حديث "لأمرتهم بالسواك" هل يدل على أن النبي يأمر بما لم يوح إليه
السؤال
حديث "لأمرتهم بالسواك" هل يدل على أن النبي يأمر بما لم يوح إليه السؤال : هل كل ما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أُمّته هو وحي من الله عز وجل؟ أم أنه صلى الله عليه وسلم قد يأمر بالأمر من قِبَل نفسه؟
وما توجيه قوله صلى الله عليه وسلم : (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة...) وقوله صلى الله عليه وسلم : (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء حتى الثلث الأول من الليل...)
فإذا كان الأمر وحياً من الله فكيف يغيّره النبي صلى الله عليه وسلم؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
لاشك أن السنة النبوية - وهي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير - هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أُنزِل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والقسم الآخر من الوحي هو القرآن الكريم .
وقد دل على هذا الأصل أدلة كثيرة منها : قوله تعالى: ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِن هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىْ ) النجم/3-4 .
وقوله سبحانه : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/44 ، والذكر هنا هو السنة .
وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ)
رواه الترمذي (2664) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2870) .
وقال حسان بن عطية رحمه الله : " كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن " رواه الدامي في سننه (588) والخطيب في الكفاية (12)
وعزاه الحافظ في الفتح (13/291) إلى البيهقي ، قال : " بسند صحيح " .
ثانيا :
جاء في بعض الأحاديث - كحديث السواك المذكور - ما قد يُفهم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالأمر من تلقاء نفسه ، وهي مسألة بحثها العلماء في علم الأصول
سماها البعض : مسألة التفويض ، وهي هل يجوز أن يُفَوَّض النبي ويقال له : احكم بما شئت فهو الصواب ، وفرَّقوا بينها وبين مسألة الاجتهاد ، بأن التفويض يكون بغير نظر واستدلال بخلاف الاجتهاد .
قال الزركشي رحمه الله في "البحر المحيط" (8/ 51) :
" يجوز أن يقال لنبي أو مجتهد : احكم بما شئت من غير اجتهاد فهو صواب , أي فهو حكمي في عبادي , إذا علم أنه لا يختار إلا الصواب ويكون قوله إذ ذاك من جملة المدارك الشرعية , ويسمى ( التفويض ) ,
قاله القاضي في التقريب وتبعه جماعة ، منهم : إلكيا وابن الصباغ , وقال : إنه قول أكثر أهل العلم . قال القاضي : وقال أكثر المعتزلة : لا يجوز , بناء على رأيهم أن الشرع مبني على المصالح ,
وقد لا يكون في اختياره مصلحة ... وقال أبو بكر الرازي في أصوله : الصحيح أنه لا يجوز ذلك إلا بطريق الاجتهاد . والثالث : وبه قال أبو علي الجبائي في أحد قوليه : يجوز ذلك للنبي دون العالم ,
ذكر ذلك في قوله تعالى : ( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه ) قال أبو الحسين : ثم رجع عن هذا القول . وهذا القول اختاره ابن السمعاني .
قال : وقد ذكر الشافعي في الرسالة " ما يدل عليه . وقال أبو الحسين في المعتمد " : ذكر الشافعي في الرسالة ما يدل على أن الله تعالى لما علم أن الصواب يتفق من نبيه جعل له ذلك , ولم يقطع عليه بل جوزه وجوز خلافه " انتهى .
وقال في "شرح الكوكب المنير" (3/31)
: "يجوز أن يقال لنبي أو مجتهد : احكم بما شئت فهو صواب ويكون ذلك مدركا شرعيا ويسمى : التفويض عند الأكثر ; لأن طريق معرفة الأحكام الشرعية :
إما التبليغ عن الله سبحانه وتعالى بإخبار رسله عنه بها , وهو ما سبق من كتاب الله سبحانه وتعالى وثبت بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وما تفرع عن ذلك ,
من إجماع وقياس وغيرهما من الاستدلالات , وطرقها بالاجتهاد , ولو من النبي صلى الله عليه وسلم .
وإما أن يكون طريق معرفة الحكم : التفويض إلى رأي نبي أو عالم , فيجوز أن يقال لنبي أو لمجتهد غير نبي : احكم بما شئت فهو صواب عند بعض العلماء
ويؤخذ ذلك من كلام القاضي وابن عقيل , وصرحا بجوازه للنبي صلى الله عليه وسلم , وقاله الشافعي وأكثر أصحابه , وجمهور أهل الحديث , فيكون حكمه من جملة المدارك الشرعية
فإذا قال " هذا حلال " عرفنا أن الله سبحانه وتعالى في الأزل حكم بحله , وكذا " هذا حرام " ونحو ذلك , لا أنه ينشئ الحكم ; لأن ذلك من خصائص الربوبية ,
قاله ابن الحاجب وتبعه ابن مفلح , وتردد الشافعي , أي في جوازه , كما قال إمام الحرمين , وقال : الجمهور في وقوعه , ولكنه قاطع بجوازه " انتهى.
واختلف القائلون بالجواز ، هل وقع هذا أو لم يقع .
واستدل القائلون بوقوع التفويض بأدلة منها :
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاةٍ) رواه البخاري (887) ومسلم (252) .
2- ما روى مسلم (1337) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (أَيُّهَا النَّاسُ ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا
فَقَالَ رَجُلٌ : أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ قُلْتُ : نَعَمْ ، لَوَجَبَتْ ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ، ثُمَّ قَالَ : ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ
فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ ، وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ) .
3- ما روى البخاري (1833) ومسلم (1355) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي ، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي
وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا ، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا ، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ) وَقَالَ الْعَبَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ : (إِلَّا الْإِذْخِرَ) .
وأجاب المانعون عن ذلك بأجوبة كثيرة .
قال ابن أمير الحاج في "التقرير والتحرير" (3/338) : "أجيب بجواز كونه صلى الله عليه وسلم خير فيها أي في هذه الصور الثلاثة معيّنا
أي : كأنه قيل له : أنت مخير في إيجاب السواك وعدمه ، وتكرار الحج وعدمه ... أو كون القول المذكور فيها بوحي سريع لا من تلقاء نفسه ".
ونقل عن الأسنوي قوله : " وأما قوله : ( لولا أن أشق على أمتي ) فيحتمل أن يكون البارئ تعالى أمره بأن يأمرهم عند عدم المشقة فلما وجد المشقة لم يأمرهم ".
ثم قال : " وقال ابن السمعاني : هذه المسألة , وإن أوردها متكلمو الأصوليين فليست بمعروفة بين الفقهاء وليس فيها كبير فائدة ;
لأن هذا في غير الأنبياء لم يوجد ولا يتوهم وجوده في المستقبل فأما في حق النبي فقد وجد . انتهى ".
ويمكن أن يقال في مسألة السواك : إن همّه صلى الله عليه وسلم بالأمر به كان اجتهادا منه ، حتى إنه خشي أن ينزل فيه وحي
كما روى أحمد في المسند (2895) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أمرت بالسواك حتى خشيت أن يوحي إلي فيه) . قال شعيب الأرنؤوط : حسن لغيره وهذا إسناد ضعيف .
وسواء كان هذا اجتهاداً منه صلى الله عليه وسلم ، أو تفويضاً فُوِّض فيه ، فإنه صلى الله عليه وسلم إذا أُقِرَّ عليه كان ذلك بمنزلة ما لو أوحي إليه فيه ابتداء
فسنته صلى الله عليه وسلم دائرة بين أمرين : أن تكون وحيا ابتداء ، أو أن يكون مآلها إلى الوحي ، وذلك بإقرارها من الله تعالى.
وخلاصة الجواب :
أن هذا إما أن يكون من باب التفويض ، وإما أن يكون اجتهاداً منه صلى الله عليه وسلم ، وقد وافقه الوحي عليه ولم ينكره .
والخلاف في هذه المسألة – كما قال ابن السمعاني – ليس فيها كبير فائدة ، لأن الحكم الشرعي ثابت وصحيح ، سواء كان ذلك عن طريق التفويض ، أو الاجتهاد الذي أقره عليه الوحي .
والله أعلم .
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين