هل التجريب شرط ضروري في علمية المعرفة ؟؟
وهل من الضروري اخضاع المعرفة للتجربة حتى تكون علمية ؟؟
المقدمة ::
ادا كان العلم قد عرف العديد من القفزات نحو التقدم فان هدا التقدم والتطور الدي شهده العلم حديثا قد اقترن باعتماده على منهج دقيق و مضبوط و هو المنهج التجريبي الدي يقوم على اساس التجربة العلمية التي هي بمثابة القاضي الدي يحكم على الفرضية بالصدق او بالكدب و لكن ما مدى اهمية التجربة في علمية المعرفة ؟؟ وهل التجريب ضروري حتى ترقى المعارف الى درجة العلمية ؟؟ وهل يمكن النظر الى التجربة على انها شرط ضروري لا يمكن التغافل عنه؟؟
محاولة حل المشكلة ::
يرى الكثير من الفلاسفة و العلماء ان التجربة شرط ضروري و معيار اساسي لا يمكن ابدا التغافل عنه في علمية المعرفة و تصنيفها في مصاف المعارف العلمية فالمعرفة لا تصنف في خانة العلوم الا ادا كانت نابعة من التجربة المخبرية و خاضعة لها وهدا ما اكده الكثير من انصار المدرسة الوضعية الدين يؤمنون بالتجربة كمعيار ومقياس وحيد و اوحد لاضفاء صفة العلمية على المعرفة وهدا لان من دون التجربة لا يمكن التاكد من صحة الفرضيات او كدبها كما ان العالم من خلال التجربة يتمكن من استنطاق الظاهرة ويتعرف على اسباب حدوثها و كيفية حدوثها و الشروط المتحكمة في دلك خاصة فرانسيس بيكون ودافيد هيوم و جون ستيوارت مل وهدا ما نجده في الفيزياء والكيمياء وحتى في البيولوجيا مع كلود برنار وعن طريق التجربة استطاع الفيزيائي الايطالي توريشيلي ان يتعرف على كيفية الخروج من المفارقة بين مقولة ارسطو ان الطبيعة تخشى الفراغ و المشكلة التي كان يعاني منها سقاؤو فلورنسا بعد امتناع الماء عن الارتفاع في المضخات اكثر من33, 10 متر وبفضل التجربة ايضا استطاع نيوتن ان يؤكد و يبرهن على الافتراضات التي قدمها على ان الجادبية قوة فيزيائية فعلا و تعمل على تحقيق التوازن الكوني و بفضل التجريب استطاع كلود برنار من معرفة سر تحول بول الارانب من حالته الطبيعية عكر قلوي الى حالة غير طبيعية حامض صافي على اساس ان الحيوانات الاكلة للاعشاب يكون بولها عكر قلوي واثبت ان السبب يعود الى حالة الجوع التي كانت عليها الارانب بعد مكوثها مطولا في السوق ووصل الى القانون المتمثل في ان" الحيوانات الاكلة للاعشاب حينما تجوع وتفرغ بطونها تتغدى على المواد المدخرة في جسمها " و في الحديث عن اهمية التجربة يقول كلود برنار "ان الملاحظ يصغي للطبيعة لكن المجرب يسالها و يرغمها على الاجابة "أي ان المجرب يضع الظاهرة في ضوء شروط مصطنعة داخل المخبر ويتحكم فيها ومن ثمة يتعرف على اسباب و كيفية حدوثها .
المناقشة::صحيح ان التجربة شرط ضروري في بعض ميادين العلم خاصت تلك التي تاخد من المادة موضوعا لها ولكن هدا غير قابل تماما للتعميم لان هناك بعض العلوم استطاعت ان تحجز لنفسها مكانا بين العلوم او بالاحرى تتبوء ت مقعدا على راس العلوم رغم انها لم تاخد بالتجربة كوسيلة لدلك مثل ما هو الشان بالنسبة للرياضيات و العلوم الاسانية "علم التاريخ علم الاجتماع علم النفس ".
الموقف الثاني ::
و بالمقابل من الموقف الاول نجد ان العديد من المفكرين ينظرون الى التجريب على انه ليس شرطا في علمية المعرفة ولاهي عنصرا مهما في تحقيق دلك فالمعرفة يمكنها ان ترتقي الى مستوى العلمية دون ان تاخد بالتجريب كمعيار لها او اساس تنطلق منه وهدا مل يقول به الفلاسفة العقليون الدين يرون ان هناك علوم لا علاقة لها بالتجريب و لمنها استطاعت ان تتسيد على غيرها من العلوم وهي الرياضيات التي تتميز بالمطلقية و الكلية والتي هي نابعة من العقل بالفطرة وليست تجريبية اد ليس هناك ادنى تاثير للتجربة في ايجادها و رغم انها عقلية ورغم استغنائها عن التجربة الا انها اصبحت معيار اليقين ونمودجا للدقة و العلمية وهو ما دافع عنه ديكارت وبوانكاريه و حتى سبينوزا و ليبنتز نادوا بضرورة المنهج الرياضي في الابحاث الفلسفية وادا كانت الرياضيات قد الغت تماما التجربة على اساس انها علم من العلوم العقلية المجردة فانها مع دلك اللغة التي يتكلم بها العلم في مختلف الميادين و المجالات فسياغة القوانين الفيزيائية والمعادلات الكيميائية و التاثيرات الوراثية كلها بلغة رياضية التي هي لغة الرموز و الاشارات وهو الشيئ نفسه الدي نجده على مستوى العلوم الانسانية التي تجعل من الانسان ومختلف ظواهره موضوعا لها مثل علم النفس وعلم التاريخ و علم الاجتماع وهده العلوم الانسانية لا تتبنى التجربة و لا تاخد بها الا انها بلغت درجة كبيرة من التقدم و التطور فتمكن علم النفس من تفسير الكثير من المظاهر السلوكية ومكن الانسان من تجاوز العديد من العقد النفسية و الاضطرابات السيكلوجية من خلال انشاء عدد كبير من العيادات النفسية و المراكز الاستشفائية العصبية وكل هدا من دون الاعتماد على التجريب كما نجد ايضا علم الاجتماع الدي بلغ هو الاخر مرحلة متقدمة من التطور من خلال تمكن علماء الاجتماع من فهم التركيبة السوسيولوجية للفرد وتمكنه ايضا من تحديد العديد من الافات الاجتماعية والتخلص منها ضف الى دلك علم التاريخ الدي اصبح يتمتع بالموضوعية في دراسة مختلف الحوادث التاريخية .
المناقشة::صحيح ان هده العلوم قد بلغت درجة كبيرة من التقدم و التطور دون اعتمادها على التجريب و لكن مهما قيل ومهما سيقال فان التجريب يبقى خطوة اساسية في المنهج التجريبي و يبقا معيارا اساسيا لقياس درجة علمية المعرفة.
التركيب ::
العلوم كثيرة و متنوعة وهو ما يترتب عنها اختلافها من حيث الموضوع و اختلافها من حيث المنهج لان طبيعة الموضوع تستلزم طبيعة المنهج فهناك علوم طبيعة الموضوع الدي تهتم بدراسته يتطلب الاعتماد على التجريب خاصة التي تهتم بدراسة المادة سواء كانت حية او ميتة مثل الفيزياء او الكيمياء او حتى البيولوجيا و لكن بالمقابل هناك علوم اخرى طبيعة الموضوع الدي تهتم بدراسته يفلت من امكانية التجريب خاصة فيما يتعلق بالرياضيات و العلوم الانسانية.
الخاتمة::
من خلال ما سبق يمكننا ان نقول ان العلوم كثيرة و متعددة فمنها من يعتمد على التجريب كمعيار لا يمكن الاستغناء عنه فيكون بدلك مقياس علميتها و لكن بالمقابل هناك علوم اخرى لا تعتمد على التجريب و بالتالي فهي لا تجعل منه مقياسا لها ولا معيارا لقياس درجة علميتها.