ما الحكمة من نزول الله جل وعلى الى السماء الدنيا وهو اصلًا قريب من عباده؟
431940
السؤال
ما الحكمة من نزول الله جل وعلى الى السماء الدنيا وهو أصلًا قريب من عباده؟
الجواب
الحمد لله.
أولًا:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟) أخرجه البخاري(1145)، ومسلم(758).
وصفة النزول صفة ثابتة لله عز وجل وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم: (20081).
ثانيًا:
صفة القرب ثابتة لله عز وجل. وقد سبق الحديث عن ذلك في جواب السؤال رقم: (277334).
ثالثًا:
إذا قرأت الجوابين السابقين بإمعان، سيتبين لك أن الله تعالى يقترب بأنواع من الاقتراب الخاص، يختص الله به بعض عباده، كيف شاء، في بعض الأحوال، أو الأزمنة، أو الأمكنة.
ونزول الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر: هو صورة من صور القرب الخاص، في هذا الزمان الشريف (ثلث الليل الآخر)؛ يقرب فيه سبحانه، من عباده، كيف شاء، بهذا النوع من القرب المكاني، الذي هو نزوله إلى (السماء الدنيا).
وبذلك يتبين أن "القرب" في موارد النصوص: إنما هو قرب "خاص"، ليس أمرا عاما يشترك فيه العباد.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس في القرآن وصف الرب تعالى بالقرب من كل شيء أصلا؛ بل قربه الذي في القرآن: خاص؛ لا عام. كقوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ البقرة/186، فهو سبحانه قريب ممن دعاه.
وكذلك ما في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير؛ فقال: )يا أيها الناس؛ اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا قريبا؛ إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته(؛ فقال: (إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم)، لم يقل: إنه قريب إلى كل موجود.
وكذلك قول صالح عليه السلام فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ هود/61، هو كقول شعيب: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ هود/90، ومعلوم أن قوله قَرِيبٌ مُجِيبٌ، مقرون بالتوبة والاستغفار؛ أراد به: قريب؛ مجيب لاستغفار المستغفرين التائبين إليه، كما أنه رحيم ودود بهم؛ وقد قرن القريب، بالمجيب؛ ومعلوم أنه لا يقال: إنه مجيب لكل موجود، وإنما الإجابة لمن سأله ودعاه؛ فكذلك قربه سبحانه وتعالى.
وأسماء الله المطلقة، كاسمه السميع والبصير والغفور والشكور والمجيب والقريب؛ لا يجب أن تتعلق بكل موجود؛ بل يتعلق كل اسم بما يناسبه.
واسمه العليم: لما كان كل شيء يصلح أن يكون معلوما؛ تعلق بكل شيء.
وأما قوله تعالى وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ق/16-18، وقوله: فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ الواقعة/83 = فالمراد به: قربه إليه بالملائكة. وهذا هو المعروف عن المفسرين المتقدمين من السلف، قالوا: ملك الموت أدنى إليه من أهله، ولكن لا تبصرون الملائكة.
وقد قال طائفة: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ: بالعلم. وقال بعضهم: بالعلم والقدرة. ولفظ بعضهم: بالقدرة والرؤية.
وهذه الأقوال ضعيفة؛ فإنه ليس في الكتاب والسنة وصفه بقرب عام من كل موجود، حتى يحتاجوا أن يقولوا: بالعلم والقدرة والرؤية؛ ولكن بعض الناس لما ظنوا أنه يوصف بالقرب من كل شيء، تأولوا ذلك بأنه عالم بكل شيء، قادر على كل شيء.
وكأنهم ظنوا أن لفظ القرب: مثل لفظ المعية...
وقد ثبت في " الصحيح " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء. وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهما في تفسير هذه الأسماء ...
وهو يبين أنه ليس معنى الباطن أنه القرب ولا لفظ الباطن يدل على ذلك، ولا لفظ القرب في الكتاب والسنة على جهة العموم كلفظ المعية، ولا لفظ القرب في اللغة والقرآن كلفظ المعية...