الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال أبو يعلى في مسنده 5269 : حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق حدثنا معروف بن حسان عن سعيد عن قتادة عن ابن بريدة عن عبد الله بن مسعود أنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا انفلتت دابة الأرض بأرض فلاة فليناد : يا عباد الله احبسوا ! يا عباد الله احبسوا ! فإن لله حاضرا في الأرض سيحبسه
هذا الحديث يستدل به القبورية على الاستغاثات الشركية وهو حديث منكر .
ولا علاقة له بمسألة الخلاف معهم وقد بلغني عن بعض طلبة العلم أنه وصف ظاهر هذا الحديث بأنه شرك أكبر ، وهذا غلط عظيم وافق فيه ظن القبورية وليس هذا مسلك أهل العلم تجاه هذا الحديث
قال الشيخ سليمان بن سحمان في الصواعق المرسلة الشهابية ص195 :" قال الملحد: "وفي الأذكار للنووي ما نصه: روينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوايا عباد الله احبسوا، فإن لله عز وجل في الأرض حاضرا سيحبسه".
والجواب أن يقال: هذا حديث فيه مقال، فإن فيه ابن حسان وهو ضعيف قال الذهبي في الميزان معروف بن حسان أبو معاذ السمرقندي عن عمر بن ذر قال ابن عدي: منكر الحديث قد روى عن عمر بن ذر نسخة طويلة كلها غير محفوظة.
وعلى تقدير صحته إنما يفيد نداء حاضر، كنداء زيد عمرا مثلا ليمسك دابة أو ليرجعها، أو ليناوله ماء أو طعاما، أو نحو ذلك، وهذا مما لا نزاع فيه، غاية ما في الباب أن عمروا مثلا محسوس، وهؤلاء لا يرون لأنهم إما مسلمو الجن أو ملائكة مكلمون، لا نداء على شيء لا يقدر عليه إلا الله تعالى.
وأين هذا من الاستغاثة بأصحاب القبور من الأولياء والمشايخ؟
والمقصود أنه ليس في الحديث إلا نداء الأحياء والطلب منهم ما يقدر هؤلاء الأحياء عليه وذلك لا ننكره"
فقد بين الشيخ ابن سحمان أنه لا تقدير صحته لا علاقة له بالشرك بل هو من باب الاستعانة بالحاضر على ما يقدر عليه
وقال أيضاً في الضياء الشارق ص587 :" وعلى تقدير صحتها فليس فيه إلا نداء الأحياء، والطلب منهم، ما يقدر هؤلاء الأحياء عليه، وذلك مما لا يجحده أحد، وأين هذا من الاستغاثة بأصحاب القبور الأولياء والصالحين، وكون المراد بعباد الله رجال الغيب كما يزعم بعض المتصوفة فهو مردود، بل هو من الخرافات، ومثله زعم وجود الأوتاد والأقطاب، والأربعين، وما أشبه ذلك"
وقال الشيخ عبد الله أبو بطين في تأسيس التقديس ص134 :" واحتج المعترض بالحديث الذي روي مرفوعا: "إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا فإن لله حاضرا سيحبسه" وزعم أن سنده صحيح"
وليس كما ذكر من صحته، لأن في سنده معروف بن حسان وهو منكر الحديث، قاله ابن عدي، وعلى تقدير صحته فليس فيه حجة لهذا المبطل على جواز دعاء الأموات والغائبين، لأنه قال فيه: فإن الله حاضرا سيحبسه. المعنى: أن لله عبادا لا نعلمهم -وما يعلم جنود ربك إلا هو- قد وكلهم سبحانه بهذا الأمر. وهذا يدل على أن هؤلاء الذين أمر بمناداتهم حاضرون أحياء، جعل الله لهم قدرة على ذلك، فمناديهم ينادي من يسمع ويقدر على ذلك، لقوله: فإن الله حاضرا سيحبسه. وهذا كما ينادي الإنسان أصحابه الذين معه في السفر أن يردوا عليه دابته إذا انفلتت"
وهذا هو جواب الشيخ سليمان بن عبد الله في جواب تيسير العزيز الحميد فيا ليت شعري طالب العلم هذا ألم يقرأ تيسير العزيز الحميد ؟
ومما يؤيد توجيه أئمة الدعوة
ما روى ابن أبي شيبة في المصنف 30339: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ ، عَن أُسَامَةَ ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ ، عَن مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : إنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً فَضْلاً سِوَى خَلْقِهِ يَكْتُبُونَ وَرَقِ الشَّجَرِ ، فَإِذَا أَصَابَتْ أَحَدَكُمْ عَرْجَةٌ فِي سَفَرٍ فَلِيُنَادِ : أَعِينُوا عِبَادَ اللهِ رَحِمَكُمَ اللَّهُ.
وهذا يحسن إسناده من يحسن حديث أسامة بن زيد الليثي فلا علاقة للخبر بالاستغاثة الشركية والعياذ بالله ، والأئمة لا يروون الشرك الأكبر
قال عبد الله بن أحمد في مسائله عن أبيه 912 : سَمِعت ابي يَقُول حججْت خمس حجج مِنْهَا ثِنْتَيْنِ رَاكِبًا وَثَلَاثَة مَاشِيا اَوْ ثِنْتَيْنِ مَاشِيا وَثَلَاثَة رَاكِبًا فضللت الطَّرِيق فِي حجَّة وَكنت مَاشِيا فَجعلت اقول يَا عباد الله دلونا على الطَّرِيق فَلم ازل اقول ذَلِك حَتَّى وَقعت الطَّرِيق اَوْ كَمَا قَالَ ابي
وكنت قد وفقني الباري تعالى في كتابي الإسعاف من إغاثة السقاف إلى الإجابة عن هذه الشبهة
قلت في الإغاثة :" الشبهة الرابعة
واحتج السقاف في ص 22 من رسالته السيئة الذكر بالحديث الذي رواه الطبراني في المعجم الكبير (10/267) وأبو يعلى في مسنده (9/177) وابن السني في عمل اليوم والليلة (508) عن عبد الله ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( إذا أنفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد : يا عباد الله احبسوا علي ، يا عباد الله احبسوا علي ، فإن لله في الأرض حاضرا سيحبسه عليكم ))
قلت وفي سنده معروف بن حسان قال عنه ابن عدي (( منكر الحديث ))
كما نقل ذلك ابن حجر في لسان الميزان (7/120) ط دار المؤيد
وهو في الكامل لابن عدي ترجمة رقم (1805)
قلت وهذا جرح شديد وقال عنه أبو حاتم (( مجهول )) انظر الجرح والتعديل (8/323) ط دار الفاروق
ورواية معروف عن سعيد بن أبي عروبة _ وهذه منها _ قد تكون بعد الإختلاط وذلك لأنه غير مذكور فيمن روى عن سعيد قبل الإختلاط
انظر التهذيب (2/327_328) حيث نقل قول ابن حبان في ثقاته (( لا يحتج إلا بما رواه عنه القدماء مثل يزيد زريع وابن المبارك ))
وفي رواية أخرى لهذا الحديث : ( إذا ضل أحدكم شيئا ، أو أراد أحدكم غوثا ، وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل : يا عباد الله أغيثوني ، يا عباد الله أغيثوني ، فان لله عبادا لا نراهم ) . رواها الطبراني في المعجم الكبير (17/117_118)
قلت وسنده معضل فالحديث يرويه زيد بن علي وقد ولد سنة ثمانين عن عتبة بن غزوان ووفاته سنة سبع عشرة
انظر في ميلاد زيد التهذيب ( 2/249)
وفي وفاة عتبة (4/64)
ورواه البزار (الكشف :3128) عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا بلفظ : ( إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر ، فإذا أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد : يا عباد الله أعينوني
قلت هذا الحديث إن دل فإنما يدل على جواز الإستغاثة بالملائكة الأحياء الحاضرين فيما يقدرون عليه وعليه تحمل الألفاظ السابقة
فأين هذا من الإستغاثة بالأموات الذين لا يسمعون وإن سمعوا فسمعهم ليس بالسمع الخارق الذي يتخليه القبورية ؟
وإعانة الأعرج وحبس الدابة أمر يستطيعه آحاد البشر فأين هذا من الإستغاثة بالأموات فيما لا يقدر عليه إلا الله كسؤال الأمن والأمان والهداية وغيرها حتى يلزمنا السقاف بتكفير من عمل بهذا الحديث من أهل العلم ؟
وقد قدمنا أن الأصل في أعمال الأموات أنها مقطوعة فلا يقاسون على غيرهم
ومن عجائب السقاف تعالمه على الألباني وزعمه أن ترجيح الألباني للموقوف على المرفوع غير علمي وكلام السقاف هو أولى بهذه الصفة من الألباني
فقد تفرد برواية الرفع حاتم الأصم عن أسامة بن زيد عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً عند البزار في المسند
وخالفه أبو خالد الأحمر عند ابن أبي شيبة في المصنف ( 29135) فرواه موقوفاً على ابن عباس
وخالفه روح بن عبادة عند البيهقي في شعب الإيمان ( 7437) فرواه عن أسامة بن زيد موقوفاً على ابن عباس
وسند البيهقي صحيح إلى روح وهذا يكفي لترجيح رواية الوقف ونقض اتهامه للألباني بالتناقض"
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
منقول من مدونة الخليفي