فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم - الصفحة 12 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة > أرشيف قسم الكتاب و السنة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2019-02-07, 16:02   رقم المشاركة : 166
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل ثبت سؤال الله تعالى جبريل عليه السلام عن أداء الأمانة يعني القرآن؟

السؤال


سمعت أخا ذات مرة يقول : بأن الله عزوجل يسأل جبريل عليه السلام عن اﻷمانة ؛ أمانة الدين يعني القرآن ، يقول له : ( يا جبريل أين اﻷمانة فيجيبه : أديتها لمحمد

فيسأل الله النبي صلى الله عليه وسلم فيجيب: أديتها للصحابة ، فيسأل الصحابة فيجيبون قبورنا تشهد علينا ، ويسألنا نحن كذلك . هذا اﻷخ ذكر هذا الحديث هكذا فهل هو صحيح معنى ولفظا ؟


الجواب

الحمد لله

هذا الكلام المذكور لم نجد له أصلا في كتب الحديث ولا غيرها ، ولا نعلم أحدا من أهل العلم ذكره

فلا يجوز أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما ثبت عنه ، وصححه أهل العلم ، أما شيء يذكره الناس ، ولا يوجد له أصل عند العلماء : فهذا من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو من أكبر الكبائر .

وينظر السؤال القادم

ولا شك أن جبريل عليه السلام أدى الأمانة ، وأداها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأداها أصحابه من بعده رضي الله عنهم ، وهي رسالة الإسلام

وما أنزله الله من الوحي من القرآن والسنة ؛ لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور .

أما جبريل عليه السلام : فسماه الله أمينا ، فقال تعالى :

( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) الشعراء/ 193 – 195 .

أما النبي صلى الله عليه وسلم : فقال :

( أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً؟!) .

رواه البخاري (4351) ، ومسلم (1064) .

وقال أيضا :

( تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابُ اللهِ ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي ، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ )

قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ ، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: (اللهُمَّ، اشْهَدْ، اللهُمَّ ، اشْهَدْ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ".

رواه مسلم (1218)

وقال أيضا - صلى الله عليه وسلم -
:
(مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الْجَنَّةِ، ويُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ، إِلَّا وَقَدْ بُيِّنَ لَكُمْ ) .

روى الطبراني في " الكبير " (1647) ، وصححه الألباني في " الصحيحة " (1803)

أما الصحابة رضي الله عنهم :

فنشهد أنهم قد أدوا الأمانة ، وبلغوا الدين للناس ، وما تركوا شيئا أمر النبي صلى الله عليه وسلم به ، أو نهى عنه ، إلا وبينوه للناس .

وقد روى البخاري (4487) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ ، فَيَقُولُ: نَعَمْ ، فَيُقَالُ لِأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟

فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ

فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغ َ: (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) البقرة/ 143 .

والله أعلم .








 


قديم 2019-02-07, 16:06   رقم المشاركة : 167
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

حكم من كذب على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

السؤال

ما حكم المفتري على النبي صلى الله عليه وسلم ؟.

الجواب

الحمد لله


الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، منكر عظيم ، وإثم كبير ، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم :

" إن كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه البخاري (1229) ، ورواه مسلم في مقدمة صحيحه (3) دون قوله : " إن كذبا علي ليس ككذب على أحد " .

وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي فليلج النار " رواه البخاري (106).

وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبِِينَ" رواه مسلم (1).

وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى كفر من تعمد الكذب عليه صلى الله عليه وسلم .

قال الحافظ ابن حجر في الفتح : ( فإن قيل :

الكذب معصية إلا ما استثنى في الإصلاح وغيره والمعاصي قد توعد عليها بالنار فما الذي امتاز به الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوعيد على من كذب على غيره ؟

فالجواب عنه من وجهين :

أحدهما : أن الكذب عليه يكفر متعمده عند بعض أهل العلم ، وهو الشيخ أبو محمد الجويني ، لكن ضعفه ابنه إمام الحرمين ومن بعده ، ومال ابن المنير إلى اختياره

ووجهه بأن الكاذب عليه في تحليل حرام مثلا لا ينفك عن استحلال ذلك الحرام أو الحمل على استحلاله

واستحلال الحرام كفر، والحمل على الكفر كفر. وفيما قاله نظر لا يخفى ، والجمهور على أنه لا يكفر إلا إذا اعتقد حل ذلك.

الجواب الثاني : أن الكذب عليه كبيرة ، والكذب على غيره صغيره فافترقا ، ولا يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه أو كذب على غيره أن يكون مقرهما واحدا ، أو طول إقامتهما سواء

فقد دل قوله صلى الله عليه وسلم "فليتبوأ" على طول الإقامة فيها، بل ظاهره أنه لا يخرج منها لأنه لم يجعل له منزلا غيره إلا أن الأدلة القطعية قامت على أن خلود التأبيد ( يعني في النار ) مختص بالكافرين

وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الكذب عليه وبين الكذب على غيره فقال : " إن كذبا علي ليس ككذب على أحد "

انتهى من الفتح 1/244

وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول في هذه المسألة ، وذكر حكم من كذب على الرسول صلى الله عليه وسلم مشافهة ، وحكم من كذب عليه في الرواية ، وحكم من روى حديثا يعلم أنه كذب

ومال رحمه الله إلى القول بكفر من كذب عليه مشافهة ، قال في الصارم المسلول على شاتم الرسول (2/328 – 339) بعد ذكر حديث بريدة ولفظه : "

كان حي من بني ليث من المدينة على ميلين وكان رجل قد خطب منهم في الجاهلية فلم يزوجوه فأتاهم وعليه حلة فقال إن رسول الله كساني هذه الحلة وأمرني أن أحكم في أموالكم ودمائكم

ثم انطلق فنزل على تلك المرأة التي كان يحبها ، فأرسل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال "كذب عدو الله " ثم أرسل رجلا فقال: " إن وجدته حيا وما أراك تجده حيا فاضرب

عنقه وإن وجدته ميتا فأحرقه بالنار" قال: فذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كذب علي متعمدا" قال شيخ الإسلام : (هذا إسناد صحيح على شرط الصحيح لا نعلم له علة )

ثم قال : ( وللناس في هذا الحديث قولان :

أحدهما : الأخذ بظاهره في قتل من تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن هؤلاء من قال يكفر بذلك ، قاله جماعة منهم أبو محمد الجويني ، حتى قال ابن عقيل عن شيخه أبي الفضل الهمداني:

"مبتدعة الإسلام والكذابون والواضعون للحديث أشد من الملحدين لأن الملحدين قصدوا إفساد الدين من خارج وهؤلاء قصدوا إفساده من داخل فهم كأهل بلد سعوا في فساد أحواله

والملحدون كالمحاصرين من خارج، فالدخلاء يفتحون الحصن ، فهم شر على الإسلام من غير الملابسين له".

ووجه هذا القول أن الكذب عليه كذب على الله ، ولهذا قال : " إن كذبا علي ليس ككذب على أحدكم" فإن ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أمر الله به

يجب اتباعه كوجوب اتباع أمر الله ، وما أخبر به وجب تصديقه كما يجب تصديق ما أخبر الله به

ومن كذّبه في خبره أو امتنع من التزام أمره ، فهو كمن كذب خبر الله وامتنع من التزام أمره، ومعلوم أن من كذب على الله بأن زعم أنه رسول الله أو نبيه أو أخبر عن الله خبرا كذب فيه كمسيلمة

والعنسي ونحوهما من المتنبئين فإنه كافر حلال الدم ، فكذلك من تعمد الكذب على رسول الله .

يُبين ذلك أن الكذب عليه بمنزلة التكذيب له ، ولهذا جمع الله بينهما بقوله تعالى : ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه) بل ربما كان الكاذب عليه أعظم إثما من المكذّب له

ولهذا بدأ الله به ، كما أن الصادق عليه أعظم درجة من المصدّق بخبره ، فإذا كان الكاذب مثل المكذّب أو أعظم، والكاذب على الله كالمكذّب له ، فالكاذب على الرسول كالمكذب له .

يُوضح ذلك أن تكذيبه نوع من الكذب فإن مضمون تكذيبه الإخبار عن خبره أنه ليس بصدق

وذلك إبطال لدين الله ، ولا فرق بين تكذيبه في خبر واحد أو في جميع الأخبار، وإنما صار كافرا لما تضمنه من إبطال رسالة الله ودينه ، والكاذب عليه يُدخل في دينه ما ليس منه عمدا

ويزعم أنه يجب على الأمة التصديق بهذا الخبر وامتثال هذا الأمر ، لأنه دين الله ، مع العلم بأنه ليس لله بدين .

والزيادة في الدين كالنقص منه ، ولا فرق بين من يكذب بآية من القرآن أو يضيف كلاما يزعم أنه سورة من القران عامدا لذلك .

وأيضا ، فإن تعمد الكذب عليه استهزاء به واستخفاف؛ لأنه يزعم أنه أمر بأشياء ليست مما أمر به ، بل وقد لا يجوز الأمر بها ، وهذه نسبة له إلى السفه أو أنه يخبر بأشياء باطلة ، وهذه نسبة له إلى الكذب، وهو كفر صريح .

وأيضا ، فإنه لو زعم زاعم أن الله فرض صوم شهر آخر غير رمضان ، أو صلاة سادسة زائدة ، ونحو ذلك ، أو أنه حرم الخبز واللحم، عالما بكذب نفسه ، كفر بالاتفاق .

فمن زعم أن النبي أوجب شيئا لم يوجبه ، أو حرم شيئا لم يحرمه ، فقد كذب على الله ، كما كذب عليه الأول ، وزاد عليه بأن صرح بأن الرسول قال ذلك ، وأنه أفتى القائل - لم يقله اجتهادا واستنباطا.

وبالجملة فمن تعمد الكذب الصريح على الله فهو كالمتعمد لتكذيب الله وأسوا حالا ، ولا يخفى أن من كذب على من يجب تعظيمه ، فإنه مستخف به مستهين بحرمته .

وأيضا ، فإن الكاذب عليه لابد أن يشينه بالكذب عليه وينتقصه بذلك ، ومعلوم أنه لو كذب عليه كما كذب عليه ابن أبي سرح في قوله " كان يتعلم مني " أو رماه ببعض الفواحش الموبقة أو الأقوال الخبيثة ، كفر بذلك

فكذلك الكاذب عليه؛ لأنه إما أن يأثر عنه أمرا أو خبرا أو فعلا ، فإن أثر عنه أمرا لم يأمر به ، فقد زاد في شريعته ، وذلك الفعل لا يجوز أن يكون مما يأمر به؛ لأنه لو كان كذلك لأمر به ؛ لقوله :

" ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا أمرتكم به ولا من شيء يبعدكم عن النار إلا نهيتكم

عنه" فإذا لم يأمر به، فالأمر به غير جائز منه ، فمن روى عنه أنه قد أمر به ، فقد نسبه إلى الأمر بما لا يجوز له الأمر به ، وذلك نسبة له إلى السفه .

وكذلك إن نقل عنه خبرا ، فلو كان ذلك الخبر مما ينبغي له الإخبار به لأخبر به ، لأن الله تعالى قد أكمل الدين

فإذا لم يخبر به فليس هو مما ينبغي له أن يخبر به . وكذلك الفعل الذي ينقله عنه كاذبا فيه لو كان مما ينبغي فعله وترجح ، لفعله ، فإذا لم يفعله فتركه أولى.

فحاصله أن الرسول أكمل البشر في جميع أحواله ، فما تركه من القول والفعل فتركه أولى من فعله

وما فعله ففعله أكمل من تركه ، فإذا كذب الرجل عليه متعمدا أو أخبر عنه بما لم يكن ، فذلك الذي أخبر به عنه نقص بالنسبة إليه ؛ إذ لو كان كمالا لوجد منه ، ومن انتقص الرسول فقد كفر .

واعلم أن هذا القول في غاية القوة كما تراه ، لكن يتوجه أن يُفرق بين الذي يكذب عليه مشافهة

وبين الذي يكذب عليه بواسطة ، مثل أن يقول: حدثني فلان بن فلان عنه بكذا ، فإن هذا إنما كذب على ذلك الرجل ونسب إليه ذلك الحديث

فأما إن قال : هذا الحديث صحيح أو ثبت عنه أنه قال ذلك ، عالما بأنه كذب ، فهذا قد كذب عليه، وأما إذا افتراه ورواه رواية ساذجة ففيه نظر ، لاسيما والصحابة عدول بتعديل الله لهم

فالكذب لو وقع من أحد ممن يدخل فيهم لعظم ضرره في الدين، فأراد قتل من كذب عليه ، وعجل عقوبته ليكون ذلك عاصما من أن يدخل في العدول من ليس منهم من المنافقين ونحوهم .

وأما من روى حديثا يعلم أنه كذب ، فهذا حرام كما صح عنه أنه قال :

" من روى عني حديثا يعلم أنه كذب فهو أحد الكاذبين" لكن لا يكفر إلا أن ينضم إلى روايته ما يوجب الكفر؛ لأنه صادق في أن شيخه حدثه به ، لكن لعلمه بأن شيخه كذب فيه لم تكن تحل له الرواية

فصار بمنزلة أن يشهد على إقرار أو شهادة أو عقد وهو يعلم أن ذلك باطل ، فهذه الشهادة حرام ، لكنه ليس بشاهد زور)

ثم ذكر القول الثاني في المسألة ، فقال :

( القول الثاني : أن الكاذب عليه تغلظ عقوبته ، لكن لا يكفر ، ولا يجوز قتله ؛ لأن موجبات الكفر والقتل معلومة ، وليس هذا منها

فلا يجوز أن يثبت ما لا أصل له ، ومن قال هذا فلا بد أن يقيد قوله بأن لم يكن الكذب عليه متضمنا لعيب ظاهر، فأما إن أخبر أنه سمعه يقول كلاما يدل على نقصه وعيبه دلالة ظاهرة

مثل حديث "عرق الخيل" ونحوه من الترهات ، فهذا مستهزئ به استهزاء ظاهر ، ولا ريب أنه كافر حلال الدم.

وقد أجاب من ذهب إلى هذا القول عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه كان منافقا فقتله لذلك لا للكذب ، وهذا الجواب ليس بشيء ...)

ثم ذكر رحمه الله أوجها في الرد على هذا الجواب .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









قديم 2019-02-08, 15:20   رقم المشاركة : 168
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



تفسير آيات سورة الأنفال في غزوة بدر.


السؤال

أريدكم أن تشرحوا لي الآيات التالية من سورة الأنفال: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ)

و ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ )

و ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )؟


الجواب

الحمد لله


يقول الله عز وجل :( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *

إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي

فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ *

ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ *

فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) الأنفال/9- 17 .

يخاطب الله تعالى عباده المؤمنين : أن اذكروا نعمة الله عليكم ، لما اقترب التقاؤكم بعدوكم ببدر، فاستغثتم بربكم ، وطلبتم منه أن يعينكم وينصركم .

روى مسلم (1763) عن ابن عباس قال: " حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ

وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَة ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّه ِ: (اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي

اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي ، اللهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ) ، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ

فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ

فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ )، فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ ".
وروى البخاري (3953) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:

" قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ) فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ ، فَقَالَ: حَسْبُكَ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: (سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) " .

(فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) يعني : وأنجز لكم ما وعدكم ، وأغاثكم بأمور:

منها: أن الله أمدكم (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) أي: يردف بعضهم بعضا.

وروى مسلم (1763) عن ابْن عَبَّاسٍ، قَالَ:

" بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ ، يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ : أَقْدِمْ حَيْزُومُ ، فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ

فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ، كَضَرْبَةِ السَّوْطِ

فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (صَدَقْتَ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ) ، فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ، وَأَسَرُوا سَبْعِينَ " .

وروى البخاري (3992) عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، قَالَ: " جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: ( مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ؟)

قَالَ: (مِنْ أَفْضَلِ المُسْلِمِينَ) أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، قَالَ: (وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ المَلاَئِكَةِ ) " .

قال تعالى : (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ) أي: إنزال الملائكة ، (إِلا بُشْرَى) أي: لتستبشر بذلك نفوسكم، (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) ؛ وإلا فالنصر بيد الله ، ليس بكثرة عَدَدٍ ، ولا عُدَدٍ.

(إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ) لا يغالبه مغالب ، بل هو القهار ، الذي يخذل من بلغوا من الكثرة ، وقوة العدد والآلات ما بلغوا.
(حَكِيمٌ) حيث قدر الأمور بأسبابها، ووضع الأشياء مواضعها.

( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ )

يعني : ومن نصره واستجابته لدعائكم: أن أنزل عليكم نعاسا (يُغَشِّيكُمُ) أي: فيذهب ما في قلوبكم من الخوف والوجل، ويكون (أَمَنَةً) لكم ، وعلامة على النصر والطمأنينة.

ومن ذلك: أنه أنزل عليكم من السماء مطرا ، ليطهركم به من الحدث والخبث، وليطهركم به من وساوس الشيطان ورجزه ...
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " النُّعَاسُ فِي الْقِتَالِ أَمَنَةٌ مِنَ اللَّهِ ، وَفِي الصَّلَاةِ مِنَ الشَّيْطَانِ "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (4/ 22) .

(وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ) أي: يثبتها فإن ثبات القلب ، أصل ثبات البدن .

(وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ) فإن الأرض كانت سهلة دهسة فلما نزل عليها المطر تلبدت، وثبتت به الأقدام.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: " أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ قَبْلَ النُّعَاسِ، فَأَطْفَأَ بِالْمَطَرِ الْغُبَارَ، وَتَلَبَّدَتْ بِهِ الْأَرْضُ، وَطَابَتْ نُفُوسُهُمْ وَثَبَتَتْ بِهِ أَقْدَامُهُمْ " .

(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا )

ومن نصر الله واستغاثته: أن أوحى إلى الملائكة (أَنِّي مَعَكُمْ) بالعون والنصر والتأييد، (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) أي: ألقوا في قلوبهم، وألهموهم الجراءة على عدوهم، ورغبوهم في الجهاد وفضله.

(سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) الذي هو أعظم جند لكم عليهم، فإن الله إذا ثبت المؤمنين ، وألقى الرعب في قلوب الكافرين، لم يقدر الكافرون على الثبات لهم ومنحهم الله أكتافهم.

روى البخاري (335) ، ومسلم (521) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا

فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِي المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً ) .

(فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ) أي: على الرقاب (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) أي: كل طرف ومِفْصل.

وهذا خطاب: إما للملائكة الذين أوحى الله إليهم أن يثبتوا الذين آمنوا ، فيكون في ذلك دليل أنهم باشروا القتال يوم بدر، أو للمؤمنين يشجعهم الله ، ويعلمهم كيف يقتلون المشركين

وأنهم لا يرحمونهم ، و(ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله) أي: خالفوهما، وحاربوهما، وبارزوهما بالعداوة .

(وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) ومن عقابه: تسليط أوليائه على أعدائه وتقتيلهم.

(ذَلِكُمْ) : أي: العذاب المذكور (فَذُوقُوهُ) أيها المشاققون لله ورسوله عذابا معجلا (وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ) .

ثم قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) .

فيأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالشجاعة الإيمانية، والقوة في أمره، والسعي في جلب الأسباب المقوية للقلوب والأبدان، ونهاهم عن الفرار إذا التقى الزحفان

فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا) أي: في صف القتال ، وتزاحف الرجال

واقتراب بعضهم من بعض ، (فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ) بل اثبتوا لقتالهم ، واصبروا على جلادهم ، فإن في ذلك نصرة لدين الله ، وقوة لقلوب المؤمنين ، وإرهابا للكافرين .

(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ): أي: يفر بين يدي قِرْنه مكيدة ؛ ليريه أنه قد خاف منه فيتبعه، ثم يكر عليه فيقتله ، فلا بأس عليه في ذلك.

(أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ) : أي: فر من هاهنا ، إلى فئة أخرى من المسلمين، يعاونهم ويعاونونه ؛ فيجوز له ذلك ، حتى ولو كان في سرية ، ففر إلى أميره ، أو إلى الإمام الأعظم : دخل في هذه الرخصة.

(فَقَدْ بَاءَ) أي: رجع (بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ) أي: مقره (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) .

وهذا يدل على أن الفرار من الزحف ، من غير عذر : من أكبر الكبائر، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة.

ولما انهزم المشركون يوم بدر، وقتلهم المسلمون ، قال تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) بحولكم وقوتكم (وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ) حيث أعانكم على ذلك بما تقدم ذكره.

(وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت القتال دخل العريش ، وجعل يدعو الله ، ويناشده في نصرته ، ثم خرج منه ، فأخذ حفنة من تراب

فرماها في وجوه المشركين ، فأوصلها الله إلى وجوههم ، فما بقي منهم واحد إلا وقد أصاب وجهه وفمه وعينيه منها، فحينئذ انكسر حَدُّهم ، وفتر زندهم ، وبان فيهم الفشل والضعف ، فانهزموا.

" وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ، وقَتَادَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَمْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَيْضًا "

فيقول تعالى لنبيه: لست بقوتك - حين رميت التراب - أوصلته إلى أعينهم، وإنما أوصلناه إليهم بقوتنا واقتدارنا.

(وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا) أي: إن الله تعالى قادر على نصر المؤمنين من الكافرين

من دون مباشرة قتال، ولكن الله أراد أن يمتحن المؤمنين، ويوصلهم بالجهاد إلى أعلى الدرجات، وأرفع المقامات، ويعطيهم أجرا حسنا وثوابا جزيلا.

(إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يسمع تعالى ما أسر به العبد وما أعلن، ويعلم ما في قلبه من النيات الصالحة وضدها، فيقدر على العباد أقدارا موافقة لعلمه وحكمته ، ومصلحة عباده ، ويجزي كلا بحسب نيته وعمله .

وانظر:

"تفسير ابن كثير" (4/21- 31)

"تفسير القرطبي" (7/370-385)

"فتح القدير" (2/330-336)

"تفسير السعدي" (ص 316) .

والله أعلم .









قديم 2019-02-08, 15:26   رقم المشاركة : 169
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل صحت قراءة : ( أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ) بالجرّ عن أحد من السلف ؟

السؤال

هل صحيح أن الحسن بن علي رضي الله عنهما قرأ قوله تعالى: (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ) بجر كلمة "رسوله" ؟ فقد احتج أحدهم بهذه الرواية للزعم بأن الإعراب لا فائدة منه

فكلمة "رسوله" قرئت بالرفع والنصب والجر، وإذا كانت رواية قراءة الحسن رضي الله عنه صحيحة ، فهل يصح أن يقال: إن كلمة "رسوله" جُرت بالمجاورة كما زعم بعضهم ؟


الجواب

الحمد لله


قال الله تعالى :

(وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) التوبة/ 3

والمعنى : أن الله برئ من المشركين ، ورسوله برئ منهم .

وقد قرأ جماهير القراء هذه الكلمة : (ورسولُه) بالضم ، على الابتداء ، وخبره محذوف ، والتقدير: "وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ مِنْهُمْ".
وقرئ (ورسولَه) بالنصب، عطفا على لفظ الجلالة المنصوب بـ (أنّ) .

وقرئ - شاذا - (ورسولِه) بالخفض ؛ على إرادة القسم ، أو المجاورة .

وهذه قراءة شاذة ، رويت عن الحسن البصري - وليس الحسن بن علي - ولا تصح عنه ،

ولا تجوز هذه القراءة عند العلماء ؛ لأنها توهم أن الله بريء من المشركين ، ومن رسوله ، وهذا باطل محال، واعتقاده كفر.

وفي القول بالخفض هنا على الجوار ، أو القسم : تكلف واضح ، لا حاجة إليه ما دامت القراءة لم تثبت .

قال أبو حيان رحمه الله في "البحر المحيط" (5/ 367):

" قَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: (وَرَسُولَهُ) بِالنَّصْبِ، عَطْفًا عَلَى لَفْظِ اسْمِ أَنَّ. وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ .

وقرىء بِالْجَرِّ شَاذًّا، وَرُوِيَتْ عَنِ الْحَسَنِ . وَخُرِّجَتْ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى الْجِوَارِ ، كَمَا أَنَّهُمْ نَعَتُوا وَأَكَّدُوا عَلَى الْجِوَارِ. وَقِيلَ: هِيَ وَاوُ الْقَسَمِ.

وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِالرَّفْعِ فَعَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ: "وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ مِنْهُمْ"، وَحُذِفَ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ " انتهى .

وقال ابن عاشور رحمه الله:

" وَعُطِفَ (وَرَسُولُهُ) بِالرَّفْعِ ، عِنْدَ الْقُرَّاءِ كُلِّهِمْ: لِأَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْجُمْلَةِ، لِأَنَّ السَّامِعَ يَعْلَمُ مِنَ الرَّفْعِ أَنَّ تَقْدِيرَهُ: "وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"، فَفِي هَذَا الرَّفْعِ مَعْنًى بَلِيغٌ مِنَ الْإِيضَاحِ لِلْمَعْنَى ، مَعَ الْإِيجَازِ فِي اللَّفْظِ، وَهَذِهِ نُكْتَةٌ قُرْآنِيَّةٌ بَلِيغَةٌ.

وَمِمَّا يَجِبُ التَّنْبِيهُ لَهُ: مَا فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ قِرَاءَةُ (وَرَسُولِهِ)- بالجرّ- وَلم يصحّ نِسْبَتُهَا إِلَى الْحَسَنِ .
وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ جَرُّ (وَرَسُولِهِ) ، وَلَا عَامل يقتضي جَرَّهُ ؟!"

انتهى من " التحرير والتنوير"(10/ 109) .

وقال الشوكاني رحمه الله :

" قَوْلُهُ: (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) ..
..
وَقُرِئَ (وَرَسُولِهِ) بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلْقَسَمِ ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ ضَعِيفَةٌ جِدًّا، إِذْ لَا مَعْنَى لِلْقَسَمِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاهُنَا ، وَقِيلَ إِنَّهُ مَجْرُورٌ عَلَى الْجِوَارِ " .

انتهى من " فتح القدير " (2/ 381) .

وقال الشيخ عبد القادر العاني رحمه الله:

" (رسوله) مرفوع، وقرأه بعضهم منصوبا ، عطفا على لفظة الجلالة ، أي أن الله برىء ، وأن رسوله بريء منهم.
ولا تجوز قراءة الجر على زعم الجر بالتوهم أو بالمجاورة أو بالتبعية " .

انتهى من " بيان المعاني " (6/ 405) .

وقول القائل : " أن الإعراب لا فائدة منه " نظرا لتعدد القراءات في الآية الواحدة ، فيقال من جوابه : "بل تعدد القراءات أدل على أهمية الإعراب ، وأدعى للعناية بالعربية وعلومها ! فإنه إذا كانت هذه القراءة صحيحة

فالإعراب وعلوم العربية هي التي تبين المعنى الصحيح لذلك، وتنفي الباطل ، وترفع الإشكال . وإن كانت باطلة ، فلا وجه للاحتجاج بها ، ثم إن بطلانها من حيث المعنى ، يتوقف على معرفة العربية والإعراب أيضا .

قال ياقوت الرومي رحمه الله : " وبعد فهذه أخبار قوم أخذ عنهم علم القرآن المجيد، والحديث المفيد وهم أنهجوا طريق العربية ، وأناروا سرجه المضيّة وبصناعتهم تنال الإمارة

وببضاعتهم يستقيم أمر السلطان والوزارة، وبعلمهم يتمّ الإسلام ، وباستنباطهم يعرف الحلال من الحرام. ألا ترى أنّ القارىء إذا قرأ (أن الله بريء من المشركين ورسوله)

- بالرفع- فقد سلك طريقا من الصواب واضحا، وركب منهجا من الفضل لائحا، فإن كسر اللام من رسوله كان كفرا بحتا وجهلا قحّا ؟"

انتهى ، من "معجم الأدباء" (1/10) .

وقد قيل : إن هذه القراءة ، كانت السبب في وضع علم النحو .

" قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَخَذَ أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ عَلِيٍّ العَرَبِيَّةَ، فَسَمِعَ قَارِئاً يَقْرَأُ: (أَنَّ اللهَ بَرِيْءٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ وَرَسُوْلِهِ) - بِكَسْرِ اللاَّمِ بَدَلاً عَنْ ضَمِّهَا –التَّوْبَةُ/ 3

فَقَالَ: " مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَمْرَ النَّاسِ قَدْ صَارَ إِلَى هَذَا " ـ

انتهى من "النبلاء" (4/83)

وانظر : "معجم الأدباء" (4/1466) .

وينظر قصة قريبة منها ، لعمر بن الخطاب ، مع أعرابي قرأ الآية بالجر في "نزهة الألباء"

لابن الأنباري (1/19-20)
.
والله تعالى أعلم .









قديم 2019-02-08, 15:35   رقم المشاركة : 170
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل " أرميا " نبي من أنبياء الله ، يجب علينا الإيمان به ؟

السؤال

هل نؤمن في الإسلام بالنبي أرميا أم إنه من معتقدات اليهود والنصارى ؟

وإن كنا نؤمن به فما هي قصته ؟

وقصة الآيات الأربعة الأولى من سورة الإسراء؟


الجواب


الحمد لله


أولا :

الإيمان بأنبياء الله ورسله عليهم السلام أصل من أصول الإيمان

فلا يتم إيمان العبد إلا بالإيمان برسل الله جميعا .

قال تعالى: ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) البقرة/ 285 .

وقال تعالى: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) النساء/ 164 .

فنؤمن بهم جميعا ، إجمالا فيما أجمل ، وتفصيلا فيما فصل .

قال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله :

" الْإِيمَانُ بِرُسُلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُتَلَازِمٌ ، مَنْ كَفَرَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ ، فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِجَمِيعِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.

وَقد قَصَّ الله عَلَيْنَا مِنْ أَنْبَائِهِمْ ، وَنَبَّأَنَا مِنْ أَخْبَارِهِمْ : مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَعِبْرَةٌ وَمَوْعِظَةٌ

إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا ثُمَّ قَالَ: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) فَنُؤْمِنُ بِجَمِيعِهِمْ تَفْصِيلًا فِيمَا فَصَّلَ، وَإِجْمَالًا فِيمَا أَجْمَلَ " .

انتهى مختصرا من " معارج القبول " (2/ 676-678) .

ثانيا :

لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية ذكر اسم (أرميا) ، ولا إثبات أنه من الأنبياء ، وإنما هو شيء ذكره المؤرخون .

ومثل هذا لا يلزمنا تصديقه ، لاحتمال أنه من أكاذيب أهل الكتاب ، ولا يجوز لنا تكذيبه لاحتمال أنه نبي حقًّا ، بل نتوقف في شأنه .

وقد روى البخاري (4485) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ

وَقُولُوا : (آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) البقرة/136 " .

ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (17364) ، غير أنه ذكر في آخر الحديث آية أخرى فقال : (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) العنكبوت/46.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" :

"( لَا تُصَدِّقُوا أَهْل الْكِتَاب وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ ) أَيْ : إِذَا كَانَ مَا يُخْبِرُونَكُمْ بِهِ مُحْتَمَلًا ؛ لِئَلَّا يَكُون فِي نَفْس الْأَمْر صِدْقًا فَتُكَذِّبُوهُ ، أَوْ كَذِبًا فَتُصَدِّقُوهُ ، فَتَقَعُوا فِي الْحَرَج .

وَلَمْ يَرِد النَّهْي عَنْ تَكْذِيبهمْ ، فِيمَا وَرَدَ [ أي : شرعنا ] بِخِلَافِهِ ، وَلَا عَنْ تَصْدِيقهمْ فِيمَا وَرَدَ شَرْعنَا بِوَفَائِهِ . نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه .

وَيُؤْخَذ مِنْ هَذَا الْحَدِيث التَّوَقُّف عَنْ الْخَوْض فِي الْمُشْكِلَات ، وَالْجَزْم فِيهَا بِمَا يَقَع فِي الظَّنّ ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَل مَا جَاءَ عَنْ السَّلَف مِنْ ذَلِكَ" انتهى .

وقال علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (1/240) :

"(لَا تُصَدِّقُوا) : أَيْ فِيمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَكُمْ صِدْقُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ (أَهْلَ الْكِتَابِ)

أَيِ: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ، لِأَنَّهُمْ حَرَّفُوا كِتَابَهُمْ ، (وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ) : أَيْ فِيمَا حَدَّثُوا مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَكُمْ كَذِبُهُ ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا ، وَإِنْ كَانَ نَادِرًا ؛ لِأَنَّ الْكَذُوبُ قَدْ يَصْدُقُ.

وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّوَقُّفِ فِيمَا أُشَكِلُ مِنَ الْأُمُورِ وَالْعُلُومِ ، فَلَا يُقْضَى بِجَوَازٍ وَلَا بُطْلَانٍ ، وَعَلَيْهِ السَّلَفُ ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: لَا أَدْرِي فِيمَا يُسْأَلُونَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ . وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: مَنْ أَخْطَأَ لَا أَدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ .

وَ(قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ) [البقرة: 136] ، أَيْ: صَدَّقْنَا مُعْتَرِفِينَ بِهِ ، أَوْ مُوقِنِينَ بِهِ (وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) :

مِنَ الْقُرْآنِ (الْآيَةُ) . تَمَامُهَا: (وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِي مُوسَى وَعِيسَى) أَيْ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ

وَهَذَا مَحَلُ الشَّاهِدِ ؛ وَالْمَقْصُودُ: رَفْعُ النِّزَاعِ ; يَعْنِي تُؤْمِنُ إِيمَانًا إِجْمَالِيًّا (وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ) تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) ، أَيْ: فِي الْإِيمَانِ بِهِمْ وَبِكُتُبِهِمْ (وَنَحْنُ لَهُ)، أَيْ: لِلَّهِ

أَوْ لِمَا أُنْزِلَ (مُسْلِمُونَ)، أَيْ: مُطِيعُونَ أَوْ مُنْقَادُونَ" انتهى .

ثالثا :

ذكر غير واحد من علماء التاريخ والأخبار أن " أرميا " عليه السلام : نبي من أنبياء بني إسرائيل ، وقد قيل إنه عزير ، وقيل : هو الخضر ، والصواب أنه غيرهما .

قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله:

" أرميا بن حلقيا : من سبط لاوي بن يعقوب ؛ من أنبياء بني إسرائيل " .

انتهى من " تاريخ دمشق " (8/ 27) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" هو أَرْمِيَا بْنُ حَلْقِيَا مِنْ سِبْطِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ الْخَضِرُ. رَوَاهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَهُوَ غَرِيبٌ ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ "

انتهى من "البداية والنهاية" (2/ 360) .

قال علماء التاريخ وأخبار الأمم :

أوحى الله تعالى إلى " أرميا " عليه السلام ، حين ظهرت في بني إسرائيل المعاصي ، وعظمت الأحداث فيهم

وقتلوا الأنبياء: أن اذهب إليهم وعظهم ، وذكرهم بنعم الله عليهم ، وعرفهم أحداثهم ، وخوفهم بطش ربهم ، في موعظة طويلة بليغة.

قالوا :

" فَلَمَّا بَلَّغَهُمْ أَرْمِيَا رِسَالَةَ رَبِّهِمْ ، وَسَمِعُوا مَا فِيهَا مِنَ الْوَعِيدِ وَالْعَذَابِ، عَصَوْهُ وَكَذَّبُوهُ وَاتَّهَمُوهُ وَقَالُوا: كَذَبْتَ وَعَظَّمْتَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ

فَتَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ مُعَطِّلٌ أَرْضَهُ وَمَسَاجِدَهُ مِنْ كِتَابِهِ وَعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ ، فَمَنْ يَعْبُدُهُ حِينَ لَا يَبْقَى لَهُ فِي الْأَرْضِ عَابِدٌ وَلَا مَسْجِدٌ وَلَا كِتَابٌ ؟ لَقَدْ أَعْظَمْتَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ وَاعْتَرَاكَ الْجُنُونُ.

فَأَخَذُوهُ وَقَيَّدُوهُ وَسَجَنُوهُ .

فَعِنْدَ ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُخْتُ نَصَّرَ ، فَأَقْبَلَ يَسِيرُ بِجُنُودِهِ حَتَّى نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ حَاصَرَهُمْ، فَكَانَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ) .

فَلَمَّا طَالَ بِهِمُ الْحَصْرُ ، نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ ، فَفَتَحُوا الْأَبْوَابَ ، وَتَخَلَّلُوا الْأَزِقَّةَ ، وَحَكَمَ فِيهِمْ حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ

وَبَطْشَ الْجَبَّارِينَ ، فَقَتَلَ مِنْهُمُ الثُّلُثَ ، وَسَبَى الثُّلُثَ ، وَتَرَكَ الزَّمْنَى وَالشُّيُوخَ وَالْعَجَائِزَ، ثُمَّ وَطِئَهُمْ بِالْخَيْلِ

وَهَدَمَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، وَسَاقَ الصِّبْيَانَ ، وَأَوْقَفَ النِّسَاءَ فِي الْأَسْوَاقِ مُحْسَرَاتٍ، وَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ ، وَخَرَّبَ الْحُصُونَ ، وَهَدَمَ الْمَسَاجِدَ ، وَحَرَقَ التَّوْرَاةَ .

فَلَمَّا فَعَلَ مَا فَعَلَ قِيلَ لَهُ : كَانَ لَهُمْ صَاحِبٌ يُحَذِّرُهُمْ مَا أَصَابَهُمْ ، وَيَصِفُكَ وَخَبَرَكَ لَهُمْ، وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّكَ تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ وَتَسْبِي ذَرَارِيَهُمْ

وَتَهْدِمُ مَسَاجِدَهُمْ ، وَتَحْرِقُ كَنَائِسَهُمْ ؛ فَكَذَّبُوهُ وَاتَّهَمُوهُ، وَضَرَبُوهُ، وَقَيَّدُوهُ، وَحَبَسُوهُ !!

فَأَمَرَ بُخْتَ نَصَّرَ فَأَخْرَجَ أَرْمِيَا مِنَ السِّجْنِ، فَقَالَ لَهُ: أَكُنْتَ تُحَذِّرُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ مَا أَصَابَهُمْ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: فَإِنِّي عَلِمْتُ ذَلِكَ.

قَالَ: أَرْسَلَنِي اللَّهُ إِلَيْهِمْ فَكَذَّبُونِي.

قَالَ: كَذَّبُوكَ وَضَرَبُوكَ وَسَجَنُوكَ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: بِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ وَكَذَّبُوا رِسَالَةَ رَبِّهِم ْ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَلْحَقَ بِي، فَأُكْرِمُكَ وَأُوَاسِيكَ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تُقِيمَ فِي بِلَادِكَ فَقَدْ أَمَّنْتُكَ ؟

قَالَ لَهُ أَرْمِيَا: إِنِّي لَمْ أَزَلْ فِي أَمَانِ اللَّهِ مُنْذُ كُنْتُ ، لَمْ أَخْرُجْ مِنْهُ سَاعَةً قَطُّ ، وَلَوْ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْرُجُوا مِنْهُ، لَمْ يَخَافُوكَ وَلَا غَيْرَكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ.

فَلَمَّا سَمِعَ بُخْتَ نَصَّرَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ، تَرَكَهُ، فَأَقَامَ أَرْمِيَا مَكَانَهُ بِأَرْضِ إِيلِيَاءَ " .

انظر : "تاريخ الطبري" (1/538-589)

"تاريخ دمشق" (8/29-41) ،

"البداية والنهاية" (2/ 361-372) .

قال ابن كثير :

" وَهَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ، وَفِيهِ حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ وَأَشْيَاءُ مَلِيحَةٌ " انتهى .

والله أعلم.









قديم 2019-02-08, 15:40   رقم المشاركة : 171
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

معنى الإنزال في قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) .

السؤال


يقول الله عز وجل في الآية الكريمة من سورة الزمر:

( وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ) فهل كلمة "أنزل" تعني أنّ الأنعام جاءت من خارج الكرة الأرضية على غرار الآية التي جاءت في الحديد: ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ) ؟

إن كان من خارج الكرة الأرضية فما حكم من ينكر ذلك؟

الجواب

الحمد لله

اختلف المفسرون في معنى إنزال الأنعام المذكور في الآية الكريمة على عدة أقوال

نكتفي بذكر أشهرها .

فذهب كثير منهم إلى أن المعنى : خلق ، واقتصر بعض المفسرين على هذا القول ، ولم يذكر خلافه

، كابن كثير رحمه الله في تفسيره (7/86)

وابن الجوزي في "زاد المسير" (5/245) .

وهو ظاهر صنيع ابن جرير رحمه الله (20/162) حيث اكتفى في تفسير (أنزل) بـ (جعل) ولم يذكر غيره .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" قَوْلُهُ: (وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) أَيْ: وَخَلَقَ لَكُمْ مِنْ ظُهُورِ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ " انتهى .

وذهب آخرون إلى أن المعنى : قضى وقَدَّر ، قالوا : "لأن قضاء الله وتقديره وحكمه موصوف بالنزول من السماء،لأجل أنه كتب في اللوح المحفوظ كل كائن يكون " .

انظر : " تفسير " الرازي (26/424) .

"فالإنزال عبارة عن نزول أمره وقضائه"

انظر " تفسير ابن جزي " (2/217) .

"والإنزال مجاز عن القضاء والقسمة ، فإنه تعالى إذا قضى وقسم ، أثبت ذلك في اللوح المحفوظ ، ونزلت به الملائكة الموكلة بإظهاره"

انتهى من "روح المعاني" (23/240) .

وجمع السعدي رحمه الله بين هذين القولين فقال :

" أي: خلقها بقدَرٍ نازل منه ، رحمة بكم "

انتهى من "تفسير السعدي" (ص 719)

وذهب فريق ثالث : إلى أن الإخبار عن الأنعام بالإنزال "لأنها لا تعيش إلا بالنبات ، الذي يخرج بالمطر المنزل من السماء" .
قال الشوكاني في "فتح القدير" (6/270) .

"ويحتمل أن يكون مجازاً ، لأنها لم تعش إلا بالنبات ، والنبات إنما يعيش بالماء ، والماء منزل من السماء ، فكانت الأنعام كأنها منزلة" انتهى .

وقال الألوسي في "روح المعاني" (23/240) .

"ويجوز أن يكون التجوز في نسبة الإنزال إلى الأنعام ، والمنزل حقيقة أسباب حياتها ، كالأمطار ، ووجه ذلك : الملابسة بينهما" انتهى .

وقول رابع اختاره بعض العلماء: أن الإنزال على ظاهره ، ولكن ذلك لا يعني أن الأنعام منزلة من السماء

فإن الله لم يذكر في الآية أنها منزلة من السماء ، وإنما معنى إنزالها أنها نزلت من أصلاب آبائها إلى بطون أمهاتها ، ثم نزلت من بطون أمهاتها إلى الأرض .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ لَفْظُ نُزُولٍ ، إلَّا وَفِيهِ مَعْنَى النُّزُولِ الْمَعْرُوفِ، وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ ، وَلَا تَعْرِفُ الْعَرَبُ نُزُولًا إلَّا بِهَذَا الْمَعْنَى

وَلَوْ أُرِيدُ غَيْرُ هَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ خِطَابًا بِغَيْرِ لُغَتِهَا، ثُمَّ هُوَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ ، الْمَعْرُوفِ لَهُ مَعْنًى ، فِي مَعْنًى آخَرَ ، بِلَا بَيَانٍ ؛ وَهَذَا لَا يَجُوزُ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (12/ 257)

وقال أيضا :

"وَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ إنْزَالَ الْحَدِيدِ ، وَالْحَدِيدُ يُخْلَقُ فِي الْمَعَادِنِ.....

"ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْحَدِيدَ ، فَكَانَ الْمَقْصُودُ الْأَكْبَرُ بِذِكْرِ الْحَدِيدِ : هُوَ اتِّخَاذُ آلَاتِ الْجِهَادِ مِنْهُ كَالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ وَالنَّصْلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، الَّذِي بِهِ يُنْصَرُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَذِهِ لَمْ تَنْزِلْ مِنْ السَّمَاءِ.....

وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ نُزُولَ الْحَدِيدِ بِمَعْنَى الْخَلْقِ ، لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَعَادِنِ ، وَعَلَّمَهُمْ صَنْعَتَهُ ، فَإِنَّ الْحَدِيدَ إنَّمَا يُخْلَقُ فِي الْمَعَادِنِ ، وَالْمَعَادِنُ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْجِبَالِ ، فَالْحَدِيدُ يُنَزِّلُهُ اللَّهُ مِنْ مَعَادِنِهِ الَّتِي فِي الْجِبَالِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ بَنُو آدَمَ .

وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) ، وَهَذَا مِمَّا أَشْكَلَ أَيْضًا. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: جَعَلَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: خَلَقَ ، لِكَوْنِهَا تُخْلَقُ مِنْ الْمَاءِ ، فَإِنَّ بِهِ يَكُونُ النَّبَاتُ الَّذِي يَنْزَلُ أَصْلُهُ مِنْ السَّمَاءِ ، وَهُوَ الْمَاءُ ...

وَلَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِ اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ الْمَعْرُوفِ لُغَةً؛ فَإِنَّ الْأَنْعَامَ تَنْزِلُ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهَا ، وَمِنْ أَصْلَابِ آبَائِهَا تَأْتِي بُطُونَ أُمَّهَاتِهَا ، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: قَدْ أَنْزَلَ الْمَاءَ ، وَإِذَا أَنْزَلَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ

مَعَ أَنَّ الرَّجُلَ غَالِبُ إنْزَالِهِ وَهُوَ عَلَى جَنْبٍ ، إمَّا وَقْتَ الْجِمَاعِ ، وَإِمَّا بِالِاحْتِلَامِ ، فَكَيْفَ بِالْأَنْعَامِ الَّتِي غَالِبُ إنْزَالِهَا مَعَ قِيَامِهَا عَلَى رِجْلَيْهَا ، وَارْتِفَاعِهَا عَلَى ظُهُورِ الْإِنَاثِ .

وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا : أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ النُّزُولَ فِيمَا خَلَقَ مِنْ السُّفْلَيَاتِ ، فَلَمْ يَقُلْ : أَنَزَلَ النَّبَاتَ ، وَلَا أَنْزَلَ الْمَرْعَى ، وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ فِيمَا يُخْلَقُ فِي مَحَلٍّ عَالٍ ، وَأَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ ، كَالْحَدِيدِ وَالْأَنْعَامِ" انتهى .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" لَمْ يَقُلْ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَا قَالَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ السَّمَاءِ، فَقَوْلُهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْحَدِيدَ وَالْأَنْعَامَ لَمْ يُنَزَّلْ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ

لَا يُخْرِجُ لَفْظَةَ النُّزُولِ عَنْ حَقِيقَتِهَا، إِذْ عَدَمُ النُّزُولِ مِنْ مَكَانٍ مُعَيَّنٍ ، لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهُ مُطْلَقًا.

والْحَدِيد إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَعَادِنِ الَّتِي فِي الْجِبَالِ ، وَهِيَ عَالِيَةٌ عَلَى الْأَرْضِ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ كُلَّ مَا كَانَ مَعْدِنُهُ أَعْلَى كَانَ حَدِيدُهُ أَجْوَدَ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ: ( وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ) ، فَإِنَّ الْأَنْعَامَ تُخْلَقُ بِالتَّوَالُدِ الْمُسْتَلْزِمِ إِنْزَالَ الذُّكُورِ الْمَاءَ مِنْ أَصْلَابِهَا إِلَى أَرْحَامِ الْإِنَاثِ، وَلِهَذَا يُقَالُ أَنْزَلَ

وَلَمْ يُنْزِلْ، ثُمَّ إِنَّ الْأَجِنَّةَ تَنْزِلُ مِنْ بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ إِلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَنْعَامَ تَعْلُو فُحُولُهَا إِنَاثَهَا بِالْوَطْءِ، وَيَنْزِلُ مَاءُ الْفَحْلِ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى رَحِمِ الْأُنْثَى وَتُلْقِي وَلَدَهَا عِنْدَ الْوِلَادَةِ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى أَسْفَلَ " .

انتهى من "مختصر الصواعق المرسلة" (ص 441) .

وهذا هو نفس اختيار الشيخ محمد ابن إبراهيم رحمه الله

كما في "فتاواه" (13/ 100).

وهذا القول الأخير هو أظهر الأقوال –والله أعلم- لأن فيه إبقاء الآية على ظاهرها ، وتفسير النزول بما يدل عليه في اللغة العربية . وهذا القول لا ينافي القول بـ (خلق) ولا القول بـ (قدر) ولكنها يزيد عليهما في المعنى .

وأما القول بأن الأنعام قد نزلت من السماء ، فهو قول ضعيف لم يدل عليه دليل ، ولذلك أعرض عنه عامة المفسرين ولم يذكروه ، كابن جرير ، وابن كثير ، والطاهر بن عاشور رحمهم الله وغيرهم .

ومن ذكره من المفسرين : لم ينسبه إلى أحد من العلماء ، وإنما يقولون : وقيل : .... إلخ. ونحو ذلك ، كما فعل القرطبي رحمه الله وغيره ، وبعضهم صرح بضعف هذا القول

كالألوسي رحمه الله فإنه قال : "وقيل : الكلام على ظاهره ، والله تعالى خلق الأنعام في الجنة ثم أنزلها منها . ولا أرى لهذا الخبر صحة "

انتهى من "روح المعاني" (23/240) .

وأما القول بأن الحديد أنزل من خارج الأرض لقوله تعالى : (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) فلم يثبت هذا القول ، والخلاف في آية الحديد كالخلاف في آية الأنعام ولا فرق

ولذلك يذكر المفسرون الآيتين معا عند الكلام على إحداهما .

فما يذكره بعض المعاصرين من أن الحديد أنزل من خارج الأرض هو اجتهاد منهم لم يثبت في الشرع ما يؤيده .

والله تعالى أعلم .









قديم 2019-02-08, 15:44   رقم المشاركة : 172
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفرق بين المغفرة والعفو .

السؤال


سمعت أن الفرق بين المغفرة والعفو : أن المغفرة : ﺃﻥ ﻳُﺴﺎﻣِﺤﻚ ﺍﻟﻠّﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬَﻧﺐ وﻟﻜﻨﻪُ ﺳَﻴﺒﻘﻰ ﻣُﺴﺠﻼ‌ ﻓِﻲ ﺻَﺤِﻴﻔَﺘﻚ. أما ﺍﻟﻌَﻔﻮ : ﻓَﻬﻮ ﻣُﺴﺎﻣَﺤﺘﻚ ﻋَﻠﻰ ﺍﻟﺬَﻧﺐ ، ﻣَﻊ ﻣَﺤﻮِﻩ ﻣِﻦ ﺍﻟصحيفة ، وﻛﺄﻧَﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ

. فأنا لم أفهم كيف ﺳَﻴﺒﻘﻰ ﻣُﺴﺠﻼ‌ ﻓِﻲ ﺻَﺤِﻴﻔَﺘﻚ ، و هل ستحاسب عنه ، وهل هناك حديث نبوي يؤكد هذا ، أليس الحسنات تمحو السيئات ، أليس كثرة الاستغفار تمحو الذنوب ؟


الجواب


الحمد لله

ذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن العفو أبلغ من المغفرة ؛ لأن العفو محو، والمغفرة ستر :

قال أبو حامد الغزالي رحمه الله :

" الْعَفوّ : هُوَ الَّذِي يمحو السَّيِّئَات ، ويتجاوز عَن الْمعاصِي ، وَهُوَ قريب من الغفور ، وَلكنه أبلغ مِنْهُ، فَإِن الغفران يُنبئ عَن السّتْر، وَالْعَفو يُنبئ عَن المحو، والمحو أبلغ من السّتْر" .

انتهى من "المقصد الأسنى" (ص 140) .

وقال الشيخ محمد منير الدمشقي رحمه الله في "النفحات السلفية" (ص 87):

" العفو في حق الله تعالى : عبارة عن إزالة آثار الذنوب بالكلية ، فيمحوها من ديوان الكرام الكاتبين

ولا يطالبه بها يوم القيامة ، وينسيها من قلوبهم ، لئلا يخجلوا عند تذكيرها، ويثبت مكان كل سيئة حسنة ، والعفو أبلغ من المغفرة ؛ لأن الغفران يشعر بالستر، والعفو يشعر بالمحو، والمحو أبلغ من الستر " انتهى .

وذهب آخرون إلى أن المغفرة أبلغ من العفو ؛ لأنها سترٌ، وإسقاطٌ للعقاب ، ونيلٌ للثواب، أما العفو: فلا يلزم منه الستر ، ولا نيل الثواب .

قال ابن جزي رحمه الله :

" العفو : ترك المؤاخذة بالذنب .

والمغفرة تقتضي ـ مع ذلك ـ : الستر .

والرحمة تجمع ذلك مع التفضل بالإنعام "

انتهى من " التسهيل" (1/ 143) .

وقال الرازي في "تفسيره" (7/ 124):

" الْعَفْو أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ الْعِقَابَ، وَالْمَغْفِرَةَ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ جُرْمَهُ ، صَوْنًا لَهُ مِنْ عَذَابِ التَّخْجِيلِ وَالْفَضِيحَةِ، كَأَنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ: أَطْلُبُ مِنْكَ الْعَفْوَ ، وَإِذَا عَفَوْتَ عَنِّي فَاسْتُرْهُ عَلَيَّ " انتهى .

قال الكفوي رحمه الله :

" الغفران: يَقْتَضِي إِسْقَاط الْعقَاب ، ونيل الثَّوَاب، وَلَا يسْتَحقّهُ إِلَّا الْمُؤمن، وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الْبَارِي تَعَالَى .
وَالْعَفو : يَقْتَضِي إِسْقَاط اللوم والذم، وَلَا يَقْتَضِي نيل الثَّوَاب .."

انتهى من "الكليات" (ص 666) .

وقال العسكري في "الفروق" (413-414):

" الْفرق بَين الْعَفو والغفران :

أَن الغفران : يَقْتَضِي إِسْقَاط الْعقَاب ، وَإِسْقَاط الْعقَاب هُوَ إِيجَاب الثَّوَاب ؛ فَلَا يسْتَحق الغفران إِلَّا الْمُؤمن الْمُسْتَحق للثَّواب . وَلِهَذَا لَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي الله ، فَيُقَال : غفر الله لَك ، وَلَا يُقَال غفر زيد لَك ، إِلَّا شاذا قَلِيلا .
..
وَالْعَفو : يَقْتَضِي إِسْقَاط اللوم والذم ، وَلَا يَقْتَضِي إِيجَاب الثَّوَاب ، وَلِهَذَا يسْتَعْمل فِي العَبْد ، فَيُقَال : عَفا زيد عَن عَمْرو ؛ وَإِذا عَفا عَنهُ : لم يجب عَلَيْهِ إثابته .

إِلَّا أَن الْعَفو والغفران : لما تقَارب معنياهما ، تداخلا ، واستعملا فِي صِفَات الله جلّ اسْمه على وَجه وَاحِد ؛ فَيُقَال : عَفا الله عَنهُ ، وَغفر لَهُ ؛ بِمَعْنى وَاحِد .

وَمَا تعدى بِهِ اللفظان يدل على مَا قُلْنَا ، وَذَلِكَ أَنَّك تَقول عَفا عَنهُ ، فَيَقْتَضِي ذَلِك إِزَالَة شَيْء عَنهُ . وَتقول : غفر لَهُ فَيَقْتَضِي ذَلِك اثبات شَيْء لَهُ" انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" الْعَفْوُ مُتَضَمِّنٌ لِإِسْقَاطِ حَقِّهِ قِبَلِهِمْ وَمُسَامَحَتِهِمْ بِهِ، وَالْمَغْفِرَةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِوِقَايَتِهِمْ شَرَّ ذُنُوبِهِمْ، وَإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ، وَرِضَاهُ عَنْهُمْ؛ بِخِلَافِ الْعَفْوِ الْمُجَرَّدِ؛ فَإِنَّ الْعَافِيَ قَدْ يَعْفُو ، وَلَا يُقْبِلُ عَلَى مَنْ عَفَا عَنْهُ ، وَلَا يَرْضَى عَنْهُ .

فَالْعَفْوُ تَرْكٌ مَحْضٌ، وَالْمَغْفِرَةُ إحْسَانٌ وَفَضْلٌ وَجُودٌ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (14/ 140).

وبهذا يتبين أن المغفرة أبلغ من العفو، على القول الراجح ؛ لما تتضمنه من الإحسان والعطاء.

أما القول بأن المغفرة : أن يسامحك الله على الذنب ، مع بقائه في صحائفك، وأن العفو مسامحة مع محو الذنب من الصحائف فلا يدل عليه الدليل.

والله تعالى أعلم .









قديم 2019-02-08, 15:51   رقم المشاركة : 173
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل صح أن التوراة أنزلت على موسى عليه السلام في رمضان ؟

السؤال

لدي سؤال عن الحديث الوارد هنا : روى أحمد ، والطبراني في " معجم الكبير " عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أُنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان

وأُنزلت التوراة لِسِتٍ مضت من رمضان ، وأُنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان ، وأُنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان ، وأُنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان ) .

حسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة "(1575).

السؤال: كيف نوفق بين وقت نزول التوراة كما هو مذكور في الحديث ، مع وقت نزولها الذي يخالف ذلك كما أخبر القرآن؟ فالقرآن يقول في سورة الأعراف الآيات 142/144/145

"وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً" ، وقال تعالى : "وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ" "قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ

عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ" و "وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ

فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ" . قال ابن عباس عن تلك الأيام العشر الأخيرة هي العشر الأولى من ذي الحجة وكثير وافقوه .


الجواب

الحمد لله


روى الإمام أحمد (16984) ، والطبراني في "الكبير" (185) ، والطبري في "التفسير" (3/446) ، واليهقي في "السنن"(9/ 317)

من طريق عِمْرَان أَبي الْعَوَّامِ ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ

وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ) .

وهذا إسناد ضعيف ، عمران أبو العوام ، هو عمران بن داور القطان ، وثقه ابن حبان والعجلي وغيرهما ، وضعفه ابن معين ، وأبو داود ، والنسائي ، وقال الدارقطني: كان كثير المخالفة والوهم .

" تهذيب التهذيب " (8/ 132) .

وقال الحافظ في "التقريب" (ص 429): " صدوق يهم " .

وقد تبين خطؤه ووهمه في هذا الحديث :

فقد رواه ابن الضريس في "فضائل القرآن" (127) ، والطبري في "التفسير" (24/ 377) من طريق يَزِيد بن زريع، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا صَاحِبٌ لَنَا عَنْ أَبِي الْجَلْدِ

قَالَ: " أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ

وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الزَّبُورُ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْإِنْجِيلُ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ) .

وهذا إسناد صحيح ، سعيد ، وهو ابن ابي عروبة ، من أوثق الناس في قتادة

قال ابن أبي خيثمة:

" أثبت الناس في قتادة: سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي " .

" تهذيب التهذيب " (4/ 63) .

ويزيد بن زريع أوثق الناس في سعيد

قال ابن معين في تاريخه (1/ 102):

" أوثق الناس فى سعيد بن أبى عروبة يزيد بن زريع " .

فالصحيح عن قتادة ما رواه سعيد بن أبي عروبة ، عنه ، عن صاحب له ، عن أبي الجلد ، من قوله . ورواية عمران خطأ .
وقد رواه ابن أبي شيبة (6/ 144): حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ، سَمِعَ أَبَا الْعَالِيَةَ، يَذْكُرُ عَنْ أَبِي الْجَلْدِ، قَالَ: فذكره .

وقد روى البيهقي هذا الحديث في " الأسماء والصفات " (1/ 569)

من طريق عمران به ، ثم قال : " وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ , عَنْ قَتَادَةَ مِنْ قَوْلِهِ

لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: (لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَدَلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ) ، وَكَذَلِكَ وَجَدَهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ فِي كِتَابِ أَبِي قِلَابَةَ ، دُونَ ذِكْرِ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ "انتهى .

ورواه ابن أبي شيبة (6/ 144):

حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: " نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ " .
وأبو الجلد هو جيلان بن فروة البصري ، وثقه الإمام أحمد ، وقال ابن أبي حاتم :

" صاحب كتب التوراة ونحوها " .

" الجرح والتعديل " (2/ 547) .

وينظر أيضا للفائدة : " المطالب العالية " لابن حجر (14/350) وتعليق المحققين .

والخلاصة : أن هذا الكلام ورد من قول أبي قلابة ، وأبي الجلد ، وأخذه قتادة عن أبي الجلد وكان ربما حدث به ولم يذكر أبا الجلد .

فمثل هذا الأثر لا تقوم به الحجة ، لأنه من قول بعض التابعين .









قديم 2019-02-08, 15:52   رقم المشاركة : 174
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وأما الحديث المرفوع فهو حديث ضعيف ، لا تقوم به حجة .

وله شاهد رواه ابن عساكر (6/ 202) من طريق أبي عمر محمد بن موسى بن فضالة القرشي نا أبو قصي نا أبي عن علي هو ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

: ( أنزلت الصحف على إبراهيم في ليلتين من شهر رمضان، وأنزل الزبور على داود في ست من رمضان

وأنزلت التوراة على موسى لثمان عشرة من رمضان، وأنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم لأربع وعشرين من رمضان ) .

وهذا إسناد واه مسلسل بالعلل :

-محمد بن موسى بن فضالة، أبو عمر الدمشقي. قال عبد العزيز الكتاني: تكلموا فيه.

"الميزان" (4/51) .

وفي نسخة من " الميزان " (4/ 555) في ترجمة أبي عمر الدمشقي : " قال الدارقطني: متروك ، قال الذهبي : هو محمد بن موسى بن فضالة " .

- وأبو قصي هو إسماعيل بن محمد بن إسحاق العذري : مجهول ، ترجمه ابن عساكر " تاريخ دمشق " لابن عساكر (71/ 313)، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

- وأبوه لم نجد له ترجمة .

- وعلي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس .

انظر : "التهذيب" (7/339) .

وبالجملة فالحديث معلول لا يصح رفعه ، ولا يصلح للاحتجاج به .

ثانيا :

قال تعالى : ( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ) الأعراف/ 142 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ مَا هِيَ؟ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثِينَ هِيَ ذُو الْقَعْدَةِ، وَالْعَشَرُ عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَمَسْرُوقٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " انتهى.

ثم قال تعالى :

(وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ) الأعراف/ 145 .

وقد اختلف المفسرون في المقصود بالألواح ، فقيل : كان مكتوبا فيها التوراة ، وقيل : أعطيها موسى قبل التوراة

قال ابن كثير :

" أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ كَتَبَ لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ، قِيلَ: كَانَتِ الْأَلْوَاحُ مِنْ جَوْهَرٍ

وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ لَهُ فِيهَا مَوَاعِظَ وَأَحْكَامًا مُفَصَّلَةً مُبَيِّنَةً لِلْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَلْوَاحُ مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّوْرَاةِ ، وَقِيلَ: الْأَلْوَاحُ أُعْطِيَهَا مُوسَى قَبْلَ التَّوْرَاةِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (3/ 474).

فعلى تقدير ثبوت الحديث يمكن الجمع بينهما بأن نزول التوراة كان لست مضين من رمضان ، وأن الألواح المذكورة في الآية : غير التوراة ، وإنما فيها مواعظ وأشياء أخرى ، سوى ما في التوراة .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" ولكل رسول كتاب، قال الله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ [الحديد: 25] ، وهذا يدل على أن كل رسول معه كتاب ، لكن لا نعرف كل الكتب

بل نعرف منها: صحف إبراهيم وموسى، التوراة، الإنجيل، الزبور، القرآن، ستة، لأن صحف موسى بعضهم يقول: هي التوراة، وبعضهم يقول: غيرها، فإن كانت التوراة، فهي خمسة

وإن كانت غيرها، فهي ستة، ولكن مع ذلك نحن نؤمن بكل كتاب أنزله الله على الرسل، وإن لم نعلم به، نؤمن به إجمالاً "

انتهى من "شرح العقيدة الواسطية" (1/65) .

وقال الشيخ صالح آل الشيخ ، حفظه الله :

" الكُتُبُ التي أنزلها الله - عز وجل - على المرسلين : اختلف العلماء هل يدخل فيها الصحف، أم إنَّ الكتب غير الصحف؟ على قولين:

- من أهل العلم من قال: الصحف هي الكتب.

- ومنهم من قال: لا؛ الصحف غير الكتاب.

ويَتَّضِحْ الفرق في صحف موسى عليه السلام والتوراة، فإنَّ الله - عز وجل - أعطى موسى عليه السلام صُحُفَاً وأعطاه أيضاً التوراة، فهل هما واحد أم هما مختلفان؟

خلاف:

- والقول الأول: أنهما واحد لأنَّ صحف موسى هي التوراة ، وهي التي كتبها الله - عز وجل - بيده.

- القول الثاني: أنَّ الصحف غير الكتب، وهذا القول هو الصحيح ، وهي أنَّ كتب الله - عز وجل - غير الصحف.

ويدل على هذا الفرق أنَّ الله - عز وجل - أعطى موسى صُحُفَاً ، عليه السلام ، وكَتَبَ له ذلك في الألواح

كما قال وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ[الأعراف:145]، وأوحى الله - عز وجل - إليه بالتوراة أيضاً.

فقوله صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى[الأعلى:19]:

صحف إبراهيم: ذَكَرَ الله ما فيها في سورة النجم قال وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى* أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى* وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى *

ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى[النجم:37-41]، إلى آخره، فهذه كانت مما في صحف إبراهيم عليه السلام.

وفي صحف موسى: ما كتبه الله - عز وجل - له.

وأما التوراة: فهي وحْيٌ وكتَابٌ مستقل ، غير صحف موسى عليه السلام ، أوحاها الله - عز وجل - إليه.

صحف موسى بالذات : وَقَعَ فيها الاشتباه ، من جهة أنَّهُ : ظاهر القرآن أنَّ الله - عز وجل - كَتَبَ الصحف لقوله وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ، وجاء في الحديث أنَّ الله -

عز وجل - كتب التوراة لموسى بيده، فمن هذه الجهة وقع الاشتباه، هل هما واحد لأجل أن هذه كُتِبَتْ وهذه كُتِبَتْ.
والأظهر كما ذكرتُ لك من سياق الآيات في سورة الأعراف أن الكتب غير الصحف " .

انتهى من "شرح العقيدة الطحاوية" (1/321) .

وممن رجح الفرق بينهما أيضا : الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، كما في "فتاواه" (1/367) ، والشيخ عبد العزيز الراجحي ،

كما في "شرح الاقتصاد في الاعتقاد" (17) .

والله تعالى أعلم .









قديم 2019-02-08, 15:58   رقم المشاركة : 175
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قوله تعالى : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ ) .

السؤال

ما تفسير الآية رقم 11 من سورة فصلت قال تعالى :

( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) ؟


الجواب

الحمد لله

يقول الله عز وجل :

( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ

ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ *

فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) فصلت/ 9 – 12 .

يخبر الله تعالى أنه سبحانه خلق الأرض في يومين ، ثم (جعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها) في تمام أربعة أيام ، أي في يومين آخرين ، ثم استغرق خلق السموات السبع يومين

فكان المجموع ستة أيام من أيام الله .

انظر السؤال القادم

وقوله عز وجل : (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) أي : قصد إلى خلقها .

قال السعدي رحمه الله :

" ثُمَّ بعد أن خلق الأرض اسْتَوَى إلى السماء ، أي: قصد إِلَى خلق السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ، قد ثار على وجه الماء "

انتهى من " تفسير السعدي " (ص 745) .

وقال ابن عثيمين رحمه الله :

" قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) لأهل السنة في تفسيرها قولان:

أحدهما: أنها بمعنى ارتفع إلى السماء ، وهو الذي رجحه ابن جرير، قال في تفسيره بعد أن ذكر الخلاف: "وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ)

. علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته، وخلقهن سبع سموات". ا. هـ.

وذكره البغوي في تفسيره: عن ابن عباس وأكثر مفسري السلف. وذلك تمسكا بظاهر لفظ استوى. وتفويضا لعلم كيفية هذا الارتفاع إلى الله عز وجل.

القول الثاني: أن الاستواء هنا بمعنى القصد التام، وإلى هذا القول ذهب ابن كثير في تفسير سورة البقرة، والبغوي في تفسير سورة فصلت.

قال ابن كثير:

"أي قصد إلى السماء، والاستواء هاهنا ضُمِّن معنى القصد والإقبال ، لأنه عدي بإلى". وقال البغوي: "أي عمد إلى خلق السماء".

وهذا القول ليس صرفا للكلام عن ظاهره ، وذلك لأن الفعل استوى اقترن بحرف يدل على الغاية والانتهاء

فانتقل إلى معنى يناسب الحرف المقترن به، ألا ترى إلى قوله تعالى: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ) ، حيث كان معناها يروى بها عباد الله ، لأن الفعل يشرب اقترن بالباء

فانتقل إلى معنى يناسبها وهو يروى ، فالفعل يضمن معنى يناسب معنى الحرف المتعلق به ليلتئم الكلام "

انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل العثيمين " (3/ 312) .

وقوله تعالى : ( وهي دخان ) المقصود بالدخان هنا : بخار الماء .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَهَذَا الدُّخَانُ هُوَ بُخَارُ الْمَاءِ الَّذِي كَانَ حِينَئِذٍ مَوْجُودًا ، كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الْآثَارُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَكَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْكِتَابِ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (5/ 564) .

وقال أيضا :

" قيل : هو البخار الذي تصاعد من الماء الذي كان عليه العرش ، فإن البخار نوع من الدخان "

انتهى من " الصفدية " (2/ 76) .

وينظر : "تفسير ابن كثير" (7/ 166) .

(فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا)

قال ابن كثير :

" أَيِ: اسْتَجِيبَا لِأَمْرِي ، وَانْفَعِلَا لِفِعْلِي طَائِعَتَيْنِ أَوْ مُكْرَهَتَيْنِ .

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلسَّمَوَاتِ: أَطْلِعِي شَمْسِي وَقَمَرِي وَنُجُومِي. وَقَالَ لِلْأَرْضِ: شَقِّقِي أَنْهَارَكِ، وَأَخْرِجِي ثِمَارَكِ. فَقَالَتَا: (أَتَيْنَا طَائِعِينَ) .

وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ."

وقال :

" (قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) أَيْ: بَلْ نَسْتَجِيبُ لَكَ مُطِيعِينَ بِمَا فِينَا، مِمَّا تُرِيدُ خَلْقَهُ ، مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ جَمِيعًا مُطِيعِينَ لَكَ. حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ .

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَوْ أَبَيَا عَلَيْهِ أَمْرَهُ ، لَعَذَّبَهُمَا عَذَابًا يَجِدَانِ أَلَمَهُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ " .

انتهى من " تفسير ابن كثير " (7/ 167) .

وقال السعدي :

" أي: انقادا لأمري ، طائعتين أو مكرهتين ، فلا بد من نفوذه. (قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) ليس لنا إرادة تخالف إرادتك "

انتهى من " تفسير السعدي " (ص 745) .

(فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) أَيْ: فَفَرَغَ مِنْ تَسْوِيَتِهِنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ، أَيْ: آخَرَيْنِ، وَهُمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ وَيَوْمُ الْجُمْعَةِ .

(وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا) أَيْ: وَرَتَّبَ مُقَرِّرًا فِي كُلِّ سَمَاءٍ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَمَا فِيهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ.

(وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ) وَهُنَّ الْكَوَاكِبُ الْمُنِيرَةُ الْمُشْرِقَةُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، (وَحِفْظًا) أَيْ: حَرَسًا مِنَ الشَّيَاطِينِ أَنْ تَسْتَمِعَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى.

(ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) أَيِ: الْعَزِيزُ الَّذِي قَدْ عَزَّ كُلَّ شَيْءٍ ، فَغَلَبَهُ وَقَهَرَهُ، الْعَلِيمُ بِجَمِيعِ حَرَكَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ وَسَكَنَاتِهِمْ "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (7/ 167) .

وانظر: "تفسير ابن عطية" (5/7)

"تفسير القرطبي" (15/ 343)

"فتح القدير" (4/582).

والله أعلم .









قديم 2019-02-08, 16:01   رقم المشاركة : 176
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

خلق السموات والأرض في ستة أو ثمانية أيام ؟

السؤال

قرأت قول الله تعالى : إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) الأعراف

والذي فهمته أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ، وهذا واضح .

ولكن في آية أخرى ذكر الله خلق السموات والأرض فقال : قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ(9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً

لِلسَّائِلِينَ(10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)

فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(12) فصلت .

فهنا ذكر الله أنه خلق الأرض في يومين ، ثم جعل فيها الرواسي ... وتقدير الأقوات في أربعة أيام ، فيصير المجموع ستة ، ثم خلق السموات في يومين ، وبهذا يكون المجموع ثمانية أيام .

فكيف نجمع بين الآيتين ؟؟.


الجواب


الحمد لله


هذا مما أشكل على بعض الناس فهمه ، فظن بعضهم أن الله خلق السموات والأرض في ثمانية أيام

كما ذكر الله في سورة فصلت : (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادًا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين

* ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين

* فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظًا ذلك تقدير العزيز العليم ) فصلت / 9ـ12.

وأنه يعارض الآية الأخرى التي ذكرت أنه خلقها في ستة أيام .

وهذا فهم خاطئ والجواب عليه أن يقال :

ليس هناك تناقض ولا تفاوت بين المدة الزمنية التي جاءت في هذه الآيات وبين الآيات الأخرى التي ورد فيها تحديد المدة بأنها ستة أيام .

ففي هذه الآيات ـ من سورة فصلت ـ نجد أن الله سبحانه وتعالى يخبرنا بأنه : ( خلق الأرض في يومين )

ثم (جعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها ) في تمام أربعة أيام ..

أي في يومين آخرين يضافان إلى اليومين اللذين خلق فيهما الأرض ، فيكون المجموع أربعة أيام .. وليس المراد أن خلق الرواسي وتقدير الأقوات قد استغرق أربعة أيام ..

ولعل الشبهة ـ التي جاءت في السؤال ـ قد أتت من هنا.. أي من توهم إضافة أربعة إلى اليومين اللذين خلقت فيهما الأرض ، فيكون المجموع ستة..

وإذا أضيف إليها اليومان اللذان خلقت فيهما السماء ( فقضاهن سبع سموات في يومين ) يكون المجموع ثمانية أيام ، وليس ستة أيام.. لكن إزالة هذه الشبهة متحققة بإزالة هذا الوهم.. فالأرض خلقت في يومين..

وخلق الرواسي وتقدير الأقوات قد استغرق ما تمم اليومين أربعة أيام.. أي استغرق هو الآخر يومين.. ثم استغرق خلق السموات السبع يومين.. فكان المجموع ستة أيام من أيام الله ، سبحانه وتعالى..

ولقد نبه المفسرون على هذه الحقيقة ـ المزيلة لهذا الوهم

فقال القرطبي :

" في أربعة أيام مثاله قول القائل : خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام وإلى الكوفة في خمسة عشر يومًا ، أي في تتمة خمسة عشر يومًا "

[ الجامع لأحكام القرآن ] ج15 ص 343 ـ مصدر سابق.

وقال البغوي : في أربعة أيام يريد خلق ما في الأرض ، وقدر الأقوات في يومين يوم الثلاثاء والأربعاء

فهما مع الأحد والاثنين أربعة أيام ، ردَّ الآخر على الأول في الذكر ، كما تقول : تزوجت أمس امرأة واليوم ثنتين ، وإحداهما هي التي تزوجتها بالأمس .

انتهى من تفسير البغوي 7/165

وقال الزجاج : في تتمة أربعة أيام ، يريد بالتتمة اليومين .

[ الكشاف ] ج3 ص 444 ـ مصدر سابق .

فهذه الآيات ـ من سورة فصلت ـ تؤكد هي الأخرى ـ على أن خلق السموات والأرض إنما تم في ستة أيام .

. ومن ثم فلا تناقض بين آيات القرآن ولا تفاوت في مدة الخلق الإلهي للسموات والأرض .. وحاشا أن يكون شيء من ذلك في الذكر الحكيم .

والله أعلم .









قديم 2019-02-08, 16:08   رقم المشاركة : 177
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

تفسير قوله تعالى: (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)

السؤال

سؤالي متعلق بالآية رقم 12 من سورة فصلت، هل صحيح أنّ آخر ما خلق الله في الأيام الستة هي النجوم ؟

وهل معنى كلمة "زينا" في الآية يعني خلقنا وجملنا ؟

وهل الشمس تعتبر من النجوم-كواكب- بروج-مصابيح ؟


الجواب

الحمد لله

أولا :

خلق الله عز وجل السموات والأرض في ستة أيام ، كما قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) الأعراف/ 54

وكان خلق الأرض متقدما على خلق السماوات ، ثم كان دحو الأرض ـ بأن (أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا) ـ متأخرا عن خلق السماوات

كما قال تعالى : (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ

* وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ

* فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) فصلت/9 -12 .

انظر : "تفسير السعدي" (ص 745) .

وقال تعالى : ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) النازعات/27-30 .

ثانيا :

لا نعلم دليلا صحيحا من الكتاب أو السنة يبين لنا متى خلق الله النجوم التي في السماء .

وأما قوله تعالى : (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا) بعد قوله : ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) فلا يدل على أن النجوم هي آخر ما خلق الله

وإنما هو إخبار عن الحكمة من خلق النجوم ، وهذا داخل في جملة خبر الله عن السماء وخلقها ، وما جعل فيها من الآيات .

قال العلامة ابن عاشور رحمه الله :

" ووقع الالتفات من طريق الغيبة إلى طريق التكلم في قوله: (وزينا السماء الدنيا بمصابيح) تجديدا لنشاط السامعين لطول استعمال طريق الغيبة ابتداء

من قوله: (بالذي خلق الأرض في يومين) [فصلت: 9] مع إظهار العناية بتخصيص هذا الصنع الذي ينفع الناس دينا ودنيا وهو خلق النجوم الدقيقة والشهب

بتخصيصه بالذكر من بين عموم (وأوحى في كل سماء أمرها) ، فما السماء الدنيا إلا من جملة السماوات، وما النجوم والشهب إلا من جملة أمرها.

والمصابيح : جمع مصباح ، وهو ما يوقد بالنار في الزيت للإضاءة وهو مشتق من الصباح لأنهم يحاولون أن يجعلوه خلفا عن الصباح ، والمراد بالمصابيح: النجوم، استعير لها المصابيح لما يبدو من نورها.

وانتصب (حفظا) على أنه مفعول لأجله لفعل محذوف دل عليه فعل (زينا).

والتقدير: وجعلناها حفظا. والمراد: حفظا للسماء من الشياطين المسترقة للسمع. وتقدم الكلام على نظيره في سورة الصافات.

(ذلك تقدير العزيز العليم) الإشارة إلى المذكور من قوله: (وجعل فيها رواسي من فوقها) [فصلت: 10] إلى قوله: وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا" .

انتهى من "التحرير والتنوير" (24/251) .

والحاصل : أنه لا يوجد دليل واضح بوقت خلق النجوم ، على وجه التخصيص ، وليس في العلم بذلك منفعة للعبد في دينه ، ولا في الجهل به مضرة عليه ، أو نقص من إيمانه

وإنما الذي ينفعه أن يتأمل في خلقها ، ويتفكر في حكمة الخالق جل جلاله ، ويستدل بذلك على عظمته ، ووحدانيته ، ويخضع لطاعته .

ثالثًا

هذه النجوم التي في السماء- بما فيها الشمس - يطلق عليها ـ في لسان العرب ـ : مصابيح ، ونجوم ، وكواكب ، وسرج ، وإنما التفريق بين هذه الأجناس : هو من اصطلاح أهل العلوم ، الذي لا تستوجبه لغة العرب .

فمن سأل عن إطلاق ذلك : إن كان يقصد في لسان العرب ، وأعرافها : فالأمر في ذلك كله واسع ، سائغ .

وإن كان يقصد الاصطلاح الحادث لأهل العلوم : فلا ، وإنما يرجع في اصطلاح كل علم ، إلى ما تعارف عليه أهله .

قال ابن سيده وغيره : " الكَوْكَبُ والكَوْكَبةُ : النَّجْم "

لسان العرب (1 /720) .

وقال ابن الجوزي :

" (بِمَصابِيحَ) وهي النًّجوم، والمصابيح: السُّرُج، فسمِّي الكوكب مصباحاً " .

انتهى من " زاد المسير " (4/ 47) .

وتقول العرب : نَجَمَ الشيءُ يَنْجُم نُجوماً: طَلَعَ وظهر، ويقال لكل ما طلع: قد نَجمَ.

وقال أَهل اللغة: النُّجوم تَجمع الكواكب كلها .

"لسان العرب" (12 /568) .

وأصل البروج في اللغة : الظهور .

قال القرطبي رحمه الله :

" أصل البروج الظهور، ومنه تبرج المرأة بإظهار زينتها ، وقال الحسن وقتادة : البروج النجوم ، وسميت بذلك لظهورها. وارتفاعها " .

انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (10 /9) .

وقد جاء إطلاقها في القرآن على نجوم السماء ، وأيضا على منازل الشمس والقمر.

فمن الأول : قوله تعالى : (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ) الحجر/ 16

قال السعدي : " أي: نجوما كالأبراج والأعلام العظام ، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر "

انتهى من " تفسير السعدي " (ص 430) .

ومن الثاني : قوله تعالى : (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) البروج/ 1 .

قال الطبري رحمه الله:

" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: معنى ذلك: والسماء ذات منازل الشمس والقمر، وذلك أن البروج جمع برج، وهي منازل تتخذ عالية عن الأرض مرتفعة

ومن ذلك قول الله: (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) : هي منازل مرتفعة عالية في السماء

وهي اثنا عشر برجًا، فمسير القمر في كلّ برج منها يومان وثلث، فذلك ثمانية وعشرون منزلا ، ثم يستسرّ ليلتين ، ومسير الشمس في كلّ برج منها شهر " .

انتهى من " تفسير الطبري " (24/ 332).

وينظر للفائدة جواب السؤالين القادمين

والله تعالى أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









قديم 2019-02-09, 15:19   رقم المشاركة : 178
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



تفسير قوله تعالى :(ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين).


السؤال

جاء في القرأن قوله تعالى " ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين"

ولكني لم أستطع فهم هذه الأية. فهل المقصود بالمصابيح هنا النجوم أم الشهب والنيازك؟ فإذا كانت الأولى

فكيف يمكن لمخلوق بحجم النجم أن يستخدم لرجم الشياطين؟

ارجو التوضيح ، ولكم جزيل الشكر.


الجواب

الحمد لله

المقصود بالمصابيح في الآية : النجوم التي خلقها الله في السماء

وقد جعل من هذه النجوم رجوما للشياطين

كما قال قتادة رحمه الله في قوله تعالى : ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ) :

" خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثٍ : جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا ؛ فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ : أَخْطَأَ ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ " .

ذكره البخاري عنه في صحيحه (4/107) معلقا مجزوما .

وراجع : "تفسير الطبري" (23 / 508)

"تفسير ابن كثير" (3 / 305)

"فتح القدير" (5 / 363) .

والمقصود بجعلها رجوما للشياطين أنه يخرج منها شهب من نار ، فتصيب هذه الشياطين

ولا يعني جعلها رجوما أنها بذواتها يُقذف بها ، كما قال تعالى : ( إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ) الصافات / 10 . فالذي يصيب هذه الشياطين من تلك النجوم هي تلك الشهب التي تخرج منها .

ويدل عليه ما رواه البخاري (4701) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( إِذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتْ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ ، يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا : مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟ قَالُوا لِلَّذِي قَالَ : الْحَقَّ

وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ . فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ ، وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ ، فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ فَيُحْرِقَهُ ، وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِيَ بِهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ

إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ ، حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الْأَرْضِ ، فَتُلْقَى عَلَى فَمْ السَّاحِرِ ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ ، فَيُصَدَّقُ فَيَقُولُونَ : أَلَمْ يُخْبِرْنَا : يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا ، فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا ؟

- لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنْ السَّمَاءِ ) .

فقوله في هذا الحديث : ( فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ فَيُحْرِقَهُ ) يدل على أن شهاب النار يخرج من تلك النجوم فيصيب تلك الشياطين .

قال القرطبي رحمه الله :

" أي جعلنا شهبها ؛ فحذف المضاف ، دليله : ( إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ) وعلى هذا فالمصابيح لا تزول ولا يرجم بها .

وقيل : إن الضمير راجع إلى المصابيح على أن الرجم من أنفس الكواكب ، ولا يسقط الكوكب نفسه إنما ينفصل منه شيء يرجم به ، من غير أن ينقص ضوءه ولا صورته " انتهى .

"الجامع لأحكام القرآن" (18 / 210-211)

وقال ابن كثير رحمه الله :

" عاد الضمير في قوله : ( وَجَعَلْنَاهَا ) على جنس المصابيح لا على عينها ؛ لأنه لا يرمي بالكواكب التي في السماء ، بل بشهب من دونها ، وقد تكون مستمدة منها ، والله أعلم "

انتهى . "تفسير ابن كثير" (8 / 177)

وقال الألوسي رحمه الله :

" جعلها رجوماً : يجوز أن يكون لأنه بواسطة وقوع أشعتها ... تحدث الشهب

فهي رجوم بذلك الاعتبار ، ولا يتوقف جعلها رجوماً على أن تكون نفسها كذلك ، بأن تنقلع عن مراكزها ويرجم بها ، وهذا كما تقول : جعل الله تعالى الشمس يحرق بها بعض الأجسام

فإنه صادق فيما إذا أحرق بها بتوسيط بعض المناظر ، وانعكاس شعاعها على قابل الإحراق " انتهى .

"تفسير الألوسي" (17 / 70)

وقال السعدي رحمه الله :

" جعل الله هذه النجوم حراسة للسماء عن تلقف الشياطين أخبار الأرض ، فهذه الشهب التي ترمى من النجوم ، أعدها الله في الدنيا للشياطين " انتهى .

"تفسير السعدي" (ص 875)

وقال ابن عثيمين رحمه الله :

" قال العلماء في تفسير قوله تعالى : ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين ) : أي : جعلنا شهابها الذي ينطلق منها ، فهذا من باب عود الضمير إلى الجزء لا إلى الكل .

فالشهب : نيازك تنطلق من النجوم .

وهي كما قال أهل الفلك : تنزل إلى الأرض ، وقد تحدث تصدعاً فيها ، أما النجم فلو وصل إلى الأرض لأحرقها " انتهى .

"القول المفيد على كتاب التوحيد" (1 / 227) .

ثانيا :

هذه مسألة قديمة ، أثارها الزنادقة في العصور المتقدمة طعنا في القرآن ، وقد تعرض الجاحظ للرد عليها ، والجاحظ وإن كان من أهل البدعة ، فلا بأس الاستئناس بكلامه ، في أمر لا يتعلق ببدعته .

قال الجاحظ عفا الله عنه ، في كتابه "الحيوان" (6 / 497-496) :

" قالوا : زعمتم أنَّ اللّه تعالى قال : ( وَلَقد زَيَّنا السَّمَاءَ الدُّنْيا بمصَابيحَ وَجَعَلْناهَا رُجُوماً للشّياطين )

ونحنُ لم نجدْ قطُّ كوكباً خلا مكانهُ ، فما ينبغي أنْ يكون واحدٌ من جميع هذا الخلق من سكّان الصحارى والبحار ومن يَراعِي النُّجوم للاهتداء أو يفَكِّر في خلق السموات

أن يكون يرى كوكباً واحداً زائلاً مع قوله : ( وَجَعَلْناهَا رُجُوماً للشَّياطينِ ) ؟ .

قيل لهم : قد يحرِّك الإنسانُ يدَه أو حاجبَه أو إصبَعه فتضاف تلك الحركةُ إلى كلِّه فلا يشكُّون أنّ الكلَّ هو العاملُ لتلك الحركة

ومتى فصَل شهابٌ من كوكب فأحرق وأضاء في جميع البلاد ، فقد حكَم كلُّ إنسانٍ بإضافة ذلك الإحراق إلى الكوكب . وهذا جواب قريبٌ سهل ، والحمد للّه "

انتهى كلامه .

والله تعالى أعلم .









قديم 2019-02-09, 15:26   رقم المشاركة : 179
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ما ترتيب أوائل المخلوقات المذكورة في الشرع وكيف تعرج الملائكة إلى السماء ؟

السؤال

وفقاً لما ذُكر في القرآن فإن الله خلق الماء أول ما خلق ، ثم خلق الأرض على الماء ، ثم خلق الجبال أوتاداً لحفظ توازنها ، ثم خلق السماء سقفاً محفوظاً من غير عمد

ثم خلق سبعاً طباقاً ، ومعلوم أن الشمس والقمر والنجوم كلها في السماء الدنيا ، وكل ذلك سيتغير وينتهي يوم القيامة

. سؤالي هو : كيف نجح جبريل عليه السلام في التنقل بين السماء والأرض عندما كان يبلّغ الرسالة للنبي صلى الله عليه وسلم ؟ هل جعل الله له فتحة سرِّيَّة في السماء ينفذ منها ؟

وهل استخدم النبي صلى الله عليه وسلم نفس الفتحة عندما عُرج به إلى السماء ؟ . أرجو التوضيح .


الجواب

الحمد لله

أولاً:

قول الأخ السائل " وفقاً لما ذُكر في القرآن فإن الله خلق الماء أول ما خَلق " : يحتمل أمرين :

الأمر الأول : أن الماء هو أول مخلوقات الله مطلقاً ، وهذا إن كان هو قصده ففيه ملاحظتان :

الأولى : أنه أحد الأقوال في المسألة ، والجمهور على أنه العرش ، ومن العلماء من قال بأنه القلم .

الثانية : أن هذا القول ليس في القرآن ؛ إذ ليس في القرآن ولا في السنَّة بيان لأول شيء خَلَقَه الله تعالى ، لا الماء ولا غيره من المخلوقات .

وثمة خلاف في أول ما خلق الله من هذا العالَم ، والأقوال المعتبرة في المسألة ثلاثة : القلم

كما يرجحه ابن جرير الطبري وابن الجوزي ، والعرش ، كما يرجحه ابن تيمية وابن القيم ، ، والماء ، وهو مروي عن ابن مسعود وطائفة من السلف ، ورجحه بدر الدين العيني .

وأما الأقوال غير المعتبرة فكثيرة ، وبعضها من الإسرائيليات ، وأغلبها أقوال لأهل البدع

كمن زعم أن العقل هو أول مخلوق ، وكمن زعم أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم هو أول مخلوق ، حتى صار من يعظِّم مخلوقاً أو شيئاً يجعله أول مخلوق ! .

وانظر جواب السؤال القادم وفيه الترتيب بين العرش والقلم وتقديم العرش .

ثانياً:

الذين قالوا إن القلم هو أول مخلوق قد استدلوا بما رواه عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ : اكْتُبْ

قَالَ : رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ ؟ قَالَ : اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ) .

رواه الترمذي ( 2155 ) وأبو داود ( 4700 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

لكن قد صح في السنة أحاديث نبوية تبين أن الله تعالى حين خلق القلم وأمره بكتابة مقادير كل شيء إلى يوم القيامة : كان عرشه على الماء ، مما يقتضي أن خلق العرش كان قبل خلق القلم ، ومن هذه الأحاديث :

أ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، قَالَ : وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ )

رواه مسلم ( 2653 ) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

فهذا يدل على أنه قدَّر إذ كان عرشه على الماء ، فكان العرش موجوداً مخلوقاً عند التقدير لم يوجد بعده .

" الصفدية " ( 2 / 82 ) .

ب. وعن عمران بن حصين عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ) .

رواه البخاري ( 3019 ) .

( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ) .

رواه البخاري ( 6982 ) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

وفي رواية ( ثم كتب في الذِّكر كل شيء ) فهو أيضاً دليل على أن الكتابة في الذكر كانت والعرش على الماء .

" الصفدية " ( 2 / 82 ) .

قال ابن القيم - رحمه الله – في النونية :

والناس مختلفون في القلم الذي *** كُتِبَ القضاء به من الديَّانِ

هل كان قبل العرش أو هو بعده *** قولان عند أبي العلا الهمذاني

والحق أن العرش قبل لأنه *** عند الكتابة كان ذا أركانِ

فالصحيح أن القلم مخلوق بعد العرش ، ويكون قوله في الحديث ( فأَوَّلَ ما خَلَقَ الله القلم قال له اكتب ) يعني : حين خَلَقَ الله القلم ، فتكون ( ما ) هنا مصدرية وليست موصولة .

وخلق العرش قبل القلم لا يعني بالضرورة أنه خلق قبل " الماء " ، وغاية ما يمكن أن يقال إنهما خلقا معاً ، أما أن يكون العرش خُلف قبله فليس بظاهر .

ومن أدلة الذين قالوا بأن الماء أول المخلوقات :

1. عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ ؟ قَالَ : ( كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ ، وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ) .

رواه الترمذي ( 3109 ) وابن ماجه ( 182 ) .

ولفظه عند ابن ماجه - وأحمد ( 26 / 108 ) – ( ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ) .

والحديث صححه الطبري ، وحسَّنه الترمذي والذهبي وابن تيمية ، وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي " .

قال الترمذي :

قال أحمد بن منيع : قال يزيد بن هارون : العماء : أي : ليس معه شيء .

" سنن الترمذي " ( 5 / 288 ) وقيل : معنى " عماء " : السحاب الأبيض .

قال الطبري – رحمه الله – وهو يرى أن القلم أول المخلوقات مطلقا وأنه قبل الماء وقبل العرش - :

وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب : قول من قال إن الله تبارك وتعالى خلق الماء قبل العرش ؛ لصحة الخبر الذي ذكرتُ قبلُ عن أبي رزين العقيلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال

حين سئل أين كان ربنا عز وجل قبل أن يَخْلُق خلقَه قال : ( كان في عماء ، ما تحته هواء

وما فوقه هواء ، ثم خلق عرشه على الماء ) ، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله خلق عرشه على الماء ، ومحال ـ إذ كان خلَقَه على الماء ـ أن يكون خلَقَه عليه ، والذي خلقه عليه غير موجود ، إما قبله أو معه .

فإذا كان ذلك كذلك : فالعرش لا يخلو من أحد أمرين : إما أن يكون خُلق بعد خَلق الله الماء

وإما أن يكون خُلق هو والماء معاً ، فأما أن يكون خَلْقُه قبل خلق الماء : فذلك غير جائز صحته على ما روي عن أبي رزين عن النبي صلى الله عليه وسلم .

" تاريخ الطبري " ( 1 / 32 ) .









قديم 2019-02-09, 15:27   رقم المشاركة : 180
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وقد جزم الحافظ ابن حجر بأن حديث عمران بن حصين رضي الله عنه يدل على أن الماء سابق على العرش .

انظر : " فتح الباري " ( 6 / 289 ) .

2. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي وَقَرَّتْ عَيْنِي فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَقَالَ : ( كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ ) .

رواه أحمد ( 13 / 314 )

وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 5 / 29 ) : إسناده صحيح ، وصححه محققو مسند أحمد .

3. عن أبي هريرة قال : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ مِمَّ خُلِقَ الخَلْقُ ؟ قَالَ : ( مِنَ الْمَاءِ ) .

رواه الترمذي ( 2526 ) .

قال الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي " : صحيح دون قوله ( مِمَّ خُلِقَ الخَلْقُ ) .

انتهى

قلت : ويشهد له ما قبله ، فأقل أحوال اللفظة أن تكون حسنة .

قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :

وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة لما سأله : " ممَّ خُلِقَ الخَلْقُ " فقال له: ( مِنَ المَاءِ ) : يدل على أن الماء أصل جميع المخلوقات ، ومادتها ، وجميع المخلوقات خُلقت منه .

وقال :

وقد حكى ابن جرير وغيره عن ابن مسعود وطائفة من السلف : أن أول المخلوقات الماء .

" لطائف المعارف " ( ص 21 ، 22 ) .

3. رواية الإمام السدِّي في " تفسيره " بأسانيد متعددة " أن الله تعالى لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء " .

قال الإمام ابن خزيمة في " كتاب التوحيد " ( 1 / 569 ) : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الأَوْدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ ، يَعْنِي ابْنَ طَلْحَةَ الْقَنَّادَ

قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ وَهُوَ ابْنُ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ )

قَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَلَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا غَيْرَ مَا خَلَقَ قَبْلَ الْمَاءِ ... .

ورواه ابن أبى حاتم في " تفسيره " ( 1 / 74 ، 75 )

والطبري في " تفسيره " ( 1 / 435 ، 436 ) .

وإسناد السدِّي فيه كلام ، والظاهر أنه حسن جيد ، وأما المتون ففيها غرائب ، وهذا منها ، ولعلها مأخوذة من أحاديث بني إسرائيل .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

كما أن السّدّي أيضاً يذكر تفسيره عن ابن مسعود ، وعن ابن عباس ، وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وليست تلك ألفاظهم بعينها

بل نقل هؤلاء شبيه بنقل أهل المغازي والسِّيَر ، وهو مما يُستشهدُ به ويُعتبَرُ به ، وبضم بعضه إلى بعض يصير حجة ، وأما ثبوت شيءٍ بمجرد هذا النقل عن ابن عباس: فهذا لا يكون عند أهل المعرفة بالمنقولات .

" نقض التأسيس " ( 3 / 41 ) .

وقال ابن كثير – رحمه الله - :

هذا الاسناد يَذكر به " السُّدِّي " أشياء كثيرة فيها غرابة ، وكأن كثيرا منها متلقى من الإسرائيليات.

" البداية والنهاية " ( 1 / 19 ) .

وللشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعليق مطول على أسانيد السدي

فانظره في تحقيقه لـ " تفسير الطبري " ( 1 / 156 ) .

وقد علق الشيخ أبو إسحاق الحويني في تحقيقه لـ " تفسير ابن كثير " على إسناد السدي هذا في ( 1 / 488 - 490 ) ، وقال في آخره : " وجملة القول : أن إسناد تفسير السدِّي جيِّد حسَن ".

انتهى

ثالثاً:

إن كان الأخ السائل قد قصد بقوله السابق – وهو الأمر الثاني المحتمل في كلامه - أن الله تعالى خلق الماء قبل خلق السموات والأرض : فقوله صحيح – كما سبق -

لكنه ليس منصوصاً صريحا في القرآن كما ذَكر ، وإنما هو مفهموم من دلالة بعض النصوص كما سبق ، وعلى ذلك يكون ترتيب المذكورات في الخلق : الماء ، العرش ، القلم ، السموات والأرض.

رابعاً:

وأما قول الأخ السائل " ثم خلق الأرض على الماء ، ثم خلق الجبال أوتاداً لحفظ توازنها ، ثم خلق السماء سقفاً محفوظاً من غير عمد ، ثم خلق سبعاً طباقاً " ، فيقال فيه :

" خلق الله الأرض على الماء " : لم يدل عليه دليل صحيح صريح ، لا من القرآن ، ولا من السنَّة ، ومع ذلك فهو قول لبعض السلف من الصحابة والتابعين ، وهو كذلك في التوراة والإنجيل وغيرهما .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

وقد جاءت الآثار المتعددة عن الصحابة والتابعين وغيرهم بأن الله سبحانه لما كان عرشه على الماء : خلقَ السماء من بخار الماء ، وأيبس الأرض ، وهكذا في أول التوراة الإخبار بأن الماء كان موجوداً

وأن الريح كانت ترف عليه ، وأن الله خلق من ذلك الماء السماء والأرض ، فهذه الأخبار الثابتة عن نبينا صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنَّة مطابقة لما عند أهل الكتاب من اليهود والنصارى مما في التوراة

وكل ذلك يصدِّق بعضُه بعضاً ، ويخبر أن الله خلق هذا العالم - سمواته وأرضه - في ستة أيام ، ثم استوى على العرش ، وأنه كان قبل ذلك مخلوقات

كالماء ، والعرش ، فليس في أخبار الله تعالى أن السموات والأرض أبدعتا من غير شيء ، ولا أنه لم يكن قبلهما شيء من المخلوقات .

" الصفدية " ( 2 / 82 ، 83 )

وينظر أيضا : " مجموع الفتاوى " ( 6 / 598 )

" تفسير القرطبي " ( 1 / 255 ) .

الثانية : قوله " ثم خلق الجبال أوتاداً ... ثم خلق السماء " : غير صحيح ؛ إذ كان تسوية السموات وقضاؤهن سبعاً بعد دحو الأرض وإرساء الجبال فيها

وفي ذلك يقول تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) البقرة/ 29 .

قال ابن عباس – رضي الله عنه - :

خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ، ثُمَّ دَحَا الأَرْضَ - وَدَحْوُهَا : أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى -

وَخَلَقَ الْجِبَالَ ، وَالْجِمَالَ ، وَالآكَامَ ، وَمَا بَيْنَهُمَا : فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ( دَحَاهَا ) وَقَوْلُهُ ( خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ) ، فَجُعِلَتْ الأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ، وَخُلِقَتْ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ .

رواه البخاري معلَّقاً

وانظر " فتح الباري " ( 8 / 556 ) .

الثالثة : قوله " ثم خلق السماء سقفاً محفوظاً من غير عمد ، ثم خلق سبعاً طباقاً "

صوابه أن يقول : " ثم سواهن سبعاً طباقاً " ، فهي كلها سبع سموات وليست السبع غير سماء الدنيا ، قال عز وجل : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) البقرة/ 29 .

خامساً:

أما عن سؤال الأخ السائل كيف أن جبريل عليه السلام يتنقل بين السماء والأرض لتبليغ الوحي من ربه عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم ، مع وجود الشمس والقمر والنجوم :

فهذا يرد في حال كان السؤال عن بشر يريد الصعود إلى السماء وحده بقدراته البشرية ! أما عندما يكون الحديث عن الملائكة المخلوقة من نور ، والمرسلة من رب العالمين

أو عندما يكون الحديث عن محمد رسول الله الذي أرسل الله إليه ليصعد إلى السماء السابعة مع جبريل عليه السلام : فإن الأمر يختلف ؛ لأننا نتحدث الآن عن " قدرة الله تعالى " لا عن " قدرة البشر "

فلا يرد إشكال في صعود ونزول الملائكة إلى السماء ومنها ، ولا يرد إشكال في معراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء ، وليس ثمة فتحة خاصة - أو طريق خاص

- للملائكة تصعد إلى السماء منها ، بل إنه في ليلة القدر تتنزل الملائكة وجبريل عليهم السلام من السماء إلى الدنيا حتى إنهم ليغطون بأنوارهم نور الشمس التي تظهر في صبيحتها .

والذي عرفناه من السنَّة الصحيحة هو وسيلة الإسراء من مكة إلى بيت المقدس ، فقد أخبرنا بها نبينا صلى الله عليه وسلم ، فقال :

( ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ يُقَالُ لَهُ " الْبُرَاقُ " فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَقَعُ خَطْوُهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ ) .

رواه مسلم ( 164 ) .

وأما المعراج فلم يخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بتفاصيل وسيلته ، وغاية ما قاله لنا :

( ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ) .

رواه البخاري ( 342 ) ومسلم ( 163 ) .

إلا أن اللفظ نفسه – أي : " المعراج " - هو اسم آلة ، يعني : السلَّم ، ومن هنا قال طائفة من أهل العلم إن المعراج كان بسلَّم خاص .

وقد جاء في صفاته ما لم نقف على إسناد له ، مثل رواية :

( ثم تقدم قدَّام ذلك إلى موضع فوضع له مرقاة من ذهب ومرقاة من فضة ، وهو المعراج ، حتى عرج جبريلُ والنبي صلى الله عليه و سلم إلى السماء ) .

فهذه رواه الواسطي في " فضائل بيت المقدس " كما في " الدر المنثور " للسيوطي ( 5 / 226 ) من حديث كعب ، ولم يذكر لتلك الرواية إسناد .

وثمة أوصاف أخرى لتلك الآلة تراها في " فتح الباري " ( 7 / 208 ) من روايات لم يذكر إسنادها ، ولم يحكم عليها الحافظ رحمه الله ، وفي جميعها ما يؤكد على أن العروج إلى السماء كان بآلة

وهي السلَّم ، لكن ليس في شيء من ذلك كله ما يحتج به . ثم ليس في شيء من العلم بذلك ما ينفع المرء في شيء من دينه ، أو دنياه

وليس في الجهل به ما يضره في شيء منهما ، وقد نهينا عن تكلف التشقيق والتنقير عما لم يُبَيَّن لنا .

والله أعلم









 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 16:52

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc