكم في الجزائر.(28) واقصد هنا مدة حكم (المجلس الاعلى للدولة)، فضلا ً عن ذلك فانه يوجد تناقض بين دور المؤسسة العسكرية واستمراره والحاجة الى التحول الديمقراطي، ومعه صار من الضروري البحث عن مزيد من الانسجام بين المؤسسة العسكرية بوظيفتها التقليدية- المهنية ومؤسسة الرئاسة. واخيراً، فان الضغط الخارجي يؤدي ايضا ً الى الحيلولة دون وصول الجيش الى سدة الحكم انسجاما ً مع التوجه الذي تحاول ان تفرضه القوى الخارجية، والمتمثل في جعل الحكم (ديمقراطيا ً). لذلك فهي ترضى بالجيش منسقا ً للتحول الديمقراطي، وترفض الحكم العسكري المباشر. مستقبل التحول الديمقراطي في الجزائر لاينبغي وضع مجمل عملية التحول الديمقراطي في الجزائر بخانة التكهنات بدراسة مستقبلها، وانما علينا البدء باستقراء جيد لعملية التحول منذ بدايتها وحتى يومنا هذا. تؤشر خلاصة استقراء تلك المرحلة انها جاءت بقرار من النظام السياسي آنذاك- عهد الرئيس الاسبق الشاذلي بن جديد- وظلّ مسيرا ً لمجمل العملية ومحركا ً لها، واستخدم اساليب الاقصاء والابعاد لقوى سياسية محددة كالجبهة الاسلامية للانقاذ، فضلاً عن اصدار مراسيم لتوجيه عمل القوى السياسية كتشريعات آذار/ مارس 1997 - عهد الرئيس السابق زروال- وتغيير اسماء الاحزاب ولاسيما الاسلامية منها. بمعنى ان العملية لم تأتِ استجابةً لحاجة مجتمعية، حتى وان سلمنا كما كتبنا في ثنايا البحث، ان الاسباب الداخلية اثرت في عملية التحول الديمقراطي، ولكن يبقى من الصحيح القول بأنَّ مجمل العملية مثلت إستجابة من النظام السيـاسي لمطالب خارجية تتمثل إما بحاجة النخب السياسية للبقاء في الحكـــم او لحاجة النظام الى المساعـــدات الاقتصاديـــة لاسيما وان تلك المساعدات صارت مشروطة باجراء اصلاحـــات سياسية واقتصادية.... يضمن النظام السياسي من خلال تلك الاستجابة الحد من الازمة التي يعانيها اصلاً بركنيها الاساسين السياسي والاقتصادي، فضلا ً عن الانسجام مع نظام سياسي دولي من اجل الابقاء على الوضع القائم، خاصة وان الجزائر لم تحسم الكثير من مشكلاتها التي عانت منها منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا، وصارت بمواجهة آثار تحولات عالمية مازالت تداعياتها مستمرة- شهدها المجتمع الدولي منذ منتصف الثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي- ومعها صار النظام السياسي على مفترق طرق بين متطلبات لم يف بها وآثار تعصف بالنظام السياسي والدولة. ربما تؤدي عملية التحول الى ترسيخ اسس نظام سياسي ديمقراطي، ولكن تلك المسألة مرتبطة اولا ً وأخيرا ً بجدية النظام السياسي في ذلك. فاذا استطاع النظام السياسي ان يرضي او يطمئن بيئته الخارجية، الا ان ذلك لايعني نجاح عملية التحول الديمقراطي، لان ركنها الثاني والمتمثل بالبيئة الداخلية للنظام السياسي واقصد هنا المجتمع الجزائري نفسه ماتزال تعتريه الكثير من المشكلات التي تعترض ترسيخ اسس التحول الديمقراطي، خاصة اذا ما سلمنا بان اجراء الانتخابات ما هو الامرحلة من مراحل التحول الديمقراطي. إذ حتى بالنسبة لدعاة المذهب الليبرالي الغربي فان “ احدا ً لايدعي ان النموذج الامريكي، رغم نجاحه (الباهر) في الولايات المتحدة، هو النموذج الذي يجب ان تتبعه كل الانظمة الديمقراطية، وعلى كل بلد ان يقيم حكما ينبع من ثقافته وتاريخه”.(29) عليه حتى تستقيم عمليةالتحول الديمقراطي في الجزائر، على القائمين عليها ان يؤكدواعلى المصالحة بين الدولة ونظامها السياسي والمجتمع، اي ان تكون انعكاساً لمطالب اجتماعية وليس استجابةً لمطالب خارجية وحسب. وهذا يتطلب تسوية الكثير من المشكلات والتي من اهمها:- 1- الحد من قضية الابعاد والاقصاء لاي من القوى السياسية الفاعلة في الساحة السياسية الجزائرية، حتى بالنسبة الى تلك التي يرى النظام انها غير شرعية. 2- تحييد دور المؤسسة العسكرية، وعدم تدخلها في السياسية، حتى يتسنى للنظام السياسي الاستمرار في نهجه الذي يرمي الى احلال السلم في الجزائر دون اي تاثير منها. 3- حل المشكلات الناجمة التي شهدتها الجزائر عقب الشروع بعملية التحول الديمقراطي كقضايا المفقودين. 4- حل المشكلات السياسية والاقتصادية المتمثلة بالمشاركة السياسية والازمة الاقتصادية باعتبارهما السببين الرئيسين اللذين قادا الى عملية التحول. نقول ان تلك اهم المشكلات التي ينبغي على النظام السياسي ايجاد حلول لها، لان حلها يكون بمثابة الارضية لمستقبل ديمقراطي يتطلع اليه الجزائريون. وبعكسه لن تثمر عملية التحول الديمقراطي عن مستقبــل افضل للجزائر. الخاتمة شكلت عملية التحول الديمقراطي في الجزائر جدلا ً واسعاً بين الدارسين والمهتمين بالشؤون الجزائرية، ولاسيما فيما يتعلق بامكانيات نجاح العملية أم لا. لاسيما مع بروز الكثير من التعرجات التي اعترضت العملية. ومبعث الجدل هو ان الجزائر وعلى الرغم من مرور عقد ونصف من الزمن ماتزال الكثير من المعوقات تعترض العملية. وتبين من خلال البحث ان السبب الرئيس في التعثر هو ان العملية جاءت استجابة لمتطلبات خارجية لان الكثير من الاسباب التي ادت الى التحول، ولا سيما منها الاسباب الداخلية ظلت بدون حل، بينما عصف تغييرات النظام السياسي الدولي هي التي ادت الى فرض التحول الديمقراطي على النظام السياسي الجزائري، وعلى الرغم من انصياع النظام السياسي لذلك العصف، الا ان الكثير من الركائز الاساسية التي يجب توافرها لانجاح عملية التحول الديمقراطي مازالت تتعثر كما هو الحال بالنسبة للمتطلبات التي وردت في ثنايا البحث” متطلبات التحول الديمقراطي” وفضلا ً عن ذلك فان الكثير من المشكلات التي تتطلب حلولا ً جدية من النظام السياسي مازالت غير متحققة. لذلك كله نرى ان مستقبل التحول الديمقراطي في الجزائر رهين بحل تلك المشكلات حتى تتأسس قاعدة راسخة تبنى عليها عملية التحول الديمقراطي، وتجعل من العملية الديمقراطية سبيلا ً لحل مشكـلات العــلاقة بين الدولة والمجتمع من خلال الاستجابة للمطالب المجتمعية. الهوامش: * مركز الدراسات الدولية- جامعة بغداد 1- ابراهيم عوض، الازمة الاقتصادية والاحتجاج والتطور الديمقراطي، مركز البحوث والدراسات السياسية، القاهرة، 1990،ص 8. 2- عبد الباسط دردور، العنف السياسي في الجزائر، وازمة التحول الديمقراطي، دار الامين ، القاهرة،1996،ص 62. 3- ابراهيم عوض، مرجع سبق ذكره،ص 13. 4- ورد في: جمال الدين حسين، الجزائر فوق بركان، {{(د.ن) ، القاهرة، 1992، ص ص 81-2 . 5- ورد في براهيم عوض، مرجع سبق ذكره،ص 13. 6- صادق الاسود، علم الاجتماع السياسي: اسسه وابعاده، مديرية مطبعة الجامعة، الموصل، 1986، ص 334. 7- محمد عبد الباقي الهرماسي، المجتمع والدولة في المغرب العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1987،ص 98. 8- المرجع نفسه، ص 98. 9- غسان سلامة” قوة الدولة وضعفها: بحث في الثقافة السياسية العربية” في غسان سلامة وآخرون، الامة والدولة والاندماج في الوطن العربي، الجزء الاول، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1989،ص 204. 10- خيري عبد الرزاق، تطور الوضع السياسي في الجزائر، مجلة العلوم السياسية، العدد (14) حزيران/ يونيو 1995،ص 209. 11- عز الدين شكري، الجزائر عملية التحول لتعدد الاحزاب، مجلة السياسة الدولية، العدد (98) تشرين الاول/ اكتوبر 1989، ص 155. 12- المرجع نفسه. 13- بصدد ذلك الاهتمام. ينظر: عبد الباسط دردور، مرجع سبق ذكره، ص 49-57. 14- افصح ايقاف المسار الانتخابي عام 1992. باكثر من تعبير عن خلو التاريخ السياسي الجزائري من الرصيد الديمقراطي. ينظر: ثنيو نور الدين، الدولة الجزائرية: المشروع العصي، مجلة المستقبل العربي، العدد (242) نيسان/ ابريل 1999، ص 23. 15- احمد ثابت، التعددية السياسية في الوطن العربي: تحول مقيد وآفاق غائمة، مجلة المستقبل العربي، العدد (155) كانون الثاني/ يناير 1992، ص 4. 16- بخصوص المشاركة السياسية ينظر على سبيل المثال: Samue/ p. Huntington, no easy choice- political participation in developing countries, USA, 1976, P.P 3-6. كذلك صادق الاسود، مرجع سبق ذكره، ص 334. 17-غسان سلامة، “ التعددية السياسية في المشرق: من الصيغ التقليدية الى الصيغ الحديثة” . ورقة قدمت الى ندوة التعددية السياسية في الوطن العربي، عمان 26-28 آذار/ مارس 1989، ص 11. 18- حليم بركات، المجتمع العربي في القرن العشرين: بحث في تغير الاحوال والعلاقات، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2001،ص 923. 19- سعد الدين خضر، الرأي العام وقوى التحريك، مطبعة الجمهورية، الموصل، 1986، ص 2. 20- لتعزيز ذلك التوجه جاء قرار الرئيس الآسبق”الشاذلي بن جديد” بالاستقالة من رئاسة جبهة التحرية في 28 حزيران/ يونيو 1991. 21- يمكن الاشارة هنا الى المنافسة التي كانت بين رئيس الجمهورية ومساعديه من جهة والوزير الاول من جهة اخرى، تلك المنافسة التي كانت تشير الى وجود دفع باتجاه اجراء انتخابات مسبقة للبقاء او”الاستيلاء” على الرئاسة. الامر الذي دفع”بن جديد” الى عزل”قاصدي مرباح” في اقل من سنة من توليه رئاسة الوزارة الاولى (تشرين الاول/ نوفمبر وحتى ايلول/ سبتمر 1989). 22- فوز الجبهة الاسلامية للانقاذ في الانتخابات البلدية في حزيران/ يونيو 1990، والانتخابات التشريعية في دورتها الاولى اواخر كانون الاول/ ديسمبر 1991. 23- عيّن”الشاذلي بن جديد” اللواء”خالد نزار رئيس الاركان بمنصب وزير الدفاع، وهي الحقيبة التي ظلت في يد رئيس الدولة في محاولة منه للتاثير على جهازي الامن والعسكر. 24- اقيل” الشاذلي بن جديد” من منصبه قبل ايام من اجراء الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية في جولتها الثانية وتحديدا ً في (11) كانون الثاني/ يناير 1992. 25- فازت الجبهة الاسلامية للانقاذ ب(188) مقعداً من اصل (231) مقعداً. 26- ينظر: خيري عبد الرزاق جاسم، ازمة الحكم في الجزائر، اطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة بغداد، كلية العلوم السياسية، 1991. 27- عبد الاله بلقزيز، “السياسة في ميزان العلاقة بين الجيش والسلطة” في احمد ولد داداه وآخرون، الجيش والسياسة والسلطة في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2002،ص ص 18-19. 28- لم تسلم المؤسسة العسكرية من مشكلات الصراع والتنافس بين التيارات ومراكز القوى الكثيرة، ولعل ابرز تلك التيارات هو التيار”الاستئصالي” الذي ادى دورا ً مهما ً في اعاقة التحول الديمقراطي. فضلاً عن ذلك ان اسباب الانقسامات بين الجنرالات مختلفة وكثيرة، ابتداء من نزاع المصالح المادية او ذات طبيعة عسكرية محضة او سياسية او بكل بساطة بسبب نقص التجانس الشخصي، ان كل اسباب الانفجار البركاني قد توفرت وهذا رغم المظاهر الرسمية لمؤسسة عسكرية موحدة وهادئة. |
||||
2012-04-05, 00:38 | رقم المشاركة : 1872 | |||
|
تقوم البنوك بدور رئيسي وهام في كل مجالات الإقتصاد والأعمال والمال في جميع دول العالم, بما تباشره من أعمال وساطة وغيرها من التعاملات المالية التي لا غنى عنها بالنسبة لاقتصاد أي بلد. فالبنوك تلعب دورا هاما في تمويل التطور الإقتصادي للبلد, إلا أن نجاحها في أداء وظيفتها الأساسية يرتبط بقدرتها على التكيف مع الأوضاع الجديدة, وتمثل العولمة وآثارها التحدي الأبرز الذي يواجه البنوك والأجهزة المصرفية من ناحية الأداء, السياسات, النتائج والتوجهات. وهذا ما سنحاول تتبعه في هذا الفصل من خلال ثلاثة مباحث, يتناول المبحث الأول نشأة وتطور الفن المصرفي, أما المبحث الثاني فيتناول أشكال ووظائف البنوك, فيما يخصص المبحث الثالث لمفهوم العولمة المصرفية, أسباب ظهورها, والأهداف التي يمكن للبنوك تحقيقها في ظلها. المبحث الأول : نشأة وتطور الفن المصرفي جاءت نشأة البنوك في مراحلها الأولى كمحصلة لتطور واتساع النشاط التجاري وتعدد أشكال النقود المتعامل بها, إلا أن التطورات الإقتصادية المتلاحقة دفعت نحو تطوير هذه البنوك وإيجاد نظم مصرفية معاصرة تقدم خدماتها لمختلف القطاعات وتحتل مكانة رئيسية ضمن السياسات الإقتصادية لكل الدول. وفي هذا المبحث سنتناول نشأة البنوك في المطلب الأول, وتطور التنظيم والعمل المصرفي في المطلب الثاني. المطلب الأول : نشأة البنوك تشير بعض الوثائق التاريخية والأثرية إلى أن عهد ظهور الفن المصرفي يرجع إلى ما قبل الميلاد وتمتد جذوره إلى العهد البابلي, الذي ظهرت فيه مجموعة من المؤسسات المصرفية(*) التي تولت تنظيم عمليات السحب والإيداع, كما تشير تلك الوثائق إلى أن أقدم بنك في التاريخ هو البنك الذي أنشأه "إيجيبي" الذي كان مقره في مدينة "سيبار" على شاطئ نهر الفرات(1), وهناك من يرى أن الفن المصرفي يرجع إلى عهد الإغريق الذين ينسب إليهم نشره بين سكان حوض البحر الأبيض المتوسط حيث أن الرومان أخذوا حرفة الصرافة من الإغريق.(2) غير أن التنظيم المصرفي لم يظهر إلى حيز الوجود إلا في أواخر العصور الوسطى, عندما أحيا ازدهار التجارة في المدن الإيطالية نظم المصارف وبالأخص مدن البندقية وجنوا وبرشلونة, حيث ترجع نشأة البنوك في مراحلها الأولى إلى نشاط الصيارفة والصاغة والمرابين (القائمين على قبول الودائع), فهذه المصارف وباختلاف طبيعتها ونوعية الوظائف التي تؤديها لا تعدو أن تكون مؤسسات تتعامل في القرض أو الإئتمان, وهي نفس فكرة الإتجار في النقود التي عرفت في القرون الوسطى بل وقبل ذلك ببعيد, فمع التوسع في التعامل بمجموعة غير متجانسة من النقود المعدنية واتساع النشاط التجاري وظهور الأسواق والتجار المتخصصين, بدأت هذه الفئة تحقق فوائض نقدية كبيرة من عملياتها التجارية المختلفة, الأمر الذي دفعها إلى البحث عن طريقة آمنة للمحافظة على ثرواتها وتيسير معاملاتها, فلجأت إلى الصاغة والصيارفة وحتى بعض التجار الذين كانوا يتمتعون بالسمعة الطيبة والقوة والأمانة. ولعل هذا ما يفسر الأصل التاريخي لكلمة بنك التي ترجع إلى الإصطلاح الفرنسي "Banque" والذي يعني في جوهره خزانة آمنة لحفظ النفائس, وهو ما يعني المكان الذي يتم فيه الإحتفاظ بكل ما هو نفيس وغال كالمجوهرات وغيرها, كما قد يرجع أصل هذه الكلمة إلى اللفظ الإيطالي "Banco" الذي يطلق على الطاولة أو المنضدة التي كان الصيارفة يزاولون أعمالهم من خلالها.(1) وقام هؤلاء التجار بإيداع أموالهم أو ما يملكون من معادن نفيسة لدى أولئك الصاغة والصيارفة والتجار مقابل عمولة تدفع لهم نظير حفظها وحراستها, فيما كان يتحصل المودعون على شهادات (إيصالات) مثبتة فيها قيمة ودائعهم وتتضمن تعهدا من المودع لديه برد الأمانة (الوديعة) عند طلبها من طرف المودع في الحال كما وضحت في الإيصال. وفي بداية الأمر كانت هذه الشهادات تصدر إسمية وكان يتم تداولها عن طريق التنازل (التظهير), ولكن مع مرور الوقت وتزايد ثقة المتعاملين في المودع لديهم أصبحت هذه الشهادات شهادات لحاملها, يتم تداولها بمجرد التسليم (دون حاجة للتنازل أو التظهير).(2) هذا التطور الحاصل في إصدار شهادات الإيداع سمح بتوسيع وزيادة التعامل بهذه الشهادات, مما أغنى التجار عن الذهاب إلى الصاغة والصيارفة لسحب الأموال وإيداعها كلما تم عقد صفقة تجارية, والإكتفاء بتداول هذه الشهادات حيث تعود الأفراد على قبول إلتزامات البنوك بديلا للنقود في الوفاء بالديون, وبمرور الوقت لاحظ المودع لديهم أن قدرا ضئيلا من الشهادات التي يصدرونها يعود أصحابها لاستلام ما أودعوه, من هنا ظهرت فكرة استغلال هذه الودائع العاطلة بإقراضها لمن يريد استثمارها, فبدأ هؤلاء الصاغة والصيارفة يقرضون من أموالهم الخاصة ومن بعض الودائع لديهم, بالإضافة إلى تحويل الودائع أو جزء منها من حساب إلى آخر وفاءً للإلتزامات, مقابل حصولهم على فوائد أعلى من تلك التي كانوا يدفعونها ويستفيدون بالفرق. وفي مرحلة أكثر تقدما سمح لبعض العملاء بسحب مبالغ تتجاوز في قيمتها ودائعهم وهو ما يعرف الآن بالسحب على المكشوف, غير أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل حدثت خطوة أخرى مؤادها أن أولئك الصاغة والصيارفة والتجار بعد أن اتسعت أعمالهم وبدأوا يتخصصون تماما في عمليات تلقي الودائع ومنح القروض وأطلقوا على أنفسهم لقب المصارف, قاموا بخطوة جريئة مثلت ثورة في المسألة النقدية والمصرفية وهي منح قروض من ودائع ليس لها وجود فعلي لديهم, فلقد بدأوا بالفعل يخلقون الودائع ويصنعون السيولة, ومثلت هذه الوظيفة أهم وظيفة من وظائف المصارف التجارية لدرجة أنها تعرف الآن باسم مصارف الودائع, ورغم أن هناك حدودا معينة لا تستطيع هذه المصارف أن تتجاوزها في عملية خلق الودائع إلا أنها استطاعت بالفعل عن طريق هذه العملية خلق نقود جديدة (النقود الكتابية) وزيادة حجم وسائل الدفع الموجودة في المجتمع, وتمثل هذه النقود الجزء الأكبر من العرض النقدي في الدول المتقدمة.(1) ومنذ القرن الثامن عشر أخذ عدد البنوك يزداد تدريجيا وكانت أغلبيتها مؤسسات يمتلكها أفراد وعائلات, وكانت القوانين تقضي بحماية المودعين بحيث يمكن الرجوع إلى الأموال الخاصة لأصحاب هذه البنوك في حالة إفلاسها.(2) كما لعبت الثورة الصناعية دورا مهما في توسيع البنوك ونموها وكبر حجمها مما سمح لها بخدمة قطاعات إقتصادية واسعة, وتواصل التطور الذي عرفته البنوك حيث شهدت المهنة المصرفية التي تمارسها البنوك التجارية تغيرات كبيرة في طبيعتها وأدواتها وتقنياتها, بالإضافة إلى مختلف أنواع البنوك الأخرى التي ظهرت, ولم يعد الأمر يقتصر على البنوك حيث تواجد في كل بلد من بلدان العالم مجموعة من الشركات والمؤسسات التي تتكفل بحفظ النقود وتعبئة موارد المجتمع من الأموال وسد حاجات البلاد من مختلف أنواع الإئتمان المتفاوتة الآجال وإنشاء وسائل الدفع المتداولة بين الأفراد وهذه الشركات, وكل هذه المؤسسات تدخل ضمن إطار الجهاز المالي والمصرفي والذي يشكل أحد أهم الآليات التي تدعم النمو الإقتصادي نظرا لارتباطه بأهم عامل في العملية الإقتصادية وهو العامل المالي. المطلب الثاني : تطور التنظيم والعمل المصرفي عرفت البنوك منذ نشأتها تطورات كبيرة وواسعة في العديد من المجالات, حيث أن البنوك لم تعد مجرد خزائن تودع فيها أموال الغير إذا ما فاضت عن حاجتهم وتسحب منها إذا ما رغبوا في ذلك ضمن عبارة "البنوك تقترض لكي تقرض"(3), كما لم تعد النشاطات البنكية أمرا محصورا في نطاق ضيق يتكون من مجموعة المتعاملين, ولكنها أصبحت عملية يومية تهم قطاعا واسعا من الأفراد والمؤسسات والمنظمات وتزداد أهميتها يوما بعد يوم بحسب ما يشهده الإقتصاد من تحولات عميقة. وتبرز الأهمية الكبيرة للبنوك والقطاع المصرفي بشكل أساسي انطلاقا من دورها الرئيسي في دعم عمليات التنمية والتطور في البلاد, من خلال توفير الأموال والمدخرات المطلوبة وتوظيفها بالكفاءة اللازمة التي تخدم أغراض النمو والتقدم, لذا نجد من خلال تتبع تاريخ البنوك أن الدول قامت بوضع القوانين والإجراءات المختلفة التي تحدد بشكل واضح ودقيق وظائف وأدوار مختلف المؤسسات المالية ومنها البنوك, وإيلاء أهمية خاصة لهذا القطاع خصوصا أن البنوك لم تكن بعيدة عن الأزمات التي عاشها الإقتصاد في مراحل مختلفة من تاريخه, حيث اتجهت هذه الدول إلى ضبط وتقنين العمل المصرفي ضمن إطار محدد يحافظ على صيرورة هذه الوظيفة الهامة والحساسة بشكل سليم, ولعل من أبرز أسباب ضبط وتقنين العمل المصرفي ما يلي1) 1- تحقيق وتوفير عنصر الأمان والقوة الإستقرارية للبنوك والمؤسسات المالية. 2- تحقيق إستقرار النظام النقدي من خلال مراقبة وضبط النمو في مصادر توفير النقود على المستوى القومي والعمل على تحقيق نظام مالي كفؤ ومتنافس. 3- حماية مستخدمي هذه الأموال من تعسف هذه المؤسسات أي المانحة للإئتمان. مع ملاحظة أن البنوك التجارية خضعت لإجراءات تنظيمية أكثر صرامة مقارنة بالمؤسسات المالية الأخرى, وذلك لدورها المؤثر في نظام المدفوعات وفي توفير الإئتمان اللازم للأفراد والمشروعات. كما بادرت مختلف الدول وفي مقدمتها الدول المتقدمة إلى انتهاج سياسات إصلاحية بغية تطوير أجهزتها المصرفية وعصرنة البنوك العاملة بها, حيث تؤدي السياسات الرامية إلى تحسين أداء القطاع المالي إلى ارتفاع معدلات النمو الإقتصادي, وهو رأي تدعمه النظريات والأدلة معا, ويرجع السبب وراء ربط التطور المالي بالنمو في أن النظام المالي المتطور يقوم بعدة وظائف لتعزيز فعالية الوساطة من خلال ما يحققه من خفض التكاليف المرتبطة بالمعلومات والمعاملات والمتابعة, ويشجع النظام المالي الحديث نشاط الإستثمار من خلال تحديد فرص العمل الجيدة للعمل التجاري وتمويلها, وتعبئة المدخرات, ومتابعة أداء المديرين, والسماح بتداول المخاطر وتغطيتها وتنويعها وتيسير تبادل السلع والخدمات, وتؤدي هذه الوظائف إلى رفع كفاءة توزيع الموارد وتسريع تراكم رأس المال المادي والبشري, وتعجيل خطى التقدم التكنولوجي مما يؤدي بدوره إلى تعزيز النمو الإقتصادي.(1) غير أن التطورات الإقتصادية السريعة والمتلاحقة والتي من أبرزها ما مثلته العولمة المالية شكلت ضغوطا متعاظمة دفعت البنوك لاعتماد توجهات وسياسات جديدة تتماشى وهذه التغيرات, كما دفعت باتجاه المزيد من التحرر المالي والتشريعي, مما عمل على تراجع التقسيمات والتحديدات الموضوعة أمام البنوك المختلفة في ممارسة أعمالها والتنظيرات القائلة بهذا التقسيم. كما عرفت البيئة المصرفية بدورها تطورات عديدة أفرزت معطيات ومتطلبات جديدة, وهو ما فتح عهدا جديدا أمام البنوك بما فيه من إيجابيات وفرص ومجالات جديدة, أي ما يعني تحقيق توسعات وأرباح إضافية لها, في مقابل ما يحمله من سلبيات وتحديات ومخاطر يتعين على هذه البنوك مواجهتها. والملاحظ في ضوء هذه التطورات هو نمو كيانات وتنظيمات مصرفية تمثل تحولا واضحا في عالم البنوك, وكذا ظهور مفاهيم جديدة في أداء البنك لأعماله, ما يفرض على البنوك استحداث سياسات وأساليب جديدة في تعاملاتها وتقديم منتجاتها, وتبني معايير التخطيط الإستراتيجي لمواكبة التطورات الحاصلة والسير وفق ما تقتضيه التحولات التي تعيشها الصناعة البنكية, وهو ما يندرج في مجمله ضمن ما فرضته قوى التغيير العالمية على البنوك وأعمالها. |
|||
2012-04-05, 00:39 | رقم المشاركة : 1873 | |||
|
المبحث الثاني : أشكال ووظائف البنوك |
|||
2012-04-05, 00:39 | رقم المشاركة : 1874 | |||
|
المطلب الثاني : البنوك التجارية |
|||
2012-04-05, 00:42 | رقم المشاركة : 1875 | |||
|
بحث اخر |
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
المستطاع, اوامر, تريدونه, تقدر, طلباتكم |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc