الزيارة التفقدية للضابط لطفي و اجتماعه بسي عمر في شهـــــــــــر ماي 1957
بعد معركة جبل تقرسان انسحبنا إلى جبل القعدة و معنا أفراد الكتيبة التي تنقلنا من أجلــهـا و أخذنا راحتنا الكافية هناك و بعد ما هدأت الأجواء من غليان العدو الفرنسي و غابت طائراته عن التحليق استغلينا الفرصة و تحولنا إلى جبل خناق عبدا لرحمن و اتخذنا منه مركزا لنا.
و ذات صباح قام بزيارتنا سي لطفي مسئول المنطقة الثامنة و كانت زيارته مخصصة من أجل إدماج الجنود التابعين لعمر إدريس المتواجد آنذاك بجبل مناعة و قعيقع و كان هؤلاء الجنود على درجة عالية من التدريب و الانضباط و تصادف أن لحق بنا أيضا المجاهد الطيب فرحات موفدا من طرف عمر إدريس للتفاوض بشأن الكتيبة المحتجزة لدينا و دارت بينه و بين مسئولي الكتائب محادثات توجت بمقابلة أجراها مع مسئول المنطقة سي لطفي تطرقا خلالها إلى عدة نقاط تطلبت حضور مسئول المنطقة سي عمر إدريس و طلب من الطيب فرحات بصفته المبعوث الخاص له أن يحرر رسالة بخط يده يطلب فيها منه الالتحاق بمركز خناق عبد الرحمن علمنا بعد ذلك بأن هناك إشارة سرية بين الرجلين إذا تعلق الأمر بالمراسلات بينهما و تكمن كلمة السر في الكيفية التي تمضى بها الرسالة حيث تم الاتفاق على الإمضاء بطريقتين كانت إحداهما تدل على أن الأمور عادية و الثانية تؤشر إلى خطورة الموقف و لم نعلم بذلك إلا مؤخرا عن طريق الطيب فرحات نفسه و هذا إن دل على شيء إنما يدل على حنكة الرجلين و حرصهما الشديد على اتخاذ الحيطة و الحذر في تلك الظروف الصعبة و عندما بلغت الرسالة إلى سي عمر إدريس و كانت على شكل استدعاء مذيل بالإمضاء المتفق عليه مسبقا فلبى الدعوة و بدون تأخير و قدم في وفد إلى مركز خناق عبد الرحمن و قد خضي باستقبال من طـــرف القيـــادة يليق بمقامه كقائد محنك و كان الكل في انتظارهم هناك و في مركز القيادة دارت بينهما محادثات حول الوضع بالمنطقتين و حاول الرجلان تخطي الحواجز النفسية و الخصومات الهامشية سواء على المستوى العسكري أو السياسي في جو ثوري أخوي و تم التفاهم على عدة نقاط كما تم تأجيل بعض المواضيع التي كانت تتطلب بأن تفصل فيها القيادة العليا و لعله هذا ما جعل القائد سي لطفي يطلب من سي عمر إدريس ضرورة الذهاب إلى المغرب لمقابلة سي بوصوف قائد الولاية الخامسة و بحضور سي لطفي حتى تكون للاتفاقية الصبغة الرسمية بعد موافقة سي بوصوف طبعا.
و بعد هذا الاجتماع عاد سي عمر و الطيب فرحات إلى منطقتهما بقعيقع لترتيب أمور المنطقـة و الاستعداد للسفر ‘إلى المغرب و فور وصوله استدعى قادة الوحدات و أطلعهم على فحوى المحادثات التي دارت بينه و بين سي لطفي كما أخبرهم على نيته في السفر و عين حاشي عبدالرحمن ليخلفه في قيادة الجيش أثناء غيابه بمساعدة بكباشي عيسى، كما اختار عددا قليلا من الرجال لمرافقته في رحلته نذكر منهم: مساعده الطيب فرحات، لقرادة بلقاسم، بوعزة, سليماني سليمان و جلول مقلاتي وامحيمدة بوعزة و في طريق رحلتهم عرجوا على مركز خناق عبدالرحمن ليتزودوا بالمئونة و فرقة تؤمن لهم الطريق و ترشدهم على المسالك وكلف بالمهمة الشهيد المدعو لمزكرم كقائد على المجموعة و كنت من ضمن جنودها فانطلقنا ليلا كعادتنا نحو جبل بونقطة ناحية البيض فاجتزناه إلى جبل تمدة القريب من عين الصفراء و هناك اتصلنا بالمجاهدين المتواجدين بمركز تمدة و أخبرناهم بالهدف الذي جئنا من أجله فكانت استجابتهم فورية و أخبرونا بأنهم على أتم الاستعداد لإتمام المهمة فاتفقنا معهم على الترتيبات لتوصيل الرجلين إلى هدفهما المنشود و ودعنا سي عمر و رفيقه سي الطيب و عدنا إلى مقرنا بمركز خناق عبدالرحمن بالقعدة و بقينا فترة بمركزنا نقوم بنشاطات مكثفة مـــن تـــدريبات و توجيهات و كان بعض القادة يلقون من حين لآخر محاضرات تتعلق بالثورة و التكوين السياسي و العسكري و الأوضاع التي كانت عليها البلاد و بلدان أخرى مستعمرة في العالم و كان كل هذا يزيد من توعيتنا و صقل تجربتنا فكنا نستفيد كثيرا و نزداد عزيمة و إرادة.
و في إحدى ليالي شهر ماي 1957 علمنا من مصادرنا " الاتصالات" بأن الجيش الفرنسي علم بوجودنا في خناق عبدالرحمن و تأكد الخبر لما علمنا بأن فرنسا تحشد لنا قوات ضخمة عندما حددت مركز تواجدنا عن طريق العملاء الموالين لها، و كنا يومها في ثلاث كتائب واحدة قدمت إلينا من الولاية السادسة المتمركزة بالشمال بهدف الحصول على دفعة من الأسلحة و كان يقودها الملازم مصطفى بن عمر و يرافقه المجاهدان لزهاري بن شهرة و نائل علي.