أقوال علماء السنة رحمهم الله
قال الشيخ البراك
القاعدة في الألفاظ المحدثة المجملة: التوقف عن الحكم على قائلها أو عليها إلا بعد الاستفصال؛ فإن أراد منها حقًا قبلنا ما أراد، وإن أراد باطلا؛ رددنا الباطل، وإن أراد حقا وباطلا؛ وقفنا اللفظ، وقبلنا الحق، ورددنا الباطل .
شرح العقيدة الطحاوية ص141
موقف أهل السنة من هذه الألفاظ هو التوقف، فلا يثبتونها ولا ينفونها؛ لأنه لم يرد بخصوصها في إثباتها ولا نفيها دليل لا من الكتاب ولا في السنة الصحيحة، ولم يتكلم بها سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم، ولا أئمة أهل السنة، فلا نقول أن الله جسم، أو ليس بجسم، ولا نقول أنه في جهة، أو ليس في جهة...الخ، وهكذا.
الألفاظ المجملة: هي تلك الألفاظ التي تحتمل حقاً وباطلاً، أو هي تلك الألفاظ المتنازع فيها لاشتمالها على حق وباطل(1). وهي ما لم يرد نفيه ولا إثباته في نصوص الشرع، مما تنازع الناس فيه، كالجسم والحيز والجهة والحركة، ونحو ذلك من الألفاظ المحدثة المجملة.
وموقف أهل السنة من هذه الألفاظ هو التوقف، فلا يثبتونها ولا ينفونها؛ لأنه لم يرد بخصوصها في إثباتها ولا نفيها دليل لا من الكتاب ولا في السنة الصحيحة، ولم يتكلم بها سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم، ولا أئمة أهل السنة، فلا نقول أن الله جسم، أو ليس بجسم، ولا نقول أنه في جهة، أو ليس في جهة...الخ، وهكذا.
هذا بالنسبة للفظها، أما بالنسبة لمعناها فإنها مجملة فيها حق وباطل وقد تقرر عندنا معشر أهل السنة أن الألفاظ التي تكون معانيها مجملة لا تقبل مطلقاً، ولا تنفى مطلقاً، وإنما هي موقوفة على الاستفصال، حتى يتميز حقها من باطلها فيقبل الحق ويرد الباطل.
وهذا هو الموقف الحق عند انتصاب النزاع، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا)(2)، وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب)(3).
لذلك فقد كثر في كلام السلف "النهي عن إطلاق موارد النزاع بالنفي والإثبات، وليس ذلك لخلو النقيضين عن الحق، ولا قصور أو تقصير في بيان الحق، ولكن لأن تلك العبارة من الألفاظ المجملة المتشابهة المشتملة على حق وباطل، ففي إثباتها إثبات حق وباطل، وفي نفيها نفي حق وباطل، فيمنع من كلا الإطلاقين، بخلاف النصوص الإلهية، فإنها فرقان، فرق الله بها بين الحق والباطل، ولهذا كان سلف الأمة وأئمتها يجعلون كلام الله ورسوله هو الإمام والفرقان الذي يجب إتباعه، فيثبتون ما أثبته الله ورسوله، وينفون ما نفاه الله ورسوله، ويجعلون العبارات المحدثة المجملة المتشابهة ممنوعا من إطلاقها نفيا وإثباتا لا يطلقون اللفظ ولا ينفونه، إلا بعد الاستفسار والتفصيل، فإذا تبين المعنى أثبت حقه، ونفى باطله، بخلاف كلام الله ورسوله، فإنه حق يجب قبوله، وإن لم يفهم معناه، وكلام غير المعصوم لا يجب قبوله حتى يفهم معناه"(4).
قال الشيخ عبد الرحمن السحيم
لا يجوز أن يُوصف الله عز وجل بما لم يَصِف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
فصفات الله عز وجل توقيفية .
فيجب أن يُثبت لله عز وجل ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله من صفات الكمال .
ويُنفى عنه ما نفاه عن نفسه وما نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم .
وهناك قسم آخر ، وهو ما سُكت عنه ، فلا نُثبتها ولا ننفيها ، بل يُستفصل من قائلها ويُسأل عن مراده بقوله .
وعقيدة أهل السنة والجماعة إثبات الصفات كما أثبتها الله عز وجل لنفسه ، من غير تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل ولا تأويل .
فإذا أثبتنا اليد لله عز وجل فإننا نُثبتها بلا كيف ، نثبت صفة اليد ، ولكننا لا نُشبهها بأيدي المخلوقات ، لقوله تبارك وتعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)
ومثله إذا أثبتنا صفة السمع والبصر لله عز وجل .
وإثبات صفة العين لله عز وجل يُقال فيها مثل ذلك .
فإنه سبحانه وتعالى قال : ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا )
وقال عليه الصلاة والسلام : إن الله تبارك وتعالى ليس بأعور ، ألا إن المسيح الدجال أعور . رواه البخاري ومسلم .
فهذا فيه إثبات هذه الصفة ، وهي من صفات الكمال لله عز وجل .
واستدل أئمة أهل السنة بالآية السابقة مع الحديث على إثبات العينين لله عز وجل .
وأما المعتزلة فإنهم ينفون الصِّفات
والله تعالى أعلم .
قلت
فاجتنبوا الالفاظ المحدثة والتزموا بالوارد في القرآن والسنة لا تزيدوا ولا تنقصوا يرحمكم الله
لا يجوز وصف الله بما لم يردثبت ولم يرد كالاتصال والانفصال وغيرها من الالفاظ المحدثة
قال الشيخ عبد الرحمن الوكيل في تعليقه على مصرع التصوف البقاعي
في التصريح بنفي الاتصال والانفصال معا في آن واحد، وعن ذات واحدة خلل منطقي. فهما يتقابلان تقابل السلب والإيجاب، فيلزم من انتفاء أحدهما ثبوت الآخر. وفيهما أيضا إجمال واشتباه، فقد يعني بالانفصال أنه سبحانه بائن من خلقه مستو على عرشه، ليس كمثله شيء. وهذا حق يؤمن به من أسلم قلبه لله، ووحده توحيدا صادقا في ربوبيته وآمن بأسمائه وصفاته كما هي في القرآن والسنة.
وقد يعني بالانفصال أنه سبحانه لا يتصل بالعالم صلة خلق أو تدبير، أو علم منه سبحانه، أعني نفي كونه خالقا عليما يدبر الأمر, أو أنه سبحانه ليس لإرادته، أو قدرته أثر في مقادير الوجود، وغير ذلك مما يدين به الفلاسفة، ومرادهم منه نفي الخالق القادر المريد المختار. وهذا كفر يجحد بالربوبية والإلهية.
وكذلك الاتصال: فقد يراد به أن سبحانه يدبر الكون، ويصرف الليل والنهار، ويسخر الشمس والقمر، ويحيط علمه بكل شيء كليا كان أو جزئيا، وتشمل قدرته كل شيء، وغير هذا مما يشهد بكمال الربوبية. وهذا حق لا يتم الإيمان إلا به. وقد يعني به مفهومه الصوفي، أي: إنه سبحانه حال في كل شيء، أو متحد بكل شيء، أو إنه عين كل شيء، أو إنه هو الوجود الساري في كل موجود، ومن يدين بهذا فهو زنديق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية: (1/76)، بتصرف.
(2) سورة النساء الآية: (59).
(3) سورة الشورى، الآية (10).
(4) درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية: (1/76).
(5) سورة الشورى، من الآية: (11).
(6) رسالة في شرح قاعدة الألفاظ المجملة عند أهل السنة– وليد سعيدان: (ص:41).
(7) ينظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لابن تيمية: (4/432).
(8) المرجع السابق، نفس الصفحة.
(9) مجموع الفتاوى لابن تيمية: (3/42).
(10) رسالة في شرح قاعدة الألفاظ المجملة عند أهل السنة– وليد سعيدان: (ص:38-39).
(11) مختصر الصواعق المرسلة، لابن القيم: (473).
(12) مجموع الفتاوى لابن تيمية: (3/41).
(13) المرجع السابق: (3/307).
قال الشيخ الغنيمان حفظه الله
[لا يجوز إطلاق الألفاظ المجملة في صفات الله]
لا يجوز إطلاق الألفاظ المجملة في صفات الله جل وعلا، مثل: لفظ الجهة أو لفظ الحيز أو لفظ العرض أو الجسم وما أشبه ذلك، فإن هذه ألفاظ مجملة تحتمل حق وتحتمل باطل، وإذا كانت ما جاءت في الكتاب والسنة فيجب أن تبين وتفصل، فإذا تبين أن مراد القائل لهذه الأمور حق قبل الحق ورد الباطل، وقيل له: يجب أن تعبر عن المعاني الصحيحة بالألفاظ الشرعية التي جاءت في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما الألفاظ المبتدعة فلا يجوز استعمالها في هذا، أما إذا تبين أنه يريد باطلاً فيقال له: اللفظ والمعنى مردود.
مثال ذلك: إذا قال: إن الله في جهة، أو قال: إنه ليس في جهة، نقول: هذا الكلام يحتاج إلى تفصيل: ماذا تريد بأن الله في جهة؟ فإن قال: أريد أن الله في العلو، وأنه عال على خلقه، ومستو على عرشه.
نقول: هذا المعنى صحيح ومقبول، ولكن يجب أن تعبر عن ذلك بالعبارات التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله: بأن الله فوق، وأنه في السماء، وأنه استوى على العرش، وما أشبه ذلك، وإن قال: أريد أن الله في جهة تحويه أو تحيط به.
نقول: هذا باطل لفظاً ومعنى، ومثل الجهة الحيز، فإذا قال: إن الله في حيز أو ليس في حيز.
وكذلك كلمة العرض أو الجوهر إذا قال: إن الله ليس بعرض، أو إن الله ليس بجوهر، فمن المعلوم عند المتكلمين أن العرض: هو الذي لا يقوم بنفسه وإنما يقوم بغيره، وأما الجوهر: فهو القائم بنفسه ويرى، العرض مثل: العلم والألوان وما أشبه ذلك التي لابد أن تقوم بغيرها، فإذا قال هذا، نقول: ما مرادك؟ فإن قال: أريد بهذا أنه جل وعلا منزه عن العوارض التي تعرض للناس أو تحل بهم من النقائص، نقول: هذا حق، ولكن التعبير عن هذا يكون بالعبارات الشرعية كقوله جل وعلا: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:ظ¤] ، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:ظ¦ظ¥] ، {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً} [البقرة:ظ¢ظ¢] وما أشبه ذلك، فإنه لا ند له، ولا مثل له، ولا سمي له، ولا نظير له، فهذه العبارات هي التي يجب أن تعبر بها، أما هذه العبارة فخطأ، وإن قال: أريد أن أنفي عنه الشيء الذي يدل على أنه جسم مثل الكلام والسمع وما أشبه ذلك؛ لأننا لا نعقل شيئاً تقوم به هذه الأمور إلا الأجسام، فنقول: هذا الكلام باطل لفظاً ومعنى.
وهكذا بقية الألفاظ المجملة يسلك فيها هذا المسلك، وهذه طريقة أهل السنة.