بإسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه أما بعد :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد خلق الله سبحانه الإنسان في أحسن تقويم و وضع سننا كونية وشرعية ومثلما خلق الخلق جميعا فأحسن خلقهم كان من البديهي أن يحكم فيهم بمقتضى علمه وحكمته إذ أن الخالق هو الأعلم بخلقه .
ولقد قال الله سبحانه في محكم كتابه : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) الروم
فقد بين الله سبحانه الحكمة من خلق الزوجة من نفس الزوج وتمثلت هذه الحكمة في حصول السكن النفسي لهما حيث جعل بينهما المودة والرحمة .
فبعيدا عن كل النظم و الفلسفات يمكن لكل مسلم أن يفهم ماهية الزواج من الآية الكريمة ، فالزواج هو سعادة نفسية لا مادية ، فليست سعادة الزواج كسعادة تجارة رابحة وتحصيل أموال .
لكن للأسف الشديد تغير واقع المسلمين مع مرور الزمان حين جعلوا كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم وخضعوا للأعراف الفاسدة والنظم الفلسفية الجائرة الغبيّة فتم تحريف معنى الزواج إلى درجة أنه لم يعد علامة فارقة بين الحلال والحرام كما في ديننا الحنيف ، فتجد من يكونان على علاقة غير شرعية لسنين طويلة ثم يختمونها بزواج بعدما دارو في بعضهم تاريخ والله المستعان .
فليس الزواج بعلاقة مادية ولا بشراكة تجارية ولا بعلاقة حب رومانسية على الطريقة الغربية وإنما هو إتحاد بين نفوس تعبد الله حقّ عبادته وتتق الله وتكون المحبة في الله والتعاون على طاعة الله وعلى البرّ والإحسان حيث يسود جوّ من الإحترام والأدب الرفيع والخلق القويم ما يجعل الزوجين كالجسد الأحد إذا إشتكى منه طرف تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
وإن عجبت فاعجب من قول السفهاء أن الفقير لا يتزوج ، فلا أدري هؤلاء عن أي زواج يتكلمون وعن أي صورة من صوره يفقهون فهذا لا يقره دين ولا عقل سليم وذلك لأن الفقر والغنى ليسا من إختيار الشخص وإنما الذي يعطي والذي يمنع هو الله سبحانه ، والفقر والغنى ليسا جزءا لا يتجزأ من شخصية الإنسان وذلك أنه يمكن للغني أن يصير فقيرا كما يمكن للفقير أن يصير غنيا وكل ذلك بقدر الله سبحانه ، فعلى حسب قول هؤلاء أن هذه المرأة التي ترفض الفقير فإنها سترفض هذا الغني إذا أصبح فقير ، وإذا تركته وتزوجت بغني آخر وأصبح فقير فستتركه وهكذا تبقى تتنقل من رجل إلى آخر بحثا عن الغنى وهروبا من الزواج ، فأي عقل يقبل هذا .
و لا ننسى أن ديننا يرغّب في الزواج وقد وعد الله سبحانه من يريد الزواج بنية العفاف بإعانته
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ : الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ ) وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" .
مع قوله تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) النور/ 32 ، فبحسن التوكل ، والرغبة في العفاف ، وطلب ما عند الله من الفضل ، يرجى لمثل هذا الناكح أن يعينه الله ، ويرزقه من فضله .
ولنضرب مثالا آخر من سنة النبي صلى الله عليه وسلم لرجل فقير أراد أن يتزوج ، فلم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم أبدا أن الفقير لا يتزوج .
الحديث رواه البخاري (5030) ومسلم (1425) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ : " أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ ، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا ، فَقَالَ : ( هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ ) ؟ فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : ( اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا ؟ ) ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا ، قَالَ : ( انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ) ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي - قَالَ سَهْلٌ : مَا لَهُ رِدَاءٌ - فَلَهَا نِصْفُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ ) ، فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ، ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ : ( مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ؟) قَالَ : مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا – عَدَّهَا ، قَالَ : ( أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ ؟ ) قَالَ نَعَمْ ، قَالَ : ( اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ).
فأيهما خير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أم هدي السفهاء !!!!!!!!
بل إن السلف الصالح كانوا يلتمسون الغنى في الزواج
فعلا نحتاج إلى تحديث مفاهيم وتعلم ديننا والعودة إلى ثقافتنا لنفهم أنفسنا في زمن اصبحنا نتخبط فيه كالمصروعين و تفاقمت المشاكل الإجتماعية إلى درجة تجعل الشخص يبكي دما ، وتتساءل في بعض الأحيان حينما ترى خصومة بين زوجين ، أهؤلاء بشر أم شياطين !! هل معقول أن هؤلاء كانا يعيشان تحت سقف واحد وينامان في فراش واحد ويفعلون كل هذا في بعضهما البعض !!
ولكن إذا عُرِِف السبب بطل العجب ، فما بني على باطل فهو باطل .
خلاصة الكلام : إن الزواج هو ائتلاف النفوس وهو مودة ورحمة وليس كسبا مادية ولا فرح ليلة كما يقولون ، فلا أحد يلزمكما أن تنفقا على زفافكما كل هذه الملايين و شراء كل هذه الألبسة الفاخرة والمغالاة في المهور .
نسأل الله أن يهدينا أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين