قال الله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62).
يعتمد زنادقة العصر على هاته الآية لتصحيح مذهب اليهود و النصارى و القول بأنهم من الناجين ، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا .
الآية جاءت بتقييد مهم و هو محل النزاع بين المؤمنين و الكفار و لم تأت مطلقة و التقييد هو في قوله تعالى : من آمن بالله و اليوم الآخر .
و معلوم أن عدم الإيمان برسول الله صلى الله عليه و سلم و بالقرآن عدم إيمان بالله ، و القول إن عيسى إبن الله أو القول أن الله ثالث ثلاثة عدم إيمان بالله ، فالآية تتكلم عن اليهود و النصارى قبل بعثة النبي صلى الله عليه و سلم و ليس هذا فقط بل يشترط أن يكونوا من الذين آمنوا بالله ووحدوه و إتبعوا الرسول الذي بعث إليهم فهؤلاء هم الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون و ليس من كذب بالنبي صلى الله عليه و سلم بعد بعثته و إتخذ عيسى عليه السلام إلها من دون الله .
قال الإمام السعدي رحمه الله في تفسير الآية : ثم قال تعالى حاكما بين الفرق الكتابية: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } وهذا الحكم على أهل الكتاب خاصة, لأن الصابئين, الصحيح أنهم من جملة فرق النصارى، فأخبر الله أن المؤمنين من هذه الأمة, واليهود والنصارى, والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر, وصدقوا رسلهم, فإن لهم الأجر العظيم والأمن, ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأما من كفر منهم بالله ورسله واليوم الآخر, فهو بضد هذه الحال, فعليه الخوف والحزن. والصحيح أن هذا الحكم بين هذه الطوائف, من حيث هم, لا بالنسبة إلى الإيمان بمحمد, فإن هذا إخبار عنهم قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وأن هذا مضمون أحوالهم، وهذه طريقة القرآن إذا وقع في بعض النفوس عند سياق الآيات بعض الأوهام, فلا بد أن تجد ما يزيل ذلك الوهم, لأنه تنزيل مَنْ يعلم الأشياء قبل وجودها, ومَنْ رحمته وسعت كل شيء. وذلك والله أعلم - أنه لما ذكر بني إسرائيل وذمهم, وذكر معاصيهم وقبائحهم, ربما وقع في بعض النفوس أنهم كلهم يشملهم الذم، فأراد الباري تعالى أن يبين من لم يلحقه الذم منهم بوصفه، ولما كان أيضا ذكر بني إسرائيل خاصة يوهم الاختصاص بهم. ذكر تعالى حكما عاما يشمل الطوائف كلها, ليتضح الحق, ويزول التوهم والإشكال، فسبحان من أودع في كتابه ما يبهر عقول العالمين.