بإسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه أما بعد: إن أهل البدع و الأهواء و أهل الشرك و الغوغاء لا يملون من محاربة التوحيد و أهله و لا يتوقفون عن التلبيس و التدليس بمختلف الحيل التي يستوحونها من الذي قال لله سبحانه لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ، فرضوا بأن يكونوا من جنده و نبذوا الدين الذي إرتضاه الله لخلقه المتمثل في الإستسلام له بالتوحيد و الإنقياد له بالطاعة و البراءة من الشرك و أهله ، فأرسل الرسل و أنزل الكتب حتى يقيم الحجة على خلقه ، قال الله تعالى : و لقد بعثنا في كل أمة رسولا أن أعبدوا الله و إجتنبوا الطاغوت ...الآية.
و من بين التلبيسات التي يلبس بها أهل البدع و المشركون المعاصرون إنكارهم لتقسيم التوحيد و هو تقسيم إصطلاحي كغيره من التقسيمات التي يحتاج إليها طلبة العلم من أجل تسهيل المسائل و ترتيبها و جمعها ، و قد علم بالإستقراء أن التوحيد 3 أقسام :
توحيد الربوبية و توحيد الألوهية و توحيد الأسماء و الصفات .
و هذه الأقسام ليست مستقلة عن بعضها و إنما بمجموعها يحقق العبد توحيد ربه مثل الإيمان بالله و كتبه و اليوم الآخر و الرسل و القدر فمن آمن بخمسة أركان و لم يؤمن بالسادس فهو كافر و من لم يؤمن بأي ركن فهو كافر ، فلا يحصل للعبد الإيمان حتى يؤمن بكل الأركان .فكذلك لا يتحقق الإيمان بالله إلا بتوحيده و توحيده لا يكون إلا بإفراده بكل ما بختص به من ربوبية و ألوهية و أسماء و صفات .
هذا و قد إعترض أهل البدع و الأهواء على هذا التقسيم بحجة أنه محدث و لم يقل به السلف رضوان الله عليهم و بالتالي فهو بدعة .
و الجواب على هذا الإعتراض يكون بطريقين مجمل و مفصل :
أما المجمل فنقول : إن الإصطلاحات و التقسيمات الإصطلاحية و الوسائل لا تدخل في أمور الدين بل هي خارجة عن ماهية الدين فليست محلا للبدعة و السنة فالبدعة هي إحداث أمر في الدين لم يكن عليه سلف الأمة رضوان الله عليهم ، فالبدعة تكون إما بعقيدة مخالفة لما عليه السلف أو عبادة لم يشرعها الله و لم يتعبد بها السلف أو سلوك طريقة في الدين تضاهى بها الشرعية و للمزيد من التفاصيل يرجع لكتاب الإعتصام للشاطبي فقد بين البدعة بأحسن بيان و خلاصة الكلام أن البدعة تكون في أمور الدين من العقائد و العبادات و الأحكام و لا تكون في الأسماء و لا الإصطلاحات و لا التصنيفات التي يحتاج المسلمون إليها .
و يضاف لهذا أمر آخر و هو أنه يجب علينا أن نتقيد بما فعله السلف و نترك ما تركوه بشرط ألا و هو وجود مقتضى الفعل معى الترك أما إذا لم يوجد مقتضى الفعل فلا نقول إن السلف تركوا هذا الفعل لأنه لا يوجد مقتضاه أصلا .
مثال : في زمن النبي صلى الله عليه و سلم لم يجمع القرآن في مصحف واحد و ذلك لعدم الحاجة فقد كان النبي صلى الله عليه و سلم بين ظهرانيهم أما بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم جمع عثمان رضي الله عنه القرآن في مصحف واحد و بحرف واحد حتى يبقى محفوظا مكتوبا خاصة مع إنتشار رقعة الإسلام و تزايد عدد المسلمين، فمقتضى هذا الفعل لم يكن موجودا في زمن النبي صلى الله عليه و سلم و وجد بعد موته صلى الله عليه و سلم.
فكذلك السلف لم يكونوا بحاجة مثلا لعلم النحو فقد كانت اللغة العربية غريزة في ألسنتهم و لكن بعدما إنتشر الإسلام و دخل إليه الأعاجم وضع العلماء قواعدا و أصولا بإستقراء كلام العرب و طريقتهم و ذلك حتى تحفظ اللغة العربية و يسهل تعليمها.
أما الجواب المفصل : فنقول هل قولكم أن هذا التقسيم بدعة لم يعرفها السلف تقصدون به المعنى و المضمون أم تقصدون به الإصطلاح ؟
إن قلتم نقصد المعنى و المضمون فهذا يعني أن السلف لم يكونوا يفردون الله بالربوبية و الألوهية و الأسماء و الصفات و بمعنى آخر أن السلف كان يثبثون الألوهية أو الربوبية أو الأسماء الحسنى لغير الله و هذا قول ظاهر البطلان و أدلة كفر قائله في كتاب الله كله من أوله لآخره ، إذن فالسلف كانوا موحدون لله في ربوبيته و في ألوهيته و في أسمائه و صفاته ، بمعنى السلف كانوا على مضمون هذا التقسيم الذي تم إستقراؤه أصلا من النصوص.
أما إن قلتم نقصد المصطلح فنقول : قد أجبنا سابقا بأن المصطلحات ليست توقيفية فأيضا السلف لم يعرفوا تقسيم العلم الشرعي لعلم عقيدة و علم فقه و علم تفسير .
و كذلك لم يعرفوا تقسيم الكلام إلى إسم و فعل .
و كذلك لم يعرفوا تقسيم الصلاة إلى أركان و واجبات و سنن
و كذلك لم يعرفوا تقسيم الحج إلى أركان و واجبات و سنن .
و كذلك لم يعرفوا وضع مصطلحات كأصول الفقه و أصول التفسير .
لم يعرف السلف هذا كله كإصطلاح و لكن عملوا به و وافقوه كمضمون ، فهم كانوا يعملون بالنصوص و بقواعد اللغة مباشرة و لم يحتاجوا لتقعيد و تأصيل و تصنيف و إنما هذا إحتيج إليه بعدهم من أجل حفظ علوم الدين .
و صل اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.