ثانوية بوضريوة مخلوف السنة الدراسية 2016/2017
المستوى الثالثة3 ع ت + 3 اف الأستاذ :جامع عبد الحليم
مذكرة معرفية لنشاط تعلمي تطبيقي (مقالة فلسفية جماعية)
الإشكالية الثالثة في فلسفة العلوم
المشكلة الرابعة : العلوم الإنسانية والعلوم المعيارية
تطبيقات حول العلوم الإنسانية –مقالة فلسفية جماعية بطريقة الجدل ـ
نمودج بكالوريا دورة جوان 2012
الموضوع :هل يمكن للحادثة التاريخية أن تكون موضوعا للدراسة العلمية .؟
--------------------------------------------------------------------------------
طرح المشكلة :إن العلوم الإنسانية هي مجموع الإختصاصات التي تدرس الإنسان من حيث هوفرد يتوفر على جملة من الميول والأهواء ،ومن حيث هو عضو في جماعة ،كما تبحث في ماضي الإنسان بإعتبار أن هذا الأخير له ذكريات ووقائع وقعت في زمن ماضي ،فهي تهتم بدراسة مواقف الإنسان وأنماط سلوكه وتنشغل بواقعه لتتعرف على ماهو ثابت فيه ،بعد تحليله والكشف عن نمطه وقوانينه ، فالعلوم الإنسانية تدرس الظاهرة الإنسانية بمختلف أبعادها ومظاهرها النفسية ، والإجتماعية ، والتاريخية ،فهي تشمل علم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ ، هذا الأخير تباينت أراء الفلاسفة والعلاماء حوله ، فمنهم من يرى بأن الوقائع التاريخية يمكن أن تكون موضوعا علميا ، والبعض الاخر رفض هذا الطرح لذلك نتساءل :
هل يمكن للدراسات التاريخية أن ترتقي لمصف العلوم الموضوعية ؟
محاولة حل المشكلة :الاطروحة الأولى : يرى بعض المفكرين والفلاسفة بأنه لا يمكن دراسة الحوادث التاريخية دراسة علمية موضوعية ، ولا يمكن لها ان ترتقي إلى مصف العلوم التجريبية التي تمتاز بالدقة والنزاهة في نتائجها ، لان الخصائص التي تتصف بها الحوادث التاريخية تختلف عن الظواهر العلمية .تتمثل هذه المميزات في جملة العوائق التي تحد الباحث عن الدراسة التجريبية العلمية ، وتمنعه من تطبيق المنهج الإستقرائي على هذه الظواهر ، مثل هذا الإتجاه العديد من الفلاسفة الرافضين لوجود علوم إنسانية أصلا ومنهم (دلثاي ، ماكس شيلر ، ماكس فيبر ...)
استدل هؤلاء الفلاسفة لتبرير هذا الطرح بمجموعة من الحجج أهمها :
ـ الحادثة التاريخية فريدة من نوعها لا تتكر ، أي انها لا تحدث إلا مرة واحدة ،محدودة بزمان ومكان وبظروف خاصة لأن الزمن الذي حدثت فيه لا يعوذ من جديد ،وبالتالي فهي لاتخضع لمبدأ الحتمية المطلق الذي مفاده نفس الأسباب تؤدي دوما إلى نفس النتائج ،وهدا لا يصدق في الظاهرة التاريخية .
ـ مشكلة الذاتية ، أي إنفلات الدراسات التاريخية من الموضوعية النزيهة ، لأن المؤرخ يتأثر بعوامل تقلل من شأنه وقيمته ، مما يؤدي إلى التحيز والتعاطف للتنشئة الاجتماعية ، وللموقف السياسي والفكري ، وبالتالي تطغى الذاتية على الدراسة التاريخية .
ـ الظواهر التاريخية وقائع كيفية لا مادية غير قابلة للدراسة التجريبية والتقدير الكمي ، وبالتالي يتعدر على الدارس الملاحظة المباشرة فلا يمكنه التجريب على الوقائع ومنه يتعدر عليه التحكم في الحوادث التاريخية .
نقد : لقد بالغ أنصار هذه الأطروحة في رفضهم القاطع لعلمية الحوادث التاريخية ، لان تطور المنهج التجريبي وقابلية خطواته للتكييف والتعديل مع طبيعة الموضوع ساعد المؤرخين على تجاوز هذه العوائق .
الأطروحة النقيض : يرى أنصار الأطروحة النقيض بأن الحادثة التاريخية يمكنها أن ترتقي إلى رتبة العلوم التجريبية ، وبالتالي تطبيق المنهج التجريبي على هذه الظواهر (التاريخية ) ويتم ذلك عن طريق تكييف المنهج مع الموضوع ، دافع ومثل هذه الأطروحة العديد من المؤرخين والفلاسفة أهمهم العلامة عبد الرحمان إبن خلدون ومن سار على نهجه خاصة بعض المؤرخين الفرنسين منهم أرنست رينان ، تين ، فوستال دي كولانج...
وقد أستدل هؤلاء الفلاسفة لتأكيد موقفهم بمجموعة من الأدلة والحجج منها :
ـ الدراسات التاريخية قابلة للتحليل وذلك بإتباع الخطوات والمراحل الأتية :
ـ جمع المصادر أي الأثار والوثائق والمستندات التي خلفها الإنسان ، يقول أحد المؤرخين : "لا وجود للتاريخ دون وثائق ولكل عصر وثائقه " وتنقسم المصادر إلى قسمين ، مصادر إرادية مقصودة وهي التي تركها الإنسان قصدا منه للمحافظة على التاريخ لتكون شاهدا عليه في المستقبل ،مثل الكتب المدكرات الوثائق الرسمية ... أما المصادر غير الإرادية هي كل الأثار التي أنتجها الإنسان دون أي قصد تاريخي وإنما أنتجت لإحتياج الناس إليها في ذلك العصر كالنقود ، الأسلحة ، البنايات ...إلخ
ـ نقد المصادر،: تتم هذه المرحلة لتحقق من أن المصادر سليمة ،من حيث الشكل والمضمون وفي هذا السياق يقول عبد الرحمان إبن خلدون :"لما كان الكدب متطرفا للخبر بطبعه وله أسباب تقتضيه فمنها التشيعات للأراء والمذاهب ، فإن النفس إدا كانت على حال الإعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى تبين صدقه من كدبه." وينقسم النقد إلى قسمين خارجي وداخلي .
ـ مرحلة التركيب التاريخي ومعناها ترتيب الحوادث التاريخية وتفسيرها عن طريق الترتيب الزمني .
نقد : لقد بالغ أيضا انصار الإتجاه القائل بأن الدراسات التاريخية ترتقي لمرتبة العلوم التجريبية ، لان تحقيق الموضوعية في التاريخ أمر صعب والتجرد من الذاتية غير ممكن في التاريخ .
التركيب : من الأطروحتين السابقتين نصل إلى أن الحوادث التاؤيخية لا يمكن رفضها من حيث أنها أصبحت تفسر علميا ، لكن لا يمكن التسليم أيضا بأن هذه الدراسة تماثل الدراسات التجريبية كما هو الحال في علوم المادة الجامدة. (الفيزياء والجيولوجيا والكمياء ..) وذلك لوجود عائق الذاتية ، والنتائج المترتبة عن الدراسات التاريخية لا يمكن مطابقتها بنتائج العلوم التجريبية .
وعليه فالموقف السليم هو الذي يرى بأن الحوادث التاريخية يمكن دراستها دراسة علمية لكن بحسب طبيعة هذه الظواهر .
حل المشكلة : من التحليل السابق نخلص إلى نعم الدراسات العلمية في التاريخ حققت نتائج إيجابية خاصة مع العلامة عبد الرحمان إبن خلدون ،وعليه يمكن القول بأن الدراسات التاريخية يمكنها أن ترتقي إلى مصف العلوم التجريبية لكنها لا تحقق نفس النتائج المترتبة في علوم المادة الجامدة لوجود بعض العوائق مازالت تمنع الدراسة وأهمها عائق الموضوعية ، فالمؤرخ لا يمكنه التجرد من الميول .