نبذة عن حياة الشيخ المجاهد العالم : حاشي مصطفى بن محمد بن حاشي
27/02/2010 بقلم حفيده : الأستاذ مصطفى محمد دليوح
مابالكم بالترجمة لواحد من العلماء العظماء الذين اصطفاهم الله تبارك وتعالى ليكونوا من ورثة نبييه صلى الله عليه وسلم في رسالته الخالدة والذين أفنوا كل حياتهم في جهد وجهاد وفي عطاء غير ممنون في وقت كان الناس فيه كإبل المائة لا تكاد تجد بينهم راحلة في زمن عمّ فيه الجهل وطمّ بل بُرمج فيه التجهيل لأنه كان أهم وسيلة يتوسل بها الاستدمار لتثبيت أقدامه وبسط نفوذه .
خاصة إذا كان ذلك العالم من علماء المغرب المتّهمين بتهمة لا تزال ملازمةً للمتأخرين ملازمتَها للمتقدمين , وهي أن أهل المغرب لايُوَثّـقون ولا يهتمون بالكتابة فكم من عالم وكم من أديب ,فقيه,شاعر , ......ازدانت بهم ربوع مغربنا الكبير وذاع صيتهم وسطع نجمهم وملأوا الدنيا بعلمهم ولمّا لم يتركوا أثرا مكتوبا اندثرت آثارهم ونُسي ذكرهم ولم تبق إلاّ أسماؤهم , وإن جئت تعرّف بهم وتدلّل على رسوخ قدمهم وطول باعهم خانتك آثارهم غير المكتوبة ، قد يسعفك النزر القليل من آثارهم في صدور الرّجال هذه الآثار التي تزول بزوال أصحابها .
الشيخ مصطفى بن محمد بن الحاشي واحد من هؤلاء الذين ملأوا الربوع وأغنوا الناس عن المساءلة في أمور الدين وتفاصيل الفقه وأحكام الشريعة حتى لقب بالمحكمة المتنقلة وبعالم أولاد نايل .......وغيره , إذا جئت لتعرف به وبآثاره ومؤلفاته ماوجدت لذلك كثير أثر رغم أنه كان عظيما وكانت حياته عظيمة ماقولكم .......في شاب لم يبلغ العقدين من الزمن بعد إلمامه بكتاب الله تعالى وبقسط من العلوم الشرعية في إحدى الزوايا قطع قرابة عشرين ألف كيلومتر مشيا على الأقدام في غيبة عن الأهل دامت قرابة العقد من الزمن (حتى ظنه أهله في عداد الأموات) ساعيا وراء العلم ومجاهدا في سبيل الله في مواطن كثيرة كان ذلك زمن (ح ع 1) ولك أن تتصور الحياة زمنئذٍ والمدنية لا نقل , لا كهرباء , لا طرقات , قطاع الطرق ,.؟؟
من هو الشيخ حاشي مصطفى رحمه الله ؟
هو مصطفى بن محمد بن الحاشي من مواليد الجلفة في القرن 19 ، سنة 1895 من والدين كريمين ليس لهما من العلم إلاّ ماكان من حبٍّ لله تعالى ونبييّه عليه الصلاة والسلام وتقديسٍ لكل علم يعّرف بالله تعالى وبطريقه وبشرعه لذا دفعا بولدهما مصطفى إلى زاوية أولاد جلال لينهل من علومها , فحفظ القرآن مبكرا وحاز قسطا من العلوم الإسلامية المتاحة آنذاك في الزاوية , فبرزت حدة ذكائه وجميل صبره على التّعلم وسرعة بديهته ورجاحة عقله وهو لا يزال فتى يافعا .
وتوافق يوما أن مرّت بهم قافلة قادمة من المغرب الشقيق قاصدة بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج مشيًا على الأقدام فاستضافهم وبعد المجالسة والمحاورة والتعارف عزم على الرّحيل معهم .
انطلق معهم وفي نيته هدفان محددان :
الأول : أداء فريضة الحج إلى بيت الله الحرام
الثاني : الاستزادة من العلوم الشرعية
ما لبث الجمع أن مرّ بعد مدة بليبيا الشقيقة وكانت حينئذِ تخوض حربًا ضد المستدمر في زمن حكم السنوسي فاكتتب للجهاد في سبيل الله ضد المستدمر الكافر أبلى بلاءً حسنا ولم يلبث أن تبوأ الشّاب مصطفى مكانة عالية في الجيش لفطنته وذكائه وعمله وفقهه وشجاعته وإقدامه وأصيب في رجله بالرصاص . وحقق الجيش فيها انتصارات كثيرةً ومنحت للعالم المجاهد حاشي مصطفى شهادات تزكية عسكرية تشيد به وببطولاته .
مكث مصطفى مدة ثم عزم على الرحيل لتحقيق أهدافه لكنه انضــاف هدف ثالث إلى هدفيه سالفي الذكر ألا وهو الجهاد في سبيل الله لما ذاق من حلاوته وهو العالم بأجر المجاهد ومكانته عند الله تعالى وفريضة الجهاد ضد العدو الكافر , فاكتتب في المجاهدين المتطوعين لنصرة إخوانهم المسلمين في بلاد البلقان فيمّم مع مجموعة شطر بيت المقدس ومنه إلى لبنان غير أن اندلاع الحرب العالمية الأولى حالت دون وصوله إلى مبتغاه . فقفل راجعا إلى بيت المقدس فمكث فيه زمنا وكانت الأرض المباركة خلوً من اليهود ومن دنسهم ثم يمم شطر بغداد بلد العلم والعلماء والمشايخ والزوايا وعرج قبل ذلك إلى سوريا ليعمل بها زمنا و واصل المشي إلى بغداد حيث استقر به المُقام في زاوية الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمة الله عليه فلازم علماء يستزيد من العلم ويوسع المعارف وينهل من كل أصناف العلوم الشرعية فكان أن كُرّْم في العديد من المرات بشهادات شرفية منها شهادتان تتضمنان مناقبه وفضائله وتكليفه بنشر الطريقة القادرية في بلاد المغرب وكان محتوى هذا التكليف والميثاق هو نشر دين الإسلام وإطعام الطعام ومن العجب أن طول إحدى هاتين الشهادتين يبلغ 4.5 م
وبعد أمد غير يسير عزم الشيخ على تحقيق الهدف الثالث وهو أداء فريضة الحج فشدّ الرحال إلى بيت الله الحرام سيرا على الأقدام يقطع الصحاري والفلوات مع صعوبة المسالك والأخطار المحدقة خاصة من قطاع الطرق إلى أن وفقه الله إلى أداء الركن كاملا غير منقوص .
بعد ذلك قفل الشيخ راجعا إلى وطنه الحبيب فكانت رحلة دامت قرابة العقد من الزمن وبلغ طول مساره قرابة عشرين ألف كيلومتر وعدّه أهله من الأموات . فيالهم من رجال
وصل إلى أرض الوطن وكانت وجهته الزاوية المختارية بأولاد جلال وكانت آنذاك تحت مشيخة الشيخ مختاري عبد الحميد ولما رأى الشيخ من علمه وفقهه وتوسم خيرا من تقواه وصلاحه عرض عليه الإمامة بالمسجد الكبير بالجلفة ,فأبى الشيخ مصطفى وتعذر بظروفه الخاصة وأشار عليه بذلكم الشاب الصالح العالم الشيخ عطية مسعودي رحمة الله عليه بتولي الإمامة والتدريس .
كرس الشيخ مصطفى رحمة الله عليه حياته لخدمة الإسلام والمسلمين ونشر العلم والـتصدر للفتي في البدو والحضر فارتشف المسلمون من علمه ونهلوا من فيضه ، أميًّهم ومتعلّمهم وكان ينهي الخصومات بين المتخاصمين ويقضي بين المتحاكمين ويفصل في الأمور العالقة ارتجالا فكُنيّ آنذاك بالمحكمة المتنقلة وبعالم أولاد نائل رحمة الله عليه ولما اندلعت الثورة التحريرية المباركة لم يكن لشيخ عالمٍ هذه سيرته وتلكم مسيرته أن يتخلف عنها وهو الأعرف بأجرها وبنفعها لبّى نداءها وكان سباقا بما لديه لنصرتها والذود عن حمى الوطن الحبيب رغم تقدمه في السن (أكبر من 60 )
ألقي عليه القبض وسجن وعذب حتى كسرت ذراعه وذلك سنة 59 ، كما شجع أبناءه إلى الانضمام للمجاهدين فكان ثلاثتهم ممن أبلوا البلاء الحسن قضى اثنان منهم بعد الاستقلال ومازال المجاهد الحاج حاشي عبد الحميد بن مصطفى على قيد الحياة أطال الله عمره .
وبعد الاستقلال تفرغ الشيخ لتدريس العلم والإفتاء وتذكير العوام في كثير من مساجد الجلفة (مثل ابن معطار , وابن دنيدينة السعادة .......إلخ) توفي سنة 1980 عن عمر يناهز الخمسة والثمانين عاما
وبعد أيها القارئ الكريم ، هل تراني وفيت الشيخ العالم المجاهد الجليل حقه ؟ أبدا هو أكبر بكثير ، أعتذر للشيخ ، كما أعتذر للقارئ الكريم ومن ورائه لكلّ أبناء الأجيال التي حرمت من معرفة الشيخ .
تم بحمد الله / كتبه حفيد الشيخ : الأستاذ : دليوح مصطفى محمّد