رسالة إلى بابا الفاتيكان - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > منتدى نصرة الرسول صلى الله عليه و سلم

منتدى نصرة الرسول صلى الله عليه و سلم كل ما يختص بمناقشة وطرح مواضيع نصرة سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم و كذا مواضيع المقاومة و المقاطعة...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

رسالة إلى بابا الفاتيكان

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-10-17, 15:42   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المرابط
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي رسالة إلى بابا الفاتيكان

الجزائر يوم الاثنين20 نوفمبر 2006
محمد كريم الدين
الجزائر
مسلم من أتباع النبي الخاتم محمد



إلى البابا بنديكت السادس عشر
حبر الفاتيكان الأعظم
الأب الروحي لأتباع المسيحية الكاثوليكية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون. قرآن كريم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ


لا أيها البابا...على رسلك!
حضرة البابا حبر الفاتيكان الأعظم، سلام على من اتبع الهدى..

ما يشغل العالم في أيامنا من هموم وأزمات في غياب قيادات دينية وسياسية رشيدة هو هم الإنسانية الأكبر. ولو أن أولوا الحل حشدوا ما عندهم من وسائل، وسخروا ما لديهم من إمكانيات أدبية وأخرى مادية خدمة للإنسان لعم الخير أرجاء الدنيا، وما وجد كثير منا من الوقت ما يكفي لإثارة المزيد من المتاعب أجمع العقلاء أن البشرية في غنى عنها.

و كان من باب أولى أن نلتفت إلى تلك المعاناة- وكم هي كثيرة- فنسعى متعاونين إلى حصرها، واحتوائها، وتقليل حدتها، وتخفيف وطأتها، بدلا من أن نقحم أنفسنا في صراعات لا حصر لها، ما انفك المبطلون، والذين في قلوبهم مرض يختلقونها استجابة لأهوائهم ونزعاتهم..

ولئن كان الباري جل في علاه قد أقر بمبدأ الاختلاف بين الناس، فقد أمرهم، في ذات الوقت، فيما نزّل إليهم من كتاب، أن يعملوا جاهدين إلى احتوائه والتقليل من حدته، وأوصاهم أن يمدوا جسور التعارف فيما بينهم، وأن ييسروا سبل التعاون بينهم، مسارعين في الخيرات، جميعا، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. قال تعالى: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير". الآية 13 الحجرات.

وقال: ".. وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب". الآية 6 المائدة.

وقال واصفا الصالحين:"..إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين." الآية 90 الأنبياء.

والمسلمون، على غرار الخيّرين في عالمنا، هم دعاة إرساء أسس الاختلاف المحمود، الذي يقر بوجود الآخرين، ونحن نسعى عبر حوارات هادئة تحفها المودة والإخاء والتعاون فيما نحن فيه متفقون، والابتعاد عن عما نحن فيه مختلفون، أن نذيب ما بين غيرنا من فوارق ونبذ كل ما من شأنه أن يفسد للود قضية..

وإننا لنعتبر أن التنقيب عن مواطن الخلاف، ابتغاء الفتنة، والتهجم على الغير، وإثارة الخصومات، لا تخدم
الإنسان وقضاياه الكبرى، ولا تزيد الهوة بين المختلفين إلا اتساعا و لا الفرقاء إلا ابتعادا..

ومن الخير الذي نصبوا إلى إرساء دعائمه، أن نسعى إلى حصر هذه الخلافات بين المتحاورين بلا مزايدة على بعضنا البعض، وأن تناقش تفاصيله في ندوات للتقارب وعبر قنوات الحوار المتبادل الهادئ الهادف بين العقلاء من ديانات شتى..

ولئن مضت سنة الله في البشر أن يكون ساسة الأمم وأولي الأمر منهم مصدر الأزمات على مر الأزمنة، فإن حكمة الله اقتضت أن لا يدع أمر الخليقة إلى هؤلاء دون تعقيب أو إنكار من أولي النهى..

وأولي النهى، هم رجالات الدين وحكمائها الذين ورثوا عن النبوة الكتاب والحكمة، واقتفوا أثر المصطفين الأخيار؛ فجاهدوا في سبيل إعلاء كلمة الحق، ونشر تعاليم الفضيلة والمكارم، ووقفوا دون الذين يسعون في الأرض فسادا و يبغونها عوجا. وقد نوه القرآن بأفعالهم الجليلة، وخصالهم الحميدة في قوله تعالى: " وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون" الآية181 الأعراف.

وقال: " ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة يتلون آيات الله آناء اليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين". الآيتان 113 -114آل عمران.

وبالرغم من كثرة المنصفين للإسلام، ممن يحاول الوصول إلى الحقيقة ويبذل في سبيل ذلك ما استطاع جهده ، لا يزال من يتحامل عليه وينفق من أجل ذلك كل ما يملك من وسيلة مادية وعلمية وفكرية وهو يحاول حجب نور الهداية على الناس.. !

ومثل هذا الفريق، في رأينا، مثل من يحاول إثارة الغبار بركضه على الثرى ليحجب أشعة الشمس.. وسرعان ما تنقلب عليه تلك الأتربة فينقلب على إثرها أغبر الهندام ممرغ الوجه لا يكاد يعرف من هول ما أصابه.!!

ومثل ما يذاع عن الإسلام ورسوله في وسائل الإعلام الموجه، وعلى ألسنة الساسة، ورجال الدين، يذكرنا بما يكنه الملأ وكبراء عرب الجاهلية من عداوة للرسول، صلى الله عليه وسلم، وما كانوا يثيرون من ضوضاء في لقاءات النبي محمد بالناس لصرفهم عنه، وما كانوا يتنادون به في مجالسهم وغيرها قائلين: "..لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون". الآية.

وليس من الحكمة في شيء أن يهوي الكبار بأنفسهم من العلى، وأن ينزلوا بالحديث إلى الحضيض ليخوضوا مع الخائضين.. والحديث عن الإسلام بهذه الكيفية المنتقصة من شأنه، المشوهة لصورته، يشبه كثيرا ما تتناقله الولدان من ترهات، وما يتجاذبه المراهقون الذين لم يبلغوا الرشد- بعد- في مجالسهم من أخبار أكثرها من نسج الخيال وما تهوى الأنفس..

وما كدنا نستوعب سكوتكم المطبق، من قبل، حين تعرض نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلام إلى السخرية من قبل الصحافة الدانمركية حتى جاءت كلمتكم هذه لتعبر عن الرضا بما قيل عنه من إفك، و تؤكد عما تكنه نفوسكم، لهذا الدين ورسوله وأمته، وما تخفون.

وما هذه الأحداث إلا ذكرى لنا بما تخفي الصدور، وما تنطوي عليه تلك التصريحات من أفعال ميدانية تذكرنا بمقدمات الغارة على العالم الإسلامي والتي تنادى بها أسلافكم تحت شعار حرب الصليب.. و صدق الله إذ يقول: " لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب ومن الذين أشركوا أذى كثيرا.." الآية 186 آل عمران.

إن حديثكم عن الإسلام بهذه الكيفية، هو أخطر من تلك الهجمات التي يتعرض لها من قبل القوى السياسية المعادية لأمته، وأبلغ من تلك الأصوات الإعلامية المناوئة له، وهي حرب دينية معلنة مفادها فصل الديانة الإسلامية عن السماء.. وأن النيل من النبي محمد وقدره يهدف لشطب اسمه من قائمة الأنبياء، وإنزاله من مقامه، وعزله عن الناس..

وما نرى هذا الموضوع إلا أنه قد حسم من قديم، ومبلغ علمنا أن المنصفين، من عقلاء الإنسانية، قد اتفقوا على دحض ما يروج ضد الديانة الإسلامية ونبيها من دعاية مغرضة، بعد أن درسوا ما فيها من تعاليم قيمة تأمر أتباعها بأن يأخذوا بأحسنها، وما عرفوا عن رسولها من مكارم عجز الذين تقمصوا ثوب العصمة،افتراء، ونصبوا أنفسهم أربابا،ادعاء، عن الارتقاء إلى علياءها..

إن التسامح بدعة إسلامية... كما يقول الشيخ الغزالي. وهي من المكارم التي لم تسبقه إليها شريعة وضعية ولا ديانة مما يدعي أصحاب القداسة أنها من عند الله..

فالحلم والعدل والإحسان، علامة مسجلة له في الذكر الحكيم، وهي من خصائصه، وبهذه الشمائل امتازت الأمة الإسلامية عن سواها..

والحق أن البشرية لم تعهد مثلها من قبل في حسن الجوار والمعاملة، حتى مع من أبعدتهم انتماءاتهم دينا وعرقا، في السلم والنوازل على سواء.. قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون". الآية 8 المائدة.

وقال: " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا". الآية 135 النساء.

وقال: " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا". الآية 36 النساء.

وفي سورة الأنعام وصايا، هي أم الفضائل التي دعا إليها القرآن، ولعلها نفسها فيما أخفيتم من الكتاب المقدس مما يسمى بالوصايا العشر عندكم. قال تعالى:" قل تعالوا أتلوا ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون. ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون. وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون". الآيات 151-152-153 الأنعام.

وفي سورة الإسراء وبعد أن ذكر نفس الوصايا تقريبا، ختم بما ينبغي أن يتحلى به المسلم من خلق مع عباد الله ، فلا ينبغي أن يميز نفسه عن الآخرين في مشيته تفاخرا أو خيلاء وبطرا وكبرا، وقد نفر من هذا السلوك في أكثر من موطن، وعدّه من الكبائر والموبقات التي نهى عنها سلفا. قال تعالى:" ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولم تبلغ الجبال طولا. كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها". الآيتان 37-38 الإسراء.

تلك هي الأمة الوسط التي أشاد بذكرها القرآن وهي جديرة- بما وصفت- بأن تتبوأ هذه المنزلة في الناس. قال تعالى:" وكذلك جعلناكم أمة وسط لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا.." الآية 143 البقرة.

ويبقى التاريخ الإسلامي أنصع صورة من غيره من التواريخ، وأمته مضرب الأمثال في السلوك السوي والخلق الحسن مع القاصي والداني، ومع الرفقاء والفر قاء والناس جميعا..

يا أهل الكتاب، إن حروبكم المتتالية على العالم الإسلامي لم تكن نكبة عليه وحده، بل كانت وبالا على الإنسانية جمعاء؛ فكم حرمت من خير كثير جراء تلك الغارات المتعاقبة على ديار الإسلام والتي لا تزالون- بكل أسف- تتواصون بها..؟!

وكم فوتم، يا أهل الكتاب، على الإنسانية من خير عميم وحظ وفير، من معرفة لله الخالق، وكم ضيعتم لها من فرصة متاحة لتنهض، على قلب رجل واحد، خدمة لقضاياها العادلة المشروعة، وكم خسرت، بسببكم، من دنيا خلقت لها، واستخلفت فيها، وسخر ما فيها إسعادا لها تمهيدا لسعادة أبدية أعدها الله للمحسنين منهم في الآخرة..

وليس جديدا، أن نرى من يتهجم على الإسلام، من خلال حروب مسعورة على أهله هنا وهناك، وبهذه الحدة من كلام، أنتم على يقين بأنه لا يرقى إلى أن يكون ذا قيمة علمية أو أثارة معرفية أو حقيقة تاريخية..

وقد كنا نظن إلى حين- من باب حسن النية بالآخرين- أن جبهة رجال الدين، المسيحيين على وجه الخصوص، قد صفّدت حين فُتحت أبواب الحوار البناء بين أتباع الديانتين ورجالاتها الكبار؛ لكن سرعان ما تبين لنا ما تكنه صدوركم له، في كلمة لكم، وعبر محاضرة مشهودة أسأتم من خلالها إلى الإسلام ورسوله أيما إساءة..

ومن المؤسف جدا، أن يصدر هذا الحكم الجائر في حق الإسلام ورسوله من أعلى مرجعية روحية في عالم الكنيسة الكاثوليكية، التي كنا نكن لها كل الاحترام، ونعتبر أتباعها من المؤمنين، أقرب الناس إلينا مودة. قال تعالى:" لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون. وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين" الآيتان 82-83 آل عمران.

وكان ينبغي، أن إذا أسيء لأي ديانة سماوية أن يكون رجال الديانة المسيحية من أول المنددين بها وأسرع المشجبين لها، خاصة إذا تعلق الأمر بالإسلام الذي أشاد بتعاليم المسيحية الحقة أيما إشادة، ورفع رسولها عيسى النبي المبارك، عليه الصلاة والسلام، وأمه الصديقة العذراء البتول أيما رفعة.

هذا، ولولا ما تعرضتم إليه، أيها البابا، من انتقاص لشخص الرسول الأعظم، وما وجهتم للإسلام من سهام في مقتله، محاولة منكم لاغتياله، ما كلفنا أنفسنا جهد الكتابة في موضوع أسال من المداد ما يكفي لمن شاء أن يذّكر أو أراد أن يتخذ إلى الحق سبيلا..

إن تجلية الحقائق الكبرى للإسلام، وتبيان تعاليمه الجليلة السمحة، ودوره في إحياء مضمون الرسالات السماوية السالفة، وإبراز دور النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، في إظهار دعوة الحق التي سبقه إليها إخوة له في النبوة، وجهده في تنشئة الأجيال المؤمنة على هدي السماء، والتعريف بسيرته العطرة وخلقه العظيم، واستقراء تاريخ الإسلام الحافل بالعدل والإحسان وما كان للمسلمين من مساهمة جليلة في بناء أسس الحضارة الإنسانية المتكاملة روحا ومادة، لا يمكن أن يتسع له مضمون هذه الرسالة وطبيعة هذه الصفحات..

وليس هو الهدف؛ وإنما هي محاولة منا للتعقيب على بعض ما جاء في محاضرتكم من زلات جسيمة وأخطاء فادحة في حق الإسلام، واستنكارا لتطاول مقصود على الرسول محمد، وذكرى للذاكرين.

ومما جاء في كلمتكم نقلا عن الإمبراطور البيزنطي ".. أن النبي محمدا ما جاء إلا بالشر..!"

ولو أن متأملا في الملابسات والظروف التي جعلت هذا الحاكم ينطق بهذا الكلام لفهم الحالة النفسية التي كان يمر بها وهو يرى زوال جبروته وسلطانه، فمن الطبيعي لأي إنسان متجبر هذا مصيره، أن يطلق مثل هذه الأحكام والتهم، وهو يحاول استنفار أمته و إثارة حماسة الجند للدفاع عن كيان أسيادهم.. وهي سنة المتجبرين من الحكام في تحريف الكلم عن مواضعه إذا ما أوجسوا خطرا يهدد وجودهم وبقاءهم..

والكلام، يذكرنا بموقف فرعون مصر من موسى، عليه الصلاة والسلام، وما قاله للملأ من قومه بعد ما جاءه من البينات والهدى، وقد سجل القرآن هذا الموقف على لسان فرعون فقال:" وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم و أن يظهر في الأرض الفساد".. الآية. 26 غافر.

وقال: " أجأتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى.." الآية57 طه.

تلكم هي الصورة التي يريد أن يقدمها فرعون للناس، ومن قبل كان موسى قد أوضح له الهدف من بعثته، وهو أن يرسل معه بني إسرائيل ويكف يده عنهم بالتعذيب. قال تعالى:" فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية والسلام على من اتبع الهدى" الآية47 طه.

وذلكم هو منطق الساسة في مواجهة الحق وأهله، وهو منطق يهدف إلى الصد عن السبيل، من خلال إثارة الشبهات حول نبوات السماء والرسل ومن تبعهم في دعواتهم بإحسان..

فلم يكن من يصف محمدا بهذا الوصف، بدعا من أولئك الذين واجهوا أنبياءهم والمصلحين من كل أمة بشتى التهم، ولم يسلم أحد من أولئك العظام من ألسنة الذين نصبوا أنفسهم أربابا في الأرض، فكأنما تواصوا بها سنة، جيلا بعد جيل، تشابهت قلوبهم..

إن النبي محمدا، هو ذاك الرجل الذي شرب من عين النبوة الصافي فأمدته بكل ما تملك من خصائص الرجال الكبار، وارتوى من معينها العذب، فعالجته من ظاهر الإثم وباطنه، واغتسل من ماءها الطهور، فنقته جوهرا ومظهرا من كل ما يمكن أن يلصق بالناس من أدران، ثم زودته من معادنها النادرة فجعلت منه إنسانا قل ما يذكر له في الوجود مثيل..

إن محمدا، هو ذاك الرجل الذي صاغته يد الخالق صياغة محكمة لتجعل منه رجل البشرية الأكبر، ورسول الإنسانية الأعظم، وهادي الثقلين إلى صراط الله رب العالمين..

ولو أن الرجل ما جاء إلا بالشر، كما تزعمون، لانفض الناس من حوله، ولما بقي له أثر يذكر، ولكان مصيره مصير الذين طغوا في البلاد وسعوا في الأرض بالمكر والفساد. " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك.." الآية 159 آل عمران.

ونحن نتحدى- بهذه المناسبة- أن تذكر له نقيصة تحط من قدره، أو خلقا سيئا ينزله من علياء النبوة؛ فلو كان رجل سوء لقابل السيئة بالسيئة، ولو كان رجل شر لانتقم من أعداءه بعد أن مكنه الله من رقابهم والأمثلة من سيرته العطرة كثير.

أما أن تطلق التهم هكذا جزافا من غير حجة ولا دليل، فهذا محض الافتراء، وصدود عن السبيل..

إن المؤرخين، وهم يتحدثون عن فتح مكة، ليقولون إنه أعظم فتح في التاريخ.. وما كان لهذا الحدث الكبير أن يكون كذلك لو لم يكن محمد هو مهندسه؛ فقد دخل مكة بعد أن أخرج منها مكرها- إثر ما لقيه من أهلها من صدود وخصام عنيد- وليس في قلبه مثقال ذرة من حقد على من ناوءوه وناصبوه العداء..

لقد دخل مكة يوم الفتح الأعظم مطأطأ الرأس، مهللا مكبرا مسبحا خاشعا لله وهو المنتصر، ولم يدخلها بطرا مستكبرا كما هو شأن الملوك والقادة الذين تنسيهم نشوة النصر ما يجب أن يتحلوا به من أخلاق تجاه الخصوم، ممن لحقت بهم الهزيمة. قال تعالى:".. إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون". الآية34 النمل.

واستمع إلى سؤاله قومه - وكأني به سؤال أب رحيم، وأخ حنون- ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فانتم الطلقاء، لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. !!

إن محمدا عليه الصلاة والسلام، رجل معلوم التاريخ منذ أن ابتهج لمولده الوجد، وسعدت بمبعثه الإنسانية، وأنس بمقدمه المؤمنون..؛ فما من فضيلة إلا وألحقت به، وما من خلق كريم وسلوك قويم وخصلة حميدة إلا ونسب إليه في كبره كما في شبابه وصباه..

لقد كان محمد راجح العقل حكيما، عفيف النفس طيبا، لين الجانب سهلا، سليم القلب ودودا، رحب الصـــدر
حليما.. وقد لقب بالصادق الأمين، وكان موضع الأمانات في قومه قبل البعثة وبعدها، والحكم بين الناس إذا اختلفوا أو تنازعوا الأمر بينهم..

هذا خلق النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، فاسألوا العارفين به، فسيخبرونكم عن عظيم خلقه، وحسن سيرته وسريرته.. اسألوا عقلاءكم، الذين رشحوه في مقدمة الرجال الكبار، وعظماء الإنسانية عبر التاريخ، فسينبئونكم عنه وعن سر هذا الاختيار. وستبقى الإنسانية ما بقيت، عاجزة بأن يفوا الرجل حقه ولو اجتمعت..

وما الرسول محمد، الذي تنسبون إليه ما هو منه براء، إلا حلقة في سلسلة النبوءات المتصلة بوحي السماء، وإنما كان له الشرف بأن يختم الله بمبعثه الرسل، ويكمل بكتابه الدين شريعة ومنهاجا، ويتم برسالته نعمة الإسلام الذي ارتضاه للناس دينا.

إنه نبي الرحمة، ورسول المحبة، وهادي الإنسانية إلى الصراط المستقيم. إنه النبي الذي أخفيتم- أنتم وأسلافكم- ذكره وأثره ومقصد رسالته التي جاءت في الكتاب المقدس.".. النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم.. " الآية 157 الأعراف.

إنه الرسول الذي آمن به الأنبياء كلهم، في الميثاق الذي أخذ منهم من قبل الله في الأزل، فأجمعوا على نصرته، ثم شهدوا على ما أقروا وما أخذ عليهم من إصر وعهد، وكان الله معهم من الشاهدين. قال تعالى: " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين". الآية 81 آل عمران.

ذلكم هو النبي محمد، وارث الحنيفية التي جاء بها أبوا الأنبياء إبراهيم.. وهديه خلاصة ما دعا إليه نوح وموسى وعيسى. ورسالته عصارة ما جاء به النبيون من ربهم.. إنه الرحمة المهداة للعالمين، والنعمة المسداة للإنسانية، والسراج المنير لمن اختار طريق الاستقامة، طريق الله رب العالمين.

وإذ أخذنا ميثاق النبيين ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما. الأية 7و8 سورة الأحزاب

اعلموا، أن ما قيل من شبهات حول خاتم النبيين محمد هو مثله الذي قيل عن عيسى وموسى وإبراهيم ونوحا، وهم أولاء أولوا العزم؛ فمن انتقص من قدر محمد، فكأنما انتقص من قدر هؤلاء جميعا، ومن أساء إليه فكأنما أساء إلى رسل الله جميعا..

إن الأنبياء في عقيدتنا إخوة، أمهاتهم شتى ودينهم واحد، ومن تمام الإيمان الذي ندين به لله، أن نقر بما أنزل إليهم من وحي، وما جاءوا به من حق، ولا نفرق بين أحد منهم.. ذلكم الدين القيم الذي أمرنا أن نسلم به لرب العلمين. قال تعالى: " قولوا أمنا بما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون". الآية 136 البقرة.

إن الرحمة هي خلاصة دعوة النبي محمد، وهي كذلك صفة ملازمة له عليه الصلاة والسلام. قال تعالى: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". الآية 107 الأنبياء.

وقال: " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم". الآية 128 التوبة.

ذلكم هو محمد، النبي الذي تنسبون إلى شخصه ما لا يليق بمقامه، ذلكم ظنكم الذي ظننتم بهذا الرجل، و سيحمل المضلون أوزارهم يوم القيامة وأوزار الذين يضلونهم بغير علم.

".. وأن الإسلام دين انتشر بالسيف !.."

وأما بخصوص سماحة الإسلام، أيها البابا، فما نظن أنكم تجهلون هذه المسألة، ونحن ندعوكم إلى ما كتبه العقلاء من بني جلدتكم؛ ارجعوا مثلا إلى ما كتبه المؤرخ الكبير طوماس أرنولد في كتابه الشهير "الدعوة إلى الإسلام" والذي نفى فيه ما يروج ضد الإسلام من دعاية مغرضة، وأشاد بتعاليمه، وأنصفه أيما إنصاف.

إن الإسلام هو عنوان ديننا وهو من السلام بمعنى الأمن والأمان، والسلام إسم من أسماء الله الحسنى.

والديانة الإسلامية هي امتداد لما جاء به المسيح والنبيون من ربهم، وهؤلاء هم صفوة الناس. وقد أكد القرآن هذا في قول الله تعالى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه.." الآية

فمن قال أن الإسلام دين الإرهاب والعدوان، فهو قذف لكل الديانات التي سبقته، ومن رمى محمدا عليه الصلاة والسلام بالعنف، وأنه ما جاء إلا بالقتل، فقد رمى كل الأنبياء بما رمي به..

ثم أي دين هذا الذي هو ميراث دين الله، قرآنه يدعو أتباعه بأن يدخلوا في السلم كافة، و نصوصه تأمرهم- من مركز القوة- أن يجنحوا للسلم إذا جنح لها غيرهم، ثم اعتماد العنف وسيلة لنشر تعاليمه؟؟!!. قال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين". الآية. 208 البقرة.

وقال: " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم". الآية 61 الأنفال.

إنه ليس في نصوص القرآن وآياته، ما يدعو إلى هذا العنف الذي تتحدثون عنه، وما يروج من مفاهيم خاطئة هي محض افتراء ليست من تعاليم الإسلام في شيء إطلاقا؛ بل كل آيات القرآن في هذا الصدد تدور حول مبدأ: لا عدوان إلا على الظالمين.

هذا ديننا، ومن قال عكس ذلك فهو إما أن يكون جاهلا بتعاليمه، فهؤلاء لا يمكن أن نقيم لكلامهم وزنا، أو جاحدا لحقائقه مع علمه بها إتباعا للهوى، وتعصبا للباطل..

إن علاقتنا الحسنى بالآخرين، مستمدة من علاقتنا الوطيدة بالله ؛ فالصلاة مثلا- وهي عماد الدين عندنا- تُفتتح بكلمة "الله أكبر" تذكيرا بعظمة الله، واستشعارا لقدرته، وخشية من مخالفة أمره؛ فإذا فرغ المسلم منها، التفت وألقى السلام ذات اليمين وذات الشمال، ولعل هذه الالتفاتة إشارة إلى من حوله بالأمن والأمان، وطمأنتهم على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم من أي سوء بيد أو لسان !.

وإننا لنعتبر، أن من تمام حبنا لله أن نحب الخير للناس. وقد أمرنا، أن نوثق علاقات المودة والمحبة بتحية السلام وإفشاءها في الناس. قال الرسول محمد عليه الصلاة والسلام: والله لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم.. الحديث.

كيف يكون مقصد رسالة النبي الخاتم دعوة الناس إلى إحياء ما تعارفوا عليه من محامد، ونبذ ما يشين ما فطروا عليه من مكارم الخُلق، ثم يدعوا أتباعه من جهة أخرى إلى القسوة في المعاملة، والجفاء في المعاشرة، والغلظة في التعايش مع الناس.. ؟؟!!

كيف يكون مقصد رسالته السمو بالإنسانية إلى هذا الكمال، ثم يأمر المسلمين بسلوك نقيض يهوي بهم أسفل سافلين..؟! إنكم لتقولون قولا عظيما!.

وأي دين أحسن من دين يأمر أتباعه بمكارم وفضائل، هي أسس صلاح الأفراد والمجتمعات، وقيام الشعوب، وسر بقاء الأمم وإذاعة صيتها وامتداد حضارتها، ثم يعود لينقلب عما كان يدعو إليه من مقومات؟!. قال تعالى:"إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون". الآيتان 90-91 النحل.

ومن أروع ما قرأناه في هذا الصدد كلمة الشيخ الغزالي وهو يرد على مزاعم المبطلين والمغرضين: "إن الإسلام هو الذي انتصر على السيف". ما أجملها من كلمة... لقد اختصرت جلال الإسلام وجماله في الدعوة إلى الله، وفي المعاملة مع غيره من أتباع الديانات... ولو قدر لهذه الكملة أن تكتب لكتبت بأحرف من ذهب، لما تحمل من معنى كله حلاوة و طراوة!.
هذا، ولم يعرف الإسلام إلى العنف سبيلا خلال سنوات العهد المكي، التي اضطهد فيها المسلمون، واستبيحت فيها دماؤهم وأموالهم؛ بل وفي خضم المحن التي ألمت بأتباع الدين الجديد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه، بالصبر ويأمرهم به ويحضهم على دفع السيئة بالحسنة..

ولقد كان ذلك شأنه، كذلك، أيام بناء الدولة في العهد المدني، فكان أول شيء قام به النبي، أن وضع لأهل المدينة دستورا حقن به دماءهم، ولم به شملهم، وجمع به شتاتهم، وقد نصت بنوده: أن أهل المدينة مسلمين وأهل كتاب وغيرهم أمة واحدة.

وما سلّ الإسلام سيفه أول مرّة، إلا عندما بغي عليه في عقر داره، وهمّ المشركون باستئصال الإسلام وإبادة أهله، وقد جاءوا من مكة مرارا يريدون الحرب، وما أضن أمة- في مثل هذه الحال- ستبقى مكتوفة الأيدي، أو أن يرضى أهلها بهذا الصغار..

أما بقية المواجهات، في عهد النبي، فكانت إما لتأديب الذين نقضوا العهد من يهود تآمروا مع المشركين للإطاحة بالمسلمين، وهم أولاء كانوا يتربصون بالنبي سوءا ليقتلوه أو يخرجوه كما فعل أسلافهم- من قبل- بأنبيائهم.. فريقا كذبوا، وأخرجوا، وفريقا يقتلون..

وأما المواجهة الأولى مع الروم، فسببها عند المؤرخين معروف.. فقد كانت عقب مقتل سفير دولة الإسلام الذي حمل كتابا من رسول الله إلى أمير بصرى بالشام يدعوه فيه إلى الإسلام.. والسفراء لا يقتلون ولا يُتعرض لهم بأذى، وقد كانت الحادثة يومها، سابقة خطيرة في تاريخ العلاقات بين الأمم تحرك على إثرها جيش الدولة الإسلامية..

وأما الفتوحات الإسلامية، فكان الهدف منها تحرير الإنسان، عقلا وفكرا، وإبلاغه رسالة الله الخالدة وجعله سيدا على نفسه، يدع ما يشاء من عقيدة ودين ويختار، دون إكراه من أحد، شعار المسلمين فيها: " لا إكراه في الدين.." الآية 256 البقرة.

ولا جناح إن بقي بعض الناس أو جلهم على دين آباءهم، في ظل حكم الإسلام العدل، لهم ما للمسلمين من حقوق، وعليهم ما على المسلمين من واجبات. قال تعالى: " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون". الآية 6 التوبة.

هذا، ولقد روعي عبر تاريخ الفتوحات الإسلامية، كل الحذر حتى لا يتعرض أحد من الناس الأبرياء بأذى؛ فكانت وصية القادة للمجاهدين، دوما، ألا يقتلوا امرأة، ولا شيخا كبيرا، ولا طفلا، ولا عابدا في صومعته، ولا مسالما. وتعاليم القرآن في هذا الشأن صريحة في كثير من آياته، منها قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا". الآية 94 النساء.

وتعالوا، إن شئتم، وادعوا إلى مؤتمر عالمي لعلماء الدنيا وخبراءها في تاريخ الإنسانية و الديانات، سماوية كانت أم أرضية، ولنترك الأمر لهؤلاء ليقولوا الحقيقة كما هي..

إن الحكم النهائي سيكون- من غير شك- أن الأوربيين- قبل التاريخ وبعده، وثنيين كانوا أم أهل كتاب- هم
أكثر الشعوب تعطشا للدماء وسفكا لها بلا منازع..

من الذي قتل سبعين ألفا، في إبادة جماعية للأبرياء، من أطفال المسلمين ونساءهم في غزو الصليبين لبيت المقدس..؟!
من نصب المشانق، وأقام المحارق للمسلمين في إسبانيا، في واحدة من أكبر عمليات التطهير العرقي في التاريخ..؟ !

ومن هم الذين تعاونوا مع التتار، في أكبر عمليات الاجتياح يشهدها العالم الإسلامي، وقد أودت بمئات الآلاف من القتلى جلهم من الأبرياء..؟ !
من الذي أستباح الدماء والأعراض والممتلكات أيام الاستعمار الأوربي لبلاد المسلمين..؟ !

من استأصل الهنود الحمر عن آخرهم في أمريكا، واجتث شجرتهم اجتثاثا بعد أن أبيدت خضراءهم واستبيحت بيضتهم..؟ !

من أودى بحياة ما يربو عن سبعين مليون نسمة في الحربين الكونيتين الأولى والثانية..؟ !

من أباد مدينتين بأكملهما هيروشيما وناغازاكي باليابان بقنبلتين نوويتين، لا تزال إلى الآن أعراض العدوان تنطق بفظاعة الجريمة، وآثار الإثم على الحرث والنسل قائمة..؟!

من أوقد نار النزعة الطائفية- على مرأى ومسمع القوى العظمى- ضد المسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفو، ولم تحرك الكنيسة، على مختلف مذاهبها، يومها ساكنا..؟ !

ومن غرس ذلك الجسم الغريب إسرائيل في قلب العالم الإسلامي، وزوده بأسلحة الدمار الشامل وبأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الحربية، لتمارس إرهاب الدولة على الشعب الفلسطيني الأعزل، وتشن عدوانها على دول المنطقة حربا واحتلالا..؟ !

إن ما يحدث في المنطقة من عدوان على أهلها، من قبل إسرائيل، مرده إلى الدعم السياسي المطلق الذي تتلقاه من الدول الكبرى، وإلا كيف تفسرون عدم خضوع هذه الدولة المعتدية لقرارات المجتمع الدولي التي ماانفكت تصدر صدرت ضدها..؟!

وكلما أوشك أن يصدر ضدها مثل قرار، بسبب جرائمها ضد الإنسانية، أُعلن حق النقض من قبل دول الغرب الدائمة في مجلس الأمن، وأُشهرت ورقة الفيتو بدعوى أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن النفس..؟؟!!

وبالأمس القريب، عشنا ذلك التحدي الصارخ، من قبل أمريكا، وهي تضرب بقرارات المجتمع الدولي عرض الحائط، وتقفز على إرادة شعوب العالم الرافضة للعدوان على دولة العراق وشعبه..

ولم يكن للكنيسة يومها دور مشرف، ولو أنها تحركت بصدق لمنعت عدوان الحلفاء على هذا البلد الآمن الذي يدمر فيه الآن كل شيء، ابتداء من الإنسان، وبمباركة الجميع من حكومات الغرب ومؤسساته الدينية.. !

ولو أردنا، أيها البابا، أن نعنون لما جرى عبر التاريخ، وما يجري إلى الآن من عدوان على الإنسانية، من قبل دول الغرب التي تنتمون إليها، لما وجدنا من عنوان أنسب، لما اقترفته أيدي الظالمين منكم، من هذا العنوان: تاريخ الغرب للإثم والعدوان..؟؟ !!

لقد كنتم وأسلافكم مضرب الأمثال عن جدارة في التمثيليات التي كان لكم في سيناريوهاتها الدور الرئيس فيما حدث ويحدث من هرج ومرج.!

وما أظن، أنكم في وضع تحسدون عليه، بما اقترفته أيدي أسلافكم من جرائم ضد الإنسانية، وأنتم تثيرون هذه الزوبعة حول الإسلام ورسوله ورموزه؛ فحري بكم أن تتبرؤوا مما تقترفه أيدي الظالمين الجاهلين من عدوان، من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله، وسوف تقفون أمام الله و تسألون.
أما ما تنسبونه إلينا من عنف وإرهاب، فلا يسعنا إلا أن ندعوكم أن تسألوا التاريخ عن الفتح الإسلامي وقادته وجنده، فسيخبركم عن أيديهم النظيفة البيضاء من غير سوء، واستفتوا شعوب الدنيا، الذين عايشوا أتباع محمد ومن تبعهم بإحسان، عما كانوا يتمتعون به من سلوك سوي، وخلق قويم.. لقد كانوا أطهر يدا، ، وأرحب صدرا، وأرحم قلبا، وأعف نفسا وأزكى..

فعفة النفس والبصر واللسان، كانت خصالهم التي بها يعرفون. وصدق حالهم وأمانتهم، كانت خلالهم التي بها يلقبون، والحياء سمة وجوههم المشرقة.. ويكفي في وصفهم قول الرب تبارك اسمه:" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله.." الآية 110 آل عمران.
والخيرية في الأمة الإسلامية، تكمن في ما كلفت به من حمل لواء الهداية للبشرية، والتأسيس لمعالم المجتمع الإنساني الفاضل، والدعوة إلى دين الله الحق الذي ظل أسلافكم من الأحبار والرهبان يغالون فيه و يكتمونه عن الناس ردحا من الزمن..

وقد اختيرت من بعد ما زالت معالم الحق لدى الأمم، ومحيت آثار الهداية الربانية التي عهدها الله إلى أسلافكم يا أهل الكتاب..!

وقد بوأها الله تلك المكانة بما تتمتع به من خصائص جليلة، وما تحمل للإنسانية من خير، وما تكنه لها من حب، وما تسعى إليه من تقريب بين الشعوب وصلة بين الناس ودعوة إلى تعايش سلمي، في ظل مجتمع إنساني ملؤه الأخوة والمحبة والوئام والتعاون على البر والتقوى..

نعم لقد أخرجت أمة محمد للناس، وقد عهد الله إليها برفع قواعد العدل والإحسان بين الأنام، وإفشاء السلام والأمن والأمان في ربوع الدنيا، وإحياء مكارم الأخلاق والفضيلة بعد أن محي من معالمها الكثير وطمست آثرها في واقع البشر. ولم تخرج لنفسها على حساب الأمم الأخرى، أو لتعيث في الأرض فسادا..

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خلاصة رسالة هذه الأمة في الناس بما تملك من إيمان، هو مصدر الخيرية فيها..

إن الدين الإسلامي ما انتشر في بلاد الله، إلا من خلال سيرة أتباعه أعلام الهدى، الذين كانوا مثلا يحتذى في سلوكهم السوي، وطبعهم الزكي، وحلمهم الأسمى، ومقولتهم الحسنى، ودعوتهم لليسرى، وحملهم البشرى.

ومن وصايا النبي محمد لأصحابه قوله: " يسروا ولا تعسروا بشروا ولا تنفروا.." الحديث.

إن شعوب العالم ما انشرحت صدورها للإسلام، أيام الفتح الإسلامي، إلا حينما علموا أنه الدين الحق فيما يدعو إليه من حرية المعتقد والدين، وعدل بين الأفراد، ومساواة بين الناس، وإنصاف للمخالفين.

وما فتحت بلادها لاستقبال المسلمين إلا حينما أعجبوا بما كان يتمتع به أتباع الديانة الجديدة من مكارم الأخلاق، وما كانوا عليه من صدق وحسن سيرة و سريرة..

إن الإرهاب الذي ينسب إلى الإسلام، أكذوبة العصر ما نفك المغرضون يلصقونها به ويتهمونه بما هو منه براء.. وما فعلتموه إلا حين أخذ العالم الإسلامي يصحو من غفوته، وقد ظننتم أنه قد قضي عليه بعد غزو دياره في حملاتكم الصليبية، وغارت دول أوربا أجيالا متعاقبة..

والحملة التي تشن على الإسلام هذه الأيام، ما هي إلا امتداد للحملات الاستئصالية التي ماانفكت تستهدفه منذ بزوغ فجره على الإنسانية، وهي واضحة الغاية جلية الهدف والمقصد..

وقد حركت خيوطها بعد أن أصبح للإسلام دور في حياة أتباعه، وأضحى صيته يملأ الدنيا من كل جانب، وذكره على ألسنة الناس لا ينقطع، ونوره إلى قلوب الحيارى- الذين ظلتم تخفون عنهم حقيقة الإيمان- يمضي باضطراد، و وإنه لموضوع الساعة من خلال نقاشات واسعة بين العقلاء..

ونحن نعلم هذا التوجس، قبل أن تعلنوا عنه في محاضرتكم التي أردتم- من خلالها- أن توهموا شعوبكم بأن

الإسلام ما أخذ ينتشر إلا حين سادت العلمانية ربوع أوربا والعالم، وهذا خطأ جسيم مرده إلى جهل بالإسلام كبير..

وكان حري بكم، يا رجال الكنيسة، أن تسألوا عن الدوافع التي جعلت الناس ينفرون من الدين الذي تحتكرونه لأنفسكم وتجعلون تعاليمه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا..

يا رجـال الكنيسة، لو أقمتم الديـن الحـق مـا لجأت شعوبكم إلى لائكيـة لا تقيم للدين وزنـا، ومـا هرعت نحو
علمانية ترفضها الفطرة السليمة، وما ولت وجهها صوب إيديولوجية تشمئز النفوس السوية لذكر ما فيها من مخالفات، وما استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير، وما آثرت عن حكم السماء العدل بديلا.. !!

ومع ذلك، فقد كانت تلك الإيديولوجية- في القرون الوسطى وما بعدها- أجدر لتولي مقاليد الحكم عندكم بدلا من كهنوتية الكنيسة التي أساءت للدين أيما إساءة، وحولت حياة الناس ضنكا، ودنياهم نفقا مظلما البقاء في غياهبه جحيم لا يطاق..!!

إن الإسلام لم ينتشر يوما على أنقاض ديانة ما، بل أتى امتدادا لرسالات سماوية سبقته، ومتمما لبنيان شيده أنبياء الله من قديم، وقد جاء مؤكدا لما في رسالتهم من تعاليم ومكارم..

وما كان للفطر السوية أن تهرع إليه سراعا، ولأفئدة الناس أن تهوي إليه حبا، لولا ما يملك من حجة عقدية، و حقيقة كونية علمية، و بديلا روحيا عما يعانيه الناس من مادية لا تقيم للدين وزنا، ومتنفسا إيمانيا من كهنوتية لا ترجو لله وقارا. !!

ولولا شياطين الإنس، الذين يصدون عن السبيل ويبغونها- بمكرهم- عوجا، لكان جل من في الأرض أمة واحدة مسلمين لله..

ولو خلّى أرباب الأرض، الذين نصبوا أنفسهم من دون الله آلهة، بين دعوة الحق وبين العباد، لدخل الناس في دين الله أفواجا..

إن قدرة الإسلام على التأثير و الإقناع، لا تضاهيها قدرة عند ما لدى الآخرين من ديانة وإيديولوجية ولو اجتمعت.

ثم إن الإسلام لم يقل يوما لغيره من أتباع الديانات دعوا ما عندكم واتبعوني، ولكن قال لهم في رفق وهو يريد أن يجمع كلمة الناس المشتتة حول الحقائق الكبرى التي دعت إليها الكتب السماوية السوالف: " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون". الآية 64آل عمران.

و هو الذي نوه بما نزل إليهم من كتاب فقال:" قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم.." الآية 68 المائدة.

ودعاهم لتحكيم ما لديهم من كتاب، وتلاوة ما فيها من آيات بينات: " وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه.." الآية 47 المائدة. وقال: ".. قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين". الآية 93 آل عمران.

و وصف ما عندهم من شريعة أنها النور الذي هدي إليه النبيون، واقتفى أثره الربانيون: " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. الآية 44 المائدة.

لا جرم أن ما أصاب مجتمعاتكم من ردة عن الدين، مرده إلى سوء النية لدى رجالات الكنيسة في إزالة طبقات الثرى المتراكمة على الكتاب المقدس وإظهار ما بقي فيه من أحكام ومعاني جليلة- مما لم تطله أيدي أسلافكم بالتحريف- وعجز القديسين عن إغراء من حولهم بتعاليم السماء التي هم أبعد الناس عنها.. تلك هي إخفاقاتكم المتتابعة عبر العصور..

نحن نعلم أنه ليس لديكم ما تقولون لشعوبكم من حكمة، وليس عندكم ما تقدمون لهم من خير ينفعهم دنيا وآخرة.. وإنكم لتستمدون بقاءكم بتشويه صورة غيركم، وتلجئون إلى إثارة العواطف بمخاصمة غيركم، تماما كما فعل أسلافكم حين هموا بغزو العالم الإسلامي، والتاريخ يعيد نفسه.. !

ونحن نعلم، أيضا، نزعة الاستعلاء في نفوسكم أيها الناس؛ فحسن السيرة عندكم، أن تبقى الشعوب لكم مطيعة، وأعناقها لكم خاضعة، ونواصيها بأيمانكم، وأيديهم لكم سخاء، وأرضها لكم عطاء.. و لن تمنحوها شهادة حسن السيرة، ما دام فيها من يأبى الظلم والضيم، ممن تصفونهم بالإرهاب..!!

وما أظن أننا في حاجة إلى أن ننفي عن الإسلام التهم التي نسبت إليه بأنه دين عنف وأنه انتشر بحد السيف، وما أظن كذلك أنني سأفيدكم بجديد بخصوص هذه المسالة، فمثلكم لا يمكن أن تخفى عليه حقائق حفلت بها كتب التاريخ.. وإنني لأربأ بكم من أن تكونوا من الذين يزيفون الحقائق ويجحدون بآيات الله التي أنزلها على خاتم أنبياءه بعد أن استيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا.

وللإسلام، أيها الناس، نظرة بإزاء المسائل الخلافية بين البشر؛ فاختلاف العقيدة والدين، ليس مدعاة لأن يفسد للود قضية بين شرائح الديانات المختلفة، وما ينبغي ذلك ولا يجوز بتة أن تؤدي إلى إثارة العداوات..

وإن الإسلام، ليدعو إلى التعايش تحت راية الحرية دينا وعقيدة، وفي ظل المودة والإخاء، وفي كنف العدل والمساواة التي نادت بها شرائع السماء و أقرتها أعراف الناس.. "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين". الآية 8 الممتحنة.

وفي التاريخ الإسلامي، أقر المسلمون ما كان عليه غيرهم من دين، واحتكامهم إلى شرائعهم وما تعارفوا عليه من أحكام في المعاملات، واحترام ما يدينون به من شعائر، ولم تكتف الدولة الإسلامية بهذا القدر، بل حملت على عاتقها واجب صيانة معابدهم من صوامع وبيع، والدفاع عن مقدساتهم..

يقول الشيخ الغزالي في مقدمة كتابه الشهير "التعصب والتسامح بين المسيحية و الإسلام":

"إن الأحقاد الطائفية، والحروب الدينية، غريبة عن أرض الإسلام. فقد ألف هذا الدين، منذ بدأ أن يعاشر غيره على المياسرة واللطف، وأن يرعى حسن الجوار فيما يشرع من قوانين ويضع من تقاليد..

وهو في ميدان الحياة العامة، حريص على احترام شخصية المخالفين له. ومن ثم لم يفرض عليه حكمه أو يقهره على الخضوع لشرائعه، بل ترك أهل الأديان وما يدينون. خذ مثلا الخمر والخنزير إنهما بالنسبة للمسلم لا يعدان مالا له قيمة، بل الحكم بحرمتهما ورجسهما معروف، ومع ذلك فالمذاهب ترى أنه بالنسبة للنصارى مال متقوم يصح تملكه وتمليكه، ومن ثم تعترف بالتعامل فيهما.

وانظر ما يقوله أئمة الفقه الإسلامي: ... إن أنكحة غير المسلمين له أحكام الصحة. لم؟ لأنا قد أمرنا بتركهم وما يدينون...

إن الإسلام لم يقم على اضطهاد مخالفيه أو مصادرة حقوقهم أو تحويلهم بالكره عن عقائدهم أو المساس الجائر لأموالهم وأعراضهم ودمائهم.. وتاريخ الإسلام- في هذا المجال- أنصع تاريخ على وجه الأرض." انتهى.

وإن القرآن، ليعتبر الاختلاف من سنن الله الكونية، وهي من مقتضيات إرادته الأزلية في خلق الأشياء، ومشيئته العليا فيما ذرأ، والبشر واحد من هذه المخلوقات التي فطرت على الاختلاف، وتلك حكمته سبحانه.. ولو شاء الله ما عرف البشر إلى الاختلاف سبيلا.. " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين". الاية 99 يونس

لا جرم أن الإنسان مفطور على الاختلاف، ولأمر ما أقر الله هذا التباين، وجعله آية من آياته الكبرى الدالة على وجوده؛ فبه يعرف الحق من الباطل، وعلى ضوءه يتميز الناس أخيارا وأشرارا، ومن خلاله تتحقق معنى العبودية لله الخالق رغبة في رضوانه ورهبة من عقابه، وعلى أساسه يكرم المرء يوم القيامة أو يهان.

ولا أدل من هذه الآية التي حسمت مسألة الاختلاف حسما: " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين". الآيتان 118-119 هود.
وقد جعل القرآن، الحوار بالحكمة والحسنى أساس في دعوة مخالفيه، في قوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن.." الآية 125 النحل.

وليس هذا وحسب، فقد دعي المسلم إلى معاملة من يحاور- ولو كانوا أعداء- بذات الحميمية الممهدة للتواصل المذللة للصعاب، وبذات الأسلوب في محاورة الأقربين. قال تعالى:" ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين. ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم". الآيتان 33-34 فصلت.

وقال: ".. وقولوا للناس حسنا.." الآية83 البقرة.

وأي دين، يضع نفسه بالتساوي أمام مخالفيه ومعارضيه، و ينطلق معهم من منطق لا لغو فيه ولا لغط، ثم يذرهم وشأنهم أمام احتمال لا مفر لذي عقل سليم من الإذعان له والتسليم به..؟!

إنه أدب القرآن في مجادلة الغير، في أسمى معاني الحكمة، وأرقى أساليب الحوار، وأجمل صور التواضع. قال تعالى وهو يعلم نبيه أدب الحوار مع الآخرين : ".. وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين. قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون". الآيتان24-25 سبأ.

نبئونا بعلم يا رجال الدين! هل من كتاب في الدنيا- مما توارث الناس من تراث- سوى القرآن- يدعو الناس إلى مثل هذا الأدب في محاورة الغير ولو كانوا خصوما؟!.

لكنه أسلوب الإسلام في مناظرة خصومه، فهو يهيئ النفوس قبل أية مناقشة، في غاية من رفق وتودد.. إنه يريد أن يزيل العقبات، ويوجه الحوارات نحو أجواء يسودها احترام متبادل..

يا أهل الكتاب، إن لدى المسلمين دينا هو أقوم قيلا، وأن العاملين بتعاليمه- عبر التاريخ- قوم هم أرجح عقلا، وأرحب صدرا، وأزكى نفسا، وأصدق قولا، وأحسن عملا، وأوفى عهدا، وأجود خلقا، وأهدى سبيلا.

فأرونا أيها الناس ما عندكم من دين، وتعالوا لنسأل التاريخ عنا وعنكم ليعلم الناس من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى.

".. وأن تعاليم الإسلام غير عقلانية..! "

وأما إحكام العقل الذي خصصتم له حديثا في محاضرتكم، فليس ثمة كتاب، في القارات الخمس، يمجد العقل، ويدعو إلى تحكيمه كالكتاب الذي بين أيدي المسلمين..

وفي القرآن، مئات الآيات التي تتحدث عن هذه الميزة التي كرم الله بها بني آدم، ومنها العشرات التي تدعوا صراحة إلى إعمال العقل، في كل شيء، والتدبر في خلق السموات والأرض وما أودع الله فيهما من آيات هي دليل إلى الإيمان الحق، وإثبات لوحدانية الله، وبرهان على عظمة الخالق جل في علاه.." إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السموات والأرض لآيات لقوم يعقلون". الآية 164 البقرة.

" إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار". الآية 191 آل عمران.

إن العقل في عقيدتنا، نور أودعه الله في الإنسان، وهي إحدى الخصائص التي بها رشح لخلافة الله في الأرض، و بها تأهل ليكون سيدا للمخلوقات، وبقدر ما للعقل من سلطان على أفعـال الناس يأتي التفــاوت بعضهم
على بعض درجات..

وللفيلسوف أبي حامد الغزالي، مقولة شهيرة في علاقة الوحي بالعقل، يقول: " إن العقل نور من الداخل، والوحي نور من الخارج.."

والمعنى، أنه لا بد للوحي الإلهي من عقل سليم و راجح يتدبره تمهيدا للعمل بمقتضاه، ولامناص للعقل من وحي يهديه للتي هي أقوم، ويرده إلى صوابه، ويعيده إلى رشده، وينير له السبيل إن تاه وضل..

وثمة مقولة شهيرة لأئمة المسلمين، تبرز منزلة العقل ومكانته المرموقة: " لولا العقل ما قام النقل"..

ولم يكتفي العلماء في إبراز علاقة العقل بالوحي فقالوا: " إن العقل هو مناط التكليف في شريعتنا"..

نعم وقد خوطبت من خلاله البشرية- أمرا ونهيا- دعوة لها إلى التدبر في آيات الذكر الحكيم ومنه قوله تعالى: " أفلا يتدبرون هذا القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا". الآية 82 النساء.

" أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت .." الآيات 17-18-19-20 الغاشية.

ومن أبرز مظاهر احترام الإسلام للعقل، دعوة الناس إلى التعلم والأخذ بأسباب العلم؛ فقد كان أول ما نزل من القرآن على محمد قوله تعالى: " اقرأ بسم ربك الذي خلق.. " الآية 1 العلق.

وعندما يدعو الإنسان إلى الإيمان، يدعوه عن طريق العلم، ليكون على بينة من أمره، وليعلم حقيقة الإيمان الذي هو مقبل عليه، نبذا للمقولة التي تعارف عليها الناس في جاهليتهم: إنا وجدنا آباءنا على أمة..قال تعالى:" فاعلم أنه لا إله إلا الله.." الآية
وقال:" وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون". الآية 172 الأعراف.

وقد رفع الله طائفة من الناس، وهم أولو العلم الراسخين درجات، وأنزلهم منازل الملائكة، و جعل شهادتهم وشهادة الملائكة سواء، وقرنهما بشهادته سبحانه على وجوده ووحدانيته. قال تعالى: " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وألو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم". الآية 18 آل عمران.

إن أهل العلم عندكم، ليعلمون ما للحضارة الإسلامية من فضل في تطوير علوم الطب والرياضيات والفيزياء والكيمياء والفلسفة والعلوم الإنسانية، وإن أسماء رواد هذه العلوم معروفة لا داعي لذكرها، وجهودهم
مدونة لديكم، ولا نفتري كذبا إن قلنا أنها أساس نشأة النهضة العلمية في أوربا والعالم.

وإنه لمن الشطط، أن يتنكر بعضكم إلى ما أسداه المسلمون من جميل للإنسانية في حفظ تراثها القديم، في وقت كانت أوربا منهمكة في جدال بيزنطي لا خير فيه، ودامسة في ظلمات جهل بعضها فوق بعض..

ومن المخجل حقيقة، أن يسجل التاريخ على الكنيسة دورها المنكر في المحنة التي ألمت بأولي العلم وأعلام الفكر، وما تعرض له أهل الحكمة والرأي السديد من اضطهاد على أيدي رجال الدين..

ومن المؤسف جدا، أن تنسب تلك الأفعال إلى ديانة يزعم رهبانها وأحبارها أنهم أمناء على تعاليم الإله وأوصياءه على خلقه..

والكل يعلم، مــا نجم عن مسلك الكنيسة المريب من تخلف، ومــا كـان لهـا من نصيب في نشر الخــرافة بين
الناس، وما ترتب عنه من جهل مريع..

هذا إسلامنا، ولولا ما نزل على محمد من حق لما كان للديانات الأخرى من معنى، وهو الذي أقر بوجودها، وأشاد بما فيها من تعاليم، وأثنى عل أنبياءها وربانييها، ودعا أتباعها إلى اتباع ما فيها من هداية ونور..

أما في ميادين العلم والمعرفة والحضارة، والرحمة والعدل والدعوة إلى المساواة بين الناس، والسعي إلى توطيد الصلة بين الشعوب، فما نظن أن ثمة ديانة تضاهي ما كان للإسلام من فضل في هذا كله.. وكان حقا فضل الإسلام على الإنسانية عظيما.

هذا، وإذ يطالبكم المسلمون بالاعتذار، أيها البابا، وحذف الفقرات التي استندتم إليها، للإساءة للإسلام والمساس بشخص الرسول محمد، من نص محاضرتكم المشهودة، فإن ذلك من باب رد الاعتبار إن كنتم حقا لا تؤمنون بالكلام الذي استندتم إليه.

وإننا لنبرأ برجل دين، في مثل مقامكم، أن يصم أذنيه عن نداء الحق، وأنتم تعلمون ما أثير حول حديثكم من ردود واستنكار على المستوى العالمين الإسلامي والمسيحي، على سواء، بإزاء مساسكم الفظيع بالإسلام وبشخص نبيه الخاتم..

ولئن كان الثواب إلى الرشد مكرمة وفضيلة، فالرجوع إلى الحق واجب وفريضة، وحينها يمكن للمودة أن تحل محل ما بيننا وبينكم من شنئان افتعلتموه..

ويومئذ يفرح المؤمنون- مسلمين و مسيحيين- بنصر حققوه في تجاوز ما كان بينهما من خصومة، ويومها يمكن أن نطوي صفحة الماضي، وأن ندعو أنفسنا وأنفسكم إلى حوار هادئ، هادف، بناء، وإلى كلمة سواء بيننا وبينكم لا إثم فيها ولا عدوان.



محمد كريم الدين









 


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
lettre, pape, vatican


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 19:51

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc