الفصل الثاني أركان عقد الهبة
المبحث الأول: الـتـــــــــراضــــــــي
المطلب الأول: شروط الانعقاد
الفرع الأول: الإيجاب و القبول
تسري القواعد العامة المقررة في نظرية العقد في تطابق الإيجاب و القبول في عقد
الهبة فيجب أن يصدر الإيجاب من أحد المتعاقدين يقبله المتعاقد الآخر و أن يكون القبول
مطابقا للإيجاب، و يجوز أن تنعقد الهبة بين غائبين فتتم في الزمان و المكان الذين يصل
فيهما القبول إلى علم الموجب، و يعتبر وصول القبول إلى الموجب قرينة على علمه به إلى
أن يثبت العكس(1).
فالإيجاب هو تعبير عن الإرادة بغية التعاقد تعبيرا باتا و جازما و يتضمن الشروط
و المسائل الجوهرية للتعاقد و قد يكون موجها لشخص بعينه و قد يكون موجها للجمهور. أما
القبول فهو تعبير عن الإرادة صادر ممن وجه له الإيجاب و هذا التعبير يتضمن الموافقة
على الإيجاب الموجه دون زيادة أو إنقاص للشروط و المسائل التي تضمنها الإيجاب و يكون
التعبير عن القبول صراحة أو ضمنا أو عن طريق السكوت.
و يجب أن يكون القبول مطابقا للإيجاب بحيث لا يعدل منه أو يقيد منه أو يزيد عليه
وإلا اعتبر إيجابا جديدا وفق ما تنص عليه المادة66 ق.م بقولها:" لا يعتبر القبول الذي يغير
الإيجاب إلا إيجابا جديدا"، و تؤكد ذلك القواعد العامة و الخاصة(2).
و القبول ككل تعبير عن الإرادة لا ينتج أثره إلا في الوقت الذي يتصل فيه بعلم
الواهب و يعتبر وصوله إلى الواهب قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس ذلك(3).
و للواهب أن يرجع عن هبته قبل وصول القبول إلى علمه و معنى هذا أن لا أثر
للقبول إلا في الوقت الذي يتصل فيه بعلم الواهب و على ذلك كان للواهب قبل وصول قبول
الموهوب له إلى علمه أن يتصرف في المال الموهوب، و أن ينقله برهن نحوه و تنفذ هذه
التصرفات في حق الموهوب له بعد قبول الهبة(4).
(1) د. السنهوري، المرجع السابق، ص28.
(2) د. علي علي سليمان، النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، طبعة1998، ص 28.(3) أنور العمروسي، العقود الواردة على الملكية في القانون المدني ، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، ظبعة2002، ص 320.
(4) د. بدران أبو العينين بدران، المرجع السابق، ص219.
و إذا مات الواهب أو فقد أهليته قبل أن يصدر الإيجاب إلى علم الموهوب له فإن ذلك
لا يمنع من اتصال الإيجاب بعلم الموهوب له و قبوله للهبة و لكن القبول لا ينتج أثره إلا إذا
وصل إلى علم الواهب و هذا إذا مات أو فقد أهليته يستحيل عليه القبول و من هنا لا تتم
الهبة(1).
أما إذا الموهوب له أو فقد أهليته قبل أن يصدر منه القبول و لكن بعد أن صدر إيجاب
الواهب فإن الهبة لا تتم لأن الإيجاب لم يلاقي شخصا يقبله إذ الهبة أمر خاص بشخص
الموهوب له فلا تحل ورثته محله في القبول(2).
فأما في حال موت الموهوب له أو فقده أهليته بعد صدور القبول منه، ولكن قبل أن
يصل هذا القبول إلى علم الواهب فإن القبول يبقى قائما و ينتج أثره إذا اتصل بعلم الواهب
فتتم الهبة بالرغم من موت الموهوب له و يجوز قانونا صدور الهبة من غير الشخص
الموهوب له فيصدر من النائب نيابة قانونية كالولي و الوصي و القيم(3).
الفرع الثاني: هل الهبة عقد؟
1- في التشريع الجزائري: بالرجوع إلى التشريع الجزائري نجد أنه لم يذكر في
تعريفه للهبة بأنها عقد و لم ينص على ذلك صراحة و إنما يمكن أن نستخلص من نص
المادتين 202،206 من قانون الأسرة أن المشرع اعتبر الهبة عقدا و ذلك أنه اشترط في
الهبة أن تنعقد بالإيجاب و القبول و هما ركنان أساسيان في أي عقد سواء كان عقد هبة أو
غيره وبناء على ذلك فإن الهبة في واقع الأمر تعتبر عقدا كسائر العقود باعتبار أنه يشترط
في إنشائها و تكوينها ما يشترط في كل عقد من رضا و محل و رسمية(4).
2- في الفقه الإسلامي:
فـي الـفـقـــه الـحـنـفـي: الهبة تنعقد بالإيجاب و حده إلى هذا ذهب الحنفية
عدا الإمام زفر(5).
(1) د. بدران أبو العينين بدران، المرجع السابق، ص 220.
(2) أنور العمروسي، المرجع السابق، ص 320.
(3) د. بدران أبو العينين بدران، المرجع السابق، ص 220.
(4) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص58.
(5) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص39.
حيث أن ركن الهبة عندهم هو الإيجاب و القبول قياسا لأنه عقد كالبيع، و كذا القبض
ركن كما في المبسوط ، لأنه لابد منه لثبوت الملك ، بخلاف البيع ، و استحسانا عند الكاساني
و بعض الحنفية: ليس القبول من الموهوب له ركنا و إنما الركن فقط الإيجاب من الواهب
لأن الهبة في اللغة عبارة عن مجرد إيجاب المالك من غير شرط القبول، و إنما القبول
لثبوت ركنها أي الأثر المترتب عليها و هو نقل الملكية. وفائدة الاختلاف تظهر في من حلف
لا يهب هذا الشيء لفلان فوهبه منه فلم يقبل ، يحنث استحسانا ولا يحنث قياسا وأكثر
شراح الحنفية على أن الهبة تتم بالإيجاب وحده في حق الواهب وبالإيجاب و القبول في حق
الموهوب له لأن الهبة عقد تبرع، فيتم بالمتبرع كالإقرار و الوصية، لكن لا يملكه
الموهوب له إلا بالقبول و القبض(1).
فـي الـفـقــه الـمـــالـكــي: يرى فريق من فقهاء هدا المذهب أن الهبة تملك
بالإيجاب والقبول أما قبضها فليس بشرط في تملك بالإيجاب و القبول، أما قبضها فليس
بشرط في تمليك الموهوب على المشهور، فإذا قال المالك وهبت هذه الدار لفلان و قبلها،
أصبحت الدار مملوكة له، بحيث لا يصح للواهب الرجوع فيها بعد ذلك، و إذا امتنع عن
تسليمها و لو برفع الأمر للحاكم أي القضاء(2).
و جاء في البداية: 'و أما الهبة فلا بد فيها من الإيجاب و القبول من الجميع.'(3)
و يرى بعض المالكية أنه يشترط في تمام الهبة القبض و الحيازة، فإن عدم القبض
فإنها لا تلزم و إن كانت صحيحة، و يجوز تأخير القبول عن الإيجاب، فإذا وهب دارا فسكت
عن قبولها ثم قبلها بعد ذلك فإن له ذلك.
(1) د.وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي و أدلته، ج 5، دار الفكر، الجزائر، الطبعة الأولى، 1991، ص 7.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص65.
(3) الإمام القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي(الشهير بن الرشد الحفيد)، بداية المجتهد و نهاية المقتصد، ج 2، دار الفكر،د.ت، ص 329.
و يرى بعض المالكية أنه يشترط في تمام الهبة القبض و الحيازة، فإن عدم القبض
فإنها لا تلزم و إن كانت صحيحة، و يجوز تأخير القبول عن الإيجاب، فإذا وهب دارا فسكت
عن قبولها ثم قبلها بعد ذلك فإن له ذلك(1).
و في رأي آخر للفقهاء المالكيين، و في مقدمتهم الإمام مالك: ينعقد بالقبول و يجبر
على القبض كالبيع سواء، فإذا تأن الموهوب له في طلب القبض حتى أفلس الواهب أو مرض
بطلت الهبة(2).
و في هذا الصدد جاء في كتاب البداية: 'فمالك القبض عنده في الهبة من شروط التمام
و لا من شروط الصحة.'(3)
فـي الـفـقــه الـشـــافـعـــي: أن المذهب الشافعي يعرف الهبة بالقول:" التمليك
بلا عوض هبة" و هو يعني أن التمليك بعين بلا عوض في حال الحياة تطوعا هبة، فخرج
بالتمليك العارية و الضيافة، و بالعين الدين و المنفعة، و بنفي العوض ما فيه عوض كالبيع،
و بالحياة الوصية لأن التمليك فيها إنما يتم بالقبول و هو بعد الموت، و الواهب من زكاة
و كفارات و نحوهما.
و شروط الهبة في المذهب إيجاب و قبول، لفظا، ولا يشترطان في الهدية على
الصحيح. بل يكفي البعث من هذا و القض من ذاك، و في المذهب كذلك لا يشترط الإيجاب
و القبول في الهدية على الصحيح و لو في غير المطعوم، بل يكفي البعث من هذا- أي
المهدي- و يكون كالإيجاب، و القبض من ذاك – أي المهدي إليه- و يكون كالقبول كما جرى
الناس عليه في الإعصار.
و قد أهدى الملوك إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- الكسوة و الدواب
و الجواري، و في الصحيحين: ( كان الناس يتحرون بهدياتهم يوم عائشة - رضي الله عنها-)
و لم ينقل إيجاب و لا قبول، و أما الصدقة فلا اشتراط فيها بلا خلاف(4).
(1) عبد الرحمن الجزيري، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة،ج3، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة السادسة، ب. ت، ص298.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 65.
(3) أبو وليد القرطبي، المرجع السابق، ص 326.
(4) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 67،66.
فــي الـفـقـــه الـحـنـبـلــي: قال ابن قدامى المقدسي الحنبلي في مسألة الهبة:
و تحصل الهبة بما يتعارفه الناس هبة من الإيجاب و القبول، و المعاطاة المقترنة بما يدل
عليها.
و تصح بالمعاطاة المقترنة بما يدل عليها و إن لم يحصل إيجاب أو قبول و أضاف
قائلا: ذكر القاضي و أبو الخطاب أن الهبة و العطية لابد فيهما من الإيجاب و القبول و لا
تصح بدونه سواء وجد القبض أو لم يوجد، و هو أكثر أصحاب الشافعي، لأنه عقد تمليك
فافتقر إلى الإيجاب و القبول كالنكاح و الصحيح أن المعطاة و الأفعال الدالة على الإيجاب و
القبول كافية، و لا يحتاج إلى لفظ اختاره ابن عقيل، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم- كان
يهدى إليه و يعطى و يفرق الصدقات و يأمر سعاته بأخذها و تفريقها، و كان أصحابه يفعلون
ذلك و لم ينقل عنهم في ذلك إيجاب و لا قبول و لا أمر به و لا تعليمه لأحد، و لو كان ذلك
شرطا لنقل عنهم نقلا مشتهرا, و روي أبو هريرة أن النبي – صلى الله عليه وسلم- كان إذا
أتى بطعام يسأل عنه فإن قال صدقة قال لأصحابه كلو و لم يأكل، و إن قالوا هدية ضرب
بيده و أكل معهم و لا خلاف بين الفقهاء فيما علمنا في أن تقديم الطعام بين يدي الضيفان
الإذن في أكله أن ذلك لا يحتاج إلى إيجاب و لا إلى قبول و لأنه وجد ما يدل على التراضي
بنقل الملك فاكتفى به كما لو وجد الإيجاب و القبول، قال لبن عقيل: إنما يشترط الإيجاب مع
الإطلاق وعدم العرف القائم من المعطي له و المعطي لأنه إذا لم يكن عرف ما يدل على
الرضا فلابد من قول دال عليه. أما مع قرائن الأحوال و الدلائل فلا وجه لتوقفه على
اللفظ(1).
المطلب الثاني: شروط الصحة
الفرع الأول: الأهلية في عقد الهبة
يعنى بالأهلية في عقد الهبة عناية خاصة، فيفرق بين أهلية الواهب و أهلية الموهوب
له و يتشدد القانون في أهلية الواهب فيتطلب أهلية كاملة للتبرع باعتبار أنها أقوى من أهلية
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 69، 70.
التصرف لأن الواهب يقوم بعمل ضار به ضررا محضا و على النقيض من ذلك يخفف
القانون من أهلية الموهوب له فلا يشترط فيه حتى أهلية التصرف بل يكفي فيه التمييز لأنه
يقوم بعمل نافع له نفعا محضا(1).
I. الشروط الواجب توافرها في الواهب:
في التشريع الجزائري:
يستخلص من نص المادة203ق.أ"يشترط في الواهب أن يكون سليم العقل، بالغا
تسع عشرة (19) سنة و غير محجور عليه." أنه يجب توافر الشروط التالية في الواهب:
- أن يكون سليم العقل غير مجنون ولا معتوه لأن كليهما لا يستطعان التعاقد لانعدام
التمييز لديهما و بالتالي التصرفات الصادر منهما تكون باطلة بطلنا مطلقا.
- أن يكون بالغ سن الرشد و ذلك ببلوغ19 سنة كاملة طبقا لنص المادة40ق.م:" كل
شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية، و لم يحجر عليه، يكون كامل الأهلية لمباشرة
حقوقه المدنية.
و سن الرشد تسعة عشر(19) سنة كاملة."
- أن يكون غير محجور عليه لسفه أو غفلة.
في الفقه الإسلامي:
* فـي الـفـقــــه الـحـنـفـــي:
- أن يكون حرا فلا تصح هبة الرقيق.
- أن يكون عاقلا غير محجور عليه، فلا تصح هبة المجنون و المحجور عليه.
- أن يكون بالغا فلا تصح هبة الصغير( سن البلوغ عند الحنفية هو 18 سنة للفتى
و 17 سنة للفتاة).
- أن يكون مالكا للموهوب له فلا تصح هبة ما ليس بمملوك(2).
(1) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 97.
(2) عبد الرحمن الجزيري، المرجع السابق، ص 294.
* فـي الـفـقـــه الـمـالـكـــي:
- أن لا يكون محجورا عليه لسفه أو صغر فتبطل هبة السفيه و المحجور عليه أساسا
( و سن البلوغ عند المالكية هو 17 سنة للفتلة و الفتى).
- أن لا يكون مدينا بدين يستغرق كل ماله و هبته وإن كانت تصح إلا أنها تقع موقوفة
على إجازة رب الدين فإن أجازها فإنها تنفذ فهذا شرط لنفاذها.
- أن لا يكون مجنونا و لا سكرانا فلا تصح هبتهما.
- أن لا يكون زوجة فيما زاد عن ثلث مالها.
- أن لا يكون مريض مرض الموت فيما زاد عن الثلث، فإذا وهب المريض زيادة
على ثلث ماله انعقدت هبة موقوفة على إذن الوارث(1).
* فـي الـفـقـــه الـشـافـعـــي:
يشترط في الواهب أن يكون مالكا حقيقيا أو حكما و الملك الحكمي هو كملك صوف
الأضحية الواجبة بالنذر فإنها و إن كانت خرجت عن ملكه بالنذر إلا أن له بها اختصاص
فيصبح له أن يهب صوفها(2).
* فـي الـفـقــــه الـحـنـبـلــي:
اشترط في الواهب أن يكون جائز التصرف فلا تصح من سفيه و لا صغير و لا عبد
و نحوهم كسائر التبرعات، فإذا وهب الصغير أو السفيه فلا تصح هبتهما و إن أجازها الولي
أما العبد فتجوز هبته بإذن سيده(3).
Ii. الشروط الواجب توافرها في الموهوب له:
في التشريع الجزائري:
اشترط القانون في الموهوب له أن يكون موجودا حقيقية أو يكون موجودا حكما
كالجنين في بطن أمه و هذا طبقا لنص المادة209 ق.أ: "تصح الهبة للحمل بشرط أن يولد
حيا." و يشترط التمييز لدى الموهوب له أي الصبي المميز و السفيه و ذو الغفلة فهؤلاء
(1).(2)،(3) عبد الرحمن الجزيري ، المرجع السابق، ص 296، 299، 300.
الأشخاص أهلا لقبول و قبض الهبة دون إذن من الولي أو القاضي إذا كانت تعود عليهم
بالمنفعة، أما إذا اقترنت الهبة بشرط و التزامات فتتوقف على إقرار الولي أو القاضي طبقا
لنص المادة 83 ق.أ: "من بلغ سن التمييز و لم يبلغ سن الرشد طبقا للمادة(43) من القانون
المدني تكون تصرفاته نافذة إذا كانت نافعة له، و باطلة إذا كانت ضارة به و تتوقف على
إجازة الولي أو الوصي فيما إذا كانت بين النفع و الضرر، و في حالة النزاع يرفع الأمر
للقضاء."، عكس عديم التمييز و المجنون و المعتوه و الجنين فيقبضها نيابة عنهم الولي أو
الوصي أو القيم.
أما بالنسبة للبالغ الرشيد فله أهلية قبول الهبة دون إذن من أحد حتى لو كانت مقترنة
بشروط أو التزامات.
في الفقه الإسلامي:
* فــي الـفـقــه الـحـنـفـــي: تصح الهبة للصغير و نحوه، ثم إن كان الواهب يعول
الصغير كالأخ و العم عند عدم الأب فإن الهبة تتم بالإيجاب وحده، أما إذا وهب له أجنبي
فإن الهبة لا تتم إلا بقبض الولي و هو أربعة: الأب ثم وصيه، ثم الجد، ثم وصي الجد.
و عند عدم وجود أحدهم تتم بقبض من يعوله كعمه و أمه و أجنبي، فإن كان الصبي
مميزا فإنها تتم بقبضه هو و لو مع وجود أبيه لأنها من مصلحته(1).
* فــي الـفـقـــه الـمــالـكــي: رأى الإمام مالك و أصحابه أن الهبة جائزة لكل من
الجنين و المعدوم، فمن وهب لحمل مالا، و التزم له شيئا من المعروف، كل ذلك صحيح
لازم و يوقف ذلك الشيء، فإن ولد حيا و عاش كان ذلك له، و إن استهل صارخا ثم مات
كلن لورثته، و إن خرج ميتا أو انفش الحمل بقي الشيء على ملك صاحبه، و كذلك تصح
الهبة للمعدوم، فمن التزم لمن سيوحي بشيء، صح الالتزام إذا وجد الملتزم حيا صحيحا
غير مدين بدين محيط، و كان الشيء الملتزم له به بيده لم يفوته، كما لو قال الواهب إن
(1) عبد الرحمن الجزيري، المرجع السابق، ص 294، 295.
ظهر لفلان ولدا فهذه الدار له، أو هذا الفرس له و غير ذلك، فإن إرادة الملتزم تفويته ببيع
أو غيره قبل وجود الملتزم له، فالظاهر من مذهب مالك أن له ذلك، و من رأي ابن القاسم
ليس له أن يبيع حتى ييأس من الولد الموهوب له(1).
* فــي الـفقــــه الـشـــافـعــي: يشترط في الموهوب له أن يكون أهلا للتملك، و هل
يكفي في ذلك التمييز بحيث لو أهدى رجل بالغ صبيا مميزا شيئا و قبله تصح الهبة، و يملكه
الصغير أو لا؟ و الجواب إن الصغير لا يملك بالقبول و لكن لا يحرم الدفع له إلا إذا قامت
قرينة بأن الولي لا يرضيه ذلك خوفا من تعويد الصبي على التسفل و الدناءة، فإن كان ذلك
فإنه يحرم إعطاء الصبي شيئا بدون رضا وليه.
و تصح الهبة للمحجور عليه و يقبض له وليه أو الحاكم إن لم يكن له ولي، أما الأب و
الجد فإنهما لا يعزلان على الولاية لعدم قبولهما الهبة. و لابد من ملك الهبة من القبض فإذا
وهب الجد أو الأب ابنه الصغير شيئا لا يملكه إلا إذا قبضه عنه و طريقة قبضه أن ينقله من
مكان إلى آخر(2).
* فــي الـفـقـــه الـحـنـبـلــي: و يشترط في الموهوب له أن يكون أهلا للتصرف فلا
يصح قبول الهبة من الصغير و لو كان مميزا كما لا يصح قبضه للهبة و مثله المجنون
فيقبض و يقبل لهما وليهما، فالأب العدل و لو ظاهرا يقوم مقامهما فإن، لم يوجد لهما ولي
أو وصي يقبل عنهما الحاكم أو من يقيمونه مقامهم و عند عدم الأولياء يقبض لهما من يليهم
أو قريب(3).
الفرع الثاني: عيوب الرضا في عقد الهبة
1) الغلط في عقد الهبة: الغلط قانونا هو وهم يحدث في ذهن الشخص يدفعه
للتعاقد، و في الفقه هو اعتقاد خلاف الحقيقة و الواقع يدفع صاحبه للتعاقد و هو مصطلح
يدخل في مجال العقد و يعتبر عيبا من عيوب الرضا، و هو يحتسم بالجانب النفسي و قد
نصت عليه المواد من 81 إلى 85 ق.م و تتمثل شروطه فيما يلي:
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 111
(2)،(3) عبد الرحمن الجزيري، المرجع السابق، ص 299، 300.
- أن يكون الغلط الذي يعيب الإرادة و جعل العقد قابل للإبطال واقعا في صفة
جوهرية في الشيء أو في شخص المتعاقد إذا كانت شخصيته محل اعتبار و هذا طبقا لنص
المادة81 ق.م: " يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري وقت إبرام العقد، أن يطلب
إبطاله."
- أن يكون الغلط جوهريا أي أن يكون دافعا للتعاقد و أن يكون الغلط جسيما بحيث لو
علم المتعاقد بحقيقة الأمر لما أقدم على التعاقد، و هذا ما نصت عليهالمادة82 ق.م في
تعريفها للغلط الجوهري:" يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حدا من الجسامة بحيث يمتنع معه
المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط.
و يعتبر الغلط جوهريا على الأخص إذا وقع في صفة للشيء يراها المتعاقدان
جوهرية، أو يجب اعتبارها كذلك نظرا لشروط العقد و لحسن النية.
إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته، و كانت تلك الذات أو هذه الصفة
السبب الرئيسي في التعاقد."
و يلاحظ أن الدكتور علي علي سليمان صحح عبارة الفقرة الثانية( نظرا لشروط العقد
و حسن النية) بقوله: ( نظرا للظروف التي أبرم فيها العقد و لحسن النية الذي يجب أن يسود
التعامل) على ضوء نصها الفرنسي و النص المصري و طبقا لهذا النص فالقانون المدني
الجزائري، كالقوانين العربية الأخرى قد أخذ بمعيار ذاتي في الغلط، و ترك المعيار المادي
الذي كان سائدا لدى الفقه الفرنسي القديم متأثرا فيه برأي الفقه الفرنسي القديم بوتييه(1).
إن المعيار الذاتي الذي يرجع إليه لتحديد ما إذا كان الغلط جوهريا هو ما إذا كان
الغلط قد بلغ حدا من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا
الغلط، فالعبرة إذا في جسامة الغلط هي التي تكون كذلك في نظر المتعاقد الذي وقع في
الغلط، فالمهم هو إذا ما يرجع إلا اعتبار المتعاقد(2).
(1) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 56.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 129.
فالهبة عقد من عقود التبرع، و الغلط في شخصية المتعاقد في عقود التبرع دائما محل
اعتبار و يجعل العقد قابلا للإبطال، فإذا وهب شخص إلى شخص آخر يعتقد أنه محمد إذا هو
أحمد كان هناك غلط في شخصية الموهوب له يجعل الهبة قابلة الإبطال، و قد يقع الغلط في
صفة الموهوب له فقط، كما إذا وهب له و هو يعتقد أن هنالك علاقة قرابة بينهما ثم ظهر أنه
لا قرابة بينهما(1).
كما يستفاد من نص المادة83 ق.م: " يكون العقد قابلا للإبطال لغلط في القانون إذا
توفرت فيه شروط الغلط في الواقع طبقا للمادتين81 و82 ما لم يقض القانون بغير ذلك".
إن الغلط في القانون يجعل العقد قابلا للإبطال كالغلط في الواقع تماما بشرط أن يكون
جوهريا أي بلغ حدا من الجسامة بحيث لولاه ما أبرم المتعاقد(2).
ومثال الغلط في القانون في مجال عقد الهبة قيام شخص بهبة لزوجة طلقها طلاقا
رجعيا و انتهت عدتها، و هو يعتقد أنها مازالت في العدة، و بالتالي يستطيع أن يرجعها، يعد
غلطا في القانون يجعل الهبة قابلة الإبطال(3).
و أخيرا يلاحظ بوجه عام أن معيار الغلط في الهبة أخف من معياره في البيع لأن
الهبة عقد تبرع فجسامة الغلط فيه قد لا يرقى إلى جسامته في عقد البيع(4).
2) التدليس في عقد الهبة: تنص المادة86 ق.م على التدليس بقولها: " يجوز
إبطال العقد للتدليس إذا كانت الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو النائب عنه، من الجسامة
بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد.
و يعتبر تدليسا السكوت عمدا عن واقعة أو ملابسة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان
ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة."
فالتدليس هو غلط يقوم لدى المتعاقد نتيجة استعمال وسائل احتيالية من طرف المتعاقد
الآخر و تدفعه للتعاقد.
(1) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 57.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 131.
(3) د. علي علي سليمان، المرجع السابق،ص 59.
(4) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 131.
فهو إذن يفترض قيام عنصرين: عنصر مادي: وهو استعمال حيل، و عنصر
شخصي: وهو أن تكون هذه الحيل من الجسامة بحيث لولاها ما أبرم المدلس عليه العقد(1).
و الحيل وسائل أو مظاهر خداعة، مثل إبراز أوراق مزورة أو التظاهر باليسار،
أو كتابة منشورات أو إعلانات كاذبة. وليس من اللازم أن تبلغ الحيل في التدليس ما يشترطه
القانون الجنائي في النصب من أن تكون الحيل مادية، و أن تأخذ مظهرا خارجيا، بل يكفي
أن تكون الحيل من شأنها أن تحمل المدلس عليه على التعاقد، و لو كان مجرد كذب أو كتمان
للحقيقة(2).
و لكن قد يكون الكذب وحده كافيا إذا كان المدلس عليه لم يكن يستطيع اكتشافه و كان
هو الدافع إلى التعاقد، و لولاه ما أبرم المدلس عليه العقد(3).
و التدليس بمختلف الطرق الاحتيالية و أساليب الخداع هو أثر تأثيرا في الهبة منه في
عقود المعاوضات، فأي طريق من الطرق الاحتيالية يدفع الواهب إلى الهبة يكفي لإفساد
رضائه فلو أوعز الموهوب له صدر الواهب على ورثته بأكاذيب يختلقها فدفعه بذلك إلى أن
يهب له شيئا من ماله ليحرم منه الورثة، كان هذا التدليس يجيز للواهب حتى و لو لم يكن
يستطيع الرجوع في الهبة، أن يطلب إبطالها للتدليس(4).
و كذلك إذا كتم الموهوب له عن الواهب أمورا لو علم لما اندفع إلى الهبة كان هذا
تدليسا من الجسامة بحيث لولاه ما أبرم المدلس عليه العقد، فإنه يجوز له المطالبة بإبطال
العقد للتدليس، هذا هو الحكم الذي يستخلص من نص المادة86 ق.م(5).
كما تنص المادة 87 ق.م على التدليس الواقع من غبر المتعاقدين بقولها:" إذا صدر
التدليس من غير المتعاقدين، فليس للمتعاقد المدلس عليه أن يطلب إبطال العقد، ما لم يثبت أن
المتعاقد الآخر كان يعلم، أو من المفروض أن كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا
التدليس."
(1)،(2)،(3)،(4) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص60 ، 61.
(5) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 132 ،133.
فالمفروض هنا أن شخصا من غير المتعاقدين أي من غير الواهب و الموهوب له هو
الذي استعمل الحيل التي دفعت المدلس عليه و هو الواهب مثلا إلى إبرام العقد، فلكي يستطيع
هذا الأخير أي الواهب أن يبطل العقد للتدليس يجب عليه أن يثبت أن المتعاقد معه أي
الموهوب له كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بقيام الغير بهذا التدليس، إذ في هذه
الحالة يكون متواطئا مع من استعمل الوسائل الاحتيالية أو على الأقل سيء النية، فإذا لم
يستطع المدلس عليه أي الواهب أن يثبت ذلك، فإن له أن يطلب إبطال العقد، أي عقد الهبة
للغلط ما دام التدليس الذي قام به الغير من الجسامة بحيث لولاه ما أبرم العقد(1).
3) الإكراه في عقد الهبة : لقد نصت المادة 88 ق.م على الإكراه الذي يعد
عيبا من عيوب الرضا بقولها: " يجوز إبطال العقد للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان
رهبة بينة يبعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق.
و تعتبر الرهبة قائمة على بينة إذا كانت ظروف الحال تصور للطرف الذي يدعيها
أن خطرا جسيما محدقا يهدده هو، أو أحد أقاربه، في النفس، أو الجسم، أو الشرف، أو المال،
و يراعى في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه، و سنه، وحالته
الاجتماعية، و الصحية، و جميع الظروف الأخرى التي من شأنها أن تأثر في جسامة
الإكراه."
و يعتبر إكراها الأعمال غير المشروعة التي تصدر من المتعاقد و تبعث في نفس
المتعاقد الآخر رهبة بينة تحمله على التعاقد، و الرهبة البينة أركانها: الخطر و الشخص
الواقع عليه الإكراه و الخطر فيه معيار الجسامة و أن يكون محدقا أي إذا لم يقع حالا يقع بعد
مدة وجيزة و يضيف الفقهاء شرط آخر للخطر و هو الاستمرارية.
أما الشخص الواقع عليه الإكراه إما المتعاقد نفسه أو أحد أقاربه، و بالتالي فالإكراه
الذي يعيب الإرادة يقوم على عنصرين هما:
(1) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 84.
عنصر مادي: و هو استعمال وسائل ضاغطة على حرية الإرادة، سواء كانت وسائل
مادية كالضرب و العنف الذين يعدمان الإرادة، أو وسائل مادية كالتهديد بالأذى، و هو الذي
يعنيه النص حين يتكلم على الرهبة البينة التي تصور للمكروه أن خطرا جسيما(محدقا) أي
وشيك الوقوع يهدده هو شخصيا أو يهدد أحد أقاربه سواء بإلحاق أذى مادي بجسمه
أو بإلحاق ألم بنفسه، أو بما يمس شرفه، أو بما يصيب ماله بخسارة، و يستوي أن يكون
التهديد بإلحاق الأذى حالا أو في المستقبل، ما دام التهديد يخيف المكره و يجعله يبرم العقد
تحت سلطان الخوف، أي أن الخوف هو الذي يجب أن يكون حالا، و ليس الخطر، كما
يستوي أن يكون التهديد موجها إلى المتعاقد نفسه أي أن يكون بإلحاق الأذى بشخصه هو
أو يكون التهديد بإلحاق الأذى بأحد أقاربه(1).
عنصر شخصي: و هو أن يكون من شأن التهديد أن يبعث رهبة أو خوفا في نفس
المتعاقد، و يراعى في تقدير هذا العنصر الذاتي جنس من وقع عليه التهديد، فمن وسائل
التهديد بالخطر ما يؤثر على المرأة و لا يؤثر على الرجل، كما ينبغي أن تراعى سن من وقع
عليه الإكراه و حالته الاجتماعية و الصحية و جميع الظروف الأخرى التي من شأنها أن
تؤثر في جسامة الإكراه مثلما في الفقرة الأخيرة من المادة 88 ق.م(2).
كما يعتبر النفوذ الأدبي إكراها مفسدا للإرادة، إذ أكثر ما يكون الإكراه في الهبة عن
طريق التأثير في نفس الواهب بواسطة النفوذ الأدبي للموهوب له على الواهب، فيؤثر في
إرادته و يحمله على التجرد من ماله لمصلحته، و يكون ذلك النفوذ الأدبي للأب على ابنه
و في الكثير من الأحيان للزوج على زوجته(3). فإذا استعمل الأب أو الموصي نفوذه لحمل
الابن الموصى عليه إلى إبرام عقد يراه نافعا، فإن هذا العقد يكون صحيحا ولو كان الابن
القاصر المميز قد أبرم العقد على غير رغبة منه، أما إذا كان القصد من استعمال النفوذ
الأدبي هو الوصول إلى غرض غير مشروع،فإنه يعتبر كالإكراه الذي يعيب الإرادة(4).
(1) د. علي علي سليملن، المرجع السابق، ص 65.
(2)،(3) محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 136.
(4) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 66.
و تنص المادة89 ق.م على الإكراه الصادر من غير أحد المتعاقدين بقولها:" إذا
صدر الإكراه من غير المتعاقدين، فليس للمتعاقد المكره أن يطلب إبطال العقد إلا إذا أثبت أن
المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتما أن يعلم بهذا الإكراه." و هكذا ساوى
القانون بين الإكراه و التدليس، فالإكراه الذي يرتكبه شخص ثالث من غير المتعاقدين لا
يبطل العقد إلا إذا أثبت من وقع عليه الإكراه أن المتعاقد معه كان يعلم بهذا الإكراه فيكون
متواطئا مع هذا الغير، أو كان من المفروض حتما أن يعلم به، كما لو كان من ارتكب الإكراه
ضيفا أو قريبا للمتعاقد الآخر، أما إذا لم يكن المتعاقد الآخر على أي علم بالإكراه فليس
للطرف المكره إبطال العقد و لكن له أن يرجع على من ارتكب الإكراه بالتعويض إذا
توافرت شروط المسؤولية التقصيرية من خطأ و ضرر و علاقة سببية بينهما(1).
و خلاصة القول أن الإكراه الذي يعيب الإرادة و يفسد رضا الواهب و يجعل الهبة
قابلة للإبطال هو الذي يقع من الواهب تحت تأثيره بسبب ما يلط عليه من وسائل الإكراه
المادي ألمعنوي فوقع تحت تأثير خوف جعله نتيجة الإكراه يبرم العقد رغم إرادته، و سواء
كان هذا الإكراه من أحد المتعاقدين أو من الغير(2).
4) الاستغلال في عقد الهبة: لقد نصت المادة 90 ق.م على الاستغلال بقولها:
" إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين متفاوتة كثيرا في النسبة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد
من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر، و تبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم
العقد إلا أن المتعاقد الآخر قد استغل فيه ما غلب عليه من طيش أو هوى، جاز للقاضي
بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقض التزامات هذا المتعاقد.
و يجب أن ترفع الدعوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد، و إلا كانت غير مقبولة.
و يجوز في عقود المعاوضة أن يتوقى الطرف الآخر دعوى الإبطال، إذا عرض ما
يراه القاضي كافيا لرفع الغبن."
(1) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 66.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 137.
فالاستغلال هو تفاوت جسيم بين التزامات أحد المتعاقدين و الفائدة التي يجنيها من
العقد أو مع التزامات أحد المتعاقد الآخر و يكون هذا التفاوت الجسيم ناشئا عن استغلال
المتعاقد الآخر للمتعاقد المستغل ما غلب عليه من طيش بين و هوى جامح و هو ما يسمى في
بعض المراجع الفقهية بالغبن الاستغلالي و هو عيب في الرضا الذي يختلف عن الغبن
العقاري و هو ليس عيب في الرضا إذ هو نقص في قيمة العقار المبيع بنسبة أكبر من
الخمس(1/5).
ومما سبق نخلص إلى أن الاستغلال المعيب للرضا يقوم على عنصرين أساسيين هما:
عنصر مادي: حسب ما يشير إليه نص المادة 90 ق.م هو التفاوت الجسيم في
التزامات وحقوق الطرف المستغل و له صورتان:
• أن يكون التفاوت الجسيم بين التزامات المتعاقد و الفائدة التي يجنيها من خلال العقد:
أي أن يكون عدم التعادل قد وقع في مقدار الفائدة التي حصل عليها الطرف المغبون بالنسبة
إلى ما تحمل من التزامات مرهقة كالبيع بثمن زهيد(1) أو كالمتعاقد الذي تكون التزاماته المادية
5000 د.ج و الفائدة التي يجنيها تقدر بـ 1000 د.ج فنقول أن هناك استغلال.
• التفاوت الجسيم بين التزامات المتعاقدين دون النظر إلى الفائدة التي يجنيها المتعاقد
من العقد : أي أن يكون ما تحمل به من التزامات غبر متعادلة مع التزامات الطرف المستغل
كأن تكون التزامات أحد المتعاقدين المادية 10000 د.ج و التزامات المتعاقد الآخر
2000د.ج، و يخضع تقدير هذا العنصر المادي للقضاء فهو يقدر التزامات كل من الطرفين
بحسب ظروف كل منهما، و بحسب الملابسات التي أحاطت بهما عند التعاقد، و أكثر ما يقع
عدم التعادل في العقود المحددة و قد يقع في عقود التبرع، مثال ذلك أن يقوم زوج بعمل هبة
لزوجته الثانية الشابة أو لأولادها منه ليحرم الزوجة الأولى و أولادها منه، و يتم ذلك تحت
تأثير الزوجة على زوجها المسن، فتخضع الهبة لعيب الاستغلال، و لا يكون أي التزام على
الزوجة فيتحقق عدم التعادل بصفة مطلقة(2).
(1) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 67.
(2) نفس المرجع، ص 68.
عنصر معنوي: قد يكون التفاوت الجسيم ناتج عن استغلال أحد المتعاقدين للآخر ما
بلغ عليه من طيش بين و هوى جامح، فالطيش البين مثل السفيه الذي لا يتوخى عواقب
الأمور، يستوي عنده الربح و الخسارة أي تصرفاته كلها يعتريها طيش.
أما الهوى الجامح مثل الخاطب الذي يبيع لخطيبته سكنا قيمته الحقيقية 300 ألف د.ج
و يبيعه لهابـ 20 ألف د.ج، ثم تقوم المخطوبة بفسخ الخطبة و في هذا الإطار من المفيد أن
نذكر المثال الذي أورده الأستاذ السنهوري فيما يخص استغلال الموهوب له في الواهب
طيشا بينا أو هوى جامح، مثل ذلك أن يتزوج شيخ من فتاة فيقع تحت سلطانها و تستغل
ضعفه و هواه و تستكتبه من الهبات المستمرة لنفسها و لأولادها ما تشاء. و على العكس من
ذلك قد تتزوج امرأة ثرية من زوج شاب فيستغلها و يبتز أموالها عن طريق الهبات
المستمرة(1).
و مسألة العنصر المعنوي القائم على الطيش البائن و الهوى الجامح مسألة واقع
تخضع لتقدير القاضي، و يقع عبء إثبات الطيش أو الهوى على عاتق الطرف المغبون(2).
و لو يرتب القانون على عيب الاستغلال قابلية العقد للإبطال في كل الأحوال، بل
أجاز إبقاء العقد مع إنقاص التزامات الطرف المغبون حتى تتعادل و لو لم يكن تعادلا تاما مع
التزامات الطرف المستغل(3).
(1)،(2)،(3) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 139 ، 140.
الفرع الثالث: الهبة في مرض الموت
i. هبة المريض مرض الموت في الفقه الإسلامي:
• التعريف الفقهي لمرض الموت: لقد تعددت و اختلفت تعريفات الفقهاء لمرض
الموت غير أن المتتبع لهذه التعريفات المختلفة في عباراتها، المتضاربة في ظواهرها يجد
معنى لا يختلفون فيه و هو أن المريض مرض الموت يجب أن يتحقق فيه أمران:
أحدهما: أن يكون مرضا يحدث منه الموت غالبا.
ثانيهما: أن يموت الشخص بالفعل موتا متصلا به.
فلا تكاد تجد اختلاف بين الفقهاء في أن هذين الأمرين لابد من تحققهما لكي يتحقق
وصف الشخص بأنه مريض مرض الموت، و لكن اختلاف التعريفات إنما يدور حول
الأمارات و الأوصاف الظاهرة التي بها يتبين أن المرض يتصف بالوصف الأول وهو
حدوث الموت غالبا فمن قائل أن أماراته أن يلازم المريض الفراش، أو الذي لا يقوم
بحوائجه في البيت كما يعتاده الأصحاء، و من قائل أن علاماته أنه لا يقدر على الصلاة
قائما، أو لا يخطو المريض ثلاث خطوات بغيره أو أن يعجز على الإشراف على مصالحه
خارج الدار إن كان ذكرا أو أنثى أن تعجز عن رؤية مصالحها داخل الدار.
و لكن المعنى المقصود في مرض الموت هو أن يكون المريض في حال يغلب فيها
الهلاك و يتوقعه(1).
و من المقرر في الفقه الإسلامي أن أي تصرف ينطوي على تبرع صادر من
المريض مرض الموت مثل الهبة، كان لهذا التصرف حكم الوصية، ذلك أن المريض وهو
على شفا الموت أي الواهب هنا إذا نبرع بماله فإنما يقصد أن ينقل هذا المال( الشيء
الموهوب) إلى غيره بعد موته، لا في المدة المحدودة القصيرة التي تقدر له الحياة فيها، و لا
يستطيع الواهب أن ينقل ماله بعد موته، بتصرف إرادي ألا إذا كان ذلك عن طريق الوصية
بقيودها المعروفة(2).
(1)،(2) أ. عبد الفتاح تقية، المرجع السابق، ص 107، 108، 113.
• شروط المريض مرض الموت فقها:
- أن يقعد المريض عن قضاء مصالحه فيجب أن يجعل المرض المريض عاجزا عن
قضاء مصالحه العادية المألوفة التي يستطيع الأصحاء عادة مباشرتها كالذهاب إلى السوق و
ممارسة المهنة إذا لم تكن شاقة و قضاء الحوائج المنزلية، إذا كان المريض من الإناث، و
ليس واجبا ليكون المريض مرض الموت، أن يلزم المريض الفراش فقد لا يلزمه مع ذلك
عاجزا عن قضاء مصالحه(1).
- أن يغلب في المرض خوف الموت و لا يكفي أن يقعد المريض عن قضاء مصالحه،
بل يجب أيضا أن يغلب فيه خوف الموت، و أن يكون مرضا خطيرا من الأمراض التي
تنتهي عادة بالموت،أو أن يكون مرضا بدأ بسيطا ثم تطور حتى أصبحت حالة المريض سيئة
يخشى عليه فيها الموت(2).
- أن ينتهي المرض بالموت فعلا(3).
Ii. هبة المريض مرض الموت في القانون الجزائري:
• هبة المريض مرض الموت حكمها حكم الوصية: يستفاد من نص المادة 204
ق.أ: " الهبة في مرض الموت، و الأمراض و الحالات المخيفة، تعتبر وصية." أنه إذا
صدر الهبة من الواهب و هو في مرض موته فإن الهبة تعتبر وصية(4).
و هذه المادة جاءت تكريسا لما ورد في المادتين 776،777 ق.م الآتي ذكرهما على
التوالي:
المادة 776: " كل تصرف قانوني يصدر عن شخص في حال مرض الموت بقصد
التبرع يعتبر تبرعا مضافا إلى ما بعد الموت، و تسري عليه أحكام الوصية أيا كانت التسمية
التي تعطى إلى هذا التصرف........."
(1) ، (2) ، (3) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 118، 119، 120.
(4) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 127.
المادة 777: " يعتبر التصرف وصية و تجري عليه أحكامها إذا تصرف شخص
لأحد ورثته و استثنى لنفسه بطريقة ما حيازة الشيء المتصرف فيه و الانتفاع به مدة حياته
ما لم يكن هناك دليل يخالف ذلك."
و غرض المشرع الجزائري هو حماية الورثة من الهبات المستترة و من التصرفات
التي تصدر من المورث في مرض الموت، و التي تنطوي في الحقيقة على اعتداء على حق
الورثة في الإرث من الغير، و الحال أن الوارث يتلقى حقه من القانون " أي من الشريعة
الإسلامية التي أقرت له هذا الحق" لا من المورث(1).
• الهبة التي لا تزيد على ثلث التركة: إذا لم تزد قيمة الموهوب وقت الموت على ثلث
التركة، صحت الهبة، سواء كان الموهوب له وارثا أو غير وارث، فإن الوصية أصبحت
تجوز للوارث في الثلث، كما تجوز لغير الوارث، و لا حاجة إلى إجازة الورثة(2).
و هذا ما تنص عليه المادة 185 ق..أ ف 1: " تكون الوصية في حدود ثلث التركة."
• الهبة التي تزيد على ثلث التركة: إذا كانت قيمة الموهوب تزيد على ثلث التركة، فلا
تصح الهبة فيه إلا بإقرار الورثة، فإن لم يقروها وجب على الموهوب له أن يرد إلى التركة
ما جاوز الثلث وفق ما تقضي به المادة 185 ف2 :" و ما زاد عن الثلث تتوقف على إجازة
الورثة."
و إذا تصرف الموهوب له في الموهوب الزائد على الثلث، لم ينفذ التصرف في حق
الورثة بغير إقرارهم(3).
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 125.
(2) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 127.
(3) أ. عبد الفتاح تقية، المرجع السابق، ص 116.
المبحث الثاني: المـحـــــــــــــل
المطلب الأول: الشيء الموهوب
الفرع الأول: في الفقه الإسلامي
* فــي الـفـقـــه الحـنـبـلـــــي:
• أن يكون الشيء الموهوب موجودا وقت الهبة، فلا تصح هبة ما ليس بموجود وقت
العقد بأن وهب له ثمر بستانه في العام المقبل أو ما تلد أغنامه بعد حملها.
• أن يكون الموهوب مالا متقوما فلا تصح هبة ما ليس بمال أصلا كالميتة و الدم
و الخنزير و صيد الحرم و غير ذلك، كما لا تصح هبة المال الذي لا قيمة له في نظر الشرع
كالخمر.
• أن يكون الموهوب مقبوضا، و هذا شرط للزوم الهبة و ثبوت الملك للموهوب له فلا
يثبت له الملك إلا بالقبض.
• أن لا يكون الموهوب مشاعا بما يقبل القسمة، فإذا وهب له نصف دار غير مقسومة
فإن الهبة لا تصح.
• أن لا يكون الموهوب مشغولا بملك الواهب، فإذا وهب لابنه بستانا على أن الثمر
الذي عليه للواهب فالهبة لا تصح.
• أن يكون الموهوب مملوكا للواهب فلا تجوز هبة الأشياء المباحة كالماء و العشب كما
لا تجوز هبة ملك الغير بدون إذنه(1).
* فــي الـفـقـــــــه الـمــالـكـــي:
• أن الموهوب مملوكا فلا تصح ما لا يصح ملكه كالكلب الذي لم يؤذن في اقتنائه، كما
لا تصح هبة ملك الغير بدون إذنه.
(1) عبد الرحمن الجزيري، المرجع السابق، ص 295 ، 296.
• أن يكون الموهوب من الأشياء القابلة للنقل من ملك إلى ملك في نظر الشارع فلا
تصح هبة الاستمتاع بالزوجة لأن نقل هذا الاستمتاع ممنوعا شرعا و مثل ذلك هبة أم الولد.
و تصح هبة جلود الأضاحي لأنها و إن كانت لا يصح بيعها فلا تقبل النقل بالبيع و لكن يصح
إهداؤها و التبرع بها فتصح هبتها.
• و اشترط في الموهوب أن يكون معلوما فيجوز أن يهب مجهول العين و القدر ولو
كان يظن أنه يسير فظهر أنه كثير، فإذا وهب ميراثه من عمه لشخص و كان لا يعرف قدره
و يظن أنه يسير و اتضح أنه كثير فإن الهبة تصح(1).
* فـــي الـفـقــــه الحـنـبـلــــي:
• اشترط في الموهوب أن يكون معلوما فلا تصح هبة المجهول إلا إذا تعذر علمه كما
تقدم فلا تصح هبة الحمل في البدن و اللبن في الضرع و الصوف على الظهر و إذا أذن
صاحب الشاه في جز الصوف و لبن الشاه كان إباحة و مثل ذلك هبة الدهن في السمسم
و الزيت في الزيتون فإنه لا تصح هبته قبل عصره.
• و يشترط في الموهوب أيضا أن يكون موجودا فلا تصح هبة المعدوم كهبة الثمر قبل
أن يبدو.
• أن يكون مقدورا على تسليمه فلا تصح هبة الطير في الهواء و نحو ذلك.
• أن يكون مما يصح بيعه فلا تصح هبة ما لا يصح بيعه و بعضهم يقول تصح هبة
الكلب المأذون فيه و النجاسة التي يبيح الانتفاع بها(2).
الفرع الثاني: في التشريع الجزائري
يسري على الشيء الموهوب باعتباره محل العقد ما يسري على محل العقد بوجه
عام، و يشترط في محل الهبة أو الشيء الموهوب، ليكون عقد الهبة صحيحا منتجا لآثاره
الشروط الأربعة التالية:
(1) ، (2) عبد الرحمن الجزيري، المرجع السابق، ص 297 ، 298.
• أن يكون الشيء الموهوب مملوكا للواهب: وفقا لنص المادة 205 ق.أ يسوغ للواهب
أن يهب ما يملك فقط سواء كل ممتلكاته أو جزءا منها أو عينا أو منفعة أو دينا لدى الغير،
مما يجعل الجواز مشروطا بأن يكون الواهب مالكا لما يهب، أما إذا لم يكن مالكا للشيء
الموهوب فلا يصوغ له أن يهبه و بالتالي و وفق مفهوم المخالفة لهذا النص فلا يجوز
للواهب أن يهب ملك الغير(1). فإذا وهب الواهب ملك الغير فللموهوب له وحده لأن يطلب
إبطال الهبة حتى قبل أن يتعرض له المالك الحقيقي، و يبقى ملكا للموهوب، و لا تنتقل منه
الملكية إلى الموهوب له إلا إذا أقر المالك الحقيقي الهبة، و حينئذ تنقلب الهبة صحيحة من
وقت صدورها، و لكن الملكية لا تنتقل إلى الموهوب له إلا من وقت الإقرار(2).
• أن يكون المحل موجودا وقت الهبة: يشترط في الموهوب أن يكون موجودا وقت
العقد، فإن وجد كان العقد نهائيا و إلا كان باطلا بطلانا مطلقا، و إذا ظهر أن الشيء
الموهوب قد هلك قبل العقد أو وقت التعاقد فإن العقد لا ينعقد، لعدم وجود محل له، مثال ذلك
أن يهب شخص لشخص آخر منزله ثم يظهر أنه احترق قبل ذلك، أو يهب له ماشية ثم يظهر
أنها نفقت قبل التعاقد أو وقت حصوله و يعتبر الشيء غير موجود، أيضا إذا فقد وجوده
القانوني كالنزول لآخر عن حق انتفاع انقضى قبل ذلك بانتهاء مدته(3).
• أن يكون المحل معينا أو قابلا للتعيين: يجب أن يكون المحل الموهوب معينا تعيينا
كافيا، و نافيا للجهالة، فلا تصح هبة المجهول، لأن الهبة من العقود الناقلة للملكية، كي لا يقع
لبس بشيء مماثل له من الأشياء القيمية و الأشياء المثلية، و يجب أن يكون الموهوب معينا
بمقداره و نوعه مثل القمح فهنا يجب تحديد النوع و إلا كان العقد باطلا بطلانا مطلقا،
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 146.
(2) د. بدران أبو العينين بدران، المرجع السابق، ص 230.
(3) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص 61.
أما المقدار لابد أن يكون هناك ما يستشف به عليه، و عندما لا يكون هناك ضابط يحدد من
خلاله المقدار فهنا العقد باطلا، أما فيما يخص الجودة فإذا لم تحدد الواهب ملزم بالصنف
المتوسط، ويعتبر العقد صحيحا دائما إذا تخلف عنصر الجودة في المثليات طبقا لنص المادة
94 ق.م:" إذا لم يكن محل الالتزام معينا بذاته، وجب أن يكون معينا بنوعه، و مقداره و إلا
كان العقد باطلا.
و يكفي أن يكون المحل معينا بنوعه فقط إذا تضمن العقد ما يستطاع به تعيين مقداره.
و إذا لم يتفق المتعاقدان على درجة الشيء، من حيث جودته و لم يمكن تبين ذلك من العرف
أو من أي ظرف آخر، التزم المدين بتسليم شيء من صنف متوسط."، و هذا باعتبار أن
القانون المدني هو الشريعة الأم.
• أن يكون صالحا للتعامل فيه: يجب أن يكون الشيء الموهوب مشروعا غير مخالف
للنظام العام و الآداب العامة؟، و توجد بعض الأشياء لا يجوز التعامل فيها بمقتضى القانون
مثل: مرفق عام، مخدرات، هبة أموال التركة المستقبلة، و هناك ما لا يجوز التعامل فيه
بمقتضى الطبيعة مثل: الشمس، الهواء، البحار، الأزهار.........، و يرجع إلى استحالتها أو
إلى عدم استطاعة أحد الاستبداد بحيازتها و تسليمها و التصرف فيها.
المطلب الثاني: العوض في الهبة
الفرع الأول: العوض في الهبة في التشريع الجزائري و صوره
العوض في الهبة في قانون الأسرة:
الأصل أن الهبة عقد ملزم لجانب واحد، لكب يجوز أن تصبح عقد ملزم لجانبين وفقا
لما تنص عليه المادة202 ف 2 ق.أ بأن يشترط الواهب على الموهوب له القيام بالتزام قد
يكون عوض، على أن يكون هذا العوض موجودا، غير مخالف للنظام العام و الآداب العامة،
و أن يكون معينا أو قابلا للتعيين.
ويكون العوض بمال كأن يشترط الواهب على الموهوب له التزامل بالإعطاء و التزام
بالعمل أو الامتناع عن عمل، فمثل الالتزام بالإعطاء أن يلتزم الموهوب له بترتيب إبراء
الواهب، أو الأجنبي، أو أن يلتزم بوفاء ديون الواهب، أو الديون المترتبة على العين
الموهوبة.
و الالتزام بالعمل مثله أن يلتزم الموهوب هل بأن يقوم بخدمات معينة للواهب كأن
يزرع له أرضا و نحو ذلك.
والالتزام بالامتناع عن عمل مثاله أن يتعد الموهوب له بألا يتصرف في العين
الموهوبة(1).
و الهبة بعوض يجب أن تبقى قائمة على نية التبرع، و إذا كانت الهبة بعوض مجردة
من نية التبرع فهي عقد آخر كالبيع و المقايضة، والعوض في الهبة يجب أن تكون قيمته
المادية أقل من قيمة الشيء الموهوب حتى تستبقي الهبة صفتها باعتبارها تبرعا(2).
الصور المختلفة للمقابل في الهبة:
و المقابل في الهبة يتخذ صور مختلفة و متباينة نذكر منها ما يلي: قد يراعى في
الشروط و الالتزامات التي يعرضها الواهب على الموهوب له لمصلحة هذا الأخير(3).
مثال ذلك أن يهب شخص آخر مالا و يشترط عليه أن يشتري به دارا أو أوراق مالية
ادخارا للمال عند الحاجة لمصلحة الموهوب له نفسه، و قد تكون الشروط و الالتزامات
مفروضة على الموهوب له لمصلحة الواهب، مثل ذلك أن يشترط الواهب على الموهوب له
أن يوفي ديونه فيلتزم الموهوب له عندئذ بوفاء ديون الواهب التي كانت موجودة وقت الهبة،
و قد يشترط الواهب العوض للمصلحة العامة، كأن يهب شخص مالا لجمعية و يشترط عليها
أن تقوم بإنشاء مستشفى أو ملجأ مما يحقق مصلحة عامة (4).
(1) ، (2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 164، 165.
(3) ، (4) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 130 ، 131.
الفرع الثاني: العمري و الرقبي في الفقه الإسلامي
العــمـــري: العمري في الاصطلاح هي هبة غلة الأصول من الأشجار و الرياع
و العقار طول حياة المعمر أو لمدة اتفقا عليها فإذا مات المعمر أو انقضت المدة رجع الشيء
للمعمر إن كان حيا و لورثته إن كان ميتا(1) ، و هذه هي هبة المنافع و هي ما يشترط فيها
مدة بقاء حياة الموهوب له(2).
و العمري لابد فيه من الحيازة كالهبة و إلا لم تصح، و للمعمر كراؤها العام أو
العامين، و لا ينبغي كراؤها أكثر من ذلك فإن كانت لمدة معلومة فله عقد الكراء فيها إلى تلك
المدة، و له أن يبيعها من المعمر لورثته نقدا و إلى أجل، و قيل لا يجوز إلا بالنقد(3).
و جاء في البداية: اختلف الفقهاء فيها إلى ثلاثة أقوال:
1. أنها هبة مبتوتة أي أنها هبة للرقبة أي الذات، و به قال الشافعي و أبو حنيفة(4).
2. أنه لليس للمعمر فيها إلا المنفعة فإذا مات عادت الرقبة للمعمر أو ورثته و به قال
مالك و أصحابه(5).
3. أنه إذا قال هي عمر لك و لعاقبك كانت الرقبة ملكا للمعمر، فإذا لم يذكر العقب عادت
الرقبة بعد موت المعمر للمعمر أو لورثته(6).
الــــــرقـبــــي: صورة الرقبي هو أن يقول شخص لآخر داري لك رقبي، أو أرقبتك
هذه الدار أو هي لك حياتك على أنك مت قبلي عادت إلي، و إن مت قبلك فهي لك، و لعقبك،
فكأنه يقول هو لآخرنا موتا، و لدلك سميت رقبي لأن كل واحد منهما يرقب صاحبه، و هي
جائزة في قول أكثر أهل العلم.
(1) ، (2) ، (3) ، (4) ، (5) ، (6) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 168 ، 169.
و رأى بعضهم أنها لا تصح، لأن النبي- صلى الله عليه و سلم- قال: " لا تعمروا و لا
ترقبوا"، قال صاحب المغني و لنا ما روى جابر قال قال رسول الله- صلى الله عليه و سلم-:
" العمري جائزة لأهلها و الرقبي جائزة لأهلها"(1).
و من بين الآراء التي وردت في الرقبي:
1. قول الحنفية و الحنابلة أن الرقبي معلقة على أمر غير محقق فلذا كانت غير صحيحة،
و إذا كانت هبة هبة غير صحيحة كانت عارية(2).
2. و قول المالكية أن الرقبي باطلة، فإن وقع ذلك و علم قبل موت أحدهما فسخ العقد
و إن علم بعد الموت رجعت الدار للورثة و لا يعبأ بالعقد(3).
3. أما الشافعية فقالوا: أن الهبة تصح بالرقبي و الشرط لغو لا قيمة له، و لا تملك الهبة
إل بالقبض بإذن الواهب(4).
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 171.
(2) ، (3) ، (4) عبد الرحمن الجزيري ، المرجع السابق، ص 293 ، 294 ، 299 ، 300 .
المبحث الثالث: الــســـبـــب
المطلب الأول: السبب في الفقه الإسلامي و التشريع الجزائري
الفرع الأول: السبب في الفقه الإسلامي
لقد اختلف الفقهاء المسلمون فيما يخص السبب فمنهم من لم يعالج السبب كركن من
أركان العقد و لكن تكلموا عنه بإسهاب في أصول الفقه، و اتسع ليشمل جميع أعمال الإنسان
من تصرفات قولية و فعلية و قد اهتموا من جهة أخرى اهتماما عظيما بقصد الإنسان و نيته
عند قيامه بعمل من الأعمال، كما تكلموا عن النية أو القصد في التصرفات القولية تحت
عنوان " المقصود في العقود" و ذهبوا إلى أنه إذا كان قصد المتعاقد مشروعا فالعقد صحيح
و إلا فالعقد باطلا و نقطة البدء في ذلك- قوله صلى الله عليه و سلم-: " إنما الأعمال بالنيات
و إنما لكل امرئ ما نوى "(1).
و هناك رأي آخر يقول بأن فكرة السبب في الفقه الإسلامي ليست فكرة خالية من
الباعث و لو لم يتضمنه التعبير عن الإرادة أي و لو لم يذكر في العقد، و يكون العقد صحيحا
أو باطلا تبعا لما إذا كان هذا الباعث مشروع أو غير مشروع، و هذا الرأي تتغلب فيه
العوامل الأدبية و الخلقية و الدينية، و برى ابن حنبل أن عزل الباعث عن السبب يكون العقد
غير مشروع بالنظر إلى الغاية غير المشروعة التي يقصد إليها أحد المتعاقدين(2).
الفرع الثاني: السبب في التشريع الجزائري
إن القانون الجزائري أسند السبب إلى العقد في المادة 97 ق.م: " إذا التزم المتعاقد
لسبب غير مشروع أو لسبب مخالف للنظام العام و للآداب كان العقد باطلا."، و عاد و
أسنده إلى الالتزام في المادة98 ف1ق.م: " كل التزام مفترض أن له سببا مشروعا، ما لم يقم
الدليل على غير ذلك.".
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 184.
(2) نفس المرجع، ص 187.
و بهذا فإن المشرع الجزائري أخذ بازدواجية السبب، لكنه عاد فأسند السبب إلى العقد
في ف2 من المادة 98 ق.م بقولها:" و يعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي
حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك، فإذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعي أن
للالتزام سببا آخر مشروعا أن يثبت ما يدعيه."، و على كل حال فالسبب المطلوب كركن
في العقد هو السبب بالمعنى الحديث أي الباعث الدافع الذي دفع المتعاقد إلى إبرام العقد
و يشترط فيه شرط واحد و هو أن يكون مشروعا، و يفترض أن السبب مشروع حتى يثبت
العكس، و إذا ظهر أن الباعث الدافع لأحد المتعاقدين غير مشروع فيشترط لبطلان العقد أن
يكون المتعاقد الآخر على علم بهذا الباعث و لا يشترط أن يكون متفقا مع هذا المتعاقد فيه،
و هذا هو الرأي الراجح، فإذا كان باعث أحد المتعاقدين غير مشروع و لم يكن المتعاقد
الآخر على علم به، و لا كان في استطاعته أن يعلم به، فلا يكون العقد باطلا و يؤخذ بالإرادة
الظاهرة لا بالإرادة الباطنة(1).
و بما أن القانون الجزائري قد اعتنق النظرية الحديثة للسبب و اعتبره هو الدافع
الباعث إلى التعاقد، فإن الغلط في هذا السبب يجب أن يؤدي إلى قابلية العقد للإبطال فقط
قياسا على كل أنواع الغلط، و قد كانت النظرية التقليدية تقول أن الغلط في السبب يؤدي إلى
بطلان العقد بطلانا مطلقا(2).
و في إثبات السبب فإن نص المادة 98 ق.م السالفة الذكر يواجه فرضيتين:
الفرض الأول: أن يكون العقد خاليا من ذكر السبب، فيفترض في هذا الفرض أن
للعقد سببا مشروعا، و لكن هذه القرينة بسيطة يجوز لمدين أن يثبت عكسها بجميع طرق
الإثبات و لو بالبينة و القرائن إذ لا كتابة هنا(3).
(1) ، (2) ، (3) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 75.
الفرض الثاني: أن يذكر السبب في العقد، فيفترض أن هذا السبب حقيقي و ليس
صوريا، و للمدين أن يثبت أن السبب المذكور في العقد صوري و ليس هو السبب الحقيقي،
و لكن على المدين في هذه الحالة أن يثبت العكس بالكتابة لأن الكتابة لا يجوز إثبات عكسها
إلا بالكتابة، و لو لم تزد قيمة العقد عن 100000 د.ج، فإذا أثبت المدين صورية العقد كان
عبئ إثبات العكس على الدائن، و إذا أثبت الدائن أن السبب الذكور في العقد هو السبب
الحقيقي، فللمدين أن يثبت أنه غير مشروع، و لكنه في هذه الحالة أن يثبت المشروعية بكل
طرق الإثبات لأن عدم المشروعية غش ة الغش يجوز إثباته بكل الطرق و لو كان بشهادة
الشهود(1).
المطلب الثاني: السبب في القضاء الجزائري
إن القضاء الجزائري قضاء حديث النشأة لا يزال يقتضي آثار القضاء الفرنسي
و المصري خاصة في مجال الهبة و ما دام الأمر كذلك ينبغي أن نطبق على عقد الهبة
النظرية الحديثة للسبب(2)، و يجب أن يفهم هنا السبب بمعناه الحديث: الباعث الدافع للواهب
على الهبة. أما نية التبرع و هي التي تقول النظرية التقليدية أنها السبب في الهبة، فهي تختلط
اختلاطا تاما بالرضا، فالواهب عندما رضي بالهبة كان رضاؤه هذا متضمنا لنية التبرع.
و أكثر ما يظهر عقم النظرية التقليدية في السبب عندما تخلط هذه النظرية نية التبرع بالسبب
في الهبات فإن نية التبرع موجودة حتما في كل هبة، ووصف هذه النية بأنها السبب لا يقدم
شيئا. و هذا ما دفع الأستاذ كابيتان، و هو من أكبر المدافعين عن نظرية السبب التقليدية، إلى
ألا يقف عند نية التبرع، بل يجاوزها إلى الباعث الدافع، فيجعله هو السبب في الهبة إذا
اقترنت بشرط يكون هو الذي دفع المتبرع إلى تبرعه(2)، فيجب إذن الأخذ بالنظرية الحديثة
في السبب و بخاصة في عقد الهبة، فيكون السبب كما قدمنا هو الباعث الدافع للواهب على
التبرع(4).
(1) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 76.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 183.
(3) ، (4) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 132 ، 133.
و يجب أن يكون هذا الباعث مشروعا، فإذا كان غير مشروع كانت الهبة باطلة
بطلانا مطلقا، و لكن يجب، حتى تكون الهبة باطلة لعدم مشروعية الباعث الذي دفع الواهب
إلى التبرع أن يكون الموهوب له يعلم أو يستطيع أن يعلم بهذا الباعث، و قد ذهب بعض
الفقهاء إلى أنه لا حاجة في الهبة حتى تبطل إلى أن يكون عدم مشروعية الباعث معلوما من
الموهوب له، فإن الإرادة التي تقف عندها هي إرادة المتبرع وحده فهي الإرادة التي تسيطر
على التصرف، فيعتد إذن بالباعث الذي دفع الواهب إلى تبرعه سواء كان معلوما من
الموهوب له أو كان مجهولا منه، و لكن الرأي الذي ساد هو الرأي الأول، فيجب حتى في
الهبة لتكون باطلة، أن يكون عدم مشروعية الباعث الذي دفع الواهب إلى التبرع معلوما من
الموهوب له(1).
(1) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 133.
المبحث الرابع: الشـــــــكــلـيـــــــــــة
المطلب الأول: الشكلية في هبة العقار و المنقول
الفرع الأول: الشكلية في هبة العقار
يستفاد من نص المادة206 ق.أ، أن الهبة في العقار تنعقد بالإيجاب و القبول،
و مراعاة أحكام التوثيق و تتم بالحيازة، و من أحكام التوثيق ما نصت عليه المواد324
مكرر1 و 324 مكرر2 و324 مكرر4 من القانون رقم 88/14 المؤرخ في 3 مايو 1988
و كذا المادة 324 مكرر3 من القانون رقم05/10 المؤرخ في 20 جوان 2005 المعدلان
و المتممان للأمر رقم 75/58 المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 و المتضمن القانون المدني.
و هذه المواد سيتم ذكرها على التوالي:
1. المادة 342 مكرر1: " زيادة على العقود التي بأمر القانون بإخضاعها إلى شكل
رسمي يجب، تحت طائلة البطلان، تحرير العقود التي تتضمن نقل ملكية عقار أو حقوق
عقارية أو محلات تجارية أو صناعية أو كل عنصر من عناصرها، أو التنازل عن أسهم من
شركة أو حصص فيها، أو عقود إيجار زراعية أو تجارية أو عقود تسيير محلات تجارية أو
مؤسسات صناعية في شكل رسمي، و يجب دفع الثمن لدى الضابط العمومي الذي حرر
العقد.
كما يجب، تحت طائلة البطلان، إثبات العقود المؤسسة أو المعدلة للشركة بعقد
رسمي. و تودع الأموال الناتجة عن هذه العمليات لدى الضابط العمومي المحرر للعقد."
2. المادة 324 مكرر 2:" تقع العقود الرسمية من قبل الأطراف و الشهود عند الاقتضاء
و يؤشر الضابط العمومي على ذلك في آخر العقد.
و إذا كان بين الأطراف أو الشهود من لا يعرف أو لا يستطيع التوقيع يبين الضابط
العمومي في آخر العقد تصريحاتهم في هذا الشأن و يضعون بصماتهم ما لم يكن هناك مانع
قاهر.
و فضلا عن ذلك، إذا كان الضابط العمومي يجهل الاسم و الحالة و السكن و الأهلية
المدنية للأطراف، يشهد على ذلك شاهدان بالغان تحت مسؤوليتهما."
3. المادة324 مكرر3:" يتلقى الضابط العمومي، تحت طائلة البطلان، العقود
الاحتفائية، بحضور شاهدين."
4. المادة 324 مكرر4:" يبين الضابط العمومي في العقود الناقلة أو المعلنة عن ملكية
عقارية، طبيعة و حالات و مضمون، و حدود العقارات و أسماء المالكين السابقين، و عند
الإمكان صفة و تاريخ التحويلات المتتالية."، أن هبة العقار لا تتم إلا بورقة رسمية و ذلك
عن طريق مكاتب التوثيق الموجود في دائرة اختصاصها العقار الموهوب محل عقد الهبة
بعد دفع الرسم المستحق و يجب على الموثق التثبت من أهلية المتعاقدين و رضائهما و ذلك
عن طريق تقديم مستندات كشهادة الميلاد أو شهادة طبية أو مستند آخر، و لا يجوز التوثيق
إلا بحضور شاهدين يوقعان عقد الهبة طبقا لنص المادة 324 مكرر3 السالفة الذكر، و على
الموثق قبل توقيع المتعاقدين على الهبة أن يتلو سيرة العقد مع بيان الأثر القانوني المترتب
عليه، و يكون من حقه رفض التوثيق إذا اتضح له عدم توافر الأهلية أو الرضا لدى
المتعاقدين، أو أن الهبة ظاهرة البطلان(1).
و يجب فضلا عن ذلك أن يتضمن العقد الرسمي جميع عناصر الهبة و شروطها
و جميع ما عسى أن يفرض من التزامات على الموهوب له و أصل ملكية العقار، و طبيعة
وحالات و مضمون و حدود العقارات، و أسماء المالكين الأصليين السابقين، و عند الإمكان
وصف التحولات المتتالية للملكية و كذلك وفق ما توجبه المادة 324 مكرر4 ق.م(2).
و إذا تمت الهبة بواسطة وكيل فعلى الموثق أن يتأكد من مضمون الهبة حتى لا
يتجاوز مضمون الوكالة في الهبة، إذا كانت فهي وكالة خاصة يجب أن يتوفر فيها الشكل،
الواجب توافره في العمل القانوني الذي يكون محل الوكالة ما لم يوجد نص يقضي بخلاف
ذلك، و يكون ذلك وفق ما تنص عليه المادة 572ق.م(3) ." يجب أن يتوفر في الوكالة الشكل
الواجب توفره في العمل القانوني الذي يكون محل الوكالة ما لم يوجد نص يقضي بخلاف
ذلك."
(1) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص 44.
(2) ، (3) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 206.
و بإتمام تلك الإجراءات و استيفائها جميعا من دون نقص، يصبح عقد الهبة عقدا
رسميا و صحيحا نافذا في كافة التراب الوطني حتى يثبت تزويره وفق ما تقضي به المادة
324مكرر5 ق.م:" يعتبر ما ورد في العقد الرسمي حجة حتى يثبت تزويره. و يعتبر نافذا
في كل التراب الوطني." و المادتين 324 مكرر6 324 مكرر7(1) الآتي ذكرهما على
التوالي: " يعتبر العقد الرسمي حجة لمحتوى الاتفاق المبرم بين الأطراف المتعاقدة
و ورثتهم و ذوي الشأن.
غير أنه في حالة شكوى بسبب تزوير في الأصل، يوقف تنفيذ العقد محل الاحتجاج
بتوجيه الاتهام، و عند رفع دعوى فرعية بالتزوير، يمكن للمحاكم، حسب الظروف، إيقاف
تنفيذ العقد مؤقتا."
" يعتبر العقد الرسمي حجة بين الأطراف حتى و لو لم يعبر فيه إلا ببيانات على
سبيل الإشارة، شريطة أن يكون لذلك علاقة مباشرة مع الإجراء.
و لا يمكن استعمال البيانات التي ليست لها صلة بالإجراء سوى كبداية للثبوت."
و يلاحظ وجوب توفر الرسمية و الحيازة و لا يغني أحدهما عن الآخر فالرسمية لا
تغني عن الحيازة و الحيازة لا تغني عن الرسمية، و يؤكد هذا الرأي ما ورد في المادة 208
ق.أ: " إذا كان الواهب ولي الموهوب له، أو زوجه أو كان الموهوب مشاعا فإن التوثيق
و الإيجارات الإدارية تغني عن الحيازة."، إلا أن هذا الرأي يبدو أن المشرع الجزائري
انفرد به دون غيره من المشرعين العرب و الأجانب و كان عليه أن يجعل الرسمية تغني عن
العينية(2).
(1) ، (2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 207.
و هبة العقار لابد أن تسجل بناء على نص المادة 206 ق.أ، أو بناء على القواعد
العامة في القانون المدني، لأن نقل ملكية العقار تستلزم التسجيل هبة كانت أو بيعا و يلزم
الإشهار و التسجيل في المحافظة العقارية و كذلك في إدارة الدومين وفقا لم توجبه المادتان
792 ، 793 ق.م(1).
و في الغالب يكون قبول الموهوب له للهبة متصلا بإيجاب الواهب، فتحرر الورقة
متضمنة كل من الإيجاب و القبول في وقت واحد و لكن قد ينفصل القبول عن الإيجاب و في
هذه الحالة يجب أن يكون الإيجاب في ورقة رسمية، و أما القبول لم يشترط القانون المدني
وفقا لنص المادة68 منه أن يكون مكتوبا في ورقة رسمية فيمكن أن يتم بورقة عرفية
أو باللفظ أو حتى بمجرد السكوت(2).
أما قبول الهبة في قانون الأسرة فيمكن القول أن نص المادة 206 يحتما أنه إذا كان
القبول منفصلا عن الإيجاب أن يكون في شكل رسمي وفق ما تقتضيه دلالة نص المادة
المذكورة، لأن الأصل في عقد الهبة أنه لا ينعقد إلا بتوفر كل من الإيجاب و القبول مجتمعين
و أنهما يشكلان رسمية الهبة في حالة حضور الطرفين، أما إذا كانا غائبين فلابد من شكلية
القبول و لذلك لابد من إفراغ كل من القبول و الإيجاب في شكل رسمي، و هذا ما يحقق قصد
المشرع الجزائري من اشتراط الشكلية في عقد الهبة، لأن الهبة عقد شكلي و عيني، فإن لم
تتحقق العينية في الحال فلا أقل من أن تتحقق الشكلية في القبول(3).
و لم يتناول القانون الجزائري الهبة بالنص عليها بين العقود الناقلة للملكية كما فعل
القانون المدني المصري، و الليبي، و على ذلك فتبقى الهبة في القانون الجزائري داخلة في
نطاق الأحوال الشخصية(4).
(1) ، (2) ، (3) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 207.
(4) د. علي علي سليمان، مذكرات في القانون الدولي الخاص الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، طبعة 2000، ص 83.
و إذا وقعت الهبة خارج الجزائر و في بلد أجنبي فما هو القانون الذي يطبق على
شكل الهبة؟ و هل يخضع هذا الشكل لجنسية الواهب، أو لقانون البلد الذي تمت فيه الهبة؟
فاعتبار أن هذا الشكل مكمل للأهلية فإنه يخضع لقانون جنسية الواهب و يدخل في نطاق
الأحوال الشخصية، و يجب أن يسجل العقد أمام القنصل الجزائري مادام قد وقع في
الخارج(1).
الفرع الثاني: الشكلية في هبة المنقول
تتطلب الشكلية في المنقول إجراءات خاصة و المقصود بذلك هو استفاء الإجراءات
القانونية الخاصة بنقل الملكية في بعض المنقولات التي يستلزم القانون فيها هذه الإجراءات
كما هي الحالة في هبة الأسهم و السيارات و غيرها من المنقولات التي يتطلب القانون
استيفاء إجراءات لنقل ملكيتها و لم يفصل المشرع لجزائري ما يقصد المشرع الفرنسي في
المادة 932 باشتراطه في الإجراءات الخاصة في المنقولات في صدد هبة المنقول، و إنما
فصل الإجراءات الخاصة في هبة بعض المنقولات كما في الأسهم الاسمية كأن تقيد أو توثق
مع تسليم سندها(2).
و من المنقولات التي يستلزم القانون فيها الإجراءات الخاصة بالأسهم، التي تنص
المادة 700 ق.ت عليها، و هناك مثال آخر للإجراءات الخاصة بالمنقولات، فقد ورد في
القانون البحري في المادة49 أن العقود المنشئة أو الناقلة أو المسقطة لحق الملكية أو العقود
العينية الأخرى المترتبة على السفن أو حصصها يجب أن تثبت تحت طائلة البطلان بسند
رسمي صادر من الموثق يتضمن نوع السفينة و سعاتها و مداخلها و مخارجها وأسماء
مالكيها السابقين و بقدر الإمكان طابع و تاريخ عمليات نقل الملكية المتعاقبة و يكون قيدها
إلزاميا في سجل السفينة و إذا كان المنقول معينا بنوعه فقط، فلا تنتقل ملكيته إلا بفرزه
وتسليمه للموهوب له حتى تتم الهبة بالحيازة(3).
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 208.
(2) د. محمد كامل مرسي، المرجع السابق، ص 78.
(3) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 211.
المطلب الثاني: جزاء الإخلال بالشكلية و الاستثناءات من وجوبها
الفرع الأول: جزاء الإخلال بالشكلية
يستفاد من نص المادة 206 ف2 ق.أ و المادة 324 مكرر1 ق.م أنه إذا تخلفت الشكلية
في هبة العقار و الإجراءات الخاصة في هبة المنقول تصبح الهبة باطلة فجزاء اختلال
الشكل في هبة العقار هو البطلان المطلق، و لا تنتج أثرا، فيبقى المال الموهوب ملكا للواهب
يستطيع إيهابه كما يريد و لا ينتقل الملك إلى الموهوب له و لا يستطيع أن يتصرف فيه(1)
و يجوز للواهب أن يرفع دعوى بطلان، و أن يتمسك بالبطلان دفاعا في دعوى يرفعها عليه
الموهوب له، كما يجوز لأي ذي مصلحة أن يتمسك بالبطلان فيتمسك به ورثة الواهب و
الخلف الخاص كمشتر من الواهب، و إذا كان الواهب قد سلم الشيء الموهوب إلى الموهوب
له و انقضت دعوى البطلان بالتقادم، جاز للواهب أن يرفع دعوى استحقاق يسترد بها العقار
و لا يستطيع الموهوب له أن يدفع هذه الدعوى بالتقادم، فإن الدفوع لا تتقادم(2).
و لما كان بطلان الهبة لعيب في الشكل هو بطلان مطلق، فإن الهبة الباطلة على هذا
النحو لا تصححها الإجازة، و كل ما يستطيع المتعاقدان عمله هو أن يعيدا إبرام العقد من
جديد، فيستوفي الشكل المطلوب و عند ذلك تتم الهبة، و لكنها هبة جديدة غير الهبة الأولى
الباطلة، تاريخها من وقت استيفاء الشكل، لا من وقت الهبة القديمة و يشترط توافر الأهلية
في المتعاقدين عند عمل الهبة الجديدة و لا يكفي توافرها وقت إبرام الهبة القديمة(3).
و إذا كان الموهوب منقولا مما يستوجب الإجراءات الخاصة، فلا تراع هذه
الإجراءات، أو روعيت و لكن بشكل يخالف هذه الإجراءات بصفة جوهرية تِثر على
صحتها، فإن هذه الهبة تعتبر باطلة و لا تلحقها الإجازة(4).
(1) ، (2) ، (3) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 69 ، 70.
(4) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 214.
و يستطيع الواهب في هذه الحالة أن يسترد الموهوب الذي وهبه، و لا يجوز
للموهوب له أن يدفع بعدم جواز الاسترداد أو بدعوى أن الواهب سلمه المنقول ذلك لأن الهبة
إذا كانت تتم بالقبض وفقا لنص المادة206 فإنها تستوجب لإتمام الهبة مراعاة الإجراءات
الخاصة، و لا ينبغي القبض على الإجراءات الخاصة، بل لابد من توفر القبض بجانب
الإجراء الخاص و لا يغني أحدهما عن الأخر(1).
و ل يسوغ للحائز أن يحتج بنص المادة 835 ق.م فيما يتعلق بالهبة ما دام نص المادة
206 ق.أ صريحا، فلا يجوز التحول عنه إلى أحكام المادة 835 و الاعتداد بالقبض(2).
الفرع الثاني: الاستثناءات من وجوب الشكلية و العينية في الهبة
الهبة غير المباشرة: الهبة غير المباشرة هي التي تنشأ من أي عقد غير عقد الهبة،
من غير أن يكون التبرع الذي تضمنه غير مخفيا، و الذي يميزها عن الهبات المستترة هو
وجود الصورية في الهبات المستترة أما في الهبات غير المباشرة فتظهر نية الواهب في
التبرع و رغبته في الهبة(3).
فالهبة المباشرة هي تصرف الواهب في ماله للموهوب له على سبيل التبرع، فالذي
يميز الهبة المباشرة أنها تصرف مباشر في المال، إما بنقل حق عيني أو بإنشاء التزام
شخصي أما الهبة غير المباشرة يكسب الموهوب له حقا عينيا أو حقا شخصيا دون مقابل
على سبيل التبرع عن طريق الواهب، و لكن دون أن ينتقل إليه هذا الحق مباشرة من الواهب
فتلك هي الهبة غير المباشرة(4).
(1) ، (2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 215.
(3) د. محمد كامل مرسي، المرجع السابق، ص 112.
(4) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 79 ، 80.
و تقع الهبات غير المباشرة غالبا في صورة التنازل أو الترك، كما إذا تنازل شخص
عن حق شخصي أي الإبراء، أو حق انتفاع أو حق ارتفاق مقرر لمنفعة عقاره على عقار
الموهوب، و من صورها أيضا التعهد بالدفع، و حوالة الحق و الوفاء عن الغير و الوفاء به،
و الاشتراط لمصلحة الغير، و الشراء باسم مستعار(1).
و الهبة غير المباشرة تستثنى من وجوب الشكلية و العينية إذ القانون لم يشترط
الشكلية أو العينية إل في الهبات المباشرة المكشوفة، و من ثم تتم الهبة غير المباشرة دون
حاجة إلى ورقة رسمية، و دون حاجة إلى القبض في المنقول، غير أن الأحكام الموضوعية
تسري عليها، كجواز الرجوع في الهبة و الطعن بالدعوى البولصية و أهلية التبرع
والتصرف في مرض الموت و غير ذلك من الأحكام(2).
و تثبت الهبة غير المباشرة وفقا للقواعد العامة المقررة في الإثبات، فتجب الكتابة
أو ما يقوم مقامها فيما بين المتعاقدين فيما يجاوز 100000 د.ج طبقا لنص المادة 333 من
القانون رقم 05/10 المؤرخ في 20 جوان 2005 و المعدل و المتمم الأمر رقم 75/58
المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 و المتضمن القانون المدني، كما إذا أراد الواهب الرجوع في
الهبة، أما الغير فله أن يثبت الهبة غير المباشرة بجميع الطرق و منها البينة و القرائن، كما
إذا أراد الواهب أن يطعن في الهبة غير المباشرة بالدعوى البولصية(3).
الهبة المستترة: تعتبر الهبة المستترة في الواقع هبة مباشرة إذ خلالها ينقل الواهب
للموهوب له حقا عينيا، أو يلتزم أو يلتزم له بحق شخصي و لكنها تختلف من حيث أن
ظاهرها يختلف عن حقيقتها فهي في حقيقتها هبة لكنها تظهر تحت اسم آخر ساتر لها.
(1) د. حسن محمد بودى، الرجع السابق، ص 47.
(2) ، (3) د؟ السنهوري، المرجع السابق، ص 84 ، 85.
و العقد الساتر للهبة سواء كان بيعا أو قرضا أو إقرارا بدين، أو حوالة الحق أو عقد
محاباة. أو عقد إيراد بمرتب مدى الحياة، فإذا كان العقد الساتر للهبة عقد بيع مثلا وجب أن
يذكر ثمنا صوريا و إلا كانت الهبة مكشوفة و تستوجب الرسمية، و جعل الهبة تحت ستار
عقد آخر لا يعفيها من سائر شروط الهبة كأهلية التبرع في الواهب و ملكيته للموهوب(1).
و الهبة المستترة هي الأخرى معفاة من الشكلية و العينية، على أنها إذا كانت لا
تخضع لأحكام الهبة الشكلية فإنها تخضع لأحكامها الموضوعية، و يترتب على ذلك أن الهبة
المستترة تعتبر هبة، و تستلزم أهلية التبرع في الواهب، يجب أن يكون الواهب مالكا لما
تبرع به و يتحقق فيها ضمان الاستحقاق و ضمان العيب، و تعتبر تبرعا بالنسبة إلى الدعوى
البولصية، و يجوز فيها الرجوع، إلا إذا وجد المانع و إذا صدرت في مرض الموت كان لها
حكم الوصية و من يدعي أن العقد الظاهر ليس هبة مستترة ليجري عليه أحكام الهبة
الموضوعية هو الذي يحمل عبء الإثبات، و قاضي الموضوع هو الذي يبت فيها إذا كان
التصرف المطعون فيه هو هبة مستترة، يعمد في ذلك إلى ظروف التصرف و ملابساته و لا
معقب على تقديره من المحكمة العليا(2).
التمييز بين الهبة المستترة و الهبة غير المباشرة: الهبة المستترة هبة مباشرة، إذ
فيها ينقل الواهب للموهوب له حقا عينيا أو يلتزم له بحق شخصي، و هذا أول فرق بين
الهبتين، و الفرق الثاني أن الهبة المستترة ظاهرها غير حقيقتها، فهي في حقيقتها هبة لكنها
تظهر تحت اسم عقد آخر، أما الهبة غير المباشرة فظاهرها كحقيقتها فهي هبة في الحقيقة
وفي الظاهر. و الهبة غير المباشرة أعفيت من الشكل بحكم النظام الخاص الذي يسري عليها
كما سبق القول، أما الهبة المستترة فهي هبة مباشرة و القانون يعفي الهبة المستترة التي تتم
تحت ستار من الشكلية سواء كانت هبة عقار أو هبة منقول(3).
(1) د. حسن محمد بودى، المرجع السابق، ص 47 ، 48.
(2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 221.
(3) د. السنهوري، المرجع السابق، ص 86.
المبحث الخامس: قبض الهبة و الوعد بها
المطلب الأول: قبض الهبة
الفرع الأول: القبض في الفقه الإسلامي
1. في الفقه الحنفي و الشافعي: القبض شرط للزوم الهبة حتى أنه لا يثبت الملك
للموهوب له قبل القبض، بدليل ما روت عائشة - رضي الله عنها- أن أباها نحلها جداد
عشرين وسقا من ماله، فلما حضرته الوفاة قال: يا بنية: إن أحب الناس عندي بعدي لأنت،
وإن أعز الناس علي فقرا بعدي لأنت و إن كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالي، و لو
كنت جددتيه و أحرزتيه لكان لك، و إنما هو اليوم مال الوارث، و إنما هما اليوم أخواك
وأختاك فاقتسموه على كتاب الله، قالت: هذان أخواي، فمن أختاي، إنما هي أسماء، فمن
الأخرى؟ قال: ذو بطن بنت خارجة، فإني أظنها جارية.
فهذا نص في اشتراط القبض في الهبة، و إن الهبة تملك بالقبض لقوله:" لو كنت
جددتيه و أحرزتيه لكان لك" و قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: " ما بال رجال
ينحلون أبناءهم نحلا، ثم يمسكونها فإن مات ابن أحدهم، قال: مالي بيدي، لم أعطه أحدا و إن
مات هو قال: هو لابني قد كنت أعطيته إياه فمن نحله نحلة فلم يحرزها الذي نحلها- و أبقاها-
حتى تكون إن مات لورثته فهي باطلة"(1) و هذا هو قول عثمان و علي أيضا، و في الجملة
فإن الخلفاء الراشدين و غيرهم اتفقوا على أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة محوزة.
و يترتب على ذلك أنه لو وهب إنسان ثوبا، أو عينا من الأعيان، مفرزا مقسوما، و لم
يؤذن له بقبضه، فقبضه الموهوب له، فإن كان بحضرة الواهب، يجوز استحسانا و القياس أن
لا يجوز قبضه بعد الافتراق من المجلس و هو قول زفر، لأن القبض عنده ركن بمنزلة
القبول في حق إثبات الحكم، فلا يجوز القبض بعد الافتراق عن المجلس، كما لا يجوز القبول
بعد الافتراق، و وجه الاستحسان أن الإذن بالقبض وجد من طريق الدلالة لأن الإيجاب فيه
دلالة الإذن بالقبض(2).
(1) ، (2) د. وهبة الزحيلي، المرجع السابق، ص 19 ، 20 ، 21.
2. في الفقه المالكي:لا يشترط القبض في صحة الهبة، و لا للزوم الهبة، و إنما هو
شرط لتمامها، أي لكمال فائدتها، بمعنى أن الموهوب يملك بمجرد العقد أي القول، على
المشهور عندهم. و القبض أو الحيازة تتم الهبة، و يجبر الواهب على تمكين الموهوب له من
الموهوب، و دليلهم تشبيه الهبة بالبيع و غيرهم من سائر التمليكات، و لقول الأصحاب: الهبة
جائزة إذا كانت معلومة، قبضت أو لم تقبض، و يصح القبض و لو بلا إذن من الواهب، و
يجبر الواهب على تمكين الموهوب له من القبض حيث طلبه، لأن الهبة تملك بالقول أي
بالإيجاب، على المشهور عندهم(1).
3. في الفقه الحنبلي: القبض شرط لصحة الهبة في المكيل أو الموزون لإجماع
الصحابة على ذلك و يظهر أن المراد بكون القبض شرط صحة أنه شرط لزوم بدليل قول
ابن قدامى إن المكيل و الموزون لا تلتزم فيه الصدقة و الهبة إلا بالقبض، و هو قول أكثر
الفقهاء. أما غير المكيل و الموزون فتلزم فيه بمجرد العقد و يثبت الملك في الموهوب قبل
قبضه لما روي عن علي و ابن مسعود- رضي الله عنهما- أنهما قالا: الهبة جائزة إذا كانت
معلومة قبضت أو لم تقبض(2).
الفرع الثاني: قبض الهبة في التشريع الجزائري
1. القبض في العقار: فالقبض في العقار يكون تسليمه و ذلك بوضعه تحت تصرف
الموهوب له لأن يتخلى الواهب عنه إلى الموهوب له فإن كان دارا يسكنها الواهب و جب
عليه أن يخليها و أن يخرج منها أثاثه و كل الأمتعة التي فيها و أن يسلم مفاتيحها إلى
الموهوب له. و إن كانت أرضا زراعية وجب عليه أن يخرج منها و أن يتركها و يأخذ كل
ماله منها، سواء من حيوانات أو آلات أو عتاد فلاحي، ثم يمكن الواهب الموهوب له من
الاستيلاء على العقار المذكور حتى يتمكن من الدخول فيه و استغلاله من دون أي تعرض
(1) د. وهبة الزحيلي، المرجع السابق، ص 22.
(2) ابن قدامى، المرجع السابق، ص 277.
كان، و بهذا يتم القبض في العقار و تصبح الهبة تامة وفق ما تقضي به المادة 206 ق.أ
و التوثيق و التسجيل لا يكفيان في القبض، بل لابد من إتمام القبض و الحيازة مجتمعين و لا
يغني القبض عن الرسمية كما لا تغني الرسمية عن القبض، فهما شيئان متلازمان يشكلان
مجتمعين تمام الهبة وإلا فلا تعتبر الهبة تامة إذا تخلف أحدهما(1).
2. القبض في المنقول: إذا كان المنقول من المنقولات التي تتطلب إجراءات خاصة فإن
القبض فيها هو الآخر يتطلب القيام بهذه الإجراءات بجانب تسليمها و حيازتها من قبل
الموهوب له و ذلك كالسفن و الزوارق و السيارات و الجرارات و ما في حكمها كالدراجات
النارية و بعض الآلات، و كذلك الأسهم الاسمية فلا تتم الهبة إلا بالحيازة باعتبار أنها شرط
تمام، أما المنقولات التي ليس من طبيعتها الخضوع إلى الإجراءات الخاصة، فإنها تتم
بالحيازة و ذلك بالتسليم الفعلي للشيء الموهوب من قبل الواهب إلى الموهوب له، و هو ما
يسمى بالهبة اليدوية، و هي الهبة التي تقع على أشياء قابلة للنقل دون قيد أو عقد أو توثيق،
كالكتب و الحلي و المجوهرات و الساعات و الأشياء المادية ذات القيمة المالية أو الرمزية أو
المعنوية و الآلات الإلكترونية و مختلف الحيوانات(2).
و يستفاد من هذا أن القبض يتم بحيازة المنقول و استعماله و الانتفاع به و ذلك
بتخصيص لموهوب له لينتفع به، و القبض في المنقول نوعان:
القبض الفعلي: يتم عادة بالمناولة و دلك بأن يتناول الموهوب له الموهوب- المنقول-
يدا بيد، فتنتقل بذلك حيازة الموهوب من الواهب إلى الموهوب له، كذلك يتم القبض الفعلي
بوضع الواهب المنقول تحت تصرف الموهوب له بحيث يتمكن من حيازته، و الانتفاع به
من دون عائق(3)، و لو أن الموهوب له لم يستولي على المنقول، استيلاء ماديا ما دام قد أعلم
بوضع المنقول تحت تصرفه أن إمكانه الاستيلاء عليه من دون عائق، فإن هذا يكفي لإتمام
(1) ، (2) د.محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 221،225.
(3) د. بدران أبو العينين بدران، المرجع السابق، ص 223.
الحيازة أو القبض في الهبة، و كل ما يشترط في هذا النوع من المنقولات لإتمام الهبة القبض
و الحيازة، فإذا حاز الموهوب له المال الموهوب تمت الهبة و إلا فتكون الهبة كأن لم تكن(1).
القبض الحكمي: نصت عليه المادة 207 بقولها:" إذا كان الشيء الموهوب بيد
الموهوب له قبل الهبة يعتبر حيازة و إذا كان بيد الغير وجب إخباره بها ليعتبر حائزا."
فالحيازة حسب هذه المادة تكون قد تمت فعلا و حكما، و إذا كان الشيء الموهوب بيد
الموهوب له، إما على سبيل الإعارة أو الوديعة مثلا، أو أن الشيء الموهوب يكون تحت يد
شخص ثالث و هو الغير، فيجب على الواهب إخبار الموهوب له و بمجرد الإخبار بأن
الشيء المذكور وهب له فيصبح جائزا حكما، و قد يغني التوثيق و الإجراءات الإدارية عن
الحيازة إذا كان الواهب ولي الموهوب له أو زوجه أو كان الموهوب مشاعا مثلما نصت
المادة 208 ق.أ(2).
المطلب الثاني: الوعد بالهبة
الفرع الأول: في الفقه الإسلامي
لقد اختلف الفقهاء المسلمون في لزوم الوعد للواعد بصفة عامة و بالنسبة إلى سائر
العقود إلى أربعة أقوال:
القول الأول: و هو المشهور منها، يرى أن الموعود له إذا دخل بسبب الوعد في فعل
الشيء اقتضاه اتفاقا قضي على الواعد بها، مثال ذلك أن يقول شخص لآخر إني أريد أن
أهدم داري أو أن أبنيها أو أن أسافر و ليس عندي ما يمكنني من ذلك و يقول له صاحبه أفعل
و أنا أقرضك أو أعطيك كذا، فإنه يلزمه الوفاء بما وعد إذا دخل في الفعل بناء على ذلك و
هذا القول قول الإمام مالك و ابن القاسم و اختاره الإمام سحنون(3).
القول الثاني: قال أصبغ يقضي الوعد إذا كان على سبب و إن لم يدخل فيه فعلا و إلا
فلا، و هو رأي عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- قضى به(4).
(1) ، (2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 225، 226.
(3) ، (4) نفس المرجع، ص 238.
القول الثالث: يرى أنه لا يفي بالوعد مطلقا على أية حال لأنه تفضل و إحسان و إن
أمر بالوفاء به ديانة، و هذا هو مذهب الحنفية و الشافعية و الحنابلة و جمهور الفقهاء من
الصحابة و التابعين(1).
القول الرابع: و هو لبعض الفقهاء و هم يرون القضاء به مطلقا، و إلى هذا ذهب عبد
الله بن شبرمة فقال: الوعد كله لازم و يقضي به على الواعد و يجبر عليه، و استدل بقوله
تعالى:{ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} و مما روي عن ابن عباس عن رسول
الله- صلى الله عليه و سلم- أنه قال:" أربع منكن فيه كان منافقا خالصا و من كانت فيه
خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، ثم ذكر منها، و إذا وعد أخلف".
و هكذا يتضح من أقوال الفقهاء المسلمين أنه يمكن القول أن الوعد من جانب واحد ملزم
للواعد على بعض القيود البسيطة، كما يلاحظ من أقوالهم، و يجب القضاء به عن البعض
الآخر أن الوفاء به من مكارم الأخلاق، و أن مجرد الوعد لا يلزم الوفاء به(2).
الفرع الثاني: في لتشريع الجزائري
i. الوعد في القانون المدني الجزائري: يستفاد من نص المادة 71 ق.م" الاتفاق الذي يعد
له كلا المتعاقدين أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل لا يكون له أثر إلا إذا عينت جميع
المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه، و المدة التي يجب إبرامه فيها.
و إذا اشترط القانون لتمام العقد استيفاء شكل معين فهذا الشكل يطبق أيضا على
الاتفاق المتضمن الوعد بالتعاقد." أن الوعد بالتعاقد مرحلة تسبق إبرام العقد نهائيا و يكون
الوعد إما من جانب واحد و إما من جانبين. و يشترط في الوعد من جانب واحد أن يكون
الواعد أهلا للتعاقد على العقد الموعود مثل عقد الهبة، و يكون وعده حينئذ صحيحا و لو فقد
الأهلية عند إبرام العقد النهائي بشرط أن لا تزيد التزاماته عما كانت عند الوعد.
(1) ، (2) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 238 ، 239.
كما يشترط أن تخلو إرادة الواعد من عيوب الرضا عند صدور الوعد منه أما الطرف
الموعود له في الوعد من جانب واحد، فلا تشترط فيه الأهلية إلا عند إعلان رغبته في إبرام
العقد الموعود به، و يكفي أن يكون مميزا عند صدور الوعد له، و لكن يشترط خلو رضائه
من العيوب عند صدور الوعد له، و عند إظهار رغبته في إبرام العقد الموعود به(1).
أما إذا كان الوعد من الجانبين، فيلزم أن تتوافر في كل منهما أهلية التعاقد على العقد
الموعود عند صدور الوعد، و أن يخلو رضاؤهما من العيوب في هذا الوقت، لأن الوعد
يعتبر في هذه الحالة عقدا ابتدائيا. و في كلا النوعين من الوعد لا يكون الوعد صحيحا إلا إذا
توافرت فيه جميع عناصر العقد الموعود بإبرامه(2)، فإذا كان مثلا عقد هبة وجب أن يشتمل
على جميع المسائل الجوهرية تحديدا كافيا، و يبين ما إذا كان منقولا أو عقارا كما يحدد نوع
الهبة محل الوعد، هل هي هبة بعوض أو بغير عوض مع ذكر العوض و قدره، و يجب
تحديد المدة التي يتعين فيها إبرام عقد الهبة النهائي في الوعد بالهبة سواء كان تحديد هذه
المدة صراحة أو ضمنا، لأن تحديدها واجب حتمي(3).
و يستفاد من نص المادة 71 ف2 ق.م أنه يجب مراعاة الرسمية في الاتفاق الذي
يتضمن الوعد بإبرام الهبة، إذا كان عقارا أو منقولا يتطلب إجراءات خاصة(4).
و يلاحظ من خلال الممارسة التطبيقية امتناع بعض الأساتذة الموثقين عن تحرير عقد
الوعد بالهبة، بحجة أن الهبة تتم بصورة منجزة و فورية، فضلا عن انعدام التخويل القانوني
الذي يسمح بإبرام الوعد بالهبة، و هذا الموقف غير سليم، إذ يجوز للمتعاقدين اللجوء إلى
الموثق لإبرام عقد وعد بالهبة لعدم وجود نص قانوني يمنع ذلك، و دليل ذلك الحجج التالية:
أ أن رفض تحرير الوعد بالهبة بحجة أنها تتم بصورة فورية يعد موقفا غير سديد
كون هذه الخاصية ذكرها الشراح للتدليل بأن الهبة يراد بها إضافة التمليك الفوري و هذا من
أجل تمييزها عن الوصية التي يراد بها إضافة التمليك إلى ما بعد الموت.
(1) ، (2) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 46.
(3) ، (4) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 231 ، 232.
ب أن انعدام نص في قانون الأسرة يشير إلى الوعد بالهبة لا يمنع من تحريرها، إذ
في مثل هذه الوضعيات يجب الرجوع إلى القواعد العامة الواردة في القانون المدني باعتباره
الشريعة الأم و بالضبط إلى أحكام المادتين 71 ، 72 منه اللتان تنصان على مبدأ الوعد
بالتعاقد(1). المادة 72 ق. م : " إذا وعد شخص بإبرام عقد ثم نكل و قاضاه المتعاقد الآخر
طالبا تنفيذ الوعد، و كانت الشروط اللازمة لتمام العقد و خاصة ما يتعلق منها بالشكل
متوافرة، قام الحكم مقام العقد."
ii. آثار الوعد بالهبة في القانون الجزائري: لا تختلف آثار الوعد إذا كان من جانب واحد
عن آثاره إذا كان من جانبين. فإذا كان الوعد من جانب واحد التزم الواعد بالبقاء على وعده
حتى يظهر الطرف الآخر رغبته في إبرام العقد خلال المدة المحددة في الوعد، و متى أظهر
الطرف الآخر رغبته في إبرام العقد خلال هذه المدة تم العقد دون حاجة إلى أي إجراء جديد،
لأن الوعد كان مشتملا على جميع العناصر الجوهرية للعقد و خصوصا على الشكل إذا كان
العقد شكليا، و لا ينعقد العقد إلا من وقت إعلان الرغبة دون أثر رجعي.
أما إذا مضت المدة و لم يعلن الطرف الآخر رغبته في إبرام العقد فإن الوعد
يسقط(2).
أما في الوعد الملزم للجانبين فبحلول الأجل المحدد لإبرام العقد النهائي يلتزم الطرفان
بإبرامه و يترتب على ذلك أنه، في الوعد الملزم لجانب واحد و قبل إعلان رغبة الموعود
له، و في الوعد الملزم للجانبين و قبل حلول الأجل المحدد، يكون الواعد ملزما بالتزام
شخصي فقط نحو الموعود له، و لا يكون لهذا الأخير إلا أن يطالبه بتعويض ما أصابه من
ضرر، و إذا هلك الشيء في هذه الفترة كانت تبعة الهلاك على الواعد.
(1) حمدي باشا عمر، نقل الملكية العقارية في ضوء آخر التعديلات و أحدث الأحكام، دار هومة للطباعة و النشر و التوزبع، الجزائر، طبعة ثانية، 2000، ص 24,
(2) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 47.
أما عند إظهار رغبة الموعود له في الوعد الملزم للجانبين فيجب على الطرفين إبرام
العقد النهائي، و إذا تقاعس أحدهما عن إبرام العقد، فللجانب الآخر إجباره على ذلك برفع
دعوى تسمى دعوى صحة التعاقد، و متى صدر الحكم بصحة التعاقد، قام مقام العقد النهائي
بشرط أن يكون الشكل قد توافر في الوعد بالعقد الشكلي و إذا كان محل العقد عقارا جرى
تسجيل لحكم و انتقلت ملكية العقار و هذا ما نصت عليه المادة72 ق.م(1).
(1) د. علي علي سليمان، المرجع السابق، ص 47 ، 48.
المبحث السادس: موازنة أركان الهبة ما بين الشريعة و القانون
مما سبق يتبين أن أغلب الرأي لدى فقهاء المذاهب الإسلامية الأربعة يقررون للهبة
ركنين هما الإيجاب و القبول، و إن الهبة إن نشأت بالإيجاب لا تتم إلا بالقبول و القبض و هم
بذلك يلتقون مع أحكام المادتين 202 ، 206 ق.أ و الرأي المخالف لهؤلاء و هو رأي أغلب
الأحناف ما عدا الإمام زفر الذين يعتبرون أن الهبة تنشأ بإرادة منفردة، و تعتمد على ركن
واحد، و هو الإيجاب من الموجب، دون توقف على القبول، ما دام الواهب التزم من تلقاء
نفسه و بإرادته المنفردة الوحيدة(1).
و القبول في عقد الهبة عند الإمام مالك يجوز على التراضي خلافا لجمهور الفقهاء
وخلافا لرأيه في سائر العقود الأخرى، و هذا ناتج عن أن عقد الهبة عنده لازم بالقبول، و أن
الهبة في الأصل لا رجوع فيها إلا للوالد على ولده و هو عقد مقيد بعدة شروط غير مطلقة.
و الأخذ برجوع الواهب قبل قبول الموهوب له يعتبر تطبيقا لنص المادة 61 ق.م
و يتفق مع ما أخذ به جمهور فقهاء المسلمين(2).
اتفق المشرع الجزائري وفقا لقانون الأسرة مع فقهاء المذاهب الأربعة فيما يخص
الشروط الواجب توافرها في كل من الواهب و الموهوب له، غير أنهم اختلفوا في الهبة
للجنين، حيث أجاز الإمام مالك و أصحابه الهبة للجنين و المعدوم و خالفه في ذلك الحنفية
والشافعية و الحنابلة الذين اعتبروا أن الهبة لا تصح للجنين و هي له باطلة، باعتبار أن الهبة
تمليك محض و الجنين لا يمكنه أن يقبض و لا يملك لنفسه، و لا ولاية لأحد عليه فيقبض و
يقبل عليه لأن الولاية تبدأ من الولادة.
أما المشرع الجزائري و وفقا لما نصت عليه المادة 209 ق.أ فقد انسجم مع رأي
الإمام مالك و أجاز الهبة للجنين.
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 70 ، 76.
(2) نفس المرجع، ص 304.
و بالنسبة لمرض الموت فالمسرع الجزائري لم يعرفه و أحال ذلك على فقهاء
الشريعة الإسلامية حيث لم يختلفوا في تعريفه، و قد اتفقوا أنه يجب أن يتوفر فيه أمران و قد
سبق ذكرهما، غير أنهم اختلفوا فيما يدور حول الأمارات و الأوصاف الظاهرة التي يتبين
منها أن المرض هو مرض موت،
و الملاحظ أن المشرع الجزائري جرى مجرى فقهاء الشريعة الأربعة فيما يخص
الشروط الواجب توافرها في المحل، غير أن المذهب المالكي لم يذكر شرط وجود المحل
عكس كل من الحنفية و الشافعية و الحنابلة و المشرع الجزائري الذين أوجبوا أن يكون
المحل موجودا.
أما السبب فقد اختلف الفقهاء فيه فمنهم من يرى أن السبب يكمن في نية المتعاقد فإذا
كانت نيته مشروعة كان العقد صحيحا و إلا كان العقد باطلا، و منهم من برى أن السبب هو
الدافع الباعث على التعاقد فكلما كان الدافع مشروعا كان العقد صحيحا، أما إذا كان غير
مشروع فالعد باطلا، و المشرع الجزائري أيضا اعتبر السبب هو الدافع الباعث على التعاقد.
ولم يشترط فقهاء الشريعة الإسلامية الشكلية في عقد الهبة سواء كانت هبة عقار
أو هبة منقول بل عرفوا القبض فقط، نظرا لطبيعة المعاملات السائدة آنذاك، و لعدم معرفتهم
بنظام التوثيق و الشهر العقاري.
أما المشرع الجزائري فقد أوجب الشكلية أي الرسمية في هبة العقار و الإجراءات
الخاصة في هبة المنقول، تحت طائلة البطلان. كما أنه يفهم من نص المادة 206 ق.أ أن
الرسمية لا تغني عن العينية أي الحيازة، و يؤكد هذا الرأي ما ورد في المادة 208 من نفس
القانون، الذي يجعل الرسمية الإجراءات الإدارية تغني عن الحيازة في ثلاث حالات محددة
على سبيل الحصر في المادة 208 ق.أ، و المشرع الجزائري هنا على خلاف أغلب
التشريعات، و كان الأجدر به أن يجعل الرسمية تغني عن الحيازة(1).
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 204 ، 205.
لقد اعتبر كل من الحنفية و الشافعية قبض الشيء الموهوب شرط لزوم بحيث لا يثبت
الملك للموهوب له إلا بالقبض على عكس المالكية و الحنابلة الذين اعتبروا القبض شرط
لصحة الهبة.
أما فيما يخص المشرع الجزائري فقد أوجب تسليم العقار و وضعه تحت تصرف
الموهوب له و بذلك تصبح الهبة تامة و هذا في هبة العقار، بينما في هبة المنقول الذي
يتطلب إجراءات خاصة فقد أوجب المشرع الجزائري إجراءات خاصة في القبض بالإضافة
إلى تسليمها و حيازتها من قبل الموهوب له.
و فيما يخص الوعد بالهبة، فقد اختلف جمهور الفقهاء حول مدى إلزامية الوعد، فمنهم
من قال أن الوعد يجب الوفاء و القضاء به، أما البعض الآخر فاعتبروا أن مجرد الوعد لا
يلزم الوفاء لأنه من مكارم الأخلاق إذ يراد به التفضل و الإحسان. و بالرجوع إلى نصوص
قانون الأسرة نجده لم ينص على الوعد بالهبة، و لكن بالرجوع إلى القواعد العامة في القانون
المدني باعتباره الشريعة الأم، و خاصة في المادتين 71 ، 72 منه، يمكن الأخذ بالوعد بالهبة
بالشروط المطلوبة قانونا و هي وجوب تعيين المسائل الجوهرية لعقد الهبة الموعود به،
ووجوب تعيين المدة التي يجب إبرامه فيها، و وجوب الشكلية في هبة العقار أو المنقول الذي
يتطلب إجراءات خاصة، أما الوعد بالهبة في المنقول العادي فتكفي فيه الكتابة العرفية، كما
يمكن أن يسجل في صفة رسمية(1). و بالتالي فالمشرع الجزائري هنا أخذ بالقول الأول
لفقهاء الشريعة الإسلامية ، و الذي يقضي بوجوب الالتزام بالوعد و الوفاء به.
(1) د. محمد بن أحمد تقية، المرجع السابق، ص 306.