السلام عليكم
أمر محير بقي الموضوع لمدة ليست بالهينة ولم يتم حذفه ولا غلقه ، خاصة في ظل احتوائه على مشاركات فيها من الكلام في أهل العلم ما فيها ، بدون أي تدخل من أي مشرف بهذا القسم ، وكأن لمشرفي هذا القسم مصلحة في هذا النقاش وفي هذا الكلام فالله المستعان .
ما أقوله لصاحبة الموضوع الأخت العربي عبدية أنه ، ليس كل ما يعلم يقال ، وليس كل ما يقال يصلح أن يقال في كل زمان وكل مكان .
عن عمر رضي الله عنه .
قال ابن عباس : كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف ، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه في آخر حَـجّة حجّها ، إذ رجع إليّ عبد الرحمن فقال : لو رأيتَ رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال : يا أمير المؤمنين هل لك في فلان ؟ يقول لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا ! فو الله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فَـلْتَة ، فتمّت .
فغضب عمر ثم قال : إني إن شاء الله لقائم العشيّة في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم .
قال عبد الرحمن بن عوف :
فقلت : يا أمير المؤمنين لا تفعل ، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم ، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس ، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيّرها عنك كل مُطيّر ، وأن لا يَعوها وأن لا يضعوها على مواضعها ، فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكّنا ، فيَعِي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها
فقال عمر : والله إن شاء الله لأقومنّ بذلك أول مقام أقومه بالمدينة .
قال ابن عباس : فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة ، فلما كان يوم الجمعة عجّلت الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حوله تمس ركبتي ركبته ، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب ، فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل : ليقولن العشيّة مقالة لم يقلها منذ استخلف !
فأنكر عليّ وقال : ما عسيت أن يقول ما لم يَـقُـلْ قبله ؟
فجلس عمر على المنبر ، فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال :
أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قُـدّر لي أن أقولها ، لا أدري لعلها بين يدي أجلي ، فمن عقلها ووعاها فليُحدّث بها حيث انتهت به راحلته ، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب عليّ .
إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل الله آية الرّجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها . رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيَضِلّوا بترك فريضة أنزلها الله ، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف . إنّا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفرٌ بكم أن ترغبوا عن آبائكم - أو إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم - ألا ثمّ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تطروني كما أُطريَ عيسى ابن مريم ، وقولوا عبد الله ورسوله . ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول : والله لو قد مات عمر بايعت فلانا ، فلا يَغترنّ امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت ، ألا وإنها قد كانت كذلك ، ولكن الله وقى شرّها ، وليس فيكم مّنْ تُقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ، من بايع رجلا مِن غير مشورة من المسلمين فلا يُبابع هو ولا الذي تابعه تغرّة أن يقتلا .
الحديث بأطول مما هنا أخرجه البخاري .
فهذا عمر رضي الله عنه على مكانته وقِدم قدمه وعلو كعبه في الإسلام يأخذ بمشورة ابن عوف فلم يتكلّم في الموسم الذي يجمع رعاع الناس وغوغاءهم .
بل أمهل فما تكلّم إلا في دار الهجرة والسنة .
فهناك من الاخوة في هذا المنتدى على مقولة افتح فمك يرزقك الله .إنهم ليتكلّمون في مسائل لو عُرِضت على عمر رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر يستشيرهم ويستنير بآرائهم .
رحمك الله أبا حصين . ألست القائل : إن أحدهم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر ؟
أين أنتم من أُناس يهرفون بما لا يعرفون ؟
وأين أنتم من أُناس يُحكمون عقولهم في نصوص الوحيين على مسامع عامة الناس ؟؟
فإلى الله المشتكى .
ورحم الله ابن القيّم إذ يقول عن أمثال هؤلاء :
ثقُـل الكتاب عليهم لما رأوا = تقييده بشـرائع الإيمـان
واللهو خف عليهم لما رأوا = ما فيه من طرب ومن ألحان
فاحبسوا ألسنتكم عباد الله أن تتكلّموا في كل نازلة ، وفي كل موضوع ، وفي كل مصيبة .
قال عمر رضي الله عنه .
وإتماما للفائدة :
قال الإمام البخاري – رحمه الله – :
باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه
ثم ساق بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عائشة لولا قومك حديث عهدهم بكفر لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين ، باب يَدخُل الناس ، وباب يَخرجون .
ثم قال – رحمه الله – :
باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا .
وقال علي رضي الله عنه : حدثوا الناس بما يعرفون . أتحبون أن يكذب الله ورسوله ؟
حدثنا عبيد الله بن موسى عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن عليّ بذلك . اهـ .
أي أن أثر عليّ رضي الله عنه موصول بهذا الإسناد .
ثم ساق بإسناده عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال : يا معاذ بن جبل . قال : لبيك يا رسول الله وسعديك . قال : يا معاذ . قال : لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثا . قال : ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار . قال : يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا ؟ قال : إذا يتّـكلوا . وأخبر بها معاذ ثم موته تأثما .
وروى مسلم في المقدمة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة .
والله أعلم
السلام عليكم