عن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هو الذي أنزل عليك الكتاب، منه آيات محكمات هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون: آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم».
[صحيح] - [متفق عليه]
الشرح:
قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}، يخبر الله سبحانه وتعالى أن في القرآن آيات محكمات، هنّ أم الكتاب؛ أي: بيِّنات واضحات الدّلالة في نفسها، مُبيِّنةٌ لِما عداها مِن المتشابهات، ولا التباس فيها على أحد، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير مِن الناس أو بعضِهم، فمَن اشتبَه عليه شيءٌ ردَّ ما اشتبه إلى الواضح منه، ولهذا قال تعالى: {هنّ أم الكتاب}؛ أي: أصله الذي يُرجَع إليه عند الاشتباه، {فأما الذين في قلوبهم زيغ} أي: شك ومَيلٌ وضَلالٌ، فيتبعون المشتبهات؛ طلبًا لوقوع الفتنة وإضلال أتباعهم؛ إيهامًا لهم أنّهم يحتجّون على بدعتهم بالقرآن، وهو حجة عليهم، لا لهم، ولأجل تأويله، أي: تفسيره على أهوائهم المنحرفة، وتحريفه على ما يريدون، وفي تفسير قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون: آمنا به} وجهان صحيحان: الأوَّل: أنّ الله عز وجل استأثر بعلم تأويل بعض القرآن، فلا يعلمه إلّا هو، وهو حقائق الغيب وكيفية الصفات، والثابتون في العلم الشرعي الكاملون فيه يقولون ءامَنّا بالمتشابه، ووكلنا علمَه إلى عالمه، كلّ مِن المتشابه والمحكم نزل مِن عند الله، وهو حقٌّ وصوابٌ. والثاني: أنّ معنى المتشابه ما لا يعلمه إلّا الله ومَن اصطفى مِن أهل الرُّسوخ في العلم، ويكون التأويل هنا بمعنى التَّفسير. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا رأيت الذين يتَّبعون ما تشابه مِن الكتاب، فأولئك الذين سمَّى الله في قوله عز وجل: {فأما الذين في قلوبهم زيغ} فاحذروهم ولا تجالسوهم، ولا تحادثوهم أيها المسلمون، فإنهم أهل البدعة.
معاني الكلمات:
تلا:
قرأ.
محكمات:
واضحات الدّلالة، حيث يتبيَّن معناها بنفس تلاوتها.
أمّ الكتاب:
أصله الذي يُرجَع إليه عند الاشتباه.
متشابهات:
المتشابه: ما لم يتَّضح معناه مِن لفظه، وهو على ضربين: أحدهما: إذا رُدّ إلى المحكَم عُرِف معناه، والآخر: ما لا سبيل إلى معرفة حقيقته.
زيغ:
مرض وانحراف وميل.
ابتغاء:
طلبًا.
تأويله:
تفسيره أو حقيقته.
الراسخون:
الثابتون المتمكنون من العلم.
أولو الألباب:
أصحاب العقول السليمة.
سمى الله:
الذين عناهم الله جل وعلا وذكرهم بوصفهم الذَّميم.
من فوائد الحديث:
التحذير مِن مخالطة أهل الزيغ وأصحاب البدع، ومَن يطرح المشكلات لإضلال الناس وتشكيكهم، فأما مَن سأل عما أشكل عليه للاسترشاد وتلطَّف في ذلك فلا بأس به، وجوابه واجب، وأمّا الأول فلا يجاب؛ بل يُزجَر.
في ختم الآية بقوله تعالى: {وما يذكر إلا أولو الألباب} تعريض بالزائغين، ومدح للراسخين؛ يعني: مَن لم يتذكَّر ويتَّعظ، ويتَّبع هواه ليس مِن أولي الألباب.
أن بعض القرآن محكم وبعضه متشابه.
من أوجه الحكمة مِن وقوع المتشابه: إظهار فضل العلماء على غيرهم، وإعلام للعقول بقصورها؛ لتستسلم لبارئها وتعترف بعجزها.