باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين أما بعد :
فهناك أصلين ضروريين يجب على كل مسلم أن يعرفهما لكي يستطيع أن يفهم الأحكام الشرعية المتعلقة بدينه ولا أعتقد أنه يوجد مسلم لم يسمع بهاذين الأصلين :
الأول : الأصل في العادات الإباحة حتى يرد دليل يحرم تلك العادة : مما يعني أن الذي يقول بتحريم أمور العادات مطالب بدليل على التحريم وليس الفاعل هو المطالب بدليل الإباحة إذ أن الإباحة أصل
الثاني : الأصل في العبادات وفي الشرع التوقف حتى يرد دليل على مشروعية ذلك العمل أو تلك العبادة ، مما يعني أن الذي يقوم بذلك العمل يكون مطالبا بدليل شرعي وإلا يكون قد إبتدع في الدين ما ليس منه
لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد).
الراوي:عائشة أم المؤمنين المحدث:مسلم المصدر:صحيح مسلم الجزء أو الصفحة:1718 حكم المحدث:صحيح
ومعلوم أن الأعياد من الشعائر الدينية لأن الله سبحانه شرعها لعباده ودليل ذلك : ما روى أبو داود في سننه، في الصلاة، باب صلاة العيدين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما. فقال: ما هذان اليومان؟. قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر)).
فمن هذا الحديث نفهم نقطتين :
أن الأعياد ليست من أمور العادات لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرهما عليها
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن الله أبدلكما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر ، وهذا دليل صريح على أن الأعياد من الشرع ولا يجوز الإحتفال بعيد لم يشرعه الله سبحانه
ولنعلم أن الزمان والمكان من الجمادات فلا يقدسان إلا ما قدسه الله سبحانه ،
فمثال المكان : الله سبحانه وتعالى قدس الكعبة وشرع الطواف بها ، فمن يقدس مكانا آخرا أو يطوف به فقد إبتدع بدعة وكل بدعة ضلالة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
ومثال الزمان : أن الله سبحانه جعل للمسلمين يومين مقدسين وهما عيدا الفطر والأضحى وسن لهم سننا وواجبات يفعلونها مثل صلة الرحم و ذبح الأضحية وصلاة العيد ...... إلخ
وكما يعلم كل مسلم أن الله سبحانه لم يشرع له إلا عيد الفطر وعيد الأضحى فيكون كل عيد غير هاذين العيدين من البدع المحدثاث لأنه لا دليل على مشروعيتها
هنا دليل آخر، يمنع من الاحتفال بالأعياد المحدثة، لمجرد أنها ليست مشروعة، أو لكونها مضاهية للمشروع، هو حديث بوانة، فقد روى أبو داود في سننه، في الأيمان والنذور، في ما يؤمر به من الوفاء بالنذر، عن ثابت بن الضحاك أن رجلا نذر أن يذبح إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟، قالوا: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟، قالوا: لا. قال: أوف بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم).
فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر في مكان يقام فيه عيد من أعياد الجاهيلة فما بالك بالعيد نفسه و عندما نقول حكم الجاهلية فهو كل حكم يخالف حكم الإسلام فهناك إما إسلام وإما جاهلية
فالأعياد الغير إسلامية هي أعياد جاهلية ، و لا نعرف أن الأعياد إسلامية إلا إذا دلت عليها مصادر الإسلام الكتاب والسنة
ومن خلال هذه المقدمة يكون حكم المولد النبوي واضحا في إنه بدعة ما أنزل الله بها من سلطان ولم يحتفل بها لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه .
الإجابة عن بعض الإشكالات :
قد يورد بعضهم أو أكثرهم بعض الإشكالات أو الشبه التي تجعله يتمسك بهذه البدعة منها :
الإشكال الأول : يقول بعضهم أننا لا ننوي التعبد بهذا وإنما نعتبره عادة
الرد : إن هذا من أغرب الإشكالات وذلك أن العبادة هي كل ما شرعها الله سبحانه بغض النظر عن نية صاحبها ، فلا يمكن مثلا لشخص أن يضيف ركعة في صلاة العصر ويصلي خمس ركعات ويقول لا أنوي بالركعة الخامسة التعبد ، فالصلاة في ذاتها عبادة سواء نويت أم لم تنو
والأمر الغريب في هذه القضية أيضا أن الذي يحتفل غالبا ما يكون مبرره هو حب النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل حب النبي صلى الله عليه وسلم عبادة أم عادة ؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!
الإشكال الثاني : يقول بعضهم : هذا إحتفال وليس عيد
الجواب : تعريف العيد هو : ما يعاد وما يتكرر سواء كل شهر أو كل سنة أو كل أسبوع والعيد مأخوذ من المعاودة و هو ما يعود في كل سنة أو شهر ...... إلخ
ويكون فيه إجتماع أو لهو أو لعب أو فعل عبادات معينة أو عادات معينة ولا يشترط أن يكون في مكان محدد
وكما نعلم أن المولد النبوي يتكرر كل سنة في يوم معلوم ويجتمع من يحتفل به تاراة من أجل تلاوة القرآن والأذكار والتعبد لله وتخصيص هذا اليوم الذي لم يخصصه الله عز وجل أو يكون باللهو واللعب والأكل والشرب .... إلخ من مظاهر الإحتفال بهذا اليوم
الإشكال الثالث : قول البعض أنه بدعة حسنة
الرد : نرد بما روي عن مالك : من قال أن في الدين بدعة حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة
وقبل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : كل بدعة ضلالة
وكل من أقوى ألفاظ العموم ، فكيف يزعم من يزعم أن هناك بدعة حسنة
وأيضا هذا أمر لا يقره عقل ، فكيف يسمح الله سبحانه لعباده بأن يضيفوا شيئا في شرعه أو أن يتدراكوا عليه !!
وهنا ننبه لأمر مهم في الفرق بين البدعة بمفهومها اللغوي و البدعة بمفهومها الشرعي ، فمعلوم أن التعريف اللغوي أوسع من الشرعي
والبدعة لغة : هو كل شيء مخترع من غير مثال سابق ، والبدعة في الأمور الدنوية إن لم تخالف الشرع فهي بدعة حسنة وهذا ما قصده بعض أهل العلم وأعطى مثلا على ذلك يزيل الإشكال والمثال هو صناعة الصابون ، فصناعة الصابون ليس من أمور الدين بل من أمور الدنيا وهي من المباحات
أما نحن فنتكلم عن البدعة الشرعية فكل بدعة في دين الله هي ضلالة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
الإشكال الرابع : استدلالهم بحديث : من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليهه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً.
الرد : أليس الحديث أوضح من الشمس في كبد النهار ؟ الحديث يقول من سنة سنة حسنة وليس من إبتدع بدعة حسنة ؟ فعليك أن تثبث أن المولد سنة ثم أحيه ، والسنة هي كل فعل أو قول أو تقرير من النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل ثبت المولد بقول أو فعل أو تقرير للنبي صلى الله عليه وسلم !
فالمولد كما بينا ليس سنة ولا دليل على أنه سنة لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ولم يفعله أصحابه و أقرهم
وهذا مثل الحديث الذي رواه أبو هريرة ïپ´ عن النبي ï·؛ أنه قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقصص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً، وهكذا حديث أبي مسعود الأنصاري ïپ´، يقول النبي ï·؛: من دل على خير فله مثل أجر فاعله.
ومثال هذا من يحيي السنن الثابثة ، مثلا كأن يكون في مكان الرجال يحلقون فيه اللحى فيأتي من يقول لهم : قال النبي صلى الله عليه وسلم : قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين
فيكون له أجر من عمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم
وكمن يحيي السنن المهجورة في المجتمع مثل شرب الماء على ثلاث دفعات ومثل تعجيل الفطور في رمضان ومثل صلاة ركعتي الضحى ، فكل هذه سنن ثابثة في الشرع ومن يدعو إليها ويحييها بعد هجرانها يكون له أجر من عمل بها ، لا أن يبتدع بدعة لا أصل لها في الشرع ويدعو إليها فهذا يكون مثل الذي دعا إلى ضلالة فيكون له وزر كل من عمل بها.
و الحمد لله رب العالمين.