ويقول ابن أبي العز شارح الطحاوية رحمه الله : “حلول الحوادث بالرب تعالى المنفي في علم الكلام المذموم لم يرد نفيُه ولا إثباته في الكتاب ولا في السنة، وفيه إجمال، فإن أريد بالنفي أنه لا يحلّ في ذاته المقدسة شيء من مخلوقاته المحدثة أو لا يحدث له وصف متجدّد لم يكن فهذا نفي صحيح، وإن أريد به نفي الصفات الاختيارية من أنه لا يفعل ما يريد، ولا يتكلم بما شاء، ولا أنه يغضب ويرضى لا كأحد من الورى، ولا يوصف بما وصف به نفسه من النزول والاستواء والإتيان كما يليق بجلاله وعظمته، فهذا نفي باطل. وأهل الكلام المذموم يطلقون نفي حلول الحوادث، فيسلّم السني للمتكلم ذلك على أنه نفى عنه سبحانه ما لا يليق بجلاله، فإذا سلّم له هذا النفي ألزمه نفي الصفات الاختيارية وصفات الفعل، وهو غير لازم له، وإنما أتي هذا السني من تسليم هذا النفي المجمل، وإلا فلو استفسر واستفصل لم ينقطع معه”
قال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله: “وأما الكرامية فيقولون: صار متكلما بعد أن لم يكن، فيلزم انتفاء صفة الكمال عنه، ويلزم حدوث الحادث بلا سبب، ويلزم أن ذاته صارت محلا لنوع الحوادث بعد أن لم تكن كذلك كما تقوله الكرامية، وهذا باطل”([37]).
فالحاصل أن حلول الحوادث لفظ مجمل، يُستفصل فيه، فإن أُريد به الأفعال الاختيارية فالمعنى صحيح، وإن كانت اللفظة ذاتها من ابتداع أهل الكلام، وإذا أُريد به أن الله يحل فيه الحوادث المخلوقة أو التي تُحيله وتجعله محلًّا للتغيرات المخلوقة والاستحالات أو أن الله استحدث صفة لم تكن موجودة من قبل كما تقول الكرامية، فالمعنى واللفظ خطأ معًا.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
منقول من مركز السلف