الانتخابات البلدية التركية: الكل رابح... وخاسر!
محمد نور الدين - صحيفة "السفير"
ربح الجميع وفشل الجميع. هذه هي محصلة الانتخابات البلدية في تركيا التي أجريت أمس الأول.
ربح الجميع عندما زادت نسبة الأصوات التي حصل عليها «حزب الشعب الجمهوري» المعارض من 23 في المئة في العام 2011 إلى 29 في المئة هذه المرة. وربح «حزب الحركة القومية» بزيادة أصواته من 13 إلى 15 في المئة، لكنهما فشلا في أن يلحقا بـ«حزب العدالة والتنمية» هزيمة كانا يتطلعان إليها، وأن يخفضا أصواته إلى أقل من أربعين في المئة.
وربح «حزب العدالة والتنمية» بتحقيق النسبة التي سعى إليها، وهي ألا تقل عن الـ45 في المئة الكافية لتطلق ترشيحاً قوياً لزعيمه رجب طيب أردوغان لرئاسة الجمهورية في الصيف المقبل، وليراهن ربما على إجراء انتخابات نيابية مبكرة، لكنه فشل في تحقيق الرقم الذي ناله في الانتخابات النيابية في العام 2011 وهو 50 في المئة.
وفشل أيضاً، عندما احتفظ بصعوبة فائقة ببلدية أنقرة وبفارق أقل من واحد في المئة فقط (45 في المئة لمليح غوكتشيك في مقابل 44 في المئة لمنصور ياواش)، بعدما لم تحسم النتيجة سوى في الساعة السابعة من صباح أمس، مع آخر صندوق يتم فرزه. كما فشل في تحقيق أي تقدم في معاقل العلمانيين، بل حتى القوميين، وفشل أكثر في المناطق الكردية.
وفي نظرة إلى الخريطة الجغرافية لنتائج الانتخابات، نجد أنه باستثناء أنطاليا التي ربحها أردوغان بصعوبة شديدة، ليس لـ«حزب العدالة والتنمية» أي تواجد في جميع المحافظات الساحلية بدءاً من الاسكندرون (هاتاي) على البحر المتوسط، وصولاً إلى بحر إيجه وجميع المحافظات التركية في القسم الأوروبي من تركيا.
وتركز النفوذ الأردوغاني في المحافظات الداخلية من الأناضول وبعض مناطق البحر الأسود، ما يضفي على الحزب الطابع الريفي ويفسر احتفاظه بتقدمه بفضل الكتلة الإسلامية المحافظة في الأرياف وبعض المدن والتي صبّت أصواتها، وتقدر بأربعين في المئة كتلة واحدة لـ«حزب العدالة والتنمية»، يدفعها إلى ذلك الخوف من عودة العلمانيين إلى السلطة وما يعنيه ذلك من ذكريات سيئة في التعامل مع الحالة الإسلامية.
وقد كان انقسام المعارضة عاملاً أساسياً في فوز أردوغان، بحيث لم يتم تبادل الأصوات بين الحزبين الرئيسيين «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية»، ولا في أي مدينة أساسية حيث كان في إمكانهم إطاحة «العدالة والتنمية» في معظم المدن الكبرى، ولا سيما في اسطنبول وأنقرة وانطاليا وغيرها.
وسيبني «حزب الشعب الجمهوري» على تقدمه بمفرده في أنقرة إلى 44 في المئة واحتفاظه بفارق واضح ببلدية إزمير ونيله 40 في المئة في بلدية اسطنبول التي خسرها، وتقدمه في معظم المحافظات الساحلية لكي يكتسب دفعاً معنوياً في معاركه المقبلة لإضعاف أردوغان. ويمكن لفتح الله غولين أن يزعم أنه أفقد أردوغان خمس نقاط، هي مجموع النقاط التي خسرها أردوغان عن انتخابات العام 2011.
غير أن الفشل الأردوغاني الأبرز، كان في المناطق الكردية، حيث كسب «حزب السلام والديموقراطية» الكردي المؤيد لعبد الله أوجلان 11 محافظة في شرق وجنوبي شرق تركيا، وهي سابقة تاريخية، بحيث ليس بعيداً القول إن هذا الانتصار الكاسح هو هزيمة مدوية لـ«حزب العدالة والتنمية»، وسيحرج جداً أردوغان خصوصاً بعدما اعتبر الأكراد أن هذا التصويت إنما كان للحكم الذاتي.
وقد لعب دخول حزب إسلامي كردي، هو «حزب الهدى»، في المناطق الكردية ولا سيما في بتليس ونيله هناك 6 في المئة من الأصوات أخذها من رصيد أردوغان، دوراً في إسقاط مرشح «حزب العدالة والتنمية» وفوز مرشح «حزب السلام والديموقراطية».
ويعتبر الانتصار الكردي هزيمة كبيرة للخط الأردوغاني في محاولة تزعم أكراد الشرق الأوسط من جانب رئيس كردستان العراق مسعود البرزاني، الذي «تواطأ» معه أردوغان قبل الانتخابات لإضعاف زعامة أوجلان وإقامة مهرجان مشترك في ديار بكر الذي تبين أنه أعطى نتائج عكسية وثبّت زعامة أوجلان، وهو ما سيكون له آثار مستقبلية على وضع أكراد تركيا وأكراد سوريا لغير مصلحة البرزاني وأردوغان.
وليس من شك أن سياسة التحريض الأردوغانية ضد سوريا انعكست سلباً عليه عندما انقلب ناخبو لواء الإسكندرون (هاتاي) على مرشح «حزب العدالة والتنمية» وزير العدل السابق سعد الله أرغين وأسقطوه لمصلحة مرشح «حزب الشعب الجمهوري» لطفي صاواش، الذي نال حوالي 42 في المئة من الأصوات بينما نال أرغين 39,5 في المئة، بعدما كان «العدالة والتنمية» فاز بالبلدية في العام 2009 بـ51 في المئة.
وفي هذه النتيجة انعكاس واضح لاستياء سكان اللواء من توريط محافظتهم في الحرب السورية، ورسالة احتجاج شديدة لتحويل الحكومة منطقة الاسكندرون إلى ساحة للمسلحين والإرهابيين المعارضين للنظام في سوريا يرتعون فيه ويهددون السكان المحليين.
وكان أرغين هدد الناخبين بالقول إن انتصار «حزب الشعب الجمهوري» في المحافظة «يعني سقوط اللواء بيد الرئيس السوري بشار الأسد»!
من جهة ثانية، سجلت الانتخابات البلدية فوز أول امرأة مسيحية سريانية هي فبرونية آقيول برئاسة بلدية كبرى وهي ماردين، وذلك بالتشارك مع الزعيم الكردي أحمد تورك الذي ترشح بصفة مستقلة.
ونظام التشارك في رئاسة البلدية يطبقه الأكراد للمرة الأولى، بعدما طبقوه في رئاسة «حزب السلام والديموقراطية» الكردي، أي أن آقيول وتورك هما في الوقت نفسه رئيسا لبلدية ماردين.
وسجل «حزب الحركة القومية» انجازاً كبيراً بفوزه ببلديات أضنة ومرسين وعثمانية المتجاورة على الساحل المتوسطي، كما بزيادة نسبة التأييد له إلى 15 في المئة.
ولا شك في أن النسبة التي حصل عليها أردوغان وهي 45,6 في المئة كافية جداً لكي ترجح قراره الترشح إلى الانتخابات الرئاسية، وبالتالي تهيئة الأجواء لتولي الرئيس الحالي عبد الله غول للعودة إلى رئاسة الحزب والحكومة، وهو ما سيتضح قريباً. كما قد تدفع النتائج أردوغان إلى إجراء انتخابات مزدوجة نيابية ورئاسية في الوقت عينه أو تقريب الانتخابات النيابية عن موعدها المقرر في حزيران العام 2015.
ومن خطاب أردوغان بعد ظهور النتائج، تصميم واضح على استئصال جماعة فتح الله غولين من الحياة السياسية ومن الدولة، وهو ما يؤشر إلى أن مناخ التوتر سوف يستمر وبصورة أعلى في المرحلة المقبلة. كما حاول أردوغان توظيف نجاحه الجزئي في الانتخابات البلدية بالقول إنه رسالة إلى مصر في دعوة غير مباشرة لـ«الإخوان المسلمين» للاستمرار في حراكهم الداخلي ضد ثورة 30 يونيو.
وهدد أردوغان سوريا بالقول إن أي تعرض لقبر سليمان شاه هو تعرض لسيادة تركيا ولكل الأراضي التركية في محاولة لثني سوريا عن القيام بأي رد أو تصعيد على التدخل التركي في الحرب السورية ودعم الجماعات المسلحة في منطقة كسب وغير كسب.
ولا شك في أن أردوغان سوف يغامر في تعميق الاضطراب السياسي إذا ما قرأ النتائج على أنها تفويض له للمزيد من خطوات القمع والاستئثار في الداخل، وهو ما سيدفع المعارضة بدروها إلى خطوات مختلفة لإسقاط أردوغان سواء في صندوقة اقتراع الرئاسة أو النيابة أو في... الشارع.
وفي عملية إسقاط حسابية لنتائج الانتخابات البلدية على الخريطة البرلمانية، لكانت النتائج على الشكل التالي:
«حزب العدالة والتنمية» 284 نائباً بتراجع 43 نائباً
«حزب الشعب الجمهوري» 137 نائباً
«حزب الحركة القومية» 84 نائباً
«حزب السلام والديموقراطية» 45 نائباً.
2014-04-01