شرح متن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - الصفحة 4 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد > أرشيف قسم العقيدة و التوحيد

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

شرح متن العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-02-10, 08:08   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَتَقُومُ الْقِيَامَةُ الَّتِي أَخْبَرَ اللهُ بِهَا فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهُ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ.
فَيَقُومُ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً، وَتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ، وَيُلْجِمُهُمُ الْعَرَقُ.

فَتُنْصَبُ الْمَوَازِينُ، فَتُوزَنُ بِهَا أَعْمَالُ الْعِبَادِ، (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ).

وَتُنْشَرُ الدَّوَاوِينُ، وَهِيَ صَحَائِفُ الأَعْمَالِ، فَآخِذٌ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وآخِذٌ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ أَوْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ).

/ش/ قولـه: ((وتقوم القيامة..)) إلخ؛ يعني: القيامة الكبرى، وهذا الوصف للتخصيص، احترز به عن القيامة الصغرى التي تكون عند الموت؛ كما في الخبر:

((من مات فقد قامت قيامته)) .

وذلك أن الله عز وجل إذا أذن بانقضاء هذه الدنيا؛ أمر إسرافيل عليه السلام أن ينفخ في الصور النفخة الأولى، فيَصْعَقُ كل من في السموات ومن في الأرض إلا مَن شاء الله، وتصبح الأرض صعيدًا جُرُزًا، والجبال كثيبًا مهيلاً، ويحدث كل ما أخبر الله به في كتابه، لا سيما في سورتي التكوير والانفطار، وهذا هو آخر أيام الدنيا.

ثم يأمر الله السماء، فتمطر مطرًا كمنيِّ الرجال أربعين يومًا، فينبت منه الناس في قبورهم من عَجْبِ أذنابهم، وكل ابن آدم يبلى إلاَّ عجب الذنب .

حتى إذا تمَّ خلقُهُم وتركيبُهم؛ أمر الله إسرافيل بأن ينفخ في الصور النفخة الثانية، فيقوم الناس من الأجداث أحياء، فيقول الكفّار والمنافقون حينئذ: ( يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا )، ويقول المؤمنون: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ )

ثم تحشرهم الملائكة إلى الموقف حفاةً غير مُنْتَعلين، عُراةً غير مكتسين، غُرلاً غير مختتنين؛ جمع أغرل، وهو الأقلف، والغُرلة: القَلَفة.

وأول من يكتسي يوم القيامة إبراهيم؛ كما في الحديث .

وهناك في الموقف تدنو الشمس من رؤوس الخلائق، ويُلْجِمُهم العرق، فمنهم مَن يبلغ كعبيه، ومنهم من يبلغ ركبتيه، ومنهم مَن يبلغ ثدييه، ومنهم من يبلغ ترقوته؛ كلٌّ على قدر عمله، ويكون أناسٌ في ظلِّ الله عزّ وجلّ.

فإذا اشتدَّ بهم الأمر، وعظُمَ الكرب؛ استشفعوا إلى الله عزّ وجلّ بالرسل والأنبياء أن ينقذهم مما هم فيه، وكلُّ رسولٍ يحيلهم على مَن بعده؛ حتى يأتوا نبيّنا (، فيقول: ((أنا لها))، ويشفع فيهم، فينصرفون إلى فصل القضاء.

وهناك تُنْصَبُ الموازين، فتوزَنُ بها أعمال العباد، وهي موازين حقيقية ، كل ميزان منها له لسانٌ وكفَّتـان ، ويقلِبُ الله أعمال العباد ـ وهي أعراضٌ ـ أجسامًا؛ لها ثقلٌ، فتوضع الحسنات في كفة، والسيئات في كفة؛ كما قال تعالى:

(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ )

ثم تُنْشَر الدواوين، وهي صحائف الأعمال، فأما مَن أُوتي كتابه بيمينه؛ فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا، وينقلب إلى أهله مسرورًا، [وأما من أوتي كتابه بشماله أو من وراء ظهره] ، فسوف يدعو ثبورًا، ويصلى سعيرًا، ويقول: يا ليتني لم أوتَ كتابيه، ولم أدرِ ما حسابيه؛ قال تعالى:

(وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )

وأما قوله تعالى: (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) ؛ فقد قال الراغب:

((أي: عمله الذي طار عنه من خيرٍ وشرٍّ)) .

ولكن الظاهر أن المراد بالطائر هنا نصيبه في هذه الدنيا، وما كُتِب له فيها من رزق وعمل ؛ كما في قوله تعالى:

( أُوْلَـئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ ) .

يعني: ما كُتِبَ عليهم فيه.









 


قديم 2009-02-11, 15:52   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
سائلة عفو ربها
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية سائلة عفو ربها
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي










قديم 2009-02-19, 12:04   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَيُحَاسِبُ اللهُ الخَلائِقَ، وَيَخْلُو بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ؛ كَمَا وُصِفَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَأَمَّا الْكُفَّارُ؛ فَلا يُحَاسَبُونَ مُحَاسَبَةَ مَنْ تُوزَنُ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ؛ فَإِنَّهُ لاَ حَسَنَاتَ لَهُمْ، وَلَكِنْ تُعَدُّ أَعْمَالُهُمْ، فَتُحْصَى، فَيُوقَفُونَ عَلَيْهَا وَيُقَرَّرُونَ بِهَا .

/ش/ قولـه: ((ويحاسب الله الخلائقَ…)) إلخ؛ المراد بتلك المحاسبة تذكيرهم وإنباؤهم بما قدَّموه من خير وشرٍّ أحصَاه الله ونسوه؛ قال تعالى:

( ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ).

وفي الحديث الصحيح:

((مَن نوقِشَ الحساب عُذِّب)).

فقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! أوليس الله يقول: (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) ؟

فقال: ((إنَّما ذلك العرض، ولكن مَن نوقش الحساب يهلك))

وأما قولـه: ((ويخلو بعبده المؤمن))؛ فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الله عز وجل يُدني منه عبده المؤمن، فيضع عليه كَنَفَه، ويحاسبه فيما بينه وبينه، ويقرِّره بذنوبه، فيقول: ألم تفعل كذا يوم كذا؟ ألم تفعل كذا يوم كذا؟ حتى إذا قرَّره بذنوبه، وأيقن أنه قد هلك؛ قال لـه: سترتُها عليك في الدِّنيا وأنا أغفرها لك اليوم .

وأما قولـه: ((فإنه لا حسنات لهم))؛ يعني: الكفار؛ لقوله تعالى:

(وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا )،

وقولـه: (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ).

والصحيح [أن] أعمال الخير التي يعملها الكافر يجازى بها في الدنيا فقط، حتى إذا جاء يوم القيامة وجد صحيفة حسناته بيضاء.

وقيل: يخفَّف بها عنه من عذاب غير الكفر.



وَفِي [عَرَصَاتِ] الْقِيَامَةِ الْحَوضُ الْمَوْرُودُ لِلنَّبِيِّ ، ماؤُه أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ، طُولُهُ شَهْرٌ، وَعَرْضُهُ شَهْرٌ، مَن يَّشْرَبُ مِنْهُ شَرْبَةً؛ لاَ يَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا ).
/ش/ وأما قولـه: ((في عَرَصَات القيامة…))؛ فإن الأحاديث الواردة في ذكر الحوض تبلغ حدَّ التواتر، رواها من الصحابة بضعٌ وثلاثون صحابيًّا ، فمَن أنكره؛ فأَخْلِق به أن يُحالَ بينه وبين وروده يوم العطش الأكبر، وقد ورد في أحاديث:

((إن لكل نبيٍّ حوضًا))

ولكن حوض نبيِّنا أعظمها وأحلاها وأكثرها واردًا.

جعلنا الله منهم بفضله وكرمه.










قديم 2009-03-30, 06:23   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَالصِّرَاطُ مَنْصُوبٌ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وَهُوَ الْجِسْرُ الَّذِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، يَمُرُّ النَّاسُ [عَلَيْهِ] عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِم
ْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ، وَمِنْهُم مَن يَمُرُّ كَالْبَرْقِ، وَمِنْهُم مَن يَمُرُّ كَالرِّيحِ، ومِنْهُم مَن يَمُرُّ كَالْفَرَسِ الْجَوَادِ، وَمِنْهُم مَن يَمُرُّ كَرِكَابِ الإِبِلِ، ومِنْهُم مَن يَعْدُو عَدْوًا، وَمِنْهُم مَن يَمْشِي مَشْيًا، وَمِنْهُم مَن يَزْحَفُ زَحْفًا، وَمَنْهُم مَن يُخْطَفُ خَطْفًا وَيُلْقَى فِي جَهَنَّمَ؛ فَإِنَّ الْجِسرَ عَلَيْهِ كَلاَلِيبُ تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِم، فَمَنْ مَرَّ عَلَى الصِّرَاطِ؛ دَخَلَ الْجَنَّةَ.

فَإِذَا عَبَرُوا عَلَيْهِ؛ وَقَفُوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِم مِّن بَعْضٍ، فَإِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا؛ أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ .

/ش/ قولـه: ((والصراط منصوبٌ…)) إلخ. أصل الصراط الطريق الواسع؛ قيل: سمي بذلك لأنه يسترط السابلة؛ أي: يبتلعهم إذا سلكوه، وقد يستعمل في الطريق المعنوي؛ كما في قوله تعالى: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ).

والصراط الأخروي الذي هو الجسر الممدود على ظهر جهنَّم بين الجنة والنار حقٌّ لا ريب فيه؛ لورود خبر الصادق به، ومَن استقام على صراط الله الذي هو دينه الحق في الدنيا استقام على هذا الصراط في الآخرة، وقد ورد في وصفه أنه: ((أدق من الشعرة، وأحدُّ من السيف))



(وَأَوَّلُ مَن يَّسْتَفْتِحُ بَابَ الْجَنَّةِ مُحَمَّدٌ وَأَوَّلُ مَن يَّدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ الأُمَمِ أُمَّتُهُ).
/ش/ قولـه: ((وأوّل من يستفتح باب الجنة محمّد )؛ يعني: أول من يحرك حلقها طالبًا أن يُفْتَح له بابها؛ كما قال عليه السلام:

((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوَّل مَن تنشقُّ عَنه الأرض ولا فخر، وأنا أوَّل من يحرِّك حلَق الجنة، فأدخلها ويدخلها معي فقراء أمَّتي))

يعني: بعد دخول الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يكون فقراء هذه الأمة أول الناس دخولاً الجنة.



(وَلَه فِي الْقِيَامَةِ ثَلاثُ شَفَاعَاتٍ:
أَمَّا الشَّفَاعَةُ الأُوْلَى؛ فَيَشفَعُ فَي أَهْلِ الْمَوْقِفِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَهُمْ بَعْدَ أَنْ يَتَرَاجَعَ الأَنْبِيَاءُ؛ آدَمُ، وَنُوحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَمُوسَى، وَعِيسى ابْنُ مَرْيَمَ عَنِ الشَّفَاعَةِ حَتَّى تَنْتَهِيَ إلَيْهِ.

وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ الثَّانِيَةُ؛ فَيَشْفَعُ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ أَن يَّدْخُلُوا الْجَنَّة.

وَهَاتَانَ الشَّفَاعَتَانِ خَاصَّتَانِ لَهُ.

وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ الثَّالِثَةُ؛ فَيَشْفَعُ فِيمَنِ اسْتَحَقَّ النَّارَ، وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ لَهُ وَلِسَائِرِ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَغَيْرِهِمْ، فَيَشْفَعُ فِيمَنِ اسْتَحَقَّ النَّارَ أَن لاَّ يَدْخُلَهَا، وَيَشْفَعُ فِيمَنْ دَخَلَهَا أَن يَّخْرُجَ مِنْهَا.

وَيُخْرِجُ اللهُ مِنَ النَّارِ أَقْوَامًا بِغِيرِ شَفَاعَةٍ؛ بَلْ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَيَبْقَى فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ عَمَّنْ دَخَلَهَا مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، فَيُنْشِئُ اللهُ لَهَا أَقْوَامًا فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ) .

/ش/ وأما قولـه: ((وله في القيامة ثلاث شفاعات))؛ فأصل الشفاعة من قولنا: شفع كذا بكذا إذا ضمّه إليه، وسمي الشافع شافعًا لأنه يضمُّ طلبه ورجاءه إلى طلب المشفوع له.

والشفاعة من الأمور التي ثبتت بالكتاب والسنة، وأحاديثها متواترة؛ قال تعالى:

(مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ(

فنفي الشفاعة بلا إذن إثباتٌ للشفاعة من بعد الإذن.

قال تعالى عن الملائكة:

(وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى ).

فبيَّن الله الشفاعة الصحيحة، وهي التي تكون بإذنه، ولمن يرتضي قوله وعمله.

وأما ما يتمسَّك به الخوارج والمعتزلة في نفي الشفاعة من مثل قوله تعالى: (فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ )،( وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ )،(فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ).. إلخ؛ فإن الشفاعة المنفيَّة هنا هي الشفاعة في أهل الشرك، وكذلك الشفاعة الشركية التي يثبتها المشركون لأصنامهم، ويثبتها النصارى للمسيح والرهبان، وهي التي تكون بغير إذن الله ورضاه.

وأما قولـه: ((أما الشفاعة الأولى؛ فيشفع في أهل الموقف حتى يُقضى بينهم))؛ فهذه هي الشفاعة العظمى، وهي المقام المحمود الذي يغبطه به النبيُّون، والذي وعده الله أن يبعثه إياه بقولـه:

(عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ).

يعني: يحمده عليه أهل الموقف جميعًا.

وقد أمرنا نبيُّنا ( إذا سمعنا النداء أن نقول بعد الصلاة عليه:

((اللهم ربَّ هذه الدعوة التَّامَّة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدتَه)) .

وأما قولـه: ((وأما الشفاعة الثانية؛ فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة))؛ يعني: أنهم ـ وقد استحقُّوا دخول الجنة ـ لا يؤذن لهم بدخولها إلا بعد شفاعته .

وأما قولـه: ((وهاتان الشفاعتان خاصَّتان لـه))؛ يعني: الشفاعة في أهل الموقف، والشفاعة في أهل الجنة أن يدخلوها.

وتنضمُّ إليهما ثالثة، وهي شفاعته في تخفيف العذاب عن بعض المشركين؛ كما في شفاعته لعمه أبي طالب، فيكون في ضحضاح من نار؛ كما ورد بذلك الحديث

وأما قولـه: ((وأما الشفاعة الثالثة؛ فيشفع فيمن استحقَّ النار…)) إلخ. وهذه هي الشفاعة التي ينكرها الخوارج والمعتزلة؛ فإن مذهبهم أن مَن استحقَّ النار؛ لا بدَّ أن يدخُلَها، ومن دخلها؛ لا يخرج منها لا بشفاعة ولا بغيرها.

والأحاديث المستفيضة المتواترة تردُّ على زعمهم وتبطله .



وَأَصْنَافُ مَا تَضَمَّنَتْهُ الدَّارُ الآخِرَةُ مِنَ الْحِسَابِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَتَفَاصِيلُ ذَلِكَ مَذْكُورَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنَ السَّمَاءِ
، وَالآثَارِ مِنَ الْعِلْمِ الْمَأْثُورِ عَنِ الأَنْبِيَاءِ، وَفِي الْعِلْمِ الْمَوْرُوثِ عَنْ مُحَمَّدٍ ( مِنْ ذَلِكَ مَا يَشْفِي وَيَكْفِي، فَمَنِ ابْتَغَاهُ وَجَدَهُ).

/ش/ وأما قولـه: ((وأصناف ما تضمَّنَتْهُ الدار الآخرة من الحساب…)) إلخ؛ فاعلم أن أصل الجزاء على الأعمال خيرها وشرّها ثابتٌ بالعقل كما هو ثابتٌ بالسمع، وقد نبَّه الله العقول إلى ذلك في مواضع كثيرة من كتابه؛ مثل قوله تعالى:

(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ )، (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ).

فإنه لا يليق في حكمة الحكيم أن يـترك النـاس سُدًى مهمَلين، ولا يؤمرون، ولا يُنْهَون، ولا يُثابون ولا يُعاقبون؛ كما لا يليق بعدله وحكمته أن يسوي بين المؤمن والكافر، والبر والفاجر؛ كما قال تعالى:

(أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ).

فإن العقول الصحيحة تأبى ذلك وتنكره أشدَّ الإنكار.

وكذلك نبَّههُم الله على ذلك بما أوقعه من أيامه في الدنيا من إكرام الطائعين، وخذلان الطاغين.

وأما تفاصيل الأجزية ومقاديرها؛ فلا يدرك إلا بالسمع والنقول الصحيحة عن المعصوم الذي لا يَنْطِقُ عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.










قديم 2009-04-20, 08:29   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


وَتُؤْمِنُ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. وَالإِيمَانُ بِالْقَدَرِ عَلَى دَرَجَتَينِ؛ كُلُّ دَرَجَةٍ تَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ).
/ش/ والإيمان بالقدر خيره وشره من الله تبارك وتعالى أحدُ الأركان الستَّة التي يدور عليها فَلَكُ الإيمان؛ كما دلَّ عليه حديث جبريل وغيره، وكما دلَّت عليه الآيات الصريحة من كتاب الله عزّ وجلّ.


وقد ذكر المؤلِّف هنا أن الإيمان بالقدر على درجتين، وأنّ كلاًّ منهما تتضمن شيئين:



(فَالدَّرَجَةُ الأُولَى: الإيمَانُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى [عَلِيمٌ بِالْخَلْقِ وَهُمْ] عَامِلُونَ بِعِلْمِهِ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ أَزَلاً وَأَبَدًا
، وَعَلِمَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِم مِّنَ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي وَالأَرْزَاقِ وَالآجَالِ، ثُمَّ كَتَبَ اللهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ.

فَأَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

فَمَا أَصَابَ الإِنْسَانَ لَمْ يَكُن لِّيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُن لِّيُصِيبَهُ، جَفَّتِ الأَقْلاَمُ، وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )، وَقَالَمَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ

وَهَذَا التَّقْدِيرُ التَّابِعُ لِعِلْمِهِ سُبْحَانَهُ يَكُونُ فِي مَوَاضِعَ جُمْلَةً وَتَفْصيِلاً:

فَقَدْ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَا شَاءَ.

وَإِذَا خَلَقَ جَسَدَ الْجَنِينِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ؛ بَعَثَ إِلَيْهِ مَلَكًا، فَيُؤْمَرُ بِأْرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ: رِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَعَمَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ. وَنَحْوَ ذَلِكَ…

فَهَذَا التَّقْدِيرُ قَدْ كَانَ يُنْكِرُهُ غُلاةُ الْقَدَرِيَّةِ قَدِيمًا، وَمُنْكِرُهُ الْيَوْمَ قَلِيلٌ) .

/ش/ فالدرجة الأولى تتضمَّن:

أَوَّلاً: الإيمــان بعلمه القديم المحيط بجميع الأشياء، وأنه تعالى عَلم بهذا العلم القديم الموصوف به أزلاً وأبدًا كلَّ ما سيعمله الخلق فيما لا يزال، وعلم به جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال.

فكل ما يوجد من أعيان وأوصاف ويقع من أفعال وأحداث فهو مطابقٌ لما علمه الله عز وجل أزلاً.

ثانيًا: أن الله كتب ذلك كله وسجَّله في اللوح المحفوظ، فما علم الله كونه ووقوعه من مقادير الخلائق وأصناف الموجودات وما يتبع ذلك من الأحوال والأوصاف والأفعال ودقيق الأمور وجليلها قد أمر القلم بكتابته؛ كما قال :

((قدَّر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)) .

وكما قال في الحديث الذي ذكره المؤلف:

((إن أول ما خلق الله القلم؛ قال لـه: اكتب. قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)) .

و(أولَ) هنا بالنصب على الظرفية، والعامل فيه (قال)؛ أي: قال له ذلك أول ما خلقه.

وقد روي بالرفع على أنه مبتدأ، وخبره القلم.

ولهذا اختلف العلماء في العرش والقلم؛ أيهما خُلَقَ أولاً .

وحكى العلامة ابن القيّم في ذلك قولين، واختار أن العرش مخلوقٌ قبل القلم. قال في ((النونية))

((وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِي الْقَلَمِ الَّذي

كُتِبَ الْقَضَاءُ بِهِ مِنَ الدَّيَّانِ

هَلْ كَانَ قَبْلَ الْعَرْشِ أَوْ هُوَ بَعْدَهُ

قَوْلانِ عِنْدَ أَبِي الْعَلاَ الْهَمَدَانِي

وَالْحَقُّ أَنَّ الْعَرْشَ قَبْلُ لأَنَّهُ

[وَقْتَ] الْكِتَابَةِ كَانَ ذَا أَرْكَانِ

وَكَتَابَةُ الْقَلَمِ الشَّرِيفِ تَعَقَّبَتْ

إِيجَادَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلِ زَمَانِ))

وإذا كان القلم قد جرى بكلِّ ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة بكل ما يقع من كائنات وأحداث؛ فهو مطابق لما كتب فيه، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه؛ كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما وغيره .

وهذا التقدير التابع للعلم القديم تارة يكون جملةً؛ كما في اللوح المحفوظ؛ فإن فيه مقادير كل شيء، ويكون في مواضع تفصيلاً يخصُّ كل فردٍ؛ كما في الكلمات الأربع التي يؤمر الملك بكتابتها عند نفخ الروح في الجنين؛ يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقيٌّ أم سعيد .

فهذا تقديرٌ خاصٌّ، وهذا التقدير السابق على وجود الأشياء قد كان ينكره غلاة القدرية قديمًا؛ مثل: معبد الجهني ، وغَيلان الدِّمشقي ، وكانوا يقولون: إن الأمر أنف.

ومنكر هذه الدرجة من القدر كافر؛ لأنه أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع.











آخر تعديل ليتيم الشافعي 2009-04-20 في 09:28.
قديم 2009-04-21, 22:44   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
taha178
عضو برونزي
 
الصورة الرمزية taha178
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ادعو الله لك ولنا أن يغفر ذنوبنا ويقضي عنا ديننا ويختم بالصالحات اعمالنا










قديم 2009-04-22, 10:09   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة taha178 مشاهدة المشاركة
ادعو الله لك ولنا أن يغفر ذنوبنا ويقضي عنا ديننا ويختم بالصالحات اعمالنا
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا

إن شاء الله









قديم 2009-04-25, 23:25   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وفيك بارك الرحمان أسأل الله لك العفو والعافية فى الدنيا والآخرة










قديم 2009-05-04, 09:34   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ؛ فَهِيَ مَشِيئَةُ اللهِ النَّافِذَةُ، وَقُدْرَتُهُ الشَّامِلَةُ
، وَهُوَ: الإِيمَانُ بِأَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ حَرَكَةٍ وَلاَ سُكُونٍ؛ إلاَّ بِمَشِيئَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ، [لاَ يَكُونُ فِي مُلْكِهِ مَا لاَ يُرِيدُ] ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ، فَمَا مِنْ مَخْلُوقٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ إلاَّ اللهُ خَالِقُهُ سُبْحَانَهُ، لا خَالِقَ غَيْرُهُ، وَلاَ رَبَّ سِوَاهُ.

وَمَعَ ذَلِكَ؛ فَقَدْ أَمَرَ الْعِبَادَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رُسُلِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ.

وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ وَالْمُقْسِطِينَ، وَيَرْضَى عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَلا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ، وَلاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ، وَلاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ، وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهُ الْكُفْرَ، وَلاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ).

/ش/قولـه(وأما الدرجة الثانية من القدر..)) إلخ؛ فهي تتضمن شيئين أيضًا:

أولهما: الإيمان بعموم مشيئته تعالى، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا يقع في ملكه ما لا يريد، وأن أفعال العباد من الطاعات والمعاصي واقعة بتلك المشيئة العامة التي لا يخرج عنها كائنٌ؛ سواءً كان مما يحبه الله ويرضاه أم لا.

وثانيهما: الإيمان بأن جميع الأشياء واقعة بقدرة الله تعالى، وأنها مخلوقة لـه؛ لا خالق لها سواه، لا فرق في ذلك بين أفعال العباد وغيرها؛ كما قال تعالى:

(وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ).

ويجبُ الإيمان بالأمر الشرعيّ، وأن الله تعالى كلَّف العباد، فأمرهم بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته.

ولا منافاة أصلاً بين ما ثبت من عموم مشيئته سبحانه لجميع الأشياء وبين تكليفه العباد بما شاء من أمر ونهيٍ؛ فإن تلك المشيئة لا تنافي حرية العبد واختياره للفعل، ولهذا جمع الله بين المشيئتين بقولـه:

(لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ).

كما أنه لا تلازمَ بين تلك المشيئة وبين الأمر الشرعيّ المتعلِّق بما يحبه الله ويرضاه، فقد يشاء الله ما لا يحبُّه، ويحبُّ ما لا يشاء كونه:

فالأول: كمشيئته وجود إبليس وجنوده.

والثاني: كمحبة إيمان الكفار، وطاعات الفجَّار، وعدل الظالمين، وتوبة الفاسقين، ولو شاء ذلك؛ لوجد كله؛ فإنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.



(وَالْعِبَادُ فَاعِلُونَ حَقِيقَةً، وَاللَّهُ [خَلَقَ] أَفْعَالَهُمْ. وَالْعَبْدُ هُوَ: الْمُؤْمِنُ، وَالْكَافِرُ، وَالْبَرُّ، وَالْفَاجِرُ، وَالْمُصَلِّي، وَالصَّائِمُ.
وِلِلْعِبَادِ قُدْرَةٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، [وَلَهُمْ إِرَادَةٌ، وَاللهُ خَالِقُهُمْ وَقُدْرَتِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ] ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ).

/ش/ وكذلك لا منافاة بين عموم خلقه تعالى لجميع الأشياء، وبين كون العبد فاعلاً لفعله؛ فالعبد هو الذي يوصَفُ بفعله، فهو المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم، والله خالقه، وخالق فعله؛ لأنه هو الذي خلق فيه القدرة والإرادة اللتين بهما يفعل.

يقول العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي غفر الله له وأجزل مثوبته:

((إن العبد إذا صلَّى، وصام، وفعل الخير، أو عمل شيئًا من المعاصي؛ كان هو الفاعل لذلك العمل الصالح، وذلك العمل السيء, وفعله المذكور بلا ريب قد وقع باختياره، وهو يحسُّ ضرورة أنه غير مجبور على الفعل أو الترك، وأنه لو شاء لم يفعل، وكان هذا هو الواقع؛ فهو الذي نصَّ الله عليه في كتابه، ونصَّ عليه رسوله؛ حيث أضاف الأعمال صالحها وسيئها إلى العباد، وأخبر أنهم الفاعلون لها، وأنهم ممدوحون عليها ـ إن كانت صالحة ـ ومثابون، وملومون عليها ـ إن كانت سيئة ـ ومعاقبون عليها.

فقد تبيَّن بلا ريب أنها واقعة منهم باختيارهم، وأنهم إذا شاؤوا فعلوا، وإذا شاؤوا تركوا، وأن هذا الأمر ثابت عقلاً وحسًّا وشرعًا ومشاهدةً.

ومع ذلك؛ إذا أردت أن تعرف أنها وإن كانت كذلك واقعة منهم كيف تكون داخلة في القدر، وكيف تشملها المشيئة؟! فيقال: بأي شيء وقعت هذه الأعمال الصادرة من العباد خيرها وشرها؟ فيقال: بقدرتهم وإرادتهم؛ هذا يعترف به كل أحد. فيقال: ومن خلق قدرتهم وإرادتهم ومشيئتهم؟ فالجواب الذي يعترف به كل أحد أن الله هو الذي خلق قدرتهم وإرادتهم، والذي خلق ما به تقع الأفعال هو الخالق للأفعال.

فهذا هو الذي يحلُّ الإشكال، ويتمكَّن العبد أن يعقل بقلبه اجتماع القدر والقضاء والاختيار.

ومع ذلك فهو تعالى أمدَّ المؤمنين بأسباب وألطاف وإعانات متنوِّعة وصرف عنهم الموانع؛ كما قال :

((أما من كان من أهل السعادة؛ فسييسر لعمل أهل السعادة)) .

وكذلك خذل الفاسقين،ووكلهم إلى أنفسهم؛ لأنهم لم يؤمنوا به، ولم يتوكَّلوا عليه، فولاَّهم ما تولَّوا لأنفسهم)). اهـ

وخلاصة مذهب أهل السنة والجماعة في القدر وأفعال العباد ما دلَّت عليه نصوص الكتاب والسنة من أن الله سبحانه هو الخالق لكل شيء من الأعيان والأوصاف والأفعال وغيرها، وأن مشيئته تعالى عامة شاملة لجميع الكائنات، فلا يقع منها شيء إلا بتلك المشيئة، وأن خلقه سبحانه الأشياء بمشيئته إنما يكون وفقًا لما علمه منها بعلمه القديم، ولما كتبه وقدَّره في اللوح المحفوظ، وأن للعباد قدرة وإرادة تقع بها أفعالهم، وأنهم الفاعلون حقيقة لهذه الأفعال بمحض اختيارهم، وأنهم لهذا يستحقُّون عليها الجزاء: إما بالمدح والمثوبة، وإما بالذم والعقوبة، وأن نسبة هذه الأفعال إلى العباد فعلاً لا ينافي نسبتها إلى الله إيجادًا وخلقًا؛ لأنه هو الخالق لجميع الأسباب التي وقعت بها.










قديم 2009-05-04, 10:07   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ مِنَ الْقَدَرِ يُكَذِّبُ بِهَا عَامَّةُ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ النَّبِيُّ (: مَجُوسَِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَيَغْلُو فِيهَا قَومٌ مِنْ أَهْلِ الإثْبَاتِ، حَتَّى سَلَبُوا الْعَبْدَ قُدْرَتَهُ وَاخْتِيَارَهُ، وَيُخرِجُونَ عَنْ أَفْعَالِ اللهِ وَأَحْكَامِهِ حُكْمَهَا وَمَصَالِحَهَا).
/ش/ وضلَّ في القدر طائفتان؛ كما تقدم:

الطائفة الأولى: القدرية نفاة القدر، الذين هم مجوس هذه الأمة؛ كما ورد ذلك في بعض الأحاديث مرفوعًا وموقوفًا ، وهؤلاء ضلُّوا بالتفريط وإنكار القدر، وزعموا أنه لا يمكن الجمع بين ما هو ثابت بالضرورة من اختيار العبد في فعله ومسؤوليته عنه، وبين ما دلَّت عليه النصوص من عموم خلقه تعالى ومشيئته؛ لأن ذلك العموم في زعمهم إبطال لمسؤولية العبد عن فعله، وهدمٌ للتكاليف، فرجحوا جانب الأمر والنهي، وخصَّصوا النصوص الدَّالة على عموم الخلق والمشيئة بما عدا أفعال العباد، وأثبتوا أن العبد خالق لفعله بقدرته وإرادته، فأثبتوا خالقين غير الله، ولهذا سمُّوا مجوس هذه الأمة؛ لأن المجوس يزعمون أن الشيطان يخلق الشر والأشياء المؤذية، فجعلوه خالقًا مع الله، فكذلك هؤلاء جعلوا العباد خالقين مع الله.

والطائفة الثانية: يقال لها: الجبرية، وهؤلاء غَلَوا في إثبات القدر، حتى أنكروا أن يكون للعبد فعل حقيقة، بل هو في زعمهم لا حرية له، ولا اختيار، ولا فعل؛ كالريشة في مهبِّ الرياح، وإنما تُسْنَدُ الأفعال إليه مجازًا، فيقال: صلى، وصام، وقتل، وسرق؛ كما يقال: طلعت الشمس، وجرت الريح، ونزل المطر، فاتهموا ربهم بالظلم وتكليف العباد بما لا قدرة لهم عليه، ومجازاتهم على ما ليس من فعلهم، واتّهموه بالعبث في تكليف العباد، وأبطلوا الحكمة من الأمر والنهي، ألا ساء ما يحكمون.



(فَصْلٌ: وَمِنْ أُصُولِ [أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ] أَنَّ الدِّينَ وَالإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، قَوْلٌ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ ، وَعَمَلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ وَأَنَّ الإيمَانَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَة) .
/ سبق أن ذكرنا في مسألة الأسماء والأحكام أن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان، وأن هذه الثلاثة داخلة في مسمى الإيمان المطلق.

فالإيمان المطلق يدخل فيه جميع الدين: ظاهرُه وباطنُه، أصولُه وفروعُه، فلا يستحقُّ اسم الإيمان المطلق إلا من جمع ذلك كله ولم ينقص منه شيئًا.

ولما كانت الأعمال والأقوال داخلة في مسمى الإيمان؛ كان الإيمانُ قابلاً للزيادة والنقص، فهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ كما هو صريح الأدلة من الكتاب والسنة، وكما هو ظاهرٌ مشاهدٌ من تفاوت المؤمنين في عقائدهم وأعمال قلوبهم وأعمال جوارحهم.

ومن الأدلّة على زيادة الإيمان ونقصه أن الله قسّم المؤمنين ثلاث طبقات، فقال سبحانه:

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ).

فالسابقون بالخيرات هم الذين أدَّوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرَّمات والمكروهات، وهؤلاء هم المقرَّبون.

والمقتصدون هم الذين اقتصروا على أداء الواجبات وترك المحرَّمات.

والظالمون لأنفسهم هم الذين اجترؤوا على بعض المحرَّمات وقصَّروا ببعض الواجبات مع بقاء أصل الإيمان معهم.

ومن وجوه زيادته ونقصه كذلك أن المؤمنين متفاوتون في علوم الإيمان، فمنهم من وصل إليه من تفاصيله وعقائده خيرٌ كثيرٌ، فازداد به إيمانه، وتمَّ يقينُه، ومنهم من هو دون ذلك، حتى يبلغ الحالُ ببعضهم أن لا يكون معه إلا إيمانٌ إجماليٌّ لم يتيسّر له من التفاصيل شيء، وهو مع ذلك مؤمن.

وكذلك هم متفاوتون في كثير من أعمال القلوب والجوارح، وكثرة الطاعات وقلتها.

وأما من ذهب إلى أن الإيمان مجرَّد التصديق بالقلب، وأنه غير قابل للزيادة أو النقص؛ كما يُروى عن أبي حنيفة وغيره؛ فهو محجوجٌ بما ذكرنا من الأدلة، قال عليه السلام:

((الإيمان بضعٌ وسبعون شعبةً؛ أعلاها: قول: لا إله إلاّ الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق))












قديم 2009-05-04, 10:13   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لا يُكَفِّرُونَ أَهْلَ الْقِبْلَةِ بِمُطْلَقِ الْمَعَاصِي وَالْكَبَائِرِ؛ كَمَا يَفْعَلُهُ الْخَوَارَجُ ؛ بَلِ الأُخُوَّةُ الإِيمَانِيَّةُ ثَابِتَةٌ مَعَ الْمَعَاصِي؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوف )
، وَقَالَ: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )،(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم ).

/ش/ ومع أن الإيمان المطلق مركَّب من الأقوال والأعمال والاعتقادات؛ فهي ليست كلها بدرجة واحدة؛ بل العقائد أصلٌ في الإيمان، فمَن أنكر شيئًا مما يجب اعتقاده في الله أو ملائكته أو كتبه أو رسله أو اليوم الآخر أو مما هو معلومٌ من الدين بالضرورة؛ كوجوب الصلاة، والزكاة، وحرمة الزنا والقتل… إلخ؛ فهو كافرٌ، قد خرج من الإيمان بهذا الإنكار.



(وَلاَ يَسْلُبُونَ الْفَاسِقَ الْمِلِّيَّ [ اسْمَ الإِيمَانِ] ) بِالْكُلِّيَّةِ، وَلاَ يُخَلِّدُونَهُ فِي النَّار؛ كَمَا تَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ.
بَلِ الْفَاسِقُ يَدْخُلُ فِي اسْمِ الإيمَانِ ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ).

وَقَدْ لاَ يَدْخُلُ فِي اسْمِ الإِيمَانِ الْمُطْلَقِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا (()، وَقَوْلُهُ (: ((لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نَهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)) .

[وَيَقُولُونَ] : هُوَ مُؤْمِنٌ نَاقِصُ الإِيمَانِ، أَوْ مُؤْمِنٌ بِإِيمَانِهِ فَاسِقٌ بِكَبِيرَتِهِ، فَلاَ يُعْطَى الاسْمَ الْمُطْلَقَ، وَلاَ يُسْلَبُ مُطْلَقَ الاسْمِ).

/ش/ وأما الفاسق المِلِّي الذي يرتكب بعض الكبائر مع اعتقاده حرمتها؛ فأهل السنة والجماعة لا يسلبون عنه اسم الإيمان بالكلِّيَّة، ولا يخلِّدونه في النار؛ كما تقول المعتزلة والخوارج، بل هو عندهم مؤمنٌ ناقص الإيمان، قد نقص من إيمانه بقدر معصيته، أو هو مؤمنٌ فاسقٌ، لا يعطونه اسم الإيمان المطلق،ولا يسلبونه مطلق الإيمان.

وأدلَّة الكتاب والسنَّة دالَّةٌ على ما ذكره المؤلف رحمه الله من ثبوت مطلق الإيمان مع المعصية؛ قال تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء ).

فناداهم باسم الإيمان، مع وجود المعصية، وهي موالاة الكفار منهم.. إلخ.

فائدة: الإيمان والإسلام الشرعيَّان متلازمان في الوجود، فلا يوجد أحدهما بدون الآخر، بل كلما وجد إيمانٌ صحيحٌ معتدٌّ به، وُجِدَ معه إسلامٌ، وكذلك العكس، ولهذا قد يُسْتَغْنى بذكر أحدهما عن الآخر؛ لأن أحدهما إذا أفرد بالذكر؛ دخل فيه الآخر، وأما إذا ذُكِرا معًا مقترنين؛ أُريد بالإيمان التصديق والاعتقاد، وأُريد بالإسلام الانقياد الظاهري من الإقرار باللسان وعمل الجوارح.

ولكن هذا بالنسبة إلى مطلق الإيمان، أما الإيمان المطلق؛ فهو أخصُّ مطلقًا من الإسلام، وقد يوجد الإسلام بدونه؛ كما في قوله تعالى:

( قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا ).

فأخبر بإسلامهم مع نفي الإيمان عنهم .

وفي حديث جبريل ذكر المراتب الثلاث: الإسلام، والإيمان، والإحسان، فدل على أن كلاًّ منها أخصُّ مما قبله.









قديم 2009-05-05, 09:53   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

فَصْلٌ: وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ سَلاَمَةُ قُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ لأَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ
كَمَا وَصَفَهُمُ اللهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )، وَطَاعَةُ النَّبِيِّ ( فِي قَوْلِهِ: ((لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهُ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ)) .

وَيَقْبَلُونَ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسَّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ مِنْ فَضَائِلِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ).

/ش/ يقول المؤلِّف : إن من أصول أهل السنة والجماعة التي فارقوا بها مَن عداهم من أهل الزيغ والضلال أنهم لا يُزْرون بأحد من أصحاب رسول الله (، ولا يطعنون عليه، ولا يحملون له حقدًا ولا بغضًا ولا احتقارًا، فقلوبهم وألسنتهم من ذلك كله براء، ولا يقولون فيهم إلا ما حكاه الله عنهم بقولـه:

( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ) الآية.

فهذا الدعاء الصادر ممَّن جاء بعدهم ممَّن اتَّبعوهم بإحسان يدلُّ على كمال محبَّتهم لأصحاب رسول الله وثنائهم عليهم، وهم أهل لذلك الحب والتكريم؛ لفضلهم، وسبقهم، وعظيم سابقتهم، واختصاصهم بالرسول ولإحسانهم إلى جميع الأمة؛ لأنهم هُمْ المبلِّغون لهم جميع ما جاء به نبيُّهم فما وصل لأحدٍ علمٌ ولا خبرٌ إلا بواسطتهم، وهم يوقِّرُونهم أيضًا طاعةً للنبي حيث نهى عن سبهم والغضِّ منهم، وبيَّن أن العمل القليل من أحد أصحابه يفضل العمل الكثير من غيرهم، وذلك لكمال إخلاصهم، وصادق إيمانهم.



وَيُفَضِّلُونَ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ـ وَهُوَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ ـ وَقَاتَلَ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلَ.
وَيُقَدِّمُونَ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى الأَنْصَارِ.

وَيُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللهَ قَالَ لأَهْلِ بَدْرٍ ـ وَكَانُوا ثَلاثَ مِئَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَـ: ((اعْمَلُوا مَا شِئْتُم. فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ)) .

وَبِأَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ؛ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ )، بَلْ لَقَدْ رَضَيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِ مِئَةٍ .

وَيَشْهَدُونَ بِالْجَنَّةِ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللهِ (، كَالْعَشَرَةِ، وَثَابِتِ بْنِ قِيْسِ بنِ شَمَّاسٍ، وَغَيْرِهِم مِّنَ الصَّحَابَةِ).

/ش/ وأما قولـه: ((ويفضِّلون مَن أنفق من قبل الفتح ـ وهو صلح الحديبية ـ وقاتل على مَن أنفق من بعده وقاتل))؛ فلورود النص القرآن بذلك، قال تعالى في سورة الحديد:

(لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ).

وأما تفسير الفتح بصلح الحُديبية؛ فذلك هو المشهور، وقد صحَّ أن سورة الفتح نزلت عقيبه .

وسمي هذا الصلح فتحًا؛ لما ترتَّب عليه من نتائج بعيدة المدى في عزَّة الإسلام، وقوَّته وانتشاره، ودخول الناس فيه.

وأما قولـه: ((ويقدِّمون المهاجرين على الأنصار))؛ فلأن المهاجرين جمعوا الوصفين: النصرة والهجرة، ولهذا كان الخلفاء الراشدون وبقية العشرة من المهاجرين، وقد جاء القرآن بتقديم المهاجرين على الأنصار في سورة التوبة والحشر ، وهذا التفضيل إنما هو للجملة على الجملة، فلا ينافي أن في الأنصار مَن هو أفضل من بعض المهاجرين.

وقد رُوي عن أبي بكر أنه قال في خطبته يوم السقيفة:

((نحن المهاجرون، وأول الناس إسلامًا، أسلمنا قبلكم، وقُدِّمْنا في القرآن عليكم، فنحن الأمراء، وأنتم الوزراء)) .

وأما قولـه: ((ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر...)) إلخ؛ فقد ورد أن عمر رضي الله عنه لما أراد قتل حاطب بن أبي بلتعة وكان قد شهد بدرًا لكتابته كتابًا إلى قريش يخبرهم فيه بمسير الرسول ، فقال لـه الرسول :

((وما يُدريك يا عمر؟ لعلَّ الله اطَّلع على أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)).

وأما قوله: ((وبأنه لا يدخل النار أحدٌ بايع تحت الشجرة…)) إلخ؛ فلإخباره بذلك، ولقوله تعالى:

(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة ) الآية

فهذا الرضا مانعٌ من إرادة تعذيبهم، ومستلزمٌ لإكرامهم ومثوبتهم.

وأما قولـه: ((ويشهدون بالجنة لمن شهد لـه الرسول كالعشرة، وثابت بن قيس بن شماس، وغيرهم من الصحابة)).

أما العشرة؛ فهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عُبيدة بن الجراح .

وأما غيرهم؛ فكثابت بن قيس ، وعُكَّاشة بن محصن ، وعبد الله بن سلام ، وكل مَن ورد الخبر الصحيح بأنه من أهل الجنة .



وَيُقِرُّونَ بِمَا تَوَاتَرَ بِهِ النَّقْلُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهـَا : أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ.
وَيُثَلِّثُونَ بِعُثْمَانَ، وَيُرَبِّعُونَ بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ؛ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآثَارُ، وَكَمَا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ فِي الْبَيْعَةِ.

مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضَيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ـ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقَدَّمَ قَوْمٌ عُثْمَانَ: وَسَكَتُوا، أَوْ رَبَّعُوا بِعَلِيٍّ، وَقَدَّم قَوْمٌ عَلِيًّا، وَقَوْمٌ تَوَقَّفُوا.

لَكِنِ اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ، ثُمَّ عَلِيٍّ.

وَإِنْ كَانَتْ هَذِه الْمَسْأَلَةُ ـ مَسْأَلَةُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ـ لَيْسَتْ مِنَ الأُصُولِ الَّتِي يُضَلَّلُ الْمُخَالِفُ فِيهَا عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ.

[لَكِنِ الَّتِي يُضَلَّلُ فِيهَا: مَسْأَلَةُ] الْخِلاَفَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ أَنَّ الْخَلِيفَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ : أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ.

وَمَنْ طَعَنَ فِي خِلاَفَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاءِ؛ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ).

/ش/ وأما قولـه: ((ويؤمنون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وغيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيِّها أبو بكر وعمر)) فقد ورد أن عليًّا رضي الله عنه قال ذلك على منبر الكوفة، وسمعه منه الجم الغفير؛ وكان يقول:

((ما مات رسول الله حتى علمنا أن أفضلنا بعده أبو بكر، وما مات أبو بكر حتى علمنا أن أفضلنا بعده عمر)) .

وأما قولـه: ((ويُثَلِّثون بعثمان، ويربَّعون بعليٍّ..)) إلخ؛ فمذهب جمهور أهل السنة أن ترتيب الخلفاء الراشدين في الفضل على حسب ترتيبهم في الخلافة، وهم لهذا يفضِّلون عثمان على علي، محتجِّين بتقديم الصحابة عثمان في البيعة على عليٍّ.

وبعض أهل السنة يفضِّل عليًّا؛ لأنه يرى أن ما ورد من الآثار في مزايا عليٍّ ومناقبه أكثر.

وبعضهم يتوقَّف في ذلك.

وعلى كل حالٍ فمسألة التفضيل ليست ـ كما قال المؤلف ـ من مسائل الأصول التي يُضلَّل فيها المخالف، وإنما هي مسألة فرعيَّة يتَّسع لها الخلاف.

وأما مسألة الخلافة؛ فيجب الاعتقاد بأن خلافة عثمان كانت صحيحة؛ لأنها كانت بمشورة من الستة ، الذين عيَّنهم عمر رضي الله عنه ليختاروا الخليفة من بعده، فمن زعم أن خلافة عثمان كانت باطلة، وأن عليًّا كان أحق بالخلافة منه؛ فهو مبتدعٌ ضالٌّ يغلب عليه التشيُّع؛ مع ما في قولـه من إزراءٍ بالمهاجرين والأنصار.



وَيُحِبُّونَ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ ، وَيَتَوَلَّوْنَهُمْ، وَيَحْفَظُونَ فِيهِمْ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ :
حَيْثُ قَالَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ:

[أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي] .

وَقَالَ أَيْضًا لِلْعَبَّاسِ عَمِّه ـ وَقَدِ اشْتَكَى إِلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ قُرَيْشٍ يَجْفُو بَنِي هَاشِمٍ ـ فَقَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحِبُّوكُمْ؛ للهِ وَلِقَرَابَتِي)) .

وَقَالَ: ((إِنَّ اللهَ اصْطَفَى بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي إسْمَاعِيلَ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ))

/ش/ أهل بيته ( هم مَن تحرُم عليهم الصدقة، وهم: آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل العباس، وكلهم من بني هاشم، ويلحق بهم بنو المطلب؛ لقوله عليه السلام:

((إنهم لم يفارقونا جاهليَّةً ولا إسلامًا)) .

فأهل السنة والجماعة يرعون لهم حرمتهم وقرابتهم من رسول الله كما يحبونهم لإسلامهم، وسبقهم، وحسن بلائهم في نصرة دين الله عز وجل.

و((غدير خُم)) ـ بضم الخاء ـ؛ قيل: اسم رجل صباغ أضيف إليه الغدير الذي بين مكَّة والمدينة بالجحفة. وقيل: خُم اسم غَيْضَةٍ هناك نُسِب إليها الغدير، والغَيْضَة: الشجر الملتف.

وأما قولـه عليه السلام لعمه: ((والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبُّوكم للـه ولقرابتي))؛ فمعناه: لا يتم إيمان أحدٍ حتى يحب أهل بيت رسول الله ( لله؛ أولاً: لأنهم من أوليائه وأهل طاعته الذين تجب محبتهم وموالاتهم فيه. وثانيًا: لمكانهم من رسول الله، واتصال نسبهم به.



وَيَتَوَلَّوْنَ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُؤْمِنُونَ بَأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الآخِرَةِ:
خُصُوصًا خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أُمَّ أَكْثَرِ أَوْلاَدِهِ، وَأَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَعَاَضَدَهُ عَلَى أَمْرِه، وَكَانَ لَهَا مِنْهُ الْمَنْزِلَةُ الْعَالِيَةُ.

وَالصِّدِّيقَةَ بِنْتَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ : ((فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ)) .

/ش/ أزواجه ( هن مَن تزوجهُنَّ بنكاح، فأولهن خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، تزوَّجها بمكة قبل البعثة، وكانت سِنُّهُ خمسًا وعشرين، وكانت هي تكبره بخمسة عشر عامًا، ولم يتزوَّج عليها حتى توفِّيت، وقد رُزِقَ منها بكل أولاده إلا إبراهيم، وكانت أول من آمن به، وقوَّاه على احتمال أعباء الرسالة، وقد ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين عن خمس وستين سنة، فتزوج بعدها سودة بنت زمعة (رضي الله عنها).

وعقد على عائشة رضي الله عنها، وكانت بنت ست سنين، حتى إذا هاجر إلى المدينة بنى بها وهي بنت تسع.

ومن زوجاته أيضًا أم سلمة رضي الله عنها، تزوجها بعد زوجها أبي سلمة.

وزينب بنت جحش تزوجها بعد تطليق زيد بن حارثة لها، أو على الأصح زوجه الله إياها.

وجويرية بنت الحارث، وصفية بنت حيي، وحفصة بنت عمر، وزينب بنت خزيمة، وكلهن أمهات المؤمنين، وهن أزواجه ( في الآخرة، وأفضلهن على الإطلاق خديجة وعائشة رضي الله عنهما.



(وَيَتَبَرَّؤُونَ مِنْ طَرِيقَةِ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يُبْغِضُونَ الصَّحَابَةَ وَيَسُبُّونَهُمْ. وَطَرِيقَةِ النَّوَاصِبِ الَّذِينَ يُؤْذُونَ أَهْلَ الْبَيْتِ بِقَوْلٍ [أَوْ] عَمَلٍ.
ويُمْسِكُونَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ هَذِهِ الآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي مَسَاوِيهِمْ مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ، وَمَنْهَا مَا قَدْ زِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ وَغُيِّرَ عَنْ وَجْهِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُ هُمْ فِيهِ مَعْذُورُونَ: إِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ، وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ.

وَهُم مَّعَ ذَلِكَ لاَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَنْ كَبَائِرِ الإِثْمِ وَصَغَائِرِهِ، بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الذُّنُوبُ فِي الْجُمْلَةِ.

وَلَهُم مِّنَ السَّوَابِقِ وَالْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ ـ إِنْ صَدَرَ ـ، [حَتَّى إنَّهُمْ] يُغْفَرُ لَهُم مِّنَ السَّيِّئَاتِ مَا لاَ يُغْفَرُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لأَنَّ لَهُم مِّنَ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو السَّيِّئَاتِ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ.

وَقَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ ( أَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ، وَأَنَّ الْمُدَّ مِنْ أَحَدِهِمْ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِمَّن بَعْدَهُمْ.

ثُمَّ إِذَا كَانَ قَدْ صَدَرَ مِنْ أَحَدِهِمْ ذَنْبٌ؛ فَيَكُونُ قَدْ تَابَ مِنْهُ، أَوْ أَتَى بَحَسَنَاتٍ تَمْحُوهُ، أَو غُفِرَ لَهُ؛ بِفَضْلِ سَابِقَتِهِ، أَوْ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ ( الَّذِي هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِشَفَاعَتِهِ، أَوْ ابْتُلِيَ بِبَلاَءٍ فِي الدُّنْيَا كُفِّرَ بِهِ عَنْهُ.

فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الذُّنُوبِ الْمُحَقَّقَةِ؛ فَكَيْفَ [الأُمُورُ] الَّتِي كَانُوا فِيهَا مُجْتَهِدِينَ: إنْ أَصَابُوا؛ فَلَهُمْ أَجْرَانِ، وَإِنْ أَخْطَؤُوا؛ فَلَهُمْ أَجْرٌ وَاحِدٌ، وَالْخَطَأُ مغْفُورٌ.

ثُمَّ إِنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يُنْكَرُ مِنْ فِعْلِ بَعْضِهِمْ قَلِيلٌ نَزْرٌ [مَغْفُورٌ] فِي جَنْبِ فَضَائِلِ الْقَوْمِ وَمَحَاسِنِهِمْ؛ مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ، وَرَسُولِهِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَالْهِجْرَةِ، وَالنُّصْرَةِ، وَالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.

وَمَن نَّظَرَ فِي سِيرَةِ الْقَوْمِ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، وَمَا مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم بِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ؛ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُمْ خِيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الأَنْبِيَـاءِ، لاَ كَانَ وَلا يَكُونُ مِثْلُهُمْ، وَأَنَّهُمُ الصَّفْوَةُ مِنْ قُرُونِ هَذِهِ الأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ).

/ش/ يريد أن أهل السنة والجماعة يتبرؤون من طريقة الروافض التي هي الغلو في عليٍّ وأهل بيته، وبغض مَن عداه من كبار الصحابة،وسبهم، وتكفيرهم.

وأول من سماهم بذلك زيد بن علي رحمه الله لأنهم لما طلبوا منه أن يتبرأ من إمامة الشيخين أبي بكر وعمر ليبايعوه أبى ذلك، فتفرقوا عنه، فقال: ((رفضتموني))، فمن يومئذٍ قيل لهم: رافضة.

وهم فرق كثيرة: منهم الغالية، ومنهم دون ذلك.

ويتبرَّؤُون كذلك من طريقة النواصب الذين ناصَبوا أهل بيت النبوَّة العداء لأسباب وأمور سياسية معروفة، ولم يعد لهؤلاء وجود الآن.

ويمسك أهل السنة والجماعة عن الخوض فيما وقع من نزاع بين الصحابة رضي الله عنهم؛ لا سيما ما وقع بين علي وطلحة والزبـير بعد

مقتل عثمان، وما وقع بعد ذلك بين علي ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم، ويرون أن الآثار المروية في مساوئهم أكثرها كذبٌ أو محرَّفٌ عن وجهه، وأما الصحيح منها؛ فيعذرونهم فيه، ويقولون: إنهم متأولون مجتهدون.

وهم مع ذلك لا يدَّعون لهم العصمة من كبار الذنوب وصغارها، ولكن ما لهم من السوابق والفضائل وصحبة رسول الله ( والجهاد معه قد يوجب مغفرة ما يصدر منهم من زلات؛ فهم بشهادة رسول الله ( خير القرون، وأفضلها، ومُدُّ أحدِهم أو نَصِيفه أفضل من جبل أحدٍ ذَهَبًا يتصدَّق به مَن بعدهم، فسيِّئاتهم مغفورة إلى جانب حسناتهم الكثيرة.

يريد المؤلِّف رحمه الله أن ينفي عن الصحابة رضي الله عنهم أن يكون أحدهم قد مات مصرًّا على ما يوجب سخط الله عليه من الذنوب، بل إذا كان قد صدر الذنب من أحدهم فعلاً؛ فلا يخلو عن أحد هذه الأمور التي ذكرها؛ فإما أن يكون قد تاب منه قبل الموت، أو أتى بحسنات تذهبه وتمحوه، أو غُفر لـه بفضل سالفته في الإسلام؛ كما غُفِر لأهل بدر وأصحاب الشجرة، أو بشفاعة رسول الله وهم أسعد الناس بشفاعته، وأحقُّهم بها، أو ابتلي ببلاء في الدنيا في نفسه أو مالـه أو ولده فَكُفِّر عنه به.

فإذا كان هذا هو ما يجب اعتقاده فيهم بالنسبة إلى ما ارتكبوه من الذنوب المحققة؛ فكيف في الأمور التي هي موضع اجتهاد والخطأ فيها مغفورٌ.

ثم إذا قِيس هذا الذي أخطؤوا فيه إلى جانب مالهم من محاسن وفضائل؛ لم يَعْدُ أن يكون قطرةً في بحر.

فالله الذي اختار نبيه هو الذي اختار لـه هؤلاء الأصحاب، فهم خير الخلق بعد الأنبياء، والصفوة المختارة من هذه الأمة التي هي أفضل الأمم.

ومَن تأمَّل كلام المؤلِّف رحمه الله في شأن الصحابة عجب أشد العجب مما يرميه به الجهلة المتعصِّبُون، وادِّعائهم عليه أنه يتهجَّم على أقدارهم، ويغضُّ من شأنهم، ويخرق إجماعهم… إلى آخر ما قالوه من مزاعم ومفتريات.



وَمِنْ أُصًولِ أَهْلِ السُّنَّةِ: التَّصْدِيقُ بِكَرَامَاتَ الأَوْلِيَاءِ وَمَا يُجْرِي اللهُ عَلَى أَيْدِيهِم مِّنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ فِي أَنْوَاعِ الْعُلُومِ وَالْمُكَاشَفَاتِ وَأَنْوَاعِ الْقُدْرَةِ وَالتَّأْثِيرَات ِ
، [كَالْمَأثُورِ] عَنْ سَالِفِ الأُمَمِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ وَغَيْرِهَا، وَعَنْ صَدْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ [قُرُونِ] الأُمَّةِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ).

/ش/ وقد تواترت نصوص الكتاب والسنة، ودلت الوقائع قديمًا وحديثًا على وقوع كرامات الله لأوليائه المتَّبعين لهدي أنبيائهم.

والكرامة أمر خارقٌ للعادة، يجريه الله على يد وليٍّ من أوليائه ؛ معونةً لـه على أمر دينيٍّ أو دنيويٍّ.

ويفرِّق بينها وبين المعجزة بأنّ المعجزة تكون مقرونة بدعوى الرسالة، بخلاف الكرامة.

ويتضمَّن وقوع هذه الكرامات حكم ومصالح كثيرة؛ أهمها:

أولاً: أنها كالمعجزة، تدل أعظم دلالة على كمال قدرة الله، ونفوذ مشيئته، وأنه فعَّال لما يريد، وأن لـه فوق هذه السنن والأسباب المعتادة سننًا أخرى لا يقع عليها علم البشر، ولا تدركها أعمالهم.

فمن ذلك قصة أصحاب الكهف، والنوم الذي أوقعه الله بهم في تلك المدة الطويلة، مع حفظه تعالى لأبدانهم من التحلل والفناء.

ومنها ما أكرم الله به مريم بنت عمران من إيصال الرزق إليها وهي في المحراب؛ حتى عجب من ذلك زكريا عليه السلام، وسألها: (أَنَّى لَكِ هَـذَا ).

وكذلك حملها بعيسى بلا أب، وولادتها إياه، وكلامه في المهد، وغير ذلك.

ثانيًا: أن وقوع كرامات الأولياء هو في الحقيقة معجزة للأنبياء؛ لأن تلك الكرامات لم تحصل لهم إلا ببركة متابعتهم لأنبيائهم، وسيرهم على هديهم.

ثالثًا: أن كرامات الأولياء هي البشرى التي عجَّلها الله لهم في الدنيا؛ فإن المراد بالبشرى كل أمر يدلُّ على ولايتهم وحسن عاقبتهم، ومن جملة ذلك الكرامات.

هذا؛ ولم تزل الكرامات موجودة لم تنقطع في هذه الأمة إلى يوم القيامة، والمشاهدةُ أكبرُ دليلاً.

وأنكرت الفلاسفةُ كرامات الأولياء كما أنكروا معجزات الأنبياء، وأنكرت الكرامات أيضًا المعتزلة، وبعض الأشاعرة؛ بدعوى التباسها بالمعجزة، وهي دعوى باطلة؛ لأن الكرامة ـ كما قلنا ـ لا تقترن بدعوى الرسالة.

لكن يجب التنبه إلى أن ما يقوم به الدَّجاجلةُ والمشعوذون من أصحاب الطرق المُبتدعة الذين يسمون أنفسهم بالمتصوِّفة من أعمال ومخاريق شيطانية؛ كدخول النار، وضرب أنفسهم بالسلاح، والإمساك بالثعابين، والإخبار بالغيب… إلى غير ذلك؛ ليس من الكرامات في شيء؛ فإن الكرامة إنما تكون لأولياء الله بحق، وهؤلاء أولياء الشيطان .



فَصْلٌ: ثُمَّ مِنْ طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ اتِّبَاعُ آثَارِ رَسُولِ اللهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَاتِّبَاعُ سَبِيلِ السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ
، وَاتِّبَاعُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ ، حَيثُ قَالَ: ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ))

وَيَعْلَمُونَ أَنَّ أَصْدَقَ الْكَلامِ كَلامُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ، وَيُؤْثِرُونَ كَلاَمَ اللهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ كَلامِ أَصْنَافِ النَّاسِ، وَيُقَدِّمُونَ هَدْيَ مُحَمَّدٍ عَلَى هَدْيِ كُلِّ أَحَدٍ.

وَلِهَذَا سُمُّوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَسُمُّوا أَهْلَ الْجَمَاعَةِ؛ لأَنَّ الْجَمَاعَةَ هِيَ [الاجْتِمَاعُ] ، وَضِدُّهَا الْفُرْقَةُ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْجَمَاعَةِ قَدْ صَارَ اسْمًا لِنَفْسِ الْقَوْمِ الْمُجْتَمِعِينَ.

وَالإِجِمَاعُ هُوَ الأَصْلُ الثَّالِثُ الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَالدينِ.

وَهُمْ يَزِنُونَ بِهَذِه الأُصُولِ الثَّلاثَةِ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَعْمَالٍ بَاطِنَةٍ أَوْ ظَاهِرَةٍ مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالدِّينِ.

وَالإِجْمَاعِ الَّذِي يَنْضَبِطُ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ؛ إِذْ بَعْدَهُمْ كَثُرَ الاخْتِلاَفُ، [وَانْتَشَرَ فِي الأُمَّةِ] ).

/ش/ قولـه: ((ثم من طريقة أهل السنة…)) إلخ؛ هذا بيان المنهج لأهل السنة والجماعة في استنباط الأحكام الدينية كلها، أصولها وفروعها، بعد طريقتهم في مسائل الأصول، وهذا المنهج يقوم على أصول ثلاثة:

أولها: كتاب الله عز وجل، الذي هو خير الكلام وأصدقه، فهم لا يقدِّمون على كلام الله كلام أحد من الناس.

وثانيها: سنة رسول الله ، وما أُثر عنه من هدي وطريقة، لا يقدمون على ذلك هَدْيَ أحد من الناس.

وثالثها: ما وقع عليه إجماع الصدر الأول من هذه الأمة قبل التفرُّق والانتشار وظهور البدعة والمقالات، وما جاءهم بعد ذلك مما قاله الناس وذهبوا إليه من المقالات وزنوها بهذه الأصول الثلاثة التي هي الكتاب، والسنة، والإجماع، فإن وافقها؛ قبلوه، وإن خالفها ردُّوه؛ أيًّا كان قائله.

وهذا هو المنهج الوسط، والصراط المستقيم، الذي لا يضلُّ سالكه، ولا يشقى مَن اتَّبعه، وسطٌ بين مَن يتلاعب بالنصوص، فيتأوَّل الكتاب، وينكر الأحاديث الصحيحة، ولا يعبأ بإجماع السلف، وبين من يخبط خبط عشواء، فيتقبل كل رأي، ويأخذ بكل قول، لا يفرق في ذلك بين غثٍّ وسمينٍ، وصحيحٍ وسقيمٍ.



فَصْلٌ: ثُمَّ هُم مَّعَ هّذِهِ الأُصُولِ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَونَ عَنِ الْمُنْكَرِ عَلَى مَا تُوجِبُهُ الشَّرِيعَةُ.
وَيَرَوْنَ إِقَامَةَ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالْجُمَعِ وَالأَعْيَادِ مَعَ الأُمَرَاءِ أَبْرَارًا كَانُوا أَوْ فُجَّارًا، وَيُحَافِظُونَ عَلَى الْجَمَاعَاتِ.

وَيَدِينُونَ بِالنَّصِيحَةِ للأُمَّةِ، وَيَعْتَقِدُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ : ((الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ؛ يَشُدُّ بَعْضَهُ بَعْضًا"، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ، وَقَوْلِهِ (: مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ؛ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بُالْحُمَّى وَالسَّهَرِ)) .

وَيَأْمُرُونَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْبَلاءِ، وَالشُّكْرِ [عِنْدَ الرَّخَاءِ] وَالرِّضَا بِمُرِّ الْقَضَاءِ.

وَيَدْعُونَ إِلَى مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَمَحَاسِنِ الأَعْمَالِ، وَيَعْتَقِدُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ : ((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا)) .

وَيَنْدُبُونَ إِلَى أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ.

وَيَأْمُرُونَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالإِحْسِانِ إلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالرِّفْقِ بِالْمَمْلُوكِ.

وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْفَخْرِ، وَالْخُيَلاءِ، وَالْبَغْيِ، وَالاسْتِطَالَةِ عَلَى الْخَلْقِ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ.

وَيَأْمُرُونَ بِمَعَالِي الأَخْلاَقِ،َوَيَنْهَوْنَ عَنْ سَفْسَافِهَا.

وَكُلُّ مَا يَقُولُونَهُ وَيَفْعَلُونَهُ مِنْ هَذَا وَغَيْرِهِ؛ فَإِنَّمَا هُمْ فِيهِ مُتَّبِعُونَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَطَرِيقَتُهُمْ هِيَ دِينُ الإسْلاَمِ الَّذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ مُحَمَّدًا

/ش/ قولـه: ((ثم هم مع هذه الأصول…)) إلخ؛ جمع المؤلف في هذا الفصل جماع مكارم الأخلاق التي يتخلَّق بها أهل السنة والجماعة؛ من الأمر بالمعروف؛ وهو ما عُرِف حُسْنُه بالشرع والعقل، والنهي عن المنكر؛ وهو كل قبيحٍ عقلاً وشرعًا؛ على حسب ما توجبه الشريعة من تلك الفريضة؛ كما يفهم من قوله عليه السلام:

((مَن رأى منكم منكرًا؛ فليُغيّره بيده، فإن لم يستطع؛ فبلسانه، فإن لم يستطع؛ فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) .

ومن شهود الجُمَعِ والجماعات والحج والجهاد مع الأمراء أيًّا كانوا؛ لقوله عليه السلام:

((صلوا خلف كلِّ برٍّ وفاجرٍ)) .

ومن النصح لكل مسلم؛ لقوله عليه السلام:

((الدين النصيحةُ))

ومن فهمٍ صحيحٍ لما توجبه الأخوة الإيمانية من تعاطفٍ وتوادٍّ وتناصرٍ؛ كما في هذه الأحاديث التي يشبِّه فيها الرسول المؤمنين بالبنيان المرصوص المتماسك اللَّبنات، أو بالجسد المترابط الأعضاء من دعوة إلى الخير، وإلى مكارم الأخلاق، فهم يدعون إلى الصبر على المصائب، والشكر على النعماء، والرضا بقضاء الله وقدره.. إلى غير ذلك مما ذكره.

لَكِنْ لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ أَنَّ أُمَّتَهُ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً؛ كُلُّهَا فِي النَّار؛ إلاَّ وَاحِدَةً، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ . وَفِي حَدِيثٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ((هُمْ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَومَ وَأَصْحَابِي)) ؛ صَارَ الْمُتَمَسِّكُونَ بِالإسْلامِ الْمَحْضِ الْخَالِصِ عَنِ الشَّوْبِ هُمُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.



وَفِيهِمُ الصِّدِّيقُونَ، وَالشُّهَدَاءِ، وَالصَّالِحُونَ، وَمِنْهُمُ أَعْلامُ الْهُدَى، وَمَصَابِيحُ الدُّجَى، أُولو الْمَنَاقِبِ [الْمَأْثُورَةِ]
، وَالْفَضَائِلِ الْمَذْكُورَةِ، وَفِيهِمُ الأَبْدَالُ، وَفِيهِمُ [أَئِمَّةُ الدِّينِ] ، الَّذِينَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِمْ [وَدِرَايَتِهِمْ] ، وَهُمُ الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَةُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمُ النَّبِيُّ : ((لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورَةً، لاَ يَضُرُّهُم مَّنْ خَالَفَهُمْ، وَلاَ مَنْ خَذَلَهُمْ؛ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ))

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْهُمْ وَأَنْ لاَ يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا، وَأَنْ يَهَبَ لَنَا مِن لَّدُنْهُ رَحْمَةً إِنَّهُ هُوَ الوَهَّابُ.

وَاللهُ أَعْلَمُ.

وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .

/ش/ وأما قولـه: ((وفيهم الصِّدِّيقون…)) إلخ؛ فالصِّدِّيق صيغة مبالغة من الصدق، يراد به الكثير التصديق، وأبو بكر رضي الله عنه هو الصدِّيق الأول لهذه الأمة.

وأما الشهداء؛ فهو جمع شهيد، وهو مَن قتل في المعركة.

وأما الأبدال ؛ فهم جمع بدْل، وهم الذين يخلف بعضهم بعضًا في تجديد هذا الدين والدفاع عنه؛ كما في الحديث:

((يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة مَن يجدد لها أمر دينها))

والله أعلم، وصلى الله على محمدٍ وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.









آخر تعديل ليتيم الشافعي 2009-05-05 في 10:09.
قديم 2009-05-05, 09:59   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تم بحمد الله عزوجل نقل شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عزوجل كاملا..

أسأل الله عزوجل أن ينفع به الأمة جمعاء

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم وبارك على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم

وعلى آله وصحبه وأزواجه الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

*******









 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:17

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc