الحجة القاطعة في الرد على من كفر المُقَنِّن بدعوى المنازعة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم خاص لطلبة العلم لمناقشة المسائل العلمية

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الحجة القاطعة في الرد على من كفر المُقَنِّن بدعوى المنازعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-06-27, 22:47   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










Thumbs down الحجة القاطعة في الرد على من كفر المُقَنِّن بدعوى المنازعة

الحجة القاطعة في الرد على من كفر المُقَنِّن بدعوى المنازعة
(مدعم بأقوال أئمة العصر الأربع : ابن باز-الألباني-ابن عثيمين-الوادعي):


جمع و إعداد: جمال البليدي -ستر الله عيوبه-


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأمين وصحبه وآله أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ثم بعد :
فهذا بحث تعمدت فيه التفصيل في بيان حكم المُقَنِّن أو ما يسمى المشرع -على الاصطلاح العرفي- مع الرد على من كفره ((دون تفصيل)) بدعوى منازعته لربه فيما اختص به من التشريع فهذه أشهر شبه المخالفين وأقواها فما من قائل بالتكفير وإلا وتجده يقدم هذه الحجة على من سواها .

و بما أن المسألة تحتاج إلى ظبط وتحرير للمعاني والمصطلحات و أقوال المتنازعين وحججهم وجدت نفسي مظطرا أن أرتب بحثي إلى خمسة مبحاث :

المبحث الأول : تحرير معنى القانون والتقنين.

المبحث الثاني : التفصيل في حكم المُقَنِّن.

المبحث الثالث : تحرير وبيان محل خلاف بعض العلماء المعاصرين في المسألة.

المبحث الرابع :
أقوال أئمة العصر ((ابن باز-الألباني-العثيمين-الوادعي))رحمهم الله في من يحكم بالقوانين الوضعية أو يشرعها

المبحث الخامس :
الرد على دعوى المنازعة والشبهات المتعلقة بها.


يتبع...








 


رد مع اقتباس
قديم 2011-06-27, 22:48   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

المبحث الأول : تحرير معاني((-القانون-التقنين)).

تعريف القانون :
قال الجوهري : " و القَوانِينُ الأصول الواحد قَانونُ وليس بعربي"(1)
وقال الفيروز آبادي: "والقانون: مقياس كل شيء جمعه قوانين".
وقال شارحه: " قيل: رومية ، وقيل : فارسية "(2)
وقال ابن منظور: "وقانون كل شيء: طريقُه ومقـياسه. قال ابن سيده؛ وأُراها دَخِيلَة"(3)
فالتقنين هو طريق كل شيء ومقياسه .
(أنظر رسالة التبيين والتفصيل في مسألتي التقنين والتبديل))










رد مع اقتباس
قديم 2011-06-27, 22:49   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

المبحث الثاني: التفصيل في حكم المقنن

أقول :((مجرد التقنين ليس كفراً بل هو راجع إلى الأمر المقنَّن وقصد المقنِّن.
وهو على ثلاث أحوال :
الحال الأول: من قنن أنظمة دنيوية معاشية لا تتعارض مع الشرع ولم ينص عليها الشرع بخصوصها فهذا مباح لا شيء فيه.
وهذه قد تكون وسائل إلى غايات مشروعة ومطلوبة .
مثل: تقنين أنظمة المرور وتقنين أنظمة الدراسة في الجامعات وتقنين أنظمة الكتابة في المنتديات الحوارية على الانترنت ونحوها من التنظيمات التي لا يكون فيها ما يعارض الشرع .
ومثل: تقنين قواعد اللغة العربية ومصطلح الحديث وأصول الفقه ونحوها مما لا يتعارض مع الشرع .
فهذا التقنين مباح ولا شيء فيه أصلاً .
وهو ما يسمى بالمصالح المرسلة وهو أحد أنواعها على التحقيق .
وهذا لا أعرف خلافاً بين العلماء في جوازه .
الحال الثاني: تقنين الأمر المحرم الممنوع شرعاً فهذا حرام .
مثل الزنا وشرب الخمور .
فإذا كان عند رجل محل لبيع الخمور - وهو معتقد حرمتها- فقنن عمله لها وجعل قوانين لصناعتها وتعليبها وتغليفها وبيعها ؛ فهذا عاص وآثم ، وليس بكافر إذا لم يصدر منه ما يدل على استحلالها .
وكذلك تقنين الربا وجعل الضوابط المقيدة له فهذا فسق وفجور وليس بكفر .
ولقد كانت قوانين الربا معروفة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا وجدد تنظيمها في عصرنا الحاضر بما لا يخرج في جوهرة على ما كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- والقرون السابقة .
فمعلوم أن كل مرابٍ يحرس ماله أو يجعل له من يحرسه ، ومعلوم أن كل مرابٍ يحفظ ماله ويقيده وله من الدفاتر والسجلات ما يحفظ به ماله الحرام .
وكذلك السراق لهم قواعد ونظم وقوانين في كيفية السرقة بل ألف بعضهم كتاباً في "حيل اللصوص" علمهم فيه كيف يسرقون !!
فهذا التقنين محرم وفسق وفجور وليس بكفر مخرج من الملة إلا إذا كان قصد مقننه الاستحلال فهذا يخرج من الملة بسبب الاستحلال .
والنبي -صلى الله عليه وسلم-لم يكفر كاتب الربا وشاهديه مع أنهما من أطراف القانون !
وعلى هذا قول الصحابة والتابعين وسلف الأمة حيث لم يكفروا المرابي وشارب الخمر وبائعها وصانعها مع أنهم مستحقون للعن .
ومن زعم أن الربا لم يكن مقننا وكذا الخمر فهو من أجهل الناس بمعنى التقنين وبحال الناس قديماً وحديثاً.
الحال الثالث: تقنين الأمر الكفري كفر مخرج من الملة ولا يحتاج إلى استحلال أصلاً.
وذلك مثل: تقنين الطواف حول القبور والاستغاثات الشركية والقيام بشؤون تلك الظواهر الشركية .
ومثل: تقنين السجود لغير الله وإهانة المصاحف والشعائر الدينية وقتل الموحدين لتوحيدهم.
ومثل: النص على التحليل الشرعي لأمور محرمة أو التحريم الشرعي لأمور حلال.
ومثل: تقنين القوانين لتعطيل أسماء الله وصفاته أو تعطيل الشرع وهذا وقع فيه كثير من أهل البدع والتعصب المذهبي.
وهذه الحال الثالث يكفر صاحبه إذا علم حكم الله وشرعه ثم عاند وأصر .
فهذه ثلاث حالات للتقنين مع توضيح حكمها .
قال الشيخ أحمد شاكر –رحمه الله- في مقال:"السمع والطاعة": "نرى بعض القوانين تأذن بالعمل الحرام الذي لا شك في حرمته ، كالزنا وبيع الخمر ونحو ذلك ، وتشترط للإذن بذلك رخصة تصدر من جهة مختصة معينة في القوانين .
فهذا الموظف الذي أمرته القوانين أن يعطي الرخصة بهذا العمل إذا تحققت الشروط المطلوبة فيمن طلب الرخصة لا يجوز له أن يطيع ما أمر به ، وإعطاؤه الرخصة المطلوبة حرام قطعاً ، وإن أمره بها القانون ، فقد أمر بمعصية ، فلا سمع ولا طاعة .
أما إذا رأى أن إعطاء الرخصة في ذلك حلال ، فقد كفر وخرج عن الإسلام ، لأنه أحل الحرام القطعي المعلوم حرمته من الدين بالضرورة
"(4) )))(انظر رسالة التبيين و التفصيل في مسألتي التقنين والتبديل لأبي عمر العتيبي.).

يتبع...









رد مع اقتباس
قديم 2011-06-27, 22:50   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

المبحث الثالث: تحرير وبيان محل خلاف العلماء المعاصرون في المسألة:

إن مما ينبغي التنبيه إليه هو أن بعض العلماء المعاصرين قد اختلفوا في حكم من سن القوانين الوضعية المخالفة لشرع الله أو حكم بها أو تحاكم إليها بين مكفر دون تفصيل وبين مفصل بين المستحل وبين غير المستحل إلا أن الخلاف جزئي فرعي و بيان ذلك أن العلماء الذين قالوا بالتكفير لم يكفروا من يحكم بالقوانين الوضعية لمجرد أن هذه القوانين كفر أكبر ؛ بل لأن العدول عن حكم الشرع – ولو في مسألة واحدة – مع جعل هذا العدول مطردًا بحيث يجعل قانونًا عامًا يرجع إليه في كل القضايا ، يستلزم – عندهم – انتفاء أصل الإيمان من القلب (وهو مناط التكفير)، فليس مجرد الحكم بالقوانين هو موضع النزاع عندهم ، وإنما موضع النزاع هل هذه الصورة تستلزم انتفاء أصل الإيمان أم لا؟.

فالعلماء المعاصرون على قولين:
""القول الأول للعلماء المعاصرين : أن من حكم بتلك القوانين الوضعية فهذا مبدل تبديلاً يخرج من الإسلام بمجرد الفعل بلا قرينة أخرى .
وهؤلاء العلماء جعلوا مجرد تحكيم القوانين الوضعية كفراً أكبر لا يصدر إلا من كافر مرتد أو بعبارة أخرى: لا يصدر إلا ممن يعتقد أن تلك القوانين أفضل من الشريعة الإسلامية .
فهؤلاء العلماء جعلوا تحكيم القوانين من الكفر الاعتقادي أو من الكفر العملي الذي يخرج من الملة .
منهم: الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم –رحمه الله- (على قول)حيث قال : " من الممتنع أن يسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً ، ولا يكون كافراً ، بل هو كافر مطلقاً ، إما كفر عمل، وإما كفر اعتقاد.
)
ثم ذكر خمسة أنواع للكفر الاعتقادي المخرج من الملة قال -في الخامس منها-: "الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ، ومشاقة لله ولرسوله ، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية ، إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً وتفريعاً وتشكيلاً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً ومراجع ومستندات ، فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستمدات ، مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتى وقوانين كثيرة كالقانون الفرنسي ، والقانون الأمريكي ، والقانون البريطاني ، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك .
فهذه المحاكم الأن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة ، مفتوحة الأبواب ، والناس إليها أسراب إثر أسراب ، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون ، وتلزمهم به ، وتقرهم عليه ، وتحتمه عليهم .
فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة"
(".( تحكيم القوانين(ص/4)).
فتنبه إلى أن الشيخ محمد بن إبراهيم قسم الكفر إلى كفرين : كفر عملي ، وكفر اعتقادي تماماً كما فعل الشيخ الألباني –رحمه الله- في رسالة "التحذير من فتنة التكفير" إلا أن الشيخ الألباني –رحمه الله- جعل كفر المبدلين من الكفر العملي الذي لا يخرج من الملة ، والشيخ محمد بن إبراهيم جعله من الكفر الاعتقادي وهو مخرج من الملة.
فالتأصيل عندهما واحد والخلاف في الحكم والنتيجة فقط ، وقد أخطأ الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمَهُ اللهُ- كما قال الشيخ ابن باز -رحمَهُ اللهُ : ((شفت رسالته ـ الله يغفر له ـ بل يرى ظاهرهم الكفر ، لأن وضعهم للقوانين دليل على رضى واستحلال ، هذا ظاهر رسالته ـ رحمه الله ـ ، لكن أنا عندي فيها توقف ، أنه ما يكفي هذا حتى يعرف أنه استحله ، أما مجرد أنه حكم بغير ما أنزل الله أو أمر بذلك ما يكفر بذلك مثل الذي أمر بالحكم على فلان أو قتل فلان ما يكفر بذلك حتى يستحله ، الحجاج بن يوسف ما يكفر بذلك ولو قتل ما قتل حتى يستحل ، لأن لهم شبهة ، وعبد الملك بن مروان ، ومعاوية وغيرهم ، مايكفرون بهذا لعدم الاستحلال ، وقتل النفوس أعظم من الزنا وأعظم من الحكم بالرشوة .))انتهى كلام الشيخ ابن باز من شريط الدمعة البازية.

مع العلم أن الشيخ ابن إبراهيم رحمه الله له قول آخر متأخر ينقض قوله الأول فقد قال رحمه الله:
«... من تحكيم شريعته والتقيد بها ونبذ ما خالفها من القوانين والأوضاع وسائر الأشياء التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي:
[1] من حكم بها - أو حاكم إليها - معتقداً صحة ذلك وجوازه ؛ فهو كافر الكفر الناقل عن الملة ،
[2] وإن فعل ذلك بدون اعتقاد ذلك وجوازه؛ فهو: كافر الكفر العملي الذي لا ينقل عن المل
ة» انتهى.
وهذه الفتوى موجودة في "مجموع فتاواه" ضمن المجلد االأول ص(80) بتاريخ (9 / 1 / 1385هـ)، وقد كُررت في موضع آخر ضمن المجلد العاشر (النكاح) تحت عنوان: (الزواج بثانية مع وجود الأولى) (القسمة - معارف متنوعة).
ومنهم الشيخ محمد ابن عثيمين –رحمه الله- -في قولٍ له قديم تراجع عنه- حيث قال:
"أما بالنسبة لمن وضع قوانين تشريعية مع علمه بحكم الله وبمخالفة هذه القوانين لحكم الله ، فهذا قد بدل الشريعة بهذه القوانين ، فهو كافر لأنه لم يرغب بهذا القانون عن شريعة الله إلا وهو يعتقد أنه خير للعباد والبلاد من شريعة الله "( القول المفيد(2/326) وانظر: شرح الأصول الثلاثة(ص/158-)
فجعل الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- الحكم بالقوانين الوضعية كفراً أكبر بشرط علمه بحكم الله؛ لأنه لا يصدر إلا من شخص يعتقد أن القانون الوضعي خير للعباد والبلاد من شريعة الله إلا أن الشيخ العثيمن قد تراجع عن هذ القول كما سأبين إن شاء الله في المبحث الخامس.
وهناك غيرهما من العلماء نصوا كما ينص الشيخ محمد بن إبراهيم(في مذهبه القديم) والشيخ ابن عثيمين(في مذهبه القديم) -رحمَهُما اللهُ كالشيخ صالح آل الشيخ
والشيخ الفوزان- إلا أن الشيخ الفوزان خصَّه فيمن ينحي الشريعة كاملة- فقد سئل -حفظهُ اللهُ- : "بعض الناس فهم من كتابكم كتاب التوحيد الذي هو من تأليفكم حول قضية الحاكمية؛ الحكم بغير ما أنزل الله بأنكم تكفّرون الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله بعينه و يُنْزِلون هذا الكلام على حكام الخليج!"
فأجاب الشيخ -حفظهُ اللهُ- "أهل الهوى ، أهل الهوى . الكلام واضح ، ما فيه عليه إشكال ، الكلام واضح، و فيه تفصيل مذكور.
وأقول بعد ذلك: إن الذي يزيح الشريعة نهائياً و يجعل مكانها القانون؛ هذا دليل على أنه يرى أن القانون أحسن من الشريعة و من رأى هذا الرأي فهو كافر ، ما فيه شك.
لكن هم يأخذون حسب فهمهم الذي يصلح لهم، و يتركون بقية الكلام، و إلاّ لو قرؤوا الكلام من أوّله، لاتَّضَح"

ثم قال: "من أزاح الشريعة وجعل مكانها القانون؛ فهذا دليل على أنه يرى أن القانون أحسن من الشريعة ، ومن كان يرى أنّ القانون هو أحسن من الشريعة فهو كافر ".
ثم سئل -حفظهُ اللهُ- : فيه فرق يا شيخنا بين التعيين و بين الحكم العام؟
فأجاب الشيخ -حفظهُ اللهُ- : نعم .
ثم قال -حفظهُ اللهُ- : "لو كفرّوا حكام الخليج، فماذا يسوّون؟! هذا إصلاح؟! تكفير حكّام الخليج؛ هل هو من الإصلاح؟! هذا ما هو بإصلاح ، هذا من إثارة الفتنة".

القول الثاني –وهو الصواب-: أن من حكم بتلك القوانين الوضعية فهذا مبدل تبديلاً لا يخرج من الإسلام بمجرد الفعل بل بقرينة أخرى كاستحلال أو استكبار أو معاندة للشرع أو نحو ذلك .
فهؤلاء العلماء جعلوا تحكيم القوانين من الكفر العملي الذي لا يخرج من الملة .
منهم الشيخ بن إبراهيم وقد سبق بيان كلامه .
ومنهم الشيخ ابن باز –رحمه الله- وأقواله في هذا الباب كثيرة مشهورة سيأتي نقل بعضها في المبحث الخامس إن شاء الله:
ومنهم : الشيخ ابن عثيمين في قول من آخر أقواله –رحمه الله- حيث قال " لكن كلامنا على العمل ، وفي ظني أنه لا يمكن لأحد أن يطبق قانوناً مخالفاً للشرع يحكم فيه بعباد الله إلا وهو يستحله ويعتقد أنه خير من قانون الشرع ، هذا هو الظاهر .
وإلا فما الذي حمله على ذلك ؟
قد يكون الذي يحمله على ذلك خوف من أناس آخرين أقوى منه إذا لم يطبقه ، فيكون هنا مداهناً لهم ، فحينئذ نقول : إن هذا كالمداهن في بقية المعاصي"
وسيأتي تحرير مذهب ابن عثمين إن شاء الله في المبحث الخامس من هذا البحث.
فالشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- ذكر في مطلع كلامه أن في ظنه أنه لا يحكم بالقانون الوضعي إلا وهو يستحل ويعتقد أنه خير من قانون الشرع ويرى أنه الظاهر .
ثم استدرك على نفسه –رحمه الله- بسؤال عن الحامل لهم على تحكيم القوانين إذا لم يكن الاستحلال واعتقاد أنه خير من الشرع؟
فأجاب نفسَهُ بِنَفْسِهِ : باحتمال أنه قد يحكم بالقوانين الوضعية خوفاً من أناس آخرين أقوى منه إذا لم يطبقه ، فيكون حينئذ مداهناً كالمداهن في بقية المعاصي .
إن هذا الاحتمال الذي ذكره الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- هو الذي يحمل كثيراً من العلماء على عدم الجزم بأن من يحكم بالقوانين لابد أن يكون مستحلاً للحكم بها أو معتقداً جواز الحكم بها فضلاً عن جعلها خيراً من شريعة الإسلام .
وغيرهم من العلماء كالشيخ العلامة الألباني والشيخ مقبل الوادعي والشيخ ربيع المدخلي وغيرهم من العلماء المعاصرين .
وممن أثبت الخلاف الشيخ عبد العزيز الراجحي –حفظه الله- حيث سئل:
هذا يسأل عن حكم الشريعة في الحاكم الذي يُحكم القوانيين الوضعية الفرنسية مع العلم أنه يدعي الإسلام ويصلي ويصوم ويحج،ماذا يقال عنه؟
فأجاب –حفظه الله- : "إذا أعتقد الجواز، إذاكان يعتقد أنه يجوز الحكم بالقوانيين الفرنسية ، فإنه كافر. إذا أعتقد أنه يجوز له أما إذا لم يعتقد هذا أو كان له شبهة فلابد من قيام الحجة عليه.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا غير الدين في جميع أمور الدولة فإنه يكون كافراً لأنه بدل الدين وذهب إلى هذا الحافظ بن كثير رحمه الله في تفسيره والشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله في رسالة تحكيم القوانيين قال إذا بدل الدين كله رأساً على عقب في جميع شؤون الدولة في كل شيء لا في البعض فإنه يكون كافراً لأنه بدل الدين.
وقال آخرون أنه لابد أيضاً من قيام الحجة عليه لأنه قد يكون جاهلاً أو عنده شبهة، اختار هذا سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز عليه رحمة الله عليه والله الموفق
".
وقال ابن حزم في المحلى(11/202) : "فقد صح أنَّ ههنا نفاقاً لا يكون صاحبه كافراً ، ونفاقاً يكون صاحبه كافراً، فيمكن أن يكون هؤلاء الذين أرادوا التَّحاكم إلى الطاغوت لا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مظهرين لطاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عصاة بطلب الرجوع في الحكم إلى غيره معتقدين لصحة ذلك لكن رغبة في اتباع الهوى فلم يكونوا بذلك كفاراً، بل عصاة، فنحن نجد هذا عياناً عندنا، فقد ندعو نحن عند الحاكم إلى القرآن وإلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الثابت عنهم بإقرارهم، فيأبون ذلك، ويرضون برأي أبي حنيفة ومالك والشافعي، هذا أمر لا ينكره أحد، فلا يكونون بذلك كفاراً، فقد يكون أولئك هكذا حتى إذا بين الله تعالى أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما شجر بينهم وجب أن من وقف على هذا قديماً وحديثاً ، وإلى يوم القيامة فأبى وعَنَدَ فهو كافر"
والصواب الذي دلت عليه الأدلة ، وهو الموافق لإجماع السلف:
أن الحكم بالقوانين الوضعية منكر عظيم وفعل شنيع صاحبه دائر بين الكفر والفسق والظلم .
والحكم بما أنزل الله هو من خصائص الربوبية والألوهية لا شك في ذلك .
وهذا المنكر-أعني الحكم بغير ما أنزل الله- واقع فيه كثير من الناس من حكام وقضاة ودعاة وعلماء وموظفين وتجار وآباء وأمهات .
ويجب تطهير المجتمع من صور الحكم بغير ما أنزل الله بشتى صوره .
سواء كان وقوعه من الحكام أو المحكومين .
ونحن نشكر كل من يحذر من تحكيم غير الشرع ونسانده وندعوا له .
لكن لا يفرط تفريط المرجئة ولا يفرط إفراط الخوارج .
فالمرجئة يرون أن الحاكم مهما حكم بغير ما أنزل الله ومها ظلم الناس أنفسهم ولم يحكموا شرع الله في أنفسهم فهم مؤمنون كاملوا الإيمان!!
وهذا تفريط شنيع .
والخوارج يرون أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر مخرج من الملة بشتى صوره وأشكاله .
وأما أهل السنة فهم وسط بين تفريط المرجئة وإفراط الخوارج .
فيفصلون في هذه المسألة ويقولون:
الحكم بغير ما أنزل في الأصل من كبائر الذنوب ومن المفسقات لا من المكفرات .
ولكن قد يقترن بمن حكم بغير ما أنزل الله قرائن تنقله من الفسق إلى الكفر أو تدخل عليه دواخل تخرجه من الإسلام منها:
1- استحلال الحكم بغير ما أنزل الله .
2- الاستكبار عن حكم الله .
3- الاستهزاء بشرع الله .
4- معاندة حكم الله ومشاققته بلا جهل ولا شبهة .

والقول بتكفير من يحكم بالقوانين الوضعية مطلقاً يلزم منه تكفير جميع أهل البدع دون تفصيل، ومتعصبة المذهاب وهذا باطل.
وجميع أهل البدع ومتعصبة المذاهب الذين يقدمون أقوال الرجال على الكتاب والسنة وما عليه السلف الصالح يدخلون في تحكيم القوانين الوضعية، ولم يكفرهم أحد إلا بقرينة كاستحلال أو استكبار أو إنكار أو استخفاف بالشرع." من رسالة(التبيين والتفصيل في مسألتي التقنين والتبديل) مع البعض التصرف والزيادة.









رد مع اقتباس
قديم 2011-06-27, 22:52   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

المبحث الرابع : أقوال أئمة العصر فيمن حكم بالقوانين الوضعية أو شرعها(=قننها))

أولا : العلامة ابن باز رحمه الله :
سئل : ما حكم سن القوانين الوضعية؟ وهل يجوز العمل بها؟ وهل يكفر الحاكم بسنه هذه القوانين؟؛ فأجاب-"مجموع فتاوى ومقالات" (7/119-120)،وهذا الجواب كان في حوار مع سماحته بندوة عقدت بجامع الإمام فيصل بن تركي في الرياض ونشرته جريدة الشرق الأوسط في 4/11/1413هـ. وانظر "مجموع فتاواه » (7/116)- :
«1- إذا كان القانون يوافق الشرع فلا بأس به مثل أن يسن قانونا للطرق ينفع المسلمين وغير ذلك من الأشياء التي تنفع المسلمين وليس فيها مخالفة للشرع ولكن لتسهيل أمور المسلمين فلا بأس بها.
2- أما القوانين التي تخالف الشرع فلا يجوز سنها؛ فإذا سن قانونا يتضمن أنه لا حد على الزاني أو لا حد على السارق أو لا حد على شارب الخمر فهذا قانون باطل وإذا استحله الوالي كفر لكونه استحل ما يخالف النص والإجماع وهكذا كل من استحل ما حرم الله من المحرمات المجمع عليها فهو يكفر بذلك»
اهـ.
ثم سئل بعدها: كيف نتعامل مع هذا الوالي –أي الذي يسن القوانيني، ويحكم بها-؟؛ فأجاب :
«نطيعه في المعروف وليس في المعصية حتى يأتي الله بالبديل»اهـ

**وقال: في "مجموع فتاواه" (6/249) -معلقاً على قوله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمً)-:
«وهذا الإيمان المنفي هو أصل الإيمان بالله ورسوله (بالنسبة) إلى تحكيم الشريعة والرضا بها والإيمان بأنها الحكم بين الناس ، فلا بد من هذا ،
* فمن زعم أنه
يجوز الحكم بغيرها ، أو قال إنه يجوز أن يتحاكم الناس إلى الآباء أو إلى الأجداد أو إلى القوانين الوضيعة التي وضعها الرجال - سواء كانت شرقية أو غربية - فمن زعم أن هذا يجوز فإن الإيمان منتف عنه ويكون بذلك كافرا كفرا أكبر. فمن رأى أن شرع الله لا يجب تحكيمه ولكن لو حكم كان أفضل ، أو رأى أن القانون أفضل ، أو رأى أن القانون يساوي حكم الله فهو مرتد عن الإسلام . وهي ثلاثة أنواع :
النوع الأول: أن يقول : إن الشرع أفضل ولكن لا مانع من تحكيم غير الشرع.
النوع الثاني: أن يقول : إن الشرع والقانون سواء ولا فرق .
النوع الثالث: أن يقول إن القانون أفضل وأولى من الشرع . وهذا أقبح الثلاثة ، وكلها كفر وردة عن الإسلام .
* أما الذي يرى أن الواجب تحكيم شرع الله ، وأنه لا يجوز تحكيم القوانين ولا غيرها مما يخالف شرع الله ولكنه قد يحكم بغير ما أنزل الله لهوى في نفسه ضد المحكوم عليه ، أو لرشوة ، أو لأمور سياسية ، أو ما أشبه ذلك من الأسباب وهو يعلم أنه ظالم ومخطئ ومخالف للشرع - فهذا يكون ناقص الإيمان ، وقد انتفى في حقه كمال الإيمان الواجب؛ وهو بذلك يكون كافرا كفرا أصغر وظالما ظلما أصغر وفاسقا فسقا أصغر ، كما صح معنى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وجماعة من السلف رحمهم الله ، وهو قول أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج!! والمعتزلة! ومن سلك سبيلهم، والله المستعان»اهـ.

ثانيا : العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله
◄ سُئِلَ الألباني :
يتأولون تفسير قول ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: "مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ » تأدباً، أن ابن عباس لم يقصد بقوله هذا فيمن ضاهى بتشريعه أحكام وتشريع الله تعالى، وأتى بتشريعات مضاهية لتشريع الله، بل قصد هذا فيمن غيَّر وبدل في نظام الحكم من شورى أو خلافة إلى ملكي وغير ذلك... إلخ فقط، فأرجو الجواب عن هذا.

◄ الجواب :
«لا يفيدهم هذا التأويل الهزيل شيئاً إطلاقاً، ذلك لأنه :
أولاً: كأي تأويل من تأويلاتهم سنقول لهم: ما دليلكم على هذا التأويل؟ وسوف لا يحرون جواباً.
ثانياً: الآية التي قال فيها عبد الله بن عباس هذه الكلمة معروفة "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ » بماذا فسرها علماء التفسير؟ فيعود للمناقشة من أولها. علماء التفسير اتفقوا على أن الكفر قسمان: كفر اعتقادي، وكفر عملي، وقالوا في هذه الآية بالذات : من لم يعمل بحكمٍ أنزله الله فهو في حالة من حالتين: إما أنه لم يعمل بهذا الحكم كفراً به؛ فهذا من أهل النار خالداً فيها أبداً، وإما اتباعاً لهواه لا عقيدة وإنما عملاً كهؤلاء الكفار الذين لا يؤمنون بالإسلام؛ فلا كلام فيه، هذا بالنسبة للكفر الاعتقادي. وكهؤلاء المسلمين الذين فيهم المرابي، وفيهم الزاني، وفيهم السارق و و... إلخ، هؤلاء لا يطلق عليهم كلمة الكفر بمعنى الردة إذا كانوا يؤمنون بشرعية تحريم هذه المسائل، حينئذٍ علماء التفسير في هذه الآية صرحوا بخلاف ما تأولوا، فقالوا: الحكم الذي أنزله الله إن لم يعمل به اعتقاداً فهو كافر، وإن لم يعمل به إيماناً بالحكم لكنه تساهل في تطبيقه فهذا كفره كفر عملي. إذاً: هم خالفوا ليس السلف الأولين بل وأتباعهم من المفسرين والفقهاء والمحدثين، إذاً فهم خالفوا الفرقة الناجية
»اهـ.« سلسلة الهدى والنور" بفهرسة أهل الحديث والأثر – شريط رقم (830) – الدقيقة (00:57:14) وله اسم آخر اشتهر به في الأسواق وعلى شبكة المعلومات ؛ وهو: "من منهج الخوارج" ، وكلامه هذا يقع في الوجه الثاني.

ثالثا: العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
سُئل في شريط "التحرير في مسألة التكفير" بتاريخ(22/4/1420) سؤالاً مفاده:
إذا ألزم الحاكم الناس بشريعة مخالفة للكتاب والسنة مع اعترافه بأن الحق ما في الكتاب والسنة لكنه يرى إلزام الناس بهذا الشريعة شهوة أو لاعتبارات أخرى، هل يكون بفعله هذا كافراً أم لابد أن يُنظر في اعتقاده في هذه المسألة؟

فأجاب: "... أما في ما يتعلق بالحكم بغير ما أنزل الله؛ فهو كما في كتابه العزيز، ينقسم إلى ثلاثة أقسام: كفر، وظلم، وفسق، على حسب الأسباب التي بُني عليها هذا الحكم، فإذا كان الرجل يحكم بغير ما أنزل الله تبعاً لهواه مع علمه أن بأن الحق فيما قضى الله به ؛ فهذا لا يكفر لكنه بين فاسق وظالم، وأما إذا كان يشرع حكماً عاماً تمشي عليه الأمة يرى أن ذلك من المصلحة وقد لبس عليه فيه فلا يكفر أيضاً، لأن كثيراً من الحكام عندهم جهل بعلم الشريعة ويتصل بمن لا يعرف الحكم الشرعي، وهم يرونه عالماً كبيراً، فيحصل بذلك مخالفة، وإذا كان يعلم الشرع ولكنه حكم بهذا أو شرع هذا وجعله دستوراً يمشي الناس عليه؛ نعتقد أنه ظالم في ذلك وللحق الذي جاء في الكتاب والسنة أننا لا نستطيع أن نكفر هذا، وإنما نكفر من يرى أن الحكم بغير ما أنزل الله أولى أن يكون الناس عليه، أو مثل حكم الله عز وجل فإن هذا كافر لأنه يكذب بقول الله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴾ وقوله تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾.

رابعا :العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله

◄ سُئِلَ الوادعي :
كثر على ألسنة طلاب العلم لفظ التكفير لبعض الحكام فمتى يكفر الحاكم؟

◄ الجواب :
«هذه المسألة التي يشتغل بها بعض طلبة العلم نرى أنها ليست من صالح الدعوة ولا من صالح الإسلام والمسلمين وأمر حكام المسلمين معروف أنهم قد أصبحوا لا يهتمون بدين الإسلام ولا يبالون به ، لكن مسألة التكفير لا يجوز أن يحكم على الحاكم بأنه كافر إلا إذا استحل ما حرم الله بشروط ثلاث :
الشرط الأول: أن يكون عالماً ،
الشرط الثاني: أن يكون غير مكره ،
الشرط الثالث: أن يرى أن القانون المستورد :
[1] مثل حكم الله
[2] أو أحسن من حكم الله
« أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ" .... وينبغي أن يعرف أن حكام المسلمين أصبحوا لا يهتمون بشئون المسلمين وأصبحوا أذناباً لأمريكا ولروسيا ، نسأل الله أن يردهم إلى الحق رداً جميلاً والحمد لله أن به تباشير أن الشباب المسلم الآن لا يرضى إلا بكتاب الله وبسنة رسول الله j فسيرجع الحكام إلى الكتاب والسنة وننصحهم أن يرجعوا محتسبين الثواب عند الله ... بل ننصح حكام المسلمين وأهل السنة أن يرجعوا إلى الله عز وجل.
..»اهـ المقصود من كلامه.« إجابة السائل" ص 568 السؤال رقم 326 باختصار.

◄ سُئِلَ الوادعي :
هل جميع رؤساء المسلمين كفار؟

◄ الجواب :
«رؤساء المسلمين في هذا الزمن غير موفقين لتحكيم الكتاب والسنة لكن مسألة التكفير لا ينبغي لأحد أن يكفر مسلماً إلا ببرهان... لا نستطيع أن نكفر من نعرفه مثل: رئيس اليمن وملك السعودية ورئيس السودان والرئيس المصري، فهؤلاء ما نستطيع أن نكفرهم. نعتقد أنهم الآن مسيرون وليسوا بمخيرين ، وأنها تسيرهم أمريكا وروسيا والله المستعان. مسألة التكفير [يعني تكفير الحكام] ليس من صالح الدعوة وليس من صالح الإسلام ، لكن ينبغي أن يناصحوا … فالواجب علينا هو السمع والطاعة وأن ندعو الله سبحانه وتعالى لهم بالصلاح وننكر كل شر يأتون به من بنوك ربوية ومن اختلاط وجمارك وضرائب واي شيء يخالف الإسلام ننكره ، لكن الكفر [يعني التكفير بالقوانين] لا نحكم على الإنسان به إلا إذا كان مستحلاً ويكون عالماً غير مكره ويرى أن حكم القوانين مثل حكم الله أو أحسن فهذا يعتبر كافراً كما يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ" ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" وهذا المراد به كفر دون كفر ، لا يحكم على الشخص في هذا إلا إذا كان يرى أن القوانين أحسن من حكم الله أو مماثلة لحكم الله وهو عالم بهذا ، وغالب ملوك المسلمين وحكامهم ورؤسائهم يعتبرون جُهَّالاً ، فالواجب على الدعاة إلى الله أن ينصحوا لهم وأن يحذروهم بأس الله ، والواجب على الحكام أنفسهم أن يحذروا عقوبة الله»اهـ المقصود من كلامه.
إجابة السائل" ص 482 السؤال رقم 256 باختصار. فارجع إليها مشكوراً فإن فيها فوائد.









رد مع اقتباس
قديم 2011-06-27, 22:53   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

المبحث الخامس : الرد على دعوى المنازعة وما يلحق بها من شبه
الشبهة :
قالوا : ((ن الله -عزَّ وجلَّ- قد خصَّ نفسه بالتشريع ، فهو حق من حقوق الله لا يشاركه فيها أحد ، فمن سن قانونا فهو منازع لله تعالى ومن نازع الله تعالى فقد كفر لأن الله يقول: {ولا يشرك في حكمه أحداً}(سورة الكهف(آية/26).) ، ويقول تعالى: {إن الحكم إلا لله}(سورة يوسف(آية/40))..

والجواب على هذه الشبهة من أوجه :
الوجه الأول : لا يُسلّم بأن المُقَنِّن للقوانين الوضعية المحرمة منازع لله في حكمه في كل الحالات ؛ وذلك أنه إذا نسب ما جاء به للدّين ( = المبدل ) أو اعتقد أنه يجوز له أن يحكم بغير ما أنزل الله ( = المستحل ) ؛ فهو مشارك لله في حكمه ، أما من عداهما فلا يدخل في هذه الآيات .
فالمقنن لا يخلوا أمره من حالتين :
الحالة الأولى : أن يقوم بالتقنين وينسب ذلك إلى الدين(=الشرع المبدل) كأن ينسبه إلى الله تعالى أو يجعله دينا يتعبد الله به أو يتعبد غير الله به فهذا ليس منازع فحسب بل كافر كفر أكبر مخرج من الملة .
قال إسماعيل القاضي- كما في "الفتح- (13/120)-: "من فعل مثل ما فعلوا –يقصد اليهود في تحريفهم لحكم الرجم-واخترع حكما يخالف به حكم الله وجعله دينا يعمل به فقد لزمه مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور)).

وقال الجصاص-"أحكامه- (4/94)م-: "من حكم بغير حكم الله ثم قال إن هذا حكم الله فهو كافر كما كفرت بنو إسرائيل حين فعلوا ذلك"اهـ ،

وقال شيخ الإسلام-"الفتاوى"- (3/267-268)-: ((الشرع المبدل: وهو الكذب على الله ورسوله...فمن قال: (إن هذا من شرع الله) فقد كفر بلا نزاع))اهـ.

الحالة الثانية : أن يقوم بالتَقْنِين ولا ينسب ذلك إلى الله ولا يستحل ولايُقَنِّن كفرا ؛ فهذا ليس بمنازع فضلا على أن يكون كافرا وذلك لعدة أمور :


الأول :لأن الله تعالى شرع لنا دينا وهذا المُقَنِّن لم يجعل قانونه دينا ولا شرعا (بالمعنى الاصطلاحي)) فاختلاف الفعلين يُبطِل المنازعة من أساسها.

""قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي تهذيب الأَسْمَاءِ(3/153) : «الشَّرِيْعَةُ: ما شرع الله تعالى لعباده من الدين، وقد شرع لهم شرعاً أيْ: سَنَّ.

وقال الهروي: قال ابن عرفة: الشرعة والشريعة سواء، وهو الظاهر المستقيم من المذهب، يقال: شرع الله تعالى هذا أي جعله مذهباً ظَاهِراً))

و قد ذكر الواحدي وغيره عن أهل اللغة في قول الله عز وجل: {ثم جعلناك على شريعة من الأَمْر} أقوالاً؛ فَقَالُوا: الشَّرِيْعَةُ: الدين، والملة، والمنهاج، والطريقة، والسُّنَّة، والقصد. قَالُوا: وبذلك سميت شريعة النهر لأَنَّهُ يوصل منها إلى الانتفاع.

والشرائع في الدين: المذاهب التي شرعها الله تعالى لخلقه» انْتَهَى كلام النَّوَوِيِّ.
وقَالَ ابن منظور فِي لِسَان العَرَبِ(8/176) : «والشريعة والشرعة: ما سَنَّ اللهُ من الدينِ وأمر به كالصوم والصلاة والحج والزكاة وسائر أعمال البِرِّ»."""(5).

قلت :
ومما يدل على أن المنازعة في التَقْنِين لا تكون إلا بنسبة ذلك إلى الدين أو جعله دين : قوله تعالى (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ)) .
فالمنازعة والمشاركة مقرونة بجعل التَقْنِين من الدين أما ما دون ذلك فلا يكون منازعا ,ولهذا نجد أن أهل السنة أنزلوا هذه الآية في أهل البدع لكونهم يجعلون بدعهم دينا يتقربون به إلى الله.
قال ابن جرير -رحمهُ اللهُ- : "يقول تعالى ذكره: أم لهؤلاء المشركين بالله {شركاء} في شركهم وضلالتهم ، {شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} يقول: ابتدعوا لهم من الدين ما لم يبح الله لهم ابتداعه)) ((6)).

وقال الشاطبي في معرض كلامه عن المبتدع-: "قد نزل نفسه مَنْزلة المضاهي للشارع؛ لأن الشارع وضع الشرائع وألزم الخلق الجري على سننها، وصار هو المنفرد بذلك؛ لأنه حكم بين الخلق فيما كانوا فيه يختلفون، وإلا فلو كان التشريع من مدركات الخلق لَمْ تَنْزل الشرائع، ولَمْ يبق الخلاف بين الناس، ولا احتيج لبعث الرسل -عليهم السلام- فهذا الذي ابتدع في دين الله قد صير نفسه نظيرًا ومضاهيًا حيث شرع مع الشارع))الاعتصام (1/50-51)..
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولهذا كان من شعار أهل البدع أحداث قول أو فعل والزام الناس به وإكراههم عليه والموالاة عليه والمعاداة على تركه كما ابتدعت الخوارج رأيها وألزمت الناس به ووالت وعادت عليه وابتدعت الرافضة رأيها وألزمت الناس به ووالت وعادت عليه وابتدعت الجهمية رأيها وألزمت الناس به ووالت وعادت عليه لما كان لهم قوة في دولة الخلفاء الثلاثة الذين امتحن في زمنهم الأئمة لتوافقهم على رأي جهم الذي مبدؤه أن القرآن مخلوق وعاقبوا من لم يوافقهم على ذلك ومن المعلوم أن هذا من المنكرات المحرمة بالعلم الضروري من دين المسلمين فإن العقاب لا يجوز أن يكون إلا على ترك واجب أو فعل محرم ولا يجوز إكراه أحد إلا على ذلك والإيجاب والتحريم ليس إلا لله ولرسوله فمن عاقب على فعل أو ترك بغير أمر الله وشرع ذلك دينا فقد جعل لله ندا ولرسوله نظيرا بمنزلة المشركين الذين جعلوا لله أندادا أو بمنزلة المرتدين الذين آمنوا بمسيلمة الكذاب وهو ممن قيل فيه: أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله))))الفتاوى الكبرى(((كتاب في الرد على الطوائف الملحدة والزنادقة والجهمية والمعتزلة والرافضة)).

فَلا شَكَّ أن المبتدع مشرع ولأنه متأول لا يَكُون كافراً إلا إِذَا كانت بدعته مكفرة كبدعة الاستغاثة بِغَيْرِ الله الاستغاثة الشركية، وبدعة الباطنية وبدعة وحدة الوجود وَنَحْو ذَلِكَ من البدع الكفرية.
فكذلك من يشرع القوانين فَإِنَّهُ يكفر إِذَا نسب ذَلِكَ للشرع عامداً(=جعله دينا) أَوْ كَانَ ذَلِكَ القانون لأمر كفري كالاستغاثة بِغَيْرِ الله الاستغاثة الشركية، والقول بوحدة الوجود والحلول أما دون ذلك فلا يكفر إلا بدليل-ولا دليل-.
الثاني :
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكفر كاتب الربا وشاهديه مع أنهما من أطراف القانون ,وكذلك لم يجعلهم بمثابة شركاء مع الله تعالى فمن كفر المقنن(المشرع على الاصطلاح العرفي)) الذي يُقنِّنْ قوانين محرمة-دون الكفر- بدعوى المنازعة لله يلزمه تكفير كاتب الربا وشاهديه.
الثالث:يلزم القائلين بتكفير المُقَنِّن بدعوى المنازعة أن يكفروا من اتفق أهل السنة على عدم تكفيرهم بنفس الدعوى ، وهما:
1- المشرع للذنب – الذي دون الشرك – ؛ فلو أن أباً شرع الذنب في أهله ، وألزمهم به ، وخالف من ينكر عليه ، ولم يستمع لمن يناصحه ؛ فلا يكفر عند أهل السنة ولا يسمى منازعا ، بينما يكفر عند من التزَم القول بهذه اللدعوى .

2- رفيق السوء الذي يُقنِّن الذنب ويزينه ويدعوا له فقد اتفق أهل السنة على عدم تكفيره كذلك فلا فرق بين هذا وذاك.
إذ لا فرق – في التقنين – بين من قَنَّن الذنب وبين من قَنَّن الحكم بغير ما أنزل الله ، إذ الكل واقع في تقنين أمرٍ محرم فالأول(المقنن) قد قَنَّن الذنب في كتاب ودستور والثاني(رفيق السوء) قننه بالقول.
"مثاله : عصابة نذرت نفسها لقطع الطريق وجعلت عليها رئيساً ورسمت لنفسها
نظاماً ، فكان هذا الرئيس هو الذي يدعوهم وينظم لهم الاعتداء وقطع السبيل وإخافة المسلمين فيمتثلون ، وهو الذي يأمرهم فيأتمرون وينهاهم فينتهون ؛ فهذا الرجل أصبح مقنناً للذنب ، مع أنه ليس بكافر .
ولو كان الأصل الذي بُني عليه التكفير بالتقنين صحيحاً لوجب تكفير مثل هذا ، مع أنه من أصحاب الذنوب الذين اتفق أهل السنة على عدم تكفيرهم ."(أنظر كتاب : الحكم بغير ما أنزل الله مناقشة تأصيلية للشيخ بندر بن نايف العتيبي )



الرابع : يلزم القائلين بتكفير المُقَنِّن بدعوى المنازعة أن يكفروا الحاكم بغير ما أنزل الله في الواقعة أو المسألة بدعوى المنازعة كذلك ,وهذا ما لا يقولون به-إلا بعضهم- فهو مخالف للإجماع :
قال الإمام القرطبي رحمه الله(هذه الآيات-آيات المائدة-المراد بها أهل الكفر والعناد وإنها وإن كانت ألفاظها عامة فقد خرج منها المسلمون لأن ترك العمل بالحكم مع الإيمان بأصله هو دون الشرك وقد قال تعالى"إن الله لا يغر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" وترك الحكم بذلك ليس شرك بالإتفاق فيجوز أن يغفر والكفر لا يغفر فلا يكون ترك العمل بالحكم كافرا)).
و قال الإمام السمعاني (المتوفى سنة :510) (واعلم أن الخوارج يستدلون بهذه الآية، ويقولون: من لم يحكم بما أنزل الله؛ فهو كافر، وأهل السنة قالوا: لا يكفر بترك الحكم)..

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ((والإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء، وفي مثل هذا نزل قوله على أحد القولين : ﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة:44] ؛ أي: المستحل للحكم بغير ما أنزل الله".)مجموع الفتاوى" (3/267)
فانظر قوله((أي المستحل)) دليل على أن أهل السنة أجمعوا إلى إشتراط الإستحلال للتكفير إذ لو كان كفرا كما يدعي المكفر لما اشترطوا الإستحلال.

قلت : ولا فرق بين من حكم بغير ما أنزل الله في الواقعة أو الواقعتين وبين من يجعل ذلك قانونا يسير عليه-إلا باعتبار شدة الجرم- إذ لا فرق بين المخالفات الجزئية المؤقتة وبين التمادي في هذه المخالفات لتصبح عادات وتقاليد وأعراف (محفوظة أو مكتوبة سيان)، فإن الله سبحانه وتعالى علق الكفر في آية المائدة بترك الحكم، ولم يقيد ذلك بمادة الحكم المخالف أو منشئه أو عدد مرات تكراره أو بكونه يصدر المرة ونحوها أم اتخذ عادة وعرفاً وقانونا، وإنما علق الكفر بمجرد ترك الحكم، وابن عباس لما فسر الآية(({ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة:44] بقوله((كفر دون كفر)) فسرها تفسيراً مطلقاً دون التقيد بما اخترعه القائلين بالتكفير اليوم من التفريق بين الحكم بغير ما أنزل الله في الواقعة و بين التشريع العام، فلماذا نحمل كلامه ما لا يحتمل ونقوله ما لم يقل ؟!.

الوجه الثاني : لقد بنى القائلون بالتكفير تكفيرهم على مقدمة فاسدة وهي دعواهم أن ((من نازع الله في أحد خصائصه كفر)) والصواب أن منازعة الله -سبحانه- ببعض ما اختص به نفسه دون عباده ليس كفراً مخرجاً من الملة بإطلاق، بل هو على نوعين:

الأول: ما يكون كفراً مخرجاً من الملة بإطلاق ودون تفصيل، كادعاء استحقاق العبادة، أو القدرة على الإحياء والإماتة ونحو ذلك.
الثاني: ما يكون فيه التفصيل والتفريق بين المستحل وغيره؛ كالخلق والتصوير والكبرياء والجبروت.

وصفوة القول في هذا :أن منازعة الله تعالى فيما اختص به :
إما أن تكون بالإدعاء كمن يدعي علم الغيب أو يدعي النبوة أو يدعي الربوبية فهذا الإدعاء يستلزم الكذب على الله وعلى رسوله الله صلى الله عليه وسلم فهو كفر أكبر مخرج من الملة دون تفصيل

وإما أن تكون بالتعاطي كمن يتعاطى صفة صفات الربوبية التي انفرد الله سبحانه بها كالخلق والتصوير والكبرياء والجبروت فهذا لا يكفر به صاحبه إلا بالإستحلال أو بدليل خاص من الكتاب أو السنة لأن الأصل في الأعمال عدم الكفر إلا بدليل.
قال ابن القيم رحمه الله ((فالذنوب الملكية أن يتعاطى ما لا يصح له من صفات الربوبية ، كالعظمة ، والكبرياء ، والجبروت ، والقهر ، والعلو ، واستعباد الخلق ، ونحو ذلك )) من كتاب الجواب الكافي.
فمن كفر المقنن بدعوى أنه تعاطى التشريع الذي حق محض لله تعالى يلزمه تكفير المصور والمتكبر وصاحب الجبروت لأنها من حق الله تعالى وحده ومن تعاطاها فقد نازع الله تعالى فيما انفرد به.
(فالحكم) من خصائص الله ، وكذلك (الخلق)؛ فهما قرينان كما قال تعالى: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (54) سورة الأعراف. قال ابن كثير في تفسيرها: (أنه المتصرف في خلقه بما يشاء، فله الخلق والأمر وهو المتصرف، فكما خلقهم كما يشاء، ويسعد من يشاء، ويشقي من يشاء، ويصح من يشاء، ويمرض من يشاء، ويوفق من يشاء، ويخذل من يشاء، كذلك يحكم في عباده بما يشاء، فيحل ما يشاء، ويحرم ما يشاء، ويبيح ما يشاء، ويحظر ما يشاء، وهو الذي يحكم ما يريد لا معقب لحكمه. ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون)اهـ.
وأخرج الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « قال الله - عز وجل- : ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقاً كخلقي؟ فليخلقوا ذرة ، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة».
قال القرطبي في شرحه للحديث "المفهم" (5/432): "وقد دل هذا الحديث على أن الذم والوعيد إنما علق من حيث تشبهوا بالله تعالى في خلقه، وتعاطوا مشاركته فيما انفرد الله تعالى به من الخلق والاختراع".
والتصوير مضاهاة لله في خلقه؛ فالمصورون ينازعون الله ما انفرد به، ومع ذلك فأهل السنة لم يكفِّروا منهم إلا من استحله أو قصد العبادة والمضاهاة له -سبحانه- أما من لم يستحل ذلك، فهو من أصحاب الكبائر وليس بكافر.
قال الإمام النووي في«شرح صحيح مسلم» (13/81): « تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم، وهو من الكبائر ؛ لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث، وسواء صنعته بما يمتهن أو بغيره، فصنعته حرام بكل حال؛ لأن فيه مضاهاة لخلق الله -تعالى-».

وكذلك العز والكبرياء والعظمة من أوصاف الله -تعالى- التي لا تنبغي لأحد سواه؛ ففي الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة- رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -حاكيا عن ربه جل جلاله -: «العز إزاري، والكبرياء ردائي؛ من ينازعني عذبته».
قال الإمام النووي في شرحه للحديث: ((وَمَعْنَى ( يُنَازِعُنِي ) يَتَخَلَّقُ بِذَلِكَ ، فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى الْمُشَارِكِ )) .

ومع ذلك؛ فلا يكفّر أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح من يتكبَّر، ويحتقر غيره ويزدريه، ويستعظم نفسه بغير استحلال.

فإن قيل : لماذا جعلتم المُقَنِّن (المشرع) بمثابة المصور والمتكبر ولم تجعلوه بمثابة مدعي علم الغيب فالجواب :
لقد سبق وأن بينا أن المقنن الذي لا ينسب تقنينه-أقصد التقنين المحرم- إلى الشرع(=الدين) ولا يجعله دينا ولا يستحله ولا يقنن كفرا ليس بمنازع ولا بكافر لكن على فرض التسليم بذلك يقال لكم :
المنازعة إما أن تكون بالإدعاء أو تكون بالتعاطي- كما أسلفنا-,و المُقَنِّن إما أن يدعي لنفسه حق التشريع أو يدعي أن شرعه هو شرع الله فهذا لا شك في كفره كما أسلفنا .
وإما أن يتعاطى التقنين دون استحلال ولا مضاهاة لشرع الله ولا ينسب تقنينه إلى الدين فهذا لا يكفر بل مثله مثل من يتعاطى التصوير والخلق والكبرياء والجبروت دون استحلال أو قصد المضاهاة والعبادة كما سبق بيانه.

يتبع...









رد مع اقتباس
قديم 2011-06-27, 22:55   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شبهات ملحقة والرد عليها :

الشبهة الأولى : قالو :من شرع قانونا وعمل به فقد جعله دينا ومن بدل دين الإسلام فقد كفر.

والجواب على هذه الشبهة :
أن يقال: هل هذا المُقَنِّن (المُشّرِع على اصطلاحكم)) قد قَنَّن (شَرَّعْ عندكم) قانونا ثم نسبه إلى الله أو تعبد به الله حتى يقال أنه جعله دينا؟ إن كان كذلك فلا شك في كفره وقد سبق بيان ذلك.
أم أنه جعله دينا بمجرد عمله؟ إن هذا القول باطل مردود من عدة أوجه :
الوجه الأول : يلزم القائلين بذلك أن يحكموا على صاحب المعصية بنفس الحكم فلا فرق بين المقنن الذي يقنن الحرام وبين العاصي الذي يفعل الحرام فالأول سنه في كتاب بقلمه والثاني سنه في أفعاله بجوارحه فليلزم القائلين بذلك أن يحكموا على شارب الخمر مثلا بتبديل الدين بمجرد معصيته ويحكم على الزاني والسارق وأهل المعاصي جميعا بالكفر وتبديل الدين وهذا لا يقول به إلا الخوارج.
الوجه الثاني : لا يمكن أن يقال عن المُقَنِّن أنه جعل قانونه دينا ما لم يستحله أو يقصد به العبادة لإن معنى الدين راجع إلى معنى العبادة التي لا تكون إلا مع الخضوع ، والخوف والرجاء والمحبة.
فمعنى الدين شرعاً: ((هو اعتقاد قداسة ذات ، ومجموعة السلوك الذي يدل على الخضوع لتلك الذات ذلاً وحباً ، ورغبة ورهبة)(7)
الوجه الثالث : إن علماء السنة جميعا لم يجعلوا
المُقَنِّن مبدلا لدينه بمجرد الفعل بل اشترطوا في ذلك نسبة ذلك القانون إلى الشرع(=إلى الدين)) أو الاستحلال إذ لو كان مجرد الفعل دينا وكفرا لما كان اشتراطهم لما سبق فائدة بل يكون إرجاء ,وقد تقدم كلام إسماعيل القاضي والجصاص في اليهود الذين بدلوا حكم الرجم كما سبق كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في معنى الشرع المبدل كما في المبحث الرابع.
الوجه الرابع : إن الشريعة (=الدين)) تنقسم إلى عقائد وأحكام
قال الإمام السافريني: ((اعلم أن الملة المحمدية تنقسم إلى اعتقاديات وعمليات ، فالاعتقاديات هي التي لم تتعلق بكيفية عمل ، مثل : اعتقاد وجوب وجود القادر المختار ووحدانيته ، وتسمى أصلية أيضا . والعمليات هي ما يتعلق بكيفية العمل ، وتسمى فرعية ، فالمتعلق بالعملية علم الشرائع والأحكام ; لأنها لا تستفاد إلا من ( جهة ) الشرع ، فلا يسبق الفهم عند إطلاق الأحكام إلا إليها ، والمتعلق بالاعتقاديات هو علم التوحيد والصفات ، وعلم الكلام ، وعلم أصول الدين))) لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية ج1/ص4

والمقنن (المشرع على إصطلاح العرفي) إما أن يشرع عقائد كأن يشرع الشرك والتعطيل والثالوث وما إلى ذلك من العقائد المخالفة للإسلام فهذا قد بدل الإيمان بالكفر فلا شك في كفره ولا شك في تبديله لدينه .
وفي هذا المعنى : أعني تبديل الدين من الإيمان إلى الكفر- : قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((من بدل دينه فاقتلوه)).( رواه البخاري في صحيحه(3/1098رقم2854)

قال الإمام الشافعي –رحمه الله-: "من بدل دينه أو كفر بعد إيمان فأقام على الكفر والتبديل ولا فرق بين من بدل دينه فأظهر ديناً معروفاً، أو ديناً غير معروف".)
كتاب الأم (6/146)

وإما أن يُشَرِّع أعمالا فهذا حكمه حكم الأعمال التي شرعها فإما أن تكون أعمالا مباحة كقوانين المرور والقوانين الإدارية المباحة ,وإما أن تكون واجبة كالصلاة والصيام فيؤجر صاحبها ,وإما أن تكون محرمة كالربا والزنا فيُؤْثم صاحبها ولا يكفر إلا إذا استحل أو قصد العبادة أو نسب ذلك إلى الدين , وإما أن تكون كفرا كترك الصلاة بالكلية والسجود للصنم وسب الله تعالى فيكفر صاحبها الكفر الأكبر المخرج من الملة. وقد سبق تفصيل ذلك في المبحث الثاني.
قال أبو الحسن المالكي : "ومن بدل بالارتداد وغير في العقائد كأهل الأهواء أو بالمعاصي ، لكن المبدِّل بالارتداد يخلد في النار ، والمبدِّل بالمعاصي في مشيئة الله تعالى حتى يمضي فيه مراده "
كفاية الطالب (1/123-124










رد مع اقتباس
قديم 2011-06-27, 22:56   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الشبهة الثانية: المقنن قد جعل نفسه طاغوتا يتحاكم إليه الناس وكل طاغوت الكافر

والجواب على هذا :
(( إن هذا الاستدلال غير صحيح وبيان خطإه من وجهين :

الوجه الأول : أنه مبني على مقدمة غير صحيحة ، وهي القول بأن الطاغوت لا يكون إلا كافراً ! وبرهان خطإ هذه المقدمة من ثلاث جهات :

1- أن الطاغوت يطلق على : ( كل رأس في الضلالة ) , وذلك أنه مشتق من الطغيان الذي هو : مجاوزة الحد .

قال القرطبي رحمه الله : « أي : اتركوا كل معبود دون الله ؛ كالشيطان , والكاهن , والصنم , وكل من دعا إلى الضلال » ( تفسيره 5/75 ، تحت قوله تعالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [سورة النحل: ﴾ [ النحل 36 ] ) .

وقال الفيروز آبادي رحمه الله : « والطاغوت : ... وكل رأس ضلال , والأصنام ، وما عبد من دون الله , ومردة أهل الكتاب » ( القاموس المحيط 4/400 ، طغا ) .

* أقول : فالطغيان – إذاً – قد يكون مكفراً وقد لا يصل لحد الكفر ، ولذلك قال ابن باز رحمه الله : « فحدّك أن تكون عبداً مطيعاً لله ، فإذا جاوزتَ ذلك فقد تعدّيتَ وكنتَ طاغوتاً بهذا الشيء الذي فعلته .. فقد يكون كافراً وقد يكون دون ذلك »
( شرح ثلاثة الأصول ، الشريط 2 ، الوجه ب ، إصدار تسجيلات « البردين » بالرياض ) .

2- أن مِن أهل العلم مَن وصف أحداً بأنه طاغوت بمجرد أن يُتَجَاوَز به الحد , بدون النظر للموصوف نفسه :

( أ ) . لأنهم عرّفوا الطاغوت بأنه : « كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع » قاله ابن القيم رحمه الله ( أعلام الموقعين 1/50 ) .

وعلق عليه ابن عثيمين رحمه الله بقوله : « ومراده : من كان راضياً . أو يقال : هو طاغوت باعتبار عابده وتابعه ومطيعه ؛ لأنه تجاوز به حدّه حيث نزّله فوق منزلته التي جعلها الله له , فتكون عبادته لهذا المعبود واتباعه لمتبوعه وطاعته لمطاعه : طغياناً ؛ لمجاوزته الحد بذلك » ( القول المفيد 1/30 ) .

* أقول : فلا يلزم من الوصف بالطاغوتية أن يكون الموصوفُ كافراً ؛ لاحتمال أن يكون طاغوتاً باعتبار من اتخذوه لا بالنظر له هو .

( ب ) . كما أنهم وصفوا الجمادات المعبودة من دون الله بأنها طواغيت ، ومن المعلوم بداهة أن الجمادات لا توصف بالإسلام الذي هو نقيضُ الكفر .

قال ابن الجوزي رحمه الله : « وقال ابن قتيبة : كل معبود ؛ من حجر أو صورة أو شيطان : فهو جبت وطاغوت . وكذلك حكى الزجاج عن أهل اللغة » ( نزهة الأعين النواظر ص 410 ، باب الطاغوت ) .
وقال ابن تيمية رحمه الله : « وهو اسم جنس يدخل فيه : الشيطان والوثن والكهان والدرهم والدينار وغير ذلك » ( الفتاوى 16/565 ) .

* أقول : فلو كان كل طاغوت كافراً لما ساغ وصف الجمادات به .

3- إطلاق أهل العلم وصف الطاغوت على أهل الذنوب غير المكفرة .

قال الراغب الأصفهاني رحمه الله : « الطاغوت عبارة عن : كل متعدٍّ وكل معبود من دون الله ... ولما تقدم : سُمّي الساحر والكاهن والمارد من الجن والصارف عن طريق الخير : طاغوتاً » ( المفردات ص 108 ، طغى ) .
وقال محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : « والطواغيت كثيرة , والمتبين لنا منهم خمسة : أولهم الشيطان وحاكم الجور وآكل الرشوة ومن عُبد فرضي والعامل بغير علم »( الدرر السنية 1/137 ) .

وقال ابن عثيمين رحمه الله : « وعلماء السوء الذين يدعون إلى الضلال والكفر أو يدعون إلى البدع أو إلى تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله : طواغيت »( شرح ثلاثة الأصول ص 151 ) .

* أقول : فلو كان كل طاغوت كافراً لما جاز لهم هذا الإطلاق ، أو للزم منه
أن يكونوا مكفرين بالذنوب .

الوجه الثاني : يلزم منه تكفير من اتفق أهل السنة على عدم تكفيره ، وهو من قنن للذنب ؛ إذ لا فرق – في التقنين – بين من قنن الذنب وبين من قنن الحكم بغير ما أنزل الله ، إذ الكل واقع في تقنين أمرٍ محرم .

مثاله : عصابة نذرت نفسها لقطع الطريق وجعلت عليها رئيساً ورسمت لنفسها
نظاماً ، فكان هذا الرئيس هو الذي يدعوهم وينظم لهم الاعتداء وقطع السبيل وإخافة المسلمين فيمتثلون ، وهو الذي يأمرهم فيأتمرون وينهاهم فينتهون ؛ فهذا الرجل أصبح مقنناً للذنب ، مع أنه ليس بكافر .

* أقول : ولو كان الأصل الذي بُني عليه التكفير بالتقنين صحيحاً لوجب تكفير مثل هذا ، مع أنه من أصحاب الذنوب الذين اتفق أهل السنة على عدم تكفيرهم .)) من
كتاب الحكم بغير ما أنزل الله مناقشة تأصيلية للشيخ بندر بن نايف العتيبي.










رد مع اقتباس
قديم 2011-06-27, 23:01   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الشبهة الثالثة :تفرقتهم بين الحكم في الواقعة(المسألة) وبين الحكم في التشريع العام:

ومما قالوه أنه هناك فرق بين الحكم بغير ما أنزل الله في مسالة أو مسألتين وبين تحكيم قوانين وضعية بدلا من الشريعة فالأول ليس كفرا أكبر إنما أصغر وأما الثاني فهو أكبر مخرج من الملة .

والجواب على هذا:

أولا :هذا التفريق لا أصل له لأنه سيرجع إلى كلام أهل العلم في تفسيرهم لقوله تعالى(((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة:44] وهو: هل هذا الحاكم- الذي حكم في واقعة بغير ما أنزل الله، أو الذي حكم بغير ما أنزل الله جملة- مستحلٌّ لذلك جاحد لأحقية حكم الله، أو مستحسن لغيره عليه، أم هو مقر بحكم الله ولكنه عاص أو صاحب هوى؟
فإن كان مستحلاً جاحداً؛ فهو الكفر الاعتقادي المخرج من الملة، وإن كان عاصياً؛ فهو الكفر العملي الذي لا يخرج من الملة.

ولذلك عدنا من حيث بدأنا، وإنما هذا التفريق سفسطة خالصة (صنعت) لإلغاء هذا الأصل العقدي المستقر المستمر عند أهل السنة ألا وهو: أن الكفر يقسم إلى كفر اعتقادي وعملي(أكبر وأصغر)، وهو يشمل جميع ما وصف بذلك، فإن استحلّ أحد ما حرّم الله أو حرّم ما أحل الله -على وجه من الوجوه السابقة-؛ فهو الكفر الاعتقادي ، وإلا فلا.

ثانيا : ما الدليل على التفريق؟!
((فإن قلتم: إن هذه الصورة –الحكم بالقوانين والأعراف- لم تكن معروفة عند السلف، وإنما فقط الوقائع الجزئية مع التحكيم للشريعة؛ قلنا: هذا محض كذب وافتراء!.
فواقع القوانين والأعراف الجاهلية كان معلوماً عند السلف، فكأنكم لم تسمع قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) وقوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) ويدلك على ذلك قول الحافظ ابن كثير في "تفسيره": (ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله -المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر- وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية) فدل قوله رحمه الله: (كما كان أهل الجاهلية يحكمون به) أن صورة الحكم بـ(الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله) كانت معروفة لديهم، فكلها سياسات وقوانين وأعراف باطلة سواءً كانت مكتوبة أو محفوظة(فالأمر سيان)، وهؤلاء الكفار الذين تتناولهم الآية تركوا ما أنزل الله واتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم من الأعراف والقوانين الجاهلية، فهل يُتَصَوَّرُ أن يُفَسِّرَ حَبْرُ الأمة وترجمان القرآن هذه الآية غافلاً عن تلك الآيات البينات؟! وما كانت تمثله واقعاً؟! حاشاه وكلا. ثم من أكبر الأدلة على وجود هذه الصورة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم استدلال من يكفر بهذه الصورة بحديث اليهوديين الذين زنيا؛ حتى إن بعضهم يسميها بالتشريع العام، فيا لتناقض هؤلاء!؛ يزعمون أن هذه الصورة لم تكن معروفة عند السلف، ثم يستدلون بقصة اليهود على حالة الكفر في التشريع العام –كما يزعمون-!. أقول: وحتى لو سلمنا -تنزلنا- أن واقعنا مغاير كل المغايرة لواقعها الذي قيلت فيه؛ فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلو كان ابن عباس رضي الله عنه قائلاً تفسيره للخوارج بالفعل، فلا يمنع من هذا أن يكون هذا التفسير رداً على الخوارج من ناحية، وإعلام الناس بتفسير الآية من ناحية أخرى، فيكون شاملاً لحكام زمانه وزماننا؟!، ومعلوم أن العبرة (بما قال) لا (لمن قال)، وإننا إن أردنا إلزام المخالف بمذهبه هذا، لقلنا: أن (التصوير الفوتغرافي) –مثلاً- غير داخل في النصوص العامة الواردة في النهي عن التصوير لكونه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وَلقلنا: إن الآيات التي تحرم الزنا والربا لا تنطبق على بيوت الفاحشة والبنوك الربوية والتي تفنن أصحابها في رعايتها بكل أشكال الرعاية من تأمينها بوضع الحراس لحمايتها، وترتيب مرافقها، ومواعيدها، فضلاً عن إمدادها بوسائل الترفيه والراحة كالتبريد والتدفئة وغير ذلك من الترتيبات، لأن آيات تحريم الزنا نزلت فيمن يزني المرة والمرتين ونحوها ثم يتوب من ذلك وإن تكرر منه مراراً وتكراراً، ولم تنزل فيمن أنشأ بيوتًا للفاحشة وتفنن في رعايتها وتقنينها، ... ويظل الباب مفتوحاً لرد الحق بالباطل.
والصحيح: أنه لا فرق بين المخالفات الجزئية المؤقتة وبين التمادي في هذه المخالفات لتصبح عادات وتقاليد وأعراف (محفوظة أو مكتوبة سيان)، فإن الله سبحانه وتعالى علق الكفر في آية المائدة بترك الحكم، ولم يقيد ذلك بمادة الحكم المخالف أو منشئه أو عدد مرات تكراره أو بكونه يصدر المرة ونحوها أم اتخذ عادة وعرفاً، وإنما علق الكفر بمجرد ترك الحكم، وابن عباس رضي الله عنه لما فسر الآية فسرها تفسيراً مطلقاً دون التقيد بما سبق، فلماذا نحمل كلامه ما لا يحتمل ونقوله ما لم يقل ؟!، ثم إن ابن عباس رضي الله عنه لم يقل تفسيره رداً على الخوارج!، كما يُزعَم!، فهذا تحكم ظاهر ليس عليه أدنى دليل، فهذه روايات الأثر بين يديك في دواوين السنة ليس في واحدة منها أن خارجياً سأله وإنما السائل إما (رجل!) أو (طاووس) أو (تفسير مباشر للآية)، والسائل في كل الروايات سأل ابن عباس ض عن تفسير الآية أو كُنْهِ الكفر المذكور بها ولم يسأله عن حكام زمانهم كما يُزعَم!.
تنبيه:
ينبغي أن نعلم أن صورة حكام القوانين هي هي صورة حكام اليهود في أنهم اخترعوا أحكامًا وحكموا بها؛ إلا أن اليهود نسبوا ما كانوا يحكمون به إلى الله عز وجل كذبًا عليه وعلى كتابه بخلاف حكام القوانين؛ قال تعالى عن اليهود أنهم: (يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم -"البخاري" (ح2539)- أنهم: (بدلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب فقالوا هو من عند الله)، وقال ابن عبد البر –"التمهيد" (14/9)-: "وفي الحديث أيضًا: دليل أنهم كانوا يكذبون على توراتهم، ويضيفون كذبهم ذلك إلى ربهم وكتابهم"اهـ. وبهذا نعلم أن (اختراع الحكم ونسبته إلى الله كذبًا) هو مناط التكفير في قصة اليهود وهذا هو الثابت بنص القرآن والسنة وفهم سلف الأمة؛ فإن اختراع الأحكام ونسبتها لله كذباً مع العلم بحكم الله يستوجب الوقوع في إنكار حكم الله والتحذير منه كما حصل لليهود كما في قوله تعالى: (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا)(المائدة 41)؛ وهذا كفر ، وهو يستلزم التقديم والاستحلال بداهة. قال تعالىإِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (النحل:105)، وقال: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ) (العنكبوت:68) و(الزمر:32)، وقال: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) (الزمر:60).
قال إسماعيل القاضي- كما في "الفتح" (13/120)-: "من فعل مثل ما فعلوا واخترع حكما يخالف به حكم الله وجعله دينا يعمل به فقد لزمه مثل ما لزمهم من الوعيد المذكور"اهـ، وقال الجصاص-"أحكامه" (4/94)م-: "من حكم بغير حكم الله ثم قال إن هذا حكم الله فهو كافر كما كفرت بنو إسرائيل حين فعلوا ذلك"اهـ ، وقال شيخ الإسلام -"الفتاوى" (3/267-268)-: "الشرع المبدل: وهو الكذب على الله ورسوله...فمن قال: (إن هذا من شرع الله) فقد كفر بلا نزاع"اهـ.)) .

ثالثا : ""الأدلة الشرعية لم تقل بوجود فرق بين استبدال حكم واحد أو أكثر من حكم ، ولا يجوز أن يعلق الكفر بشيء لا دليل عليه .. صحيح أن من استبدل الشريعة كلها فقد يكون أكثر جرماً من الذي استبدل أقل من ذلك ، ولكن محل البحث هو الكفر الذي لا دليل عليه ، لا في تحقيق الأشد جرماً .
ولذلك فإنه يقال : إنْ كان مستبدل الشريعة كلها كافراً ، فما حكم من استبدل
ربعها ؟ .. نصفها ؟ .. ثلثيها ؟ .. وهكذا .. ، إلى أن نصير إلى السؤال الذي يكشف عدم وجود الدليل ، وهو : ما حكم من استبدل الشريعة كلها إلا حكماً واحداً ؟ .. فإن كفره فقد خالف ما قرره من أن مناط ( = سبب = علة ) التكفير هو : استبدال الكل ! وإن لم يكفره فقد أتى بما لا يتوافق مع العقل الصحيح !

* أقول : فإذا تبيَّن أن الاستبدال الكلي لا يمكن ضبطه ؛ فاعلم أنه لا يمكن التكفير به عند من يراه كفراً أكبر ! وذلك أن بلدان المسلمين – التي لا تحكم بالشريعة – لا تخلو من الحكم بدين الله تعالى ولو في جزء يسيرٍ ، قل أو كثر ، فانتفت علة التكفير التي قال بها وهي ( ترك الكل ) """(9).

رابعا : ثمت أمر أخر ، وهو : لا بد من تحرير مصطلح «التشريع العام» ومصطلح(التبديل) :
أما مصطلح التشريع العام لا يخرج عن معنيين :
الأول : أن يكون تشريع الدولة كله مخالفاً لما أنزل الله.
الثاني : هو تغيير حكم الله ولو في حد من الحدود، فمتى تم ترك – أو تغيير- حكم واحد من الأحكام التي شرعها الله أو رسوله والاستعاضة عنه بالأحكام الوضعية.
أما المعنى الأول؛ فهو خيال محض بالنسبة للبلاد التي تنتسب إلى الإسلام –التي اختلف المختلفون (!) في تكفير حكامها؛ فما من حاكم من حكام المسلمين (أولئك) إلا وهو يطبق شيئاً من الشرع قلّ أو كثر: فهو ينشىء الوزرات والمؤسسات العلمية الدينية، ولجان الافتاء التي تعني بالدين من تعمير المساجد، وإقامة الصلوات، وتنظيم أمور الدعوة وشؤون الحج، والصيام، والأعياد، وتدريس العلوم الشرعية، و القضاء في النكاح والطلاق والميراث والأوقاف و...إلخ.
وهذا كلّه على تقصير ظاهر ومخالفة واضحة لا تُسَوَّغ بأي حال من الأحوال، ولا نقرِّها بأي شكل من الأشكال.
وأما المعنى الثاني ؛ فهو عود على بدء ، ولا يرى هذا الرأي بدون النظر إلى الاستحلال إلا الخوارج الحرورية.
قال الجصاص في «أحكام القرآن»(2/534) : «وقد تأولت الخوارج هذه الآية على تكفير من ترك الحكم بما أنزل الله من غير جحود».
وقال مثله الآجري في «الشريعة» (1/342)، وابن عبد البر في«التمهيد» (17/16)، وأبو المطفر السمعاني في «تفسيره» (2/42)، وأبو يعلى في«مسائل الإيمان»( ص340-341)، وأبو حيان في «البحر المحيط» (3/493) وغيرهم كثير.

وبالجملة ؛ فكلمات السلف الصالح ومن تبعهم تصيح بهذا القول وترده على عقبيه مذموماً مدحوراً.
أما مصطلح التبديل فهو غير التغيير عند أهل العلم فكلمة بدَّل في كلام أهل العلم هو أن يضع حكماً غير حكم الله زاعماً انه حكم الله أما من وضع حكماً غير حكم الله ولم يزعم أنه حكم الله فليس مبدلاً .
قال ابن العربي : » وهذا يختلف: إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر … ا .هـ
وبمثله قال القرطبي وإليه أشار الإمام ابن تيمية كما سبق بيانه فقد جعل الشرع المبدل الكذب على الله بزعم أنه من شرع الله لا تغيير الحكم مطلقاً فإنه عقب على قوله: "والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه ، أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء" بآية الحكم وقيد الكفر فيها بالاستحلال فقال:
"وفي مثل هذا نزل قوله على أحد القولين: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} أي: هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله )).
وفي كلام شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- إشارة واضحة أن الآية فيها قولان:
القول الأول : أنها على ظاهرها وأنها في المستحل للحكم بغير ما أنزل الله.
القول الثاني: أنها على غير ظاهرها وأن المراد بالكفر هنا : كفر دون كفر كما ورد عن ابن عباس –رضي الله عنهما- وعن غيره من التابعين.
فجعل شيخ الإسلام –رحمه الله- مرد التبديل الذي يخرج من الملة إلى الحكم بغير ما أنزل الله ، وهو لا يخرج من الملة إلا بالاستحلال كما أجمع عليه السلف لأنه فسر التبديل بما فسره أهل العلم وهو(الحكم بغير ما أنزل الله على أنه من عند الله)).










رد مع اقتباس
قديم 2011-06-27, 23:02   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الشبهة الرابعة : تهمة الإرجاء :

أما دعوى موافقة المرجئة؛ فشنشنة نعرفها من أخزم!؛ وهي ناشئة من الجهل بمحل النزاع وللرد عليه (بإيجاز) أقول :
قد بان لمريدي الهدى والرشاد مذاهب المرجئة الضلال ، وما تلبسوا به من البدع المشينة ، والأقوال المخالفة للكتاب والسنة وما عليه سلف هذه الأمة ، تلكم الأقوال التي فارقها أهل السنة في كل زمان ، ولم يكل منهم في التحذير منها لسان ولا بنان ، ثم يأتي من لا خُلُقَ له ولا أمانة ويرمي من يقول – من أهل السنة – بعدم كفر من يحكم بالقوانين الوضعية بإطلاق – مع تقريره بأن الأعمال من الإيمان ، وأن الإيمان يزيد وينقص ، وأن الظاهر والباطن متلازمان – بأنه: "مرجئ"! أو: "وافق المرجئة"! ، وقد يشتط فيقول بفيه ملؤها الزور والبهتان: "من غلاة المرجئة » !!.
فَأُفٍّ عَلَى الْعِلْمِ الذِّي تَدَّعُونَهُ إذَا كَانَ فِي عِلْمِ النُّفُوسِ رَدَاهَا ( !!)
وأما الجواب على اتهام من قال بعدم كفر من يحكم بالقوانين الوضعية بإطلاق من أهل السنة بأنهم مرجئة فمن وجوه :
الوجه الأول : إن التنابز بالألقاب ووصف الآخرين بأوصاف أهل البدع سهل يستطيعه كل أحد وإنما الأمر العسر وهو الذي عليه المعول إبانة البرهان على هذه الدعاوى إذ كيف يقال ذلك وقد فسر الآية بالكفر الأصغر ابن عباس وأصحابه والأئمة كأحمد وغيره ؟
ثم مما يزيدك يقيناً على وهاء هذا الوصف الخاطئ أن أكبر أربعة أئمة من أئمة أهل السنة في هذا العصر على هذا القول :
فأما أولهم فهو عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله وحسبك به من ناصر للإسلام والمسلمين وناشر لعقيدة أهل السنة والجماعة .

وأما ثانيهم فهو محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله فكم نصر الله به من حق وذب به عن سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم ويكفيه أن اسمه قد اقترن بأئمة الإسلام رواة السنة فإذا ذكر الحديث وأهله ذكر الألباني .

وأما ثالثهم فهو محمد بن صالح ابن عثيمين رحمه الله العلامة الفقيه المحقق المدقق والذي نفع الله بعلمه وفقهه وبارك في علمه وعمره .
وأما رابعهم فهو مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله العلامة المحدث الذي قمع الله به البدعة في زمانه وانتفع بعلمه الكثير والكثير من طلاب العلم في ربوع الدنيا وأقطارها.
وهؤلاء الأربعة هم أئمة الفتوى في زمانهم ولقد اتفقت كلمة أهل السنة على قبولهم والاعتداد بهم وسلّم أهل الحق بإمامتهم في الدين ، فرحمهم الله ورضي عنهم وجزاهم عن الإسـلام والمسلمين خـيراً .

ولا يـزال العجب يتملكني ويأخذ مني كل مأخذ ، لا أقول : ممن يرميهم بالإرجاء ! بل أقول : ممن يحتاج أن يُعرَّف بفضلهم وقدرهم .

ووالذي نفسي بيده ما ظننت أن يأتي اليوم الذي يضطر فيه مثلي أن يُسطّر لإخوانه طلاب العلم من أهل السنة دفاعاً عن هؤلاء الأئمة الأعلام ، فإلى الله المشتكى .

الوجه الثاني : أن الذي ينبغي أن نفهمه أن مطلق الاشتراك مع أهل البدع في بعض ما هم عليه من دون نظر إلى حقيقة هذا المذهب لا يقتضي الإلحاق بهم. فإن أهل السنة اشتركوا مع الخوارج والمعتزلة في أن العمل من الإيمان وأن الإيمان اعتقاد وقول وعمل ، كما أنهم اشتركوا مع المرجئة في عدم تكفير مرتكب الكبيرة ، واشتركوا مع مرجئة الفقهاء في أنه يستحق الذم وأنه متوعد في الآخرة بعقاب الله.
وخالفوا الخوارج والمعتزلة والمرجئة فقالوا: الإيمان حقيقة مركبة ، وقالت الخوارج والمعتزلة والمرجئة: بل هو شيء واحد ؛ إذا زال بعضه زال كله.
وخالفوا المرجئة فقالوا: مرتكب الكبيرة ناقص الإيمان ، والمرجئة قالت: هو مؤمن كامل الإيمان.
ومن هذا الباب – أعني: المشاركة مع المرجئة فيما لا يقتضي إلحاقًا بهم – قول الحافظ ابن عبد البر: "هذا قولٌ قد قال به جماعة من الأئمة ممن يقول الإيمان قول وعمل، وقالت به المرجئة أيضاً!؛ إلا أن المرجئة تقول: (المؤمن المقر مستكمل الإيمان)، وقد ذكرنا اختلاف أئمة (أهل السنة والجماعة) في تارك الصلاة فأما أهل البدع فإن المرجئة قالت: (تارك الصلاة مؤمن مستكمل الإيمان إذا كان مقرا غير جاحد ومصدقا غير مستكبر)، وحكيت هذه المقالة عن أبي حنيفة وسائر المرجئة وهو قول جهم!"اهـ.
وعليه: فإن مطلق المشاركة مع المرجئة في بعض ما هم عليه –مع الاختلاف معهم في أصول مذهبهم- لا يقتضي إلحاقًا بهم.

الوجه الثالث :
أن بعض كبار العلماء المعاصرين الذين اختفوا معنا في هذه المسألة- وهي الحكم بالقوانين الوضعية – لم يختلفوا في (مناط التكفير) في هذه المسألة ألا وهو: الإرجاع إلى الاعتقاد والاستحلال ، وإنما اختلفوا في تحقيق هذا المناط في هذه الصورة على الوجه العام ؛ بمعنى أوضح: أن هؤلاء العلماء لم يكفروا من يحكم بالقوانين الوضعية لمجرد أن هذه القوانين كفر أكبر ؛ بل لأن العدول عن حكم الشرع – ولو في مسألة واحدة – مع جعل هذا العدول مطردًا بحيث يجعل قانونًا عامًا يرجع إليه في كل القضايا ، يستلزم – عندهم – انتفاء أصل الإيمان من القلب (وهو مناط التكفير)، فليس مجرد الحكم بالقوانين هو موضع النزاع عندهم ، وإنما موضع النزاع هل هذه الصورة تستلزم انتفاء أصل الإيمان أم لا؟ ، وهذا خلافٌ فرعيٌ جزئيٌ لا يتعلق بالإرجاء ولا بالمرجئة ، لأن الذين لا يكفرون بهذه الصورة لا يترددون في تكفير المواقع لها إذا دل دليل صحيح لا معارض له أن في ذلك انتفاء لأصل الإيمان ، فعاد الخلاف إلى هذه الجزئية ؛ ألا وهي: هل هذه الصورة تستلزم انتفاء أصل الإيمان أم لا؟ !.









رد مع اقتباس
قديم 2011-06-27, 23:21   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
أبو معاذ محمد رضا
عضو محترف
 
إحصائية العضو










افتراضي

لمصلحة من تركز على هذه القضايا يا جمال البليدي أتدريد أن نبقى إلى الأبد نرزح تحت القوانين الكفرية المستمدة من أكبر أعداء الأمة فرنسا؟
العالم هذه الأيام يتغير الحكام افتضحوا وظهرت معاداتهم للإسلام والمسلمين ووسائلهم الوحشية للعالم كله
من يستفيد من كلامك هذا سوى الطغاة والمفسدين؟
ألم تقرأ قوله تعالى :"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار"؟
ألم تقرأ قوله تعالى :"ولا تكن للخائنين خصيما"؟
لا تكن في صفهم فوالله إنهم لمفسدون ظالمون لا يصلحون أبدا أن يتسلطوا على رقابنا.










رد مع اقتباس
قديم 2011-06-27, 23:59   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
جمال البليدي
عضو محترف
 
الصورة الرمزية جمال البليدي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو معاذ محمد رضا مشاهدة المشاركة
لمصلحة من تركز على هذه القضايا يا جمال البليدي أتدريد أن نبقى إلى الأبد نرزح تحت القوانين الكفرية المستمدة من أكبر أعداء الأمة فرنسا؟
العالم هذه الأيام يتغير الحكام افتضحوا وظهرت معاداتهم للإسلام والمسلمين ووسائلهم الوحشية للعالم كله
من يستفيد من كلامك هذا سوى الطغاة والمفسدين؟
ألم تقرأ قوله تعالى :"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار"؟
ألم تقرأ قوله تعالى :"ولا تكن للخائنين خصيما"؟
لا تكن في صفهم فوالله إنهم لمفسدون ظالمون لا يصلحون أبدا أن يتسلطوا على رقابنا.
لعلك لم تقرأ البحث أصلا:



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال البليدي مشاهدة المشاركة

والصواب الذي دلت عليه الأدلة ، وهو الموافق لإجماع السلف:
أن الحكم بالقوانين الوضعية منكر عظيم وفعل شنيع صاحبه دائر بين الكفر والفسق والظلم .
والحكم بما أنزل الله هو من خصائص الربوبية والألوهية لا شك في ذلك .
وهذا المنكر-أعني الحكم بغير ما أنزل الله- واقع فيه كثير من الناس من حكام وقضاة ودعاة وعلماء وموظفين وتجار وآباء وأمهات .
ويجب تطهير المجتمع من صور الحكم بغير ما أنزل الله بشتى صوره .
سواء كان وقوعه من الحكام أو المحكومين .
ونحن نشكر كل من يحذر من تحكيم غير الشرع ونسانده وندعوا له .
لكن لا يفرط تفريط المرجئة ولا يفرط إفراط الخوارج .
فالمرجئة يرون أن الحاكم مهما حكم بغير ما أنزل الله ومها ظلم الناس أنفسهم ولم يحكموا شرع الله في أنفسهم فهم مؤمنون كاملوا الإيمان!!
وهذا تفريط شنيع .
والخوارج يرون أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر مخرج من الملة بشتى صوره وأشكاله .
وأما أهل السنة فهم وسط بين تفريط المرجئة وإفراط الخوارج .
فيفصلون في هذه المسألة ويقولون:
الحكم بغير ما أنزل في الأصل من كبائر الذنوب ومن المفسقات لا من المكفرات .
ولكن قد يقترن بمن حكم بغير ما أنزل الله قرائن تنقله من الفسق إلى الكفر أو تدخل عليه دواخل تخرجه من الإسلام منها:
1- استحلال الحكم بغير ما أنزل الله .
2- الاستكبار عن حكم الله .
3- الاستهزاء بشرع الله .
4- معاندة حكم الله ومشاققته بلا جهل ولا شبهة .

والقول بتكفير من يحكم بالقوانين الوضعية مطلقاً يلزم منه تكفير جميع أهل البدع دون تفصيل، ومتعصبة المذهاب وهذا باطل.
وجميع أهل البدع ومتعصبة المذاهب الذين يقدمون أقوال الرجال على الكتاب والسنة وما عليه السلف الصالح يدخلون في تحكيم القوانين الوضعية، ولم يكفرهم أحد إلا بقرينة كاستحلال أو استكبار أو إنكار أو استخفاف بالشرع." من رسالة(التبيين والتفصيل في مسألتي التقنين والتبديل) مع البعض التصرف والزيادة.









رد مع اقتباس
قديم 2011-06-28, 16:37   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
جواهر الجزائرية
عضو متألق
 
الصورة الرمزية جواهر الجزائرية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وكذلك العز والكبرياء والعظمة من أوصاف الله -تعالى- التي لا تنبغي لأحد سواه؛ ففي الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة- رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -حاكيا عن ربه جل جلاله -: «العز إزاري، والكبرياء ردائي؛ من ينازعني عذبته».مااروع المناجاة ..
فعلا بحوث قيمة لعلماء لا مجال للمقارنة بالآخرين ولن اذكر إسمهم ..
لم اقرا جميعهم صراحة لكن سأقرئهم حتما .
جزاكم الله خيرا وسدد خطاكم على البحوث والادلة والكلام النير الذي تبذلوه في سبيل تبصير القلوب الضيقة ..سدد الله خطاكم.










رد مع اقتباس
قديم 2011-07-11, 11:10   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
محارب الفساد
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي

ردك على الأخ أبو معاذ محمد رضا يذكرني بمصانع التبغ ، يصنعون سمومهم ثم يكتب على العلبة (مضر بالصحة ، يؤدي الى السرطان ، يميت )
فاذا كنت تعلم هذا فهل ترضى بأن تكون سببا في موت أحدهم أو ضرره واصابته بالسرطان ، مقابل حفنة من الدريهمات ، لكنه قمة الاستغفال والاستخفاف بالبشر يقول رب العزة : (فاستخف قومه فأطاعوه ).
الا أن شركات التبغ أصدق منك قيلا وأحرص منك رغم صنعها له ، فهم على الأقل لم يكتبوا (مضر بالصحة لمن لديه حساسية أو ضعف رئوي ) تدليسا وتلبيسا ، فيتوهم غيره أن هذه الأوصاف لا تنطبق عليه اذا هو معفى من الضرر .
فلأنك و رغم اقراراك بالخلاف المزعوم ، ورغم علمك بأن شريعة الطاغوت منكر عظيم وفعل شنيع ورغم أنه شر ورثناه جيلا بعد جيل لم نستفد منه سوى النكسات والضعف وسرقة الثروات ونهب الخيرات وظلم العباد ونشر الرذيلة والفساد ، وقبل كل ذلك محاربة الدين وحماية الشرك والتنديد
رغم علمك واقراراك فدفاعك المستميت عن الطاغوت لو كان دفاعا لشبهة تتحرى فيه صدق طالب العلم والحق لما عذرتك ، فالسلف كانوا اذا ما دعوا الى الصلاة تركوا النصوص على حالها بكفر تاركها فالمقام مقام ترهيب ، والخلاف في حكم تارك الصلاة قد يخلط الأمر ويفتر عزم العوام .
فمابالك بمن يتحرى طرق التلبيس والتدليس والايهام والايحاء والخلط لينشر مذهبه الضال بأن الشرك والكفر المستبين الذي لا ينفع معه العمل الصالح ولا يغفر لمرتكبه ومؤواه جهنم خالدا مخلدا فيها ، هذا الشرك الذي قال فيه رب العزة لنبيه : (ولئن أشركت ليحبطن عملك ) ، الشرك المحبط للأعمال أصبح في مذهبكم معصية من المعاصي ، بل زدتم في ذلكم كله وجعلتموه مباحا فأي جهل أوصلكم لذلك وأي جرأة حاربتم بها دين من اليه الملتقى .
لكنه قمة الاستغفال والاستخفاف بالموحد ، وأعاذنا ربنا ممن قال فيهم : (فاستخف قومه فأطاعوه ).

ولو أن بحثك وجمعك لشبهات العتيبي لا يرقى لأن يرد عليه طالب علم مبتدئ مثلي الا أن الخوف على العوام من ضلالاتكم اضطرني الى الرد ، وتعلم يقينا أن بحثك لو اطلع عليه طلاب العلم لضحكوا قليلا وبكوا كثيرا من الطوام التي ينضح بها .









رد مع اقتباس
قديم 2011-07-11, 11:17   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
محارب الفساد
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي

نبدأ على بركة الله بالطامة الأولى (عنوان بحثك )
يقول جمال البليدي مقرا بالخلاف المزعوم في هذا الموضع وغيره من المواضع :

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال البليدي مشاهدة المشاركة
المبحث الثالث : تحرير وبيان محل خلاف بعض العلماء المعاصرين في المسألة.


ومدام هناك خلاف ، فلا حجة لقول أحد الا بدليل من كتاب الله وسنة نبيه فقط
يقول عز وجل : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ).


فلا حجة قاطعة ولا هم يحزنون حتى لو كان مدعما بقول الصحابة – حاشاهم أن يؤصلوا للشرك – لا الأربع الذين ذكرتهم وأولت كلامهم
يقول ابن القيم : (فإذا قال الصحابي قولا، وخالفه صحابي آخر، فليس قول أحدهما بحجة على الآخر، وللعلماء من بعدهم في الترجيح بين أقوالهم طرق، ومن المرجحات أن يختار القول الذي قال به الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فإن اختلفوا فقول أبي بكر وعمر أرجح. [راجع أعلام الموقعين: 4/153].

فقول الصحابي ليس بحجة اذا كانت المسألة من مسائل الخلاف ، فما بالك بمن ذكرت ، وما بالك بمن نقلت عنه (العتيبي ) وما بالك بمن جمع البحث .
لكنه التعالم وما يقرح الكبد بهفوات لا تصدر البتة من طويلب علم مبتدئ ، فضلا عن من يدعي العلم ، ولا يفرق بين الدليل و الحجة والراجح وقول الجمهور والاجماع والقياس وما الى ذلك من الواضحات .
وتكفي آية واحدة أو حديث صح سنده أن نضرب بعرض الحائط بحثك

فربنا عز جلاله لم يتركنا بغير شريعة ولا منهاجا ولا قانونا ، بل ترك لنا دستوا نمشي عليه وقوانين تحكم دماءنا وأموالنا وأعراضنا ، ونفى بصريح الآية أن يكون له شريك في ذلك فقال : (لا يشرك في حكمه أحدا ) هذا هو الدليل وهذه الحجة فتعلم وتدبر .
ولي مزيد وقفات مع طوام لا تصدر الا من مثل من قالت فيهم اللجنة الدائمة :
اقتباس:
:"دعواه إجماع أهل السنة على عدم كفر من حكم بغير ما أنزل الله في التشريع العام إلا بالإستحلال القلبي كسائرالمعاصي التي دون الكفر . وهذا محض إفتراء على أهل السنة ، منشؤه الجهل أو سوءالقصد نسأل الله السلامة والعافية .
"
أعوذ بالله من الجهل وسوء القصد .









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
المنازعة, المقنن, الحدث, القاطعة, تدعني


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 01:34

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc