بإسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و سلم أما بعد :
إن الله سبحانه و تعالى لم يخلقنا إلا لغاية معلومة ألا و هي عبادته وحده لا شريك له و من أجل هذا إفترق الناس إلى مؤمنين و كفار و من أجل هذا وجدت الجنة و النار و من أجل هذا بعث رسله عليهم الصلاة و السلام إلى أقوامهم لينذرونهم بهذه الحقيقة .
و لما كان الشيطان عدوا للإنسان فإن مهمته هي صرف العباد عن هذا الأمر الذي خلقوا لأجله حتى يموتوا على الشرك و العياذ بالله و لهذا فإن الشرك لا ينقطع من الأرض مادام الشيطان موجودا .
و لما ظهر صنف من المشركين في هذا الزمان ممن يعبد الأموات و الصالحين و يبنون الأوثان على قبورهم كحال أسلافهم من المشركين الأولين أوحى الشيطان إليهم شبها ليتمسكوا بها و يلبثون في طغيانهم يعمهون معرضين عن النور الذي أنزله الله سبحانه ، و قد بين لهم أهل التوحيد أن ما يفعلونه من دعاء الصالحين و الإستغاثة بهم هو نفسه الشرك الذي وقع فيه الأولون فما لبثوا أن قالوا بأن الأولون كانوا مشركين و معطلين للرب سبحانه أي أنهم لم يكونوا مقرين بربوبية الله سبحانه و لاشك أن هذا الكلام يقوله من لم يقرأ القرآن يوما في حياته و لهذا سنثبث أن دعوة الرسل كانت من أجل عبادة الله وحده لا من أجل إثباث الربوبية كما سنبين أن المشركين الأولين مقرين بتوحيد الربوبية .
قال الله تعالى : وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50)
و قال : وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (61)
و قال :وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ۚ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84)
و قال : لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)
و ماذا كان جواب قوم هود عليه السلام حينما دعاهم ؟؟؟
الجواب في قوله تعالى: قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70)
فهذه الآية قاطعة الدلالة أن المشركين رفضوا أن يعبدوا الله و حده و لم يرفضوا عبادة الله لأنهم كانوا يعبدون مع الله تلك الأصنام التي هي لرجال صالحين .
قال الله تعالى : وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)
قال بن عباس رضي الله عنه : نزلت في تلبية مشركي العرب : لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك .
المصدر : تفسير القرطبي .
فالمشركون كانوا يحجون في الجاهلية و كانوا يعبدون الله سبحانه و كانت هذه تلبيتهم .
- حدثنا ابن وكيع , قال: حدثنا عمران بن عيينة , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس: ( وما يؤمن أكثرهم بالله ) الآية , قال: من إيمانهم، إذا قيل لهم: مَن خلق السماء؟ ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله . وهم مشركون.
19955 - حدثنا هناد , قال: حدثنا أبو الأحوص , عن سماك , عن عكرمة , في قوله: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ، قال: تسألهم: مَن خلقهم؟ ومن خلق السماوات والأرض , فيقولون: الله . فذلك إيمانهم بالله , وهم يعبدون غيره.
المصدر : تفسير الطبري .