تأثير الغزو الثقافي على العقول المضطربة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الأنساب ، القبائل و البطون > منتدى القبائل العربية و البربرية

منتدى القبائل العربية و البربرية دردشة حول أنساب، فروع، و مشجرات قبائل المغرب الأقصى، تونس، ليبيا، مصر، موريتانيا و كذا باقي الدول العربية

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

تأثير الغزو الثقافي على العقول المضطربة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2024-09-29, 11:18   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الزمزوم
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية الزمزوم
 

 

 
إحصائية العضو










B11 تأثير الغزو الثقافي على العقول المضطربة

تأثير الغزو الثقافي على العقول المضطربة


بقلم: خير الدين هني


برهنت البطلة إيمان خليف، الفائزة بالذهبية في أولمبياد باريس، أنها تتمتع بشخصية نفسية ووطنية قوية جدا، حين عاكست الصحفي الفرنسي، الذي طلب منها إجابته بالفرنسية، فردت عليه ببضع جمل بالإنجليزية، ثم استأذنت بالتحدث إليه بالعربية، التي يتنكر لها بعض الجزائريين حين يطيب لهم الحديث بلغة المستعمر وهم منتشون بذلك، وهذه الحالة من الثبات أو التنكر للقيم الوطنية، هي ما يدخل في صلب الحروب الثقافية بين الأقوياء والضعفاء من المضطربين بسبب الغزو الثقافي، ولا أعني بالغزو الثقافي تبادل الخبرات والتجارب في ميادين البحث العلمي والفني والتكنولوجي، أو تعلم اللغات الكبرى لاستخدامها في تطوير البحوث واللغات المحلية اصطلاحيا وفنيا، أو الاستفادة من بعض النظم السياسية والإدارية والعسكرية والقانونية في التسيير، فهذه قواسم مشتركة بين الشعوب يستفيد بعضهم من بعض، وإنما يُراد به الخذلان والشعور بالدونية حين تُستبدل اللغات الأجنبية باللغات الوطنية في الاستعمال، أو التشبث بالثقافات الأجنبية لغة وأدبا وأخلاقا وتاريخا وحضارة، وهي التي تشكل عناصر الهوية وتُفرّق الأمم عن بعضها.

وهذه الجوانب من الغزو الهوياتي هي أخطر حرب باردة، تستعملها الدول الاستعمارية، للسيطرة على الشعوب المضطربة نفسيا، فإذا سيطرت عليها استغلتها في خدمة مشاريعها اللغوية والثقافية مثلما فعلته مع مستعمراتها، وبقيت هذه المستعمَرات تابعة لمناطق نفوذ هذه الدول المستعمِرة، ولم تستطع أن تتخلص من الإرث الثقافي واللغوي لمستعمِرها، بل بالغت في التشبث بالمخلفات الاستعمارية، لاسيما ما تعلق باللغة، حيث اعتبرها بعض المثقفين والسياسيين أنها غنيمة حرب، وهي المقولة التي آمن بها الكثير من أفراد المجتمعات المغزوة، وقد فرض الرسميون استعمالها في التعليم والإدارة والمحيط والحديث، ما جعل هذه البلدان تظهر أمام شعوب العالم المتحررة، بأنها مازالت مُستعمَرة ثقافيا وفكريا ونفسيا وتوجيهيا ولم تتحرر إلا صوريا.


وهذه الحالة الغريبة تحولت إلى ظاهرة تميّز الشعوب المغزوة، بكينونة ضعيفة مستلبة ومسلوبة الوعي والإرادة، تعمل من دون تفكير ولا تخطيط ولا توجيه ولا أهداف وطنية وقومية، إلا من حيث ما يبدونه في الدعايات السياسية، فلما علم المستعمِر بهذه الحالة الشعورية لدى نخب مستعمراته، بالغ في إحكام السيطرة والضغط عليهم بالترغيب والترهيب، ليكونوا موالين له ووكلاء ينفذون مخططاته اللغوية والثقافية في بلدانهم، لأنهم ماسكون بمفاصل القيادة ومراكز التفكير والتخطيط والتنفيذ، وهذه النخبة التي أثر عليها الغزو الثقافي بسبب عوامل التثقيف، ما جعل سلوك هذه النخبة يشجّع على نشر مظاهر الغزو الثقافي في الحياة العملية لبلدانهم، وهي المظاهر التي فرضها خطهم السياسي بالطرق غير المباشرة، ما انعكس على تفكير ونفسيات وسلوكيات شعوبهم، ففقدوا الإحساس بالانتماء وكينونة النفس الواعية.


فلما فقدت هذه الشعوب روح الانتماء، بسبب انعدام الوعي والتوعية وغياب الرقابة على مؤثرات الغزو الثقافي، انتكس خط سيرها وغُيِّبت عن وعيها، وأصابها الاضطراب في بنياتها الفكرية والنفسية والشعورية، ما تسبب في خمولها وجمود ها وركودها وتأخرها، وازدرائها من قبل الشعوب الحيوية، والحالات النفسية المضطربة بسبب الغزو الثقافي، تؤدي بالإنسان المضطرب إلى الشعور بالخيبة والانكسار والاستسلام لكل مشكلة تعترضه، وعدم شعوره بالطاقة الإيجابية، وهي الطاقة التي تحرره من الخمول، وتحرك الدوافع والغرائز الخيِّرة في ذاته، فإذا اختفت الطاقة الإيجابية في اللاشعور، ظهر على سطح الشعور الطاقة السلبية، التي تؤدي بالفرد إلى الاستسلام والكسل والخمول والتماوت والقلق والاضطراب والتشاؤم واليأس من الحياة، وإذا وصل الإنسان إلى هذا المستوى من الإحباط طغى على فكره وسلوكه الانحراف والانزلاق وأصيب بخيبات الأمل، وهي السلوكيات التي تجرده من خصوصيته الوطنية بأبعادها الثقافية والروحية، فإذا شعر بالخصوصية ازداد ثقة في ذاته وأمّن لنفسه شروط السلامة من مؤثرات الغزو الثقافي، ولا يستسلم لضعفه وهواجسه ويرمي بنفسه في المهالك ليهرب من واقعه الأليم.


فإذا أحسّ الإنسان بالخصوصية شعر بالمسؤولية، والوجود والكينونة والقدرة على الإبداع والابتكار، وهذا ما تعمل على بلوغه المجتمعات الناهضة، التي اختارت لقيادتها نخبة مؤمنة بموروثها الثقافي والتاريخي، فاستخدمت لغات الأجنبي كوسيلة لتطوير لغاتها وإثراء قاموسها بالمصطلحات العلمية والفنية والتكنولوجية، فلما تحقق لها ذلك استعملت لغاتها بعد أن طورتها، بالاقتباس والترجمة والتوليد والاشتقاق وإبداعاتها وابتكاراتها الرائدة، مثلما فعلته اليابان والصين وكوريا الجنوبية والشمالية وفيتنام وتركيا، وغيرهم من الشعوب التي تعتز بماضيها وتاريخها، ولم تقبل الانصهار في مخلّفات الغزو الثقافي، وتعيش من دون هوية ثقافية ووطنية وقومية.


وإذا استولت على الإنسان المضطرب الطاقة السلبية، بسبب تشكيكه في ذاته وموروثاته الثقافية، أصبحت لديه تركيبة نفسية مضطربة وغير متوازنة، فتتملّكه القابلية للغزو والاستعمار والذوبان والتبعية والمركوبية، لأن الغزو الثقافي بسحر جاذبية وسائله ومؤثراته ومغرياته، يعتبر وسيلة ناجعة ومفضلة تستخدمها الدول الإمبريالية، لمخادعة عقول الناس ممن يشعرون بالدونية والضَعة والطاقة السلبية، ولا يسلم من الإحساس بالضّعة والدونية حتى نخبهم الثقافية والسياسية والإعلامية، لأن من تأثيراته الخطيرة سهولة توجيه الإنسان المضطرب الذي جعلته الأوهام الخادعة يستغرق في غيبوبة شعورية، ولا يشعر باستفاقة الأنا الأعلى الذي يحيي فيه نوازع الضمير الحي المُتنبّه والمتيقّظ لكل ما يحيط به من مخاطر، وإن كانت تلك المخاطر مغلّفة بشهد العسل الذي يترك ذواقه لذة ظاهرية مُنعشة، ولكنها تُخفي في بواطنها سمًّا زُعافا لا بُرء منه حين يستشري في الجسم ويستحكم من أعضائه الحيوية.


ويقظة الضمير هي من تجعل الفرد، يتحسّس وجوده ويشعر بذاته الواعية التي تُقدّر المسؤولية بقدر فعلها وأهدافها، وهي المسؤلية الفاعلة والمنفعلة بالتوازن والانسجام مع كل موقف ومشكلة، من غير إفراط في الحب المزيف بالصور الوهمية، التي تتركها في النفس المغزوة ظواهر الغزو الثقافي، ولا تفريط في الأصول الثابتة ذات العلاقة البنيوية بالإنية والكينونة، والإنية هي ثبوت الوجود الإنساني المتميز والواعي بمشكلات عصره، وثبات الوجود الإنساني يكون بفرض الذات الواعية، في عالم الواقع والأشياء المختلطة -قسرا- بحكم طبيعة الحياة التي قدرت سيرورتها ومساراتها المشيئة العليا، وقد جعلتها مبنية على واقع مرير، يتصارع فيه الخير والشر، والحق والباطل، والحسن والقبيح، والفضيلة والرذيلة، والقوة والضعف، والمقبول عقلا والمرفوض بداهة ومنطقيا، ومظاهر الغزو الثقافي بكل تجلياتها تُصنّف في خانة القبائح الممجوجة، التي هي من عالم الرذيلة واللامعقول، التي تنفر منه الأذواق السليمة غير الملوّثة بمؤثرات الغزو الثقافي.


والشعور بالمسؤلية هو من يجعل الفرد متيقظا، ومدركا لما حوله من مخاطر، إذا كان ذلك المؤثر مرتبطا بجذوره وأصوله الفكرية والثقافية والحضارية، فإذا كان الفرد يقظا وشاعرا بالمسئولية الأخلاقية والقانونية، ولاسيما إن كان مثقفا أو أستاذا أو معلما أو أكاديميا أو إعلاميا، أو سياسيا أو مسئولا إداريا أو تنفيذيا، فيستحيل على الغازي مهما كانت قوته وسلطته، أن يسلب عقله ويستولي على عواطفه ومشاعره، ويوجّهه نحو الوجهة التي تخالف مصالح بلاده وشعبه وتتعارض مع عناصر هويته، وإذا صلح الحاكم والعالم والمثقف والأستاذ والإعلامي، صلح كل شيء واستقام على سوقه، لأن العوام مرتبطون تعليميا وعاطفيا ووظيفيا وقانونيا وأخلاقيا، بهؤلاء النخبة من صَفَوات المجتمع وعُلِّيَّتِه.

يقتدون بهم في مراحل الطفولة والمراهقة والشباب في مراحل تعليمهم، وفي الكهولة والشيخوخة في حياتهم العملية، ويتأسون بأقوالهم وأفعالهم وسلوكياتهم، إن كانت خيرا أو شرا، ويحتل أعلى هرم الترتيب فيهم رجال الحكم والسياسة، لأنهم يملكون وسائل الدولة في التوجيه والإرشاد والرقابة والجزاء والردع، فإن صلح رجال الدولة انعكس صلاحهم على كل المواطنين وإن فسدوا فسد الجميع، والأمثلة كثيرة مثلما وقع في بعض البلدان التي فسد فيها رجال الحكم، فأصبح المجتمع كله منحرفا وفاسدا، وفاقدا للأخلاق المهنية وللضمير والشعور الوطني، وعلى نحو ما هو واقع اليوم في دول أخرى، كانت رائدة في الالتزام الديني وقواعد الأخلاق والحشمة، حينما كان حكامها ملتزمين بالضوابط، فكان الشعب منضبطا وملتزما وخلوقا وداعية خير، فلما تغير الحال وحكمهم متأثرون بثقافة الغزو الثقافي، تغيرت الأحوال وأصبحت الرذيلة ذائعة منتشرة ومُمجَّدة في تلك البلدان ولها أنصار يستميتون في الدفاع عنها، استرضاء لأولياء أمورهم ممن فتك بعقولهم الغزو الثقافي، فتحلّلوا من كل التزام، وقادهم تأثير الغزو إلى إطلاق أسماء غربية على مدنهم ومنتجعاتهم الجديدة.


ولم يكتفوا بذلك فحسب، بل تغلغل الغزو الثقافي في عقولهم إلى مستويات خطرة، فجندوا علماء الدرهم والدينار من الممسوخين المزورين المدلسين المتأولين بالباطل، ممن يصبحون على رأي ويمسون على رأي آخر بحسب الطلب، لإدانة إخوانهم المستضعفين المقاومين المضنون عليهم من القريب والبعيد في فلسطين ووصفهم بالخوارج، لأنهم خرجوا عن طاعة حكومة نتنياهو المتغلب، وقد ظاهروا عصابات الكيان لقتلهم وإبادتهم وإفنائهم من الأرض، لأن الكيان– بحسب فتاويهم المضلِّلة- له شرعية تاريخية ودولية في احتلال فلسطين، والأغرب من ذلك وأعجب وأنكى على النفوس، أنهم تشفّوا في اغتيال الشهيد هنية- رحمه الله- لأنه استعان بالروافض، والحاصل أن النبي (ص)، استعان بحماية مشرك وهو (المُطْعِم بن عُدَي)، حين رجع من الطائف، فوفر له المطعم الحماية من عدوان قريش، وهذه الفتاوى وغيرها من السلوكيات الرسمية العربية، تمثل قمة الغزو الثقافي في أقبح صوره، ولكنّ الكثير من الناس لا يدركون ذلك!!


المصدر: الشروق








 


رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 23:16

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc