هل تثبت صفة " الثقل " لله تعالى ؟
السؤال
ورد في تفسير سورة الشورى الآية4 : (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ ...)
وورد أثر مروي عن بن عباس يفسر الآية الكريمة وينسب صفة الثقل لله تعالى : حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: ( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ )
قال: يعني من ثقل الرحمن . وجاء أيضاً في كتاب الدر المنثور في تفسير القرآن بالمأثور :
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، عن ابن عباس رضي الله عنهما [تكاد السموات يتفطرن من فوقهن] قال: من الثقل. فهل تثبت صفة الثقل لله تعالى ؟
وما هو نقد سند هذا الأثر ، هل هو صحيح ؟ وجزاكم الله خيرًا .
الجواب
الحمد لله
سبق في جواب السؤال سابق بعنوان
ما هو الضابط في الأسماء التي يصح إطلاقها على الله تعالى ؟
أن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية
فلا يسمى الله تعالى ولا يوصف إلا بما جاء في نصوص الوحي : (الكتاب والسنة) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" يُوصَفَ اللَّهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ لَا يَتَجَاوَزُ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ "
انتهى ."مجموع الفتاوى" (5 / 26) .
أما الأثر المذكور عن ابن عباس رضي الله عنهما فلا يصح عنه
رواه الحاكم (3653) من طريق خصيف عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما : قوله عز وجل : ( تكاد السموات يتفطرن من فوقهن ) قال : " من الثقل " .
وهذا إسناد ضعيف ، خصيف ، وهو ابن عبد الرحمن الجزري ضعيف ، ضعفه يحيى بن سعيد وأحمد والنسائي وأبو حاتم وابن خزيمة وغيرهم .
انظر : "التهذيب" (3/124)
"ميزان الاعتدال" (1/654) .
ورواه ابن جرير في تفسيره (21|501) :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس
قوله : ( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ )
قال : " يعني من ثقل الرحمن وعظمته تبارك وتعالى " .
وهذا إسناد مسلسل بالضعفاء : محمد بن سعد هو محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي لين الحديث , وأبوه سعد بن محمد متكلم فيه
وعمه الحسين بن الحسن ضعيف , والحسن بن عطية ضعيف أيضاً ، وكذا أبوه عطية .
انظر : "التهذيب" (2/255) (7/201) (9/103)
– "لسان الميزان" (3/18) (2/278) (5174)
"الجرح والتعديل" (3/26) (3/48) (6/383) .
والذي ذهب إليه جماعة من المفسرين في تفسير الآية المذكورة في السؤال أن ذلك خوفاً من الله عز وجل ومن عظمته .
قال ابن جرير رحمه الله في تفسير الآية السابقة :
" تكاد السموات يتشققن من فوق الأرضين ، من عظمة الرحمن وجلاله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل "
انتهى من "تفسير الطبري" (21 /501) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" قال ابن عباس ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، وكعب الأحبار : أي فرقًا ، من العظمة "
انتهى من "تفسير ابن كثير" (7 /190) .
ولما يذكرا ثقل الرب تعالى .
وجاء في السنة ما يدل على أن العرش أثقل المخلوقات
كما رواه مسلم (2726)
عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله : (سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ ، وَرِضَا نَفْسِهِ ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ) .
قال ابن القيم رحمه الله :
"وقوله : (وزنة عرشه) فيه إثبات للعرش ، وإضافته إلى الرب سبحانه وتعالى ، وأنه أثقل المخلوقات على الإطلاق ؛ إذ لو كان شيء أثقل منه لوزن به التسبيح
وهذا يَرُدُّ على من يقول إن العرش ليس بثقيل ولا خفيف ، وهذا لم يعرف العرش ولا قَدَّرَه حق قدره "
انتهى من"المنار المنيف" (ص 37) .
فهذا غاية ما ورد .
فنقف عند حدود ما أنزل الله على رسوله
وما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم
لا نتعدى القرآن والحديث .
والله أعلم .