*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»* - الصفحة 10 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم الآدب و اللغات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-11-29, 22:40   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

المحاضره الثانية:الشعر الاندلسي
1. عهد الولاة.
2. عهد بنو أمية.
3. عهد ملوك الطوائف.
4. عهد المرابطون.
5. عهد الموحدون.
6. عهد بنو الأحمر.
كـــان صَـــــدى الشِّــعر فـي عـــهــد الـــولاة ضَـــعيفاً بالنسبة للشعر الشـــرقــــي وتــردٍ فـي معانيــــه وأســـاليبه. أهم الشعراء في عهد الولاة:
1. بكـر الكـناني
2. عباس بن ناصح
3. يحيى بن حكم الغزال
4. حسانة التميمية
عهد بنو امية: ازداد الشعر ازديادا لما اولاه الحكام كم عناية ولما كان هناك حركة علمية وادبيه وهي اشبه بحركة اوائل العهد العباسي في الشرق
• اهم الشعراء في عهد بنو امية: ابن دراج القسطلي
• ابن شـهيد
• ابن حـزم
• عهد ملوك الطوائف: تنافسوا فـي نظـم الشـعر وكـانو يتراســـلون فيما بينهم شـعرا، ويحـاولون أن يعيشـــون حياة شـــعرية والسـبب تحول بلاد الأندلس إلى أمــارات، وتــنافس فيها الحكام فـي طلب العلم والأخذ بأسباب الأدب وتقريب الشعراء.
• أهم شعراء فـي عهد
ملـــــــــوك الطــــــوائف
• المعتمد بن عباد
• ابن زيـدون
• ولادة بنت المستكفي
• عهد المرابطون: انحط الشعر انحطاطا لـقُصرِ عهد المرابطــين وذلـك بســبب انهــيار المشــــرق، تضــــاءل الشــعر وتلاشى ونزع نزعة الزجل والتوشيح. مما جعل أحد أهل الحرص على جـمع الشـعر الأندلســي خشية عليه أن يضيع، مثل ابن بسـام في كتابه (الذخيرة في محاسن أهل الجــزيرة) وكـذلك كتاب ابن خاقــان القلاعـــي (قلائد العقيان).
• أهم شعراء في عهد المرابطون:
• ابواسحاق ابن خفاجة
• يحي بن الزقاق
• الأعــــمى التطــيلي
• ابن قزمان
• عهد الموحدين: عهد هدوء وسكينة، كما كان عهد عــِلـــمٌ عُـرف فيـــه العـديــد من الأدبــاء والشعراء البارزين.
• أهم الشعراء في عهد الموحدون:
• ابن الطفيل
• ابن رشد
• ابن البيطار
• الرصـــــــافـي
• حفصة الركونية
• عهد بنو الاحمر: كان عهد بنو الأحمر عهد انحلال وفوضى اشتهر فيه عدد من الشعراء البارزين.
• أهم الشعراء في عهد بنو الأحمر:
• لسان الدين الخطيب
مراحل الشعر الاندلسي: حمل العرب إلى الأندلس طبيعتهـم الشـــعرية كــما حـــمـلوا نزعــاتــهـم العـِرقيّــة، وقــــد نـظــر الغــرب إلــى الشــرق نظــر الفــرع إلـى الأصــــل، ونظــر الشــرق إلــى الغــرب نظــرة اسـتصــغار، وانتـشـــر الشــــعر فـي جميع الطــــبقات وما أن كــــان القـــرن الحـادي عشــــر حتـى قويـت الشـخصية الأندلسية وحتى أخذ الأندلسـيون يعرضون شيئاً فشيئاً عن المشارقة.
عهد الولاة: كان الشعر الأندلسـي فـي عهد الولاة صداً للشعر المشــرقي تتردد فيه معــانيه وأســـاليبه، وقد ظهرت في هذا العهد الأراجـيز التاريخية كـما ظهرت الموشحات، وانتشر شعر النّــوريات إلى جــنب الزُّهـديات و التاريخـيات. ومن شــعراء تلك الفــترة بكــر الكــناني، عباس بن ناصــــح، يـحــيى بن حــكــم الغــزال، حســانة التميمية.
ومن شعراء فترة الولاة أبو الأجــرب جعـونة بن الصِّـمَّة، وقيل أن هذا الشاعر كان بمرتبة جرير والفرزدق، كـما روي أن أبا نــواس ســأل عنه عباس بـن ناصــح الأندلـســي، حين التقى أبو نواس بابن ناصــح في العراق، والشاعر أبو الخطــار حُسام بن ضـــرار، وهـــو من أشــراف القحطــانين بالأندلس وكان شاعراً فارساً؛ لذا لقب بـعنترة الأندلس وهذان الشاعران لـم يــعثر إلا على القليل من أشـعارهما.
عهــد بنو أميـة: ازداد الشــعر انتشــاراً لما كـــان مـن حركــة علمية وأدبية ولما أولاه الحكـام من عــناية، وقد اشــتهر من الشــعـراء ابن عبد ربـه، وابن هــاني الإلبيري، والزَّبـيدِي، وابن درّاج القسطلي، واشتهر في فترة الانتقال من العهد الأموي إلى عهد ملوك الطوائف ابن شُـهَيْد، وابن حَـزْم، وقد شهدا سقوط الخلافة الأموية وبكيا قصر الخلافة فـي قرطبة.
عهــد ملــوك الطــوائف: تنافســـوا فـي نظـــم الشـــعر وكانوا يتراســـلون فيما بينهم شـعراً، ويحـاولون أن يعيشـون حياة شـعرية والسـبب تحول بلاد الأندلس إلى إمــارات، وتنافــس فيها الحكــام فـي طـلب العلــم والأخذ بأسباب الأدب وتقريب الشعراء. وقد اشتهر فـي تلك الفترة المعتمد بن عباد ابن زيــدون وولادة بنت المستكفي.
عهد المرابطون: انحــط الشــعر انحطـاطاً منــها قـصــر عهــدهم الذي لم يـهيأ ما يـهـذب خـشــــونـتـهم ويرقـــق أذواقــهم، وكــذلك بســـبب انهــيار المشـــرق، تضـــــاءل الشــعر وتلاشــى ونــــزع نزعـــة الزجــل والتوشـيح. مـما جعــل أحــد أهــل الحرص يجــمع الشــعر خشـية عـليه أن يضـــيع، مثـل ابن بســـــام فـي كـــتابه الذخــيرة فـي محاســن أهل الجــــزيرة وكـذلك كتاب ابن خاقــان القلاعي قلائد العقيان.
وقد تغلب في هذا العهـد ذوق العــوام، ومال الشــعر إلى كــل ما هــو سُـوقـيّ، واتســم بســـــمةٍ البـذاءة، والهـجــاء اللاذع والمتحرِّرين والمجان، وعهد كبار الزجالين. وقد اشتهر من الشعراء أبو إسحاق بن خفاجة، وابن أخـته يحي بن الزقاق، والأعمى التطيلي، وابن قزمان.
عهـد الموحـدون: كـان عهد هــدوء وســكينة كما كان عهد علم عرف فيه ابن الطـفيل وابن رشد ابن البيطار وغــالب البلنســي المعروف بالرُّصــافـي، واشتهر عدد من النســاء اللــواتي يــتــعـاطــين القريــض ، منهــن حفصــة الركــونية، كــما اشــتهر ابن الأبّار القُضَاعي.
اتجاهات الشعر الاندلسي: هناك ثلاث اتجاهات للشعر الأندلسـي وإذا نظـرنا إلى الشــعر في بداية الأمر وجدنا أنه سار في اتجاه المدرسة المشــــرقــيــة المحافظـــة. وإن أو مظـــهر من مظــاهر هـذا الاتجاه المحافظ هو الالتـزام بالموضــوعات التقــليدية، كــما كــان يســــير عـلى منــهــج الأقــدمــيـن فـــي بنـــاء القصيدة وفي تجميع صورها من عالم البادية وتأليف أسلوبها فـي الأعــم الأغـلب على الأسلوب الذي يعتمد على الألفاظ الجـزلة والعــبارات الفخــمة، كـما يميـل إلى الأبحر الطويلة ذات القوافـي الرنانة.
ومن أمثلة ذلك قول أبو المخشي من قصـيدة يمدح بها عبد الرحمن الداخل ويصف الرحلة إليه فيقول:
امْتَطَــيْــنـَا سِـــــمَاناً بُـــــدْنا فَتَركـْــنَاها نَضَــــاء بالـعَـــنا
وذُريْـنَى قدْ تَجـَـاوَزتْ بِهَــا مَهمَها قفراً إلى أهْل النّدى
قَاصِدا خَير مَنافٍ كُلها ومَنافٌ خَيرُ من فَوقِ الثّــرَى
وردت هــذه الأبـيـــات فـي ( الإحاطــــة) لابــن الخــطـــــيب (مخطوط بالإسكوريال رقم 1673، ورقة352) نقــلاً عن أحمد هيكــــل، الأدب الأندلســي ص82. ويتـــصــل نســب الشاعر بالعبــاد نصــارى الحــيرة، وكــان أبــوه مع جند الشام الذين وفدوا على الأندلس في فترة الولاة، وكان أبا المخشــي ذا بــذاء زائد يتســرع به من لا يوافقـــه مــن النـاس، وذا هجــاء يمــس الحـــرم ويتــــناول الأعـــــراض؛ لذا كان الشعراء يجدون فـي أصله النصــراني البعيد مغمزاً يعيرونه به،
وقد ذكر فـي إحدى مدائحه بيتاً من الـشعر اعتبره هشام بن عبد الرحمن الداخل تعريضاً به. وهــو هـذا البيت:
ولَيْسُوا مِثْلَ من إنْ سَيل عرفا
يُـــقَــلِّــب مُقْــلَــة فِيْــــهَــا إِعـْــــوِرَار
فهــشــام كـــــان أحـــــول فاغـــتــاظ مــن أبـــي المخـــشــي، فاســتدعاه إلى مديـــنة مـاردة وكــان هشام واليها فـي حياة أبيه فخــرج إليه طامعاً فـي عطائه، فلــما دخــل عليه قال له: "يا أبا المخشـي إن المـرأة التي هـوت ابنها، فقذفتها فأفحشــت فيها، قد أخلصت دعاءها لله فـي أن ينتقــم لهــا منك، فاســتجاب رجـــاءها، وســلطـــني لأقــتص لها" ثم أمر به فقطــع بعض لســانه وســـملت عيناه، فعظــم مصابه وكــثرت شــكواه فـي أشعاره.
ولما بلغ عبد الرحمن الداخــل صــنيع ابنه عــنفه، ثـم قدم الشـاعر على عبد الرحمن وأنشـده قصيدته التي صدرها بتصوير محنة العمى، فرق له الأميـر وأجازه بألفـي دينار وضـاعف ديـته، ولما صــار الأمر إلى هـشام بعد أبيه استشعر الندم مما أصاب الشاعر على يديه، فتــرضـــاه وضــاعف ديتــه كـذلك. وردت أخـــبـاره فـي المغرب لابن سعيد، ج2، ص124.
الاتجاه المحدث أو الجديد ونعني بهذا الاتجـاه، الاتجاه الذي سـار فـي المشرق مثل أبي نواس ومســلم بن الوليد وأبو العتاهية وأمثالهم من المجددين، والذي تزعمه أبو نواس حــين ثار عـلى الاتجــاه المحــافظ ونـدّد بطــريقتـه وراح يطرق أغراض جديدة وبنهج وأســلوب محدث ثــار عـــلى المقـــدمة الطــــــــللية كـــما ثار على الموضــــــــوعات التقـليدية وأهـتم بأغــراض شــعرية لم تــكن شـــائعة من قبل وتوسع في الغزل والخمر ووصفها.
فمن المعــروف أن أصـــل نشــأة هـذا الاتجاه فـي الشــرق كــان أثــراً للحــياة الجـــديدة التي عاشـــها الناس فــي العـــصـــر العـباســي الأول وأخـــــذ
النـاس يفتحـــون عــيونـهـم عــلــى
دهشــــة مســـتــحــدثات الحضـــارة
لقــد كـــان لهذه الحركــة التــي
تزعمها أبو نواس ومعاصروه أثراً
على بعض الشـــعراء..
من هؤلاء الـشعراء عباس ابن ناصح الذي ســافر إلى المشـــرق والتـقى بأبي نواس فـي العــراق وســمع شــعره وعاد إلى الأندلس فأشاعه بينهــم وما لبث أن تــمثلوه وأنتجوا شعراً مشابهاً به بل يفوقه في بعض الأحايين ونتيجــة الحــياة الجــديدة أيضــاً التي بدأت يحـــيونها العرب في بلاد الأندلس ظهرت تلك الأشعار المحدثة التي أخــذت اتجــاهات جــديدة مثل: الخـــــــــمـــــريــــات، والمجــــونــيـــات، وظــهر الغــــــزل الشــــــاذ.
ومن أمثل هذا الاتجاه قول المطرف بن عبد الرحمن الأوسط:
أفْنَيتُ عُمْري بالشُّرْبِ والوُجُوه الـمِلاح
ولَمْ أضَيع أصيلاً ولا إطِّلاع صَبَاح
أُحـيّ اللّيالِــي سُهْداً فـي نَشْــوةٍ ومِـرَاح
ولم أسْــمَـع مَاذا يَقُــول دَاعِ الفَـلاح
* فالأبيات صريحة في المجون والعبث وضياع الوقت بين الخمر والملذات.
فيمكـن أن نجـمل خصــائص الاتجاه المحـدث بأنه اتجـاه فيه ثورة على الأغراض القديمة؛ ولذلك فموضــوعـاته جديدة، ومن حيث الأسـلوب فنلاحـظ أنه واضـح وســـهل والألفاظ تعبر عن المعاني دون تكلف، ويضـاف إلى ذلك أنه أسلوب يميل إلى التفصيل ويتجه أحياناً إلى القص، وتشـع فيه روح الدعــابة والســخرية والتحــرر الزائـد، أما الموســيقى فهــذا الاتجــاه يتجــه نحــو البحــور القصــــيرة والقوافي الرقيقة.
• ومن أمثلة ثورة أبو نواس والتعريض بكل واقف على الأطلال والنيل من العرب في سخرية قوله:
قُلْ لِمَنْ يَبْكِي عَلَى رَسْمِ دَرْسٍ
وَاقِفاً ما ضَرّ لَوْ كَانَ جَلَسْ
اتْرُكْ الرّبْعَ وَسَلْمَى جَانِباً
واصْطَبِحْ كَرْخِيـَّةَ مِثْل الْقَبَسْ
وظهــر الاتـجــاه المحافــظ الجــديد فــي المـشـــرق كـــرد فعـــل للاتجــاه المحدث الذي تزعـمه أبو نواس والذي خرج بالشعر العربي عن كــثير من تقــاليده فجـاء هذا الاتجـاه المحافظ الـــجديد ليعــيد إلى الشــعر الــعربي طـــبيعــته العـربيــة دون الوقــوف عــلى أو الجــمــود، ومــن هــنـا كــــان هـــذا الاتجــــــاه محافظاً من جــانب ومجــدداً من جــانب آخـر، فهو محافظ فـي منهــج القصــيدة ولغــتـها ومــوســيقــاها ثــــم فـي روحــــها وأخلاقياتها، وهو مجــدد فـي معاني الشعر وصـوره وأسـلوبه وجمالياته.
ومــن خصـــائص هــذا الاتجــاه المحافــظ الجــديد أنــه يســير على الطــريقة القـديمة فـي البدء بالبكـاء على الأطلال أو الافتتاح بالغـزل، ثم الانتقال إلى الغـرض الأساسي الذي قد يسبق فـي وصف رحلة الشاعر وقد يـتبع بالفخــر. وكـذلك من ناحــية اللغــة يفضــلون أصحاب هذا الاتجـــاه الأســلــوب القــديــم ذا الألفــاظ القويــة الجــزلة، وفخاــمة العــبارة.
ومن حـيث الموســيقــى يـؤثــرون الأوزان الطــــويـلة ذات النغــم الوقــور، والقوافـي القــويــة ذات الرنــين الرزيـن. ومن حيث روح الشــعر وأخــلاقيته يبتعـد أصحب هذا الاتجــــــاه عـــن الإفـــــراط فـــي المجــــون والمجــاهـرة فـــي العصــيان واجــتناب الفخــر بارتكــاب الرذائل.
ومن حيث معانــي الشعر وصــوره فقـد كـانوا يســيرون مسـيرة المجـــددين فـي البحث عــن المبتــكر الرائـع، ومن تلـك صــور تشــخيصــية ورائــعة لــوادٍ ظــليل تــقـــدمهــا الشــاعرة حــمدة بنـــت زيـــاد المؤدب إذ تقول:
وقَــانَا لَفْحَــةِ الرّمْضَـــاءِ وَادٍ
سَقَاهُ مُضَاعَفُ الغَيْثِ العَمِيمِ
حَـلَلْنَا دوْحـهُ فَحَــنّا عَــــلَيْنـا
حُنُوَّ الْمُرضِعَاتِ عَلَى الفَطِــيْــم
وأرْشَـفْنَا عـَـلى ظَــمأٍ زُلاَلاً
أَلَــذُّ مـِـــنْ الُمُـــدَامَــــــةِ للنَّــدِيــــمِ
يَصُدُّ الشَّمْسَ أنَّى واجَهَتْنَا
فَيـَـحْجُــبُهَا ويَــأْذَنُ لِلنَّسِــــيـــم
وحــمدة بنت المؤدب تسـمى (حـــمدونة) ونسـب إليها أهـل المغــرب الأبيات الشهيرة المنسوبة للمنازي الشاعر المشهور وهو أحمد بن يوسف المنازي المتوفى سنة سبع وثلاثين وأربعمائة:*
وَقَـــانَا لَفْحَـــةَ الرّمْضَــــاء وَادٍ سَقَاه مًضَاعَف الغَيْثِ العَمِيْم
نَزَلْنَا َدوْحَـــهُ فَحـَــنّا عَـــلَيْنا حُنُوّ الْمُرضِعَاتِ عَلَى الفَطِيْـــم
وَأَرْشَــــفْنَا عَـــلَى ظـَــمَأ زُلاَلاً يَــرُدُّ الــرُّوحَ لِلقَــلْبِ السَّــــقِيــْم
يَصُدُّ الشَّمْسَ أنَّى وَاجَهَتْنا فَيَحْــــجُــبُها وَيَـــأْذَنُ لِلــنَّسِـــيْم
يَرُوعُ حَصَاه حَالِيَةَ العَذَارَى فَتَلْمَسُ جَانِبَ الْعِقْد النّظِيْم
المحاضره الثالثه:
موضوعات الشعر:المدح من ابرز شعراء الاندلس في المدح قمر البغدادية: مَا في المَغَارِبِ مِنْ كَريمٍ يُرتَجَى
إلاّ حَلـِيفُ الجُودِِ ابْرَاهِـيْمُ
إِنِّي حَـلَلْتُ لَدَيْهِ مَنْزِلَ نِعْمَةٍ
كُلَّ المَنَـازِلَ مَا عَدَاهُ ذَمِيْـمُ
الرثاء/ ابو البقاء الرندي في قصيدته رثاء الاندلس لكل شي..."الى خيال الطيف وسنان
المعتمد بن عباد رثا نفسهعندما نفاه يوسف بن تاشفين الى مدينة اغمات التي مات فيها فقيرا مأسورا
فِيْمَا مَضَى كُنتَ بِالأيّامِ مَسْرُورَا
فَجَاءَكَ العِيْدُ فِي أغْماتِ مَأْسُورَا
تَرَى بَنَاتِكَ فـي الأطْـمـَارِ عَارِيَةً
يَطَأْنَ فِي الطيْنِ مَا يَمْلِكْنَ قِطْمِيرَا
• الغزل: تناول كثير من الشـُّعراء في الأندلس شعر الغـزل في قصائدهم خصوصا من هُـم قـريـبون من الحكَّام، أو اللذيـن تــم ســجنهم، ومن أبرز ما كـتب في الغزل ابن خــفاجــة فـي قصـــــيدته المشـــهــورة: (حُلو اللّمى): وأغيدٌ حُلْو اللّمى, أمْلَدٌ** يُذْكِي عَلى وِجْنَتِه الجَمْرُ
• بِتُّ أُنَاجِيْه , ولا رِيْبـَةٌ**تَعَـلّق بِي فِيه, وَلا وِزْرُ
• وَالليْلُ سِتْرٌ وَدُونِنَا وَمُرْسِلٌ**قَدْ طَرّزتْهُ أَنْجُمُ حُمْرُ
• أبْكِي وَيُشْجِيْني فَفِي وِجْنَتِي**مَاءٌ وَفِيْ وِجْنَتَيْه خَمْرُ
هذه هي حفصة الركونية تعبر للوزير الوسيمابي جعفر عن ولعها به ونهمها الى حب يدفع بها الى الغيرهثم ينتقل بها من مرحلة الغيره الى مرحلة الاثره والانانية: أخَافُ عَلَيكَ , مِنْ عَيْنِي ومِنِّي
ومِنْكَ , وَمِنْ زَمَانكَ , والمَكَانِ
وَلَوْ أنِّي خَـبَّأْتُكَ فِي عُـيُونِي
إلَـى يَوْمِ القِـيَامَةِ مَا كَـفَانِي
• لم تلفت ولاّدة من شعر إبن زيدون وهــو يجــوب قُرطـــبة وضـــاحــيتـــهــا الزهـــراء عاشـــقاً ومولـــعــاً ومتيـماً بِحُــب ولادة بنـت المُســـتكــفي، وقـد كتب فيها الكثير، ومن شعره:
• إني ذَكَرتُكِ بالزّهْرَاءِ مُشْتَاقَا **وَالأُفْقُ طَلْقٌ وَمَرْأى الأرْضِ قَدْ رَاقَا
• وَلِلنّسِـيمُ إعْتِلالٌ في أصَائِلِهِ ** كَـأنّهُ رَقَّ لِيْ فَاعْـتَلّ إشْـفَاقَا
• نَلْهُو بِمَا يَسْتَمِيلَ العَيْنَ مِنْ زَهْرٍ ** جَالَ النّدَى فِيه حَتى مَالَ أعْنَاقَا
• كَأنّ أعْيُنُه إذْ عَايَنْت أرْقَـي ** بَكَتْ لِمَا بِي فَجَالَ الدّمْعُ رِقْرَاقَا
• الهجاء: لمْ تَقُم له سوق رائد فـي الأندلس ولا سيما الهجاء الســياسي لقلـّة الأحزاب الســياســية وقد ظـهـر فـي عهـد الأمـراء هجـاء بين الـمُضـريّة واليمنيّة، ولكن لم يحفظ لنا منه شيئا.
• لم يكن هناك هجـاء سياسـي بالمعنى المعـروف عند المشـــارق كالدفــاع عن العُرفِ وذم الشــــعوبية لأن الشعوبية لم يكن لها شأن فـي الأندلس.
وعلى كل حال فإن الشعراء اللذين مارسوا هذا الغرض لم يبلغوا فيه شأن المشارقة، وأشــهر من عُرف بهذا الفن أبو بكر المخزومي الأعمى. بينه وبين نزهون القلاعي الغرناطية معابثات فاحشة قال فيها المخزومي
على وجه نزهون من الحسن مسحةً
وتحت الثياب العار لو كان باديا
قواصد نزهونٍ توارك غيرها
ومن قصد البحرَ استلقى السواقيا
فأجابته نزهون
إنْ كَانَ مَا قُلْتَ حَـقــًّـا منْ بَعْدِ عَهْـــدٍ كَرِيْم
فَصـَــار ذِكْـرَى دَمَـــيْما يُـعْزَى إلىَ كُـــلَّ لَــــوْم
وَصِــــرْتَ أقْــبـَــــحَ شَــــيْءٍ فـي صُورَةَ الْمَخْزُومِي

• الخمر: حظي الخـمر بنصيبٌ كبير من الشعر الأندلســي، وكـان أكـثر ما تـناوله هُـم العاشـقون الهـائمون، ومن أشــعارهم في الخمر.
• قال علي بن أبي الحسن في وصف الراح:
• يَرُوجُ مِنْ الْخَطيِّ فِيْها كَواكِبٌ
• لَهَا منْ قُلُوبِ الْمُجْرِمينَ مَنَازِلُ
• تَرَدّتْ نُحُولَ العَاشِقِيـنَ كَأنّمَا
• بِهَا مِنْ تَبَارِيْـحِ الغَـرَامِ بَلاَبِلُ
• وقال شاعر آخر:
وَنَدِيـمٌ هِمْـتَ في غَرّتِهِ
وَبِشُرْبِِ الرَّاحِ منْ رَاحَـتِهِ
كُلّمَا اسْتَيقَظَ منْ سَكـْرَتِه
جَذَبَ الزِّقَّ إلِيْه واتَّكَا*وَسَقَانِي أَرْبَعَا فِيْ أرْبَع
وقال الغزال في وصف الخمر:
وَمَا رَأيْتُ الشُّربَ أكْدَتْ سَمَاؤُهم
تَأبّطْتُ زِقِّـي وَاحْتَسَـبتُ عَنَائِي
وهذا أبو زكريا يحيى بن محمد المعتصم بن معـن, رفيع الدولة يصف مجلس لهو وخمر:
أبَا العَلاءُ, كُؤُوس الخَمْرِ مُتْرَعَةٌ
ولِلنّدَامَى سُرُورٌ في تَعَاطِيْهَا
ولِلْغُصُونِ تَثن فَوْقَهَا طَرَبا
وَلِلْحَمَائِمِ سَجْعٌ في أَعَالِيْهَا
فَاشْرَبْ عَلى النَّهْرِ منْ صَهْبَاءٍ صَافِيَةٍ
كأَنّها عُصِرَت منْ خَدِّ سَاقِيْها
• الوصف: إن أكـثر ما تم وصـفه في الأندلس هـي المزارع أو أراضــي الفــلاحين حــيث كــان لهـم اهتمام كــبير فـي الطــبيعة لـمَ لها من تأثيـــر نفســي وعمق تأصـيلي في الحياة ومن تلك الأوصاف نذكر ما قــاله: الأميـر عبدالملك بن بشــر بن عبدالملك بن مروان:
• تَبَدّت لَنَا وَسَـطَ الرّصَـافَة نَخْـلَةٌ
• تَنَاءتْ بأَرْضٍ الغَرْبِ عَن بَلَدِ النّخْـلِ
• فَقُلْت شَـبِيْهي فِي التّغَربِ والنّـوَى
• وطُولَ التّنَـائي عنْ بَنِيْ وعنْ أهْلـِي
• نَشَأتُ بأرْضٍ أنْتَ فِيْـهَـا غَرِيبـةٌ
• فَمِثْلُكَ في الإِقْصَـاءِ والمُنْتَـأى مِثْلِي
• سَقَتْكَ غَوَادِي المُزْنَ مِن صَوْبِهَا الّذي
• يَسُـحُّ وَيَسْتَمرِي السّمَاكِين بِالوَبْل
• بِمَهْلكَةٍ يُسْتَهلَكُ الجُهْد عَفْوِها
• وَيَتْركَ شَمْلَ العَزْمِ وَهو مُبَدّد
• تَرَى عَاصِفَ الأرْوَاحِ فِيْهَا كَأنّهَا
• مِنْ الأَيْنِ تَمْشِي ظَالِعٍ أوْ مُقَيدّ
• العفه: من الخصــال التي تمــيز بهــا أهــل الاندلـس (العـفّــة) والمحــفاظــة على خصال الحياء، وتعتبر العفة صفة محمودة في ذاك العصـر الرائع قــال أحـــد الشــــعراء المجــهــوليـن يصــــف الأخلاق والعفة: وطَائِعَةَ الْوِصَالِ عَفَفْتُ عَـنْهَا
• وَمَا الشّـيْطَانُ فِيْـها بِالمُطَاوَعِ
• بَدَتْ فِي اللّيْلِ سَـافِـرَةً فَبَانَتْ
• دَيَاجِـي اللّيلُ سَـافِرَةَ القِـنَاعِ
• وَمَا مِـنْ لَحْـظَـةٍ إلاّ وفِيْـها
• إلى فِتَـنِ القُـلُوبِ لَها دَوَاعِي
• فَمَلّكْتُ النُّهَى جَمَحات شَـوْقِي
• لأجْرِي فِي العَفَافِ عَلى طِبَاعِي
• الحماسه: من شـعرِ الحماسةِ ما قاله الفاتح طـارق بن زيـاد وهو يَحثُّ المسلمين على حماس الجهـاد عبر مســيرته الطـّـويلة في الذود عن دمـــارِ الاســلام والترغــيب في الحـرب والنِّضـال من أجل إعلاء كلمة الله ورفع راية الاســلام في الأندلـس
• رَكِـبْنا سَـفِيناً بالمَجَـازِ مُقِـيرا
• عَسَى أنْ يَكُونَ الله مِنّا قَدْ اشْتـَرَى
• نُفُوسَـاً وَأمْـوَالاً وَأهْـلاً بِجَـنة
• إذَا مَا اشْتَهَيْنا الشّيء فِيْهَا تَيَسـّرا
• وَلَسْنَا نُبَالِي كَيْفَ سَالَت نُفُوسَـنَا
• إذَا نَحْنُ أَدْرَكْنَا الّذي كَانَ أجْـدَرَا
وقال الأمير بن مُردنيش يصف الحماسة والشجاعة في المعركة: أَكُرُّ عَلَى الكَتِيْبَةِ لاَ أُبَالِي
أَحْتَفِي كَان فِيْهَا أمْ سِوَاهَا
الزهد
» هو إنصـراف الإنسان عن متاع الدنيا وحطامها اللذين يكونان سببا في خطيئة الإنسان والإلتفات إلى عـبادة الله وطاعته، وقد اختلفت دواعـي لجـوء الشـــعراء إلى الزهــد، فمنهـــم من
أصـــبح زاهــدا بعـد أن أســـرف فـي
اقتراف المعاصي واقتناص الملذات
بكـل أنواعــها.
قال الشاعر ابو الوليد الباجي:
إذا كُنْتُ اعْلَمُ عِلْماً يقيناً
فَلِمَ لا أكــونُ ضَـــنيناً بـِـها
بأنّ جَميعَ حَيَاتي كَسَاعةٍ
واجْعَلهَا في صَــلاَحٍ وَطَـاعةْ
• المدح: من أبـرز شُــعراء المـدح فـي الاندلـس نـذكـر للعرض لا للحصر، شاعرة عالية القامة في الشعر، ذات رأي سديد وجواب شاف، ومنطق صائب، هي (قـَمَر البغداديـة) التي امتدحت مولاها ابراهيم بن حجاج اللخـمي:
• مَا في المَغَارِبِ مِنْ كَريمٍ يُرتَجَى
• إلاّ حَلـِيفُ الجُودِِ ابْرَاهِـيْمُ
• إِنِّي حَـلَلَتُ لَدَيْهِ مَنْزِل نِعْمَةٍ
• كُلَّ المَنَـازِلَ مَا عَدَاهُ ذَمِيْـمُ
• الحكمة: إنّ الشعراء الأندلسيين بدت حكمتهم ساذجة لم تنشر في تلك الربوع، بل تأخر ظهور الفلاسفة إلى آواخر القرن الخامس في عصر المرابطين والموحدين فقد كان هذا العصر عصر فلسفة وتأليف. فيه ظهر ابن باجة وابن رشد وابن طفيل.
فقد كان للفقهاء سلطانا على ملوك الأندلس فقد ضيّقوا حرية التفكير وكفروا كل مُتفلسف وأفتوا بنفيه وإحراق كتبه. فكانت العامة تُجاري أهواء الفقهاء لذلك لم يظهر شعر الحكمة في شعراء الاندلس وإن كان إبن هانئ أكثر الشعراء الأندلسيين إهتماماً بالحكمة في شعره فهو بذلك محاولاً تقليد المتنبي.
وحكتمه تدور حول شكوى الدهر والتحذير من الدنيا، فكانت كحمة غيره من الشعراء مبتذلة بعيدة عن النضج. ومن قوله في قصيدة يرثي فيها ولداً لإبراهيم بن جعفر بن علي أحد ممدوحيه:
وهب الدهر نفيساً فاسترد ربما جاد بخيلاً فحسد
خاب من يرجو زمانا دائماً تعرف البأساء منه والنكد









 


رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:41   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

المحاضره الخامسه: الموشح :عــرّف ابن ســناء الملـك الموشح فقــال: الموشــح كلام منظوم على وزن مـخصــوص، ومـن هُــنا نـعـلم بـأنّ الموشّـحــات تـخـــتلــف عــن القصـائد بخروجها عن مبدأ القافية الواحدة بل تعتمد على جُــملةٍ من القــوافـي المتــناوبــة والمتناظــرة وفق نسق معين. والموشحات تخـتلف عن الشــعر من ناحــية أخــــرى، حـــيث أنهـــــا تـنطــــــوي فــي بعـــض أجــزائها وبخـاصـــة خاتمــتها على العبــــارة العاميـــــة دون الفُـــصــــحى كــــما تـتـــــصـل الموشــــحات اتصــــالاً وثــيقاً بفن الموســيقى وطريقة الغناء فـي الأندلس.
بداية الموشح الاندلسي: بدأت الموشحات فــي الأندلس منذ القـرن الرابع الهجـري ولا زالـــت تُغـَــنـــى كــأغـــانٍ للمجــمــوعــــة فـي كـل من ليـبـيـــا والجـــزائـــر والمغــرب وموريتـانيا حتى الآن.
تسمية الموشح: تسمية الموشح استعيرت من الوشاح والذي يعّرف فـي المعـاجــم "سـيرٌ منسوج من الجلدِ مُرصّـــع بالجـواهر واللـؤلـؤ تـتـزين به المرأة“ ولهذا سمي هذا النمـط بالمـوشح لما انطــوى عليه مـن ترصيع وتزيين وتناظر صنعه.
تلحين الموشح: تلحــن الموشــحات على الـموازيــين الـمســتعــملة فـي الموسيقى العربية ويستحسن أن تلحن على الموازيين الكبيرة كالمربع والمحجر والمخمس والفاخــت أو من أي وزن آخر يقسـم الـموشـح عند تلحـينه إلى ثــلاثـة أقســام ويســـمــى القســـم الأول بالــدور ويقـاس عـليــه القســم الثــالـث وزنــاً وتلحـــيــناً ، أمـا القســـم الثــــاني فيســمى الخــانة وغــالباً ما يخــتلف الوزن والتلحـــين فـي هذا القسم عن الدور الأول والثالث.
انواع الموشح: هُناك عدة أنواع من الموشح تخـتلـف بعضـها عـن الأخر، من حيث الوزن والشـكل والرسـم والبيئـة وكـذلك من حــيـث التـوشـــح بهــا كـلحنـا أو لفظاً ــ أي الموشح ــ كصــوتا.
الكـار: وهـو الذي يبدأ بالتـرنـُّم ويكـون على إيقـاع كبير كموشح
“برزت شـمس الكـمال“
لأبي خليل القـــباني.
الكــار الناطق: وهو الذي يكون ملحناً على إيقـاعــات متوســطـة مع توريــة فـي الشـــعـر باســم المقــامات كــموشح:
غَـنّـت سُـليمَى فِـي الحِجَاز
وَأطــْـــرَبـَــتْ أهـْــــلَ العـِـــــرَاق
النقـش: وهو الذي يكـون مُلحناً من ثلاثـة إيقاعات إلى خمسـة غير محددة كموشح
"نـَـبّه النّـدْمَان صَـاح"
الزنجــير العربـي: وهـو الذي يكـون مُلحـناً من خــمســة إيقاعـــات غــيــر مُحــددة مـثـــل موسـيقــى نقـش الظــرافات.
نموذج لموشح الكار لابن معتز
أيُّها السّاقي إليكَ المشْتكَى**قَدْ دَعَونَاك وإنْ لَـمْ تَسْمعِ
ونديـــمٌ هِــمْت فــي غَــــرّتـِهِ ** وبــِــشـُربِ الــرّاحَ من رَاحَـتــِــهِ
كُلما اسْتيقَظَ مِنْ سَكـْرتِه
جَـــــذَبَ الزِّقَّ إليــهِ واتّــــــكَـــــا
وَسَـــقانِي أرْبَـعـــا فــــي أرْبَــــع
مَا لِعـَيْـنـي عَشِـيَتْ بالنّــظَــر
أنْكَـرَت بَعْدَكِ ضَــوْء القــَـمَر
وإذا مَا شِـئْت فاسْـمَع خَبَري
عَشِيَت عَيْناي مِنْ طُول البُكا**وَبَكا بَعْضِي عَلى بَعْضِي مَعِي
الزّنْجِـير التركي: وهـو الذي يكــون مُلــحــناً مــن خمســة إيقاعــات محــددة.
الضُّــــربَان: وهو الذي يتــألف من إيقــاعــين غــير محــددين ، فيــكون الدور من إيقــاع والخــانة من إيقـاع آخر كموشح ”ريم الغاب ناداني“ لنديـم الدرويش.
الـمألوف: ويتألف من دورين وخانة وغطـاء ويسمى سلسلة وهو من إيقاع واحد ومثاله”املألي الأقداح“
القَــدْ: موشح من إيقاع صـغير كالوحدة وأولــه يـبدأ كـمذهب يــردده المغـــنـون ، وأول ما لُحِّـنَ هذا اللــون سـمي بالـموشحات الصغيرة ولا يجوز أن نطلق عليه أغنية بل نقول قد وجمعه قدود.
اشهر الموشحيين الاندلسيين: من اشـــهر الـموشــحين الأندلســـيــيــن ابن قـــزمــان الأصــغر وهو محمد بن عيسى بن عبد الملك بن عيســى, أبو بــكر, المعـــروف بابن قــزمــان الأصــغر, تمييزا له عن عمه أبي بكر محـمد بن عبدالملك (ت 508هـ). من أهـل قرطبة كان إمام الزجالين بالأندلس, تناقل الناس أزجاله فـي أيامه.
كـان ينظم الموشحات بكلام العـامــة حين رأى نفـــسه مُقصِّرا عن أندادهِ ومُعاصريه فـي نظـم الشـــعر بكـــلام الفصــحاء من الشـــعراء كـابن خــــفاجــــة وابن حــمديس وغيرهما. فـي شــعره جرأة وشيء من النقـد الاجـــتماعي, وله ديــوان فيه مديــح وغزل وخمريات.
قال فـي الموازنة بين الفارس والأديب:
يُمْسِـك الفَارِس رُمْحـًا بـِيـَـدْ
وَأنـَــا أُمْـسِــكُ فِيْهـَـا قَصَـــبـَـة
فِكَــلاَنـَــا بَطـَــــلٌ فِــي حَــرْبــِـــهِ
إِنّمــَـا الأقـْـــلاَمُ رُمْــحَ الْكَــتَبـَـة
وله فـي الهرم بعد الشباب:
وَعَهْــدِي بِالشـّـبَابِ وَحُسْـنَ قَــدِّي
حَـكَى ألْـفَ ابْن مُقْلَةَ فـي الكِتَاب
فَصُــرْتُ اليَــوْمَ مُنْحَــنِيـًـا كَــأنـِّي
أُفَتِّشُ فِــي الــتُّـرَابِ عَـلَى شَـــبَابِي
وهناك ابن الصابوني الإشبيلي: وهو محمد بن أبي العباس أحمد بن محمد الصابوني الإشبيلي. كان يلقب بالحمار, لقّبه به أبو علي الشلوبين (ت 546هـ) فلزمــه هـــذا اللقـــب , لأنـــه ضــــــيق الصـــــدر مريــض الأعصاب, شـديد الانحراف عن المسلك الاجتماعي السـوي , سيئ التصرف. كــان شــاعرا جــيد المعــاني, متين السبك, جزل
لــه موشــحات , لكــن تطــرفــه فـي الإعجــاب بنفســـه أكســبه عداوات كثيرة وألقى ستارا على شهرته. اتصـل برجـال الدولتـين الـموحدية والحفصـية فلم يـَنلْ ما كان يُؤَمِلُه فــعـزم على الرحـلـة إلى مصــر, فلما وصلها لم يجد من يُقَدره قَدْرَه وعاجلته المنية فمــات فـي الطــريق إلى الإســكــندرية. قال عــنه ابن الأبار (ختمت الأندلس شعراءها بابن الصابوني).
من موشحاته:
قَسَمًا بالهَوَى لِذِي حَجَرٍ * مَا لِلّيْلِ المُشَوقِ مِـنْ فَجْر
خَـــمَدُ الصُّبـْــحُ لَيْسَ يُطْـــرُد
مـَــا لِلَيْــلـِي فِيْمـَــا أظُــنُّ غَــد
صَــحْ يـَـا لَيْــلُ أنـّـــكَ الأَبــَــــد
أوْ تَقَضّتْ قَـوَادِمَ النّسْرِ * فَنُجُـومَ السّـمَاءِ لاَ تَسْـرِي
ابن الجــيان أبو عـبد الله: هو محـمد بن محـمد بن أحمد الأنصــاري, أبو عبد الله بن الجــــيان, من أهــل (مرسية). من الكـتاب الشــعراء. كــان قصــيرا جــدا يظن من يراه من خـلف أنه ابن ثـمانية أعوام. خــرج من بلنســية سنة 640هـ حين استولى عليها الأســبان واســتقر فـي (بجـــــاية) بالـمغرب الأوسـط (الجــزائر) وكــانت بينه وبـين كـــتاب عصـــره مكـاتبـات ظــهرت فيها براعته. توفـي فـي (بجاية).
له موشـحة فـي مدح الرســول صلى الله عليه وسلم يقول فيها:
اللهُ زَادَ مُــحَـــــــمّــدًا تَـــــــكْـــــريــْــــــــمــــا
وَحَبـَـــاه فَضْــــلاً مِـنْ لَدُنْهُ عَظِــــيْــما
وَاخْتَصّــــــهُ فِــي الـمُرْسَلِيْن كَـرِيْما
ذَا رَأْفَـــةٍ بـِالـمُـؤْمـِــنـِـيْـــنَ رَحَــــــيْــمـــا
صَـــلـّـــــوا عَــلَيـْـهِ وَسَــــلِّمِوا تَسْـــلِيْما
هـناك عدد كــثير من الـموشــحين الأندلسـيـيـن نذكـر بعضا منهـم لا للحصر:
1. ابن اللبانة. هو محمد بن عيسى بن محــمــد اللخــمي الدانــي , أبــو بكــــر مــن أهـــل (دانــيـــــة) بالأندلس وإليها نسبته. واللبانـة هي أمــه التـي كــانت فيما يبدو تبيع اللبن. أديب ناثر, شاعر, مُكـثـر ومُجيــد فـي نـثــــره وشــعـــره ولــه قــصــــــائد وموشـحات يتصرف فيها فـي الـمعاني بقليل من التكلف.
2. ابن حزمون المرسي. هو علي بن عبد الرحمن بن حـزمون, شاعر يغـلب عليه نظـم الموشحات. كان كثير الميل إلى الهجاء. لما عاد من وقـعة (الأرك) منتصرا ومطلعها:
حَيّتْكَ مًعَطّـرَةَ الْنَّفَسْ * نَفَحَـاتُ الفَتْحِ بِأَنْدَلُس
فَــذَرْ الكُفـَّـــارَ وَمـَــأْتَمِهِمْ * إنّ الإسْـــلاَمَ لَفـِـي عُــرْس
3. ابن سناء الملك. هو هبة الله بن جـعفر بــن سناء الملــك أبو عـــبد الله محــمد بن هـــبة الله الســـــعدي المصـــري من مصـــنفاتــه (ديــوان رســـائل) و (ديـــوان شعر) ثم ديــوان موشحات ســـماه (دار الطـــراز) ولـــه كتاب (روح الحيوان) اختصره من كــتاب الحيوان للجاحظ وغير ذلك توفي في القاهرة عن 73 عاما.
ولابن سناء موشح فـي الغزل بعد المديح:
وَغَـانِــيـَـة لَـمْ تَعْـد عِشْــــرِيْنَ حُــجَّـــــة
أقـُــــولُ لَهـَــا قـَــــوْلاً لَــــدَيْــــهِ ثـَـــــــــوَاب
عَلَيْــكِ زَكَاةٍ فَاجْعَلِيَهَـا وِصَــــالَــنَا
لأنـَّكِ فِـي الْعِشْـرِيْنَ وَهِـيَ نِصَــــــاب
وَمـَـا طَــــلَـبـِـي إلاّ قُـــبُــولٌ وَقُــــــبْـــلـَـــــةً
وَمَــــــا أَرْبِــــــيْ إلاّ رِضـَـــــــى وَرِضَــــــــاب
قائمة بالوشاحيين الاندلسيين حسب الترتيب الزمني: ابن الصابون الأشـــــبيلي 634هـ
أبو الحجـــاج الأشــــــبيلي 636هـ
شـــهـــاب الديــن العــــــزازي 710هـ
صــدر الدين أبو الوكـــيل 716هـ
الدهـــــــان الدمشـــــــــقـــــــــي 720هـ
إبـــــــــــــــن اللبـــــّـــانـــــــــــــــــــــــــة 507هـ
ابن قــــزمــان الكـــــــــبيـر 508هـ
أبو العباس التطـــيـــلي 525هـ
ابــــــــــــــن عـُــــــــــــرْلــَـــــــــــــــة 554هـ
ابن قـــزمان الأصـــــــــغر 555هـ
مذعـليــس 555هـ
أبو الحــســـن بن نـــــــزار 570هـ
ابـــــــــــــــــن هـــــــــــــــــــــردوس 573هـ
ابـــــــــن ســـــــــناء الـملك 608هـ
ابــــن هـــزمــون الـمرسي 614هـ
الواســـطـي القـاســـــــــــم 614هـ
ابن الجـيـان أبو عـبدالله 650هـ
شهاب الدين الـموصـلي 683هــ










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:42   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

المحاضره السادسة :الازجال
{ بسم الله الرحمن الرحيم}
الحمدلله المنعوت بجميل الصفات, وصلى الله على سيدنا محمد أشرف الكائنات المبعوث بالهدى ودين الحق وعلى آله وصحبه أجمعين...
وأشرعت الأندلس العظيمة أبوابها لقادة راحَ مجدهم التليد في بلاد العرب فبحثوا عنه فلم يجدوه إلا في أحضانها... هكذا هم القادة الأمويين.. هكذا هو عبد الرحمن الداخل يشمر عن ساعديه ليؤسس حضارة إسلامية تليدة شهدت بها قصور الزهراء والحمراء.. شهدت بها الكتب والمخطوطات.. شهدت بها الفنون والعلوم. نعم.. الزجل الذي كان كالموشحات أند لسي النشأة والولادة, وأن الأندلسيين استحدثوه بعدما شاع فن التوشيح عندهم وبلغ الغاية, والحقيقة أن الحديث عن نشأة الأزجال أصعب بكثير من الحديث عن نشأة الموشحات, فإذا كانت الموشحات وليد الأغنية التي يقترن ظهورها بقيام مجالس الأنس والطرب في قصور الملوك والأمراء والوزراء, فإن الأزجال وليدة البيئة العامية
ويبدو أن أنقلاباً خطيراً وقع لأهل الأندلس من قبل الموشحات, يوم قضت على محاولتهم الأولى في مرحلة مبكرة عندما كانت المنظومات الغنائية لا تزال تحبو رويداً, وتخطو خطواتها الأولى نحو التطور, فلم تبق لهم من اغنيتهم الشعبية بلغتهم الدارجة غير " الخرجة" وقد تمكنت الموشحات من نفوس الأندلسيين لعدوبتها وأناقتها, وحلاوة الخرجة فيها, فأنستهم ما كان من أمر ثورتهم وانقيادهم للغتهم العامية, ولكن لم تكد الفرصة المواتية تُتاح لهم, حتى سارعوا بدافع من شوقهم وحنينهم إلى لغتهم الدارجة, يعبرون من خلالها عن شؤونهم وقضاياهم, وعن مظاهر حياتهم العامة بجدها وهزلها, وأفراحها وأحزانها.
هذا هو فن الزجل فن حديث استحدثه أهل الأندلس, وسوف يرد المزيد عنه في ثنايا بحثنا هذا وإن دل على شيء إنما يدل على حضارة المسلمين وفنهم الرفيع.
• متى وكيف ظهر الزجل: الزجل فنُُ من فنون الشعر التي أستحدثها الأندلسيون ، وعلى هذا فهو وليد البيئة الأندلسية، وقد شاع الزجل بعد أن كانت الموشحات قد أحتلت مكانتها العتيدة وثبتت أقدامها ورسخت أركانها في المجتمع الأدبي الأندلسي.
• وطبيعي أَنْ يشكل الزجل المرحلة الثالثة من مراحل تطور الشعر الأندلسي، فالمرحلة الأولى شملت ما قاله الشعراء من الشعر الفصيح ، والمرحلة الثانية كانت إدخال بعض الألفاظ العامية في ذاك الشعر الفصيح , وبعد ذلك ظهر الزجل في المرحلة الثالثة التي تمثلت في تحوير بناء القصيدة ودخول بعض المقطوعات التي تعبر عن رغبات العامة وتتفق مع ميولهم
• أَمَّا عن مخترع الزجل فإنَّ مؤرخو الشعر الأندلسي لَمْ يُشيروا لا من قريب أو من بعيد إلى مخترع هذا الفن لأنَّ الزجل " عبارة عن الأغنية الشعبية وهي عادة تكون من تأليف العوام من الناس أي مجهولة المؤلف، إلا أنهم ذكروا أول مَنُ أبدع القول فيه وهو أبن قزمان ـ على أن ذلك فيه خلاف سوف نشير إليه عند الحديث عن أبن قزمان ـ فهذا عبد الملك بن سعيد(ت685هـ.) يقول عن ذلك " قيلت ـ الأزجال ـ قبل أبي بكر بن قزمان ، ولكن لَمُ تظهر حلاها، ولا أنسبكت معانيها، ولا اشتهرت رشاقتها إلا في زمانه
• الزجل ظهر في عهد المرابطين مع أن في هذا العصر أنحط الشعر الفصيح لأنه لم يوجد مايهيء أو يهذب خشونة أصحاب ذاك العصر ويرقق أذواقهم فغلب في هذا العهد ذوق العوام فنزع نزعة الزجل والتو شيح. كما أن الزجل نشأ وظهر في القصائد والموشحات التي لاترقى إليها أفهام العامة , فأن لهؤلاء العامة أيضاً شعرهم الشعبي ممثلاً في أغانيهم الشعبية التي هي مظهر لحياتهم العقلية، وآرائهم الاجتماعية وآدابهم وأخلاقهم.
• تعريف الزجل: الزجل في اللغة: الصَّوْت يقال: سحاب زَجِل: إذا كان فيه الرعد. ويقال لصوت الأحجار والحديد والجماد أيضاً: زجل. قال الشاعر:
• مررتُ على وادي شِياثٍ فَراغي به زَجلُ الأَحجار تحت المعادلِ
• والزجل في لسان العرب: اللعب والجلية ورفع الصوت، وخص به التطريب.
• وهذه الفنون تختلف بحسب اختلاف بلاد مخترعيها وتفاوت اصطلاح مبتدعيها:
• فمنها ما يكون له وزن واحد، وقافية واحدة، وهو الكانْ وكانْ.
• ومنها ما يكون له وزن واحد، ,أربع قوافٍ، وهو العواليّا.
• ومنها ما يكون له وزنان، وثلاث قوافٍ، وهو القُوُمَا.
• ومنها ما يكون له عدذ أوزان، وعدة قوافٍ، وهو الزجل.
• لما سمي الزجل بهذا الاسم: سمي هذا الفن زجلاً، لأنه لا يلتذُّ به، وتفهم مقاطع أوزانه، ولزوم قوافيه حتى يُغنى به ويُوت، فيزول اللبس بذلك.
وسمي أيضاً بذلك لترجيع الصوت به في الإنشاء
• اقسام الزجل: للزجل أربعة أقسام يفرق بينها بمضمونها المفهوم لا بالأوزان واللزوم فلقبوا :
• 1ـ ما تضمن الغزل والنسيب زجلاً.
• 2ـ ما تضمن الهزل والخلاعة والأحماض بُلّيْقا.
• 3ـ ما تضمن الهجاء والثَّلْب قرقيّا.
• 4ـ وما تضمن المواعظ والحكم مكَفرا ولقبه مشتق من تكفير الذنوب.
• ابن قزمان: بما أن أبن قزمان إمام الزجالين على الإطلاق نورد نبذه عنه.
• هو أبو بكر محمد بن عيسى بن عبد الملك بن عيسى بن قزمان الأصفر، أمام الزجالين بالأندلس. ولد في مدينة قرطبة العريقة سنة406هـ ـ 1068م ، وقيل 480هـ ، أما وفاته فقد كانت في 554هـ ـ 1160م، في الوقت الذي حاصر فيه الأمير محمد بن سعد بن مرنيش قرطبة. وقد بدا حياته شاعراً فلما أحس بأنه لن يصل على مرتبة شعراء عصره كابن خفاجة, وأنس في الوقت نفسه القدره على الزجل والإبداع فيه أنصرف إليه بكل طاقته
• فتفوق على جميع معاصريه في هذا الفن. لم يكن ابن قزمان المبتكر الأول لهذا الفن ، وإنما سبقه إليه آخرون غلا أن أبن قزمان يزعم أن هؤلاء كانوا لا يعرفون طريق الأزجال الصحيحة.
• وقد درس الدكتور الأهواني ابن قزمان من أزجاله دراسة دقيقة تفصيلية, وصورته الشخصية فيها أنه: طويل القامة ابيض الوجه اشعر اللحية ازرق العينين وهذا قد يوحي بأنه كان جميلاً إلا أن أبن سعيد يذكر في ترجمته نزهون الغرناطية أن ابن قزمان كان قبيح المنظر وأنه لبس مرة عفارة صفراء فرأته نزهون وقالت له: أصبحت كبقرة بني إسرائيل ولكن لا تسر الناظرين
• لقد عاشت أزجال أبن قزمان وأولع بها الناس خصوصاً المشارقة، حتى كانت في القرن السابع كما قال ابن سعيد العربي مروية في بغداد أكثر مما هي في حواضر المغرب، وكان أهل الأندلس يقولون " أبن قزمان في الزجالين بمنزلة المتنبي في الشعراء" ولقد كانت فلسفة ابن قزمان في الدنيا تقوم على أن عمر الإنسان ذاهب .
• فإذا حاول أحد أن يحاكيه وجده لا يُدرك ولا يُلحق.
موضوعات الزجل/ وصف الطبيعه
• إذا كانت بيئة الأندلس الطبيعية قد فتنت الشعراء والوشاحين فلا شك أن الزجل لا يستطيع أن يتخلف عن المشاركة في هذا الميدان، وهذا أبو علي الدباغ يقدم هذا الزجل في وصف الطبيعة فيقول :
• لا شرابْ إلا في بستانْ والربيع قد فاح نوارُ
• يبكي الغمام ويضحـــك أقحوان مع بهـــــار
• والمياه مثل الثعـابيـن في ذاك السواقي دارُ
• الهجاء: هو الطرف المناقض للمديح، فإنه من الطبيعي أن يطرق موضوع الهجاء, لقد طرقه بقسوة وإقذاع وتدنّ، إن شعراء الفصحى في الأندلس قد أسرفوا في فحشهم حينما طرقوا هذا الموضوع، فمن المتوقع أن يكون الزجالون أكثر فحشاً وأشد إقذاعا، ولكن ذلك لم يمنع من وجود أهاجي زجليه تتسم بخفة الروح والنكتة البارعة مع اصطناع السخرية اللاذعة, ومن هذا النوع ما أنشأه أبو علي الدباغ في هجاء طبيب:
أن ريت من عداك يشتكي من تلطيخ
وتريـد أن يقبـــــــر أحملُ للمــــــــريخ
قد حلف ملك الموت بجميع أيمانُ
ألا يبرح ساعة من جوار دكـــان
ويريــح روحٌٌٌ ويعظـــــم شــــــانُ
• التصوف: فقد ظهرت نزعة التصوف في القرن السابع، ومن شعراء الصوفية أبو الحسن الشنتري وقيمة هذا الشاعر الكبير تتمثل في غزارة أدبه الصوفي المنوع الأشكال وفي انه الناقل الحقيقي للزجل من الموضوعات الدنيوية المحسّة كالعشق الحسي والغزل في الغلمان والخمر، إلى جو هو تمجيد الله والهيام في حبه
• الغزل/ لن نشأته أتت مصاحبه للغزل واللهو المجون وغيرها من الموضوعات الزجالين لمدحهم بالغزل، كما فعل أبن قزمان في مدائحه جرياً على التقاليد الموروثة في بناء القصيدة العربية وبعضهم مزج غزله بوصف الخمر ومثال ذلك:
• الذي يعشق مليــــح والذي يشرب عتيـــــق
• المليح أبيض سمين والشراب أصفر رقيق
• طريقة بناء الازجال: بناء الأزجال هي الأقرب إلى بناء القصيدة الشعرية منها فن التو شيح في طريقة بناء هيكل الزجل. ويعد الزجل من الفنون الملحونه" هو أرفعها رتبة، وأشرفها نسبة ، وأكثرها أوزاناً ، وأرجحها ميزانا، ولم تزل إلى عصرنا هذا أوزانه متجددة، وقوافيه متعددة، ومخترعوه أهل المغرب، ثم تداوله الناس بعدهم .
فالزجل يبدأ بمطلع ويستمر في النظام حتى الانتهاء من زجله، والأزجال لا تتقيد بعدد من الأقفال والأبيات، ويكون بنائه على الشكل الآتي:
• 1) المطلع .
• 2) الـقفـــل.
• 3) البيــــت.
4) الخرجة
تاريخ الزجل حسب القرون
في القرن الخامس .
• قدر الدارسون أن الزجل ظهر في الوقت الذي أخذ فيه التوشيح يتجه إلى التعقيد والتكلف ويبتعد عن البساطه الأولى .... ومعنى هذا أن الزجل يرجع إلى أواخر القرن الهجري، حيث عاش عبادة بن ماء السماء ويوسف بن هارون الرمادي، وهما اللذان أدخلا التغيير على التوشيح، حسب نص أبن بسّام.ولن نستطيع أن نتحدث حديثاً طويلاً عن الزجل خلال القرون الخامس الهجري لأن نصوص الأزجال في ذلك القرن قد ضاعت كلها، ولم يصل إلينا عن الزجل غير أشارات موجزه نجدها في المقدمة التي كتبها أبن قزمان .
• ابن قزمان يؤكد أن الزجالين في القرن الخامس كانوا يقتربون في فنهم من الوشاحين، وأنهم كانوا يتأثرون بهم، ومعنى هذا إنهم كانوا من المثقفين الذين أرادوا لغتهم أن ينتشر بين طبقات من الخاصة، ولم يقصدوا به جماهير العامة ، ولعل كَساد أزجالهم يرتد إلى أن القرن الخامس، وهو عصر الطوائف، كان قرن التوشيح والقصائد، إذ أن ملوك الطوائف كانوا يتشبهون في حياتهم الأدبية بالعصور الذهبية للشعر العربي في بلاط العباسيين، فلم يكن للأزجال ولكل ماهو ملحون مكان كبير عندهم.
• 2- الزجل في القرن السادس
• إذا كنا لا نعرف من أسماء الزجالين قبل ابن قزمان غير اسمين أو ثلاثة فإننا نعرف من معاصري ابن قزمان، أي ممن عاشوا في القرن السادس الهجري، ضعف هذا العصر، فلدينا غير أبن قزمان بعض من ذكر أسمائهم معه في جولاته في أشبيلية وفي تنزهانه.
• ومن أشهر زجالي هذا العصر أبو عمرو بن الزاهد وهو اشبيلي أيضاً وأبو الحسن المقرئ الداني، أبو بكر بن مرتيت. وهؤلاء الزجالين فيما عدا أبن قزمان وأبن الزاهد لا تعرف عنهم غير أسمائهم ولا نجد لهم غير مقطوعة واحدة .
• 3-الزجل في القرن السابع.
• ولا نعرف عن الزجالين الذين عاشوا في القرن السابع الهجري وما بعده إلا أسماء قليلة, وبعض مختارات لا تتجاوز أسطراً لا يتضح منها سيء عن حياة الزجال أو عن الأطوار التي تقلب فيها الزجل.ولا يذكر غير أسطر قليلة عن أثنين من الزجالين وهما أبن جحد ر الذي فضل الزجالين في فتح ميورقه، وقد جعله أبن سعيد إمام عصره في قوله أثناء الحديث أبن قزمان. غير أن زجالاً آخر في عصر أبن سعيد وهو أبو علي الحسن بن أبي نصر الذباغ ألف كتاباً في مختار ما للزجالين المطبوعين أعتمد عليه أبن سعيد ونقل منه مختارات لزجالي القرن السابع ،
• وإذا جاز لنا بعد هذا أن نحكم على الزجل في القرن السابع الهجري، فليس لنا ما نقوله إلا أن الزجل من ناحية شكله ونظامه الخارجي ظل متجهاً إلى تقليل القوافي والبعد عن مزاحمة الفقرات وتعددها. أما موضوعات الزجل أو أغراضه فقد ظل الحب يستأثر فيه بالمكان الأول وكذلك الحديث عن الرياض وجمال الطبيعة وكل ما يسجل في يبدو أنها استحدثت في هذا القرن ومع ذلك فلا يتبقى أن ننسى أن القرن السابع كان قرن المحنة الكبرى للأندلس ففيه سقطت قرطبة, وضاعت أشبيلية، والتي جعلت أهل الأندلس ينتظرون سقوط الأندلس كلها عاماً بعد عام.
• 4-الزجل في القرن الثامن .
• ومن أهم الزجالين في هذا العصر الوزير ابو عبد الله ابن الخطيب له ثلاث مقطوعات قصيرة في الشراب والتصوف ناحياً فيها منحى الششتري, وأخبار ابن الخطيب كثيرة جداً ولقد وصلت إلينا مؤلفاته منها مخطوط ومنها ماهو مطبوع ، و شهرة أبن الخطيب وحياته ومؤلفاته في شيء غير الزجل وزجله مع ذلك لم يصل إلينا إلا من خلال ما ذكره أبن خلدون, ويظهر لنا أن الزجل كان عارضاً في أنتاج هذا الوزير السياسي الطبيب المؤرخ الشاعر الوشاح ولا يمكن أن نعده من الزجالين لمشاركه اليسيرة في فن الزجل ولك لا يخلو إنتاجه الضخم من شيء منه.
تاريخ الزجل حسب الفئات
الزجل عند المدجنين.
في القرون الوسطى وجد نصاَ لشاعر من اشهر شعراء اللغة الأسبانية على الإطلاق هو المسمى قسيس هيتا الذي عاش في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي، أي قبل سقوط غرناطة بقرن ونصف، لهذا الشاعر ديوان بعنوان ellipro do buen amor يقص فيه الشاعر حياته ومغامراته. وقد تحدث فيه الشعر الذي ينظمه وعد من بين ما ينظمه شعراً يصنعه لنساء مسلمات moras وهو هنا يريد الجماعات الإسلامية التي كانت تعيش تحت حكم الدول المسيحية، يعرفون بأسم ( المد جنيين) في العربية ولا ندري إلا أي حد كان القسيس يعرف العربية. ولكن هذه المنظومات التي كان يصنعها للمسلمات كانت فيما يعتقد الباحثون مكتوبة في اللغة الأسبانية التي كان يعرفها المدجنون، ولكنها على نمط الأغاني العربية التي كانت لا تزال متوارثة بين هذه الجماعات، التي احتفظت بالإسلام على أن النصوص الأسبانية كثيرة فيما يتصل بنشاط المد جنيين واشتراكهم في إحياء الحفلات بالغناء والرقص، حتى أن مجمع القساوسة الذي انعقد في بلد الوليد سنة1322م شكا من أن المسيحيين يدخلون الكنائس نفسها المسلمين واليهود، يغنون ويعزفون على الآلات الموسيقية.
• زجل عند المتصوفين : فلقد ظهر قبل ذلك بقرون واسم الششتري مقرون دائماً بالزجل التصوفي, وأبو الحسن علي بن عبدالله الششتري من رجال القرن السابع الهجري ولد في الأندلس وعاش فيها منذ صباه وشبابه، وله ديوان كبير فيه قصائد وموشحات وأزجال، وله رسائل وكتب في التصوف، وقد تحدث عنه كثيراً من تلاميذه وزجله كإنتاجه الآخر يصور مذهبه التصوفي، والقول بوحدة الوجود، ولكننا إذا تركنا جانباً هذه الناحية التصوفية أو الفلسفية في منظوماته وحاولنا أن نلتمس صورة إنسانية لحياة هذه الشخصية العظيمة حقاً, وجدنا هذه الصورة وإن ضاقت حدودها في الزجل، أكثر مما نجد في الشعر
• زجل عند المصريين : كان للزجل عند المصريين تاريخ خاص لموافقة هذه الطريقة مافي طباعهم من اللين ومشايعة الكلام بشيء من التهكم الذي بعث عليه صفوة الفتور الطبيعية فيهم، ويقال فيها ( ذوق حلاوة النيل ).
• ـ أنواع الزجل عند المصريين وسبب تسمية كل نوع بهذا الاسم:
• كان الزجل عند المصريين على ضربين:
• الأول عُرف بالبليقة وعرف الثاني باسم القرقيه.
• وسميت البليقة بهذا الاسم مأخوذة من البلق وهو أختلاف الألوان.
• أما القرقية سميت كذلك من القرق، وهي لعبة يلعب بها صبيان الأعراب, وذكر هذه اللعبة صاحب القاموس: القرِق ، ووصفها ورسمت خطوطها في تاج العروس.
• الفرق بن البليقة والقرقية وبين الزجل:
• أن الزجل متى جاء فيه الكلام المعرب كان معيباً له، أما البليقة لبست كالزجل، بل يذكر فيها المعرب وغير المعرب.
• والبليقة لا تزيد عن خمس حشوات غالباً, وقد تنتمي إلى السبع قليلاً والقرقية تزيد كثيراً على حكم الزجل.
• من أخترع البليقة والقرقيات:
• اخترعت البليقة في القرن السابع، لكنهم تبسطو فيها حتى ظهر عندهم ما يسمى بالقرقيات، ولا تحقق تاريخها ولكنها متأخرة عن المائة السابعة حتماً، والدليل على ذلك ما ورد في ترجمة صدر الدين بن الرحل المتوفى سنة 716هـ بالقاهرة صاحب كتاب( فوات الوفيات) والمعروف كذلك بابن الوكيل المصري حيث قال:" وشعره مليح للقرقيات يدل على أنها كانت غير معروفة في ذلك الوقت وإن كانت من الزجل.
• ـ أشهر نوابغ المصريين في الأزجال من المتقدمين: الغباري كان من المصريين الدين نبغوا في الأزجال وكان ذلك في عهد السلطان حسن، فقد كان لأزجاله شهرة بعيدة لما توفر فيها من دقة الصنعة وإبداع المعاني وكثرة التفنن. وفي مجموعة من مدائحه حملاًً زجلياً( أهل هذا الفن يسمون ما يعادل القصيدة في الشعر منه : حملاً ) لرئيس العامة على عهد محمد علي باشا, وهو محمد الحباك القشاشي، يزاهي (560 ) بيتاً، مدح فيه أهل مصر على طريقة عامية ذكره في الزجل، وقال: إن الغباري ما أستطاع أن يضبط محاسن مصر فيما وصف.
• مدى شهرة الزجل في مصر:
• لا زال هذا الفن مشهوراً بمصر على عهدنا, ولأهله فيه إحسان كثير وهم يرتجلونه ويحاضرون به، فقد ذكر الأذيب ( عبدالله نديم المصري ) الشهير في مجلة الأستاذ واقعة في المساجلة بالزجل مع بعض روؤساء الفن من العامة، وكان الشرط أن من تلعثم أو استبلع الآخر ريقه يبتغي بذلك مهل البديهة وخلسة الفكر فهو المغلبّ، وذكر هناك بعض الأوزان التي أخذوا فيها.
زجل عند الاوربيين: فيما يتصل باللغة البرتغالية توجد أشعار جاءت في قالب زجلي في ديوان الفاتيكانة وفي مختارات برانكوتي وتظهر أيضاً في قصائد فرنان فلهو شاعر من عصر الملك الفونسو العاشر الملقب بالعالم وفي ديوان الشاعر بايوسواريز.
في أنجلتر نلتقي بأغان شعرية قديمة موجهة إلى العذراء أو تقال في أعيــــــــاد الميلاد، صبت في هذا القالب الشعري الأندلسي وحتى يومنا لا نزال نجد في الأغان الشعبية في إسكوتلانده، وفي إيرلندة، رباعيات جاءت على نمط أزجال مسلمي الأندلس.
• فيما يتصل بأسبانيا احتفضت هذه بشكل الزجل حياً خلال العصور الوسطى، وفي العصر الذهبي للأدب الإسباني ( القرن السادس عشر الميلادي ) ولقد حاز العلماء فقه اللغة زمناً في أوزان أغاني الفونسو العاشر، أما الآن وبعد أن قام خوليان ريبيرا بدراسة موسيقاها على نحو رائع وخالد، فيمكن تفسيرها في ضوء الزجل الأندلسي قالباً ووزناً، فإذا كتبت هذه الأغاني دون أن نقطع الأبيات إلى أشطار وجدنا معظمها من طراز الأزجال, وإن كان القفل ينظم على قافية سابقة.
زجل عند المسيحيين: كان لزجل الديني صدَّ في العالم المسيحي المعاصر كما أشار إليه" رامون لول " هو من أهل جزيرة " ميورقه كبرى "
لكن ما وصل إلينا من هذا الزجل الديني بغض النظر عن الششتري، قد ظل هذا النوع يحمل ذكرى انتسابه إلى الزجل الدنيوي في خرجاته، فكثير من أزجال الششتري تحتفظ بخرجيهما كانت موجودة من قبله في أزجال أبن قزمان، ويستتبع وجود هذه الخرجات التزام نفس الوزن ونفس نظام القوافي.
• بيئة الزجل في الاندلس: أن الأزجال الصوفية وجدت لها بيئة خاصة عاشت فيها, وكذلك وجدت الأزجال الغزلية بيئة أخرى خاصة بها بيئة الأولى جماعة الفقراء الذين خلعوا الدنيا وهاموا في حب الله سائحين مقتربين ينشدون أزجال الششتري ويغنون فيها، بل يرقصون على ألحانها وبيئة الثانية طبقة من الشباب الأرستقراطيين من أهل قرطبة وأشبيلية وبقية المدن الأندلسية وجدوا بين أيديهم مالاً, ووجدوا بطالة مصدرها انحلال المجتمع الأندلسي وابتعاده عن مسح الحوادث الكبرى، حيث أنفرد بتدبيره البربر المرابطون من جهة والقشتاليون من الجهة الأخرى: إنهم جماعة من الشباب لا يبالون بغير اللذة واللهو والعكوف على الشراب وإحياء الليالي بالغناء والرقص والبحث عن العشق وغالب الظن أن الحروب الكثيرة قد ذهب ضحيتها كثير من الرجال أهل السن, وخلفوا شباباً ورثوا عنهم بعض المال فأنفقوه في شهواتهم و ولم يجدوا أباً يرعاهم أو عملاً يشغلهم وديوان أبن قزمان يعطينا صورة لهذا المجتمع الأندلسي.
• تاثر القصائد في الازجال: لقد ظهر تأثير القصيدة جلياً واضحاً في الأزجال, ظهر في شكلها الخارجي, كما ظهر في أسلوبها وأصول الصنعة فيها, وظهر في معانيها وأخيلتها.
• ومهما تكن قدم هذه القصائد أو تأخرها من ناحية الزمن, فأنها ستظل شاهداً على سلطان القصيدة على الزجل والزجالين.
• وقد رأينا أن الموضوعات الكبرى التي تناولتها القصيدة تناولها الزجال أيضاً فالنسيب والمديح والخمريات, والهجاء والفخر والرثاء وأحياناً, كل ذلك لم يوجد في الزجل وجوداً مستقلاً وإنما وجد قبل كل شيء لأنه كان موجوداً في القصيدة ونسجل منها بعض هذه الظواهر.
• الغزل مقدمة للمديح:
• المديح موجود في الأزجال وأكبر مجموعة وصل إلينا من الأزجال ـ نحو ثلاثة أرباعها لم تخل من إشارة غلى ممدوح وإنما هو فيما نعتقد، تقليد للقصيدة،ومحاكاة لها.
• الخروج إلى المديح:
أن العلماء عنوا بمسألة الخروج من الغزل إلى المديح وإن منهم من يطغى إلى ذلك دون تمهيد قائلاً ( دع عنك هذا ) أو ما يشبه ذلك من العبارات.
دعُ ذا كل فلس فيه فابد وما مضى الكلام فيه زايد
وامدح بنا الوزير القايـد ابـــن سعـــاد انو عـــبد الله.
• معاني المديح :
ولو نظرنا في المعاني التي مدح بها الزجال ممدوحيه، والتشبيهات التي أستخدمها، وأنواع المجاز لوجدنا في مواضيع كثيرة جداً صورة الشعراء تطل علينا من خلف هذه النصوص، ورأينا جملاً وتراكيب ألفناها في القصائد مثل :
إذ تُســـــــاق إلى أياديه فالسحاب إلى يسثاق.
ولم يقف تأثير الشعراء في الزجاليين عند المعاني والأساليب والصنعة الفنية وإنما كان لهم أثرهم في خلق هذا الوضع الإجتماعي , الذي جعل الصلة بين الزجال والأمير كالصلة بين الشاعر والأمير نريد مادحاً وممدوحاً.
• تأثير القصيدة في أبواب أخرى:
وقد أثرت القصيدة العربية في كل الأبواب الأخرى، التي عالجها الزجالون، فهي واضحة التأثير في الشراب والخمر وفي الوصف وفي الفخر وفي الغزل أيضاً.
• والمقابلات البلاغية بين الشراب والمعشوق انتقلت أيضاً إلى الزجل:
الــذي نعشق مليــح والـــــذي نشرب عتيق
المليح أبيض سمين وتالشراب أصفر رقيق
• وصف الطبيعة :
• وكذلك في وصف الطبيعة نجد عند أبي علي الذباغ هذه الصور.
لأشرب إلا في يستان والربيع قد فاح الأنوار
يبكر الغمام ويضحك اقــــحوان مع بهــــــــار
ومال يقال عن الوصف يقال أيضاً عن جانب كبير من الغزل .
والمعاني العامية في هذا الفن الجديد هو الذي أكسب الزجل طرافته, والذي جعله يستطيع الشباب أمام أصحاب القصيدة لأنه لو ظل قانعاً بالدائرة القديمة لا يخرج عنها، لحكم على نفسه بالموت.
• تاثير الشعبي في الزجا: فالزجل أدب واقعي كلة محادثات فيها حياة فنحن لسنا أمام شاعر يتخيل المواقف تخيلاً, وإنما نحن أمام زجل أندلسي يعيش في قرطبة بأزقتها.. عاداتها.. شبانها ونسائها.. لذلك رأينا أن نستعرض بعض ما أستوقفنا من تلك الأزجال وما فيها من معاني وصيغ وطرافة يستمتع فيها القارىء.. وقد تجيء هذه الحياة في الزجل عن غير تركيب عامي وعن غير ألفاظ جديدة، فيكفي أن يذكر الزجال لفظ.."ياابني" مكان ك يابُنَي" التي يستخدمها الشاعر لنحس بنعمة جديدة كقولةه في مطلع زجل:
ترى يا قمّتي متى تنجلي واش ذا الهجران ياابْني يا علي
• وقد يكتسب الزجل طرافته من أسماء الأصوات التي يكثر منها الزجالونن فتصور للسامع المكان والزمان مع الحركة والسرعة:
طَق من بالباب؟ أن هو خـــــرجْ لي
• وقد تجيء قوة التعبير من ذكر ألوان أقترنت في أذهان الناس بمعان مثل:
يوم نراك ياعين يا بياض
• فهذه كلها أساليب من الحديث اليومي أنتقلت إلى الأزجال زلكنها لم تنتقل على القصائد. ومن الزجل لما اراد الزجَّال أن يعبر عن عصيان المعشوق, ومعاكسة لرغبات العاشق قال :
لم قط يُرى معشوق إلا مُخالف إن قلت له أجلس يقوم واقف
• كذلك ما يقوله الزجال عن ممدوح له:
لًفظه يُغنيك عن العشا والغذا
كل هذا فيه بساطة ومبالغة لطيفة وفي الوقت نفسه, وهو معنى متداول عن الحديث الممتع والحديث المشبع.
هل الزجل فن شعبي: نلاحظ من دراسة ازجال أبن قزمان دراسة دقيقة إن هذه الازجال مهما كان حظ الخيال العامي فيها والمعاني الشعبية, لم تكن فناً شعبياً صحيحاً، وإنما كانت مزيجاً من فنيين فن خاص قديم يتداول بين الشعراء والوشاحين.
• وفن شعبي لا سند له من التراث المكتوب.
وأن جمهور الزجل لم يكن الشعب في الأزقة والحارات كما لم يكن أيضاً الجماعة الضيقة لمحدوده التي نظم لها الشعراء والقصائد.
العلاقه بين الزجل والموشحات: 1- البناء.
يتشابه الموشح مع الزجل حيث يبنى كل منهما المطلع والأبيات والأقفال والخرجة عدا أن بناء المطلع في الموشح يختلف عن بنائه في الزجل؛ ففي الموشح المطلع يكون مثل بناء الأقفال والخرجة ؛ فعلى سبيل المثال:
ياولاة الحبَّ إن دمي سفتكتهُ الأعينُ النَّجلُ
فالمطلع يتكون من جزأين وكذلك بقية الأقفال ن فالقفل الأول:
فتكت بي فتك منتقم بسهام راشها الكحلُ
والقفل الثاني :
صنمُُ, ناهيك من صنم حائرُُ في خدَّه االخجلُ.,
وهكذا في باقي الأقفال حتى الخرجة
فكمالُ الحسن بالكرم والذي يزرى به البخِلُ.
فعدد الأجزاء في المطلع هي نفسها عدد الأجزاء في الأقفال والخرجة.
فبناء المطلع مع الأقفال والخرجة لا يتغير
اما الزجل: فيختلف عن الموشح في هذا البناء وقد يتشابه وهذا نادرو فعلى سبيل المثال الزجل الذي مطلعه:
نهو طـــــباخ أفكـــــــاري خل ناري تقيدهْ.
يارب عبذ وبسورة الدخان ياحميد يا مجيدْ.
والقفل الأول:
وفي دست الهوان على قلبي غليـــــا نو شديد.
حتى يصل إلى الخرجة فيقولك
مـــثل ماجا يقاس الفضــة والذهب بالحديد
والزجل يتكون من تسعة أقفال مكونة من جزأين متفقه في التقفية الخارجية فهنا أتفاق مابين المطلع والأقفال ولكن هناك أزجالاً أختلف عن هذا البناء كالزجل الذي مطلعه: الزمان سعـــيد مواتى والحبيــب حلو رشيقْ
والربيع بساط أخضر والشراب اصفر مروق.
والقفل الأول :
والهزار يعمل طرايق في الغنا مزمور ومطلقْ.
والقفل الثاني:
لا تخاف الصبح يهجم دع يجي ويركب أبلقْ.
والخرجة :
زعقت: حرام زوجي والنبي غدا نطلقْ
ويتشابه الموشح ع الزجل في التقفية الخارجية للأقفال غلا أن أجزل الأقفال في الموشحة قد تأتي معقدة أو كثيرة على خلاف الزجل كالموشح التالي:
شعاعها بكفَّي يخل جنى عند الغنىَّ وقد شربتها كتى
توقعنى في سكره تجدبني بعطفىّ.
وكثر هذا النوع في الموشحات في العصر الملوكي.
• 2- الخرجه وكذلك تتشابه الموشح مع الزجل في الخرجة غلا أن الخرجات أتت في الموشح على الأنواع " العامية , والمعربة, والمقتبسة, والأعجمية" أما في الزجل فأتت على نوعين " العامية والمقتبسة".
• فالخرجة العامية: تمتاز بالبساطة لتشبه حديثاً عادياً إذا أقيست بالموشحة فالوشاح يخرج من المعرب إلى العامين وأن مثل هذه الخرجات في الموشحات هي التي ادت إلى ظهور فن الزجل.
3- اللغه
يتشابه الموشح مع الزدجل في اللغة العامية في خرجة الموشح, وقد كتبت في العصر المملوكي بعض الموشحات باللغة العامية وهذا مادفع بعض الباحثين إلى القول إن" لغة الموشحات يغلب عليها الضعف والركة وأساءة من هذه الناحية إلى اللغة العربية فأصبح الشاعر الوشاح لا يجد حرجاً في التساهل اللغوي طالما يبقى أذواق العامة" وهذا الحكم يعتد به في الخرجات لأن بعضها كتب باللغة العامية القريبة من لغة اللصوص وغيرهم والموشحات " ساعدت على تدعيم مكانة الفصحى لأنها أشاعت هذه اللغة الجميلة بين الناس, ومن ثم حالت دون سيطرة العامة, وجعلت للزجل مكانة ثانوية في الأدب"
• وأتت لغة بعض الموشحات فصيحة زجله والبعض الآخر فصيحة سهلة.
• وأتت لغة الزجل سهلة بسيطة تتماشى طبيعة البيئة .
سمات الزجل: 1 ـ وهناك ظاهرة أخرى في الزجل هي حذف الهمزة تخفيفاً وذلك كما في قول العزاري :
بتُ مشَُغوفاً بحب رَشا
بين حبات القلوب رشا
قد براه الله كيف يشـــا
2 ـ وهذه الظاهرة واضحة بكثرة في الزجل , ومن المظاهر الواضحة أيضاً في الموشحات ابدال السين ثاء كقول أحمد الوصل:
ما كمحبوبي ولا خلقــــا
غصن بان في كثيب نقا
سينه ثـــــاء إذا انطلقـــا
مثكر المثطار من لعث وتحيق المثك لي نفث.
3ـ ومن الظواهر الملفته تتطرفي الأزجال عدم تقيد الزجل بالقواعد النحوية والصرفية.
4ـ واستخدام صيغ وتراكيب معينه استقاها الزجالون من أفواه العامة كما يستخدم كلمة " اش" وهي لهجة عامية كقول علاء الدين بن مقاتل:
اش لو تكون يا جاري
تدعني من فيك أشبع قال أش يكون لك اشعبْ.
5 ـ وكذلك ظهر بوضوح بعض الألفاظ العلمية المتداوله مثل " والنبي" كقول فخر الدين بن مكانس:
والنبي زاد بوهيامى ولا نسمع لوم لايم.
6 ـ واستخدم الزجالون صيغ التصغير وذلك في قول أبن النبيه:
آه على قبله في جيدوا وأخرى في ذا القميم.
7 ـ ومن تلك الظواهر حذف حرف وإشباع حركته كقول فخر الدين بن مكانس:
أي قوم خلص مميشق كنوا إلا اسمر مثقف
8 ـ أو حذف الحرف كقول فخرا لدين بن مكانس في الزجل نفسه:
وبقي يخجل مسيكين ويقول لى كلتْ تفاح.
إلى غير ذلك من سمات خاصه بالزجل.
الخاتمة
ومهما قيل في الأزجال من أنها الأدب الشعبي الذي يصور الأحاسيس وخير مصور لحياة العامة بجدها وهزلها. ويسجل العواطف التي تثور بها نفوس العامة, وأفئدة الدهماء, فإننا لا نراها إلا عنواناً على تخلف اللغة,وهجر الفصحى, وعدم العناية بالضاد, أو الأقبال عليها, ولا يشتغل الناس بها, ويجعلونها لسان تصويرهم وتعبيرهم من ترف في البيان, وتقويم في اللسان وازدهار للأدب, ولنهم يفرون غليها من إفلاس وفقر، وهزال ومرض, وضعف وانتكاس, حينما يطغى تيار العجمة, وتحل العامية محل الفصحى.
• والعربية الصحيحة مهما كانت ثقيلة على الطالب, أو بغيضة إلى الناشئ, أو متشعبة المسالك على المتعلم، فهي ـ على كل حال ـ اللسان الذي لا ينحرف والبيان الذي لا يزيغ, والهادي الذي لا يضل, والرائد الذي لا يكذب أهله, والصديق الذي لا يخون صديقه, ولا يتخلى عنه, ولا يمل صحبته, ولا يكره معاشرته, ولا تختلف معاملته للناس... أما العامية فهي كالمنافق الذي يلقى كل واحد بوجه, وكل صديق بدعوى, وكل صاحب بمقال, وكل رفيق بلون, وعامية المدينة غير عامية القرية, وعامية قطر غير عامية الأخر, وهكذا تكون بلبلة اللسان والبيان, وللفكر والرأي, والعقل والمنطق, والهوى والميل, والذين يدعون إليها, أو يتشجعون عليها, ربما غاب عنهم أنهم فتنة في الأرض وفساد كبير.
• فالزجل فن شعبي عبر عن فلسفة الطبقات الشعبية في الحياة ونظرتهم إليها, إلا أنه يعد رجعة إلى الوراء, مع أن سنة التطور في الحياة تحتم على الأدب أن يرتفع بمستوى جمهور الناس فيسمو بسموه في الشكل والمضمون لا أن ينزل إلى مستواهم فتنحدر لغته وتختل قيمه وتهتز صوره.










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:44   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

محاضرات في الأدب العباسي

الأغراض الشعرية في العصر العباسي :
أوّلا : المديح
نظم العباسيون في المديح الذي هو من الموضوعات القديمة التي نظم فيها
الجاهليون والإسلاميون , وبذلك أبقوا للشعر العربي شخصيته الموروثة ودعموها
بما لاءموا بينها وبين حياتهم العقلية الحصينة وأذواقهم المتحضرة المرهفة ,
فإذا المديح يتجدد من جميع أطرافه تجددا لا يقوم على التفاصل بين صورته
القديمة وصورته الجديدة , بل يقوم على التواصل الوثيق .
تعريف المديح :
المديح ثناء حسن يرفعه الشاعر إلى إنسان حيّ أو جماعة أحياء , عرفانا
بالجميل أو طلب للنوال , أو رغبة في الصفح والمغفرة , أو تمجيدا لقيم
إنسانية تتجسد في سلوك قائد أو أمير , أو شخصية تاريخية فذة مثل محمد - صلى
الله عليه وسلم - الذي مدحه الشعراء من حسان بن ثابت إلى أحمد شوقي إلى
غيرهما من الشعراء في الوقت الحاضر .
ويندرج في مجال المدح هاشميات الكميت , والمدح السياسي الذي قاله الشعراء
في الأحزاب السياسية التي شهدتها مرحلة الصراع على الخلافة في أوائل العهد
الأموي وبدايات العهد العباسي .
تطور المديح في العصر العباسي :
نستهل الحديث عن المدح بقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في وصفه لزهير بن
أبي سلمى والذي استحسنه قدامة بن جعفر وفيه يقول " إنه لم يكن يمدح الرجل
إلا بما يكون للرجال " وعقب قدامة على ذلك " فإنه في هذا القول إذا فهم
وعمل به منفعة عامة , وهي العلم بأنه إذا كان الواجب أن لا يمدح الرجال إلا
بما يكون لهم وفيهم , فكذا يجب ألا يمدح شيء غيره " ثم ينتقل قدامة إلى
ذكر فضائل مدحهم , فيحددها في أربعة أنواع هي : العقل والشجاعة والعدل
والعفة , مبينا أن المادح للرجال بهذه الخصال تعد مدائحه صائبة , بخلاف
المادح بغيرها فهو مخطئ , ثم وضح بأن الفضائل الأربعة قد لا تجتمع مرة
واحدة للشاعر المادح , ولهذا يجوز له أن يقصد بعضها دون بعضها الآخر .
ونتيجة للتطور الذي طرأ على الحياة العباسية من جهة , ونظرة الناس إلى ما
يجب أن تكون عليه الحياة الفنية التي هي وليدة الحياة العامة , فإن نظرة
المادح والممدوح وموقفهما من تلك المقاييس أصبحت هي أيضا متطورة ومتغيرة ,
وبذلك لم يعد الشعراء في العصر العباسي الأول يتقيدون بتلك المقاييس التي
تحدث عنها قدامة بن جعفر إلا أن هذا لا يعني أنهم تخلوا عنها تماما , لأن
شعر المديح في هذا العصر قد شهد تطورات استدعت تغيرات في شكل القصيدة
ومضمونها .
وفيما يلي أهم التطورات الحادثة على قصيدة المديح في العصر العباسي :
1- كان المديح في العصر العباسي ذا طابع تكسبي , فقد إستطاع أغلب الشعراء
أن يرسموا لشخصية الممدوح صورة رائعة تتسم بجميع الصفات الحسنة والقيم
النبيلة , وذلك كان يرضى غرور الممدوحين لأنه بمثابة الإعلام المسيّس
والموجه , الذي يخدم الممدوح خاصة إذا كان من الطبقات السياسية العليا ,
ولا يثير غضب الناس عليه ولا على سياسته , ومن هذا المنطلق كان الممدوحون
يغدقون الأموال على الشعراء , وينادمونهم ويقربونهم ، تذكر المصادر أن
مروان بن أبي حفصة مدح المهدي فاستهل مدحته برقيق الغزل فقال :
طرقتك زائرة فحيّ خيالها *** بيضاء تخلط بالجمال دلالها
قادت فؤادك فاستقاد ومثلها *** قاد القلوب إلى الصبا فأمالها
ثم يصل مروان بن أبي حفصة إلى لب القصيدة وفكرتها :
هل تطمسون من السماء نجومها *** بأكفكم أو تسترون هلالها .
أو تجحدون مقالة عن ربكم *** جبريل بلغها النبيّ فقالها .
شهدت من الأنفال آخر آية *** بتراثهم فأردتهم إبطالها
فيزحف المهدي من صدر مصلاه حيث كان جالسا حتى صار على البساط إعجابا بما
سمع , ثم يقول لمروان : كم هي ؟ فيقول مائة بيت , فيأمر له بمائة ألف درهم
فكانت أول مائة ألف أعطيها شاعرا في أيام العباسيين .
2- التزموا بنظام القصيدة القديمة في أكثر الأحيان , ولكنهم غيروا من رمزية
هذه الأركان , فاستبقوا على الأطلال والرحلة في الصحراء غير أنهم اتخذوها
رمزا، أما الأطلال فلحبهم الداثر وأما رحلة الصحراء فرحلة الإنسان في
الحياة .
ومثاله قول مسلم بن الوليد :
هلا بكيت ظعائنا وحمولا *** ترك الفؤاد فراقهم مخبولا
فإذا زجرت القلب زاد وجيبه *** وإذا حبست الدمع زاد همولا
وإذا كتمت جوى الأسى بعث الهوى *** نفسا يكون على الضمير دليلا
واها لأيام الصبا وزمانه *** لو كان أمتع بالمقام قليلا
3- النداء بالتخلي عن المقدمات التقليدية بل بدلت بالفعل مقدمة البكاء على
الأطلال أو مقدمة النسيب التقليدي أو سواها بمقدمات وصف الخمرة ومجالس للهو
والعبث والتغزل المتهتك , ولم يتوقف تطور قصيدة المدح عند هذا الحد , بل
تعداه إلى عنصر الرحلة حيث استعاض الشعراء عن وصف الناقة والصحراء وحيوان
الوحش بالحديث عن الرحلة البحرية ووصف السفينة وأهوال البحر , وأحيانا
يقدمون مدحتهم بوصف الرياض في الربيع .
•فمثال المقدمة الخمرية والنداء بالتخلي عن المقدمة الطللية قول أبي نواس :
قل لمن يبكي على رسم درس *** واقفا ما ضر لو كان جلس
تصف الربع ومن كان به *** مثل سلمى ولبينى وخنس
•ومثال وصف الرحلة البحرية ووصف السفينة قول مسلم بن الوليد :
كأن مدب الموج في جنباتها **** مدب الصبابين الوعاث من العفر
كشفت أهاويل الدجى عن مهولة *** بجارية محمولة حامل بكر
لطمت بخديها الحباب فأصبحت *** موقفة الديات مرتومة النجر
إذا أقبلت راعيت بقنة قرهب *** وإن أدبرت راقت بقادمتي نسر
ومثال وصف الرياض في الربيع قول أبي تمام :
رقت حواشي الدهر فهي تمرمر *** وغدا الثرى في حليه يتكسر
نزلت مقدمة المصيف حميدة *** ويد الشتاء جديدة لا تكفر
لولا الذي غرس الشتاء بكفه *** لاقى المصيف هشائما لا تثمر
4- كان المديح موجها للطبقات العليا من الخلفاء والوزراء والولاة والقادة ،ولم يكن يهتم بالطبقات العامة إلا نادرا .
وقد أسهم كثير من الشعراء في الدفاع عن العباسيين وخلافتهم من خلال مدائحهم
, من بين هؤلاء مروان بن أبي حفصة , السيد الحميري , أبو دلامة , سلم
الخاسر وأبو نخيلة الذي يقول في السفاح :
حتى إذا ما الأوصياء عسكروا *** وقام من تبر النبىّ الجوهر
أقبل بالناس الهوى المشهر *** وصاح في الليل نهار أنور
يقول أشجع السلمي مادحا هارون الرشيد :
إلى ملك يستغرق المال جوده *** مكارمه نثر ومعروفه سكب
ومازال هارون الرضا بن محمد *** له من مياه النصر مشربها العذب
متى تبلغ العيس المراسيل بابه *** بنا فهناك الرحب والمنزل الرحب
يقول الأصفهاني < كان هارون الرشيد يحتمل أن يمدح بما تمدح به الأنبياء فلا ينكر ذلك ولا يرده >
5-المدح بالمثالية الخلقية ومثالية الحكم : مضى الشعراء في مديح الخلفاء
والولاة يضيفون إلى المثالية الخلقية من سماحة وكرم وحلم وحزم ومروءة وعفة
وشرف نفسه وعلو همة والشجاعة والبأس , مثالية الحكم وما ينبغي أن يقوم عليه
من الأخذ بدستور الشريعة وتقوى الله والعدالة التي لا تصلح حياة الأمة
بدونها , وبذلك كانوا صوتا قويا لها , صوتا ما يني يهتف في آذان الحكام بما
ينبغي أن يكونوا عليه في سلوكهم .
يقول منصور النمري في هارون الرشيد :
بورك هارون من إمام *** بطاعة الله ذي اعتصام
له إلى ذي الجلال قربى *** ليست لعدل ولا لإمام
ويقول أبو العتاهية فيه أيضا :
وراع يراعي الله في حفظ أمة *** يدافع عنها الشر غير رقود
تجافى عن الدنيا وأيقن أنها *** مفارقة ليست بدار خلود
ويقول أبو نواس مادحا هارون الرشيد كنموذج الحاكم العادل :
إلى أبي الأمناء هارون الذي *** يحيا بصوب سمائه الحيوان
في كل عام غزوة ووفادة *** تنبت بين نواهما الأقران
هارون ألفنا إئتلاف مودة *** ماتت لها الأحقاد والأضغان
متبرج المعروف عريض الندا*** حصر بلا منه فم ولسان
6- كانت قصيدة المديح أحيانا بمثابة رسائل توجيهية للحاكم ليصلح من حال
رعيته , ومثاله مدح أبي العتاهية لهارون الرشيد وتبليغه في مدحته مأساة
اجتماعية فيقول :
من مبلغ عني الإما *** م نصائحا متواليه
إني أرى الأسعار أسـ *** عار الرعية غالية
وأرى المكاسب نزرة *** وأرى الضرورة غاشية
وأرى اليتامي والأرا *** مل في البيوت الخالية
من بين راج لم ينزل *** يسمو إليك وراجية
يا ابن الخلائف لا فقد *** ت ولا عدمت العافية
إن الأصول الطيبا *** ت لها فروع زاكية
ألقيت أخيارا إليـ **** ك من الرعية شافية
ونصيحتي لك محضة **** ومودتي لك صافية


7 - صورت قصيدة المديح في العصر العباسي الإنتصارات الباهرة التي حققها
قادة الأمة الإسلامية وأبطالها في حروبهم ضد أعدائها , ومن تلك المعارك
التي وصفها الشعراء في مدائحهم وصفا رائعا إهتزت لها الجماهير وكأنها هي
الممدوحة بها , معارك هارون الرشيد ضد نقفور إمبراطور بيزنطة
يقول عبد الله بن يوسف مادحا الرشيد :
نقض الذي أعطيته نقفور *** وعليه دائرة البوار تدور
أبشر أمير المؤمنين فإنه **** غنم أتاك به الإله كبير
فلقد تباشرت الرعبة أن أتى ***** بالنقض عنه وافد وبشير
أعطاك جزيته وطأطأ خده **** حذر الصوارم والردى محذور
8- كانت مدائح انتصارات الخلفاء والقادة والأبطال على أعداء الأمة تاريخا
كتب شعراء , إذ أشادت هذه المدائح بكل معركة خاضوها وكل حصن اقتحموه , حتى
كادت لا تترك موقعه ولا بطلا دون تصوير يضرم في النفس العربية الاستبسال
،وجلاد الأعداء جلادا عنيفا، فإذا الشباب العربي يترامى وراء قائده على
منازل الأعداء ترامي الفراش على النار , ولم يكتف الشعراء بهذا التصوير فقط
بل عنوا بتسجيل كل ما يستطيعون من تفاصيل عن تلك المعارك العربية , ومن
أمثلة ذلك :
مديح على بن جبلة للبطل أبي دلف العجلي قائد المأمون المشهور في إحدى وقائعه :
المنايا في مقانبه *** والعطايا في ذرا حجره
وزحوف في صواهله *** كصياح الحشر في أمره
صاغك الله أبا دلف *** صيغة في الخلق في خيره
كل من في الأرض من عرب*** بين باديه إلى حضره
مستعير منك مكرمه **** يكتسيها يوم مفتخره
وكذلك مدحة مسلم بن الوليد ليزيد بن مزيد الشيباني قائد هارون الرشيد الذي فتك بخوارج الموصل :
لولا يزيد لأضحى الملك مطرحا *** أو مائل السمك أو مسترخي الطول
يغشى الوغى وشهاب الموت في يده *** يرمي الفوارس والأبطال بالشعل
موف على مهج في يوم ذي رهج *** كأنه أجل يسعى إلى أمل
لا يرحل الناس إلا نحو حجرته *** كالبيت يفضي إليه ملتقى السبل
تراه في الأمن في درع مضاعفة *** لا يأمن - الدهر – أن يدعى على عجل
لا يعبق الطيب خدّيه ومفرقه *** ولا يمسّح عينه من الكحل

9- مدح الخلفاء بالدين والدنيا : فقد عرف شعر المدح في هذا العصر معاني
إسلامية رددها أكثر من شاعر , ومن هنا فإن رغبة الخلفاء والأمراء أصبحت
تتطلع إلى شعر مديحي يكون مشفوعا بمعان إسلامية , وأن ينعت الممدوحون فيه
بصفات تستمد من منابعه كالذي نجده في شعر عمر بن سلمة المعروف بابن أ بي
السعلاء الذي رضخ لشرط الرشيد بألا يدخل عليه إلا من يمدحه بالدين والدنيا
في ألفاظ قليلة , فقال ابن أبي السعلاء :
أغيثا تحمل الناقـ *** ـة أم تحمل هارونا
أم الشمس أم البدر *** أم الدنيا أم الدنيا
ألا لا بل أرى كل الـ *** ذي عددت مقرونا
على مفرق هارون *** فداه الآدميونا
10- المبالغة والتهويل في المدح : وهي عادة فارسية إلتزمها الشعراء الفرس
في مدح ملوكهم بما يخرجهم عن طبيعتهم الإنسانية إلى ما يشبه الآلهة عندهم .
ومثاله مدح أبي نواس لهارون الرشيد في عدة قصائد نختار منها هذه الأبيات
وأخفت أهل الشرك حتى إنه *** لتخافك النطف التي لم تخلق
فيصف أبو نواس هارون الرشيد بالمهابة والقوة والعظمة , ويبالغ في ذلك لحد
أن النطف في الأرحام تخافه وتهابه , ويهدف الشاعر إلى تجاوز المحسوس أو
الموجود إلى مالا وجود له , وهنا يلمح الشاعر إلى دوام ملك الرشيد واستمرار
نفوذه السلطوي , وقوة خلافته التي تبدوا من خلال بثه الرعب في نفوس
المشركين وسلالاتهم .
ويقول في قصيدة أخرى مادحا دائما الرشيد :
ملك تصور في القلوب مثاله *** فكأنه لم يخل منه مكان
ما تنطوي عنه القلوب بنجوة *** إلا يكلمه بها اللحظان
حتى الذي في الرحم لم يك صورة *** لفؤاده من خوفه خفقان
11- مدح المدن والتعصب لها : يرى مصطفى هدارة أن " من الاتجاهات الجديدة
التي ذهب إليها شعر المديح في القرن الثاني مدح المدن والتعصب لها ,
والإفاضة في تعداد محاسنها ونواحي جمالها , وكان أكثر هذا النوع من المديح
يدور حول الكوفة والبصرة أو بغداد باعتبارها المراكز الرئيسية للحياة
الفكرية والاجتماعية والاقتصادية النشطة , ولا سيما بالنسبة للشعراء
المادحين "
ومن ذلك مديح عمارة بن عقيل لبغداد :
أعاينت في طول من الأرض والعرض *** كبغداد دارا إنها جنة الأرض
صفا العيش في بغداد وأخضر عوده *** وعيش سواها غير صاف ولا غض
12- مدح الذات الإلهية :
ظهر نوع جديد من المدائح يتوجه بها أصحابها إلى الذات الإلهية يمتدحونها ,
مستغنين بمديحها عن البشر وما يضطرون إليه من كذب ونفاق في مديحهم , ومن
ذلك قول أبي العتاهية :
تعالى الواحد الصمد الجليل *** وحاشى أن يكون له عديل
وقد كان عمران بن الحطان الشاعر الخارجي قد دعا إل هذا الاتجاه في المديح , من ذلك قوله :
أيها المادح العباد ليعطى *** إن لله ما بأيدي العباد
فاسأل الله ما طلبت إليهم *** وارج نفع المنزل العواد
لا تقل في الجواد ما ليس فيه *** وتسمي البخيل باسم الجواد
وقد استفحل هذا التيار حتى كاد يتداخل مع تيار الزهد الذي شكل ظاهرة في
العصر العباسي الأوّل , ولكنه تطور فيما بعد ليصبح أهم موضوعات الشعر
الصوفي , وليأخذ أبعادا فنية وجمالية متعددة .
13- مدح فئة الكتّاب :
ساهم الشعراء الكتّاب في تطوير قصيدة المديح، إذ جاء بعضهم بالقيم الفنيّة
القديمة وأضاف قيما فنيّة جديدة متمثلة لحضارة العصر وذوقه , فخاطبوا
بمديحهم فئات من الناس ما كان الشعراء ليقصدوها بمدحة أو هجائية من قبل ,
ووفروا للغتهم في هذه المدائح السهولة , ولتراكيبهم البساطة , ومعانيهم كل
ما هو جديد ومرتبط ببيئاتهم الاجتماعية والفكرية والأدبية ولإيقاع شعرهم
الأوزان الخفيفة .
مدح أحمد بن الخصيب كاتبا له فقال :
وإذا نمنمت بنانك خطا *** معربا عن إصابة وسداد
عجب الناس من بياض معان *** يجتنى من سواد ذاك المداد
14- جنوح الشعراء المداح في العصر العباسي إلى سهولة الألفاظ والتراكيب
ووضوحها وصبغوا قصائدهم بألوان من التطور في الصياغة والتشكيل ، فجاءت
قصائدهم طافحة بالفن والجمال ومجسدة لجماليات الإبداع الشعري في هذا العصر .
15- اعتناء الشاعر العباسي بمدائحه إذ دفعتهم دقتهم الذهنية إلى الملائمة
بين مدائحهم وممدوحيهم , فإذا مدحوا الخلفاء نوهوا بتقواهم وعدلهم في
الرعيّة، وإذا مدحوا الوزراء تحدثوا عن حسن سياستهم ,وإذا مدحوا القادة
الأبطال أطالوا في وصف شجاعتهم , وكذلك صنعوا بالفقهاء والقضاة والكتاب
والمغنين، فلكل أوصافه التي تخصه , وهي أوصاف طلبوا فيها وفي كل مدائحهم
الفكر الدقيق والتعبير الرشيق .
16- شاعت في العصر العباسي المقطوعات في المديح وتقهقرت المطولات نسبيا.
17- أنتقد شعر المديح في العصر العباسي بأنّه مديح بغير الواقع , فأغلبه
نفاق وكذب ومجاملة ورغبة في جنيّ الأموال، والوصول إلى المناصب العليا في
الإدارة , فجلّ القيّم والصفات التي مدح بها هؤلاء الشعراء ممدوحيهم لا
تتوافر في هؤلاء الممدوحين، وقد دافع بعض الكتاب عن ذلك قائلين إن ذلك قد
يكون صحيحا إلى حد ما , ولكن ليس هدف الشعر عامة والمدح خاصة أن يصف أو
يصور لنا الواقع كما هو , إنما الهدف الأساسي من الشعر أن يصور الواقع كما
يجب أن يكون , إذن فطموح الشعر هو تغيير الواقع المشوه إلى واقع أكثر كمالا
وجمالا , ومن هذا المنطلق نستطيع القول أن الشاعر – في أغلب الأحيان – لا
يمدح شخصية بعينها , إنما يمدح الإنسان النموذج الذي له القدرة على تمثل ما
يطمح إليه المجتمع من قيّم، وتجسيد هذه القيّم في الواقع من خلال الممارسة
الفعلية في السلوك قولا وعملا، ومن خلال هذا التفسير للغاية الأساسية من
المديح يمكن فهم جميع الأشعار التي قيلت في هذه المرحلة مع عدم إغفال
خصوصية كل شاعر في مجال الصياغة الفنيّة , والناحية التشكيلية والانتماء
السياسي أو المذهبي .
18- اشتهر عدد كبير من شعراء المدح , وعلى رأسهم أبو تمام والبحتري والمتنبي
أمّا أبو تمام فقد مدح المأمون والمعتصم والواثق والحسن بن سهل وأحمد بن
أبي دؤاد وغيرهم , وكان في مدحه عظيم التصوير , يميل إلى الصناعة البديعية
مع ابتكار الصور , مركزا على التسلسل المنطقي في بناء قصائده , وعمل على
تطوير الأسلوب المدحي فجعل الاستهلال للحكمة , وكانت معانيه موغلة في
الغموض أحيانا يصعب الوصول إلى دقائقها .
وقصيدته في وصف " فتح عمورية " يظهر فيها المدح جليّا للخليفة المعتصم منها هذه الأبيات :
السيف أصدق أنباء من الكتب *** في حده الحدّ بين الجدّ واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف *** في متونهن جلاء الشك والريب
تدبير معتصم بالله منتقم *** لله مرتقب في الله مرتهب
لم يغز قوما ولم ينهد إلى بلد *** إلا تقدمه جيش من الرعب
أما البحتري فقد نهج في شعره منهج الأقدمين , واكتفى بالمعاني العادية
ولكنّ في مدائحه جمال التصوير , وصفاء الديباجة وموسيقى الألفاظ والقوافي ،
فيقول في قصيدته التي يمدح فيها المتوكل وهو يصف موكبه في عيد الفطر
المبارك، ويثني عليه بالعبادة في شهر رمضان :
عمت فواضلك البرية فالتقى *** فيها المقل على الغنى والمكثر
بالبرّ صمت وأنت أفضل صائم *** وبسنة الله الرّضيّة تفطر
فانعم بيوم الفطر عينا إنه *** يوم أغر من الزمان مشهر
فاسلم بمغفرة الإله فلم يزل *** يهب الذنوب لمن يشاء ويغفر
الله أعطاك المحبة في الورى *** وحباك بالفضل الذي لا ينكر
ولأنت أملأ للعيون لديهم *** وأجل قدرا في الصدور وأكبر
أما أبو الطيب المتنبي فسلك في مدحه سبيل أبي تمام , وأكثر من المدح لينال وليحقق ما يهدف إليه وليكون عظيما من العظماء
ومما قاله في مدح سيف الدولة الحمداني :
لكل امرئ من دهره ما تعودا *** وعادة سيف الدولة الطعن في العدى
هو البحر غص فيه , إذا كان ساكنا **** على الدر واحذره إذا كان مزبدا
المراجع المعتمدة :
1-د.نور الدين السد , الشعرية العربية , ديوان المطبوعات الجامعية , الجزائر 1995
2-د.مصطفى بيطام , مظاهر المجتمع وملامح التجديد من خلال الشعر في العصر العباسي الأول , ديوان المطبوعات الجامعية , الجزائر 1995.
3-د.شوقي ضيف , تاريخ الأدب العربي , العصر العباسي الأول , دار المعارف , مصر , ط6 ,










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:45   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

ثانيا: الهجاء في العصر العباسي
أ- تعريفه : يعد الهجاء فنا من فنون الأدب العربي الرفيعة وهو يعد انتقادا
صريحا للواقع المشوه , ورفضا للقيّم التي تعيق سعادة الإنسان , فالإنسان
النموذج هو الذي يسلم من الصفات السيئة، والهجاء يعين على تصور الحياة عند
الأفراد وفي المجتمع , وقد يساعد على تأريخ الحياة العربية حين يصدق
الشاعر.
والهجاء كسائر الأغراض الشعرية الأخرى بالخصوص المديح منها، يتأثر بما يطرأ
على الحياة والمجتمع من تغير وتطور، فالمديح يتناولها من الناحية
الايجابية والهجاء من الناحية السلبية .
ومعالم التطور في الهجاء أعمق وأوسع منها في المديح لأنه يتصل بحياة العامة اتصالا لعلّه أدق من اتصال المديح .
ب-أسبابه : موضوع الهجاء كانت تدفع إلى القول فيه دوافع مختلفة منها
السياسية والاجتماعية والخلقية والدينية وسوى ذلك . ويعد الصراع العقلي
والديني والفلسفي في العصر العباسي الأول الباعث الأول والدافع القوي
للهجاء , نقف عنده في قصائد بعض الشعراء العباسيين الذين مالوا إلى
الجهربالكفر والإلحاد والمجون , وسواه من الانحرافات التي أدت إلى بروز نوع
غير مباشر من الهجاء الاجتماعي , الذي لم يقف عند حدود الجبن والبخل وكشف
عورات الشرف بل تعداها في أكثر الأحيان إلى الدين والعادات والأخلاق .

ج-تطور غرض الهجاء في العصر العباسي
1-النزوع إلى الشعبية : وهو يعني أنّ الهجاء يميل إلى الشعبية في
أسلوبه،وقد أشار مصطفى هدارة إلى ذلك , ومن هنا كان انتشار الهجاء وسرعة
رواجه , ولعل في هجاء الشمقمق بشارا ما يدل على هذا النزوع الشعبي في أسلوب
الهجاء ومن ذلك قوله :
هلّلينة هلّلينة *** طعن قثاة لتينّة
إنّ بشار بن برد *** تيس أعمى في سيفنة

2-الهجاء المقذع : قد أسرف الشعراء في الهجاء المقذع كالهجاء بالنتانة وعدم
النظافة , وهي مظاهر غير محببة اجتماعيا وأخلاقيا ومثال ذلك :
*هجاء حماد عجرد لبشار في قوله :
والله ما الخنزير في نتنه *** بربعه في النتن أو خمسه
بل ريحه أطيب من ريحه *** ومسّه ألين من مسّه
ووجهه أحسن من وجهه *** ونفسه أنبل من نفسه
وعوده أكرم من عوده *** وجنسه أكرم من جنسه
*ومثاله أيضا هجاء دعبل الخزاعي ( 148هـ/ 246هـ) لبني بسام بسبب اهمال نصر
بن منصور بن بسام قضاء طلب للشاعر، فقال دعبل عامدا إلى التورية والطباق
يا آل* بسام* في المخازي *** وعابسي الوجه في السؤال
حواجب كالجبال سود **** إلى عثانين كالمخالي
وأوجه جهمة غلاظ ***** عطل من الحسن والجمال
3- الهجاء في الأعراض : مثال ذلك هجاء بشار لسبويه بقوله :
أ سيبويه يا ابن الفارسية ما الذي *** تحدثت عن شتمي وما كنت تنبذ
أظلت تغنّى سادرا بمساءتي **** وأمك .........................
وكان سيبويه قد أخذ عليه بعض المآخذ اللغوية في شعره فغاظ ذلك بشار واعتبره
إهانة له , ويلاحظ من السياق أن بشارلم يحاول تبرير أخطائه ولكن طعن في
عرض سيبويه وشرف أمه، ونستخلص من هذه الصورة الشعرية قيمة اجتماعية
وأخلاقية فحواها أن المجتمع العباسي كان يمكنه أن يسوغ خطأ لغويا , ولكنه
لا يسوغ سقطة أخلاقية فمفهوم العرض والشرف كانت له قداسة اجتماعية.
4-الطعن في رجولة المهجو ووصمه بالتخنث والشذوذ وعدم المروءة :
وهي قيمة جديدة مستقبحة استحدثت في العصر العباسي ومثال ذلك
*قوله دعبل الخزاعي في الأمين :
ولست بقائل قذعا ولكن *** لأمر ما تعبّدك العبيد
5- فن الهجاء في العصر العباسي كان في أغلبه من صنع الشعراء المجان الذين
حاولوا من خلاله تحطيم جميع الموانع والقيود التي فرضها الدين الإسلامي
الحنيف على الشعراء الهجائين وشعرهم الهجائي الذي كان مجالا للطعن في أعراض
الناس وقذف المحصنات . وكتاب الأغاني أحد الكتب التي تحوي آلافا من
الجنايات الهجائية التي أقترفت في حق الناس خاصهم وعامهم .
6- استفحال الهجاء السياسي في هذا العصر : وهو هجاء النظام السياسي أو هجاء الخلفاء والأمراء والولاة ومثال ذلك :
*دعبل الخزاعي الذي يعد علويا متعصبا لآل البيت فهجا الخليفة العباسي
المعتصم منتقدا سياسته لأنه ترك الأتراك يحكمون أمور الدولة ويسيرون أمور
الرعية حسب أهوائهم فقال :
ملوك بني العباس في الكتب سبعة *** ولم تأتنا عن ثامن لهم كتب
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة*** خيار إذا عدوا وثامنهم كلب
وإني لأعلي كلبهم عنك رتبة *** لأنك ذو ذنب وليس له ذنب
لقد ضاع ملك الناس إذ ساس ملكهم *** وصيف وأشناس وقد عظم الخطب
*هجاء المتنبي لكافور الإخشيدي
عيد بأيّ حال عدت يا عيد *** بما مضى أم لأمر فيك تجديد
أما الأحبة فالبيداء دونهم **** فليت دونك بيد دونها بيد
7-الهجاء بالخلقة وعيوبها، وجعله نوعا من الهجاء الساخر الذي يعتمد أصحابه
على رسم المفارقات الجسدية والشكلية لشخصية المهجو ومثاله:
*هجاء حماد عجرد لبشار بن برد :
وأعمى يشبه القرد *** إذا ما عمي القرد
دنيء لم يرح يوما *** إلى مجد ولم يغد
ولم يحضر مع الحضا *** ر في خير ولم يبد
ولم يخش له ذم *** ولم يرج له حمد
*ومثاله أيضا قول دعبل الخزاعي واصفا هاجيا جارية له اسمها غزال
رأيت غزالا وقد أقبلت *** فأبدت لعيني عن مبصقة
قصيرة الخلق دحداحة *** تدحرج في المشي كالبندقة
وأنف على وجهها ملصق *** قصير المناخر كالفستقة





8-التكرار :
لقد بلغ تأثر الشعر بالغناء والإيقاع والموسيقى في هذا العصر مبلغه حتى
أصبحنا نجد ظاهرة التكرار على مستوى الألفاظ أو الجمل أو الأشطر كما في قول
بشار بن برد في هجاء أحد الأشخاص :
ذر خلّتنا ذر خلّتنا يا ابن خليق قد أتى
فبشار يوظف التكرار صوتيا ولذلك دلالة جمالية ونفسية كبيرة.
9-أصبح الهجاء يقتصر على مقطوعات قصيرة , يقول مصطفى هدارة " ولعل أول ما
نلحظه في شعر الهجاء في القرن الثاني اقتصاره على المقطوعات الصغيرة " وهذا
يعود إلى تطور الحياة ومتطلبات العصر التي فرضت على الشعراء الإيجاز لا في
الهجاء فقط بل في مختلف الأغراض والموضوعات .
10- التصوير الكاريكاتوري :
يعتبر الهجاء الساخر التطور الفني الذي لحق الهجاء الذي يستهدف إضحاك الناس
على المهجو وسخريتهم منه، فهو يرسم شخصية المهجو المعنوية والحسية رسما
كاريكاتوريا يبعث على الضحك , ويستعين الشاعر في هذا النوع الأصيل من
الهجاء بكل معارف عصره , وبجميع عناصر الفكاهة والهزل الشائعة بين الناس ,
وهذه الصور الشعرية الساخرة تشكل الأساس الرئيسي لمدرسة الصورة الشعرية
الساخرة التي ازدهرت عند ابن الرومي بحيث عرفت به ونسبت إليه والواقع أن
فضلا كبيرا في أصلها يرجع إلى دعبل لخزاعي الشاعر الرسام الساخر الهجاء
الفنان .
*ومثال ذلك قول منصور الأصفهاني في من اسمه مغيرة :
وجه المغيرة كله أنف *** موف عليه كأنه سقف
من حيث ما تأتيه تبصره *** من أجل ذلك أمامه خلف

*ومثاله أيضا هجاء دعبل جاره الذي سرق ديكه وأكله هو وعياله ثم أنكر ذلك ,
فشهّر به دعبل في المسجد بهذه الأبيات الساخرة المضحكة المتحركة:
أسر المؤذن صالح وضيوفه *** أسر الكميّ هفا خلال الماقط
بعثوا عليه بنيهم وبناتهم *** من بين ناتفة وآخر سامط
يتنازعون كأنهم قد أوثقوا *** خاقان أو هزموا كتائب ناعط
نهشوه فانتزعت له أسنانهم *** وتهشمت أقفاؤهم بالحائط

فالهجاء الساخر يعتبر طريقة تعبيرية متطورة لنقد الأوضاع الاقتصادية
والسياسية والاجتماعية والفردية , وهو بذلك محاولة إلى تجاوزها إلى ما هو
أفضل وذلك بالإصلاح والتغيير وكشف الزيف ومواجه التشوه .
المراجع المعتمدة :
1-د.مصطفى ببطام مظاهر المجتمع وملامح التجديد من خلال الشعر في العصر العباسي الأول (132-232) .
2-د.نور الدين السد – الشعرية العربية – دراسة في التطور الفني للقصيدة العربية حتى العصر العباسي .







ثالثا الرثاء :
ظل شعر الرثائي منذ الجاهلية كباقي الأغراض الأخرى مواكبا لركب الحياة
يتطور ويتجدد تبعا لتطورها وتجددها , فلما دانت الرقاب لبني العباس اقتفى
شعراؤهم نهج أسلافهم من شعراء أمية في مراثيهم التي كانوا يجمعون في أكثرها
بين التهنئة والتعزية
1-ومن الشعراء العباسيين الذين تحقق لهم الجمع بين التهنئة والتعزية أبو نواس الذي يعزي الفضل بن ربيع عن الرشيد ويهنئه بالأمين :
تعز أبا العباس عن خير هالك *** بأكرم حيّ كان أو هو كائن
حوادث أيام تدور صروفها *** لهن مساو مرة ومحاسن
وفي الحي بالميت الذي غيّب الثرى *** فلا الملك مغبون ولا الموت غابن
2-ومن بين المواضع التي أكثر فيها الشعراء العباسيون من نظم الشعر الرثائي
موضوع رثاء الخلفاء والوزراء والقادة حيث أبنوهم بمرثيات تعد من روائع
الشعر العربي , أتوا فيها على ذكر أعمالهم الحميدة وبطولاتهم الفذة ومحنة
الأمة في فقدانهم , كما يعد بكاء الرفقاء والأصدقاء والأبناء والآباء
والأمهات والأزواج من المواضيع التي شغلت حيزا كبيرا في أشعارهم .
*يرثى أبو الشيص هارون الرشيد بمرثية عجيبة يقول فيها
غربت في المشرق الشمـ *** ـس فقل للعين تدمع
ما رأينا قط شمسا *** غربت من حيث تطلع
* ومن أمثلة المراثي التي قيلت في القادة مرثية أبي تمام التي رثى فيها محمد بن حميد الطوسي قائد جيش المأمون يقول فيها :
أصم بك الناعي وإن كان أسمعا *** وأصبح معنى الجود بعدك بلقعا
فتى كلما ارتاد الشجاع من الرّدى *** مفرا غداة المأزق إرتاد مصرعا
فإن ترم عن عمر تدانى به المدى *** فخانك حتى لم يجد فيه منزعا
فما كنت إلا السيف لاقى ضريبة *** فقطعها ثم انثنى فتقطعا

*ورثى عبد الله بن أيوب التيمي البطل منصور بن زياد البطل قضى على ثورة بالقيروان لعهد الرشيد فقال :
أما القبور فإنهن أوانس *** بجوار قبرك والديار قبور
والناس مأتمهم عليه واحد *** في كل دار رنّة وزفير
عجبا لأربع أذرع في خمسة *** في جوفها جبل أشم كبير
*ويقول منصور النمري فر رثاء يزيد بن مزيد الذي فتك بخوارج الموصل :
وإن تك أفنته الليالي وأوشكت ** فإن له ذكرا سيفني الليالي
وواضح ما في هذه الأشعار من دقة التفكير وبعد الخيال ولا عجب إذ كانوا يتنافسون في استنباط المعاني النادرة.
*ومن مراثي الرفقاء والأصدقاء : رثاء بشار لأحد أصدقائه من الزنادقة :
اشرب على تلف الأحبة إننا *** جزر المنية ظاعنين وخفضا
ويلي عليه وويلتي من بينه *** كان المحب وكنت حبا فانقض
قد ذقت ألفته وذقت فراقه *** فوجدت ذا عسلا وذا جمر الغضا
*ونجد الرثاء عند أبي العلاء المعري عبارة عن وقفة تأملية يشترك فيهما
العقل والعاطفة والخيال , وأروع قصائده في هذا الغرض تلك التي رثى بها أبا
حمزة، وهو الفقيه الحنفي وكان عزيزا عليه فقال في مطلعها :
غير مجد في ملتي واعتقادي *** نوح باك , ولا ترنم شاد
صاح هذي قبورنا تملأ الرحـ ** ب فأين القبور من عهد عاد
خفف الوطء ما أظن أديم الأر ** ض إلا من هذه الأجساد
ربّ لحد قد صار لحدا مرارا*** ضاحك من تزاحم الأضداد
ودفين على بقايا دفين *** في طويل الأزمان والآباد
تعب كلها الحياة فما أعجب *** إلا من راغب في ازدياد
وبعد مقدمات في ذكر الحكم والعبر , شرع في ذكر خصال الفقيد ومما قاله :
قصد الدهر من أبي حمزة الأواب *** مولى حجى وخدن اقتصاد
أنفق العمر ناسكا يطلب العلم *** بكشف عن أصله وانتقاد
ذا بنان لا تلمس الذهب الأحمر *** زهدا في العسجد المستفاد
4-وظهرت ضروب جديدة للرثاء لم تكن معروفة قبل هذا العصر كرثاء المدن فهذا
ابن الرومي( 255 هـ) يرثي مدينة البصرة عندما أغار عليها الزنج فنهبوها
وأحرقوها فقال واصفا تلك الفضائع :
ذاد عن مقتلي لذيذ المنام *** شغلها عنه بالدموع السجام
أي نوم من بعدما حل بالبصرة *** ما حل من هنات عظام
أي يوم من بعدما انتهك الزنج *** جهارا محارم الإسلام
حتى يقول :
كم أخ قد رأى أخاه صريعا **** ترب الخدين بين صرعى كرام
كم أب قد رأى عزيز بنيه **** وهو يعلى بصارم صمصام
كم فتاة مصونة قد سبوها **** بارزا وجهها من غير لثام
5-ومن ضروب الرثاء الجديدة مراثي الطير الصادح مثل القمري والحيوانات المستأنسة والأحصنة ،
فقد رثى ابن الزيات فرسا له أشهبا لم ير مثله فراهة وحسنا أخذه منه المعتصم فقال :
كيف العزاء وقد مضى لسبيله *** عنا فودعنا الأحمّ الأشهب
منع الرقاد جوى تضمنه الحشا *** وهوى أكابده وهم منصب
6-وتعتبر المعاني الحضارية التي أدخلت في الرثاء إحدى مظاهر التجديد التي
عرفها هذا الغرض كالذي نراه في رثاء المغنين وأهل اللهو حيث شاعت فيهم معان
لم يألفها الرثاء من قبل , فبينما كان يرثى قديما بصفات النجدة والمروءة
والكرم والشجاعة وما إلى ذلك من الصفات، أصبح بعض الناس في بغداد يرثي بمثل
ما رثى به ابن سيابة إبراهيم الموصلي فيقول:
تولى الموصلي فقد تولت *** بشاشات المزاهر والقيان
وأي بشاشة بقيت فتبقى *** حياة الموصلي على زمان
ستبكيه المزاهر والملاهي *** وتسعدهن عاتقة الدنان





ثالثا الرثاء :
ظل شعر الرثائي منذ الجاهلية كباقي الأغراض الأخرى مواكبا لركب الحياة
يتطور ويتجدد تبعا لتطورها وتجددها , فلما دانت الرقاب لبني العباس اقتفى
شعراؤهم نهج أسلافهم من شعراء أمية في مراثيهم التي كانوا يجمعون في أكثرها
بين التهنئة والتعزية
1-ومن الشعراء العباسيين الذين تحقق لهم الجمع بين التهنئة والتعزية أبو نواس الذي يعزي الفضل بن ربيع عن الرشيد ويهنئه بالأمين :
تعز أبا العباس عن خير هالك *** بأكرم حيّ كان أو هو كائن
حوادث أيام تدور صروفها *** لهن مساو مرة ومحاسن
وفي الحي بالميت الذي غيّب الثرى *** فلا الملك مغبون ولا الموت غابن
2-ومن بين المواضع التي أكثر فيها الشعراء العباسيون من نظم الشعر الرثائي
موضوع رثاء الخلفاء والوزراء والقادة حيث أبنوهم بمرثيات تعد من روائع
الشعر العربي , أتوا فيها على ذكر أعمالهم الحميدة وبطولاتهم الفذة ومحنة
الأمة في فقدانهم , كما يعد بكاء الرفقاء والأصدقاء والأبناء والآباء
والأمهات والأزواج من المواضيع التي شغلت حيزا كبيرا في أشعارهم .
*يرثى أبو الشيص هارون الرشيد بمرثية عجيبة يقول فيها
غربت في المشرق الشمـ *** ـس فقل للعين تدمع
ما رأينا قط شمسا *** غربت من حيث تطلع
* ومن أمثلة المراثي التي قيلت في القادة مرثية أبي تمام التي رثى فيها محمد بن حميد الطوسي قائد جيش المأمون يقول فيها :
أصم بك الناعي وإن كان أسمعا *** وأصبح معنى الجود بعدك بلقعا
فتى كلما ارتاد الشجاع من الرّدى *** مفرا غداة المأزق إرتاد مصرعا
فإن ترم عن عمر تدانى به المدى *** فخانك حتى لم يجد فيه منزعا
فما كنت إلا السيف لاقى ضريبة *** فقطعها ثم انثنى فتقطعا

*ورثى عبد الله بن أيوب التيمي البطل منصور بن زياد البطل قضى على ثورة بالقيروان لعهد الرشيد فقال :
أما القبور فإنهن أوانس *** بجوار قبرك والديار قبور
والناس مأتمهم عليه واحد *** في كل دار رنّة وزفير
عجبا لأربع أذرع في خمسة *** في جوفها جبل أشم كبير
*ويقول منصور النمري فر رثاء يزيد بن مزيد الذي فتك بخوارج الموصل :
وإن تك أفنته الليالي وأوشكت ** فإن له ذكرا سيفني الليالي
وواضح ما في هذه الأشعار من دقة التفكير وبعد الخيال ولا عجب إذ كانوا يتنافسون في استنباط المعاني النادرة.
*ومن مراثي الرفقاء والأصدقاء : رثاء بشار لأحد أصدقائه من الزنادقة :
اشرب على تلف الأحبة إننا *** جزر المنية ظاعنين وخفضا
ويلي عليه وويلتي من بينه *** كان المحب وكنت حبا فانقض
قد ذقت ألفته وذقت فراقه *** فوجدت ذا عسلا وذا جمر الغضا
*ونجد الرثاء عند أبي العلاء المعري عبارة عن وقفة تأملية يشترك فيهما
العقل والعاطفة والخيال , وأروع قصائده في هذا الغرض تلك التي رثى بها أبا
حمزة، وهو الفقيه الحنفي وكان عزيزا عليه فقال في مطلعها :
غير مجد في ملتي واعتقادي *** نوح باك , ولا ترنم شاد
صاح هذي قبورنا تملأ الرحـ ** ب فأين القبور من عهد عاد
خفف الوطء ما أظن أديم الأر ** ض إلا من هذه الأجساد
ربّ لحد قد صار لحدا مرارا*** ضاحك من تزاحم الأضداد
ودفين على بقايا دفين *** في طويل الأزمان والآباد
تعب كلها الحياة فما أعجب *** إلا من راغب في ازدياد
وبعد مقدمات في ذكر الحكم والعبر , شرع في ذكر خصال الفقيد ومما قاله :
قصد الدهر من أبي حمزة الأواب *** مولى حجى وخدن اقتصاد
أنفق العمر ناسكا يطلب العلم *** بكشف عن أصله وانتقاد
ذا بنان لا تلمس الذهب الأحمر *** زهدا في العسجد المستفاد
4-وظهرت ضروب جديدة للرثاء لم تكن معروفة قبل هذا العصر كرثاء المدن فهذا
ابن الرومي( 255 هـ) يرثي مدينة البصرة عندما أغار عليها الزنج فنهبوها
وأحرقوها فقال واصفا تلك الفضائع :
ذاد عن مقتلي لذيذ المنام *** شغلها عنه بالدموع السجام
أي نوم من بعدما حل بالبصرة *** ما حل من هنات عظام
أي يوم من بعدما انتهك الزنج *** جهارا محارم الإسلام
حتى يقول :
كم أخ قد رأى أخاه صريعا **** ترب الخدين بين صرعى كرام
كم أب قد رأى عزيز بنيه **** وهو يعلى بصارم صمصام
كم فتاة مصونة قد سبوها **** بارزا وجهها من غير لثام
5-ومن ضروب الرثاء الجديدة مراثي الطير الصادح مثل القمري والحيوانات المستأنسة والأحصنة ،
فقد رثى ابن الزيات فرسا له أشهبا لم ير مثله فراهة وحسنا أخذه منه المعتصم فقال :
كيف العزاء وقد مضى لسبيله *** عنا فودعنا الأحمّ الأشهب
منع الرقاد جوى تضمنه الحشا *** وهوى أكابده وهم منصب
6-وتعتبر المعاني الحضارية التي أدخلت في الرثاء إحدى مظاهر التجديد التي
عرفها هذا الغرض كالذي نراه في رثاء المغنين وأهل اللهو حيث شاعت فيهم معان
لم يألفها الرثاء من قبل , فبينما كان يرثى قديما بصفات النجدة والمروءة
والكرم والشجاعة وما إلى ذلك من الصفات، أصبح بعض الناس في بغداد يرثي بمثل
ما رثى به ابن سيابة إبراهيم الموصلي فيقول:
تولى الموصلي فقد تولت *** بشاشات المزاهر والقيان
وأي بشاشة بقيت فتبقى *** حياة الموصلي على زمان
ستبكيه المزاهر والملاهي *** وتسعدهن عاتقة الدنان












رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:46   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

رابعا : الوصف
إن التطور الذي عرفه الوصف في العصر العباسي استهدف أسلوبه ومعناه ولفظه ,
إلا أن هذا لا يعني أن موضوع الوصف قد تخلص كلية من الطريقة التقليدية , بل
لبث في بعض نواحيه يساير مواضيع الوصف القديم كوصف الإبل والنياق والذئب
والطير والبقر الوحشي وغيرها .
*والشاعر في هذا الغرض بعد أن كان يحلق ببصره في ربوع تهامة ونجد والجزيرة
وما تحويه من فيافي وقفار و وهاد موحشة ومظاهر أخرى هي وليدة البيئة
العربية الخالصة كالخيام المضروبة هنا وهناك، وما كان يحيط بها من شياه
وخيول ،أصبح بعد التحول الذي طرأ على المجتمع العربي المتنقل من حياة
البداوة و الترحال إلى حياة التمدن والاستقرار , يرفل في ألوان المدنية
وينعم بضروب الترف والبذخ , ويلهو
بمسرات الدنيا وطيباتها .
وقد تعرض ابن الرشيق في أثناء حديثه عن الوصف الذي قال عنه بأن أكثر الشعر
يرجع إليه , إلى تفاضل الناس في الوصف وإلى أهم موصوفاته أو موضوعاته على
عهد المولدين فقال " الأولى بنا في هذا الوقت صفات الخمر والقيان وما
مشاكلها وما كان مناسبا لهما كالكؤوس والقنان والأباريق ,و باقات الزهر،
إلى مالا بد منه من صفات الخدود والقدود و... , ثم صفات الرياض والبرك
والقصور وماشاكل المولدين , فإن ارتفعت البضاعة , فصفات الجيوش وما يتصل
بها من ذكر الخيل والسيوف والرماح والدروع والعصي والنبل , إلى نحو ذلك من
ذكر الطبول والبنود وليس يتسع بنا هذا الموضوع لإستقصاء ما في النفس من هذه
الأوصاف – العمدة لابن الرشيق ج2 , ص 295-296 .
*ثم يقول ابن الرشيق " وليس بالمحدث من الحاجة إلى أوصاف الإبل ونعوتها
والقفار ومياهها .... لرغبة الناس في ذلك الوقت عن تلك الصفات، وعلمهم أن
الشاعر إنما تكلفها تكلفا ليجري على سنن الشعراء قديما" .
1- ومن الموضوعات التي دار حولها الوصف عند أكثر من شاعر في هذا العصر وصف
الخمر والغناء ووصف مجالسهما وآلاتهما، وجاهروا بالدعوة إلى ممارسة ذلك
وبالغوا في الأمر مما نجم عنه الاستهتار بالدين .
*فأبو نواس جاهر بالخمر والدعوة إليها فيقول :
ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر *** ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر
فعيش الفتى في سكرة بعد سكرة *** فإن طال هذا عنده قصر العمر
وما الغبن إلا أن تراني صاحيا *** وما الغنم إلا أن يتعتعني السكر
فبح باسم من أهوى ودعني من الكنى *** فلا خير في اللذات من دونها ستر
*وقال في قصيدة أخرى :
لا تبك هندا ولا تطرب إلى كعب *** واشرب على الورد من حمراء كالورد
كأسا إذا انحدرت من حلق شاربها *** أجدته خمرتها في العين والخد
فالخمر ياقوتة والكأس لؤلؤة *** من كف لؤلؤة ممشوقة القد
تسقيك من طرفها خمرا ومن يدها *** خمرا فمالك من سكرين من بد
لي نشوتان وللندمان واحدة *** شيء خصصت به من بينهم وحدي
2-وأخذ الشاعر العباسي يصف الطبيعة في الحاضرة ببساتينها ورياحينها , وقد
أخذ يخص هذه الطبيعة بمقطوعات وقصائد كثيرة حيث أصبحت موضوعا جديدا واسعا ,
وكان يمزج نشوته بها في بعض الأحيان بنشوة الحب أو نشوة الخمر وسماع
القيان وفي كثير من الأحيان كان يقف عند تصوير فتنته بها وبورودها
ورياحينها من مثل قول إبراهيم بن المهدي في النرجس:
ثلاث عيون من النرجس *** على قائم أخضر أملس
يذكرنني طيب ريّا الحبيب *** فيمنعنني لذة المجلس
3-وقد أكثروا من وصف الأمطار والسحب ووصف الرياض خاصة في الربيع , وعبروا
عن أحاسيسهم ومشاعرهم أحيانا خلال هذا الوصف , ومن خير ما يصور ذلك مخاطبة
مطيع بن اياس لنخلتي حلوان :
أسعداني يا نخلتي حلوان *** وأبكيا لي من ريب هذا الزمان
واعلما أن ريبه لم يزل يفـ *** رق بين الألاف والجيران
ولعمري لو ذقتما ألم الفر **** قة أبكاكما الذي أبكاني
أسعداني وأيقنا أن نحسا *** سوف يلقاكما فتفترقان
كم رمتني صروف هذي الليالي *** بفراق الأحباب والخلاّن
4- ونرى شعراء كثيرين يعنون بوصف مظاهر الحضارة العباسية المادية وما يتصل
بها من الترف في الطعام والتأنق في الملابس والثياب ووصف القصور وما حولها
من البساتين وما يجري فيها من الظباء والغزلان من مثل قول أبي عيينة
المهلبي في وصف قصر ابن عمه عمر بن حفص المهلبي :
فيا طيب ذاك القصر قصرا ومنزلا*** بأفيح سهل غير وعر ولا ضنك
بغرس كأبكار الجواري وتربة *** كأن ثراها ماء ورد على مسك
وسرب من الغزلان يرتعن حوله *** كما استل منظوم من الدّر من سلك
5- وأكثروا من وصف الحيوان والطير والحشرات , واشتهر بذلك خلف الأحمر وجهم بن خلف وفي كتاب الحيوان للجاحظ من ذلك مادة وافرة .
6- وقد وضعوا وصف دقيقا الأمراض والآفات التي أصابتهم . فهذا عبد الصمد بن المعذل يصف حمى اعترته فيقول :
وبنت المنية تنتابني *** غدوّا وتطرقني سحرة
كأن لها ضرما في الحشا *** وفي كل عضو لها جمرة
7-وقد صوروا كثيرا من العواطف الدقيقة من ذلك التعاطف الرفيق بين الأب
وبنيه وبناته وما يطوى فيه من الرحمة والبر والحنان , و مثال ذلك تصوير
ووصف ابن يسير عطفه على بنية له , كيف يستأثر به ويجشمه اقتحام المصاعب من
أجل سعادتها , وكيف يحببه في الحياة خوفه عليها من ذل اليتم وجفوة الأهل ,
وأنه ليشفق عليها حتى من الدموع التي سترسلها حين يتأهب لمفارقة الحياة
فيقول :
لولا البنية لم أجزع من العدم *** ولم أجب في الليالي حندس الظلم
وزادني رغبة في العيش معرفتي *** ذل اليتيمة يجفوها ذوو الرحم
أخشى فظاظة عم أو جفاء أخ *** وكنت أخشى عليها من أذى الكلم
إذا تذكرت بنتي حين تندبني *** جرت لعبرة بنتي عبرتي بدم
8-وحللوا كثيرا من المشاعر كالغيرة والشعور بالبؤس والمصغبة .










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:47   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

خامسا الغزل
الغزل فن وأدب وجداني وظيفته التعبير عن الأحاسيس في عالم الحب دون سواها من المواضيع الأخرى .
*وقد أراح ابن رشيق القيرواني الدارسين من مشقة الخلاف بينهم في التسميات فقال " والنسيب والغزل والتشبيب كلها معنى واحد "


*والغزل يعد غرضا من أغراض الشعر العربي , برز منذ العصر الجاهلي في اتجاهين رئيسيين هما : الغزل الحسي والغزل العفيف .
*فالأول أي الغزل الحسي ازداد شيوعا في العصر العباسي الأول , وكثر أتباعه
الذين أفرطوا في اللهو والمجون لكثرة الجواري والإماء , ووفرة مختلف أسباب
القصف والعبث مما جعل شعرهم يعكس مدى التدهور الأخلاقي في تلك البيئة
المريضة، وأمثالهم : أبو نواس , بشار بن برد ,مطيع بن اياس والحسين بن
الضحاك ومسلم بن الوليد وغيرهم .
*الغزل العفيف : وهو عكس التيار الأول في مضمونه واتجاهاته، نبتت جذور
شجرته في الجاهلية ثم ترعرعت في العصر الأموي , فلما كان العصر العباسي
الأول الذي يندر أن تعثر فيه على شاعر عفيف وطاهر , انحصرت بقايا هذا الفن
في شعر خمسة من الشعراء ذوي الشهرة في هذا الغرض وهم : العباس بن الأحنف
زعيم هذا الفن وعكاشة بن عبد الصمد العميّ , والمؤمل ابن جميل الشاعر عم
مروان بن أبي حفصة , وابن رهيمة وعلى بن أديم الكوفي .
أ‌-الغزل الحسي :
لعبت البيئة العباسية الفاسدة في أكثر مظاهرها الاجتماعية دورا خطيرا في
إشاعة تيار الغزل الحسي الفاحش ونشره , فلولا الانحلال الخلقي الذي أدى
بالمرأة الجارية الأمة على الخصوص إلى الكشف عن مفاتنها لما تجرأ الشعراء
ولا سيما المتعودون منهم على السقوط في مراتع الإثم والفجور إلى فضح المرأة
ونهش ما كان يعد منها أساس وجودها وعفافها (انظر الأغاني وما يصوره على
سبيل المثال )
*ومن أمثلة الشعر الذي يكشف عن حقيقة المرأة الجارية وكيف كانت تجري وراء
الرجال من أجل ايقاعهم معها في الفواحش قول مطيع بن إياس التي كان يألف "
بربر " صاحبة الجواري , التي كانت ترسل جواريها ومن بينهم جوهر الجارية
لتفسد عسكر المهدي فقال :
خافي الله يا بربر *** لقد أفسدت العسكر
بريح المسك والعنبر *** وظبي شادن أحور
وجوهر دره الغوا *** ص من يملكها يجبر
فلا والله ما المهدي *** أولى منك بالمنبر
فإن شئت ففي كفيـ *** ك خلع ابن أبي جعفر
*والمتتبع لأخبار الغزل الماجن في كتاب الأغاني يقف عند أخبار وأشعار
متنوعة تكشف عن حقيقة هؤلاء الشعراء المجان الذين كانت لهم العديد من
الرفيقات الماجنات من الجواري والإيماء يتغزلون بهنّ تغزلا ماديا فاحشا دون
أن تدفعهم تلك العلاقة إلى الحب الصادق .
*وهذا بشار بن برد يقول داعيا صراحة إلى الفحش :
لا خير في العيش إن كنا كذا أبدا *** لا نلتقي وسبيل الملتقى نهج
من راقب الناس لم يظفر بحاجته *** وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
ب- الغزل العفيف :
يعد العباس بن الأحنف إمام الغزل العفيف، فهو الذي أحيا هذا النوع من الشعر بعد أن كاد يندثر .
ومما يدل على تخصص الشاعر في هذا الفن وعدم تجاوزه إلى الأغراض الأخرى قول
الجاحظ : << لولا أن العباس بن الأحنف أحذق الناس وأشعرهم كلاما
وخاطرا ما قدر أن يكثر شعره في مذهب واحد لا يجاوزه لأنه لا يهجو ولا يمدح
ولا يتكسب ولا يتصرف , وما نعلم شاعرا لزم فنا واحدا لزومه فأحسن فيه
وأكثر>>.
*إن القارئ لديوان الشاعر يدرك بأنه لم يقل شعرا إلا في محبوبة واحدة هي
فوز , أما ظلوم و" دلفاء " فليس لهما حظ في الديوان فقد ذكرهما مرة أو
مرتين , فهما على ما يظهر صفتان في الغالب أطلقهما على محبوبته فوز التي
تغزل فيها تغزلا عفيفا , ويتضح ذلك من قوله :
وما بيننا من ريبة فنراقبها *** ولا مثلها يرمى بسوء ولا مثلي
وإني لأرعى حق فوز وأتقي *** عليها عيون الكاشحين ذوي الختل
وإني وإياها كما شفنا الهوى *** لأهل حفاظ لا يدنس بالجهل
وقوله أيضا :
قالت ظلوم سمية الظلم *** مالي رأيتك ناحل الجسم
يا من رمى قلبي فأقصده*** أنت العليم بموضع السهم
وقوله أيضا :
لا جزى الله دمع عيني خيرا *** وجزى الله كل خير لساني
نمّ دمعي فليس يكتم شيئا *** ورأيت اللسان ذا كتمان
كنت مثل الكتاب أخفاه طي *** فاستدلوا عليه بالعنوان
وشعر الغزل في العصر العباسي تأثرت لغته بالحياة الاجتماعية المتحضرة
الجديدة , وبالثقافة الشائعة آنذاك , مما جعل الشعراء يستخرجون للورود
والرياحين لغة خاصة كانوا يخاطبون بها أحباءهم، وكذلك ما كان شائعا عندهم
من "اللبان والتفاح والريحان والسواك " .
*ومن أبرز ملامح الغزل العفيف اقتصار الحب على واحدة على خلاف أصحاب التيار
المضاد , والتزام العفة وطهارة الضمير , زيادة على شيوع ألفاظ ومعان
حضارية مستجدة , والميل بهذا الفن نحو الأسلوب السهل السلس .
سادسا " الزهد
شعر الزهد هو الشعر الداعي للتقشف من الحياة الدنيا ومتعها والاشتغال
بالآخرة ولوازمها من عبادة وانقطاع إلى الله , وهو الشعر الذي يصف دون
تزييف حقيقة الدنيا وأنها متاع الغرور وأن الآخرة خير وأبقى .
وكان الإمام البارز في هذا المجال , الشاعر أبو العتاهية الذي كان غافلا في
أول شعره , ثم لبس الصوف وتزهد , وأكثر في هذا الغرض , وصارت له فلسفته
الخاصة في الزهد , والإعراض عن الدنيا :
دنياك غرارة فذرها *** فإنها مركب جموح
دون بلوغ الجهول منها *** منيته نفسه تطيح

وهو يتصور الحياة الآمنة في عزلته ,وتعبده فيقول في بساطة :
رغيف خبز يابس ** تأكله في زاوية
وكوب ماء باردا ** تشربه من صافية
وغرفة ضيقة ** نفسك فيها خالية
أو مسجد بمعزل ** عن الورى في ناحية
خير من الساعات في ** فيء القصور العالية
وشعره في الزهد تغلب عليه البساطة في اللفظ : حتى يكون قريبا إلى أفهام
الناس جميعا ومنها شعره المزدوج الذي لا يراعى فيه وحده القافية إلا في صدر
البيت وعجزه , ونجد ذلك في أرجوزته التي تعد من بدائعه , وهي طويلة جدا ,
يقال إن فيها أربعة آلاف مثل وقد سماها أبو العتاهية بذات الأمثال والتي
يقول فيها:
حسبك مما تبتغيه القوت *** ما أكثر القوت لمن يموت
الفقر فيها جاوز الكفافا *** من اتقى الله رجا و خافا
هي المقادير فلمني أو فذر*** إن كنت أخطأت فما خطا القدر
لكل ما يؤذي وإن قلّ ألم *** ما أطول الليل على من لم ينم
ما انتفع المرء بمثل عقله *** وخير ذخر المرء حسن فعله
إن الفساد ضدّه الصلاح *** ورب جد جره المزاح
من جعل النمام عينا هلكا *** مبلغك الشرّ كباغيه لكا
إن الشباب والفراغ والجدة*** مفسدة للمرء أي مفسدة
وحتى الشاعر أبو نواس لما انهى جسمه , وشعر بالانتقام الرباني , وأن أجله المحتوم يقترب , تاب وسأل الله العفو والغفران فقال :
دب فيّ السقام سفلا وعلوا *** وأراني أموت عضوا فعضوا
لهف نفسي على ليال وأيام *** تجاوزتهن لعبا ولهوا
قد أسأنا كل الإساءة *** فا للهم صفحا عنا وغفرا وعفوا
سابعا : الخمريات
الخمرة من الفنون التي شاع أمرها وسرت نشوتها في نفوس الكثير من أبناء
المجتمع العباسي عامتهم وخاصتهم , وإذا كان الجاهليون والأمويون قد سبقوا
إلى ذكرها والتغني بها في أشعارهم إلا أن ذلك لم يكن يقصد لذاته فهي تأتي
عندهم في مقدمات قصائدهم بشكل عرضي على خلاف العباسيين الذين قصدوها لذاتها
.
*يعتبر أبو نواس من أبرز شعراء هذا العصر المتخصصين والمسرفين في حبها ,
وإذا كان الأعشى والأخطل قد سبقاه إليها إلا أنهما لم يفردا لها بابا قائما
بذاته , لأن الخمرة عندهما كانت وسيلة وليست غاية على خلاف النواسي ,
فإنها كل شيء عنده في الحياة ولاشيء يشغل باله غيرها , مما جعله يتخصص فيها
ويفرد لها بابا مستقلا كاد أن يقصر شعره كله عليه .
ملامح التجديد في الخمريات :
1- التعمق في معانيها .
2-استقلالها ضمن قصائد بدلا من بقائها كغرض من أغراض القصيدة التقليدية .
3-حلت محل النسيب بمطالع القصائد العباسية .
*لقد اتسع المعجم الفني لشعر الخمر وازداد ثراؤه وتنوعت صوره وأخيلته في
العصر العباسي , وهذا يدل على ما ألم بالقصيدة الخمرية من تطور واتساع ,
فقد كان الشعراء يهتمون بإبراز الخصائص الفنية للخمريات من خلال تصويرهم
لألوانها وروائحها ومذاقها وأوانيها ومجالسها وتأثيرها على الشاربين .
* تميزت خمريات زعيم الشعر الخمري في العصر العباسي أبي نواس بـ:
1- ترف الإحساس
2- بساطة التعبير
3-سهولة اللغة
وهذا يدل على أنها تطورت فنيا وجماليا .
يقول عبد القادر القط ( حركات التجديد في الشعر العباسي , ص 418 ) " إن في
قصائد أبي نواس الخمرية كثير من الصور الفنية الجميلة وهي تمتاز عن
الخمريات السابقة في الشعر العربي بـ :
1-بوحدة موضوعها
2-وصدق تجربتها
3-ونجاحها في تمثيل نفسية قائلها أصدق تمثيل
4-ولكن كثيرا منها تكرار لمعان وأحاسيس وتشبيهات ومجازات عبر عنها في عيون قصائده "
ويرد عليه د.نور الدين السد بالنسبة للنقطة الرابعة << أما عن تكرار
ذلك فهي ليست عيبا بل على العكس من ذلك , فهي ميزة ايجابية استدعتها طبيعة
النسق الفني العام الذي يربط بين قصائده , فالخمرة عند أبي نواس تجسد هاجسا
مستمرا , وتجربة شعرية تكاد تكون واحدة , وقضية انتشار بعض الصيغ اللغوية
البلاغية في قصائده , تؤكد رؤيته إلى عالم الخمر , وما توحي به من دلالات ,
فالخمر عند أبي نواس رمزا للذة , وأحيانا هي رمز لاستمرار الحياة والتجديد
والنماء والخصب , فهي عنده متعددت الدلالات , وهو بهذا المنظور يخرجها من
معناها الحرفي أو اللفظي في النص , ويتيح لنا فرصة تأويل معناها بما يتناسب
وسياق القصيدة .>>
*يقول أبو نواس في رده على النظام وهو أحد زعماء المعتزلة , حين لامه على شرب الخمر.
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء** وداوني بالي كانت هي الداء
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ** لو مسها حجر مسته سراء
*ويلجأ الشاعر أبو نواس إلى روح التعليل الفلسفي , والحجة الكلامية ومن هنا تظهر مغايرة هذا الأسلوب الشعري للأساليب السابقة .
*ويقول أبو نواس في الخمرة لائذا بها لعله ينسى محاصرة الزمن وقرب الرحيل إلى مصير مجهول :
غرد الديك الصدوح *** فاستقني طاب الصبوح
واستقني حتى تراني *** حسنا عندي القبيح
يقول أحمد دهمان " لم يكن عند النواسي شيء أهم من الخمرة يهدف إلى تفجير
طاقاته المكبوتة , ومن هنا كان مجلس الخمرة مكانا يتبتل فيه لها , ومعبدا
تقام فيه شعائر الحب والجمال والحرية والنشوة والفن , فمناسك الخمرة تتحقق
في مجلسها وفي هذه الأجواء التي تكون عادة لأصحاب المواهب , ينتقل من
العالم الخارجي إلى عالمه الداخلي , هربا من قيود مجتمعه وريائه وزيفه
ليحقق إمكانياته من خلال تأمل الكأس وأشيائه , والشعور بالذات المتحررة من
قيود الزمان والمكان بالإغراق في اللذة , كي يعيش متعة الحياة القصيرة -
كما تصورها - متخلصا من قلقه الوجودي وشعوره بتفاهة الحياة.
*يسبر هذا الرأي النقدي أغوار النفس النواسية القلقة , فيقبض على أهم
الرموز التي تشكل محاور أساسية في متن القصيدة الخمرية لدى أبي نواس , وهي
مجلس الشراب , هذا المكان الذي ينزاح عن دلالته العادية ليأخذ بعدا دلاليا
جديدا , فيتحول إلى معبد تقام فيه شعائر الحب والجمال والحرية , ويخلو فيه
الشاعر إلى عالمه الداخلي , يشعر بتحقيق ذاته , وفي مجلس الخمرة يقول :
ومجلس ماله شبيه *** حل به الحسن والجمال
يمطر فيه السرور سحا *** بديمة مالها انتقال
شهدته في شباب صدق *** ما إن تسامى لهم فعال
تشربها بالكبار صرفا *** وليس في شربنا مطال










رد مع اقتباس
قديم 2012-11-29, 22:48   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

الأغراض الشعرية المستحدثة
أولا : الشعر التعليمي :
تعريفه : هو ما ألف نظما لتسهيل حفظ العلوم أو الفنون الأدبية .
*وهو شعر استخدم لحشد المفردات العلمية فيه بقصد الاستدلال والاحتجاج بها ,
ثم تطور به الأمر فتمخض لسرد المفردات واتخاذه وسيلة من وسائل التعليم
،ومن أجل ذلك سمي الشعر التعليمي .
تاريخه : تعود بداية هذا النوع من الشعر إلى العهد اليوناني القديم , ولعل
أول من سبق إليه << هيزيود >> اليوناني الأصل الذي عاش في
القرن الثامن قبل الميلاد , فقد ابتكر هذا الشعر ونظم مجموعة من القصائد
أولها وأشهرها قصيدته الخالدة " الأعمال والأيام " ضمنها جملة من الحكم
والعظات والقواعد الخلقية وغيرها من النصائح والإرشادات وقد بلغ عدد
أبياتها أكثر من 800 بيت .
*وإلى جانب شهرة اليونان في هذا الفن الشعري , فإن الهنود أيضا كانوا مولعين بنظم قواعد الرياضيات والفلك فيه .
*وقد كانت الثقافتان اليونانية والهندية العارفتان للشعر التعليمي على صلة
بالآداب العربية وثقافتها , فأثرها عليها خاصة الهندية منها .
*ومن حيث أولوية هذا الفن وشأنه في الشعر العربي , فقد نشأ أولا عند أصحاب
الآراء والمذاهب الدينية من الشعراء فاستخدموه في تأيد مذاهبهم وفي التحدث
عن فضائلها والحملة على خصومتها .
*ويعتبر السيد الحميري أول من نظم في شعرنا العربي نموذجا من الشعر
التعليمي , ضمنه جملة من المناقب والفضائل الحميدة والسير النبيلة كالتي
تروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبنائه :
أتى حسن والحسين النبي ** وقد جلسا حجره يلعبان
ففداهما ثم حياهما ** وكانا لديه بذاك المكان
فراحا وتحتهما عاتقاه ** فنعم المطية والراكبان
*ونتيجة لاتساع الحركة العلمية وازدهار الثقافة العربية وبخاصة في أيام
المنصور والرشيد والمأمون الذين حرصوا على نقل ما أمكن من العلوم والمعارف
العقلية والإنسانية كالطب والصيدلة والقانون والحكمة والموعظة وعلم النجوم
والرحلات وسواها ، فإن بعض الشعراء قد اهتدوا إلى تحصيل بعض العلوم
وتدوينها بواسطة الشعر التعليمي حتى يسهل حفظها بكل يسر وسهولة .
*ويعتبر إبان بن عبد الحميد اللاحقي أول من بدأ هذا النوع من الشعر
التعليمي بغرض تسهيل حفظ العلوم وتدوينها وذلك في القرن الثاني الهجري .
* أشار صاحب الأغاني إلى أن إبان قد نقل كتاب " كليلة ودمنة " ونظمه شعرا
حتى يسهل حفظه , وأنه خص به البرامكة وقد أجازه عليه جعفر البرمكي جائزة
كبيرة .
فكان أول نظمه قوله :
هذا كتاب أدب ومحنة *** وهو الذي يدعى كليلة ودمنة
فيه دلالات وفيه رشد *** وهو كتاب وضعته الهند
فوصفوا آداب كل عالم *** حكاية عن ألسن البهائم
فالحكماء يعرفون فضله *** والسخفاء يشتهون هزله
*وقد ذكر صاحب الفهرست بأن كتاب كليلة دمنة المتكون من سبعة عشر بابا , لم
ينقل بكامله إلى الشعر من قبل إبان بن عبد الله الحميد اللاحقي وحده , بل
شاركه في ذلك كل من علي بن داود وبشر بن المعتمد .
*ونظم ابن سينا <ت 428هـ> منظومته في المنطق .
*ونظم الحريري منظومة في ملحة الإعراب.
ثانيا:الشعر الفلسفي
يعتبر أبو العلاء المعري شاعر فلسفة الحياة , وهو أول شاعر ينظم ديوانا
كاملا في الفلسفة يدعى " اللزوميات " وفيه ملخص للمذاهب الفكرية السائدة في
عصره .
فهو يرى أن السلطة المدنية فاسدة بسبب المكر والرشوة , والحكام أصحاب فوضى
ويتبعون هواهم , ويحكمون الرعية بالظلم وينعمون بمالها وثمرة تعبها فيقول :
يسوسون الأموربغير عقل *** فينفذ أمرهم ويقال ساسه
فأف من الحياة وأف منّي *** ومن زمن رئاسته خساسه
ثالثا : الغزل بالمذكر (أو الغزل الشاذ )
*لم يعرف العرب قبل النصف الثاني من القرن الهجري مثل هذا الميل إلى
الغلمان كما عرف في الأمم السابقة،أي قبل اختلاطهم بالأمم الأجنبية .
*ويعتبر أبو نواس من الشعراء المولدين الذين ورثوا دماء فارسية فتغزلوا بالغلمان وأسسوا هذا الفن . يقول أبو نواس :
يا من يقول الغواني *** أحلى جنى و التزاما
خذ النساء ودع لي *** مما يلدن غلاما
المراجع المعتمدة:
1-د.نور الدين السد , الشعرية العربية , ديوان المطبوعات الجامعية , الجزائر 1995
2-د.مصطفى بيطام , مظاهر المجتمع وملامح التجديد من خلال الشعر في العصر العباسي الأول , ديوان المطبوعات الجامعية , الجزائر 1995.
3-د.شوقي ضيف , تاريخ الأدب العربي , العصر العباسي الأول , دار المعارف , مصر , ط6 .










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-05, 21:35   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
zakio92
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

لسلام عليكم اخواني اخواتي انا ادرس السنة اولى تخصص ادب عربي اريد منكم بحث في مقياس البلاغة وهو
النهي تعريفه واقسامه ما يفيده ............










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-06, 03:36   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
omarzant
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لك الاخت دلال على مجهوداتك
في انتظار محاظرات السنة الثالثة كلاسيكي ان شاء الله










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-06, 03:37   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
omarzant
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

في هذا الموضوع إن شاء الله سنعرض المنهجية العلمية في كتابة بحث أدبي

* الصفحة الأولى ( La page de garde )

* الصفحة الثانية: تترك بيضاء

*الصفحة الثالثة: عنوان البحث بخط كبير

* الصفحة الرابعة: الإهداء

* الصفحة الخامسة: المقدمة

عناصر المقدمة:

1- الأسباب التي دفعتك إلى اختيار البحث و أهمية الموضوع و جديته.

2- ذكر الفقرات و كل فقرة تتناول ما جاء في كل عنصر.

3- ذكر المشاكل و المصاعب التي اعترضت الباحث.

4- الشكر، التقدير و الثناء.

* الصفحة التالية: خطة البحث

عناصر خطة البحث:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
عنوان البحث

* الفصل الأول:

المبحث الأول:

- المطلب الأول:
- المطلب الثاني:
- المطلب الثالث:

المبحث الثاني:

- المطلب الأول:
- المطلب الثاني:

* الفصل الثاني:
.
.
.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


* الصفحة التالية: العرض أو المتن أو الفصول

على الهامش ( الإحالة ):
المؤلف/ الكتاب/ ج ، ط ، سلسلة/ دار الطبع، بلد الطبع / سنة الطبع / الصفحة

* الخاتمة: النتائج التي توصل إليها الباحث على مستوى كل فصل ( صفحة أو ثلاثة على الأكثر )

* قائمة المصادر و المراجع: ترتيب أبجدي

المصدر: أمهات الكتب، الرواية، الشعر و الشعراء، الأغاني

المراجع: الدراسات، الدواوين الشعرية، الصحف و المجلات، الأنترنات ...

* الفهرس: آخر شيء









رد مع اقتباس
قديم 2012-12-23, 20:14   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا على اضافتك اخي الكريم

تقبل تحياتي










رد مع اقتباس
قديم 2012-12-23, 20:25   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

محاااااااااضرااات الادب الجزاااااائري

المقياس: أدب جزائري حديث
الأستاذ: حمزة قريرة

المحاضرة الأولى : محطات في مسار الشعر الجزائري
تمهيد:
إن النص الشعري الجزائري نص وليد ظروف كثيرة متشابكة ومتداخلة مر بها عبر مراحله التاريخية انطلاقا من دخول المحتل أرض الجزائر وصولا للاستقلال ثم مرحلة ما بعد الاستقلال التي خُتمت بجيل الثمانينيات أو جيل اليتم كما أطلق عليهم الناقد أحمد يوسف في كتابه "يتم النص"، وعبر هذه المراحل التاريخية التي تتعدى القرن والنصف خاض فيها الشعر الجزائري صراعا مريرا مع مختلف ما تعرّض له من مؤثرات لينصهر بتجربته مع كل مرحلة مقدّما نصا مختلفا يتماشى وجديد المرحلة، بهذا فمحطات الشعر الجزائري قدّمت نصوصا مختلفة، وهذا ما سنركّز عليه، فلن نتعرّض بشكل مباشر للظروف والمتعلقات التاريخية بالشعر الجزائري بقدر ما سنتعرّض للنص وتحوّلاته على مستوى لغته وبنيته بشكل عام وسنتتبع هذه المحطات النصية كالتالي:
1- محطة دخول المحتل الفرنسي ووضع الشعر في الجزائر: من 1830 إلى غاية 1900:
يعد حادث احتلال الجيش الفرنسي لمدينة الجزائر صدمة عنيفة وقعت على كل المغاربة فهزت نفوس الأحرار منهم، فنجد لهذا الاحتلال صدى في الشعر التونسي وشعر المغرب الأقصى يومئذ فضلا عما كتبه أدباء الجزائر وشعراؤها أمثال : حمدان بن عثمان خوجة، ومحمد بن الشاهد، وقدور بن رويلة، والأمير عبد القادر وآخرون، فظهر في كتابات هؤلاء جميعا الشعور القومي الوطني التحرري[1]، ومن أهم ما يمكن تمييزه خلال هذه المرحلة من النصوص هو نص الأمير عبد القادر الجزائري الذي يعد بنية متفرّدة في زمن وصلت فيه اللغة إلى أسوء أحوالها مع نهايات فترة العثمانيين، وزادها الأمر سوء دخول المحتل الفرنسي، ولكن رغم هذه المثبطات للشعر فإن الأمير عبد القادر شق بنصه الآفاق وقدّم أنموذجا راقيا للشعر العربي بقوته اللغوية وبنائه الراقي الذي أحيي به الشعر العربي القديم، بهذا تميز نصه بالقوة على المستوى اللغوي الأسلوبي مما ميّزه على نصوص عصره، ويعد موضوع المقاومة في شعره من أهم الموضوعات حيث يحمل قيمة شعرية تشد اهتمام الدارس خصوصا خلال القرن (19م) الذي ظل الشعر العربي فيه يرزح تحت أشكال التقليد اللفظي والصنعة المفتعلة والأغراض البالية والركاكة البادية في الصياغة والتعبير، فكان موضوع المقاومة الذي برع فيه الأمير نواة للانطلاق، فقدّم نصا من الطراز الرفيع الذي فسح مجالا واسعا لصور التضحية والفداء ليشهد بذلك على بديات طيبة لنهضة الشعر الجزائري منذ النصف الأول من القرن 19م. ولعله بذلك قد سبق الأقطار العربية، فشعر الأمير- كما نلاحظه عبر قصائد ديوانه – يطفح بمعاني السمو وتمجيد البطولة والاعتزاز بالشخصية القومية والنخوة العربية، والملاحظ لشعر الأمير يشعر بالتأثر الشديد بشعر القدماء من الجاهليين والعباسيين، فجاء شعره هذا تعبيرا صادقا عن روح الفروسية الثائرة و تصويرا لحمية الشباب الطموح المتشبع بقيم الوطنية ونجد ذلك مثلا في قصيدته التي نظمها عقب معركة " خنق النطاح" قرب وهران عام 1832 م و تبلغ نحو 30 بيتا ، وقد افتتحها بقوله[2]:
توسد بمهد الأرض ، قد مرت النوى ***و زال لغوب السير من مشهد الثوا
و عر جيادا جاد بالنفس كـــرها *** و قد أشـرفت مما عراها علي التوى
من خلال هذين البيتين تظهر قوة نص الأمير الذي تشع منه ألفاظ الماضي العتيقة القوية، ونجد لهذا الحضور القوي لنصه وجودا في مختلف قصائده خصوصا التي حملت موضوع الفخر، كقصيدة " بنا افتخر الزمان" ومنها يقول:
لنا في كل مكرمة مــجال* ومن فوق السمــاك لنا رجال
ركبنا للمكارم كـــل هول * وخضنا أبحرا، ولــها زجال
إذا عنها توانى الغير، عجزا * فنحن الراحلون لها، العجال[3]
من خلال هذه العينات يظهر بشكل واضح قوة نص الأمير عبد القادر على مستوى اللغة، كما يظهر إتباعه للنص القديم، فهو من رواد الإحياء الشعري، وهذا يجعلنا نعتبر قصائد الأمير الأقوى في هذه المرحلة التي مهدت لمرحلة خَفَت فيها الشعر بسبب المحتل وسياساته التجهيلية التي لم تميز أحد في المجتمع الجزائري لتبدأ حقبة جديدة مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

2- محطة سيطرة المحتل ودخول الشعر مرحلة الابتذال: من 1900 إلى 1920:
خلال هذه المرحلة يظهر ضعف النص الشعري الجزائري واضحا سواء على مستوى الموضوعات أو على المستوى اللغوي والأسلوبي، فنجد مثلا أن الموضوعات لم تخرج من بعض المدائح الدينية لمشايخ الطرق الصوفية أو التهاني على منصب معيّن أو مدح حاكم فرنسي، ومن هؤلاء الشعراء نذكر الشيخ شعيب بن علي قاضي تلمسان، والشيخ أبي بكر بو طالب وغيرهما كثير مما سار خلف ركب المحتل[4]، وعليه لا يمكن خلال هذه المرحلة أن نجد نسقا نصيا متميّزا في الشعر الجزائري وسبب ذلك إلى سياسات المحتل التي أفقدت الجزائريين خلال أكثر من سبعين سنة كل مقوّمات التقدّم الثقافي أو الاجتماعي فانعكس ذلك على نصوصهم التي ما كان لها أن تأخذ بوادر التحرر إلى مع مطلع العشرينات من القرن العشرين فبدأ ظهور شعراء وأدباء يبشروا بانطلاقة جديدة للشعر الجزائري فحملوا اللواء وعقدوا العزم على التخلّص من التخلف الثقافي والشعري فقدّموا نصوصا تحمل بذور التحوّل النصي وأسباب مرحلة جديدة.
3- محطة بداية التخلص من سيطرة الموضوعات المبتذلة وبداية الوعي الوطني: 1920 إلى 1930:
خلال هذه المرحلة بدأ الشعر الجزائري يتعافى خصوصا بعد ظهور موضوعات جديدة أكثر إلحاحا على الساحة الشعرية كمحاربة الطرقية والتخلف والجهل والدعوة للعلم، وقد عملت الصحافة دورا مهما في هذه المرحلة خصوصا بظهور صحافة أكثر وطنية كصحيفة "الصديق(1922)" و"المنتقد(1925)" و"الجزائر(1925)" و"وادي ميزاب(1929)" وغيرها من الصحف[5]، حيث عملت هذه الصحف على إتاحة الفرصة للشعراء والمبدعين لتقديم إنتاجهم والتعبير عما يدور في خلدهم بلغة صارت أكثر قبولا من الناحية الفنية خصوصا بتطور الآلة النقدية لأصحاب الصحف الذين وجهوا الشعراء وقدّموا لهم النصائح ليُقوّموا نصوصهم، وعليه تعد هذه المرحلة ممهدة للمرحلة الإصلاحية حيث قادها أعلام في الفكر والأدب الجزائري مع بداية القرن العشرين، نذكر منهم، "عبد الحليم بن سماية ومحمد بن مصطفى بن الخوجة، وعمر بن قدور وغيرهم"[6]، لكن حضورهم الفردي في الساحة لم يمكّنهم من خلق تيار فكري موحّد له أسسه وضوابطه ومنهجه الفكري المستقل، فلم يُكْتب للحركة الإصلاحية أن تظهر بشكل فعلي إلا بعد فترة حيث انطلق فرسان لغة كان لهم حضورهم القوي وتمكّنهم من ناصية النص، حيث عملوا جميعهم على رفع راية الإصلاح انطلاقا من أدبهم وشعرهم.







المحاضرة الثانية: النص الشعري الجزائري التقليدي المحافظ، مرجعياته وبنياته.
ليس بعيدا عن مختلف الأوضاع الأدبية والنقدية في المشرق العربي كان المغاربة وعلى رأسهم الجزائريون يتابعون بحماس التطورات الشعرية، رغم سياسات التجهيل والتفقير والتنصير التي مارسها الاحتلال، إلا أنّ المبدع الجزائري لم ينثنِعلى مواكبة حركة النهضة الشعرية في المشرق العربي، فبدأت جموع الشعراء في التأثر بما يصدر عن المشرق - كل حسب توجهه وانتمائه- والبداية كانت مع حركة الإصلاح التي حملت على عاتقها إحياء التراث الشعري القديم محاكية بذلك حركتي الإحياء والتقليد في المشرق العربي، فقام بذلك اتجاه تقليدي جزائري على مرجعية عربية مشرقية قريبة وأخرى تقليدية قديمة تنهل من التراث الشعري العربي القديم، كما تميّزت هذه الحركة بحضورها القوي وسيطرتها شبه التامة على الحياة الأدبية في الجزائر، وذلك بسبب الطابع الديني للمجتمع الجزائري وخوفا من أي حركة تجديدية تحمل موالاة للمحتل عبر الذوبان في ثقافته، فعمل بذلك أعلام حركة الإصلاح على ترسيخ مبدأ محاكاة المشارقة التقليديين على وجه خاص وإحياء التراث العربي عموما، لينطلق معهم الشعر الجزائري الإصلاحي، الذي قدّمته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وحمَته واحتضنته، ولكن تجدر الإشارة إلى أن الحركة الإصلاحية، ممثلة في جمعية العلماء، في ظهورها لم تكن الأولى على الساحة الأدبية الجزائرية فقد سبقتها ومهّدت لها حركة إصلاحية قادها أعلام في الفكر والأدب الجزائري مع بداية القرن العشرين، نذكر منهم، عبد الحليم بن سماية ومحمد بن مصطفى بن الخوجة، وعمر بن قدور وغيرهم[7]، لكن حضورهم الفردي في الساحة لم يمكّنهم من خلق تيار فكري موحّد له أسسه الواضحة ومنهجه الفكري المستقل، لهذا لم يُكْتب للحركة الإصلاحية أن تظهر بشكل ممارسة فعلية لها سبيلها الخاص إلا مع الجمعية التي حوّلت العمل الإصلاحي إلى شكله المقنّن والموجّه بتأسيسها مدارس وإطلاقها لمجلات وغيرها من الممارسات التي طوّرتها من مجرّد فكرة إصلاحية لمؤسسة لتخريج الرجال، فأخذت على عاتقها حمل مشعل الفكر الإصلاحي الجزائري الحديث، وكان للشعر نصيبه الأوفر في هذه النهضة، التي اتخذت من التقليد والمحافظة شعارا لمشروعها الشعري، لهذا قدّمت نصها بطابعه التقليدي على مختلف مستوياته اللغوية منها والإيقاعية والهندسية، وهو ما سنتتبّعه من خلال نماذج من الشعر الجزائري التقليدي، معتمدين على أبرز الأسماء الشعرية فيه، وعلى رأسهم محمد العيد آل خليفة.
1- بنية النص التقليدي – الإصلاحي- : نتتبّع فيه أهم مستويات النص الشعري بداية باللغة والتشكيل الإيقاعي والهندسي وانتهاء بالموضوعات، وذلك من خلال التمثيل بنصوص أعلامه.
1-1- مستوى اللغة الشعريّة: اتبع شعراء الاتجاه التقليدي نمطا مشرقيا في توظيف اللغة التقليدية التي لم يتجاوز قاموسها الألفاظ القديمة، ومن أمثلة ذلك ما نقرؤه من قصيدة"حزب مصلح" لمحمد العيد آل خليفة* حيث يقول:
سرْ مع التوفيق فهو الدليل * حصحص الحق وبان السبيل
عاطني السراء كأسا بكأس * واسْقنيها إنــها سلسبيــل[8]
نلاحظ من خلال البيتين أن الشاعر وظف ألفاظا عتيقة مقارنة بعصره ومنها: حصحص، السراء، اسقنيها، وغيرها من الألفاظ التي تأخذ مرجعيتها من الماضي الشعري والقرآني، بهذا تظهر خاصة المعجم الشعري عند الاتجاه التقليدي في أنه يستمد طاقته من القرآن الكريم والشعر العربي القديم، وكل ما تعلّق بالآثار الإسلامية من تاريخ وشخصيات[9]، وغيرها مما له علاقة بالتراث، ومن خلال تتبع عدد من النصوص التقليدية المنتجة في هذه المرحلة، نرصد العديد من النماذج التي تُظهر تمسك الجزائري باللفظ العربي القوي والشكل التقليدي، ولعل ذلك راجع لخوف الشاعر المصلح من ذوبان المجتمع في الثقافة الغربية لهذا ندّد الشاعر بكل انحراف عن العروبة والإسلام اللذين يمثلان المرجعية الأولى للشعب الجزائري وشعره، وقد عزز الشاعر دعوته بنصه، الذي أكّد ارتباط الجزائر وشعبها بالعربية والإسلام، فقال عبد الحميد ابن باديس*:
شعب الجزائر مسـلم* وإلى العروبة ينتسب

[1]من مقال محاضرات في الشعر الجزائري الحديث والمعاصر، عثمان حشلاف، منشورات المدرسة العليا للأساتذة، دط، بوزريعة- الجزائر.


[2]ينظر، مقال :التشكيل اللغوي في شعر الأمير عبد القادر الجزائري لـ، د.وهب رومية*الموسوعة العربية دهشةwww.dahsha.com الاطلاع بتاريخ، 15/03/2010.

[3]الربعي بن سلامة، محمد العيد تاورته، عمار ويس، عزيز لعكايشي، موسوعة الشعر الجزائري، المجلد الأول، أ- ز، دار الهدى عين مليلة، الجزائر، دط، 2009. ص 355.

[4]ينظر، محمد ناصر، الشعر الجزائري الحديث، اتجاهاته وخصائصه الفنية، 1925- 1975، دار الغرب الإسلامي، بيروت لبنان، ط2، 2006. ص 19، ص 20.

[5]ينظر، محمد ناصر، المقالة الصحفية الجزائرية، نشأتها - تطوّرها – أعلامها، من 1903 إلى 1931، الجزء الأول، صدر عن الجزائر عاصمة الثقافة العربية، 2007، الجزائر، ص 43.

[6] صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، المؤسسة الوطنية للكتاب، دط، الجزائر، 1984م، ص 33، ص 34.

[7]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، المؤسسة الوطنية للكتاب، دط، الجزائر، 1984م، ص 33، ص 34.

* ولد 1904 وتوفي 1979، ينظر مقدمة الديوان.

[8]محمد العيد آل خليفة، الديوان، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ط3، ص 129.

[9]ينظر، عمر بوقرورة، الغربة والحنين في الشعر الجزائري الحديث، 1945/1962، منشورات جامعة باتنة، الجزائر، 1997، دط، ص 194.

* رائد الاتجاه الإصلاحي في الجزائر وأول رئيس لجمعية العلماء المسلمين، توفي في 16 أفريل 1940.














رد مع اقتباس
قديم 2012-12-23, 20:26   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

من قال حاد عن أصله * أو قال مات فقد كذب[1]
نلاحظ توظيفه لألفاظ العروبة والإسلام والأصل وكلها دعوات لترسيخ المرجعية القديمة ولو على المستوى الانتمائي الذي يتبعه الشكل الشعري بالضرورة.
أما من الناحية التركيبية فلم تخرج أيضا عن التقليد من الناحية النحوية والبلاغية، فقد عمل الشاعر الإصلاحي على بعث التراكيب في حلتها القديمة، ومن نماذج هذا التوظيف نذكر مما قاله الهادي السنوسي مخاطبا ابن باديس بعد نجاته من محاولة اغتيال:
خبرت البلاد، وأضرارها* فأقبلت تندب أحرارها
وأرسلتها نظرة حرة* رعى الله في الحر أفكارها
فصوّرت للناس آلامها * وأجليت للعين أغوارها[2]
نلاحظ نمط التركيب النحوي البسيط والتقليدي في طابعه، خبرت البلادَ، أقبلت، أرسلتها، صوّرت للناس، فهو مباشر وسطحي ولا يتعدى التركيب الإسنادي المباشر الذي يظهر طرفاه بشكل جلي ولعل بساطة التركيب راجعة لثقافة الشاعر التقليدية من جهة ورغبته في إيصال خطابه بشكل مباشر وبسيط ليصل للمتلقي الخاص في ذلك العهد.
أما من ناحية التصوير البلاغي فلم يخرج النص التقليدي المحافظ على الصور القديمة من تشبيه واستعارة وكناية ومن ذلك ما نقرؤه في وصف ليل الاحتلال لمحمد العيد آل خليفة:
يا ليل. ما فيك نجم* جلا الدجى، وأزاحا
إلا كواكب حيرى * لم تتضح لي اتضاحا
....
أخشى على الشعب هلْكا* يبيده واجتياحا
من ألسن قاذفات * تروي القبيح فصاحا[3]
نلاحظ توظيف الاستعارة في البيتين الثاني والأخير بشكلها التقليدي المباشر السطحي فلا إغراق في الصورة، وهذا ليس عيبا لأن الشاعر يحيي نظاما تصويريا بلاغيا قديما، الذي يعتمد المباشرة والنبرة الخطابية وهي من خصائص الاتجاه التقليدي الذي احتاج لأسلوب يهز ويثير المتلقي الجزائري المحدود الأفق فاعتمد على أساليب الاستفهام والإنكار والتعجب والنداء، وكل الألفاظ الرنانة لتوقظ الهمم[4] في شعب أضناه المحتل بسياسات التجهيل والتفقير، ومن نماذج الأسلوب الخطابي المعتمد على التكرار والتأكيد والتحريض ما نقرؤه من قصيدة سعيد الزاهري سنة 1925:
ألا فليفق شعبي من النوم، فإنه * لفي مرض من النوم قاتل
ألا فليفق شعبي من النوم برهة * فإنا لفي شغل من النوم شاغل[5]
نلاحظ من خلال البيتين توظيفه للأمر بعد النداء وهو أسلوب إنشائي غرضه التمني والرجاء، فهو مشابه للأساليب التقليدية في ذات الغرض، كما نلاحظ التكرار في مطلعي البيتين، وذلك للتأكيد على رجائه في استنهاض همم الشعب الجزائري.
مما تقدّم نصل إلى أن النص التقليدي الجزائري حافظ على هويّته القديمة ومساره الإحيائي للشعر العربي متأثرا بالشعر التقليدي المشرقي من جهة ومستعينا بثقافته الأصولية من جهة أخرى، فقام بترسيخ مبادئ نظم الشعر التقليدي وعلى رأسها عمود الشعر الذي تَمَثّله شعراء التقليد بكل مقوّماته، حيث تجاوزوا اللغة إلى الإيقاع الذي ظل تقليديا فاعتمد الوزن الخليلي والقافية الموحّدة، بل تعدى ذلك إلى إتباع ذات البحور التي نظم عليها المشارقة وأعلام الشعر العربي القديم لدرجة أنهم جاؤوا بقصائد على نفس الروي في شكل معارضات، وهذا ما سنراه في المستوى الإيقاعي.
1-2- مستوى الإيقاع:
مثلما اتبعت القصيدة التقليدية مثيلتها المشرقية في الجانب اللغوي اتبعتها في الجانب الإيقاعي، حيث خضعت للوزن والقافية بشكل مطّرد مقتفية آثار المرجعية الماضوية، التي تعتبر بنية البيت الشعري المكتملة في النص القديم هو أساس بناء القصيدة فيه[6]، لهذا عمد رواد الإحياء على تفعيل هذه الخاصة فجعلوا من البيت منطلقا في بناء نصوصهم، ومن البيت ينطلق الإيقاع بأهم مقوّماته في شعرية التقليد وهما الوزن والقافية اللذان لم يعرفا مع الإحياء

[1]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 206.


الإيقاع بأهم مقوّماته في شعرية التقليد وهما الوزن والقافية اللذان لم يعرفا مع الإحياء غير التكرار واستحضار الماضي بأوزانه وأضربه المختلفة، ومثال اعتماد قواعد عمود الشعر ما نقرأه لمحمد العيد آل خليفة حول العلم وهي قصيدة نضمها سنة 1937:
العلم سلطان الوجود، فسدْ به* من شئْت، أو ذدْ عن حياضك وادْفعِ
اه اه ااه اه اه ااه ا ااه ااه * اه اه ااه اه اه ااه اا اه ااه
مستفعلن مستفعلن متفاعلن * مستفعلن مستفعلن متفاعلن
والْجأ له بدل الحصون، فلا أرى * حصنا كمدرسة سمت، أو مصنع[1]
اه اه ااه اااه ااه اااه ااه * اه اه ااه اااه ااه اه اه ااه
مستفعلن متفاعلن متفاعلن * مستفعلن متفاعلن مستفعلن
............................... ..................................
............................... ..................................
............................... ..................................
............................... ..................................
............................... ..................................
............................... ..................................


الشكل رقم ()
شكل يوضّح البناء الهندسي للقصيدة التقليدية التناظرية


يظهر جليا أن الشاعر وظّف وزن البحر الكامل الذي تفعيلاته تقوم على تفعيلة (متفاعلن) المكررة ست مرات في شطري البيت[2]، وقد اعتراها زحاف الخبن وتحوّلت إلى مسْتفعلن، وانطلاقا من هذا نلاحظ مدى التزام الشاعر بالوزن والقافية حتى أنه لم يُدخل من العلل المستحدث منها واكتفى بزحاف واحد وهو الخبن مما يربطه أكثر بالنص القديم، ومن خلال متابعة النص التقليدي والمحافظ نجد العديد من النماذج التي حافظت على الوزن والقافية ومختلف شروط عمود الشعر مما يعزّز دور الماضي الشعري في رسم ملامح إيقاع النص التقليدي الجزائري، الذي لم يكتف بإتباع قواعد عمود الشعر بل تعداها، كما هو موضّح في أبيات محمد العيد، إلى الشكل الهندسي الذي ظل محافظا على تناظره وتوازيه، مقدّما لنا الشكل التالي:






نلاحظ الشكل العمودي المتوازي لأشطر الأبيات التي تقدّم تمثيلا للقصيدة العمودية كما دوّنت قديما بالشكل التناظري المتوازي، وقد احتل هذا النموذج الهندسي مكانة مهمة في الشعرية التقليدية الجزائرية فصار قالبا يصبون فيه قصائدهم، من خلال رصف الوحدات اللغوية في شطرين متقابلين أفقيا في خط واحد، يفصل بينهما بياض ذو طول محدد، ليشكلا نموذج البيت الشعري الذي تتوالى أسفله أبيات أخرى موازية له عموديا[3]، ليتم بناء شكل هندسي متوازي ومتناظر الأقسام، ليُقدّم القصيدة وكأنها مبعوثة في صحيفة من الماضي العتيق، فيدعّم بذلك الرؤية المقدّسة للماضي لدى الشاعر الجزائري المحافظ.
1-3- مستوى الموضوعات:
مثلما سجّلت القصيدة التقليدية الجزائرية إتباعها وتقليدها على مستوى اللغة والإيقاع فهي لم تخرج في إطار الموضوعات على الرؤية الماضوية، حيث طرق روادها الموضوعات القديمة من مديح ورثاء ووصف وغيرها من الموضوعات. ومن نماذج الموضوعات التقليدية نذكر موضوع الرثاء الذي احتل مكانة مهمة في الشعرية التقليدية الجزائرية ومن أمثلته رثاء محمد العيد آل خليفة للملك عبد العزيز آل سعود في قصيدته بعنوان "فقدْنا مليكا عادلا":
لك الويْل من نعي به هتف البرق * فريع له الإسلام واضطرب الشرق
وردّده المذياع من كـل موطـن * فصُمّت به الآذان واحتبس النطـق[4]
يظهر الأسلوب التقليدي من خلال البيتين رغم أنه أدخل بعض المستحدثات كالمذياع، ولكن ظل الطابع تقليديا محافظا على مستوى الموضوع والتناول وتوظيف المعجم والإيقاع.
كما نرصد موضوع الرثاء في رثاء أعلام الشعر التقليدي المشرقي، ليؤكد الشاعر الجزائري المحافظ ولاءه وإخلاصه للروح التقليدية المشرقية، ومن ذلك رثاء محمد العيد لأحمد شوقي وحافظ إبراهيم، حيث يقول في قصيدة "ذكرى شاعرين":
خُلق المــوت فناء لبقاء * وجــزاء من نعيم أو شقاء
ولقاء في فــــراق باغتا * كــل نفس أو فراقا في لقاء
...
دولة الشعر من الشرق انقضت * وانقضى فيها مراء الأمراء
ولواء الضاد في الشرق انحنى* فانحنى الشرق على ذاك اللواء
عفـت الدنيا فلا (شوقي) ولا * (حافظ) غير أحــاديث الثناء[5]
إضافة لموضوع الرثاء فقد طرق رواد هذه الاتجاه موضوع الغزل على استحياء بسبب الطابع الديني لثقافتهم ومرجعيتهم ومن ذلك الغزل العذري في قصيدة أين ليلاي، والتي نلمس فيها إشارات سياسية دقيقة، ويقول في مطلعها:
أيـــن ليلاي أينها* حــيل بيني وبينها
هل قضت دين من قضى * في المحبين دينها[6]
ويضاف لهذا الموضوع العديد من الموضوعات التقليدية الطابع التي لم يهمّش رواد هذا الاتجاه أيا منها، ولكن رغم الرؤية الماضوية في تتبع الموضوعات إلا أنهم لم يكتفوا بها بل كتبوا في بعض موضوعات عصرهم المستحدثة، ليُذكّرونا بالاتجاه التقليدي المشرقي الذي طرق موضوعات مستحدثة بشكل تقليدي فوصفوا مثلا القطار والطائرة وغيرها من المخترعات، لهذا كتب رواد الاتجاه التقليدي الإصلاحي في موضوعات جديدة كالأحزاب والسياسة وهمومها ومن ذلك يقول الهادي السنوسي:
قد سئمنا سياسة طرفاها * وضـعا في خطى الجزائر قيدا
أرهقتنا مع (اليمين) وعيدا * وأرتنا (اليسار) أكثـر وعــدا
والبلادُ البلادَ من بين هاذيـ * ـنِ جميعا، قاســـت عذابا أشدا[7]
نلاحظ أن الشاعر وظّف عددا من الألفاظ والمصطلحات الحديثة في قالبه التقليدي كاليمين واليسار وكلها مصطلحات سياسية مستحدثة، جاءت لتقدّم صورة عن ارتباط الشاعر الإصلاحي بعصره وما يدور فيه، في ظل حفاظه على مقوّمات شعريته.
ومن نماذج التجديد في الموضوعات نجد وصف بعض جديد العصر كوصف المدرسة ومن ذلك قول محمد العيد في افتتاح مدرسة الهدى بالقنطرة:
فتح جديد قد بدا* في فتح (مدرسة الهدى) [8]
حيث انطلق الشاعر من اسم المدرسة ليرسم لها صورة مشرقة في نشر العلم والمعرفة، مؤكدا على دورها في النهوض بالشعب الجزائري نحو غد أفضل، ليظهر بذلك الدور الإصلاحي الإرشادي بشكل جلي في النص التقليدي الجزائري، الذي احتفى بمختلف المضامين الإصلاحية والإرشادية[9]، التي صارت علامة لتمييزه ومنارة تهدي لرواده.
انطلاقا مما تقدّم نلاحظ أن الشكل العام لبنية القصيدة التقليدية المحافظة بقي ثابتا، انطلاقا من اللغة مرورا بالإيقاع والتشكيل الهندسي العمودي المتوازي وصولا للتيمات التي لم تخرج عن صورتها القديمة إلا في وصف بعض الأمور المستحدثة، ولو أن هذا الوصف لم يخرج عن الشكل التقليدي الذي اعتمد النص المشرقي مرجعية أولى، وعلى النص القديم مرجعية ثانية بعيدة. بهذا ظل النص الشعري الجزائري الحديث يخطو نحو التأسيس لقاعدة ينطلق منها لبعث نص قوي يجابه قوة العهد الجديد الذي دخلته الجزائر والأمة العربية بشكل عام، لهذا عمل رواد هذا الاتجاه على تكريس رؤيتهم الماضوية بممارسة نصية احتلت مكانة مهمة في خارطة الشعر الجزائري الحديث، الذي لم يتوقّف في تطوّره على هذا الاتجاه، فقد ظهر على استحياء اتجاه تجديدي وجداني الطابع، موازيا للتقليدي المحافظ، حيث عرف النور بعد الحرب العالمية الأولى على يد عدد من الأدباء والشعراء الجزائريين أمثال رمضان حمود ومبارك جلواح ومحمد الأخضر السائحي وغيرهم متأثرين بشكل كبير بالرومانسية العربية المشرقية، أكثر من تأثرهم بالتيارات الرومانسية الغربية التي يخشون الانصهار بها. وقد تميّز النص الوجداني بمختلف خصائص الرومانسية، التي سنتعرّف عليها تباعا.





المحاضرة الثالثة: الاتجاه الوجداني ودوافع ظهوره :
لم تتوقف الحركة الشعرية الجزائرية على إحياء التراث وبعث القصيدة القديمة من خلال الاتجاه التقليدي الإصلاحي، فقد شهدت الحركة الشعرية بروز اتجاه آخر في الساحة الشعرية الجزائرية ترسّخ بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية، هذا الاتجاه عُرف بطابعه الرومانسي الوجداني فقد خاطب العاطفة وقلّل من توظيف اللغة والإيقاع التقليدي، بهذا يمكن الإقرار منذ البداية بأن هذا التوجه العاطفي الوجداني تأثر بشكل كبير بالرومانسية العربية المشرقية، وقد فضّل أغلب الدارسين تسميته بالوجداني دون الرومانسي[10] لأنه لم يمثل مذه

[1]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 152.

[2]ينظر، الخطيب التبريزي، كتاب الكافي، في العروض والقوافي، ص 46.

[3]ينظر، محمد الماكري ،الشكل والخطاب، مدخل لتحليل ظاهراتي، ص 136.

[4]محمد العيد آل خليفة، الديوان، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ط3، ص 482.

[5]محمد العيد آل خليفة، الديوان، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ط3، ص 493، ص 495.

[6]المصدر نفسه، ص 41.

[7]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 200.

[8]ينظر، المرجع السابق، ص 161.

[9]ينظر، المرجع نفسه، ص 341.

[10] ينظر ، عبد الله الركيبي، الشاعر جلواح، من التمرد للانتحار، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1986، ص13.



[2]ينظر، المرجع نفسه، ص 77.

[3]ينظر، المرجع السابق، ص 180.

[4]ينظر، المرجع نفسه، ص 34، ص 342.

[5]ينظر،المرجع نفسه، ص 343.

[6]ينظر، مشري بن خليفة، الشعرية العربية ـ مرجعياتها وإبدالاتها النصية، ص 91.









رد مع اقتباس
قديم 2012-12-23, 20:27   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي


المحاضرة الثالثة: الاتجاه الوجداني ودوافع ظهوره :
لم تتوقف الحركة الشعرية الجزائرية على إحياء التراث وبعث القصيدة القديمة من خلال الاتجاه التقليدي الإصلاحي، فقد شهدت الحركة الشعرية بروز اتجاه آخر في الساحة الشعرية الجزائرية ترسّخ بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية، هذا الاتجاه عُرف بطابعه الرومانسي الوجداني فقد خاطب العاطفة وقلّل من توظيف اللغة والإيقاع التقليدي، بهذا يمكن الإقرار منذ البداية بأن هذا التوجه العاطفي الوجداني تأثر بشكل كبير بالرومانسية العربية المشرقية، وقد فضّل أغلب الدارسين تسميته بالوجداني دون الرومانسي[1] لأنه لم يمثل مذهبا خاصا بأسسه كما ظهر في المشرق بل كان مجرّد توجّه محدود نسبيا مقارنة بما حدث عند المشارقة، لكن ظل طابعه العام رومانسيا وعليه يمكن تحديد مفهوم الشعر الوجداني بـأنه ذلك الاتجاه الشعري الذي ظهر بعد "ح ع 1 " وترسّخ بعد "ح ع 2" في الجزائر متأثرا بحركة الرومانسية العربية وذلك بجنوح أصحابه إلى الخيال والذات الشاعرة وانصرفوا عن مختلف الموضوعات القديمة كما جدّدوا في الموسيقى واستخدام اللغة وتميز اتجاههم عموما بمختلف خصائص الرومانسية من تمجيد للذات، وإبحار في الخيال، وبساطة اللغة وغيرها من الخصائص، وقد عملت عدة مؤثرات للتمهيد ودفع هذا الاتجاه نحو النمو والتطوّر ونذكر بعضها فيما يلي:
1- دوافع سياسية واجتماعية واقتصادية:
بدأت تظهر وتتجسد تلك الدوافع مع بوادر اليقظة القومية قبيل "الحرب ع 1 " وأثنائها، حيث نجد العديد من النصوص ظهرت في هذه الفترة تصف الواقع المرير في نغمة يائسة، ونظرة قاتمة، ومشاعر واعية بالفرد وتطلعاته إلى غد أفضل، وقد دلت بعض تلك القصائد من خلال عناوينها على ما تحمله من هذه الأحاسيس " دمعة على الملة "، "زفرات العشي" ، " زفرات الحيران ذي الشجن"دمعة كئيب"... ولكن هذه النصوص ـ مع تجاوزنا في إطلاق هذه التسمية عليها ـ لا تتعدى كونها بذورا تعبر عن مشاعر الشعراء، إبان الحرب العالمية الأولى[2] إزاء الحياة والمجتمع. إلا أن البداية الحقيقية لهذا الاتجاه، إنما بدأت في الأشعار التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى، مع بداية الوعي بالواقع الاجتماعي والسياسي، فإن الأوضاع المؤلمة التي فرضها المستعمر آنذاك تعد مؤثرا أساسيا في طغيان مشاعر الكآبة التي لوّنت الشعر الجزائري آنئذ، حتى غدت طابعا عاما يميز أغلب الإنتاج الشعري الذي ظهر في العشرينيات[3]، فقد صحب النهضة في الجزائر أوضاع اجتماعية قلقة أبرزها تلك الصراعات الدينية والفكرية بين دعاة السلفية والمتفرنسين من جهة، وبين الطرقية والسلفيين الإصلاحيين من جهة ثانية. هذا الصراع هو الذي طبع الإنتاج الفكري شعره ونثره عند طائفة الشباب الذين كانوا يحاولون زحزحة القديم المتحجر.
ولم تمض معاناة الشعب طويلا بعد الحرب الأولى حتى جاءت الحرب العالمية الثانية لتحدث انقلابا خطيرا من كل نواحي الحياة في المجتمع الجزائري، ولاسيما في الميدان الوطني، فكان تأثيرها على الشعراء عميقا لما تمخضت عنه هذه الحرب من تيارات شعورية وفكرية لا تقل عن تلك التأثيرات التي تمخضت عنها الحرب الأولى.
وهكذا فإن نغمة اليأس من الحياة عادت إلى الظهور في النصوص الشعرية بصفة أكثر حدة ولاسيما في السنوات( 1943ـ1954) مما يدل على أن الأوضاع الاجتماعية، التي هي وليدة التأثيرات السياسية والاقتصادية، لها تأثير مباشر في توجيه الشعراء إلى الشعر الذاتي الوجداني، حيث أخذ الشعر الجزائري في هذه الفترة يتجه اتجاها واضحا إلى التعبير عن المشاعر الفردية، وظهرت فيه انعكاسات التجربة الذاتية بعد أن كانت نظرة الشاعر تطغى عليها الغيرية وشعر المناسبات[4]، وفي ذلك برزت أهم خصائص الرومانسية، ولو بمحدودية في المفاهيم والإنتاج مقارنة بالمشرق العربي.
2- دوافع تأثرية: ويمكن رصد نوعين من التأثر أحدهما بالمشارقة والآخر بالاتجاهات الرومانسية الغربية، أما التأثر بالمشارقة فقد عكسه الإقبال الكبير على شعر المشارقة وآرائهم النقدية، ومن تلك الاتجاهات الرومانسية في المشرق نذكر؛ جماعة أبولو والديوان والرابطة القلمية في أمريكا، أما إنتاج جماعة أبولو فقد كان معروفا لدى الأدباء الجزائريين منذ نشأتها، وكانت مجلة " أبولو " تصل إلى الجزائر بانتظام[5]، فكان –مثلا - لأحمد زكي أبو شادي مؤسس جماعة أبولو معجبون من الشعراء الشباب، وصلته بالشعراء الجزائريين ظهرت بارزة بعد الحرب العالمية الثانية، ومما يدلل على ذلك ما قالته عنه الصحافة الجزائرية يوم رحيله، حيث تلقّت الأوساط الأدبية نبأ وفاته بأسى مرير، لتتوارد على الصحافة قصائد من عدد من الشعراء ترثيه وممن كتبوا في ذلك؛ أحمد معاش الباتني ومحمد الأخضر السائحي والطاهر بوشوشي [6]، حيث أظهرت نصوصهم مكانة الرجل في الأوساط الأدبية الجزائرية.
أما النوع الثاني من التأثر فكان التأثر بالاتجاهات الغربية[7]، التي كان المنتظر أن تكون الصلة قوية بينها والشعراء الجزائريين، بحكم الثقافة الفرنسية التي كانت مسيطرة على المجتمع الجزائري طوال الحكم الاستعماري، ولكن شيئا من هذا لم يحدث، إلا مع أفراد قلائل. فقد كانت صلة الشعراء الجزائريين بالشعر العربي أشد، واستفادتهم منه أقوى، فإن الحذر من كل ما هو استعماري جعلهم يزهدون حتى في ثقافته وأدبه، إضافة إلى كون الشعراء ينتمون ـ في الأغلب الأعم ـ إلى الحركة الإصلاحية ذات الطابع السلفي، وأغلبية أصحابها من ذوي الثقافة العربية الخالصة.
ولكن هذا لم يمنع بعض المفرنسين من التأثر بالثقافة والاتجاهات الغربية، منهم رمضان حمود، وأحمد رضا حوحو، والطاهر بوشوشي، وعبد الله شريط، ومبارك جلواح[8]. ويعد رمضان حمود من أوائل الدافعين إلى الاحتكاك بالآداب الغربية والاستفادة منها، وقد حقق ذلك على مستوى التنظير من خلال مقالاته التي نشرت بعضها مجلة الشهاب، كما قدّم رؤيته للشعر من خلال نصوصه، التي قدّمت على قلّتها رغبته في التحرر من قيود عمود الشعر والأخذ من الآخر الغربي، ولكن زهرة لا تصنع ربيعا، فالشاعر رمضان حمود كان صوتا فريدا منفردا من جهة ومن جهة أخرى قصر عمره*، حالا دون أن يشكل تيارا تجديديا حقيقيا يُحسب كاتجاه في مسيرة الشعرية العربية الجزائرية.
3- المؤثرات البيئية والنفسية :
لعبت البيئة على مر العصور دورا مهما في صقل مواهب الشاعر وإلهامه، وككل رواد الاتجاه الرومانسي، شغلت البيئة بما حوت شعراء الاتجاه الوجداني، وأثرت في عواطفهم أيما تأثير، خصوصا أن أغلب شعراء الاتجاه الوجداني في الجزائر كانوا من سكان الصحراء، والمناطق النائية، أمثال، أحمد معاش الباتني، محمد الأمين العمودي، أحمد سحنون، أبو القاسم سعد الله، أبو القاسم خمار ... وغيرهم كثير. فعملت بيئتهم على توجيه نهجهم الشعري. ولا شك أن البيئة وحدها لا تخلق شاعرا كما يرى عبد الله ركيبي فالحس المرهف والنفس الشاعرية بطبعها، لؤلئك الشعراء، عملت على التأثير بشكل كبير في خلق الاتجاه الوجداني، بكل ما يحمل من خصائص، ونذكر من بين الحالات النفسية التي كان يعانيها الشعراء في تلك الفترة، حالة القلق والاضطراب المستمر لما تعانيه البلاد وما يرزح تحته العباد، فعملت تلك الحالة غير المستقرة على تحريك أنفس الشعراء لتقذف ألسنتهم بشعر يعج بالعواطف الجياشة، والإغراق في الذاتية.
4- دوافع مفهومية:
ما هو الشعر؟ وما حدوده؟ هذا السؤال الذي تأخر طرحه حتى العصر الحديث، وهو ما قَلَب الموازين، فلم يعد الشعر الكلام الموزون المقفى، بل تغيرت حدوده، ليصبح الثورة، كسر القيود، الانطلاق الانعتاق من كل الإطارات، إنه التعبير الجميل المنبعث من دواخل الشاعر اللامحدودة الأفق والحدود، فجوهر الشعر بذلك هو التعبير عن معاناة الشاعر الحقيقية وترجمة الواقع الذي تعيشه الإنسانية المعذبة، والقصيدة الشعرية في خضم هذا المفهوم، إنما هي تجربة إنسانية مستقلة في حد ذاتها. ولم يكن الشعر مجرد مجموعة من العواطف، والمشاعر، والأخيلة، والتراكيب اللغوية فحسب، بل هو إلى جانب ذلك طاقة تعبيرية تشارك في خلقها كل القدرات والإمكانيات الإنسانية مجتمعة، ومن هنا ننطلق في فضاء مفهومي واسع للشعر في ظل التحرر[9]، بهذا التغيير في مفهوم الشعر، تأثر الإنتاج ذاته، وانطلق الشعراء من حدود التعريف لخلق جديد ذو بنيات موسيقية ولغوية متطورة تطوّرَ اللغة، وقد تجسد الدافع المفهومي في إنتاج الشعر الوجداني عند رمضان حمود بالخصوص، وذلك لتأثره بمفهوم الشعر عند الغرب، فرأى وجوب تطوير الأوزان، وخلق لغة جديدة تتماشى والواقع الجديد، والتطرق لموضوعات معاصرة، ويمكن رصد آراء رمضان حمود من خلال مجموع مقالاته التي كان ينشرها بمجلة الشهاب، إذ عبر فيها على آرائه بصراحة حول التجديد، والمتتبع للحركة الشعرية والنقدية وقته لا يكاد يجد صوت كصوت حمود حول التجديد الشعري، ومن بين مقالاته نذكر مقال بعنوان" حقيقة الشعر وفوائده" منشور سنة 1927م بالشهاب، وقد ضمّن مقاله مختلف آرائه حول إعادة بعث الشعر في حلّة جديدة، كما وجّه نقودا قوية لأصحاب الاتجاه التقليدي وخاصة في المشرق وعلى رأسهم أحمد شوقي، حيث يقول رمضان حمود في شأنه:" ... إن شوقي لم يأت بشيء جديد لم يعرف من قبل ...... وأكثر شعره أقرب إلى العهد القديم منه إلى القرن العشرين الذي يحتاج إلى شعر وطني، قومي... يجلب المنفعة..."[10]
من خلال مقولة حمود يتضح رأيه بصراحة في الشعر التقليدي، ودعوته للتجديد، فالأدب حسب رأيه لن يكون ذا فائدة إن لم يعبّر عن شخصية قائله وعن تجاربه، وفق ما يتناسب مع العصر لغة وأسلوبا.

المحاضرة الرابعة: بنية نص الاتجاه الوجداني
رأينا أن الاتجاه الوجداني لم يخرج من فراغ فهناك دوافع عديدة اجتمعت لدفع عجلته نحو الأمام، وعلى رأسها كما ذكرنا الحالة السياسية والاجتماعية التي كانت تعيشها البلاد، مما خلقت سوداوية في الرؤية، وبعثت بالنغمة الحزينة على ألسنة الشعراء، مما جعل النص الوجداني يمتاز بخصائص على المستوى البنيوي تميّزه عن غيره من النصوص التي عاصرته، ومن هذه الخصائص ما هو متعلق باللغة الشعرية ومنه ما يرتبط بالإيقاع والموضوعات وغيرها من المستويات التي إن أردنا تتبعها – على اختلافها – في الشعر الوجداني علينا الانطلاق من خصائص الرومانسية لكونها تشكل الإطار الذي أحاط بالاتجاه الوجداني في الجزائر، لهذا سنذكر خصائص الرومانسية مركزين على ما يخص الاتجاه الوجداني، ولكن تجدر الإشارة بداية لمفارقة مهمة حول تجسد الرومانسية في الاتجاه الوجداني الجزائري، تكمن في أن رواد هذا الاتجاه لم ينطلقوا من ثورة ضد الكلاسيكية كما فعل رواد الرومانسية الأوروبية، الذين انطلقوا من فلسفة ثورية، فكان مذهبهم ثوري عام في مختلف الميادين، في حين تعد انطلاقة رواد الاتجاه الوجداني بسيطة بساطتهم، ومحدودة للغاية[11]، فلم تأخذ الطابع الثوري ضد المبادئ الكلاسيكية، بل انطلق رواده من حبهم للحرية وشعورهم الحزين بواقعهم المرير، وعليه لم يكن الاتجاه الوجداني مذهبا خاصا له نظريته في الشعر، وفلسفة مُؤسَّسَة، بل كان مجرد اتجاه عبّر فيه الشعراء عن ما يجوب بخاطرهم، بأشكال مختلفة، آخذين من الرومانسية أهم خصائصها وهي الإغراق في الذاتية، لما تسمح لهم هذه الخصيصة من تعبير الحر عن ذواتهم. وعليه سنتتبع أهم خصائص الرومانسية بما يتوافق مع الاتجاه الوجداني انطلاقا من اللغة الشعرية ومرورا بالإيقاع، كالتالي :
1- مستوى اللغة الشعرية: قام النص الوجداني على استخدام اللغة والتراكيب البسيطة، فالرومانسية لا تعترف بوجود لغة فخمة وأخرى أقل شأنا منها، بل كل الألفاظ اللغوية تصلح لأن تكون ألفاظا شعرية، ومن ذلك جاءت قصائد الاتجاه الوجداني ملونة بألوان المفردات على اختلاف حقولها، فطوّروا بذلك القاموس الشعري[12]، فجاء نصّهم معبّرا بألفاظ بسيطة ومفعمة بالعواطف، ومن جهة أخرى جاءت لغتهم هامسة[13]، حيث امتلك الشاعر الوجداني الأذن الموسيقية الحساسة فأمدّته بقدرة عجيبة على اختيار الألفاظ البسيطة والرنانة والمعبرة والزاخرة بالدلالات الجمالية، ومن نماذج هذا القاموس الشعري ما نقرؤه من قصيدة وحي الأسى لمحمد الأخضر السائحي يقول:

غيّرتني الخطوب والآلام * فعلى عهدي القديم السلام
رحمة الله عنه عهدا تولى * وزمانا كأنه أحـــلام[14]
من خلال البيتين تظهر ميزة القاموس فهو لم يتعد حقل العواطف اتجاه المآسي، فجاء بكلمات أكثر تداولا كالخطوب والآلام والأحلام وغيرها مما هو مفهوم ومعبّر عن دواخل الشاعر الوجداني المتأججة، وقد تم ذلك انطلاقا من بساطة اللغة ومرونتها، فالقاموس اللغوي غير معقد والشاعر استخدم ألفاظا عادية متداولة بين أفراد العامة، ليمرر خطابه لمتلقي ذلك العهد، بهذا يظهر المعجم الشعري عند الاتجاه الوجداني في صورة مختلفة عما لاحظناه في الاتجاه التقليدي المحافظ، فامتاز إضافة لبساطة اللغة، بالنزوع للذاتية كما حملت كلماته إيحاءات وإشارات خضعت لمطالب النفس ونوازعها، فانتقلت بذلك اللغة من مجرّد التقليد والتقرير لِلُغة تنبع ألفاظها من تجارب الشاعر ونفسه[15]، بهذا بدأ التحول في وظيفة اللغة الشعرية نحو أفق رحب يحمل بذور التحديث، الذي عرفته الشعرية الجزائرية المعاصرة بعد فترة من تمهيد الاتجاه الوجداني له، وعليه يعد هذا الاتجاه المنطلق الأول نحو التأسيس لنص يتجاوز التقليد.
أما على مستوى التراكيب، فكانت سهلة بعيدة عن التعقيد اللغوي، ولعل ذلك راجع لرغبة الشعراء العميقة في إيصال أحزانهم وسلواهم بصورة مباشرة للمتلقي، بعيدا عن أي تكلّف، كما يمكن ملاحظة خصيصة

[1] ينظر ، عبد الله الركيبي، الشاعر جلواح، من التمرد للانتحار، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1986، ص13.

[2]ينظر، عبد الله الركيبي، الشعر الديني الجزائري الحديث، ص 495.

[3]محمد ناصر، الشعر الجزائري الحديث، اتجاهاته وخصائصه الفنية، دار الغرب الإسلامي، بيروت لبنان، ط1، 1985. ص80.

[4]المرجع السابق، ص93، ص94.

[5]ينظر، المرجع نفسه، ص 109.

[6]ينظر، المرجع نفسه، ص110، ص111.

[7]ينظر، المرجع السابق، ص 96.

[8]ينظر، الشاعر جلواح، من التمرد للانتحار، عبد الله ركيبي،، ص303.

* لم يتجاوز الربيع الثاني والعشرين. رمضان حمود: ولد بغرداية عام 1906 ، و توفي 1926 .يحمل الشهادةالابتدائية .ترك ما يقرب من ثلاثين قصيدة ، و كتابا سماه بذور الحياة .

[9] ينظر فاتح علاق، مفهوم الشعر عند رواد الشعر العربي الحر، ص 41.

[10]محمد ناصر، الشعر الجزائري الحديث، اتجاهاته وخصائصه الفنية عن : رمضان حمود، بذور الحياة، ص 115/116/117.

[11]ينظر المرجع نفسه، ص85، ص 86.

[12]ينظر المرجع السابق، ص332.

[13]ينظر المرجع نفسه، ص 317.

[14]ينظر، صالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، ص 110، من الملحق.

[15]ينظر، عمر بوقرورة، الغربة والحنين في الشعر الجزائري الحديث، ص 210.









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
*«•¨*•.¸¸.»منتدى, اللغة, العربية, «•¨*•.¸¸.»*, طلبة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 21:29

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc