تقديم /
قطعت عملية تدريس وتعليم القراءة عدة مراحل تبعا للدلالات والوظائف التي أسندت لها من جهة، وتبعا للمسار التاريخي لمرجعياتها العلمية والفلسفية.
ويمكن الوقوف على قطبين رئيسيين من طرائق تعليم وتعلم القراءة هما: الطرائق التركيبية والطرائق التحليلية، وبينهما يمكن الحديث عن طريقة توفيقية يصطلح عليها بالمزجية.
الطريقة التركيبية (الجزئية) La méthode synthétique:
وتتميز بتعلم ينطلق من العناصر أو الأجزاء الصغرى (أي من الحروف) إلى العناصر الكبرى: الكلمات، فالجمل ثم النص.
وهي طريقة جزئية اعتمدتها المربية الشهيرة "مونتسوري". وتستند هذه الطريقة على فرضية نظرية مفادها أن الجزء يسهل تعلمه وأن المركب يصعب إدراكه، وأن معيار القراءة الجيّدة هو التمكن من الربط السليم بين الحرف (الصورة) والصوت (النطق). كما أن أساسها السيكولوجي ينطلق من مبدأ المثير والاستجابة عند السلوكيين.
ويمكن التمييز داخل الطريقة التركيبية بين نموذجين من الممارسات المنهجية:
النموذج (1) الطريقة الأبجدية:
وهي الطريقة التي اعتمدت في المدارس الكلاسيكية، ولا زالت تمارس في كثير من الكتاتيب القرآنية ورياض الأطفال، وتقوم على تعليم الحروف الهجائية بأسمائها (الألف، الباء، التاء، الثاء ... إلخ)، حيث يختزنها المتعلم في البداية لينطلق منها في تعلم الكلمات والجمل.
ويسلك المعلّم للوصول بالمتعلم إلى تعلم القراءة على ضوء هذه الطريقة العمليات التالية:
تحفيظ الحروف بأسمائها حرفا حرفا.
التعرف على رموزها / أشكالها وأبعادها.
نطقها متحركة وساكنة وممدودة ومشددة ومنونة.
الانتقال إلى المقاطع الصوتية: بابا ـ ماما ...
التطبيق في كلمات تشتمل على حروف مدروسة.
الانتقال إلى جمل قصيرة ومنها إلى الجمل العادية ثم النصوص.
النموذج (2) الطريقة الصوتية:
في هذه الطريقة تقدم الحروف إلى المتعلّم بنفس التقنية المعتمدة في الطريقة السابقة (الأبجدية)، ولكن عوض أن تقدم بأسمائها تقدم بأصواتها، مثلا: عوض (الميم) يقدم صوت (مَ). فالمتعلم هنا يكون مطالبا بتعرف رموز الحروف وأصواتها المختلفة باختلاف حركات الشكل.
وينطلق المدرس من صورة يبتدئ اسمها بالحرف موضوع التعلم. ويتدرج في تعليم الحروف من تلك التي تكتب منفصلة مثل، (وردة) ثم إلى كلمات متصلة جزئيا (رسم) ثم كليا (جلس). كما يتدرج من الحروف المفتوحة إلى الحروف المكسورة أو المضمومة والساكنة والمنونة، عملا بمبدأ [الانتقال من السهل إلى الصعب ومن البسيط إلى المركب..].
على الرّغم من أن التقنية المستعملة في كلا الطريقتين (الأبجدية والصوتية) سهلة ونمطية، بحيث يمكن للمتعلم في نهاية اليوم الدراسي أن يعود إلى المنزل وقد اكتسب رصيدا لغويا / قرائيا، كما أن المدرس لا يبذل مجهودا ذا طابع فني أو منهجي لأنه يعتمد على أسلوب التكرار، مما يسمح للمتعلم بالتمييز بين الحروف وإجادة مخارجها، على الرّغم من ذلك، فإن هناك مؤاخذات على هاتين الطريقتين يمكن إجمالها فيما يلي:
تعلمات التلميذ لا تعدو أن تكون سلوكات روتينية مندمجة.
تختزل الفعل القرائي في النطق السليم بالحروف أو الكلمات، ضاربة عرض الحائط عملية الفهم وباقي القدرات العقلية المرتبطة بها.
تعتمد على مرجعية نظرية متجاوزة، مفادها أن العين تبدأ برؤية الأجزاء ومنها تنطلق إلى رؤية الكل. في حين أن العين ترى كل مجالها البصري في شموليته، ومنه تنتقل إلى رؤية الأجزاء (الجشطلت).
تخالف سيرورة النمو المعرفي واللغوي عند الطفل، حيث يعبر الطفل بواسطة كلمات عن معانٍ ودلالات، لا عن حروف وكلمات متفرقة.
تدخل المتعلم في متاهات دلالية خطيرة، حيث يصعب عليه الربط بين صوت الرمز (لَ) وبين النطق باسم الحرف (اللام).
غياب عنصر التشويق والتحفيز، وبالتالي تنعدم دافعية التلميذ إلى التعلم.
الطريقة التحليلية (الكلية)analytique (globale) La méthode:
يعتبر [نيكولا أدام] تاريخيا، هو مؤسس هذه الطريقة، كما حبذها المربي "ديكرولي". ولها مرجعية نظرية في سياق الطرح السيكولوجي الجشطلتي مفادها أن العقل البشري يسير في إدراكه للأشياء من الكل إلى الأجزاء، وعلى ضوء هذه الفرضية تسير الطريقة التحليلية في تعليم القراءة، من الكل إلى الجزء، أي من تعليم الكلمة إلى الحروف، ومن المعلوم إلى المجهول، فهي تستغل خبرات الطفل عن الأشياء المحيطة به، فيندفع إلى التعلم متشوقا لأنه يتخذ المعنى مطية لإدراك المبنى.
وتتفرع الطريقة التحليلية إلى عدة طرائق هي:
الطريقة (1) طريقة الكلمة:
تنطلق من تعليم الطفل النطق بالكلمة دفعة واحدة مقرونة في الغالب بصورة تدل عليها، يردد النطق بها عدة مرات حتى تثبت لديه صورة وصوتا، ثم يعمد المدرس إلى تجريد الكلمة من الحروف غير المقصودة في الحصة ليبقى أمام المتعلمين الحرف المراد تعلمه منفردا بأبعاده ومكوناته الأساسية.
وحتى تكون كلمة الانطلاق صالحة لهذه العملية، ينبغي أن تتوافر فيها المواصفات التالية:
أن تتضمن الحرف المراد تعليمه، مع مراعاة تموقعاته (أول، وسط، آخر الكلمة)، تارة مفتوحا وتارة مكسورا وتارة مضموما وتارة ساكنا وتارة منونا.
أن تكون دالة على محسوس وقابلة للملاحظة، بحيث يسهل عرضها على المتعلمين مجسمة أو مصورة أو مرسومة.
أن تكون خالية من تنافر الحروف، أي لا تتكوّن من أصوات متقاربة المخارج حتى لا يتعذر على المتعلمين نطقها،