قواعد في الأسماء والصفات
قواعد في الأسماء والصفات
القاعدة الأولى: قاعدة الإثبات
يجب إثبات ما أثبته الله في كتابه، وما أثبته رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، من أسماء الله وصفاته، من غير تمثيل ولا تكييف.
فالله سبحانه وتعالى لامثل له ولا ندَّ ولا كفؤ ولا نظير له في أسمائه وصفاته وأفعاله، فلا يشبه أحداً من مخلوقاته وليس من مخلوقاته شيء يشبهه سبحانه وتعالى.
قال سبحانه وتعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى:11]، وقال أيضا:{ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإخلاص:4]، وقال سبحانه وتعالى: { فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ } [النحل:74]، وقال سبحانه: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم:65]، وقال أيضا:{ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة:22].
ولا يجوز لنا أن نكيَّفَ صفاته بأن نتطلّب صورة الصفات وحقيقتها، أو نسأل عنها بكيف؟!؛ لأن ما أخبر الله به عن نفسه إنما ندرك منه المعنى وحسب، وأما الحقائق وما عليه الأمر فإنه من العلم الذي استأثر به الله سبحانه وتعالى.
فإذا قال قائل: كيف استوى على العرش؟ كيف وجهه؟ كيف يده؟ كيف كلامه؟ كل هذا لا سبيل إلى معرفته؛ لأنه مما استأثر الله بعلمه.
ولذا قال الإمام مالك ابن أنس -رحمه الله- لما سُئل عن استواء الله –تعالى- على عرشه: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
أي أن الاستواء معناه في لغة العرب والقرآن واضح ومفهوم ومعقول، وأما كيفية استوائه على العرش فهي مجهولة لا نعقلها، ولكن يجب علينا الإيمان بها، ولا يجوز لنا أن نسأل عن كيفيتها.
فظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار، ومجهولة لنا باعتبار، فباعتبار المعنى معلومة ، وباعتبار الكيفية مجهولة ؛ كالاستواء مثلاً ، فمعناه معلوم لنا فهو بمعنى العلو والارتفاع والصعود، أما كيفيته فمجهولة ؛ لأن الله أخبرنا بأنه استوى ، ولم يخبرنا عن كيفية استوائه، وهكذا يقال في باقي الصفات .
والتفويض تفويضان: تفويضُ المعنى، وتفويض الكيفية.
فالسلف كانوا يعرفون المعاني ويفوضون في الكيفية، ومن ظنَّ أن السلف كانوا يفوضون في المعاني فقد أعظم عليهم الفرية، بأنهم قوم لا يفقهون ولا يعلمون.
ومن هنا كانت الجملة الشنيعة في حقِّ السلف:" مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم"!!!.
بل مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم.
وكلُّ خيرٍ في اتباع من سلف ...............وكلُّ شرٍّ في ابتداع من خلف.
القاعدة الثانية: قاعدة التنزيه
يجب نفي ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، وما نفاه الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته، من صفات النقص، ولكن من غير تحريف ولا تعطيل
وتنزيه الله عن النقائص ينبغي أن لايؤدي بنا إلى تحريف معاني الأسماء والصفات، فلا نحرّف ونفسر الصفة بمعنى بعيد لا تدل عليه اللغة العربية، ويخالف ما عليه سلف الأمة، مثل أن يقال معنى الاستواء في قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، أنه الاستيلاء!! وهذا تحريفٌ لا تدلُّ عليه اللغة أولا، ويخالف ما جاء عليه السلف في تفسير الاستواء: بالعلو، والارتفاع، والصعود.
كذلك لايؤدي بنا التنزيه إلى التعطيل، والتعطيل لغة ً: هو الترك والتخلية والإهمال، كما قال تعالى:{وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} [الحج - 45].أي مهملة متروكة لا تستعمل.
والتعطيل في الصفات نوعان:
الأول: جحود للصفة من أصلها، فيقول المعطل: إنَّ الله لم يستو على العرش، ولا يغضب، ولا ينزل، إلى آخر النفي، وهذا مذهب غلاة المعطلة من الجهمية والمعتزلة.
الثاني: إثبات اللفظ مع تحريف المعنى، فيقول: أنا أثبتُ الاستواء على العرش، ولكن معنى الاستواء هو الاستيلاء!!!، وأقول: إن الله يغضب، ولكن معنى الغضب إرادة الانتقام وهكذا.
وهذا في حقيقته يؤول إلى الأول، فهو يثبت اللفظ ولكنه يحرف المعنى، وهذا كثير في المتأخرين.
القاعدة الثالثة: قاعدة الإجمال
كل لفظ مجمل لا يجوز أن يوصف الله به نفياً ولا إثباتاً، ويُستفصل في معناه، فما كان من معنى حقٍّ أثبتناه بلفظه الشرعي، وما كان من معنى باطل نفيناه، أما اللفظ فيترك بكلّ حال.
كلفظ"الجهة" مثلا، فمن قال: إن الله في جهة!! قلنا له: ماذا تقصد بإثبات الجهة؟! فإن قصدت أن الله سبحانه وتعالى مستو على عرشه عال عليه وبائن من خلقه فهذا حق، ويجب عليك إثبات ذلك باللفظ الشرعي الذي جاء في الكتاب والسنة وما ثبت عن سلف الأمة.
وإن قصدت بإثبات الجهة أن الله محصور في جهة مخلوقة- والعياذ بالله- فهذا الإثبات باطل بدلالة العقل والنقل والفطرة وإجماع الأمة.
ولما كان اللفظ محتملا لهذه المعاني فلا يطلق في حق الله نفيا ولا إثباتا.
ومثل ذلك لو عكس القائل فقال: إن الله ليس في جهة!!!، فنقول له: ماذا تقصد بهذا النفي؟ فإن قصدت نفي الجهة المخلوقة فهذا حق، وإن قصدت نفي الاستواء والعلو فهذا الباطل.
ومثل ذلك يقال في ألفاظ أخرى كالمكان والتحيز ونفي الحوادث وما شابه ذلك، مما لم يثبت في نصوص الوحي.
قال ابن تيمية في"درء تعارض العقل والنقل" (1/ 76):" ولهذا يوجد كثيراً في كلام السلف والأئمة النهي عن إطلاق موارد النزاع بالنفي والإثبات، وليس ذلك وليس ذلك لخلو النقيضين عن الحق، ولا قصور، أو تقصير في بيان الحق، ولكن لأن تلك العبارة من الألفاظ المجملة المتشابهة المشتملة علي حق وباطل، ففي إثباتها إثبات حق وباطل، وفي نفيها نفي حق وباطل، فيمنع من كلا الإطلاقين، بخلف النصوص الإلهية فإنها فرقان فرق الله بها بين الحق والباطل" انتهى.
وقال ابن تيمية في"درء تعارض العقل والنقل" (9/ 335):" وأهل السنة، وإن كانوا يعرفون بعقولهم من المعاني الصحيحة نقيض ما يقول النفاة، فلا يعبرون عن صفات الله بعبارات مجملة مبتدعة، ولا يطلقون القول بأن الله جسم، وأنه تحله الحوادث، وأنه مركب، ولا نحو ذلك.
ولا يطلقون من نفي ذلك ما يتناول نفي ما أثبته الرسول ودلت العقول عليه، بل يفسرون المجملات، ويوضحون المشكلات، ويبينون المحتملات، ويتبعون الآيات البينات، ويعلمون موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح"انتهى.
وقال أيضا في"درء تعارض العقل والنقل" (1/ 296):" وما تنازع فيه الأمة من الألفاظ المجملة كلفظ المتحيز والجهة، والجسم، والجوهر، والعرض وأمثال ذلك، فليس على أحد أن يقبل مسمى اسم من هذه الأسماء، لا في النفي ولا في الإثبات، حتى يتبين له معناه، فإن كان المتكلم بذلك أراد معنى صحيحاً، وافقاً لقول المعصوم كان ما أراده حقاً، وإن كان أراد به معنى مخالفاً لقول المعصوم كان ما أراده باطلاً" انتهى.
القاعدة الرابعة: قاعدة التوقيف
أسماء الله وصفاته توقيفية لا مجال للعقل فيها، فيجب أن نتوقف في ذلك على ما جاء في الكتاب والسنّة ، فلا نسمّي الله تعالى ونصفه إلا بما جاء به الوحي؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله تعالى من الأسماء .
قال تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].
قال الإمام أحمد رحمه الله:" لا يوصف الله إلا بما وصف بـه نفسه أو وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث".
وما يطلق على الله أقسام ثلاثة: الأسماء والصفات والإخبار عنه، فالأسماء والصفات توقيفيان، بخلاف الإخبار، وأوسعها الإخبار ثم الصفات ثم الأسماء.
قال ابن القيم في "بدائع الفوائد"(1/ 62):" ما يُطْلَقُ عليهِ في بابِ الأسماءِ والصفاتِ تَوْقِيفِيٌّ، وما يُطْلَقُ عليهِ مِن الإخبارِ لا يَجِبُ أن يكونَ تَوْقِيفِيًّا كالقديمِ والشيءِ والموجودِ والقائمِ بنفسِهِ؛ فهذا فصْلُ الخطابِ في مسألةِ أسمائِهِ هلْ هيَ توقيفيَّةٌ أوْ يَجوزُ أن يُطْلَقَ عليهِ منها بعضُ ما لم يَرِدْ بهِ السمْعُ" انتهى.
القاعدة الخامسة:الاشتراك في الأسماء والصفات لا يستلزم تماثل المسميات والموصوفات
فالله سبحانه قد خلق الإنسان سميعا بصيرا، فقال:{ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 2]. وسمّى نفسه سميعا بصيرا، كما قال تعالى:{ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء: 134].
وليس السميع كالسميع، وليس البصير كالبصير، وجعل بعض خلقه حيّاً، وسمَّى نفسه حيّاً، وليس الحي كالحي، وهكذا في سائر الأسماء والصفات.
لأن الاشتراك في أصل الاسم لا يقتضي عقلا ولا نقلا التماثل في المسميات.
قال تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11].
ومما يؤكد هذا الأصل أن الله ذكر لنا نعيم الجنة بأسماء توافق أسماء ماعندنا من النعيم في الدنيا، فذكر أن في الجنة نخلاً ورمانًا وفاكهة ونساءً وأنهارًا وعسلاً ولبنًا وخمرًا وآنية وكؤوسًا وماءً وظلاً وفرشًا وحريرًا وثيابًا وذهبًا وفضة وزنجبيلاً وخيامًا وكافورًا وعيونًا وغير ذلك من أصناف النعيم، وإذا نظرت إلى هذه الأسماء وجدتها بعينها أسماء النعيم عندنا في الدنيا، لكن هذا الاتفاق في الاسم لا يستلزم أبدًا الاتفاق في المسمى، كما في الصحيحين في الحديث القدسي:" أعددت لعبادي الصالحون ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"، وقال قبل ذلك في القرآن:{ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].
وقال ابن عباس t:" ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء".
وإذا كانت تلك الحقائق التي أخبر الله عنها أنها من نعيم الجنة هي موافقة في الأسماء للحقائق الموجودة عندنا من نعيم الدنيا، وليست مماثلة لها بل بينهما من التباين ما لا يعلمه إلا الله تعالى، فالخالق سبحانه وتعالى أعظم مباينة للمخلوقات من مباينة المخلوق للمخلوق.
قال شيخ الإسلام في"التدمرية" ص21:" وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه، وما هو مُحْدَث ممكن، يقبل الوجود والعدم، فمعلوم أن هذا موجود وهذا موجود ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى «الوجود» أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا، بل وجود هذا يخصّه ووجود هذا يخصه، واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند الاضافة والتقييد والتخصيص ولا في غيره، فلا يقول عاقل - إذا قيل: إن العرش شيء موجود وإن البعوض شيء موجود - إن هذا مثل هذا لاتفاقهما في مسمى «الشيء» و«الوجود» ، لأنه ليس في الخارج شيء موجود غيرهما يشتركان فيه، بل الذهن يأخذ معنى مشتركا كليا هو مسمى الاسم المطلق، وإذا قيل: هذا موجود وهذا موجود، فوجود كلّ منهما يخصه لا يشركه فيه غيره، مع أن الاسم حقيقة في كل منهما.
ولهذا سمى الله نفسه بأسماء وسمّى صفاته بأسماء، فكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه لا يشركه فيها غيره، وسمّى بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص، ولم يلزم من اتفاق الاسمين تماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص، لا اتفاقهما، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص، فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص" انتهى.
القاعدة السادسة: أسماء الله تعالى كلها حسنى.
أي بالغة في الحسن غايته، قال الله تعالى:{ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 180].
وذلك لأنها متضمنة لصفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، لا احتمالاً ولا تقديراً ، ذلك لأن الألفاظ إما أن تدل على معنى ناقص نقصاً مطلقاً فهذه ينزه الله عنها ، وإما أن تدل على غاية الكمال فهذه هي الدالة على أسماء الله وصفاته ، وإما أن تدل على كمال لكنه يحتمل النقص فهذا لا يُسمّى الله به لكن يُخبر به عنه ، مثل : المتكلم ، الشائي .
كذلك ما يدل على نقص من وجه وكمال من وجه لا يُسمّى الله به ، لكن يُخبر به عن الله مثل: الماكر.
ومثال الأسماء الحسنى " الحي " وهو اسم من أسماء الله متضمن للحياة الكاملة التي لم تُسبق بعدم ، ولا يلحقها زوال ، الحياة المستلزمة لكمال الصفات من العلم والقدرة والسمع والبصر وغيرها .
وقل مثل ذلك في السميع ، والبصير ، والرحمن ، والعزيز ، والحكيم وغيرها من الأسماء الحسنى .
القاعدة السابعة: أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف.
أعلام باعتبار دلالتها على الذات ، وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني .
وهي بالاعتبار الأول مترادفة ؛ لدلالتها على مسمى واحد وهو الله ـ عز وجل ـ .
وبالاعتبار الثاني متباينة ؛ لدلالة كل واحد منها على معناه الخاص ؛ فمثلاً " الحي ، القدير ، السميع ، البصير ، الرحيم ، العزيز ، الحكيم " كلها أسماء لمسمى واحد وهو الله ـ سبحانه وتعالى ـ لكن معنى " الحي " غير معنى " العليم " ، ومعنى " العليم " غير معنى " القدير " وهكذا . . .
القاعدة الثامنة: أسماء الله غير محصورة بعدد معين.
لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث المشهور : " أسألك بكل اسم هو لك سمّيت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك " .
وما استأثر الله تعالى به في علم الغيب لا يمكن أحداً حَصْرُه ، ولا الإحاطة به .
وأما قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم : " إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة " فلا يدل على حصر الأسماء بهذا العدد ، ولو كان المراد الحصر لكانت العبارة " إن أسماء الله تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة " .
قال ابن القيم في بيان مراتب إحصاء أسماء الله التي من أحصاها دخل الجنة، في"بدائع الفوائد"(1/ 288):" المرتبة الأولى : إحصاء ألفاظها وعددها .
المرتبة الثانية : فهم معانيها ومدلولها .
المرتبة الثالثة : دعاؤه بها كما قال تعالى : ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) [الأعراف : 180] .
وهو مرتبتان ، إحداها : دعاء ثناء وعبادة ، والثاني : دعاء طلب ومسألة " انتهى.
القاعدة التاسعة: صفات الله كلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجه.
قال تعالى : ( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى ) [النحل : 60] .
والمثل الأعلى : الوصف الأعلى الكامل .
والصفات من حيث الكمال والنقص على ثلاثة الأقسام:
الأول: صفات كمال من كل وجه كصفة الحياة والعلم والقدرة وغيرها، فهذه ثابتة لله تعالى.
الثاني: صفات نقص من كل وجه فهذه منفية عن الله ، كالجهل ، والعمى ، والصمم .
الثالث: صفات كمال من وجه ونقص من وجه ، فهذه يوصف الله بها في حال كمالها ، ويمتنع وصفه بها في حال نقصها ، بحيث يوصف الله بها وصفاً مقيداً مثل المكر ، والكيد والمخادعة .
القاعدة العاشرة: إثبات مفصل ونفي مجمل.
الأصل في إثبات الأسماء والصفات التفصيل كصفة الحياة والقدرة والإرادة والسمع والبصر والاستواء على العرش ونحوه. والغالب فيها التفصيل؛ لأن ذلك يظهر من كمال الموصوف بها ما لم يكن معلومًا من قبل.
وأما النفي فلا يأتي إلا مجملا، كما في قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]، وقوله: { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإخلاص:4]، وقوله:{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم:65].
وأما النفي المفصل فهو قليل ثم إنه في حقيقته إثبات مفصل.
وقد جاء من أجل:
1- نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون ، كما في قوله : ( أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً ) [مريم : 91 -92] ، وقوله : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ) [ق : 38] .
2- لإثبات كمال الصفة، كما في قوله تعالى:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: 255]، لإثبات كمال الحياة والقيومية.
القاعدة الحادية عشر: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين : ذاتية وفعلية
أ - الذاتية : هي التي لم يزل الله ولا يزال متصفاً بها ، وهي التي لا تنفك عنه ـ سبحانه وتعالى ـ كالعلم ، والقدرة ، والسمع ، والبصر ، والعزة ، والحكمة ، والوجه ، واليدين .
ب - الفعلية : وتسمى الصفات الاختيارية ، وهي التي تتعلق بمشيئة الله ، إن شاء فعلها ، وإن شاء لم يفعلها ، وتتجدد حسب المشيئة كالاستواء على العرش ، والنزول إلى السماء الدنيا .
وقد تكون الصفة ذاتية وفعلية باعتبارين ، كالكلام ؛ فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية ؛ لأن الله لم يزل ولا يزال متكلماً ، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية ؛ لأن الكلام يتعلق بمشيئته ، يتكلم متى شاء بما شاء ، وكل صفة تعلقت بمشيئته ـ تعالى ـ فإنها تابعة لحكمته ، وقد تكون الحكمة معلومة لنا ، وقد نعجز عن إدراكها ، لكننا نعلم علم اليقين أنه ـ سبحانه ـ لا يشاء إلا وهو موافق لحكمته ، كما يشير إليه قوله ـ تعالى ـ : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) [الإنسان : 30] .
القاعدة الثانية عشر: القول في بعض الصفات كالقول في بعض
وهي قاعدة يُردُّ بها على من فرَّق بين الصفات فأثبت بعضها ، ونفى بعضها ، فيقال لمن فعل ذلك : أثبت الجميع ، أو انفِ الجميع .
ومن أثبت بعض الصفات ، ونفى بعضها ، فهو مضطرب متناقض ، وتناقض القول دليل على فساده وبطلانه .
قال شيخ الإسلام في"التدمرية" (ص: 31):" فأحدهما - أن يقال: القول في بعض الصفات كالقول في بعض.
فإن كان المخاطب ممن يقرّ بأن الله حي بحياة، عليم بعلم، قدير بقدرة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلم بكلام، مريد بإرادة. ويجعل ذلك كله حقيقة، وينازع في محبته ورضاه وغضبه وكراهيته، فيجعل ذلك مجازا، ويفسره إما بالإرادة، وإما ببعض المخلوقات من النعم والعقوبات.
قيل له: لا فرق بين ما نفيتَه وبين ما أثبتَّه، بل القول في أحدهما كالقول في الآخر، فإن قلت: إن إرادته مثل إرادة المخلوقين، فكذلك محبته ورضاه وغضبه، وهذا هو التمثيل، وإن قلت: له إرادةتليق به، كما أن للمخلوق إرادة تليق به. قيل لك: وكذلك له محبة تليق به، وللمخلوق محبة تليق به، وله رضا وغضب يليق به، وللمخلوق رضا وغضب يليق به.
وإن قال: الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام.
قيل له: والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة أو دفع مضرة، فإن قلت: هذه إرادة المخلوق. قيل لك: وهذا غضب المخلوق.
وكذلك يُلْزَم بالقول في كلامه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته، إن نفى عن الغضب والمحبة والرضا ونحو ذلك ما هو من خصائص المخلوقين، فهذا منتف عن السمع والبصر والكلام وجميع الصفات، وإن قال: إنه لا حقيقة لهذا إلا ما يختص بالمخلوقين فيجب نفيه عنه. قيل له: وهكذا السمع والبصر والكلام والعلم والقدرة.
فهذا المُفرِّق بين بعض الصفات وبعض، يقال له فيما نفاه كما يقوله هو لمنازعه فيما أثبته، فإذا قال المعتزلي: ليس له إرادة ولا كلام قائم به، لأن هذه الصفات لا تقوم إلا بالمخلوقات، فإنه يُبَيِّن للمعتزلي أن هذه الصفات يتصف بها القديم، ولا تكون كصفات المحدثات. فهكذا يقول له المثبتون لسائر الصفات من المحبة والرضا ونحو ذلك"انتهى.
منقول موقع هيئة الشام الاسلامية