فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم - الصفحة 10 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة > أرشيف قسم الكتاب و السنة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2019-02-03, 16:12   رقم المشاركة : 136
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

كيف أعمل بمقتضى اسم الله تعالى " الأول ".

السؤال

كيف نعمل بمقتضى اسم الله تعالى : "الأول"؟

الجواب

الحمد لله

"الأول" من أسماء الله الحسنى .

قال تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) الحديد/ 3 .

و"الأول" هو : الذي ليس قبله شيء .

روى مسلم في صحيحه (2713) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَقُولُ: " اللهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى

وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ ، اللهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ،

وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْء ٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ ) .

والعمل بمقتضى هذا الاسم يكون بمعرفة سبق فضله سبحانه ورحمته، فيحسن العبد الظن بربه

ويلجأ إليه في كافة أمره ، ويقر بفقره وحاجته إلى ربه ، وغنى ربه ، مع واسع كرمه وفضله ، فيتحقق للعبد فقر اختياري ، وعبودية خاصة

قال ابن القيم رحمه الله:

" عبوديته باسمه (الأَول) : تقتضى التجرد من مطالعة الأسباب ، والوقوف عليها ، والالتفات إِليها، وتجريد النظر إِلى مجرد سبق فضله ورحمته، وأَنه هو المبتدئ بالإِحسان من غير وسيلة من العبد،

إِذ لا وسيلة له فى العدم قبل وجوده ، وأَى وسيلة كانت هناك ، وإِنما هو عدم محض، وقد أَتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً ؟!

فمنه سبحانه الإِعداد ، ومنه الإِمداد ، وفضله سابق على الوسائل ، والوسائل من مجرد فضله وجوده ، لم تكن بوسائل أُخرى .

فمن نزَّل اسمه الأَول على هذا المعنى أَوجب له فقراً خاصاً ، وعبودية خاصة .

وعبوديته باسمه (الآخر) : تقتضي أيضا عدم ركونه ووثوقه بالأسباب ، والوقوف معها ؛ فإنها تنعدم لا محالة وتنقضي بالآخرية ، ويبقى الدائم الباقي بعدها

فالتعلق بها تعلق بعدم وينقضي، والتعلق بالآخر سبحانه تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول ؛ فالمتعلق به حقيق أن لا يزول ولا ينقطع ، بخلاف التعلق بغيره مما له آخر يفنى به .

كذا نظر العارف إليه بسبق الأولية حيث كان قبل الأسباب كلها ، وكذلك نظره إليه ببقاء الآخرية حيث يبقى بعد الأسباب كلها ؛ فكان الله ولم يكن شيء غيره ، وكل شيء هالك إلا وجهه !!

فتأمل عبودية هذين الاسمين ، وما يوجبانه من صحة الاضطرار إلى الله وحده

ودوام الفقر إليه دون كل شيء سواه ، وأن الأمر ابتدأ منه ، وإليه يرجع ؛ فهو المبتدىء بالفضل حيث لا سبب ولا وسيلة ، وإليه تنتهي الأسباب والوسائل ؛ فهو أول كل شيء وآخره .

وكما أنه رب كل شيء وفاعله وخالقه وبارئه ، فهو إلهه وغايته التي لا صلاح له ولا فلاح ولا كمال إلا بأن يكون وحده غايته ونهايته ومقصوده .

فهو الأول الذي ابتدأت منه المخلوقات ، والآخر الذي انتهت إليه عبوديتها وإرادتها ومحبتها . فليس وراء الله شيء يقصد ويعبد ويُتأله ، كما أنه ليس قبله شيء يُخلق ويُبرأ .

فكما كان واحدا في إيجادك ، فاجعله واحدا في تألهك إليه ؛ لتصح عبوديتك .

وكما ابتدأ وجودك ، وخلقك منه ؛ فاجعله نهاية حبك وإرادتك ، وتألهك إليه ، لتصح لك عبوديته باسمه ( الأول والآخر ) .
وأكثر الخلق تعبدوا له باسمه الأول ؛ وإنما الشأن في التعبد له باسمه الآخر ؛ فهذه عبودية الرسل وأتباعهم ، فهو رب العالمين ، وإله المرسلين ، سبحانه وبحمده" .

انتهى من " طريق الهجرتين " (ص 19-20) .

ومن أهم ما ينبغي العمل به ، بمقتضى أسمائه الحسنى سبحانه : سؤاله بها ، والتوسل إليه بها ، كما قال تعالى : ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) الأعراف/180 .

وهذا من تمام عبوديته سبحانه ، وتمام الفقر إليه .

والله تعالى أعلم .








 


قديم 2019-02-03, 16:17   رقم المشاركة : 137
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قول الله تعالى : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ).

السؤال

سمعت من بعض المشايخ أن القران سهل في حفظه ، وأنا أريد أن أعرف كيف ذلك وهو ليس نثرا ، وليس شعرا ، ويوجد فيه ألفاظ صعبة وغريبة لم أجدها في الكتب العربية ، ولم أعرف ما المقصد منها مثل ( ألم، كهيعص)

وكذلك نفس القصة تكون في أكثر من سياق ، ويوجد آيات كثيرة متشابهة ، وتختلف في أشياء بسيطة جدا ، وأيضاً تركيب النصوص القرآنية مختلف عن تركيب النصوص في الكتب ، ويوجد كتب كثيرة سهلة

وممتعة في قراءتها ، ولا يوجد فيها هذا التعقيد، أرجو الإجابة على سؤالي ، فأنا أريد أن أزداد علما، وأنا أريد أن أحفظ القرآن ؟


الجواب

الحمد لله

يقول الله عز وجل في كتابه العزيز : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) القمر/ 17 ، قال ابن كثير رحمه الله :
" أَيْ: سَهَّلْنَا لَفْظَهُ، وَيَسَّرْنَا مَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَهُ ، لِيَتَذَكَّرَ النَّاسُ " .

انتهى من " تفسير ابن كثير" (7/ 478) .

وقال السعدي رحمه الله :

" أي : ولقد يسرنا وسهلنا هذا القرآن الكريم ، ألفاظه للحفظ والأداء ، ومعانيه للفهم والعلم ، لأنه أحسن الكلام لفظا، وأصدقه معنى ، وأبينه تفسيرا ، فكل من أقبل عليه ، يسر الله عليه مطلوبه غاية التيسير، وسهله عليه .

والذكر شامل لكل ما يتذكر به العاملون من الحلال والحرام ، وأحكام الأمر والنهي، وأحكام الجزاء والمواعظ والعبر، والعقائد النافعة والأخبار الصادقة .

ولهذا كان علم القرآن حفظا وتفسيرا، أسهل العلوم ، وأجلها على الإطلاق

وهو العلم النافع الذي إذا طلبه العبد أُعين علي ه، قال بعض السلف عند هذه الآية: هل من طالب علم فيعان عليه ؟ ولهذا يدعو الله عباده إلى الإقبال عليه والتذكر بقوله: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) " .

انتهى من " تفسير السعدي " (ص 825) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" المعنى: أن الله تعالى يسر القرآن، أي: يسر معانيه لمن تدبره ، ويسر ألفاظه لمن حفظه ، فإذا اتجهت اتجاهاً سليماً إلى القرآن للحفظ : يسره الله عليك، وإذا اتجهت اتجاهاً حقيقياً إلى التدبر وتفهم المعاني : يسره الله عليك "

انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (184/ 13) بترقيم الشاملة.

فالقرآن : حفظه وفهمه وتدبره ، يسير ، ولكن على من يسره الله عليه ، ممن أقبل على حفظه ، وأحب تلاوته ، ورغب في العلم.

أما من لم يُقبل على القرآن ، وأعرض عن تلاوته ، وانشغل عنه : فهذا لا ييسره الله عليه ، فيجد السهل صعبا ، وفي تكرار آياته مللا ، وفي غرائب بعض ألفاظه وحشة

فأين هذا ممن يقبل على تلاوته ، ويسعد بصحبته ، ويتلذذ بدوام مدارسته وقراءته ، ويسأل عما أشكل عليه ؛ فهذا هو الذي ييسره الله عليه ، ويجعله من أهله ، الذين هم أهل الله وخاصته .

وقد خفي على السائل جلال القرآن وحسن نظمه ، وجزالة ألفاظه ، وخضوع العالمين له

لانشغال قلبه بما ألقى الشيطان فيه من الوسواس ، وصعب عليه من السهل

وضيق عليه سعة القرآن ورحابته !! حتى راح يزعم أن في القرآن من التركيب والتعقيد ما يخالف ظاهر

قول الله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) ، أو أن فيه أشياء غريبة لم يجدها في كتب اللغة ، كالحروف المقطعة في أوائل السور .

وهذه الأحرف المقطعة : ذكر غير واحد من أهل العلم أنها ذكرت أوائل السور التي ذكرت فيها؛ بيانا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها .

انظر : "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/ 179).

فهذه الأحرف للإعجاز والتحدي ، وليست طلاسم وتراكيب غير مفهومة ، لإرادة التعقيد على الناس ، وإيهامهم بما لا علم لهم به .

وأما تكرار القصص القرآني : فهذا أيضا من الإعجاز البديع ، ومن محاسن الفصاحة، وهو صور متعددة في القرآن ، وليس فيه تكرار محض

بل لا بد من فوائد في كل خطاب ، من أنواع الاعتبار والاستدلال ، وتقرير النعم ، وتأكيد التذكير بها ، والتوكيد والإفهام ، وغير ذلك .

انظر جواب السؤالين القادمين لمعرفة أنواع التكرار في القرآن الكريم وفوائده والحكمة منه .

وكذلك الآيات المتشابهة في القرآن ، لم يحصل التشابه عبثا

ولا لإرادة التعقيد على الناس ، والتعسير عليهم ، وإنما لحكم وفوائد عظيمة ، كما يظهر من الاطلاع على فوائد التكرار ، والحكمة منه ، في جواب السؤالين المشار إليهما آنفا .

ومن ذلك :

مزيد البيان والتفصيل ، وتأكيد التحدي الذي جاء به القرآن ، وتنوع اللفظ في صورة بيانية فصيحة معجزة تأخذ بالألباب وتحير العقول .

ومن أحب كتاب الله وأحب تلاوته ، وأقبل عليه : فتح الله له ما شاء من هذه العلوم ، ويسر عليه حفظه وتدبره .
وأما من لم يقبل على كتاب الله ، ورأى في التكرار مللا وتعقيدا

انغلقت عليه أبواب الفتوح ، ولم ينعم بما ينعم الله به على أهل القرآن ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم :

( وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ) رواه مسلم (2699) .

أما الألفاظ الغريبة والصعبة : فهذا يقوله من يقوله لعدم علمه بلغة العرب التي نزل بها القرآن

ثم إن من جهل ذلك ، أو شيئا منه : أمكنه الاستعانة بكتب تفسير القرآن الكريم ، أو شرح ألفاظه ، وبيان معانيه : لمعرفة معنى الألفاظ التي لا يفهمها ولا يعرف معناها .

مع أن غالب ألفاظ القرآن سهلة معروفة ، يعلمها - ولو على سبيل الإجمال - أكثر الناس .

وأما اختلاف نصوص القرآن عن نصوص الكتب التي يدون فيها الشعر والنثر والأدب والقصة: فهذا لأن القرآن ليس من هذه الأصناف والأنواع المختلفة ، وإنما هو فريد في نوعه

لا يشبهه شيء من ذلك ، ولا يشبه هو هذه الأشياء ، وهذا من تمام عظمته وجلاله وبيانه وفصاحته وإعجازه .

وأما الكتب التي تصفها بأنها ممتعة فذلك في الغالب لأنها توافق هوى من يطلبها .

ومع ذلك : فإن هذه المتعة ستزول ، ويحل محلها الملل إذا كررت قراءة هذه الكتب عدة مرات

وهو ما لا يوجد في القرآن الكريم ، فكلما كررته ، وأكثرت من قراءته : زادت محبتك له ، وشوقك إليه ، وهذا أحد وجوه إعجاز القرآن الكريم .

ولو أنك أقبلت على القرآن ، وبدأت بحفظه : لتبين لك خطأ ما كنت تظنه ، وتبين لك أي حرمان كنت فيه ، وأي وهم عظيم كنت تعيشه ؟!!

فهناك عشرات الآلاف من الأطفال – أو أكثر – يحفظون القرآن الكريم عن ظهر قلب ، ومنهم من ليسوا عربا ، ولا يفهمون معناه ، إلا أن الله يسره عليهم ، وهو ما لا وجود له في أي كتاب في العالم .

فكيف يكون مثل ذلك صعبًا عسيرا ؟!

فأقبل يا عبد الله على كتاب ربك ، بقلب مفتوح ، وصدر منشرح ، وهمة عالية ، وإيمان صادق ، وشوق إلى كلام رب العالمين ، وتعظيم لمنزلته ، وادع الله جل في علاه : أن ييسر لك تدبره وحفظه

واسع في ذلك سعيا رشيدا ، والزم أحد شيوخه ، وابدأ في حفظه على يديه ، واستعن بالله ولا تعجز ، ودع عنك هذه الوساوس فإنها تمحق البركة وتذهب بالنعمة .

والله تعالى أعلم.









قديم 2019-02-03, 16:22   رقم المشاركة : 138
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

التكرار في القرآن الكريم أنواعه وفوائده

السؤال

أبحث في موضوع وهو: مظاهر التكرار في القرآن الكريم

الجواب

الحمد لله

هذه بعض المباحث اليسيرة في " التكرار في القرآن " ، وهي تتناسب مع طبيعة الموقع ، ويمكنك التوسع في الموضوع فيما نحيل عليه من مراجع ، ومن كتب علوم القرآن عموماً .

أولاً : تعريف التكرار لغة واصطلاحاً .

قال ابن منظور :

الكَرُّ : الرجوع ، يقال : كَرَّه وكَرَّ بنفسه ، يتعدّى ولا يتعدّى ، والكَرُّ مصدر كَرَّ عليه يَكُرُّ كرًّا ... والكَرُّ : الرجوع على الشيء ، ومنه التَّكْرارُ ... ( قال ) الجوهري : كَرَّرْتُ الشيء تَكْرِيراً وتَكْراراً .

" لسان العرب " ( 5 / 135 ) .

التكرار في الاصطلاح : تكرار كلمة أو جملة أكثر من مرة لمعاني متعددة كالتوكيد ، والتهويل ، والتعظيم ، وغيرها .
ثانياً :التكرار من الفصاحة .

اعترض بعض من لا يفقه لغة العرب فراح يطعن بالتكرار الوارد في القرآن

وظن هؤلاء أن هذا ليس من أساليب الفصاحة ، وهذا من جهلهم ، فالتكرار الوارد في القرآن ليس من التكرار المذموم الذي لا قيمة له – كما سيأتي تفصيله – والذي يرد في كلام من لا يحسن اللغة أو لا يحسن التعبير .

قال السيوطي – رحمه الله - :

التكرير وهو أبلغ من التأكيد ، وهو من محاسن الفصاحة خلافاً لبعض من غلط .

" الإتقان في علوم القرآن " ( 3 / 280 ) طبعة مؤسسة النداء .

ثالثاً :أنواع التكرار .

قسَّم العلماء التكرار الوارد في القرآن إلى نوعين :

أحدهما : تكرار اللفظ والمعنى .

وهو ما تكرر فيه اللفظ دون اختلاف في المعنى ، وقد جاء على وجهين : موصول ، ومفصول .

أما الموصول : فقد جاء على وجوه متعددة : إما تكرار كلمات في سياق الآية ، مثل قوله تعالى (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ) المؤمنون/36 ، وإما في آخر الآية وأول التي بعدها

مثل قوله تعالى ( وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا . قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً ) الإنسان/15

16 ، وإما في أواخرها ، مثل قوله تعالى ( كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً ) الفجر/21 ، وإما تكرر الآية بعد الآية مباشرة ، مثل قوله تعالى ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) الشرح/5 ، 6 .

وأما المفصول : فيأتي على صورتين : إما تكرار في السورة نفسها ، وإما تكرار في القرآن كله
.
مثال التكرار في السورة نفسها : تكرر قوله تعالى ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) في سورة " الشعراء " 8 مرات ، وتكرر قوله تعالى ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ) في سورة " المرسلات " 10 مرات

وتكرر قوله تعالى ( فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) في سورة " الرحمن " 31 مرة .

ومثال التكرار في القرآن كله : تكرر قوله تعالى ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) 6 مرات : في " يونس " ( 48 ) و "الأنبياء" ( 38 ) و " النمل " ( 71 ) و "سبأ" ( 29 ) و " يس " ( 48 )

و " الملك " ( 25 ) ، وتكرر قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) مرتين : في " التوبة " ( 73 ) و " التحريم " ( 9 ) .

والثاني : التكرار في المعنى دون اللفظ .

وذلك مثل قصص الأنبياء مع أقوامهم ، وذِكر الجنة ونعيمها ، والنار وجحيمها .

رابعاً : فوائد التكرار

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

وليس في القرآن تكرار محض ، بل لابد من فوائد في كل خطاب .

" مجموع الفتاوى " ( 14 / 408 ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله

– في التعليق على تكرار قصة موسى مع قومه - :

وقد ذكر الله هذه القصة في عدة مواضع من القرآن ، يبين في كل موضع منها من الاعتبار والاستدلال نوعاً غير النوع الآخر ، كما يسمَّى اللهُ ورسولُه وكتابُه بأسماء متعددة ، كل اسم يدل على معنى لم يدل عليه الاسم الآخر

وليس في هذا تكرار ، بل فيه تنويع الآيات مثل أسماء النبي صلى الله عليه وسلم إذا قيل : محمد

وأحمد ، والحاشر ، والعاقب ، والمقفى ، ونبي الرحمة ، ونبي التوبة ، ونبي الملحمة ، في كل اسم دلالة على معنى ليس في الاسم الآخر ، وإن كانت الذات واحدة فالصفات متنوعة .

وكذلك القرآن إذا قيل فيه : قرآن ، وفرقان ، وبيان ، وهدى ، وبصائر ، وشفاء ، ونور ، ورحمة ، وروح : فكل اسم يدل على معنى ليس هو المعنى الآخر .

وكذلك أسماء الرب تعالى إذا قيل : الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار

المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصور : فكل اسم يدل على معنى ليس هو المعنى الذي في الاسم الآخر ، فالذات واحدة ، والصفات متعددة ، فهذا في الأسماء المفردة .

وكذلك في الجمل التامة ، يعبَّر عن القصة بجُمَل تدل على معانٍ فيها ، ثم يعبر عنها بجُمَل أخرى تدل على معانٍ أُخَر ، وإن كانت القصة المذكورة ذاتها واحدة فصفاتها متعددة

ففي كل جملة من الجُمَل معنًى ليس في الجُمَل الأُخَر .

" مجموع الفتاوى " ( 19 / 167 ، 168 ) .

وقال السيوطي – رحمه الله - :

وله – أي : التكرار - فوائد

منها : التقرير ، وقد قيل " الكلام إذا تكرَّر تقرَّر " ، وقد نبه تعالى على السبب الذي لأجله كرر الأقاصيص والإنذار في القرآن بقوله ( وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ) .

ومنها : التأكيد .

ومنها : زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول ، ومنه ( وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ . يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ ) ، فإنه كرر فيه النداء لذلك .

ومنها : إذا طال الكلام وخشي تناسي الأول أعيد ثانيها تطرية له وتجديداً لعهده ، ومنه (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا )

(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا )

( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) إلى قوله ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) ، ( لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ )

(إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ ) .

ومنها : التعظيم والتهويل نحو ( الْحَاقَّةُ . مَا الْحَاقَّةُ ) ، ( الْقَارِعَةُ . مَا الْقَارِعَةُ ) ، (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ) .
" الإتقان في علوم القرآن " ( 3 / 281 ، 282 ) طبعة مؤسسة النداء .

خامساً : فوائد تكرار بعض القصص والآيات

1. قال أبو الفرج ابن الجوزي – رحمه الله - :

فإن قيل : ما الفائدة في تكرار قوله : ( فبأيِّ آلاء ربِّكما تُكذِّبانِ ) ؟ .

الجواب : أن ذلك التكرير لتقرير النِّعم وتأكيد التذكير بها ، قال ابن قتيبة : من مذاهب العرب التكرار للتوكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار للتخفيف والإيجاز ؛ لأن افتنان المتكلِّم والخطيب في الفنون أحسن من اقتصاره

في المقام على فنٍّ واحدٍ ، يقول القائل منهم : واللهِ لا أفعله ، ثم واللهِ لا أفعله

إذا أراد التوكيد وحسم الأطماع مِنْ أنْ يفعله ، كما يقول : واللهِ أفعلُه ، بإضمار " لا " إذا أراد الاختصار ، ويقول القائل المستعجِل : اعْجَل اعْجَل ، وللرامي : ارمِ ارمِ ،
... .
قال ابن قتيبة : فلمّا عَدَّد اللهُ تعالى في هذه السورة نعماءَه ، وأذكَرَ عِبَادَه آلاءَه ، ونبَّههم على قُدرته ، جعل كل كلمة من ذلك فاصلة بين كل نِعمتين ، ليُفَهِّمهم النِّعم ويُقَرِّرهم بها

كقولك للرجل : أَلم أُبَوِّئْكَ مَنْزِلاً وكنتَ طريداً ؟ أفتُنْكِرُ هذا ؟ ألم أحُجَّ بك وأنت صَرُورَةٌ [ هو من لم يحج قط ] ؟ أفَتُنْكِرُ هذا ؟

. " زاد المسير " ( 5 / 461 ) .

2. قال القرطبي – رحمه الله - :

وأما وجه التكرار – أي : قل يا أيها الكافرون - فقد قيل إنه للتأكيد في قطع أطماعهم ، كما تقول : والله لا أفعل كذا ، ثم والله لا أفعله .

قال أكثر أهل المعاني : نزل القرآن بلسان العرب ، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز ؛ لأن خروج الخطيب والمتكلم من شيء إلى شيء

أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد ، قال الله تعالى : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ، ( ويل يومئذ للمكذبين ) ، ( كلا سيعلمون . ثم كلا سيعلمون ) ،

و ( فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا ) : كل هذا على التأكيد .

" تفسير القرطبي " ( 20 / 226 ) .

والله أعلم









قديم 2019-02-03, 16:26   رقم المشاركة : 139
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الحكمة في اختلاف اللفظ القرآني للحدث أو الموقف

السؤال


ما هو سبب اختلاف اللفظ القرآني لنفس الحدث أو الموقف على لسان قائليه ، مثال ذلك قصة إبليس عليه لعنة الله ، في سورة الأعراف يقول إبليس : (..

. قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) آية/2، بينما في سورة الحجر يقول :

( قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون ) آية/33. فلماذا اختلف النصان هنا مع العلم بأن الموقف واحد ؟

وأمثلة هذا كثيرة في القرآن الكريم.


الجواب

الحمد لله


أولا :

لا بد أن نعرف في بداية الجواب أن الكلام المحكي في القرآن الكريم على ألسنة المتكلمين إنما هو بالمعنى وليس باللفظ ، وذلك لدليلين ظاهرين :

1-أن القرآن كلام الله ، وليس كلام أحد من المخلوقين

ولما كان كذلك كانت الأقوال المحكية على ألسنة المتكلمين بها من الناس والدواب ، هي من كلام الله ، يقص به أخبار الأولين ، وينقل كلامهم . فهي تنسب إليهم باعتبار مضمون الكلام ومعناه .

2-أن لغات الأمم السابقة لم تكن هي العربية الواردة في القرآن الكريم ، وبذلك نجزم أن الكلام المنقول على ألسنتهم إنما هو كلام الله عز وجل ، متضمنا معاني كلام المذكورين من الأمم السابقة .

جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (4/6-7) :

" الكلام يطلق على اللفظ والمعنى ، ويطلق على كل واحد منهما وحده بقرينة .

وناقله عمن تكلم به من غير تحريف لمعناه ولا تغيير لحروفه ونظمه : مُخبِرٌ مُبَلِّغٌ فقط ، والكلام إنما هو لِمَن بدأه .

أمَّا إن غيَّر حروفه ونظمه مع المحافظة على معناه ، فينسب إليه اللفظ : حروفه ومعناه ، وينسب من جهة معناه إلى من تكلم به ابتداءً .

ومن ذلك ما أخبر الله به عن الأمم الماضية ، كقوله تعالى : ( وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ) غافر/27، وقوله : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ) غافر/36.

فهاتان تسميان قرآناً ، وتنسبان إلى الله كلاماً له باعتبار حروفهما ونظمهما ؛ لأنهما من الله لا من كلام موسى وفرعون ؛ لأن النظم والحروف ليس منهما .

وتنسبان إلى موسى وفرعون باعتبار المعنى ، فإنه كان واقعاً منهما .

وهذا وذاك قد علمهما الله في الأزل وأمر بكتابتهما في اللوح المحفوظ

ثم وقع القول من موسى وفرعون بلغتهما طبق ما كان في اللوح المحفوظ ، ثم تكلم الله بذلك بحروف أخرى ونظم آخر في زمن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فنسب إلى كلٍّ منهما باعتبار .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن قعود " انتهى.

ثانيا :

أسلوب تكرار العبارة والقصة في القرآن الكريم ، ولكن في سياقات مختلفة وألفاظ مترادفة : هو من سمات القصص القرآني الظاهرة ، حيث يتكرر ذكر القصة الواحدة في كثير من السور

وفي كل مرة يتنوع السياق ، ويتعدد الأسلوب ، وترد القصة بعبارات جديدة ، تفتح آفاقا للمعاني والفوائد ، وأنماطا متنوعة من أساليب البلاغة والبيان

ولذلك عد العلماء والمفسرون هذا التنوع في اللفظ والعبارة من مظاهر الفصاحة والبيان ، ونصوا على أن من مقاصد القصص القرآني تفريق الحدث الواحد في سياقات مختلفة

بل وألفوا في هذا الفن مؤلفات خاصة ، منها كتاب " المقتنص في فوائد تكرار القصص " لبدر الدين بن جماعة

كما ذكر ذلك السيوطي في " الإتقان " (2/184)

يقول الزركشي رحمه الله :

" إبراز الكلام الواحد في فنون كثيرة وأساليب مختلفة لا يخفى ما فيه من الفصاحة " انتهى.

" البرهان في علوم القرآن " (3/26)

وإذا رحنا نعدد الفوائد التي يضفيها هذا الأسلوب على مجمل ما في القرآن الكريم لعددنا شيئا كثيرا ، ولكنا نذكر ههنا بعض هذه الفوائد :

1-زيادة بعض التفاصيل التي لم تذكرها الآيات من قبل ، والمثال الوارد في السؤال واحد من صور هذه الفوائد

فقد زادت الآيات في سورة الحجر قيدا في وصف الأصل الذي خلق منه آدم عليه السلام ، وهو كونه من صلصال من حمإ مسنون ، في حين لم تذكر ذلك آيات سورة الأعراف المتعلقة بالقصة .

2-تأكيد التحدي الذي جاء به القرآن لمشركي العرب أن يأتوا بشيء من مثله ، فقد كشف هذا التنوع في العبارة عن عجزهم عن الإتيان بمثله بأي نظم جاء ، وبأي عبارة عبَّروا .

3-إذهاب السآمة والملل عن القصة ، وذلك أن العرض الجديد يشد الأسماع ، ويلفت الأنظار

ويبقي صلة المتعة والفائدة بين القارئ والنص المقدس ، وهذا من المقاصد العظيمة أيضا ، " فيجد البليغ ميلا إلى سماعها ، لما جبلت عليه النفوس من حب التنقل في الأشياء المتجددة التي لكل منها حصة من الالتذاذ "

4-" ظهور الأمر العجيب في إخراج صور متباينة في النظم بمعنى واحد ، وقد كان المشركون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم يعجبون من اتساع الأمر في تكرير هذه القصص والأنباء مع تغاير النظم

وبيان وجوه التأليف ، فعرفهم الله سبحانه أن الأمر بما يتعجبون منه مردود إلى قدرة من لا يلحقه نهاية ، ولا يقع على كلامه عدد"

5-التناسق مع الموضوع والمناسبة التي وردت القصة لأجلها ، فأحيانا تقتضي هذه المناسبة إبراز معنى في الحوار الدائر لم يكن من الضروري إبرازه في مناسبة أخرى وردت فيها القصة

وهذه الفائدة باب واسع من أبواب اكتشاف بحور بلاغة القرآن وإعجازه ، وأمثلتها التفصيلية موجودة في بطون كتب التفسير .

يمكن الاطلاع على هذه الفوائد وغيرها في كتاب " البرهان في علوم القرآن " (3/26-29)

يقول الدكتور فضل حسن عباس حفظه الله:

" المنهج القصصي في القرآن الكريم هو المنهج البديع المعجز ، حيث ذكرت القصة في سور كثيرة ، وإن خصت بعض السور بذكر حدث واحد ، ثم توزعت هذه المشاهد والأحداث على السور التي ذكرت فيها القصة

قلت أم كثرت ، بحيث تجد في كل سورة ما لا تجده في غيرها ، وبحيث يذكر في كل سورة ما يتلاءم مع موضوعها وسياقها ، وبحيث تذكر القصة في السورة في الموضع الذي اختيرت له والذي اختير لها " انتهى.

" القصص القرآني " (ص/81)

والله أعلم .









قديم 2019-02-03, 16:33   رقم المشاركة : 140
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

معنى المعية في قوله تعالى : (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ ... ) .

السؤال

يقول الله في القرآن : (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (الآية 69، سورة النساء) ، فحسب هذه الآية فمن يطع الله ورسوله سيكون

في المنزلة نفسها في الجنة مع هؤلاء الأصناف المذكورة، وفي القرآن يتكلم الله صراحةً عن الجنة التي أعدها للمقربين ، ويتكلم عن الجنة التي أعدها لأصحاب اليمين ،والوصفان غير متطابقين

فالجنة التي أٌعدت للمقربين خيرٌ من الجنة التي أٌعدت لأصحاب اليمين ، وأصحاب اليمين هم من يطيعون الله ورسوله ، ربما ليسوا جميعًا ولكن كثيرًا منهم ، لذا فمن المفترض أن يكونوا في رفقة هؤلاء الأصناف من الناس الذين

أعدت لهم المنازل العليا من الجنة وفقًا للآية ، فكيف تكون الجنة التي أعدت لهم أقل منزلةً من الجنة التي أعدت للمقربين ؟ ألا يفترض أن يكونوا في المنزلة نفسها ؟ وهل سيكونون في المنزلة نفسها، ولكن تكون

لهم أشياءً مختلفة ؟

وإن كان الإجابة بـ نعم ، فهل يسري الأمر نفسه على أفراد العائلة ؟

عندما يلتحقون بالمنزلة نفسها لأفراد عائلتهم الذي هم أعلى منهم منزلةً

فهل تكون لهم أشياء أقل حتى وإن كانوا في المنزلة نفسها ؟


الجواب

الحمد لله

أولا :

يقول الله عز وجل في كتابه العزيز :( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) النساء/ 69 .

يقال في اللغة العربية : (مع) لكل من اشترك مع غيره في أمرٍ ما ، ولا يلزم من ذلك اشتراك الطرفين في جميع الأمور .
وعلى هذا

فلا يلزم من المعية في الآية الكريمة المذكورة أن يكون الجميع في درجة واحدة في الجنة ، وإنما المراد :

اشتراكهم جميعا في دخول الجنة والتنعم بنعيمها ، وإن كان لكل واحد من المؤمنين درجته التي أنزله الله إياها حسب عمله .

قال القرطبي رحمه الله :

" أَيْ هُمْ مَعَهُمْ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ ، وَنَعِيمٍ وَاحِدٍ ، يَسْتَمْتِعُونَ بِرُؤْيَتِهِمْ وَالْحُضُورِ مَعَهُمْ ، لَا أَنَّهُمْ يُسَاوُونَهُمْ فِي الدَّرَجَةِ ، فَإِنَّهُمْ يَتَفَاوَتُونَ ، وَكُلُّ مَنْ فِيهَا قَدْ رُزِقَ الرِّضَا بِحَالِهِ "
.
انتهى من " تفسير القرطبي "(5/ 272):

وقال ابن عاشور رحمه الله :

" الْمَعِيَّةُ مَعِيَّةُ الْمَنْزِلَةِ فِي الْجَنَّةِ ، وَإِنْ كَانَتِ الدَّرَجَاتُ مُتَفَاوِتَةً " .

انتهى من " التحرير والتنوير " (5/ 116) .

وقال الحافظ الذهبي رحمه الله :

" عن ابن عمر - مرفوعاً: ( التاجر الصدوق الأمين المسلم مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة) وهو حديث جيد الإسناد، صحيح المعنى ، ولا يلزم من المعية أن يكون في درجتهم.

ومنه قوله تعالى : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا )"

انتهى من " ميزان الاعتدال " (3/ 413).

ومثل هذا ما رواه البخاري (3688) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ ؟ ، قَالَ: (وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا)

قَالَ: لاَ شَيْء َ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ: ( أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)

قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ ".

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" الْمَعِيَّة تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الِاجْتِمَاعِ فِي شَيْءٍ مَا، وَلَا تَلْزَمُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، فَإِذَا اتَّفَقَ أَنَّ الْجَمِيعَ دَخَلُوا الْجَنَّةَ ، صَدَقَتِ الْمَعِيَّةُ، وَإِنْ تَفَاوَتَتِ الدَّرَجَاتُ "

انتهى من " فتح الباري" (10/ 555).

والمؤمنون جميعا مشتركون بأنهم معًا في الجنة ، وإن كانت درجاتهم متفاوتة

قال تعالى : ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) الواقعة/ 7 – 12 .

وروى البخاري (3256) ، ومسلم (2831) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: ( إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ

مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ)، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قَالَ: (بَلَى ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ) ".

ثانيا :

لا شك أن الأنبياء والصديقين ، والشهداء والصالحين ، والمقربين ، وأصحاب اليمين ، لا شك أن هؤلاء جميعا من أصناف المؤمنين ، وأولياء الله الصالحين

وأن الجميع من أهل طاعة الله وطاعة رسوله ؛ إلا أن نفس الإيمان يتفاوت ، وتتفاوت درجته بحسب ما في قلوب العباد ، ويتفاوت أهله أيضا بحسب أعمالهم

فليست طاعة الله وطاعة رسوله على منزلة واحدة ، من نالها ، لم يسبقه أحد ، ولم يتأخر عنه أحد من أهل الطاعة ؛ إنما هؤلاء جميعا درجات عند ربهم؛ وقد جعل الله لكل شيء قدرا

قال الله تعالى : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) البقرة/253 ؛ فإذا كان التفاضل حاصلا في درجات الرسل المكرمين ، فكيف بغيرهم من عوام المؤمنين والصالحين ؟!

وقال الله تعالى : ( لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ

دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) النساء/95-96 .

وقال الله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ

عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) الأنفال/2-4 .

قال الواحدي رحمه الله :

" وقوله تعالى: لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ قال عطاء: يعني درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم . ونحو هذا قال أهل المعاني: لهم مراتب بعضها أعلى من بعض على قدر أعمالهم " .

انتهى من "البسيط" (10/24) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" وَقَوْلُهُ: لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ أَيْ: مَنَازِلُ وَمَقَامَاتٌ وَدَرَجَاتٌ فِي الْجَنَّاتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ آلِ عِمْرَانَ/ 163.

وَمَغْفِرَةٌ أَيْ: يَغْفِرُ لَهُمُ السَّيِّئَاتِ، وَيَشْكُرُ لَهُمُ الْحَسَنَاتِ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ: لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ، فَيَرَى الَّذِي هُوَ فَوْقُ فَضْلَهُ عَلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ، وَلَا يَرَى الَّذِي هُوَ أسفلُ أَنَّهُ فُضّل عَلَيْهِ أَحَد" .

انتهى من "تفسير ابن كثير" (4/13) .

ثالثا :

مما يتفضل الله به على عباده المؤمنين : أنه يلحق الأولاد والزوجات بالآباء والأزواج في درجاتهم ، وإن لم يبلغوها بأعمالهم ، لتقر بهم أعينهم

فقال تعالى :

( رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) غافر/ 8 .

قال الطبري رحمه الله :

" يقول : وأدخل مع هؤلاء الذين تابوا( وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ) جنات عدن ، من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ، فعمل بما يرضيك عنه من الأعمال الصالحة في الدنيا .

وذُكِر أنه يُدخَل مع الرجل أبواه وولده وزوجته الجنة، وإن لم يكونوا عملوا عمله ، بفضل رحمة الله إياه "

انتهى "تفسير الطبري" (21 /356-357) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" وقوله : ( وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ) أي : يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها ، من الآباء والأهلين والأبناء ، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين ؛ لتقر أعينهم بهم

حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى ، من غير تنقيص لذلك الأعلى عن درجته ، بل امتنانًا من الله وإحسانا

كما قال تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شِيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) "

انتهى "تفسير ابن كثير" (4 /451) .

وينظر للأهمية حول تفصيل ذلك ، وتحرير المقام فيه :

جواب السؤالين القادمين

والله أعلم.









قديم 2019-02-03, 16:37   رقم المشاركة : 141
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل تجتمع الأسرة بأفرادها في الجنة ؟

السؤال

هل يلقى المسلم أو يجتمع مع مَن مات أو فقدهم مِن أولاده يوم القيامة ، وكيف يكون اللقاء ، هل على نفس الشاكلة العائلية التي هي عليها في الحياة الدنيا ؟

أرجو أن توضحوا لي بشكل مفصل ، وبارك الله فيكم .


الجواب

الحمد لله

أولا :

الجنة دار الكرامة التي أعدها الله تعالى لعباده المؤمنين ، فيها من النعيم والسعادة ما لا يخطر على بال بشر ، ولا يبلغه خيال أحد ، فمن دخلها فقد سعد السعادة الحقيقية الأبدية ، وفاز فوزا عظيما .

قال الله عز وجل : ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) السجدة/17

ومن السعادة التي تكفل الله بها لعباده المؤمنين أن يجمع شمل الأسرة الواحدة ، الوالدين والأولاد

بعد دخولهم الجنة جميعا برحمة الله ، وشفاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، جاء هذا الوعد في كتاب الله الكريم ، آيات تتلى إلى يوم القيامة ، حيث يقول عز وجل :

( وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) الطور/21

قال ابن عباس في تفسير هذه الآية :

" إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه ، ثم قرأ :

( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء ) "

انتهى . رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"

وابن أبي الدنيا في "العيال" (رقم/357) وغيرهم .

وانظر للتوسع: تفسير ابن جرير الطبري (22/467)

وهذا الوعد مصداق ما جاء أيضا في قوله عز وجل : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ) الرعد/23

وقوله تعالى : ( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ) الزخرف/70

قال الحافظ ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (4/451) :

" وقوله تعالى : ( ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ) أي : يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء ، والأهلين ، والأبناء ، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين ؛ لتقر أعينهم بهم

حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى ، من غير تنقيص لذلك الأعلى عن درجته

بل امتنانا من الله وإحسانا ، كما قال تعالى : ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين ) " انتهى.

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (المجموعة الثانية، 2/409) :

" السؤال : هل نلتقي مع أبنائنا في الآخرة ، وكلنا أمل في ذلك ؟

نأمل منكم شرح هذا الموضوع ، وأرشدونا إلى كل ما ترونه خيرا . فجزاكم الله خير الجزاء .

فكان الجواب :

الله جل وعلا أخبر أنه بفضله ومنه وكرمه يلحق ذرية المؤمنين بآبائهم في المنزلة وإن لم يبلغوا منزلتهم في العمل ، فقال جل شأنه : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ

مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) " انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى نور على الدرب" (العقيدة/ الإيمان باليوم الآخر) :

" إذا دخل أحد الجنة هل يتعرف على أقاربه ؟ نعم يتعرف على أقاربه وغيرهم من كل ما يأتيه سرور قلبه ؛ لقول الله تعالى : ( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) بل إن الإنسان يجتمع

بذريته في منزلةٍ واحدة إذا كانت الذرية دون منزلته ، كما قال تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِين ) " انتهى.

ثانيا :

ينبغي أن يفرق هنا بين أمرين :

الأول : تزاور أهل الجنة ، وتعارفهم ، ولقاؤهم فيما بينهم وهم في جنات النعيم ، فهذا من تمام نعيم أهل الجنة ، ولا مانع من أن يزور الأدنى منزلة في الجنة ، من هو فوقه فيها ، كما أن ذلك حاصل في الدنيا .

قال تعالى : ( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ *

قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ *

وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ) الصافات/50-61 .

قال ابن كثير رحمه الله :

" يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهُ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، أَيْ: عَنْ أَحْوَالِهِمْ، وَكَيْفَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا، وَمَاذَا كَانُوا يُعَانُونَ فِيهَا؟ وَذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهِمْ عَلَى شَرَابِهِمْ، وَاجْتِمَاعِهِمْ فِي تُنَادِمِهِمْ وَعِشْرَتِهِمْ

فِي مَجَالِسِهِمْ، وَهُمْ جُلُوسٌ عَلَى السُّرُرِ، وَالْخَدَمِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، يَسْعَوْنَ وَيَجِيئُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ عَظِيمٍ، مِنْ مَآكِلَ وَمُشَارِبَ وَمَلَابِسَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. " .

انتهى من "تفسير ابن كثير" (7/15) .

وينظر : "حادي الأرواح" لا بن القيم (1/259-263) .

وأما الجمع بين الأبناء والآباء ، أو غيرهم من الأهل ، لينزلوا منزلة واحدة في الجنة ، على وجه الدوام

فالأظهر ـ والله أعلم ـ أن ذلك خاص بمن مات صغيرا من الذرية والأبناء ؛ فيمن الله على آبائهم في الجنة ، ويرفع أبناءهم إلى منزلتهم ، لتقر أعينهم بأبنائهم فيها .

قال ابن القيم رحمه الله ، بعد حكاية الخلاف في هذه المسألة :

" واختصاص الذرية هاهنا بالصغار أظهر لئلا يلزم استواء المتأخرين بالسابقين في الدرجات ولا يلزم مثل هذا في الصغار فان أطفال كل رجل وذريته معه في درجته والله اعلم "

انتهى من "حادي الأرواح" (398) .

وهذا هو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أيضا

. ينظر: "الباب المفتوح" (161/4) .

والله أعلم .









قديم 2019-02-03, 16:41   رقم المشاركة : 142
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

هل الرفع لدرجة الآباء في الجنة يكون للذرية جميعها صغارها وكبارها ؟

السؤال

قرأتُ أنه من كرم الله سبحانه وتعالى أنه يرفع درجة الأبناء في الجنة إلى درجة آبائهم الأعلى منهم , وعلى هذا الأمر فإن أبناء الصحابة سترفع درجتهم لدرجة آبائهم ، والأحفاد لدرجة الآباء

وهكذا كل جيل يرفع الجيل التالي حتى يصل الأمر لجيلنا فنرتفع لدرجة الصحابة إذا كنا أحفادهم ، مما قد يسبب التهاون بالعمل ونعتمد على هذا الكرم الإلهي ، فما رأيكم ؟


الجواب

الحمد لله

هذا الإشكال الوارد في السؤال يرد عند الحديث على قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) الطور/21

وقد اختلف أهل التفسير في لفظ " الذرية " هل يراد به : الصغار ، أو الكبار ، فأما من قال إن المراد به الصغار ، فلا إشكال عنده في معنى الآية

وإنما يرد الإشكال في حال كون معنى " الذرية " : الكبار ، والراجح في تفسيرها أنهم الصغار ، وعليه : فلا يرد ما استشكله الأخ السائل ، فالرفع للذرية الصغار ، وإلا للزم كون جميع أهل الجنة في درجة واحدة .

1. قال ابن قيم الجوزية رحمه الله :

" وقد اختلف المفسرون في " الذرية " في هذه الآية ، هل المراد بها : الصغار ، أو الكبار ، أو النوعان ، على ثلاثة أقوال . ..
..
ثم قال :

واختصاص " الذرية " ههنا بالصغار : أظهر ؛ لئلا يلزم استواء المتأخرين بالسابقين في الدرجات ، ولا يلزم مثل هذا في الصغار ؛ فإن أطفال كل رجل وذريته معه في درجته ، والله أعلم " انتهى .

"حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" (ص 279-281) باختصار .

2. قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :

" إذا كان الأولاد سعداء ، والأب من السعداء : فإن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه :

( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) يعني : أن الإنسان إذا كان له ذرية ، وكانوا من أهل الجنة :

فإنهم يَتبعون آباءهم ، وإن نزلت درجتُهم عن الآباء ، ولهذا قال : ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ ) أي : ما نقصنا الآباء ( مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) بل الآباء بقي ثوابهم موفَّراً ، ورُفعت الذرية إلى مكان آبائها

هذا ما لم يَخرج الأبناء عن الذرية بحيث ينفردون بأزواجهم ، وأهليهم ، فيكون هؤلاء لهم فضلهم الخاص ، ولا يلحقون بآبائهم ؛ لأننا لو قلنا : كل واحد يلحق بأبيه ولو كان له أزواج

أو كان منفرداً بنفسه : لكان أهل الجنة كلهم في مرتبة واحدة ؛ لأن كل واحد من ذرية من فوقه

لكن المراد بالذرية : الذين كانوا معه ، ولم ينفردوا بأنفسهم ، وأزواجهم ، وأولادهم ، فهؤلاء يرفعون إلى منزلة آبائهم ، ولا يُنقص الآباء من عملهم من شيء " انتهى .

"فتاوى نور على الدرب" ( شريط 324 ، وجه : أ ) .

3. وقال رحمه الله - أيضاً -
:
" ثم قال عز وجل : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) الطور/21

الذين آمنوا واتبعتهم الذرية بالإيمان ، والذرية التي يكون إيمانها تبعاً : هي الذرية الصغار ، فيقول الله عز وجل : ( أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) أي : جعلنا ذريتهم تلحقهم في درجاتهم .

وأما الكبار الذين تزوجوا : فهم مستقلون بأنفسهم في درجاتهم في الجنة ، لا يلحقون بآبائهم

لأن لهم ذرية ، فهم في مقرهم ، أما الذرية الصغار التابعون لآبائهم : فإنهم يرقَّون إلى آبائهم ، هذه الترقية لا تستلزم النقص من ثواب ودرجات الآباء

ولهذا قال : ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) ، ( ألتناهم ) يعني : نقصناهم ، يعني : أن ذريتهم تلحق بهم

ولا يقال أخصم من درجات الآباء بقدر ما رفعتم درجات الذرية ، بل يقول : ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) " انتهى
.
"تفسير القرآن من الحجرات إلى الحديد" (ص 187) .

والله أعلم


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









قديم 2019-02-03, 19:56   رقم المشاركة : 143
معلومات العضو
بـــيِسَة
مشرفة الخيمة
 
الصورة الرمزية بـــيِسَة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

سلام

كلام راقي رائع مهم وجميل

بارك الله فيك


تحياتي










قديم 2019-02-05, 15:03   رقم المشاركة : 144
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بيسة26 مشاهدة المشاركة
سلام

كلام راقي رائع مهم وجميل

بارك الله فيك


تحياتي
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

كل الشكر و التقدير لحضورك الطيب مثلك
و في انتظار مرورك العطر دائما

بارك الله فيكِ
و جزاكِ الله عنا كل خير









قديم 2019-02-05, 15:09   رقم المشاركة : 145
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



تضمين معنى قول الله تعالى عن نبيه موسى عليه السلام : ( فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) في دعاء قضاء الحاجات.

السؤال

ما تفسير الآية ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) ؟ وهل يجوز دمجها مع أدعية قضاء الحاجة ؟

الجواب

الحمد لله

يقول الله تعالى عن موسى عليه السلام لما فرّ من فرعون وقومه، ووصل إلى مدين: ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا

قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) القصص/23، 24 .

(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ) أي: قاصدا بوجهه مدين ، وهو جنوبي فلسطين ، حيث لا ملك لفرعون، (قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ)

أي: وسط الطريق المختصر، الموصل إليها بسهولة ورفق ، فهداه الله سواء السبيل ، فوصل إلى مدين .

( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) مواشيهم

وكانوا أهل ماشية كثيرة (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ) أي: دون تلك الأمة (امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ) غنمَهما عن حياض الناس، لعجزهما عن مزاحمة الرجال ، وبخلهم وعدم مروءتهم عن السقي لهما.

(قَالَ) لهما موسى (مَا خَطْبُكُمَا) أي: ما شأنكما بهذه الحالة، (قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) أي: قد جرت العادة أنه لا يحصل لنا سقي حتى يصدر الرعاء مواشيهم

فإذا خلا لنا الجو سقينا، (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) أي: لا قوة له على السقي، فليس فينا قوة، نقتدر بها، ولا لنا رجال يزاحمون الرعاء.

فرقّ لهما موسى عليه السلام ورحمهما (فَسَقَى لَهُمَا) غير طالب منهما الأجرة، ولا له قصد غير وجه الله تعالى

فلما سقى لهما، وكان ذلك وقت شدة حر، وسط النهار، بدليل قوله: (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ) مستريحا لتلك الظلال بعد التعب.

(فَقَالَ) في تلك الحالة، مسترزقا ربه:

(رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) أي: إني مفتقر للخير الذي تسوقه إليَّ وتيسره لي. وهذا سؤال منه بحاله ؛ والسؤال بالحال : أبلغ من السؤال بلسان المقال " انتهى .

" تفسير السعدي " (ص 614) .

وقال ابن عاشور رحمه الله :

" لَمَّا اسْتَرَاحَ مِنْ مَشَقَّةِ الْمَتْحِ وَالسَّقْيِ لِمَاشِيَةِ الْمَرْأَتَيْنِ ، وَالِاقْتِحَامِ بِهَا فِي عَدَدِ الرِّعَاءِ الْعَدِيدِ، وَوَجَدَ بَرْدَ الظِّلِّ ، تَذَكَّرَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ نِعَمًا سَابِقَةً أَسْدَاهَا اللَّهُ إِلَيْهِ

مِنْ نَجَاتِهِ مِنَ الْقَتْلِ ، وَإِيتَائِهِ الْحِكْمَةَ وَالْعِلْمَ، وَتَخْلِيصِهِ مِنْ تَبِعَةِ قَتْلِ الْقِبْطِيِّ

وَإِيصَالِهِ إِلَى أَرْضٍ مَعْمُورَةٍ بِأُمَّةٍ عَظِيمَةٍ ، بَعْدَ أَنْ قَطَعَ فَيَافِيَ وَمَفَازَاتٍ تَذَكَّرَ جَمِيعَ ذَلِكَ ، وَهُوَ فِي نِعْمَةِ بَرْدِ الظِّلِّ وَالرَّاحَةِ مِنَ التَّعَبِ، فَجَاءَ بِجُمْلَةٍ جَامِعَةٍ لِلشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ وَهِيَ: (إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).

وَالْفَقِيرُ: الْمُحْتَاجُ، فَقَوْلُهُ : (إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ) : شُكْرٌ عَلَى نِعَمٍ سَلَفَتْ.

وَقَوْلُهُ : (إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ) : ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ بِأَنَّهُ مُعْطِي الْخَيْرِ.

وَأَحْسَنُ خَيْرٍ لِلْغَرِيبِ : وُجُودُ مَأْوًى لَهُ يَطْعَمُ فِيهِ وَيَبِيتُ، وَزَوْجَةٌ يَأْنَسُ إِلَيْهَا وَيَسْكُنُ.

فَكَانَ اسْتِجَابَةُ اللَّهِ لَهُ ، بِأَنْ أَلْهَمَ شُعَيْبًا أَنْ يُرْسِلَ وَرَاءَهُ ، لِيُنْزِلَهُ عِنْدَهُ، وَيُزَوِّجَهُ بِنْتَهُ، كَمَا أَشْعَرَتْ بِذَلِكَ فَاءُ التَّعْقِيبِ فِي قَوْلِهِ : (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما)" .

انتهى مختصرا من " التحرير والتنوير " (20/ 102) .

فهذا منه عليه السلام سؤال بالحال، واكتفاء بإظهار حاله من الفقر والحاجة بين يدي ربه ، عن التصريح بالسؤال .
وهذا كقول أيوب عليه السلام : ( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ).

وقول يونس عليه السلام : ( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

" هَذَا وَصْفٌ لِحَالِهِ بِأَنَّهُ فَقِيرٌ إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْهِ مِنْ الْخَيْرِ، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِسُؤَالِ اللَّهِ إنْزَالَ الْخَيْرِ إلَيْهِ "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (10/ 244) .

وقال ابن كثير رحمه الله:

" قَدْ يَكُونُ السُّؤَالُ بِالْإِخْبَارِ عَنْ حَالِ السَّائِلِ وَاحْتِيَاجِهِ، كَمَا قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (1/ 136)

وهذا إنما يكون من تضرع العبد ، وإظهار ذله ومسكنته بين يدي ربه ، يعلم أنه فقير إليه ، وأنه هو القادر على أن يغنيه بفضله عمن سواه ، فيتوسل إليه بفقره إليه ، وكمال غنى ربه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَصْفُ الْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ : هُوَ سُؤَالٌ بِالْحَالِ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ وَالْبَيَانِ. وَذَلِكَ [أي : السؤال بالمقال] أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (10/ 246) .

ولا بأس أن يدعو العبد المسلم بذلك في قضاء حاجاته ؛ لأنه توسل إلى الله تعالى بالفقر إليه ، وهو وصف ذاتي للعبد ، وبغنى ربه ، وهو وصف ذاتي للرب ، فهذا التوسل يناسب الرغبة فيما عند الله من الخير والبركة
.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

" النوع الخامس - أي: من أنواع التوسل المشروع-: أن يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله؛ يعني أن الداعي يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله وما هو عليه من الحاجة

ومنه قول موسى عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله أن ينزل إليه الخير "

انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل العثيمين " (2/ 337) .

والله تعالى أعلم .









قديم 2019-02-05, 15:16   رقم المشاركة : 146
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

معنى قوله تعالى : ( وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ).

السؤال

ما تفسير قوله تعالى : ( وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) في سورة الأنعام ؟

الجواب

الحمد لله

يقول الله عز وجل : ( وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأنعام/ 108.

نهى الله سبحانه المسلمين عن سب آلهة المشركين التي يعبدونها من دون الله ، مع أنها باطلة ؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سب المشركين الإله الحق سبحانه ؛ انتصارا لآلهتهم الباطلة ، ومعاملة للمسلمين بمثل ما قالوا .

ثم أخبر أنه سبحانه زين لكل أمة عملهم ، ثم يردّهم إليه جميعا يوم القيامة ، فيخبرهم بما عملوا , ويحاسبهم على أعمالهم : إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .

قال ابن كثير رحمه الله :

" يَقُولُ تَعَالَى نَاهِيًا لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ عَنْ سَبِّ آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ ، إِلَّا أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ أَعْظَمُ مِنْهَا، وَهِيَ مُقَابَلَةُ الْمُشْرِكِينَ بِسَبِّ إِلَهِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ.

كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، لَتَنْتَهِيَنَّ عَنْ سَبِّكَ آلِهَتَنَا، أَوْ لَنَهْجُوَنَّ رَبَّكَ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ أَنْ يَسُبُّوا أَوْثَانَهُمْ، (فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)

وَقَالَ قَتَادَةَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسُبُّونَ أَصْنَامَ الْكُفَّارِ، فَيَسُبُّ الْكُفَّارُ اللَّهَ ، عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ).

وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ - وَهُوَ تَرْكُ الْمَصْلَحَةِ لِمَفْسَدَةٍ أَرْجَحَ مِنْهَا - مَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: ( مَلْعُونٌ مِنْ سَبِّ وَالِدَيْهِ).

قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: (يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ). أَوْ كَمَا قَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) أَيْ: وَكَمَا زَيَّنَا لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ حُبَّ أَصْنَامِهِمْ وَالْمُحَامَاةَ لَهَا وَالِانْتِصَارَ

كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ عَلَى الضَّلَالِ عَمَلَهُمُ الَّذِي كَانُوا فِيهِ، وَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ، وَالْحِكْمَةُ التَّامَّةُ فِيمَا يَشَاؤُهُ وَيَخْتَارُهُ.

(ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ) أَيْ: مَعَادُهُمْ وَمَصِيرُهُمْ.

(فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) أَيْ: يُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنَّ شَرًّا فَشَرٌّ "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (3/ 314) .

وقال القرطبي رحمه الله :

" نهى سبحانه المؤمنين أَنْ يَسُبُّوا أَوْثَانَهُمْ ، لِأَنَّهُ عَلِمَ إِذَا سَبُّوهَا نَفَرَ الْكُفَّارُ وَازْدَادُوا كُفْرًا.

وقَالَ الْعُلَمَاءُ: حُكْمُهَا بَاقٍ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، فَمَتَى كَانَ الْكَافِرُ فِي مَنَعَةٍ ، وَخِيفَ أَنْ يَسُبَّ الْإِسْلَامَ

أَوِ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، أَوِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسُبَّ صُلْبَانَهُمْ وَلَا دِينَهُمْ وَلَا كَنَائِسَهُمُ ، وَلَا يَتَعَرَّضُ إِلَى مَا يُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَعْثِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ "

انتهى من " تفسير القرطبي " (7/ 61).

وقال السعدي رحمه الله :

" ينهى الله المؤمنين عن أمر كان جائزا ، بل مشروعا في الأصل ، وهو سب آلهة المشركين ، التي اتخذت أوثانا وآلهة مع الله ، التي يُتقرب إلى الله بإهانتها وسبها.

ولكن لما كان هذا السب طريقا إلى سب المشركين لرب العالمين ، الذي يجب تنزيه جنابه العظيم عن كل عيب، وآفة، وسب وقدح -نهى الله عن سب آلهة المشركين، لأنهم يحمون لدينهم

ويتعصبون له . لأن كل أمة، زين الله لهم عملهم ، فرأوه حسنا، وذبوا عنه ، ودافعوا بكل طريق ، حتى إنهم ليسبون الله رب العالمين ، الذي رسخت عظمته في قلوب الأبرار والفجار، إذا سب المسلمون آلهتهم .

ولكن الخلق كلهم ، مرجعهم ومآلهم ، إلى الله يوم القيامة، يُعرضون عليه، وتُعرض أعمالهم ، فينبئهم بما كانوا يعملون ، من خير وشر.

وفي هذه الآية الكريمة ، دليل للقاعدة الشرعية وهو أن الوسائل تعتبر بالأمور التي توصل إليها، وأن وسائل المحرم ، ولو كانت جائزة ، تكون محرمة ، إذا كانت تفضي إلى الشر "

انتهى من " تفسير السعدي " (ص 268) .

والله أعلم .









قديم 2019-02-05, 15:21   رقم المشاركة : 147
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

علاقة تقوى الله والعمل الصالح بالرزق والحياة الطيبة في الدنيا .

السؤال

أريد أن أعرف معنى الآيتين : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل / 97 .

وقوله (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) الرحمن/ 46 . وعلاقتهما بالرزق ، وكيف أستفيد من الرزق الطيب من خلال التوكل واليقين وحسن الظن بالله وعلاقتها بحصول البشرى ؟


الجواب

الحمد لله

قال الله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97 .

والمقصود بالحياة الطيبة التي يحياها المؤمن في دنياه : حياة قلبه بالإيمان ، وانشراح صدره ، وسعادته بإيمانه بربه .
كما أنها تشمل الرزق الطيب الواسع الحلال ، ولكن سعة الرزق ليست شرطا لحصول الحياة الطيبة

فقد يكون العبد فقيرا ويرزقه الله القناعة والرضى بما هو فيه ، ويبارك له في القليل ، فيكون قد أحياه الله حياة طيبة وانتفع برزقه أكثر من انتفاع كثير من الأغنياء بأموالهم .

وتقوى الله – على سبيل العموم – سبب من أسباب الرزق .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى :

" هَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ عَمِلَ صَالِحًا ، وَهُوَ الْعَمَلُ المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم

مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ، مِنْ بَنِي آدَمَ ، وَقَلْبُهُ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِه بِأَنْ يُحْيِيَهُ اللَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ يَجْزِيَهُ بِأَحْسَنِ مَا عَمِلَهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ .

وَالْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ تَشْمَلُ وُجُوهَ الرَّاحَةِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ .

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ فَسَّرُوهَا بِالرِّزْقِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ .

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ فَسَّرَهَا بِالْقَنَاعَةِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ .

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس: أنها هي السَّعَادَةُ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ الرِّزْقُ الْحَلَالُ ، وَالْعِبَادَةُ فِي الدُّنْيَا .

وَقَالَ الضَّحَّاكُ أَيْضًا: هِيَ الْعَمَلُ بِالطَّاعَةِ ، وَالِانْشِرَاحُ بِهَا .

وَالصَّحِيحُ : أَنَّ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ تَشْمَلُ هَذَا كُلَّهُ "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (4/ 516) .

وهذه الآية الكريمة علاقتها بالرزق واضحة ، وهي أن تقوى الله ، والعمل الصالح : سبب في حصول نعيم الدنيا والآخرة ، ومنه الرزق الطيب الواسع

كما قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) الطلاق/ 2،3 .

قَالَ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الصَّدَفِيُّ : " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ ، فَيَقِفُ عِنْدَ حُدُودِهِ ، وَيَجْتَنِبُ مَعَاصِيَهُ : يُخْرِجْهُ مِنَ الْحَرَامِ إِلَى الْحَلَالِ ، وَمِنَ الضِّيقِ إِلَى السَّعَةِ ، وَمِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ.

وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ : مِنْ حَيْثُ لَا يَرْجُو.

وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: " هُوَ الْبَرَكَةُ فِي الرِّزْقِ " .

" تفسير القرطبي " (18/ 160) .

وقال السعدي رحمه الله :

" أي: يسوق الله الرزق للمتقي ، من وجه لا يحتسبه ، ولا يشعر به " .

انتهى من " تفسير السعدي " (ص 870) .

وهذا كقوله تعالى عن أهل الكتاب : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) المائدة/ 66 .

وكقوله عز وجل : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) الأعراف/ 96 .
والمسلم بتمام توكله ويقينه ، وحسن ظنه بالله :

يسعد في الدارين ، ويكون له فيهما الحياة الطيبة ، فيرزق الرزق الواسع ، ويهنأ عيشه ، وتطيب أيامه ، وذلك أن التوكل واليقين وحسن الظن بالله، من أهم أعمال القلوب التي تطهر القلب ، وتملؤه إيمانا .

فإذا صلح القلب صلح الجسد كله ، وإذا فسد فسد الجسد كله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :

( أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ ) رواه البخاري (52) ، ومسلم (1599) .

فيأخذ المسلم بالأسباب التي يحصل بها الرزق ، ويكون معتمدا على الله واثقا بأن الله سيأتيه برزقه ، فإنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها ، كما تستوفي أجلها .

فيورثه ذلك مزيدا من الطمأنينة والقناعة والرضى ، ويبذل ماله في مرضات الله تعالى ، غير خائف من الفقر ولا من قلة الرزق ، بل يوقن أن ذلك من أسباب الرزق ، كما قال الله تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) ابراهيم/7 .

وكما قال الله تعالى في الحديث القدسي : ( يَا ابْنَ آدَمَ ، أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ) رواه البخاري (4684) ، ومسلم (993) .

ثانيا :

أما الآية الثانية ، وهي قوله تعالى : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) الرحمن/ 46 .

فالمعنى : أن من خاف مقامه بين يدي الله يوم القيامة ، وأحسن الاستعداد لذلك اليوم ؛ فأدى فرائض الله ، واجتنب محارمه : فله يوم القيامة عند ربه جنتان .

قال السعدي رحمه الله :

" أي : وللذي خاف ربه وقيامه عليه ، فترك ما نهى عنه ، وفعل ما أمره به، له جنتان من ذهب ، آنيتهما وحليتهما وبنيانهما وما فيهما، إحدى الجنتين جزاء على ترك المنهيات ، والأخرى على فعل الطاعات "

انتهى من " تفسير السعدي " (ص 831) .

وانظر: "تفسير الطبري" (23/ 55) .

وهذه الآية الكريمة لا علاقة لها بالرزق في الدنيا ، إلا من جهة أن من رزقه الله الجنتين في الآخرة ، فهو ممن أحياه في الدنيا حياة طيبة ، وقد تقدم أن الحياة الطيبة في الدنيا تشمل حياة القلب وسعة الرزق .

وقد قيل : إن المقصود بالجنتين : جنة في الدنيا ، وجنة في الآخرة . وهذا خلاف المشهور من تفسير الآية .

والله أعلم .









قديم 2019-02-05, 15:24   رقم المشاركة : 148
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفرق بين ( اسطاعوا ) و ( استطاعوا ) في سورة الكهف

السؤال

ﻣﺎ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﻓﻤﺎ اسطاعوا وما استطاعوا ﻓﻲ ﺳﻮﺭﺓ الكهف ؟

الجواب


الحمد لله

قال الله تعالى : ( فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ) الكهف / 97 .

وقد جاء مثل ذلك أيضا في السورة نفسها في قوله تعالى : ( سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً ) وفي آخر القصة : (ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً ) .

يقال : (استطاعوا) و(اسطاعوا) بالتاء وحذفها ، وهما بمعنى واحد .

وذكر بعض المفسرين أن الفائدة من هذا التغاير هي فائدة لفظية ، وأن هذا هو مقتضى الفصاحة ، حتى لا تكرر الكلمة بلفظها فإن ذلك معيب عند الفصحاء .

وهذا ظاهر في قصة ذي القرنين ، لأن التكرار واقع في الآية نفسها .

وذهب آخرون إلى أن الفائدة من هذا : فائدة معنوية ، وهي أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى

فزيادة حرف (التاء) في إحدى الكلمتين تدل على أن الاستطاعة فيها أشد من الكلمة التي حذفت منها التاء ، فعند المقابلة بين أمرين ، يقال في الأشد منهما : (استطاع) بالتاء ، ويقال في الأخف : (اسطاع) بحذف التاء .

وهذا هو المناسب للموضعين في السورة .

ففي قصة موسى عليه السلام مع الخضر ، (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً ) فالاستطاعة هنا أشد لأن موسى عليه السلام لم يكن علم سبب فعل الخضر ما فعل .

فلما أخبره بذلك قال : (ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً ) ، لأن الأمر هنا صار أخف .

وكذلك في الموضع الثاني ، وهي قصة ذي القرنين ، فصعودهم على السد أقل صعوبة من نقبه ، ولذلك جاء في الأول بحذف التاء (فما اسطاعوا أن يظهروه) وجاء في الثاني بالتاء (وما استطاعوا له نقبا) .

قال الطاهر بن عاشور رحمه الله في "التحرير والتنوير" (8/419) :

"(تَسْطِعْ) مضارع (اسطاع) بمعنى (استطاع) . حذف تاء الاستفعال تخفيفاً لقربها من مخرج الطاء ، والمخالفةُ بينه وبين قوله : (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً) ، للتفنن تجنباً لإعادة لفظ بعينه مع وجود مرادفه

. وابتدىء بأشهرهما استعمالاً ، وجيء بالثانية بالفعل المخفف لأنّ التخفيف أولى به ، لأنه إذا كرر (تَسْتَطِع) يحصل من تكريره ثقل" انتهى .

وقال أيضا (8/433) :

"(اسْطَاعُوَا) تخفيف (اسَتَطَاعُوا) ، والجمع بينهما تفنن في فصاحة الكلام كراهية إعادة الكلمة . وابتدىء بالأخف منهما لأنه وليه الهمز وهو حرف ثقيل لكونه من الحلق ، بخلاف الثاني إذ وليه اللام وهو خفيف .

ومقتضى الظاهر أن يُبتدأ بفعل (اسَتَطَاعُوا) ويثني بفعل (اسْطَاعُوَا) لأنه يثقل بالتكرير

كما وقع في قوله آنفاً : (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً) ثم قوله : (ذلك تأويل ما لم تَسْطِع عليه صبراً) .

ومن خصائص مخالفة مقتضى الظاهر هنا : إيثار فعل ذي زيادة في المبنى ، بموقع فيه زيادة المعنى لأن استطاعة نقب السد أقوى من استطاعة تسلقه ، فهذا من مواضع دلالة زيادة المبنى على زيادة في المعنى" انتهى .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" قال تعالى : ( فما اسطاعوا أن يظهروه ) وهو الصعود إلى أعلاه ، ( وما استطاعوا له نقبا ) ، وهو أشق من ذلك ، فقابل كلا بما يناسبه لفظا ومعنى ، والله أعلم "
.
انتهى من " تفسير ابن كثير " (5/188) .

ومن اللطائف : أن القاسمي رحمه الله في تفسيره ، بعد أن ذكر بعض ما قيل في ذلك ، ختم البحث بقوله : "وما ألطف قول الشهاب في مثله : هذه زهرة لا تحتمل هذا الفرك!" .

انتهى من " محاسن التأويل " (7/56) .

والله أعلم .









قديم 2019-02-05, 15:34   رقم المشاركة : 149
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

لم يعذب الله تعالى في قصة أصحاب السبت إلا المعتدين منهم .

السؤال

كلنا نعلم أن اليهود كانوا قوم الله المختار وأحبائه ، وعلى حسب ما نعرف أيضا أنهم كانوا ثلاثة طوائف : الأولى : ترتكب المعاصى وتحتال . الثانية : تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر .

والثالثة : تنصح الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أن يسكتو ا) ، فإذا أخطأت فئتان مع الله وعصوه في يوم السبت ، ثم تابت فئة وهادت إلى الله ، فكيف خصهم الله جميعا باللعنة ومسخهم كلهم ؟

رغم أنه صار هناك فئة تائبة وأخرى لم تذنب ، أليس الله بمنجي المؤمنين ؟

ثم كيف أن هذه اللعنة انتقلت من الأجداد إلى الآبناء ؟ وبأي حق ؟


الجواب

الحمد لله


أولا :

الزعم بأن اليهود كانوا شعب الله المختار وأحباءه زعم باطل ، وقد كذبهم الله تعالى في هذه الدعوى في القرآن الكريم

قال الله تعالى : (وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) المائدة/18 .

قال السعدي رحمه الله (ص 227) :

"والابن في لغتهم هو الحبيب ، ولم يريدوا البنوة الحقيقية ، فإن هذا ليس من مذهبهم إلا مذهب النصارى في المسيح.
قال الله ردا عليهم حيث ادعوا بلا برهان : (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) ؟

فلو كنتم أحبابه ما عذبكم " انتهى .

وقد لعن الله تعالى أجيالا متعددة من اليهود بسبب كفرهم بالله ورسله ومعصيتهم لله .

فقال تعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) المائدة/ 78 .

أما قوله تعالى : ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة/ 47

فالمقصود : التفضيل الذي حصل لهم بالملك والرسل والكتب على أهل زمانهم ، فمن آمن منهم بالله ورسله وأطاع الله كان أهلا لهذا التفضيل ، وأما الذين كفروا منهم بنعمة الله ، وقتلوا أنبياءه فقد استحقوا اللعنة .

انظر : " تفسير ابن كثير " (1/ 255) .

ثانيا :

قصّ الله تعالى علينا قصة أصحاب السبت في كتابه العزيز ، فقال :

( وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ *

وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ *

فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) الأعراف/ 163 – 166 .

فيأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل بني إسرائيل (عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ) أي: على ساحله في حال تعديهم وعقاب الله إياهم .

(إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) وكان الله تعالى قد أمرهم أن يعظموه ويحترموه ولا يصيدوا فيه صيدا، فابتلاهم الله وامتحنهم ، فكانت الحيتان تأتيهم (يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا)

أي: كثيرة طافية على وجه البحر. (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ) أي: إذا ذهب يوم السبت (لا تَأْتِيهِمْ) أي: تذهب في البحر فلا يرون منها شيئا (كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) ففسقهم هو الذي أوجب أن يبتليهم الله

وأن تكون لهم هذه المحنة، وإلا فلو لم يفسقوا، لعافاهم الله ، ولما عرضهم للبلاء والشر، فتحيلوا على الصيد، فكانوا يحفرون لها حفرا، وينصبون لها الشباك

فإذا جاء يوم السبت ووقعت في تلك الحفر والشباك ، لم يأخذوها في ذلك اليوم ، فإذا جاء يوم الأحد أخذوها، وكثر فيهم ذلك، وانقسموا ثلاث فرق:

معظمهم اعتدوا وتجرؤوا، وأعلنوا بذلك .

وفرقة أعلنت بنهيهم والإنكار عليهم .

وفرقة اكتفت بإنكار أولئك عليهم ، ونهيهم لهم

وقالوا لهم: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) كأنهم يقولون: لا فائدة في وعظ من اقتحم محارم الله ، ولم يصغ للنصيح ، بل استمر على اعتدائه وطغيانه ، فإنه لا بد أن يعاقبهم الله ، إما بهلاك أو عذاب شديد.

فقال الواعظون: نعظهم وننهاهم (مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ) أي: لنعذر فيهم.

(وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي: يتركون ما هم فيه من المعصية ، فلا نيأس من هدايتهم ، فربما نجع فيهم الوعظ ، وأثر فيهم اللوم.
(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ) أي: تركوا ما ذكروا به، واستمروا على غيهم واعتدائهم .

(أَنْجَيْنَا ) من العذاب (الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) وهكذا سنة الله في عباده ، أن العقوبة إذا نزلت نجا منها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.

(وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) وهم الذين اعتدوا في السبت (بِعَذَابٍ بَئِيسٍ) أي: شديد (بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)

وأما الفرقة الأخرى التي قالت للناهين: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ) فاختلف المفسرون في نجاتهم وهلاكهم، والظاهر أنهم كانوا من الناجين، لأن الله خص الهلاك بالظالمين ، وهو لم يذكر أنهم ظالمون.

فدل على أن العقوبة خاصة بالمعتدين في السبت، ولأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين ، فاكتفوا بإنكار أولئك

ولأنهم أنكروا عليهم بقولهم: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) فأبدوا من غضبهم عليهم ، ما يقتضي أنهم كارهون أشد الكراهة لفعلهم، وأن الله سيعاقبهم أشد العقوبة.

(فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ) أي: قسوا فلم يلينوا، ولا اتعظوا، (قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) فانقلبوا بإذن الله قردة ، وأبعدهم الله من رحمته" انتهى .

انظر: " تفسير السعدي" (ص 306) .

وقال ابن كثير رحمه الله :

" أخبرَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَنَّهُمْ صَارُوا إِلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ: ...
.
فَنَصَّ عَلَى نَجَاةِ النَّاهِينَ، وَهَلَاكِ الظَّالِمِينَ، وَسَكَتَ عَنِ السَّاكِتِينَ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ

فَهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ مَدْحًا فَيُمْدَحُوا، وَلَا ارْتَكَبُوا عَظِيمًا فَيُذَمُّوا، وَمَعَ هَذَا فَقَدَ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِيهِمْ: هَلْ كَانُوا مِنَ الْهَالِكِينَ أَوْ مِنَ النَّاجِينَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ ) فِيهِ دَلَالَةٌ بِالْمَفْهُومِ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ بَقوا نَجَوْا "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (3/ 494) .

وقال أيضا :

" اخْتَلَفَ فِيهِمُ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَوْلَيْنِ ; فَقِيلَ: إِنَّهُمْ مِنَ النَّاجِينَ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ مِنَ الْهَالِكِينَ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِين َ، وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ ، إِمَامُ الْمُفَسِّرِينَ " .

انتهى من " البداية والنهاية " (2/ 584).









قديم 2019-02-05, 15:34   رقم المشاركة : 150
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" أَنْجَى اللَّهُ النَّاهِينَ. وَأَمَّا أُولَئِكَ الْكَارِهُونَ لِلذَّنْبِ الَّذِينَ قَالُوا: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا) فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُمْ نَجَوْا لِأَنَّهُمْ كَانُوا كَارِهِينَ فَأَنْكَرُوا بِحَسَبِ قُدْرَتِهِمْ "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (17/ 382).

فتبين بما سبق أن الله تعالى لم يؤاخذ بالعذاب إلا الظالمين الذين اعتدوا ، أما الذين نهوهم ، والذين لم ينهوهم ولم يقعوا فيما وقعوا فيه، مع بغضهم له وإنكارهم إياه بقلوبهم : فنجوا أجمعون .

فلم يمسخ الله إلا الفرقة الأولى الظالمة ، ونجى من عداهم ، فقول السائل : إن الله لعنهم جميعا ومسخهم جميعا قول غير صحيح .

وأما لعنة الله على اليهود ، فلم تكن بسبب ما فعله أسلافهم

فإن الله تعالى لا يعاقب أحدا بذنبٍ فعله غيرُه .

وإنما لعن الله الأجيال المتلاحقة من اليهود بسبب ما فعلوه من الكفر بالله تعالى ، وعصيانه

كما تدل على ذلك الآيات الواردة في هذا .

قال تعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ *

تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) المائدة/ 78 – 80 .

روى الطبري في تفسيره (10/ 490) عن ابن عباس قال :

" بكل لسان لُعِنوا: على عهد موسى في التوراة ، وعلى عهد داود في الزبور، وعلى عهد عيسى في الإنجيل، ولعنوا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن " .

ففي هذه الآيات : أن لعن هذه الأجيال من بني إسرائيل كان بسبب كفرهم بالله ورسله ، ومعصيتهم لله واعتدائهم ، وعدم تناهيهم عن المنكر ، وتولي الكثير منهم الذين كفروا .

قال السعدي رحمه الله:

" أي : طردوا وأبعدوا عن رحمة الله (عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)

أي: بشهادتهما وإقرارهما، بأن الحجة قد قامت عليهم

وعاندوها. ذَلِكَ الكفر واللعن (بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)

أي: بعصيانهم لله ، وظلمهم لعباد الله ، صار سببا لكفرهم وبعدهم عن رحمة الله ، فإن للذنوب والظلم عقوبات.

ومن معاصيهم التي أحلت بهم المثلات ، وأوقعت بهم العقوبات أنهم : (كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ )

أي: كانوا يفعلون المنكر، ولا ينهى بعضهم بعضا، فيشترك بذلك المباشر، وغيره الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك.

وذلك يدل على تهاونهم بأمر الله، وأن معصيته خفيفة عليهم، فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه، ولغضبوا لغضبه، وإنما كان السكوت عن المنكر -مع القدرة- موجبا للعقوبة، لما فيه من المفاسد العظيمة:

منها: أن مجرد السكوت، فعل معصية، وإن لم يباشرها الساكت. فإنه -كما يجب اجتناب المعصية- فإنه يجب الإنكار على من فعل المعصية.

ومنها: أنه يدل على التهاون بالمعاصي، وقلة الاكتراث بها.

ومنها: أن ذلك يجرئ العصاة والفسقة على الإكثار من المعاصي إذا لم يردعوا عنها، فيزداد الشر، وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية، ويكون لهم الشوكة والظهور

ثم بعد ذلك يضعف أهل الخير عن مقاومة أهل الشر، حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه أوَّلا.

ومنها: أن بترك الإنكار للمنكر يندرس العلم، ويكثر الجهل، فإن المعصية- مع تكررها وصدورها من كثير من الأشخاص ، وعدم إنكار أهل الدين والعلم لها - يظن أنها ليست بمعصية

وربما ظن الجاهل أنها عبادة مستحسنة ، وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرَّم الله حلالا ؟ وانقلاب الحقائق على النفوس ورؤية الباطل حقا ؟ "

ومنها: أن السكوت على معصية العاصين ، ربما تزينت المعصية في صدور الناس، واقتدى بعضهم ببعض ، فالإنسان مولع بالاقتداء بأضرابه وبني جنسه ، ومنها ومنها.

فلما كان السكوت عن الإنكار بهذه المثابة ، نص الله تعالى أن بني إسرائيل الكفار منهم لعنهم بمعاصيهم واعتدائهم، وخص من ذلك هذا المنكر العظيم "

انتهى من "تفسير السعدي" (ص 241) .

وقال تعالى : (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا

وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) النساء/: 46 .

وقال عز وجل : ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا *

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) النساء/ 155 – 157 .

فهذه الآيات – وغيرها كثير – صريحة في أن الله تعالى لعنهم بسبب كفرهم ومعصيتم لله تعالى ، وليس بسبب ما فعله أسلافهم من المنكر ، فإن الله لا يظلم أحدا ، (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).

وانظر السؤال القادم

أما من آمن منهم بالله ورسله ، فأولئك مع المؤمنين ، وقد مدحهم الله تعالى في عدة مواضع من القرآن الكريم

كقوله تعالى : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ *

أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) القصص/52-54 .

انظر السؤال بعد القادم

والله أعلم .









 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 06:00

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc